التيجان في ملوك حمير/ولاية عمرو بن الحارث بن مضاض

من موسوعة الأدب العربي
< التيجان في ملوك حمير
مراجعة ١٤:٤٣، ٤ سبتمبر ٢٠٢٢ بواسطة Adab (نقاش | مساهمات) (ولاية عمرو بن الحارث بن مضاض)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى:تصفح، ابحث

ولاية عمرو بن الحارث بن مضاض

ولاية عمرو بن الحارث بن مضاض - التيجان في ملوك حمير

ولاية عمرو بن الحارث بن مضاض قال أبو محمد: إنه لما هرب الحارث بن مضاض من مكة، ولي الملك بعده عمرو بن الحارث بن مضاض، وكان ملك عمرو ملكاً ضعيفاً، فأقام بذلك مدة، ثم مات فولي الملك بعدة بمكة وأرض تهامة ابنه البشر بن عمرو ابن الحارث بن مضاض، فأقام بمكة دهراً طويلاً وكان ملكه من تحت ملك بلقيس حتى أتى سليمان بن داود مكة والبشر يومئذ ملكها فآمن البشر بسليمان وأمره أن يدفع أمر مكة إلى بني نابت بن إسماعيل، وكان آخر ملك تملك من جرهم البشر إلا إنه أقرهم على السقاية وتركهم على سدانة البيت فولي أمر مكة عدنان دهراً طويلاً، ثم مات فولي مكة بعده ابنه معد بن عدنان، فأقام دهراً طويلاً، ثم مات، فتنازل الأمر بمكة بين نزار بن معد وقنص ابن معد فغلب عليه نزار فخرج قنص إلى العراق فزعم بعض أهل النسب أن النعمان بن المنذر ملك الحيرة إنه من أبناء قنص بن معد.قال أبو محمد عن البكائي عن أبي مالك عن محمد بن إسحاق: إنه لما افتتح عمرو بن الخطاب العراق دخلت مغارة في الحيرة فأصابوا فيها سيف النعمان المرهف فأتوا به إلى عمر فقال جبير بن مطعم - وكان جبير نسابة عن أبي بكر - فقال له عمر: ممن كان النعمان بن المنذر ؟ قال: سمعت أبا بكر يقول: هو من أشلاء قنص بن معد بن عدنان، فسلحه عمر بالمرهف سيف النعمان.وأقام نزار بن عدنان بمكة مقدماً دهراً طويلاً.قال أبو محمد: حدثني أبي عن محمد بن السائب الكلبي عن علماء العرب أن نزار بن معد بن عدنان لما حضرته الوفاة قسم ماله بين أولاده وكانوا أربعة - وكان أكبرهم إياد - وقال: لك العصا والحلة وأنت صبي.وقال: يا مضر لك القبة الحرماء وهي قبة من أدم، وقال لربيعة: لك الفرس والقنا - فسمي مضر الحمراء وربيعة الفرس - ويا انمار: لك النخلة امة سوداء والحمار.وقال عباس بن مرداد السلمي يذكر مضر الحمراء:

إلى مضر الحمراء ينمي عديدنا. . . . . . . .وأحسابنا إذ مجدنا غير قعدد

وقال الحارث بن أوس يذكر ما ورث إياد من أبيه نزار:

نحن ورثنا من نزار كله. . . . . . . .ونحن أرباب العصاء والحلة

وأما ربيعة بن نزار فانه سمي ربيعة الفرس للفرس الذي ورث من أبيه لأنه اختصه به دون أولاده، وعمر ربيعة دهراً طويلاً فسمي ربيعة القشعم.قال أبو محمد: أكرم الإبل في العرب ابل مضر المهاري وخيل ربيعة أكرم الخيل، ثم خيل بني تغلب خاصة، وغنم انمار أكرم الغنم تأكل في سواد وتربض في سواد وغير ذلك انقص.وأوصى ربيعة للأكبر من ولده فأول من ورث الخيل عنزة بن أسد بن ربيعة.قال أبو محمد: حدثنا حماد بن إسحاق قال: حدثنا محمد ابن إبراهيم حدثنا محمد بن السائب الكلبي قال: حدثنا إسماعيل بن مخزوم عن ابن عباس قال: لما حضر نزار بن معد الوفاة جمع بنيه وهم أربعة: إياد الأكبر وابنه ربيعة وابنه انمار وابنه مضر، وكانت أم مضر وربيعة عاتكة بنت يزيد بن زيد بن عمرو بن الهدهاد الحميري، وأم إياد أروى بنت ليث بن عمر الكلبي، وكانت أن انمار وازعة بنت غالب من بني مالك بن عريب ابن زيد بن كهلان.وقال لما حضرت نزار الوفاة: أوصى إياداً واستخلفه في أهله وأوصى له بأمة شمطاء وبالحلة والعصا، وأوصى لمضر بالقبة قبة حمراء من ادم وخاتمه من ذهب فسمي إياد الشمطاء ومضر الحمراء، وأوصى لربيعة بالفرس والقناة واللواء فسمي ربيعة الفرس، وأوصى لأنمار بالحمار فسمي أنمار الحمار.وأعطى لكل واحد منهم قلة مسدودة على فمها وقال لهم: اذهبوا إلى القلمس بن عمرو - أفعى نجران - فهو حكيم العرب وقاضيهم.فلما مات نزار بن معد بن عدنان رثاه ابنه ربيعة، فقال - وهو أول من قال الشعر من بني معد بن عدنان:

نزار بن خير الناس قدما وحادثاً. . . . . . . .معد بن عدنان سنا ليس يقبر

فمن لمجال الروع والموت حائم. . . . . . . .إذا الخيل تدمي والفوارس تزأر

سيذهب روح العز عن مستقره. . . . . . . .ويقبر معروف الندى حين يقبر

سكنت بأعلام المحصب من منى. . . . . . . .وخلفت ريب الدهر في الخلق يعبر

فيا ليت شعري ما الذي قلت بعدنا. . . . . . . .ويا ليت شعري أم إلى أين تعبر

ثم أنهم ساروا فمروا بكلبة وجرو صغير يرضعها فنبحهم الجرو والكلبة ساكتة فعجبوا منه، ثم ساروا على مزابل منورة فتعجبوا منها، ثم أتوا على طريقهم فأصابوا ثلاث شجرات معطفة متقابلات واحدة في طريقهم وأخرى بارحة والثالثة سانحة، وعلى السانحة طائر وعلى البارحة طائر آخر فيطير الذي على البارحة إلى السانحة فينزل عليها ويطير الذي على السانحة إلى البارحة فينزل عليها، ثم يقيمان ساعة فيعود هذا إلى مكانه ويعود الآخر إلى مكانه والوسطى من الشجرات لا ينزل عليها منهما أحد.ثم ساروا فأصابوا شيخين قد اقتتلا وتضابطا باللحى، فأمروا انمار الصغير أن يفرق بينهما فأقبل انمار ليفرق بينهما، فكلما ضرب أحد منهما صاحبه وقعت الضربة على أنمار حتى أوجعاه فتركهما وتبرأ منهما.ثم نزل إليهما ربيعة ففعلا به مثل ما فعلاه بانمار، فلما أوجعاه تبرأ منهما، فنزل إليهما مضر.فلما دنا منهما افترقا وفر كل واحد منهما إلى ناحية، فلم يبعد كل واحد منهما عن صاحبه حتى غابا.ثم ساروا فمروا على آثر جمل فقال إياد: هذا أثر جمل أعور.وقال مضر: بل أبتر، قال ربيعة: بل أزور.وقال انمار: بل شرود.فلقيهم صاحب البعير فقال: هل أحسستم من بعيري حساً ؟ فقال له إياد: هل هو أعور ؟ قال: نعم، وقال له مضر: هل هو ابتر ؟ قال: نعم، وقال له ربيعة: هل هو أزور ؟ قال: نعم، وقال له انمار: هل هو شرود ؟ قال: نعم قال لهم: فأين البعير ؟ قالوا: ما رأينا لك بعيراً.فتعلق بهم ثم أتوا أفعى نجران وهو متعلق بهم، فقال: أيها الحكيم ان بعيري قد ضل وهؤلاء عرضوا علي صفته وأبوا أن يدفعوه إلي ! فقال لهم أفعى نجران: ادفعوا إلى الرجل بعيره أن أحطتم به علماً، قالوا له: مررنا على أثر بعير فعرفنا صفته بالأثر، قال لهم: كيف وصفتم ؟ قال له إياد: مررت بأثر بعير أعور، قال له مضر: مررت بأثر جمل ابتر، قال له ربيعة: مررت بأثر جمل أزور، قال له انمار: مررت بأثر جمل شرود.قال لإياد: ما دليلك إنه أعور ؟ قال: رأيته يركب أثر عينه الصحيحة وعليها رعيه.قال لمضر: ما دليلك إنه أبتر ؟ قال: رأيت بعيره يقع مجتمعاً ولو كان له ذنب لفرقه به ووقع منتشراً، وقال لربيعة: من أين علمت إنه أزور ؟ قال: رأيت أثؤر خفي يديه يركب بعضهما بعضاً وربما خالف بينهما فعلمت إنه أزور، ثم قال لانمار: من أين علمت إنه شرود: قال: رأيت أثره ربما زاغ عن طريقه فعلمت إنه يروغ عن طريقه يعترض له فيروغ، ولو كان غير شرود لأصبناه ثابتاً في مكانه.فقال أفعى نجران للرجل: اذهب اطلب بعيرك فليس هؤلاء به.ثم نظر إليهم أفعى نجران طويلاً فقال: ( إن العصا من العصية وإن خشينا من أخشن وأراد الجبيل من الجبل وإذا لم يبرق لمع نور يدب أي حراك بنور، فذهب مثلاً.قال أبو محمد: في قوله لم يبرق لمع نور يدب: إلى حرار يثرب أراد إنه رأى عليهم محمد صلى الله عليه وآله وسلم القائم بيثرب.قال ثم أمر لهم بطعام وشراب، ثم أجلسهم مجلساً وقعد قريباً منهم يسمعهم ويراهم وهم لا يرونه، ثم قال لغلام له: يا غلام رأيت قوماً خليق أن يكون لهم نبأ عظيم، فلما أكلوا وشربوا وكان قدم إليهم عناقاً مشوية وخمراً.فقال إياد: هذه العناق أرضعتها كلبة، وقال مضر: إن هذه الخمر من كرمة نبتت في قبر، وقال ربيعة: إن هذا الرجل صاحبنا لغير أبيه، وقال انمار: إن هذا الغلام الذي آتاكم بالطعام من أبناء الملوك الحر.فقام أفعى نجران إلى الراعي، فقال له ما قصة هذه العناق ؟ قال الراعي: ماتت أمها ولم يكن في الغنم شاة تحلب فأرضعتها هذه الكلبة.ثم أتى صاحب الكرم فقال له: هذه الخمر من أي كرم عصرتها ؟ قال له: من هذه، قال له: احفر ! فلما حفر على عروقها فأصابها في جوف طفل صغير شقيت جوفه، ثم أتى أمه فقال لها: نزل بي شياطين وقد زعموا أني لغير أبي وقد صدقوا في كل ما قالوا فاخبريني واصدقيني، فإن كشفك غدا أعظم من كشفك اليوم والحكم اليوم لك وغدا عليك، قال: يا بني ما عملت تحقيق أمري ألا يومي هذا وما كنت داعرة ولا كان أبوك عاهراً غير إنه تنافس أبوك وعمك، وكان أبوك شديد الملكة قاسياً، فضجرت الرعية منه فلجأت إلى عمك فقدموه وقاموا به على أبيك فتحاربا دهراً طويلاً، وإن أباك أتجمع إلى البلقاء من أرض نجران وأنه خرج تلقاء البحرين في عسكر وبلغ عمك الخبر فأتى بعسكر، وأخذ جميع الحي وصار بي إلى قصره وأدخلني القصر وأنه سكر ليلة من ذلك وغلبه السكر فخرج يمشي في قصره فلقيني فوقع علي.فلما أصبح أخبر بما فعل فندم وخلي سبيلي، وأتيت أباك فكنت في شك من أبيك وعمك.وتالله ما كنت أرضى بالزنا وأنا كريمة لكرم وإن عمك حرم الخمر على نفسه، وهو أول من حرمها، وقال:

شربت من الخرطوم صهباه مزة. . . . . . . .لها مسلك بين الحشا والجوانح

لها نشوة تدعو الحليم إلى الصبا. . . . . . . .وتذهب من أحزانه كل فادح

سوى أنها بالحي تجحف بالفتى. . . . . . . .وتفسد من أحواله كل صالح

تجور بأهل الرأي عن فصل رأيهم. . . . . . . .وتزري بأرباب الحلوم الرواجح

إذا لم أكن أنفك فيها أبت بها. . . . . . . .على شرجع ما بين أيدي النوائح

فوالله ثم الله لازلت بعدها. . . . . . . .لها قالياً ما بين غاد ورائح

أحرمها ما حرم البيت ربه. . . . . . . .وتحريم إبراهيم دم الذبائح

وهو هرم بن عمرو - وكان أول من حرم الخمر على نفسه بلا ديانة - قال، ثم أتى إلى القوم وهو لا يدري من هم وقد سمع ما سمع منهم، فجلس مجلس قضائه وأحكامه ثم قال: ائتوني بالنفر المستضيفين، فقال لهم: هل من حاجة أقضيها لكم وتنصرفون ؟ قالوا: نعم أيها الملك آتيناك نسألك عن بعض شأننا ونتحاكم إليك في أمرنا، وكان أفعى نجران أعلم أهل ذلك الزمان بعلم سليمان بن داود عليهم السلام، وكان داعياً من دعاته وكان قبل سليمان أعلم العرب بالنجم والزجر، وكانت العرب أعلم أهل الدنيا بالنجم عن إبراهيم وإسماعيل.فقالوا له: أيها الملك خرجنا نريد إليك في أمورنا فرأينا ثلاث شجرات سانحة وبارحة ووسطى على طريقنا، وعلى السانحة طائر وعلى البارحة طائر فجعل الذي على السانحة يطير إلى البارحى ويعافي الوسطى، ففعلا ذلك مراراً قال لهم: سيأتي زمان يهدي الغني إلى الغني والضعيف المحتاج بينهما لا يهدون إليه شيئاً، قالوا: ثم مضينا إلى رياض جديدة وأقضينا منها إلى مزابل منورة، قال: سيأتي زمان يرتفع فيه العبيد والسفلة ويذلك فيه ويسقط الأحرار والأخيار.قالوا: ثم سرنا على كلبة وعلى بطنها جرو صغير ولا يكاد يقف، أعمى العينين فنبح وأمه ساكتة قال: سيأتي زمان ينطق أهل الجهل ويصمت العلماء.قالوا: ثم مررنا على شيخين وقد تضابطا باللحى فأمرنا أخانا وهو أصغرنا يفرق بينهما فاختلف بينهما الضرب فكان يقع عليه، فلما أوجعاه تنحى عنهما وأمرنا آخانا هذا الثاني ففعلا به كذلك، فزوال عنهما ثم أمرنا آخانا الثالث، فلما دنا منهما افترقا وهربا منه فجعل كلما دنا منهما وليا هرباً حتى غابا عنا، فال فنظر إلى مضر وهو الذي هربا منه نظراً طويلاً فقال له: بخ بخ أنت الشجرة المثمرة.ثم قام عن مجلسه فأجلسه فيه، ثم قال لهم: ذلك شيطانان أرادا أن يخبراكم ليعلما أيكم السبط وأنت أيها المرء مضر بن نزار في ظهرك محمد صلى الله عليه وآله وسلم أكرم مولود وأحمد محمود له الدعوة الصادقة اليوم والمقام المحمود غداً به تستنقذون من الهلكة وبه تنالون الزلفى، وأنتم بنو نزار اختلفتم في ميراثكم وجئتم إلي أحكم بينكم وأنتم كما أرى وتسألوني ؟ قالوا: إن أبانا أمرنا أن نأتيك إن اختلفنا تحكم بيننا، قال: فإن القبة والخاتم لمضر وإليه حكوماتكم، وإن إياد صاحب العصا والكلمة والحلة والشمطاء وإليه أمر معاشكم، وإلى ربيعة صاحب الفرس والقناة واللواء أمر حروبكم، فكونوا تحت لوائه في الحروب، وأما انمار صاحب الحمار فاحملوا عليه فادح وصاحب خدمة أهل الدنيا أعطاه الحمار لتكونوا له كذلك فقال في ذلك بعد ذلك الزمان يحيى بن أبي سلمة البجلي وبجيلة من ولد انمار.

نزار كان أعلم حين أوصى. . . . . . . .لأي بنيه أوصى بالحمار

قال: أعطوه القلال المطبوع عليها، ففك قلة إياد فأصاب فيها تقليم الأظفار قال: يا إياد خذ ماله من عبد وغيره، ثم فك قلة مضر فأصاب قطعة من ذهب وقطعة من فضة، قال له: يا مضر خذ ما ترك من ذهب وفضة، ثم فك قلة ربيعة فأصاب قطعة مة حافر فقال له: خذ ما ترك من فحل وحافر وفرس وبغل وحمار، ثم فك قلة انمار فأصاب فيها ظلفاً فقال له: يا انمار لك الخف والظلف فتراضوا بذلك فقال: الأرض بينكم فقيل من يومئذ إياد الشمطاء ومضر الحمراء وربيعة الفرس وانمار الحمار.وكان أطولهم ربيعة وكان يقال له لذلك: ربيعة القشعم وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لبشير بن الخصاصية السدوسي ( ألست من ربيعة القشعم اللذين يزعمون إنه لولا ربيعة لانكفأت الأرض بأهلها ) قال: نعم يا رسول الله.وكانت تلبية ربيعة في الجاهلية: لبيك ألهم لبيك رب ربيعة القشعم ثم لبيك.قال علي بن أبي طالب: نعم الحي ربيعة إباء الفجار أنجاد سادة.قال أبو محمد: حدثني أسد عن أبي إدريس عن وهب عن ابن عباس إنه قال: لما ولي الملك ناشر النعم، وإنما سمي ( ناشر النعم ) أي محي النعم لما أحيا ملك حمير بعد أربعين عاماً أيام سليمان بن داود عليهما السلام، وناشر النعم هو مالك بن يعفر بن عمرو بن حمير بن السياب بن عمرو بن زيد بن يعفر بن سكسك بن وائل بن حمير بن سبأ.قال أبو محمد: لما ولي ناشر النعم الملك جمع حمير وقبائل قحطان وخرج بالجيوش إلى ما حوى آباؤه والتبايعة العظماء فوطئ موطئاً من الأرض عظيماً واشتد سلطانه فخرج إلى المغرب حتى بلغ إلى البحر المحيط فأمر ابنه شمر وهو شمر يرعش بن ناشر النعم، وإنما سمي يرعش لأنه مسه ارتعاش من شرب الخمر.وقال الايلي: كان يسمى شمر يرعش، والشمر: البوار في لغة حمير، أن يركب البحر المحيط فركب في عشرة آلاف مركب وسار يريد وادي الرمل، وقال له: لا ترجع حتى تعبره وترجع إلي بما رأيت، فركب شمر ونزل ناشر النعم على صنم ذي القرنين فأخرج عساكر إلى الإفرنج والسكس وعبرت عساكره إلى أرض الصقالبة فغنموا الأموال وسبوا الذراري ورجعوا إليه بسبي من كل أمة في جزائر البحر.ثم سمع بالليل دوياً عظيماً على رأس منارة الصنم وهبت ريح عاصفة تكاد تهلك من معه فسمع عند وجه الصباح هاتفاً من رأس المنارة وهو يقول: أبي الله، أبي الله، سبق العلم الأول بالسبب الصادق والعلم النافذ من طلب معدوماً عدم، فقال ناشر النعم: يا أيها الناس هلك ابني شمر يرعش ومن معه.ثم أقبلت مراكب شمر يرعش بعد أيام وقد هلك منها ألف سفينة ونجا تسعة آلاف فقال لشمر يرعش: ما ردك يا شمر يرعش عن أمري ؟ قال: أيها الملك حيل بيني وبين الحكم سمعت دوياً عظيماً وقعقعة علت رؤوسنا فكدت أن أهلك، ثم سمعت هاتفاً يقول: سبق العلم من طلب معدوماً عدم.ثم هبت الريح ففرقت المراكب، فلم تجتمع إلى عند قال: فعبر ناشر النعم البحر وسار على ساحله يريد أرض الحبشة فأخذها، ثم قفل على طريقه خوفاً من المخالب إلى ساحل البحر من شمال الأرض حتى بلغ مدينة شداد بن عاد فأقام فيها حولاً.ثم سار إلى المشرق، ثم أرسل عساكره إلى عزوة أرض الروم بني الأصفر وملكهم يومئذ باهان بن سحور بن مدين بن روم بن اسطوم بن روم بن اسطوم بن روم بن ناطس بن سامك بن رومي بن عيص، وهو الأصغر ابن يعقوب النبي صلى الله عليه وسلم فلقيهم فهزموه وغلبوا عليه فهرب منهم إلى جبل فاعتصم به ورجعوا إليه بالغنائم والسبايا، وكان باهان متوجاً، ثم مر على أرض بابليون وأخذ على الشام يريد مطلع الشمس.قال أبو محمد: لما رجع شمر إلى أبيه من المحيط أمر بمنارة فبنيت إلى جانب منارة ذي القرنين، ثم أمر فكتب في صدر التمثال الذي عليها من النحاس بالمسند: ليس وراء هذا المكان مذهب لا يتكلف المضي أحد فيعطب بلغ من بلغ أثره وانتهى قدره، ثم أمر بالمنارة التي بني فهدمها ومضى.قال أبو محمد: لما توجه إلى المشرق نشر النعم عبر قنطرة سنجة، ثم قال:

أنا تبع الأتباع في المجد والندى. . . . . . . .نشرت علا الآباء في الزمن الخالي

ملكت وقومي مالكون ولم أكن. . . . . . . .لا ملك أعلى الملك إلا بأمثالي

فرضت ملوك الأرض شرقاً ومغرباً. . . . . . . .جبالاً اسامي شامخيها باجبال

يجمع كأن الليل تحت متونه. . . . . . . .بقوم غضاب غير نكس وأعزال

فدانت لنا الأيام شرقاً ومغربا. . . . . . . .وسقنا سبايا كل حجل وخلخال

وأذعن منها كل عاص ممنع. . . . . . . .واسلم فيها ما حوى ثم من مال

وأقبلت نحو الشرق للصين قاصداً. . . . . . . .أدافع باب الترك جالاً على حال

فهل تبلغ الأقوام في المجد مجدنا. . . . . . . .واني لهم في المجد في المركب العالي

ولم أصحب الدنيا على أن لي بها. . . . . . . .خلوداً ولكن أغمضت عنه آجالي

واني على ما نلت من ذاك موقن. . . . . . . .بأني سافني ثم تهلك آمالي

ألم تر آثار الذين تقدموا. . . . . . . .تولوا عن الدنيا وباتوا بأوجال

قال: فغلب على أرض الترك، ثم سار على طبرستان وباب الأبواب ولجج جبال الصغد إلى أرض الكرد والزط والخوز وفرغان فغلب عليهم.فلما فصل يريد أرض التبت إلى الصين وأرض الهند وصار بنهاوند ودينور مات فدفنه شمر ابنه وولي الملك بعده.

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي