حب استثنائي لامرأة استثنائية

من موسوعة الأدب العربي
مراجعة ١٥:٤٢، ٢ أكتوبر ٢٠٢١ بواسطة imported>Al-Adab
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى:تصفح، ابحث

أبيات قصيدة حب استثنائي لامرأة استثنائية لـ نزار قباني

-1-
أكثر ما يعذبني في حبك ..
أنني لا أستطيع أن أحبك أكثر ..
وأكثر ما يضايقني في حواسي الخمس ..
أنها بقيت خمساً .. لا أكثر ..
إن امرأة استثنائية مثلك
تحتاج إلى أحاسيس استثنائية ..
وأشواق استثنائية ..
ودموع استثنائية ..
وديانة رابعة ..
لها تعاليمها , وطقوسها , وحنتها , ونارها
إن امرأة استثنائية مثلك ..
تحتاج إلى كتب تكتب لها وحدها ..
وحزن خاص بها وحدها ..
وموت بملايين الغرف ..
تسكن فيه وحدها ..
لكنني وا أسفاه ..
لا أستطيع أن أعجن الثواني
على شكل خواتم أضعها في أصابعك
فالسنة محكومة بشهورها
والشهور محكومة بأسابيعها
والأسابيع محكومة بأيامها
وأيامي بتعاقب الليل والنهار
في عينيك البنفسجيتين ..
-2-
أكثر ما يعذبني في اللغة .. لأنها لا تكفيك
وأكثر ما يضايقني في الكتابة أنها لا تكتبك ..
أنت امرأة صعبة ..
أنت امرأة لا تكتب ..
كلماتي تلهث كالخيول على مرتفعاتك ..
ومفرداتي لا تكفي لاجتياز مسافاتك الضوئية ..
معك لا توجد مشكلة ...
إن مشكلتي هي مع الأبجدية ..
مع ثمان وعشرين حرفاً , لا تكفيني لتغطية بوصة واحدة من مساحات أنوثتك ...
ولا تكفيني لإقامة صلاة شكر واحدة لوجهك الجميل ..
إن ما يحزنني في علاقتي معك ..
أنك امرأة متعددة ..
واللغة واحدة ..
فماذا تقترحين أن أفعل ؟
كي أتصالح مع لغتي ..
وأزيل هذه الغربة ..
بين الخزف , وبين الأصابع
بين سطوحك المصقولة ..
وعربائي المدفونة في الثلج ..
بين محيط خصرك ..
وطموحك مراكبي ..
لاكتشاف كروية الأرض ..
-3-
ربما كنت راضية عني ..
لأنني جعلتك كالأميرات في كتب الأطفال
ورسمتك كالملائكة على سقوف الكنائس ..
ولكني لست راضياً عن نفسي ..
فقد كان بإمكاني أن أرسمك بطريقة أفضل
ولكن الوقت فاجأني
وأنا معلق بين النحاس .. وبين الحليب ..
بين النعاس .. وبين البحر ..
بين أظافر الشهوة .. ولحم المرايا ..
بين الخطوط المنحنية .. والخطوط المستقيمة
ربما كنت قانعة , مثل كل النساء ,
بأية قصيدة حب تقال عنك ..
أما أنا فغير قانع بقناعاتك ..
فهناك مئات من الكلمات تطلب مقابلتي ..
ولا أقابلها ..
وهناك مئات من القصائد ..
تجلس ساعات في غرفة الانتظار ..
فأعتذر لها ...
إنني لا أبحث عن قصيدة ما ..
لامرأة ما ..
ولكنني أبحث عن " قصيدتك " أنت ...
-4-
انني عاتب على جسدي ..
لأنه لم يستطع ارتدائك بشكل أفضل ..
وعاتب على مسامات جلدي ..
لأنها لم تستطع ارتداءك بشكل أفضل ..
وعاتب على فمي ...
لأنه لم يلتقط حبات اللؤلؤ المتناثرة على امتداد شواطئك بشكل أفضل ..
وعاتب على خيالي ..
لأنه لم يتخيل كيف يمكن أن تتفجر البروق , والقواس قزح ..
من نهديك لم يحتفلا بعيد ميلادهما الثامن عشر ...
بصورة رسمية ..
ولكن .. ماذا ينفع العتب الآن ..
بعد أن أصبحت علاقتنا كبرتقالة شاحبة ,
سقطت في البحر ..
لقد كان جسدك مليئاً باحتمالات المطر ..
وكان ميزان الزلازل
تحت سرتك المستديرة كفم طفل ..
يتنبأ باهتزاز الأرض ..
ويعطي علامات يوم القيامة ..
ولكنني لم أكن ذكياً بما فيه الكفاية ..
لألتقط إشاراتك ..
ولم أكن مثقفاً بما فيه الكفاية ..
لأقرأ أفكار الموج والزبد ..
وأسمع إيقاع دورتك الدموية ..
-5-
أكثر ما يعذبني في تاريخي معكِ ..
أنني عاملتك على طريقة بيدبا الفيلسوف ..
ولم أعاملك على طريقة رامبو .. وزوربا ..
وفان كوخ .. وديك الجن .. وسائر المجانين
عاملتك كأستاذ جامعي ..
يخاف أن يحب طالبته الجميلة ..
حتى لا يخسر شرفه الأكاديمي ..
لهذا أشعر برغبة طاغية في الاعتذار إليك ..
عن جميع أشعار التصوف التي أسمعتك إياها ..
يوم كنت تأتين إلي َّ ..
مليئة كالسنبلة ..
وطازجة كالسمكة الخارجة من البحر ..
-6-
أعتذر إليك ..
بالنيابة عن ابن الفارض , وجلال الدين الرومي , ومحي الدين بن عربي ..
عن كل التنظيرات .. والتهويمات .. والرموز .. والأقنعة
التي كنت أصنعها على وجهي , في غرفة الحب ..
يوم كان المطلوب مني ..
أن أكون قاطعاً كالشفرة
وهجومياً كفهد إفريقي ..
أشعر برغبة في الاعتذار إليك ..
عن غيابي الذي لا مثيل له ..
وجبني الذي لا مثيل له ..
وعن كل الحكم المأثورة ..
التي كنت أحفظها عن ظهر قلب ..
وتلوتها على نهديك الصغيرين ..
فبكيا كطفلين معاقبين .. وناما دون عشاء ..
-7-
أعترف لك يا سيدتي ..
أنك كنت امرأة استثنائية
وأن غيابي كان استثنائياً ..
فاسمحي لي أن أتلو أمامك فعل الندامة
عن كل مواقف الحكمة التي صدرت عني ..
فقد تأكد لي ..
بعدما خسرت السباق ..
وخسرت نقودي ..
وخيولي ..
أن الحكمة هي أسوأ طبق نقدمه ..
لامرأة نحبها ..

عن نزار قباني

نزار قباني (1342 - 1419 هـ / 1923 - 1998 م) شاعر سوري معاصر من مواليد مدينة دمشق.

تعريفه من ويكيبيديا

نزار بن توفيق القباني (1342 - 1419 هـ / 1923 - 1998 م) دبلوماسي وشاعر سوري معاصر، ولد في 21 مارس 1923 من أسرة عربية دمشقية عريقة. إذ يعتبر جده أبو خليل القباني من رائدي المسرح العربي. درس الحقوق في الجامعة السورية وفور تخرجه منها عام 1945 انخرط في السلك الدبلوماسي متنقلًا بين عواصم مختلفة حتى قدّم استقالته عام 1966؛ أصدر أولى دواوينه عام 1944 بعنوان "قالت لي السمراء" وتابع عملية التأليف والنشر التي بلغت خلال نصف قرن 35 ديوانًا أبرزها "طفولة نهد" و"الرسم بالكلمات"، وقد أسس دار نشر لأعماله في بيروت باسم "منشورات نزار قباني" وكان لدمشق وبيروت حيِّزٌ خاصٌّ في أشعاره لعلَّ أبرزهما "القصيدة الدمشقية" و"يا ست الدنيا يا بيروت". أحدثت حرب 1967 والتي أسماها العرب "النكسة" مفترقًا حاسمًا في تجربته الشعرية والأدبية، إذ أخرجته من نمطه التقليدي بوصفه "شاعر الحب والمرأة" لتدخله معترك السياسة، وقد أثارت قصيدته "هوامش على دفتر النكسة" عاصفة في الوطن العربي وصلت إلى حد منع أشعاره في وسائل الإعلام.—قال عنه الشاعر الفلسطيني عز الدين المناصرة : (نزار كما عرفته في بيروت هو أكثر الشعراء تهذيبًا ولطفًا).

على الصعيد الشخصي، عرف قبّاني مآسي عديدة في حياته، منها مقتل زوجته بلقيس خلال تفجيرٍ انتحاري استهدف السفارة العراقية في بيروت حيث كانت تعمل، وصولًا إلى وفاة ابنه توفيق الذي رثاه في قصيدته "الأمير الخرافي توفيق قباني". عاش السنوات الأخيرة من حياته مقيمًا في لندن حيث مال أكثر نحو الشعر السياسي ومن أشهر قصائده الأخيرة "متى يعلنون وفاة العرب؟"، وقد وافته المنية في 30 أبريل 1998 ودفن في مسقط رأسه، دمشق.

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي