أدب الندماء ولطائف الظرفاء (كشاجم)/غَسْلِ اليد

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

غَسْلِ اليد

غَسْلِ اليد - أدب الندماء ولطائف الظرفاء (كشاجم)

- قد اصْطَلَحَ النَّاسُ على إِجلالِ رُؤسائِهم ومُلوكِهم عنْ غَسْل أيديهم بِحَضْرَتِهم، واستجازُوا ذلك مع نظرائِهم ومن يَسْقُطُ التحفُّظُ بينه وبينهم. - ولو آثر النّاسُ الاعتزالَ لغسلِ الأَيدي من الغَمَرِ مع كلِّ طبقةٍ حتى لا يَرى بعضُهم بعضاً لكان ذلك عندي ألْيقَ بالظَّريفِ، وأشدَّ إِمكانًا لما يَحتاجُ إِليه من استقصاءِ الغُسل، والمبالغةِ في التّنظيف، وإِجالةِ الأَنامِل في الَّلهَوَاتِ، والخلال في الأَسنان، وتَفْله وما أشبه ذلك ممّا لا يَشُكُّ أحدٌ أنّ سَتْرَهُ عن عين المحبِّ، والمُبغضِ، والرّفيع، والمتواضِع، أحمدُ من إِطلاعِهِ عليه. - ومُحَالٌ أن يكون الرُّؤساء والملوكُ ذهبوا غيرَ هذا المذهب، وأن يُظن بهم فيه الكِبْرُ، ويُوهم عليهم العُجْبُ، وإن المَرء ليتأَذَّى أن يرى ذلك من نَفْسِهِ، فكيف من غيرِه !- وربما يُحسِنُ الرئيسُ ويُجملُ فيقول لنديمه: اِغْسِلْ يدَكَ مكانك، ولا تنزعجْ، فالغبيُّ يتغنَّمُ ذلك، والفطِنُ يأْباه، ويُغلِّب الأَدب، فيخف على الأدب، ويستفيد الحظوةَ، ويأْمَنُ الأَوّل التَّثْقيل فيثقل. - ولو كان الحكمُ في هذا يُوجبُ من الترتيبِ فيه والاجتماعِ عليه مثلَ ما تُوجبُهُ المؤاكلةُ لحَسُنَ أن تجتمعَ الأَيدي في الطَّسْتِ الواحدة، كما تجتمعُ في مائدةٍ واحدة. - هذا بَعْدَ الطعامِ فأَما قَبْلَهُ فجائِزٌ أن تُغسلَ اليدُ بين يدي الرّئيس والنّظير في طستٍ واحدة. - وغسل رجُلٌ مع المأْمونِ يدَه، وأبطأَ الطعامُ، فسبَقتْهُ يدُه إِلى رأْسِهِ، فقال له المأْمون: أَعِدْ غَسْلِ يدك وقال: لا يلي غَسْل اليدِ إلاّ الخُبْز. - وقال: رئيسُ سُنَنِ العربِ المضمضةُ، والسّوَاكُ، والاستنجاءُ، ورئيسُ سننِ العجمِ الخِلال، وغَسْلُ اليد قبلَ الطعامِ. - وسبيلُ ربِّ المنزلِ أن يبتدئَ بِغَسل اليدِ، فيكون أوَّلاً قبلَ الطّعام وآخراً بعده، ينفي في الأَوّل حشمتهم، وفي الحالة الثّانية يتوخَّى تعجيل إِماطةِ أذى الغَمَرِ عن أيديهمِ. - هذا مع الأَكْفَاءِ والمعاشرين، فأَمّا العظماء من ذوي السُّلطانِ فَالأَوْلَى بمنادمتهم المبالغةُ في التّخفيف عن أعْيُنِهم وقلوبهم، والتّناهي في إِعظامِهِم وتَبْجيلِهم. - فأَمّا الخلالُ والانفرادُ به، والتَّخلِّي له فأَصْوَنُ وَأحْسَنُ على كلِّ حال. ^

باب

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي