أفي دار قومي يسكن الغرباء
أبيات قصيدة أفي دار قومي يسكن الغرباء لـ أبي الفضل الوليد
أفي دارِ قومي يَسكنُ الغرباءُ
وليسَ لهم بعدَ الثواءِ جلاءُ
فأهلا وسهلاً إن يكونوا ضُيوفنا
وحَرباً وضرباً إن بغى النزلاء
فإمّا يروموا الحربَ فهي انتِصافُنا
وإمّا يشاؤوا السلم فهو هناء
ستظهرُ منا نخوةٌ وبَسالةٌ
إذا اربدَّ غيمٌ أو ترنّق ماء
أبى اللهُ والإسلامُ والأصلُ أن يُرى
فتىً عربيٌ ليسَ فيهِ إباء
جديرٌ بنا أن نَستعدَّ لهم وأن
نُعِدَّ الذي تشفَى بهِ البرحاء
فإمّا انتصارٌ وانتصافٌ وعزَّةٌ
وإما اقتحامُ الموتِ وهو شفاء
أمانيُّ قومي في المنايا وما لهم
خلاصٌ إذا لم يجهلِ العقلاء
أليس يموتُ الناسُ دون خلودِهم
ودونَ ملذّاتِ تُراقُ دماء
لئن كانَ دفعُ الشرِّ بالشرِّ واجباً
تأبَّطَ شرّاً من إليهِ يُساء
إلى الحقِّ مالَ الناسُ في حالِ ضعفِهم
وقد أعرضوا عنهُ وهم قدراء
فلا هَيبةٌ للحق إِلا بقوَّةٍ
تردُّ التعدّي والسلاحُ سواء
ألستَ ترى المُستحوذينَ على الورى
يَقُولونَ منّا رحمةٌ وسخاء
وإنصافُ مظلومٍ وإطلاقُ موثقٍ
وتحريرُ أَرضٍ أهلُها ضُعفاء
ومن جَورِهم تبكي شعوبٌ كثيرةٌ
بنوها عبيدٌ عندَهم وإماء
لعمركَ هذي خدعةٌ ثعلبيَّةٌ
وهذا على خَوفِ الزئيرِ مواء
فلا تَكُ يوماً واثقاً أو مصدّقاً
فكلُّ ضعيفٍ ما لهُ نُصراء
عجبتُ لباغٍ يدّعي العدلَ والتُّقى
ومنهُ على بعضِ العقولِ غشاء
مظالمهُ عمّت وجمّت ذنوبُهُ
فأنكرَها إذ ليسَ فيهِ حياء
فَقُل أيها الكذّابُ إن كنتَ صادقاً
إِلى اللهِ تُب قد طالَ منكَ رياء
وأفرج عن الأرضِ التي ضُمتَ أهلها
لكَ الويلُ ما هامُ الشعوبِ وطاء
كفاكَ الذي من مالها ودمائها
أخَذتَ وفيها مِنكَ مُلّ ثواء
أجزّاً لشاءٍ ثم ذبحاً لغيرها
وهذي لها صرعٌ وتلكَ ثِغاء
وتَغسُلُ كفاً بالدماءِ تَلطّخَت
كأن لم ترَ السكّينَ عندَك شاء
رُوَيدَكَ لا تكذِب على الله والورى
فبعدَ التباكي قد يكون بُكاء
تَذَلَّلَ قومي بعدَ عزٍّ وأقفَرَت
رُبوعٌ عليها في العفاءِ بَهاء
وَقَفتُ بها مُستَجلياً متأملاً
وقد شاقَني مِنها ثرىً وسماء
فَفاضَت دموعي بعدَ طولِ انحباسِها
ومنها لنفسي راحةٌ وعزاء
لقد هانَ دَمعي في ديارِ أحبّتي
وفي غيرِها قد عزَّ وهو رماء
سلامٌ عليها من فتًى هائمٍ بها
لهُ من بقاياها سنًى وسناء
يُحبِّبها حبُّ الذين تحمّلوا
ومنهم عليها ذمّةٌ ووفاء
فمن لا يُحبُّ العرْبَ وهو ربيبُهم
فإنَّ جميعَ العربِ منه براء
ألا هل كقومي أو كمثلِ كبارِهم
إذا عُدَّتِ الأقوامُ والكبراء
ففي العالمِ العُلويِّ سادَ محمدٌ
وما وَلدَت مثلَ النبيِّ نساء
وكيفَ أوفّي خيرَ مَن وطأ الثرى
مِن المدحِ حقاً والثناء عياء
إلهيةٌ أقوالهُ وفِعالهُ
يُقَصِّرُ عن إدراكِها الحكماء
دعا قومَه والناسَ طرّاً إِلى الهُدى
وللأرضِ منهُ في الظلامِ ضياء
وأعطى الورى دينا وشرعاً بناهُما
على لُغةٍ منها البيانُ غناء
فصلّوا بها لِله وهي لسانُهُ
وفي غيرِها لا يُستجابُ دعاء
وأوصى بحجِّ البيتِ صوناً لحرمةٍ
من اللهِ والإسلامِ حيثُ يفاء
فَجَمَّع أهلَ الشرقِ والغربِ حَوله
وصارَ بهِ كالإخوة الغرباء
وبعدَ طوافٍ واستلامٍ مثبّتٍ
لإيمانهم عادوا وهم خلفاء
يُنادونَ باسمِ الله واسمِ محمدٍ
أذاناً فَهزَّ العالمينَ نداء
شريعتُه فَوقَ الشرائعِ كُلّها
فما هي إِلا حكمةٌ ودهاء
فلا فقه إلا ما ارتأى فقهاؤها
وعنهم وعنها يأخذُ الفقهاء
وكم من شُعوبٍ تَستنيرُ بدينهِ
وكم دولٍ منها عليه بناء
وكم جامعٍ فيه نعيمٌ ونعمةٌ
ومأذنةٍ فيها عُلاً وعلاء
بظلّهما قد صارت الأرضُ جنّةً
لها العدلُ خَصبٌ والإخاءُ نماء
وأكملُ دينٍ دينه فهو للورى
علاجُ طبيبٍ صحّ منه إساء
على مقتضى أحوالهم وطباعِهم
وحاجاتِهم قد جاء منه كفاء
فسلوى على حقٍّ ملوكاً وسُوقةً
تآخوا على الاسلامِ وهو إخاء
صحابتُهُ الأبرارُ خيرُ صحابةٍ
وأنصارُه الأبطالُ والشرفاء
وللخلفاءِ الرّاشدين فضيلةٌ
وفضلٌ هما للقانطينَ رجاء
فمن كأبي بكرٍ عفافاً وحكمةً
وتقوى إذا ما عُدَّت الرؤساء
ومن يشبهُ الفاروقَ تحتَ عباءةٍ
هِرَقلُ اشتهاها والحريرُ كساء
فأزرَت بعزِّ الأرجوانِ وظلُّها
على العربِ منه رايةٌ ورواء
لقد كانَ جباراً فصارَ بعدلهِ
أباً للرعايا فاغتنى البؤساء
ومن مثل عثمانٍ تُقىً وتعبّداً
إذا عُرِضَ القرآن والشهداء
ومن كعليٍٍّ نجدةً وبلاغةً
تمناهما القوادُ والخطباء
به ثبتَ الإسلامُ واعتزَّ أهلُهُ
فَدانت لهُ الفرسانُ والأمراء
سيائدُ نالوا عِزّةً عن تَواضعٍ
وأعداؤهم في عزِّهم وُضعاء
فأينَ عظامُ الأرضِ حينَ أعدّهمّ
قبالتَهم لا يَظهرُ العظماء
وعن نَجدةِ القوَّادِ في غَزواتهم
يقصِّرُ وَصفٌ أو يقلُّ ثناء
لنصرةِ دينِ الله جرَّدَ خالدٌ
حساماً عليهِ أسلَمَ البُسلاء
وما عادَ إِلا ظافراً أو مظفّراً
وقدّامَه كلُّ الجيوشِ هباء
لقد كان سيفَ اللهِ وهو كَسَيفِهِ
مضاءً وفتكاً إن بلاهُ بلاء
وقد أكثر الجرّاحُ جَرحى عُداتِه
وأشلاءَهم حتى استقرَّ لواء
فوفّقَ بين البأسِ والحلمِ مُقسِطاً
وما العدلُ إِلا أن يَصحَّ جزاء
وإنَّ معاداةَ الكريمِ صداقةٌ
وإنَّ موالاةَ اللئيمِ عداء
وعمروٌ أتى مصراً فحيّاهُ أهلُها
وقالوا لأهلِ المكرماتِ رفاء
فأخرجَهم عن رِقّهم وضلالِهم
وإيمانُهم أمنٌ لهُم وصفاء
وسار ابنُ سعدٍ يفتحُ الغربَ للهُدى
وفي راحَتَيهِ نِعمةٌ وشقاء
ولما استتبّ الأمرُ تحتَ حسامهِ
على الأرضِ حلّت رحمةٌ ورخاء
أظلّت شعوبَ الخافقينِ خِلافَةٌ
وللعربي الملكُ حيث يشاء
ولما تناءى عن حِماها حُماتُها
تَناولها الغلمانُ والدُّخلاء
وناهضَها الأعداءُ من كلِّ مَعشَرٍ
وليسَ لقومي في الونى زُعماء
فيا ويل من ولَّى الأجانبَ أمرَهُ
وقوَّادهم حَوليه والوزراء
هو الملكُ لا يحميهِ إِلا بُناتُهُ
وهم أبداً حرَّاسُهُ الأُمناء
فلو كان للعبّاسِ مثلُ أميّةٍ
لما ضاعَ ملكٌ ساسَهُ الخلطاء
غدا أمراءُ المؤمنينَ عبيدَهم
وهانَ رسولُ اللهِ والخلفاء
تخاذلَ قومي واختلافُ ملوكهم
بلاءٌ عليهِ لا يُقاسُ بلاء
رُوَيدَكِ بنتَ الرومِ لا تتكبّري
ولا تظلمينا إننا تعساء
لنا الأمسُ والتاريخُ نملكُ نصفَهُ
ولكن غدٌ يُرخى عليهِ غَطاء
حَكَمنا وقد كنّا لحقٍّ وقوّةٍ
ونحنُ على بأسائنا شُرفاء
أرى كلّ عالٍ بالسّقوطِ مُهدَّداً
وكلَّ صباحٍ قد تلاهُ مساء
فلا تضحكي يا أجنبيّةُ في الأسى
وقومُكِ مِنهم سلطةٌ وقضاء
سنحيا بذكرِ المجدِ بعدَ انقضائهِ
وما زال في السّيفِ القديمِ مضاء
ونَطلُبُ حقَّ اللهِ والملكِ والعُلى
ليشفي نفوسَ التائهينَ لِقاء
وَنضرِبُ ضَربَ اليائسين بثأرِنا
لترحبَ أرضٌ أو يضيقَ فضاء
فلا بدَّ من تكبيرةٍ عربيةٍ
وتهلِيلةٍ حيثُ الجهادُ فداء
فإما انتصارٌ فيه مجدٌ مخلَّدٌ
وإما انكسارٌ فيه طابَ فَناء
بذلك نُرضِي رَبَّنا ونبيَّنا
وأجدادَنا والموتُ فيه رِضاء
هَلِ العربيُّ الحرُّ يهنأ عَيشُهُ
وراحتُهُ وهو الذليلُ عناء
فلا حمَلت حكمَ الأجانبِ أُمتي
ومنهم عليها سادةٌ رُقباء
إذا لم تكن أرضي لقومي هجرتُها
فللحرِّ في حكمِ الغريبِ جفاء
وبين ضلوعي همةٌ عربيّةٌ
لها النجمُ دارٌ والسماءُ فِناء
شرح ومعاني كلمات قصيدة أفي دار قومي يسكن الغرباء
قصيدة أفي دار قومي يسكن الغرباء لـ أبي الفضل الوليد وعدد أبياتها ستة و تسعون.