ألا تجلسين قليلاً ؟.

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

أبيات قصيدة ألا تجلسين قليلاً ؟. لـ نزار قباني

ألا تجلسين قليلاً
ألا تجلسين؟
فإنّ القضية أكبر منكِ.. وأكبر مني..
كما تعلمينْ..
وما كان بيني وبينكِ ..
لم يكُ نقشاً على وجه ماءْ
ولكنه كان شيئاً كبيراً كبيرا..
كهذي السماءْ
فكيفَ بلحظةِ ضعفٍ
نريدُ اغتيال السماءْ؟...

ألا تجلسين لخمسِ دقائقَ أخرى؟
ففي القلب شيءٌ كثيرٌ..
وحزنٌ كثيرٌ..
وليسَ من السهل قتلُ العواطف في لحظات
وإلقاءُ حبكِ في سلةِ المهملاتْ..
فإن تراثنا من الحبِ.. والشعرِ.. والحزنِ..
والخبز.. والملح.. والتبغ.. والذكرياتْ
يحاصرنا من جميع الجهاتْ
فليتكِ تفتكرين قليلاً بما تفعلينْ
فإن القضيةَ..
أكبرُ منكِ.. وأكبر مني ..
كما تعلمينْ..

أنا لا أحاول ردّ القضاء
ولكنني أشعر الآن أن التشنج ليس علاجا
لما نحن فيهِ..
وأنا الحماقة ليستْ طريقَ اليقينْ
وأن الشؤون الصغيرة بيني وبينكِ..
ليستْ تموت بتلك السهولهْ
وأن المشاعر لا تتبدل مثل الثياب الجميلهْ..

أنا لا أحاول تغييرُ رأيكِ..
إن القرار قرارك طبعاً..
ولكنني أشعر الآن أن جذورك تمتد في القلبِ,
ذات الشمال, وذات اليمينْ..
فكيف نفك حصارَ العصافير, والبحر,
والصيفِ, والياسمينْ..
وكيفَ نقص بثانيتين؟
شريطاً غزلناه في عشرات السنينْ..

- سأسكب كأساً لنفسي..
- وأنتِ؟
تذكرتُ أنكِ لا تشربينْ..
أنا لستُ ضد رجليكِ.. لكن..
أفكر أنّ السماء ملبدة بالغيومْ..
وأخشى عليكِ سقوط المطرْ
فلماذا يضيرك لو تجلسينْ؟
لحين انقطاع المطرْ..
وماذا يضركِ؟
لو تضعين قليلاً من الكحل فوق جفونك..
أنتِ بكيتِ كثيراً..
ومازال وجهك رغم اختلاط دموعك بالكحل
مثل القمرْ...
أنا لستُ ضدّ رحيلكِ..
لكنْ..
لديّ اقتراح بأن نقرأ الآن شيئاً من الشعر..
علّ قليلاً من الشعر يكسر هذا الضجرْ..
...تقولين إنكِ لا تعجبين بشعري!!
سأقبلُ هذا التحدي الجديد
بكل برودٍ.. وكل صفاءْ
وأذكرُ..
كم كنتِ تحتفلين بشعري..
وتحتضنين حروفي في صباحَ مساء
وأضحكُ..
من نزوات النساءْ..
فليتك سيدتي تجلسينْ
فإن القضية أكبر منكِ .. وأكبر مني..
كما تعلمينْ..

أما زلتِ غضبى؟
إذنْ سامحيني..
فأنتِ حبيبية قلبي على أي حالْ..
سأفرض أني تصرفتُ مثل جميع الرجالْ
ببعض الخشونه..
وبعض الغرورْ..
فهل ذاك يكفي لقطع جميع الجسورْ؟
وإحراقِ كل الشجرْ...
أنا لا أحاول رد القضاء ورد القدر..
ولكنني أشعر الآنَ..
أن اقتلاعك من عصب القلب صعبٌ..
وإعدام حبكِ صعبٌ..
وعشقك صعبٌ..
وكرهكِ صعبٌ..
وقتلك حلمٌ بعيد المنالْ..
فلا تعلني الحربَ..
إنّ الجميلات لا تحترفن القتالْ..
ولا تطلقي النار ذات اليمين وذات الشمالْ..
ففي آخر الأمرِ..
لن تستطيعي اغتيالَ جميع الرجالْ..

عن نزار قباني

نزار قباني (1342 - 1419 هـ / 1923 - 1998 م) شاعر سوري معاصر من مواليد مدينة دمشق.

تعريفه من ويكيبيديا

نزار بن توفيق القباني (1342 - 1419 هـ / 1923 - 1998 م) دبلوماسي وشاعر سوري معاصر، ولد في 21 مارس 1923 من أسرة عربية دمشقية عريقة. إذ يعتبر جده أبو خليل القباني من رائدي المسرح العربي. درس الحقوق في الجامعة السورية وفور تخرجه منها عام 1945 انخرط في السلك الدبلوماسي متنقلًا بين عواصم مختلفة حتى قدّم استقالته عام 1966؛ أصدر أولى دواوينه عام 1944 بعنوان "قالت لي السمراء" وتابع عملية التأليف والنشر التي بلغت خلال نصف قرن 35 ديوانًا أبرزها "طفولة نهد" و"الرسم بالكلمات"، وقد أسس دار نشر لأعماله في بيروت باسم "منشورات نزار قباني" وكان لدمشق وبيروت حيِّزٌ خاصٌّ في أشعاره لعلَّ أبرزهما "القصيدة الدمشقية" و"يا ست الدنيا يا بيروت". أحدثت حرب 1967 والتي أسماها العرب "النكسة" مفترقًا حاسمًا في تجربته الشعرية والأدبية، إذ أخرجته من نمطه التقليدي بوصفه "شاعر الحب والمرأة" لتدخله معترك السياسة، وقد أثارت قصيدته "هوامش على دفتر النكسة" عاصفة في الوطن العربي وصلت إلى حد منع أشعاره في وسائل الإعلام.—قال عنه الشاعر الفلسطيني عز الدين المناصرة : (نزار كما عرفته في بيروت هو أكثر الشعراء تهذيبًا ولطفًا).

على الصعيد الشخصي، عرف قبّاني مآسي عديدة في حياته، منها مقتل زوجته بلقيس خلال تفجيرٍ انتحاري استهدف السفارة العراقية في بيروت حيث كانت تعمل، وصولًا إلى وفاة ابنه توفيق الذي رثاه في قصيدته "الأمير الخرافي توفيق قباني". عاش السنوات الأخيرة من حياته مقيمًا في لندن حيث مال أكثر نحو الشعر السياسي ومن أشهر قصائده الأخيرة "متى يعلنون وفاة العرب؟"، وقد وافته المنية في 30 أبريل 1998 ودفن في مسقط رأسه، دمشق.

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي