أنت اللغة !
أبيات قصيدة أنت اللغة ! لـ نزار قباني
لا يشبه الكلام ..
وأخترع لغة لك وحدك
أفصلها على مقاييس جسدك
ومساحة حبي .
أريد أن أسافر من أوراق القاموس
وأطلب إجازة من فمي ..
فلقد تعبت من استدارة فمي ..
أريد فماً آخر
يستطيع أن يتحول متى أراد
إلى شجرة كرز
أو علبة كبريت ..
*
أريد فماً جديداً
تخرج منه الكلمات
كما تخرج الحوريات من زبد البحر
وكما تخرج الصيصان البيضاء
من قبعة الساحر ..
خذوا جميع الكتب
التي قرأتها في طفولتي ..
خذوا الطباشير
والأقلام
والألواح السوداء
وعلموني كلمة جديدة
أعلقها كالحلق
في أذن حبيبتي ..
*
أريد أصابع أخرى
لأكتب بطريقة أخرى ..
فأنا أكره الأصابع التي تطول ولا تقصر
كما أكره الأشجار التي لا تموت .. ولا تكبر ..
أريد أصابع جديدة
عالية كصواري المراكب
وطيلة كأعناق الزرافات
حتى أفصل لحبيبتي قميصاً من الشعر
لم تلبسه قبلي ..
*
أريد أن أصنع لك أبجدية
غير كل الأبجديات
فيها شيء من إيقاع المطر
وشيء من حزن الغيوم الرمادية
وشيء من توجع أوراق الصفصاف
تحت عربات أيلول ..
أريد أن أهديك كنوزاً من الكلمات
لم تهد لامرأة قبلك
ولن تهدى لامرأة بعدك ..
يا امرأة
ليس قبلها قبل
وليس بعدها بعد
*
أريد أن أعلم نهديك الكسولين
كيف يهجيان اسمي
وكيف يقرآن مكاتيبي ..
أريد أن أجعلك اللغة ..
عن نزار قباني
نزار قباني (1342 - 1419 هـ / 1923 - 1998 م) شاعر سوري معاصر من مواليد مدينة دمشق.
تعريفه من ويكيبيديا
نزار بن توفيق القباني (1342 - 1419 هـ / 1923 - 1998 م) دبلوماسي وشاعر سوري معاصر، ولد في 21 مارس 1923 من أسرة عربية دمشقية عريقة. إذ يعتبر جده أبو خليل القباني من رائدي المسرح العربي. درس الحقوق في الجامعة السورية وفور تخرجه منها عام 1945 انخرط في السلك الدبلوماسي متنقلًا بين عواصم مختلفة حتى قدّم استقالته عام 1966؛ أصدر أولى دواوينه عام 1944 بعنوان "قالت لي السمراء" وتابع عملية التأليف والنشر التي بلغت خلال نصف قرن 35 ديوانًا أبرزها "طفولة نهد" و"الرسم بالكلمات"، وقد أسس دار نشر لأعماله في بيروت باسم "منشورات نزار قباني" وكان لدمشق وبيروت حيِّزٌ خاصٌّ في أشعاره لعلَّ أبرزهما "القصيدة الدمشقية" و"يا ست الدنيا يا بيروت". أحدثت حرب 1967 والتي أسماها العرب "النكسة" مفترقًا حاسمًا في تجربته الشعرية والأدبية، إذ أخرجته من نمطه التقليدي بوصفه "شاعر الحب والمرأة" لتدخله معترك السياسة، وقد أثارت قصيدته "هوامش على دفتر النكسة" عاصفة في الوطن العربي وصلت إلى حد منع أشعاره في وسائل الإعلام.—قال عنه الشاعر الفلسطيني عز الدين المناصرة : (نزار كما عرفته في بيروت هو أكثر الشعراء تهذيبًا ولطفًا).
على الصعيد الشخصي، عرف قبّاني مآسي عديدة في حياته، منها مقتل زوجته بلقيس خلال تفجيرٍ انتحاري استهدف السفارة العراقية في بيروت حيث كانت تعمل، وصولًا إلى وفاة ابنه توفيق الذي رثاه في قصيدته "الأمير الخرافي توفيق قباني". عاش السنوات الأخيرة من حياته مقيمًا في لندن حيث مال أكثر نحو الشعر السياسي ومن أشهر قصائده الأخيرة "متى يعلنون وفاة العرب؟"، وقد وافته المنية في 30 أبريل 1998 ودفن في مسقط رأسه، دمشق.