إنهم يخطفون اللغة .. إنهم يخطفون القصيدة ..

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

أبيات قصيدة إنهم يخطفون اللغة .. إنهم يخطفون القصيدة .. لـ نزار قباني

1
في زمن اللاكتابة ..
لا أدري ماذا أكتب إليكِ ؟
وفي زمن اللاحوار ..
لا أعرف كيف أحاور يديك الجميلتين .
وفي زمن الحب البلاستيكي
لا أجد في كل لغات الدنيا
جملة مفيده
أزين بها شعري الطري ..
كصوف الكشمير ...
فالأشجار ترتدي الملابس المرقطة
والقمر ..
يلبس خوذته المعدنية كل ليلة
ويقوم بدورية الحراسة
خلف شبابيكنا ..
2
العالم يا حبيبتي
مخفر بوليس كبير
وعلينا أن نقف في الطابور كل يوم
لكي نثبت :
أنا لا نقرب النساء ..
ولا نتعاطى إلا العنف والماء ..
ولا نعرف شيئاً عن زرقة البحر
وتوركواز السماء .
وأننا لا نقرأ الكتب المقدسة
وليس في بيوتنا
مكتبة .. ولا دفاتر .. ولا أقلام رصاص
وأننا لا نزال
( أمواتاً عند ربهم يرزقون )
3
في هذا الزمن الذي باع كل أنبيائه
ليشتري مكيفاً للهواء
وباع كل شعرائه
ليقتني جهاز فيديو ..
في هذا الزمن
الذي يقايض الوردة .. بساعة ( سايكو )
وقصيدة الشعر .. بحذاء ..
في هذا الزمن المدجج بموسيقى الجهل
وسراويل الجينز ..
وشيكات ( الأميريكان إكسبرس )
في هذا الزمن الذي يعتبر سيلفستر ستالوني
أعظم من الإسكندر المقدوني ..
ويصبح فيه مايكل جاكسون
أكثر شعبية من السيد المسيح ..
أشعرُ بحاجة للبكاء على كتفيك
قبل أن يفترسنا عصر الفورمايكا
وعصرُ تأجير الأرحام ..
أشعرُ بحاجةٍ , يا حبيبتي ,
لقراءة آخر قصيدة حب , كتبتها
قبل أن تصبحي آخر النساء ..
وأصبحَ أنا ..
آخر حيوان يقرض الشعر ...
4
في زمن الميليشيات المثقفة ..
والكتابات المفخخة
والنقد المسلح ..
في زمن الأيديولوجيات الكاتمة للصوتْ
والمذاهب الكاتمة للصوت
والفتاوى الكاتمة للصوت
في زمن خطف القصيدة ..
بسبب أنوثتها ..
وخطف المرأة
بسبب شموخ نهديها ..
وخطف اللغة
بسبب أسفارها الكثيرة إلى أوروبا
وخطفِ الشاعرْ ..
بسبب علاقاته المشبوهه
مع رامبو .. وفيرلين .. وبول ايلور .. ورينه شارْ
وغيرهم من الشعراء الصليبيين
في زمن المسدس الذي لا يقرأ .. ولا يكتب
أقرأ في كتاب المعتقل السياسي
كتاباً ممنوعاً عن الحرية
وكما يفرح المسجون
بعلبة سجائر ٍ مهربهْ ...
5
في زمن هذا الإيدز الثقافي
الذي أكل نصف أصابعنا .. ونصف دفاترنا ..
ونصف ضمائرنا ..
في زمن التلوث الذي لم يترك لنا غصناً أخضر
ولا حرفاً أخضر ..
في زمن الكتبة الخارجين من رحم النفط
والصحافة التي فقدت بكارتها مليون مرة ..
والبقية تأتي ...
في زمن ..
صار فيه ( وول ستريت )
أهم من سوق عكاظ
وسلطان بروناي
أهم من أبي الطيب المتنبي ..
ألتجيءُ إلى ذراعيك المفتوحتين
كما تلجئ الحمامة إلى برج كاتدرائيه
وكما تتخبأ غزالة بين القصب
من بواريد الصيادينْ ...
6
في عصر أدبِ الأنابيب ..
والأدباء .. الذين تربيهم السلطة في الأنابيب .
في زمن صار فيه الغزل بالكومبيوتر ..
واللواط الفكري بالكومبيوتر
وهز الأرداف .. بالكومبيوتر ..
وهز الأقدام .. بالكومبيوتر ..
في هذا الزمن الذي تساوت فيه تسعيرة الكاتب
وتسعيرة المومس ...
أحاول أن أهرب إلى مرافئ عينيكِ ..
حيثُ السباحة لا تزال ممكنة ..
وكتابة الشعر .. لا تزال ممكنه ....
7
في زمن يخافُ في القلم من الكلام مع الورقة
ويخاف في الرضيع من الاقتراب من ثدي أمه ..
ويخاف فيه الليل من أن يمشي وحده في الشارع
وتخاف فيه الوردة من رائحتها ..
والنهدان من حلمتيهما ..
والكتب من عناوينها ..
في زمن .. لا فضل في لعربي على عربي
إلا بالقدرة على الخوف ..
والقدرة على البكاء ..
أنادي عليكِ ..
بكل الكلمات التي أحفظها من زمن الطفوله
والتي كتبتها على دفاتر مدرسّي ٍ صغير
طمرته في حديقة البيت ..
حتى لا يسقط بين أنياب المتوحشين ...
8
في زمن ..
سافر فيه الله .. دونَ أن يترك عنوانه
أتوسل إليكِ ..
أن تظلي معي .
حتى تظل السنابل بخير
والجداول بخير ...
والحرية بخير ...
وجمهورية الحب .. رافعة أعلامها ...

عن نزار قباني

نزار قباني (1342 - 1419 هـ / 1923 - 1998 م) شاعر سوري معاصر من مواليد مدينة دمشق.

تعريفه من ويكيبيديا

نزار بن توفيق القباني (1342 - 1419 هـ / 1923 - 1998 م) دبلوماسي وشاعر سوري معاصر، ولد في 21 مارس 1923 من أسرة عربية دمشقية عريقة. إذ يعتبر جده أبو خليل القباني من رائدي المسرح العربي. درس الحقوق في الجامعة السورية وفور تخرجه منها عام 1945 انخرط في السلك الدبلوماسي متنقلًا بين عواصم مختلفة حتى قدّم استقالته عام 1966؛ أصدر أولى دواوينه عام 1944 بعنوان "قالت لي السمراء" وتابع عملية التأليف والنشر التي بلغت خلال نصف قرن 35 ديوانًا أبرزها "طفولة نهد" و"الرسم بالكلمات"، وقد أسس دار نشر لأعماله في بيروت باسم "منشورات نزار قباني" وكان لدمشق وبيروت حيِّزٌ خاصٌّ في أشعاره لعلَّ أبرزهما "القصيدة الدمشقية" و"يا ست الدنيا يا بيروت". أحدثت حرب 1967 والتي أسماها العرب "النكسة" مفترقًا حاسمًا في تجربته الشعرية والأدبية، إذ أخرجته من نمطه التقليدي بوصفه "شاعر الحب والمرأة" لتدخله معترك السياسة، وقد أثارت قصيدته "هوامش على دفتر النكسة" عاصفة في الوطن العربي وصلت إلى حد منع أشعاره في وسائل الإعلام.—قال عنه الشاعر الفلسطيني عز الدين المناصرة : (نزار كما عرفته في بيروت هو أكثر الشعراء تهذيبًا ولطفًا).

على الصعيد الشخصي، عرف قبّاني مآسي عديدة في حياته، منها مقتل زوجته بلقيس خلال تفجيرٍ انتحاري استهدف السفارة العراقية في بيروت حيث كانت تعمل، وصولًا إلى وفاة ابنه توفيق الذي رثاه في قصيدته "الأمير الخرافي توفيق قباني". عاش السنوات الأخيرة من حياته مقيمًا في لندن حيث مال أكثر نحو الشعر السياسي ومن أشهر قصائده الأخيرة "متى يعلنون وفاة العرب؟"، وقد وافته المنية في 30 أبريل 1998 ودفن في مسقط رأسه، دمشق.

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي