إن حزني في أرض بغداد بادي

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

أبيات قصيدة إن حزني في أرض بغداد بادي لـ جميل صدقي الزهاوي

اقتباس من قصيدة إن حزني في أرض بغداد بادي لـ جميل صدقي الزهاوي

إِنَّ حزني في أَرض بغداد بادي

كل يوم في شدة واِزديادِ

ربّ أَبدل لي قربها بالبعاد

طالَ في بغداد فمضَّ اِضطهادي

فَقلَتْها نَفسي وملَّ فؤادي

أَنا مِن بَغداد وَبَغداد مِنّي

مبدياً ضجرة وَمنها التجني

وَلَقَد ساءَ بالعَواقِب ظني

نجني رب نجني رب إني

قَد سئمت الحَياةَ في بَغداد

إنني عائشٌ بها بين قوم

ليس من نوع ما يسومون سومي

ليتهم ينتهون إذ طال لومي

ما أقاسيه ثَمَّ في كل يوم

شفّ جسمي وفتَّ في الأعضادِ

لبَّثتني عوائقي تلبيثا

في ديار بالظلم فيهنَّ عيثا

بين قوم لا يَفقهون حَديثا

ساقهم للشقاء سوقاً حَثيثا

ما بهم من جهالة وَعناد

كم لهم من صحائفٍ سوَّدوها

بخطايا منهم بها خلَّدوها

فتنٌ إن تقادمت جدّدوها

كلما نارها انطفت أوقدوها

بالوشايات أيَّما إيقادِ

إنني في يم تلاطَم شرّا

بين أَمواجٍ أزبدت لَيسَ يُدرى

أَي موج يَكون لي فيه قَبرا

إنما زورقي توسط بحرا

ثار فيه الأمواج كالأطواد

كل يوم مصيبة تتجدد

لي فيها ومشكل يتولد

وعدوّ بشرّه يتوعد

بلدة عفتها على أنني قد

كان فيها لشقوتي ميلادي

بلدة عمَّ جانبيها الخراب

ما بها عن قتل النفوس اجتنابُ

في حماها الذي دهاه اغتصاب

للعذارى من الدماء خضاب

في زمان الأعراس والأعيادِ

ظهرت في عز الجمال وبانت

قبل هذا بأعصرٍ ثم هانت

وإلى الظلم والعذاب استكانت

أصبحت للشقاءِ أرضاً وكانت

في زمان الرشيدِ أرض رشادِ

أصبحت بعد ذاك بغدادُ أرضاً

لنفوس من الجهالة مرضى

في رجالٍ لا يستطيعون نهضاً

أين بغداد في زمان تقضَّى

حيث كانت بغداد أرقى البلادِ

أين تلك الآمالُ تلك الأماني

أين تلك الرياضُ تلك المجاني

أين تلك الربوع تلك المغاني

أين تلك الشبان تلك الغواني

أتواصوا جميعهم بالنفادِ

أين ذهن قد كان يشبه برقاً

سرعةً في فهم الأمور وخفقا

حرقته نار التوقُّدِ حرقاً

إنك اليوم لو تفتش تلقى

جمرة منه في ركام الرمادِ

وَيحَ قَلبي فإنه قد ريعا

حينَ سارَ الأظعان سيراً سَريعا

عَن ربوع كانوا لهنَّ رَبيعا

فالبسي إِذ قضوا وَبادوا جَميعا

لهم يا بَغدادُ ثوب الحداد

لا تُقِم بالديار فهي خلاء

فارقتها الدُّمى وعزَّ اللقاءُ

ارتحل فالبقاءُ فيها شقاء

ذُمَّ في هذه الربوع بقاء

بعد سلمى وزينبٍ وسعادِ

لبست من وشي النظام برودا

في زمانٍ قد انقضى لن يعودا

ليته دام ظلُّه ممدودا

هي كانت للعلم فيه عهودا

جاد تلك العهود صوبُ العِهادِ

إن حكم الزمان في الناس ماضي

إنه لو علمت أحكم قاض

رضى المرءُ أو غدا غير راضي

كل ملك فإنه لانقراض

كل كون فإنه لفسادِ

أَهل بَغداد بدَّلوا الصدق زورا

رب لا كانَ ذنبهم مغفورا

زَرَعوا للشرور فيها بذورا

أَيُّها الزارِعونَ فيها شرورا

سوف لا تحمدون يوم الحصاد

أهلها لا كانوا هنالك أهلا

ذهلوا عن طريقة العلم ذهلا

وسعوا يطلبون بالعلم جهلا

أيها السائرون في الجهل مهلا

ستذمون سير هذا الوادي

من يكن عالما فليس يُحقَّى

علماءُ البلاد أعلى وأكبر

إنهم كالجبال قدراً على الأر

ضُ وإن الجبال كالأوتادِ

بعد ربي من كل ما يُتصور

بي وإن هان عند قَومي حَياتي

أَهلُ بَغداد قد رقوا دَرَجات

فَلَهم باسمي شهرة في الجهات

أَنا كالصفر لست شَيئاً بِذاتي

وأَزيد المقدار للأعداد

ستثير الأيام فيها دخانا

ويزيد الفساد آناً فآنا

ليت من كان مفسداً لا كانا

كلما جئتها لِأُصلحَ شانا

سارع المفسدون للإفسادِ

إن نفسي يا ويح نفسي تُحسُّ

ألما ما حسَّته تاللَهِ نفسُ

كبدٌ لي مقروحة لا تجس

يا طيب الأدواء إنك نَطس

هل تداوي القروح في الأكبادِ

قد كسبنا علماً لنكسب قدرا

ما حسبنا أن يُحسب العلمُ وِزرا

في بلاد الجهل أمست مقرّا

هجرتها أفاضلُ الناس هجرا

بعد أن كانت كعبة القصادِ

أَيُّها العلم أَنتَ في الشرق نكرُ

وأثامٌ وَأَنتَ في الغرب فخرُ

بك تؤذَى ناس وَناس تسر

فيك نفع وَفيك يا علم ضر

إنما أَنتَ جامع الأضداد

حالة في بغداد لا ترتضيها

مذ خلت من علومها وذويها

ليس منها فيها سوى مدّعيها

قل لمن جاء يبتغي العلم فيها

عطلت من معلِّميه النوادي

أهملوا إذ توهموا الغَيَّ رشدا

في حياة لهم جهاداً وجهدا

فأُعيضوا من ثروة الملك فقدا

جهلوا لا هداهمُ اللَه قصدا

أنه في الحياة كل الجهادِ

إن أرضاً لها يقال العراق

قبحت من رجالها الأخلاقُ

كل ما فيهمُ فليس يُطاق

نخوة عن وقاحةٍ ونفاقُ

معَ لؤمٍ وصِلَّةٌ في تمادي

إن حرية الكلام رداح

تتفانى في حبها الأرواحُ

غادة وصلها لغيري مباح

أعلى من يقول حقاً جناح

ربِّ قد طال كربتي واضطهادي

وعدتني قرباً ولم تف وعدا

بل أراها تزيد في البعد بعدا

وجد الوحش في المعاهد معدى

بعد سعدي إن العدالة سعدي

ليت سعدي مقيمة في بلادي

أيها العدل أنت أنت الحبيب

إن عيشي ما غبتَ ليس يطيبُ

ما لمن قد دعوته لا يجيب

كل هذا الصدود منه عجيب

أعدَته عن الوصال العوادي

جئت يوماً إلى حِماه أخبُّ

فسباني منه الجمال الأحبُّ

فإليهِ ما زلت من ذاك أصبو

وله انقادَ فيه مِنّيَ قلب

كان لولا الغرام صعب القيادِ

فاق منه الجمالُ كل جمال

لست أدري وحبُّه شغل بالي

البخل قد صد أم لدلال

أنا في حبه مريض فمالي

لا أراه يجئ في عوَّادي

إن ذاك الحبيب جمُّ المحاسن

حبه في غيابةِ القلب كامن

وهو صعب الحصول غير مواطن

يطلب الناسُ أن ينالوه لكن

دون ما يطلبون خرطُ القتادِ

ليس فيكم لا درَّ درُّ أبيكم

من يحامي عن حوضكم ويقيكم

فأملوا ذاك في ذراري بنيكم

واصبروا ربما سيولد فيكم

رجل باسل طويل النجادِ

إنما حادث الليالي موالي

للأَعادي ما للأعادي وَما لي

كيدهم فوق طاقَتي واحتمالي

ارحميني يا حادِثات اللَيالي

لا تعيني عليّ كيد الأعادي

أَنتَ يا عدل كالضياء وأجملْ

ما لآسٍ إلا عليك المعوّل

بك أحلام لَيلنا نتأول

أَيُّها العدل إنما أَنتَ للقل

ب مراد وَفوق كل مراد

أَيُّها العدل أَنتَ بدر التَمام

قَد توارى لَيلاً وَراء الغمام

أَبدُ كيما تشقَّ جيب الظلام

كَم كِرام تحت التراب نيام

يشبهون السيوف في الأغماد

ربِّ أنت الخبير أنت اللطيف

ربِّ إني كما علمت ضعيفُ

ربِّ إن السجون ربِّ تخيف

ربِّ يا ربِّ إن جسمي نحيف

ليس لي طاقة على الأصفادِ

ويح نَفسي مِمّا تعانيه نَفسي

إن يَومي في بؤسه مثل أَمسي

أَنا بالموت وحده متأسي

عل عَيني إذا تبوأت رَمسي

تَستَطيب الرقاد في الألحاد

ليَ في كربتي سبات عميقُ

أنظر الموت حين منه أُفيق

مثلما ينظر الصديقَ الصديق

إنه وحده عَلَيَّ شفيق

سينجيني من ذوي الأحقادِ

حين لاقيت فقي كروبك حَينَا

إن للموت في الكروب علينا

منناً كالأطواق في الأجيادِ

ليَ ظن أو أنهُ بعض وهم

يذهب الفيلسوف منه لذمي

أن سيرقى روحي لألمع نجم

وسيبقى في وهدة القبر جسمي

هل إلى الجسم حاجة في الوهادِ

ليس في فسحة المجرة ضيق

إنها للأرواح نعم الطريقُ

هل لنفسي إذا تعالت مُعيق

نظرٌ لي إلى السماءِ عميق

يتحرى نهاية الأبعادِ

للمنايا لو يعلم المرء فضل

إذ بها من همومها النفس تخلو

يتساوى هناك عزّ وذل

إن طول الرقاد في القبر يحلو

لي بعد العنا وطول السهادِ

المَنايا لطف فلولا المَنايا

خلدت في الشقاء هذي البَرايا

بالمَنايا انقضاء كل القَضايا

في المَنايا نهاية للرزايا

للمَنايا عَلى البرايا أَيادي

قل لمن مات ثاوياً قَرَّ عينا

إنك الآن قد تأَدَّيت دينا

حين يهتز في الفضاءِ الأثير

أين تمضي أمواجه وتسيرُ

لست أدري وهل بذاك خبير

أَعلى الروح في الثريا أمير

مثلما في الثرى على الأجسادِ

حُسنُ هذي النجوم يا روح يقضى

إن في الجو مرتقى لك يُرضى

بعضها في نظامها فوق بعض

إنما نحن ساكنون بأرض

هي أدنى مراتب الإيجادِ

ارتقى يا نفس ارتقى للسماء

والحقى بالشعري وبالجوزاءِ

ثم بيني للأرض بعد المساء

مثل نجم مغلفٍ بضياء

هو للمدلجين في الليل هادي

لا تلاقين في السماء خصوما

لا ولا ظالما ولا مظلوما

ليس عيشٌ في جوِّها مذموما

إن في أعماق السماء نجوما

سابحات سبحاً بغير استنادِ

سبحت في الفضاء عرضاً طولا

ساقها سائقٌ لها أن تجولا

معقبات بعد الطلوع أفولا

يقرأُ الفيلسوف فيها فصولا

من كتاب الدهور والآبادِ

كل نجم منها بدون شبيه

دائر في بعدٍ بوجه وجيهِ

فلك جاز كل عقلٍ نبيه

المبادي مثل النهايات فيه

والنهايات فيه مثل المبادي

رُبَّ ناهٍ في مصر وهو خليلي

حاسب دجلةً كوادي النيل

عاذل لي على البكا والعويل

ما لديه علم بخطبي الجليل

أنا في واد والعذول بوادي

أنتم الناس أيها السعداء

ما أصابت بلادكم ضراءُ

لكم الروح إن قبلتم فداء

ما عليكم وأنتم قدراء

لو مددتم لنا يدا الإسعاد

شرح ومعاني كلمات قصيدة إن حزني في أرض بغداد بادي

قصيدة إن حزني في أرض بغداد بادي لـ جميل صدقي الزهاوي وعدد أبياتها مائة و تسعة و خمسون.

عن جميل صدقي الزهاوي

جميل صدقي بن محمد فيضي بن الملا أحمد بابان الزهاوي. شاعر، نحى منحى الفلاسفة، من طلائع نهضة الأدب العربي في العصر الحديث، مولده ووفاته ببغداد، كان أبوه مفتياً، وبيته بيت علم ووجاهة في العراق، كردي الأصل، أجداده البابان أمراء السليمانية (شرقي كركوك) ونسبة الزهاوي إلى (زهاو) كانت إمارة مستقلة وهي اليوم من أعمال إيران، وجدته أم أبيه منها. وأول من نسب إليها من أسرته والده محمد فيضي. نظم الشعر بالعربية والفارسية في حداثته. وتقلب في مناصب مختلفة فكان من أعضاء مجلس المعارف ببغداد، ثم من أعضاء محكمة الاستئناف، ثم أستاذاً للفلسفة الإسلامية في (المدرسة الملكية) بالآستانة، وأستاذاً للآداب العربية في دار الفنون بها، فأستاذاً في مدرسة الحقوق ببغداد، فنائباً عن المنتفق في مجلس النواب العثماني، ثم نائباً عن بغداد، فرئيساً للجنة تعريب القوانين في بغداد، ثم من أعضاء مجلس الأعيان العراقي، إلى أن توفي. كتب عن نفسه: كنت في صباي أسمى (المجنون) لحركاتي غير المألوفة، وفي شبابي (الطائش) لنزعتي إلى الطرب، وفي كهولي (الجرىء) لمقاومتي الاستبداد، وفي شيخوختي (الزنديق) لمجاهرتي بآرائي الفلسفية، له مقالات في كبريات المجلات العربية. وله: (الكائنات -ط) في الفلسفة، و (الجاذبية وتعليها -ط) ، و (المجمل مما أرى-ط) ، و (أشراك الداما-خ) ، و (الدفع العام والظواهر الطبيعية والفلكية-ط) صغير، نشر تباعاً في مجلة المقتطف، و (رباعيات الخيام-ط) ترجمها شعراً ونثراً عن الفارسية. وشعره كثير يناهز عشرة آلاف بيت، منه (ديوان الزهاوي-ط) ، و (الكلم المنظوم-ط) ، و (الشذرات-ط) ، و (نزغات الشيطان-خ) وفيه شطحاتة الشعرية، و (رباعيات الزهاوي -ط) ، و (اللباب -ط) ، و (أوشال -ط) .[١]

تعريف جميل صدقي الزهاوي في ويكيبيديا

جميل صدقي بن محمد فيضي ابن الملا أحمد بابان الزهاوي (1279 هـ - 1354 هـ / 1863 - 1936 م): شاعر، من طلائع نهضة الأدب العربي في العصر الحاضر، وهو علم من أعلام الشعر العربي الحديث، ورائد من روّاد التفكير العلمي والنهج الفلسفي. مولده ووفاته ببغداد، كان أبوه مفتيها. وبيته بيت علم ووجاهة في العراق. كردي الأصل، أجداده البابانيون أمراء السليمانية، ونسبة الزهاوي إلى (زهاو) كانت إمارة مستقلة وهي اليوم من أعمال إيران، وجدته أم أبيه منها. وأول من نسب إليها من أسرته والده محمد فيضي الزهاوي.تلقى العلم على يدي أبيه مفتي بغداد، وفي مدرسته التي عُرفت بما تدرسه من العلوم الشرعية الإسلامية والأدب العربي. نظم الشعر بالعربية والفارسية في حداثته. وتقلب في مناصب مختلفة فكان من أعضاء مجلس المعارف ببغداد، ثم من أعضاء محكمة الاستئناف، ثم أستاذا للفلسفة الإسلامية في (المدرسة الملكية) بالآستانة، وأستاذا للآداب العربية في دار الفنون بها، فأستاذا للمجلة في مدرسة الحقوق ببغداد، فنائبا عن المنتفق في مجلس النواب العثماني، ثم نائبا عن بغداد، فرئيسا للجنة تعريب القوانين في بغداد، ثم من أعضاء مجلس الأعيان العراقي، إلى أن توفي.

[٢]

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي