الإستقالة

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

أبيات قصيدة الإستقالة لـ نزار قباني

1
.. وحاولتُ بعد ثلاثينَ عاماً من العشق أن أستقيلا
وأعلنتُ في صفحات الجرائدِ أني اعتزلتُ قراءة َ ما في عيون النساءِ ..
وما في رؤوس النساءِ .. وما تحت جلد النساءِ ..
وأغلقتُ بابي .. لعليّ أنامُ قليلا ..
وأغمدتُ سيفي .. وودعتُ جندي ..
وودعتُ خيلي التي رافقتني زماناً طويلا ..
وسلـّمتُ مفتاحَ مكتبتي للصغارْ
وأوضحتُ كيفَ يـُصرَّفُ فعْلُ الهوى
وكيف تصيرُ الحبيبة ُ شمساً ..
وكيف تصيرُ يداها نخيلا ..
2
وحاولتُ إقناعَ شـَعْركِ أن لا يطولَ كثيراً على كتفيكِ ..
وأن لا يكونَ جداراً من الحزن فوق حياتي ..
ولكنَّ شـَعْركِ خيـّبَ كلّ الظنون ِ , وظلّ طويلا ..
وأوصيتُ جسمكِ أن لا يثيرَ خيالَ المرايا ..
ولكنَّ جسمكِ خالفَ كلّ الوصايا .. وظلّ جميلا ..
وحاولتُ إقناعَ حُبكِ أنَّ إجازة عام ٍ ..
على البحر .. أو في أعالي الجبال ِ .. تـُفيدُ الرصيفْ
ولكنّ حبكِ ألقى الحقائبَ فوق الرصيفْ
وأخبرني أنهُ لا يريدُ الرحيلا ..
3
وحاولتُ إقناعَ نهديكِ .. باللين حيناً .. وبالعنف حيناً ..
بأنيَ خسرتُ الرهانْ ..
وأنَّ الحصانَ الذي كان يحرثُ أرضَ الكواكب ِ ..
ملَّ الوثوبَ .. وملّ الصهيلا ..
ولكنّ صدركِ ظلّ يـُقاتلُ شبراً فشبراً ..
وبرّاً وبحراً .. إلى أن رماني قتيلا ..
4
وحاولتُ أن أستريحَ ككلِّ الخيول ِ التي أنهكتها الحروبْ
أليس له الحقُّ أن يستريحَ المحاربْ ؟
وحاولتُ حذفَ مدينة بيروتَ من ذكرياتي
وإلغاءَ كلِّ الشوارع فيها ..
وكل المطاعم ِ .. كلَّ المسارح فيها ..
وحاولتُ أن أتجنبَ كلَّ المقاهي التي عرفتنا كلينا
وتشعرُ بالشوق نحو كلينا
وتحفظ ُ - رغم مرور الزمان ِ - خطوطَ يدينا
وحاولتُ نسيانَ كلِّ الضواحي الجميلةِ ما بينَ صيدا وبين جـُبيلَ ,
ونسيانَ رائحةِ البرتقال ِ , وصتِ الجنادبْ
ولكنَّ حبكِ ما زال يرفضُ كلَّ الحلولْ
ويقتحم النفسَ في آخر الليل , مثلَ صفير المراكبْ ..
5
كتبتُ خطاباً طويلاً لبيروتَ ..
أعلمتها فيه , أني اتخذتُ قراري
وسلمتُ مفتاحَ بيتي إليها .. ومفتاحَ داري ..
وأعطيتُ دوري لغيري ,
وأعلنتُ أني استقلتُ من المسرحيهْ
وودعتُ وجهَ حبيبي المصوَّرَ فوق قماش الصواري
وفوق الرمال ِ , وفوق المحار ِ
وقلتُ وداعاً :
أيا وردة َ الليل , يا دفترَ الحلم , يا خاتمَ الشمس ِ ,
يا بحرُ , يا شعرُ , يا أبجديهْ
وداعاً لكلِّ الحبيبات في رأس بيروتَ .. والأشرفيهْ ..
6
شرحتُ لبيروتَ
أنَّ ثلاثينَ عاماً من العشق تكفي ..
ولكنها اعتذرتْ عن قبول اعتذاري ..

عن نزار قباني

نزار قباني (1342 - 1419 هـ / 1923 - 1998 م) شاعر سوري معاصر من مواليد مدينة دمشق.

تعريفه من ويكيبيديا

نزار بن توفيق القباني (1342 - 1419 هـ / 1923 - 1998 م) دبلوماسي وشاعر سوري معاصر، ولد في 21 مارس 1923 من أسرة عربية دمشقية عريقة. إذ يعتبر جده أبو خليل القباني من رائدي المسرح العربي. درس الحقوق في الجامعة السورية وفور تخرجه منها عام 1945 انخرط في السلك الدبلوماسي متنقلًا بين عواصم مختلفة حتى قدّم استقالته عام 1966؛ أصدر أولى دواوينه عام 1944 بعنوان "قالت لي السمراء" وتابع عملية التأليف والنشر التي بلغت خلال نصف قرن 35 ديوانًا أبرزها "طفولة نهد" و"الرسم بالكلمات"، وقد أسس دار نشر لأعماله في بيروت باسم "منشورات نزار قباني" وكان لدمشق وبيروت حيِّزٌ خاصٌّ في أشعاره لعلَّ أبرزهما "القصيدة الدمشقية" و"يا ست الدنيا يا بيروت". أحدثت حرب 1967 والتي أسماها العرب "النكسة" مفترقًا حاسمًا في تجربته الشعرية والأدبية، إذ أخرجته من نمطه التقليدي بوصفه "شاعر الحب والمرأة" لتدخله معترك السياسة، وقد أثارت قصيدته "هوامش على دفتر النكسة" عاصفة في الوطن العربي وصلت إلى حد منع أشعاره في وسائل الإعلام.—قال عنه الشاعر الفلسطيني عز الدين المناصرة : (نزار كما عرفته في بيروت هو أكثر الشعراء تهذيبًا ولطفًا).

على الصعيد الشخصي، عرف قبّاني مآسي عديدة في حياته، منها مقتل زوجته بلقيس خلال تفجيرٍ انتحاري استهدف السفارة العراقية في بيروت حيث كانت تعمل، وصولًا إلى وفاة ابنه توفيق الذي رثاه في قصيدته "الأمير الخرافي توفيق قباني". عاش السنوات الأخيرة من حياته مقيمًا في لندن حيث مال أكثر نحو الشعر السياسي ومن أشهر قصائده الأخيرة "متى يعلنون وفاة العرب؟"، وقد وافته المنية في 30 أبريل 1998 ودفن في مسقط رأسه، دمشق.

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي