البحث عن سيدة اسمها “الشورى”
أبيات قصيدة البحث عن سيدة اسمها “الشورى” لـ نزار قباني
سيدتي الشورى:
ما أحوالك؟
ما عنوانك؟
ما صندوق بريدك؟
هل يمكنني أن ألقاك لخمس دقائق
يا سيدتي الشورى؟..
فتشنا عنك طويلًا
بين الماء.. وبين الماء..
وبين الرمل.. وبين الرمل..
وبين القتل.. وبين القتل..
وبين قريش.. وقريش..
فوجدنا أنقاض خيول
ووجدنا أجزاء سيوف
ووجدنا أشباه رجال
ووجدنا جيشًا مدحوراً..
2
سيدتي..
سيدتي الشورى:
فتشنا عنك بأقسام البوليس،
وقائمة السجناء،
وطابور الغرباء،
وفي غرف الإنعاش،
وثلاجات الموتى..
فتشنا..
حتى في أمعاء الحاكم..
عن سيدة فقدت منذ القرن الأول منا،
تدعى الشورى.
فوجدنا رأساً مقطوعًا..
ووجدنا جسداً مغتصباً..
ووجدنا نهداً مبتوراً..
3
من يوم ولدنا
نسمع عن حكم الشورى
وبأن الشعب شريك في التفكير..
وفي التدبير..
وفي التنظير..
كما تقضي أنظمة الشورى
لكنا.. لم نسأل أبداً
إن كنا في الأصل إناثًا
أو كنا في الأصل ذكوراً..
أو كنا بشراً.. أو كنا
قططاً.. وكلاباً.. وطيورا..
4
أو كنا نأكل فاكهة
أو نأكل تبنا.. وشعيرا..
وبقينا في رسم الإيجار
تحلبنا الدولة كالأبقار
لا نعرف من يستأجرنا
لا نعرف من هو مالكنا
لا نعرف من في اليوم التالي يركبنا..
وبقينا نسأل أنفسنا
هل هي شوربة..
أم شورى؟؟
5
لو أنت دخلت على فرعون
في عزلته الأبديه
ستشاهد فوق عباءته
قطرات دماء بشريه.
وتشاهد فوق وسادته
امرأة دون ذراعيها..
وقصائد دون ذراعيها..
وخواتم ذهب مرميه..
وتشاهد تحت أظافره
قطعًا من لحم الحريه..
6
من يوم ولدنا
نسمع عن حكم الشورى
لكن الحاكم في الشرق الأوسط
قد بال على عقل الإنسان ..
وبال على رأي الإنسان
وبال على حكم الشورى..
واحترف الرقص على أجساد الشعب
وشيد للظلم قصورا..
ورمانا في آتون الحرب
وأحرق أمماً وعصوراً..
فأفقنا في ذات صباح
لنرى أنفسنا مكتوبين بقائمة الموتى
ونرى الرايات ممزقة
ونرى الجدران مهدمة
ونرى الأجساد مفحمة
ونرى أكفاناً وقبورا
وأفقنا في ذات صباح
لنلملم وطناً مكسوراً..
وعرفنا – بعد سقوط البصرة -
ما معنى الشورى!!
7
ما زلنا منذ طفولتنا
نتفاءل باللون الكاكي
ونفرح بالعقداء..
وبالنجمات على الأكتاف..
وبالخوذات..
وبالجزمات..
وبالأزرار..
ما زلنا..
- منذ بدأنا نقرأ -
نتلو قرآن الثوار..
ونغطي دبابات الجيش الظافر
بالقبلات.. وبالصلوات..
وبالأزهار.
ونحدد يوم ولادتنا
بمجيء الضباط الأحرار..
8
لا لغة..
تجمع بين الحاكم والمحكوم لدينا
إلا لغة البلطة والمنشار..
لا خيط يجمع بينهما
إلا ما يجمع
بين القط.. وبين الفار..
9
.. وأتانا الضباط الأحرار.
وبدأنا ننسى ضوء الشمس،
وصوت البحر،
وألوان الأشجار..
وبدأنا نسقط تحت نعال الخيل،
ونصلب في غرف التعذيب،
ونشوى في أفران النار..
وبدأنا نأخذ
شكل الإنسان – الصرصار.
وبدأنا نسأل أنفسنا:
أهنالك رب يسمعنا خلف الأسوار؟؟
10
يتكسر وطني
مثل قوارير الفخار
تنقرض الأمة بين الماء وبين الماء..
تهاجر أسماك وبحار.
تنهار بنايات التاريخ جداراً بعد جدار..
وأنا أتأمل ما تعرضه الشاشة
من أخبار العار..
ومذيع الدولة، يعلن دون حياء،
“أنا قد حققنا النصر..
بفضل نضال الحزب..
وفضل الضباط الأحرار” !!
عن نزار قباني
نزار قباني (1342 - 1419 هـ / 1923 - 1998 م) شاعر سوري معاصر من مواليد مدينة دمشق.
تعريفه من ويكيبيديا
نزار بن توفيق القباني (1342 - 1419 هـ / 1923 - 1998 م) دبلوماسي وشاعر سوري معاصر، ولد في 21 مارس 1923 من أسرة عربية دمشقية عريقة. إذ يعتبر جده أبو خليل القباني من رائدي المسرح العربي. درس الحقوق في الجامعة السورية وفور تخرجه منها عام 1945 انخرط في السلك الدبلوماسي متنقلًا بين عواصم مختلفة حتى قدّم استقالته عام 1966؛ أصدر أولى دواوينه عام 1944 بعنوان "قالت لي السمراء" وتابع عملية التأليف والنشر التي بلغت خلال نصف قرن 35 ديوانًا أبرزها "طفولة نهد" و"الرسم بالكلمات"، وقد أسس دار نشر لأعماله في بيروت باسم "منشورات نزار قباني" وكان لدمشق وبيروت حيِّزٌ خاصٌّ في أشعاره لعلَّ أبرزهما "القصيدة الدمشقية" و"يا ست الدنيا يا بيروت". أحدثت حرب 1967 والتي أسماها العرب "النكسة" مفترقًا حاسمًا في تجربته الشعرية والأدبية، إذ أخرجته من نمطه التقليدي بوصفه "شاعر الحب والمرأة" لتدخله معترك السياسة، وقد أثارت قصيدته "هوامش على دفتر النكسة" عاصفة في الوطن العربي وصلت إلى حد منع أشعاره في وسائل الإعلام.—قال عنه الشاعر الفلسطيني عز الدين المناصرة : (نزار كما عرفته في بيروت هو أكثر الشعراء تهذيبًا ولطفًا).
على الصعيد الشخصي، عرف قبّاني مآسي عديدة في حياته، منها مقتل زوجته بلقيس خلال تفجيرٍ انتحاري استهدف السفارة العراقية في بيروت حيث كانت تعمل، وصولًا إلى وفاة ابنه توفيق الذي رثاه في قصيدته "الأمير الخرافي توفيق قباني". عاش السنوات الأخيرة من حياته مقيمًا في لندن حيث مال أكثر نحو الشعر السياسي ومن أشهر قصائده الأخيرة "متى يعلنون وفاة العرب؟"، وقد وافته المنية في 30 أبريل 1998 ودفن في مسقط رأسه، دمشق.