التانغو الأخير فوق حقل من التوليب الأحمر ..

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

أبيات قصيدة التانغو الأخير فوق حقل من التوليب الأحمر .. لـ نزار قباني

1
كنتِ ..
في أحسن حالاتك – يا سيدتي – هذا المساءْ
كان نهداكِ ..
يذيعان بلاغ الثورة الأولى بتاريخ النساء
ويقودان انقلاباً ضد كل الخلفاء ..
كان في عينيكِ غيمٌ أسودٌ ..
وبدايات شتاءْ ..
ونبوءات جميع الأنبياءْ ...

2
لم تكوني امرأة عادية ..
في ذلك اليوم الشتائي الذي يحكمه الكونياك ..
والقهوة .. والجنس .. وإيقاع المزاريب ..
وموسيقى المطر ..
كنتِ جمراً كنت فحماً
كنتشيئاً لا يسمى ..
لم تكوني دمية محشوة بالقطن .. مثل الأخرايات
كنتِ وحشاً رائع الجلد جميلاً ..
لم تكوني نسمةٌ من نسمات الصيفِ ..
لكن كنت زلزالاً مهولا.
لم تكوني زهرة من ورقٍ ..
بل حصاناً .. يمضغ الشرشف شوقاً وصهيلا ..

3
كان تشرينُ بلا عقل ..
وكان العشبُ متروكاً على فطرته الأولى ..
وماري , تصنع الحب على فطرتها الأولى ..
وكانت تتهجى جسدي حرفاً فحرفا ..
دونَ أن تخطئ في تشكيل كل الكلمات
ربما الكونياك قد ثقف ماري ..
فهي تختار أرق المفردات .
ربما الكونياك قد علمها ..
أن في إمكان نهديها احتلال الكائنات
هذه الليلة , يا ماري , سأبقى صامتاً
فالبراندي , هو سلطان اللغاتِ ..

4
كنتِ في أخصب أيامكِ, يا ماري,
وكانت أنهر الياقوت تجري بهدوءٍ ..
والأزاهير تغطي كل أنحاء السرير ..
لم تكوني امرأة مذعورة .. أو خائفة
كنت سكينا بقلب العاصفه
شربت سجادة الموكيت , يا سيدتي , نصف دمي
وأنا اقتطفُ التوليب مبهوراً ..
وأحسو المطرَ الوردي من أعلى الينابيع ِ ..
وأكوي بالبراندي شفة الجرح ..
ولا أحسبُ للنار حسابْ ..
آهِ .. يا ماري التي تفتح لي أساورها مثل الكتاب
لم يعد عندي ما أقرؤه .
فأنا آتٍ من الأرض الخرابْ ..

5
آهِ .. يا ماري التي تلبس لي
في أول الليل قميصاً معجزه ..
وإذا ما انتصف الليلُ ..
قميصاً معجزه ..
كيفَ صارَ الزغب الطالع من إبطيكِ ..
أسلاكَ حريرْ ؟
آهِ .. يا ماري التي تحفرني في بطنها العاري
كجرح مستديرْ ..
يا التي أزرعُ في أحشائها ..
السيف الأخيرْ ..

6
أحرقَ الكونياك أعصابي ..
وفي عينيكِ برقٌ .. ورعودٌ .. ومطر
وقلوع .. واحتمالات سفرْ
لم أكن أدرك ما يجري تماماً ..
غير أن الأرض كانت تحتنا تهتز ..
والجدران , والأبواب , والأكواب , واللوحات,
والأشجار , والأوراق في الريح تطيرْ
لم أكن أسمعُ إلا جرس القرية في الليلِ ,
وإلا وقع أقدام على الثلج ,
وإلا صرخة الأنثى التي تشغل النار بقلب الزمهرير
آهِ .. يا ماري التي تشرح لي كل شي .. مثل
تلميذٍ صغيرْ.
أنت منفاي النهائي .. ومينائي الأخير
افسحبيني من يدي ..
قبل أن يبلعني البحر الكبير ....

عن نزار قباني

نزار قباني (1342 - 1419 هـ / 1923 - 1998 م) شاعر سوري معاصر من مواليد مدينة دمشق.

تعريفه من ويكيبيديا

نزار بن توفيق القباني (1342 - 1419 هـ / 1923 - 1998 م) دبلوماسي وشاعر سوري معاصر، ولد في 21 مارس 1923 من أسرة عربية دمشقية عريقة. إذ يعتبر جده أبو خليل القباني من رائدي المسرح العربي. درس الحقوق في الجامعة السورية وفور تخرجه منها عام 1945 انخرط في السلك الدبلوماسي متنقلًا بين عواصم مختلفة حتى قدّم استقالته عام 1966؛ أصدر أولى دواوينه عام 1944 بعنوان "قالت لي السمراء" وتابع عملية التأليف والنشر التي بلغت خلال نصف قرن 35 ديوانًا أبرزها "طفولة نهد" و"الرسم بالكلمات"، وقد أسس دار نشر لأعماله في بيروت باسم "منشورات نزار قباني" وكان لدمشق وبيروت حيِّزٌ خاصٌّ في أشعاره لعلَّ أبرزهما "القصيدة الدمشقية" و"يا ست الدنيا يا بيروت". أحدثت حرب 1967 والتي أسماها العرب "النكسة" مفترقًا حاسمًا في تجربته الشعرية والأدبية، إذ أخرجته من نمطه التقليدي بوصفه "شاعر الحب والمرأة" لتدخله معترك السياسة، وقد أثارت قصيدته "هوامش على دفتر النكسة" عاصفة في الوطن العربي وصلت إلى حد منع أشعاره في وسائل الإعلام.—قال عنه الشاعر الفلسطيني عز الدين المناصرة : (نزار كما عرفته في بيروت هو أكثر الشعراء تهذيبًا ولطفًا).

على الصعيد الشخصي، عرف قبّاني مآسي عديدة في حياته، منها مقتل زوجته بلقيس خلال تفجيرٍ انتحاري استهدف السفارة العراقية في بيروت حيث كانت تعمل، وصولًا إلى وفاة ابنه توفيق الذي رثاه في قصيدته "الأمير الخرافي توفيق قباني". عاش السنوات الأخيرة من حياته مقيمًا في لندن حيث مال أكثر نحو الشعر السياسي ومن أشهر قصائده الأخيرة "متى يعلنون وفاة العرب؟"، وقد وافته المنية في 30 أبريل 1998 ودفن في مسقط رأسه، دمشق.

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي