التصوير فى الزمن الرمادى

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

أبيات قصيدة التصوير فى الزمن الرمادى لـ نزار قباني

1
أحاول منذ الطفولة
أن أتصور شكل الوطن
رسمت بيوتاً,
رسمت سقوفاً,
رسمت وجوهاً,
رسمت مآذن مطليةً بالذهب
رسمت شوارع مهجورةً
يقرفص فيها.. لكي يستريح التعب
رسمت بلاداً, تسمى مجازاً,
بلاد العرب..

2
أحاول منذ الطفولة رسم بلادٍ
تسامحني..
إن كسرت زجاج القمر
وتشكرني.. إن كتبت قصيدة حبٍ
وتسمح لي أن أمارس فعل الهوى
ككل العصافير, فوق الشجر..
أحاول رسم بلادٍ..
بها بشرٌ يضحكون.. ويبكون مثل البشر
أحاول أن أتبرأ من مفرداتي
ومن لعنة المبتدا.. والخير..
وأنفض عني غباري
وأغسل وجهي بماء المطر..
أحاول من سلطة الرمل أن أستقيل…
وداعاً قريشٌ..
وداعاً كليبٌ..
وداعاً مضر…

3
أحاول رسم بلادٍ
لها برلمانٌ من الياسمين..
وشعبٌ رقيقٌ من الياسمين..
تنام حمائمها فوق رأسي..
وتبكي مآذنها في عيوني
أحاول رسم بلادٍ..
تكون صديقة شعري
ولا تتدخل بيني.. وبين ظنوني
ولا يتجول فيها العساكر
فوق جبيني..
أحاول رسم بلادٍ
تكافئني.. إن حرقت ثيابي
وتصفح عني..
إذا فاض نهرٌ جنوني…

4
أحاول رسم مدينة حبٍ
تكون محررةً من جميع العقد..
فلا يذبحون الأنوثة فيها..
ولا يقمعون الجسد..
رحلت جنوناً..
رحلت شمالاً..
ولا فائده..
فقهوة كل المقاهي, لها نكهةٌ واحده
وكل النساء لهن, إذا ما تعرين..
رائحةٌ واحده..
وكل رجال القبيلة, لا يمضغون الطعام
ويلتهمون النساء..
بثانيةٍ واحده…

5
أحاول منذ البدايات..
أن لا أكون شبيهاً بأي أحد
رفضت الكلام المعلب دوماً
رفضت عبادة أي وثن
أحاول إحراق كل النصوص التي أرتديها
فبعض القصائد قبرٌ
وبعض اللغات كفن
رسمت نزيف المقاهي
رسمت سعال المدن
وواعدت آخر أنثى
ولكنني.. جئت بعد مرور الزمن….

6
أحاول رسم بلادٍ
سريري بها ثابتٌ
ورأسي بها ثابتٌ
لكي أعرف الفرق بين البلاد.. وبين السفن..
ولكنهم.. أخذوا علبة الرسم مني
ولم يسمحوا لي..
بتصوير وجه الوطن…

عن نزار قباني

نزار قباني (1342 - 1419 هـ / 1923 - 1998 م) شاعر سوري معاصر من مواليد مدينة دمشق.

تعريفه من ويكيبيديا

نزار بن توفيق القباني (1342 - 1419 هـ / 1923 - 1998 م) دبلوماسي وشاعر سوري معاصر، ولد في 21 مارس 1923 من أسرة عربية دمشقية عريقة. إذ يعتبر جده أبو خليل القباني من رائدي المسرح العربي. درس الحقوق في الجامعة السورية وفور تخرجه منها عام 1945 انخرط في السلك الدبلوماسي متنقلًا بين عواصم مختلفة حتى قدّم استقالته عام 1966؛ أصدر أولى دواوينه عام 1944 بعنوان "قالت لي السمراء" وتابع عملية التأليف والنشر التي بلغت خلال نصف قرن 35 ديوانًا أبرزها "طفولة نهد" و"الرسم بالكلمات"، وقد أسس دار نشر لأعماله في بيروت باسم "منشورات نزار قباني" وكان لدمشق وبيروت حيِّزٌ خاصٌّ في أشعاره لعلَّ أبرزهما "القصيدة الدمشقية" و"يا ست الدنيا يا بيروت". أحدثت حرب 1967 والتي أسماها العرب "النكسة" مفترقًا حاسمًا في تجربته الشعرية والأدبية، إذ أخرجته من نمطه التقليدي بوصفه "شاعر الحب والمرأة" لتدخله معترك السياسة، وقد أثارت قصيدته "هوامش على دفتر النكسة" عاصفة في الوطن العربي وصلت إلى حد منع أشعاره في وسائل الإعلام.—قال عنه الشاعر الفلسطيني عز الدين المناصرة : (نزار كما عرفته في بيروت هو أكثر الشعراء تهذيبًا ولطفًا).

على الصعيد الشخصي، عرف قبّاني مآسي عديدة في حياته، منها مقتل زوجته بلقيس خلال تفجيرٍ انتحاري استهدف السفارة العراقية في بيروت حيث كانت تعمل، وصولًا إلى وفاة ابنه توفيق الذي رثاه في قصيدته "الأمير الخرافي توفيق قباني". عاش السنوات الأخيرة من حياته مقيمًا في لندن حيث مال أكثر نحو الشعر السياسي ومن أشهر قصائده الأخيرة "متى يعلنون وفاة العرب؟"، وقد وافته المنية في 30 أبريل 1998 ودفن في مسقط رأسه، دمشق.

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي