النسر الثاني
النسر الثاني وكان لقمان يومئذ بالطائف، فبينما هو يبكي نفسه، إذ سمع المنادي ينادي: يا لقمان دونك البدل رأس الجبل فوق مرعى الوعل رأس السرماج المعتزل مأمور بطاعتك كالأول.فطلع لقمان حيث وصف له المنادي فإذا بوكر سير ليعرفه، فسماه عوض، ثم قال: أنت العوض المبرأ من تلف العرض وآفات المرض وعواج الجرض وحقك علي أفضل مفترض أوديه كلما عرق نبض.وكان لقمان لا يغفل عن إطعامه حتى نهض طائراً له يدعوه باسمه فيجيبه حتى أدركه الكبر فضعف، فدعاه لقمان ذات يوم تحت شجرة ومعه اللحم قد بضعه له ليطعمه إياه، فأقبل النسر كاسراً بجوزه غصون الشجرة فخر ميتاً.فهال لقمان موته هولاً عظيماً، فأنشد يبكي نفسه ويقول:
أيقنت أن مايتي تلف. . . . . . . .أصبر للموت والردى عرضا
أرمي بسهميهما على كسر. . . . . . . .أعبطني عبطة المنا مرضا
ما كان لي نعشاً مرعياً عمري. . . . . . . .حسبته مبرم العرى نقضا
أسلو وأرجو اليأس في طمع. . . . . . . .ومن رجا ساطع المنا قبضا
هل عمر الباقيات إلا كمن. . . . . . . .عمر منها الأمر صحبتي فمضى
ما لي صبر عن المصون وقد. . . . . . . .عوضت من بعده عوضا
فارقهما الموت من حمامهما. . . . . . . .واخلفا ما رجوت فانرضا
كذاك أفنى حقاً كما فنيا. . . . . . . .أجرع كأساً ممزوجة عرضا
كذاك الحمام لن يصد إلى. . . . . . . .تكركر الحفظ بل تمخضا
تخرج نفسي من كل مدخلها. . . . . . . .كم هال من محنة لديه قضى
متى يكون شيء منزله. . . . . . . .منفضاً أو مجرعاً معضا
وكل من ظن أن مهجته. . . . . . . .تدوم في عيشه فقد دحضا