الحُبُّ .. على نار الحطبْ !!.

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

أبيات قصيدة الحُبُّ .. على نار الحطبْ !!. لـ نزار قباني

1
آهِ ..
لو أني تعرفتُ على سيدتي ..
قبل آلاف السنين ..
حين كنا نفعل الحب ...
على ضوء الحطب ..
ونقول الشعر, عفوياً,
على نار الحطب ..
حين كانت قبلات العشق
تهمي فوقنا مثل الرطب..
آهِ .. لو كنّا تناثرنا على أرض الهوى
كفتافيت الذهب !!.

2
يا التي في وجهها أشياء من وجهي الحزين ..
يا التي يقرؤها الناسُ بأهداب عيوني ...
يا التي تسبح في حبري ..
وأوراقي .. وفكري .. وظنوني ..
آهِ يا سيدتي ..
لو كنت شيئاً من هدوئي ...
آهِ يا سيدتي ..
لو كنت جزءاً من جنوني !!.

3
آهِ.. لو أني تعرفت على سيدتي
منذ آلاف السنين ..
حين كان الحب كالخبز, بأيدي العاشقين؟؟
عندما كنت تقولين كلاماً..
أنثوياً ...
مخمليّاً..
قزحياً ..
ككلام الماندولين..
حين كان الحب سلطان السلاطين علينا ..
وأمير المؤمنين !!..

4
آهِ ..
لو كنا التقينا في دمشق- الشام, يا سيدتي
حين كان الورد أستاذي...
وكان الفل أستاذي...
وكان الشعر أستاذي..
وأستاذي بياض الياسمين ...
ليتني خبأت في خصرك ناياً عربياً
وعصافير..
وعلمتك مالا تعلمين!!.

5
آه..
لو أنّي تعرفت على عينيك ..
في عصر الحضارات ..
وفي عصر الثقافات ..
وعصر الخالدين !!.
ليتنا كنّا التقينا في فلورنسا
بين إيقاع الأزاميل ..
وصرخات التماثيل ..
ونارِ المبدعين ...

6
آهِ ..
لو أني تعرفت على سيدتي
منذ آلاف السنين ..
قبل أن يكتشف الإنسان, ما الشعر؟
وأن تكتشف الأوراق, ما الحبر؟
وأن تكتشف الأسماك, ما البحر؟
وأن تكتشف الأهداب, ما الكحل؟
وأن يكتشف العصفور, اسم السوسنة ..
ليتنا كنا سبقنا الوقت, يا سيدتي
واختصرنا الأزمنة ...

7
ليتنا كنّا التقينا
من ألوف السنوات ...
كنتُ أحدثتُ انقلاباً
بين عينيك ...
وأنزلت عليك المعجزات ..
ونقلت البر ... والبحر ..
وغيرتُ وجوه الكائنات ..
وجعلت النيل في مصر ..
امتداداً للفرات!!.

8
آهِ.. يا سيدتي
لو جئتني قبل آلاف العصور
حين كان الله مشغولاً
بإصدار جوازات النساءْ..
وبتشجير البحيرات.. وتلوين الفراشات..
وتكوين البحورْ..
حيث كان الله يكتب في دفتره الوردي
أسماء الأزاهير.. وأسماء الطيور

9
يا التي تخزنني في ثوبها الشامي
نقشاً عربياً ..
وقوارير عطور ..
يا التي منها تعلّمت ثقافات الهوى ..
وثقافات الشعورْ..
أنا مجنونٌ.. فدوري حول شعريواتركيني.. في عينيك.. أدور!!..

10
أرجعيني مرةً أخرى
إلى عصر الحطبْ ...
أرجعيني مرةً أخرى
إلى دوزنة الناي ..
وآهات الربابة ...
أرجعيني مرةً أخرى
إلى مجد الكتابة ...

11
أرجعيني مرةً أخرى
إلى عصر الحطب..
فأنا ضجران من كُلِّ الحداثاتِ..
وكلِّ المحدثين ..
ومن الجاز.. من (الدييسكو)..
من التفكير بالإقدام ..
والإحساس بالإقدام..
والتقبيل بالإقدام ..
والرقص الذي يرفض كُلَّ الراقصين ...

12
آهِ.. لو أني تعرفت على سيدتي
قبل آلاف السنين ..
ليتني كنت اكتشفتُ الشعر فيها
مثلما تكتشف الأسماكُ
شطآن الحنينْ ..

13
كيف ضيعتُ ألوف السنوات؟
قبل أن أكتب عن عينيك .. أحلى الكلمات؟
قبل أن أجمع عن ظهرك.. أزهاراً.. وأصدافاً..
وأطواقاً من اللؤلؤ.. والقطن..
ولمن غزل البناتْ؟؟

14
آه.. يا أرقى .. ويا أنقى..
وأعز السيداتْ..
ليتنا من رحم الشعر انفجرنا
واخترعنا لغةً للعشق..
ما مرَّت بتاريخ اللغاتْ! ..

15
أرجعيني مرةً أخرى..
إلى عصر الحطب..
وإلى عصر المها..
وبساتين الرُطب..
أرجعي لي الشعر – يا سيِّدتي-
إنه آخر ما أحملُ من وشم العرب!!.

عن نزار قباني

نزار قباني (1342 - 1419 هـ / 1923 - 1998 م) شاعر سوري معاصر من مواليد مدينة دمشق.

تعريفه من ويكيبيديا

نزار بن توفيق القباني (1342 - 1419 هـ / 1923 - 1998 م) دبلوماسي وشاعر سوري معاصر، ولد في 21 مارس 1923 من أسرة عربية دمشقية عريقة. إذ يعتبر جده أبو خليل القباني من رائدي المسرح العربي. درس الحقوق في الجامعة السورية وفور تخرجه منها عام 1945 انخرط في السلك الدبلوماسي متنقلًا بين عواصم مختلفة حتى قدّم استقالته عام 1966؛ أصدر أولى دواوينه عام 1944 بعنوان "قالت لي السمراء" وتابع عملية التأليف والنشر التي بلغت خلال نصف قرن 35 ديوانًا أبرزها "طفولة نهد" و"الرسم بالكلمات"، وقد أسس دار نشر لأعماله في بيروت باسم "منشورات نزار قباني" وكان لدمشق وبيروت حيِّزٌ خاصٌّ في أشعاره لعلَّ أبرزهما "القصيدة الدمشقية" و"يا ست الدنيا يا بيروت". أحدثت حرب 1967 والتي أسماها العرب "النكسة" مفترقًا حاسمًا في تجربته الشعرية والأدبية، إذ أخرجته من نمطه التقليدي بوصفه "شاعر الحب والمرأة" لتدخله معترك السياسة، وقد أثارت قصيدته "هوامش على دفتر النكسة" عاصفة في الوطن العربي وصلت إلى حد منع أشعاره في وسائل الإعلام.—قال عنه الشاعر الفلسطيني عز الدين المناصرة : (نزار كما عرفته في بيروت هو أكثر الشعراء تهذيبًا ولطفًا).

على الصعيد الشخصي، عرف قبّاني مآسي عديدة في حياته، منها مقتل زوجته بلقيس خلال تفجيرٍ انتحاري استهدف السفارة العراقية في بيروت حيث كانت تعمل، وصولًا إلى وفاة ابنه توفيق الذي رثاه في قصيدته "الأمير الخرافي توفيق قباني". عاش السنوات الأخيرة من حياته مقيمًا في لندن حيث مال أكثر نحو الشعر السياسي ومن أشهر قصائده الأخيرة "متى يعلنون وفاة العرب؟"، وقد وافته المنية في 30 أبريل 1998 ودفن في مسقط رأسه، دمشق.

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي