الطيران فوق سطح العالم

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

أبيات قصيدة الطيران فوق سطح العالم لـ نزار قباني

1
قررت نهائياً .. أن أتفرغ لكِ ..
فليس هناك قضيةٌ
تستحق أن يموت الإنسان من أجلها
إلا حُبكِ ..
ولا محطة تستحق الوقوف فيها
إلا محطة شعرك الليلي
وليس هناك أيديولوجية متكاملة
أكثرَ إقناعاً من تقاطيع وجهكْ ..
وليس هناك مكانٌ للانتحار
أعلى من ذروة نهديكِ ..

2
لقد جربت كل الأعمال اليدويه
من رسمٍ على الزجاج ..
وحفرٍ على الخشب
واستنفدت جميعَ امكانيات الصلصال والسيراميك
فلم أكتشف آنية خزفية
أكثر تناسقاً من جسدك
وأصغيت إلى عشرات التنويعات على البيانو
فلم أسمع إلى معزوفةٍ
أحسنَ تأليفاً من أصابعكْ ...

3
قررتُ نهائياً ..
أن أتخلى عن جواز سفري
وأصبحَ واحداً من رعاياك
قررت نهائياً ..
أن أتعلق بأية سحابةٍ
هاربةٍ مع أطفالها باتجاه البحر
فلم يعد لي وطنٌ ألتجئ إليهِ ..
سوى سواحل يديكِ ..
أنتِ الوطنْ الأخير الباقي على خريطة الحريهْ
أنتِ الوطنْ الأخير الذي أطعمني من جوعٍ..
وآمنني من خوفْ ..
وكل الأوطان الأخرى .. أوطان كاريكاتوريهْ
كرسوم والت ديزني ..
أو بوليسية ..
كمؤلفات آغاتا كريستي ..
أنتِ آخرُ سنبله ..
وآخرُ قمر ..
وآخر حمامه ..
وآخر غمامه
وآخرُ مركبٍ أتعلق به ..
قبل وصول التتارْ ....

أنتِ آخرُ وردةٍ أشمها
قبل أن ينتهي زمن الورد ..
وآخر كتاب أقرؤه ..
قبل أن تحترق كل المكتباتْ
وآخرُ كلمةٍ أكتبها
قبل أن يأتي زوار الفجر
وآخر علاقة أقيمها مع امرأه
قبلَ أن تصبح الأنوثه
كلمة تفتش عنها بالعدسات المكبره
في المعاجم والموسوعاتْ ....

4
قررت أن أذهب معكِ ..
إلى آخر نقطةٍ في العالمْ
وآخر نقطةٍ من دمي ...
إنني مشتاق إلى الجزر التي لا تتعامل مع الوقت
ولا تقرأ الجرائد اليوميه
لم يعد عندي أي متاع يؤسف عليه ..
فلحمي .. أكلته الأسماك بين بيروت ولارنكا
ووطني ..
نشلوه من جيبي قبل أن أصعد إلى ظهر
السفينهْ ...

وتذكرة هويتي ...
عليها صورة رجل آخر
كان يشبهني قبل خمسين عاماً ..
ماذا تنتظرين كي تفتحي قلوع شعرك الأسود؟؟
إن رائحة الملح والتوتياء في الميناء
تخترقني كسيفٍ معدني
فلماذا لا تفتحي واحداً من شرايينك لإيوائي؟
أنا الذي فتحت جميع شراييني ..
لاستقبالك ...

5
لم يعد عندي أسئلة أطرحها
فأنتِ والبحر ..
تكتبان هذه اللية مصيري
لم يعد عندي ارتباطات بأي حجر ..
أو بأية شجره
أو بأية رائحه
أو بأية خزانة ملابس ..
فكل ما تبقى لي ..
هو سروال الجينز الأزرق الذي ألبسه.
والذي كان رفيق تسكعي ..

ورفيقَ السفر .. والمنفى , والمقاهي ,
والقطارات ,
وبواخر الشحن , والدوار , والليل , والبراندي ,
والجنس , والصراخ العصبي في دهاليز الجنونْ.
كل ما تبقى لي ..
هو هذا الجينز التاريخي ..
المغطى بالطعنات .. وفتات الخبز ..
وفتات الجنس .. وفتات صرخاتي ودموعي ..
والذي صارَ المتحف القومي لمشاعري ..
والمفكرة التي أسجل عليها مواعيد الإقلاع ..
والرسو .. ومواعيد الغيبوبة والكحولْ
وصارَ , بعد سقوط كل الأوطان
وطني ....

6
لن أعود إلى حماقاتي السابقه ..
ولن أسألك إلى أين ؟
إن الجغرافيا لم تعد عندي ذاتَ موضوع
فأنا قارورة حزن تطفو على وجه جميع بحار العالمْ.
والمسافة بين ولادتي وموتي تُحسب
بالسنتيمتراتْ.
لن أسألك إلى أين؟
المهم .. أن تنتزعيني من ذاكرتي
ومن أوراق الرزنامة العربية ..
وترميني على ظهر سفينةٍ
لا ترفع علم أي دولهْ .....

فأنا لم أعد مكترثاً بالممالك .. ولا بالجمهوريات..
إن زجاجة البراندي ..
هي الجمهورية الأكثرُ عدلاً وأماناً في التاريخ..
فاغسلي قدميكِ بمائها المقدس
فهذه فرصتنا الوحيده ..
للطيران فوق سطح العالمْ ....

عن نزار قباني

نزار قباني (1342 - 1419 هـ / 1923 - 1998 م) شاعر سوري معاصر من مواليد مدينة دمشق.

تعريفه من ويكيبيديا

نزار بن توفيق القباني (1342 - 1419 هـ / 1923 - 1998 م) دبلوماسي وشاعر سوري معاصر، ولد في 21 مارس 1923 من أسرة عربية دمشقية عريقة. إذ يعتبر جده أبو خليل القباني من رائدي المسرح العربي. درس الحقوق في الجامعة السورية وفور تخرجه منها عام 1945 انخرط في السلك الدبلوماسي متنقلًا بين عواصم مختلفة حتى قدّم استقالته عام 1966؛ أصدر أولى دواوينه عام 1944 بعنوان "قالت لي السمراء" وتابع عملية التأليف والنشر التي بلغت خلال نصف قرن 35 ديوانًا أبرزها "طفولة نهد" و"الرسم بالكلمات"، وقد أسس دار نشر لأعماله في بيروت باسم "منشورات نزار قباني" وكان لدمشق وبيروت حيِّزٌ خاصٌّ في أشعاره لعلَّ أبرزهما "القصيدة الدمشقية" و"يا ست الدنيا يا بيروت". أحدثت حرب 1967 والتي أسماها العرب "النكسة" مفترقًا حاسمًا في تجربته الشعرية والأدبية، إذ أخرجته من نمطه التقليدي بوصفه "شاعر الحب والمرأة" لتدخله معترك السياسة، وقد أثارت قصيدته "هوامش على دفتر النكسة" عاصفة في الوطن العربي وصلت إلى حد منع أشعاره في وسائل الإعلام.—قال عنه الشاعر الفلسطيني عز الدين المناصرة : (نزار كما عرفته في بيروت هو أكثر الشعراء تهذيبًا ولطفًا).

على الصعيد الشخصي، عرف قبّاني مآسي عديدة في حياته، منها مقتل زوجته بلقيس خلال تفجيرٍ انتحاري استهدف السفارة العراقية في بيروت حيث كانت تعمل، وصولًا إلى وفاة ابنه توفيق الذي رثاه في قصيدته "الأمير الخرافي توفيق قباني". عاش السنوات الأخيرة من حياته مقيمًا في لندن حيث مال أكثر نحو الشعر السياسي ومن أشهر قصائده الأخيرة "متى يعلنون وفاة العرب؟"، وقد وافته المنية في 30 أبريل 1998 ودفن في مسقط رأسه، دمشق.

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي