المفضليات/أبو ذؤيب

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

أبو ذؤيب

أبو ذؤيب - المفضليات

أبو ذؤيب

أَمِنَ المَنُونِ ورَيْبِها تَتَوَجَّعُ

والدَّهْرُ ليسَ بِمُعْتِبٍ مَنْ يَجْزَعُ

قالتْ أُمَيْمَةُ: ما لِجِسْمِكَ شاحِباً

مُنْذُ ابْتُذِلْتَ ومثلُ مالِكَ يَنْفَعُ

أَمْ ما لِجَنْبِكَ لا يُلائِمُ مضْجَعاً

إِلاَّ أَقَضَّ عَليكَ ذَاكَ المضْجَعُ

فأَجَبْتُها: أَمَّا لجِسْمي أَنَّهُ

أَوْدَى بَنِيَّ منَ البلادِ فَوَدَّعُوا

أَوْدَى بَنِيَّ وأَعْقَبونِي غُصَّةً

بَعْدَ الرُّقَادِ وعَبْرَةً لا تُقْلِعُ

سَبَقوا هَوَيَّ وأَعْنقُوا لِهَواهُمُ

فَتُخُرِّموا، ولُكلِّ جَنْبٍ مَصْرَعُ

فَغَبَرْتُ بَعْدَهُمُ بِعَيش ٍناصِبٍ

وأَخالُ أَنِّي لاَحِقٌ مُسْتَتْبَعُ

ولقد حَرَصْتُ بأَنْ أُدافِعُ عنهمُ

فإِذا المَنيَّةُ أَقْبَلَتْ لا تُدْفَعُ

وإِذَا المَنِيَّةُ أَنْشَبَتْ أَظفارَها

أَلْفَيْتَ كلَّ تَمِيمةٍ لا تَنْفَعُ

فالعَيْنُ بعدَهُمُ كأَنَّ حِدَاقَها

سُلِمَتْ بِشَوْكٍ فَهْيَ عُورٌ تَدْمَعُ

حتى كأَنِّي للحَوادِثِ مَرْوَةٌ

بِصَفا المُشَرَّقِ كُلًّ يوم تُقْرَعُ

وتَجَلُّدِى لِلشَّامِتِينَ أُرِيهِمُ

أَنِّي لِرَيْبِ الدَّهْرِ لا أَتضَعْضَعُ

والنَّفْسُ راغِبَةٌ إِذَا رَغَّبْتَها

وإِذَا تُرَدُّ إِلى قَليلٍ تَقْنَعُ

ولَئِنْ بِهِمْ فَجَعَ الزَّمانُ ورَيْبُهُ

إِنِّي بِأَهْلِ مَوَدَّتِي لَمُفْجَّعُ

كَمْ مِنْ جَمِيعِ الشمْلِ مُلْتَئِم القُوَى

كانوا بعَيْشٍ قَبْلَنا فَتَصدَّعُوا

والدَّهْرُ لا يَبْقَى عَلَى حَدَثانِهِ

جَوْنُ السَّرَاةِ لهُ جَدَائِدُ أَرْبَعُ

صَخِبُ الشَّوارِبِ لايَزَالُ كأَنَّهُ

عَبْدٌ لآِلِ أَبي رَبيعَةَ مُسْبَعُ

أَكَلَ الجَمِيمَ وطاوَعَتْهُ سَمْحَجٌ

مِثْلُ القَناةِ وأَزْعَلَته الأَمْرُعُ

بِقَرَارِ قِيعانٍ سَقاها وَابِلٌ

وَاهٍ، فَأَثْجَمَ بُرْهَةً لا يُقْلِعُ

فَلَبِثْنَ حِيناً يَعْتَلِجْنَ بِرَوْضِهِ

فَيُجِدُّ حِيناً في العِلاَجِ ويَشْمَعُ

حتَّى إِذَا جَزَرَتْ مِياهُ رُزُونِهِ

وبأَيِّ حِينِ مَلاوَةٍ تَتقَطَّعُ

ذكَرَ الْوُرُودَ بها وشَاقَى أَمْرَهُ

شُؤْمٌ وأَقْبَلَ حَيْنُهُ يَتَتَبَّعُ

فَافْتَنَّهُنَّ مِنَ السوَاءِ وماؤُهُ

بَثْرٌ، وعانَدَهُ طرِيقٌ مَهْيَعُ

فكأَنَّها بالجِزْعِ بَيْنَ نُبايعٍ

وأُولاَتِ ذِي العَرْجاءِ نَهْبٌ مُجْمَعُ

وكأَنَّهُنَّ رِبابةٌ وكأَنَّهُ

يَسَرٌ يُفِيضُ على القِدَاحِ ويَصْدَعُ

وكأَنَّما هُو مِدْوَسٌ مُتقَلِّبٌ

في الكَفِّ إِلاَّ أَنَّهُ هُوَ أَضْلَعُ

فَوَرَدْنَ والعَيُّوقُ مَقْعَدَ رَابىءِ ال

ضُّرَباءِ فَوقَ النَّظْمِ لا يَتَتَلَّعُ

فَشَرَعْنَ في حَجَرَات عَذْبٍ بارِدٍ

حَصِبِ البِطاحِ تَغِيبُ فيه الأَكرُعُ

فَشَرِبْنَ ثمَّ سَمِعْنَ حِسًّا دُونَهُ

شَرَفُ الحِجابِ ورَيْبَ قَرْعٍ يُقْرَعُ

ونَمِيمَةً مِنْ قانِصٍ مُتلَبَّبٍ

في كَفِّهِ جَشْءٌ أَجَشُّ وأَقْطَعُ

فَنَكِرْتَهُ ونَفَرْنَ وامْتَرَسَتْ بهِ

سَطعَاءُ هَادِيةٌ وهادٍ جُرْشَعُ

فَرَمَى فأَنْفَذ مِنْ نَجُودٍ عائِطٍ

سَهْماً، فَخَرَّ ورِيشُهُ مُتَصَمِّعُ

فَبَدَا لَهُ أَقْرَابُ هَذَا رَائغاً

عَجِلاً، فَعَيَّثَ في الكِنانة يُرْجِعُ

فَرَمَى فأَلْحَقَ صاعِدِيًّا مِطْحَراً

بالكَشْحِ فاشْتَمَلَتْ عليهِ الأَضْلُعُ

فأَبَدَّهُنْ حُتُوفَهُنَّ فَهارِبٌ

بِذَمائِهِ أَو بارِكٌ مُتَجَعْجَعُ

يَعْثُرْنَ في حَدِّ الظُّباتِ كأَنَّما

كُسِيَتْ بُرُودُ بَنِي تَزِيدَ الأَذْرُعُ

والدَّهْرُ لاَ يَبْقَي على حَدَثانِهِ

شَبَبٌ أَفَزَّتْهُ الكِلاَبُ مُرَوَّعُ

شَعَفَ الكلاَبُ الضَّارِياتُ فُؤَادَهُ

فإِذَا رأَى الصٌّبْحَ المُصَدَّقَ يَفْزَعُ

ويُعوذُ بالأَرْطَى إِذَا ما شَفَّهُ

قَطْرٌ ورَاحَتْهُ بَلِيلٌ زَعْزَعُ

يَرْمِي بِعَيْنَيْهِ الغُيُوبَ وطَرْفُهُ

مُغْضٍ يُصَدقُ طَرْفُهُ ما يَسْمَعُ

فَغَدَا يَشرِّق مَتْنَهُ فَبدَا لهُ

أُولَى سَوَابِقِها قَرِيباً تُوزَعُ

فاهْتاجَ منْ فَزَعٍ وسَدَّ فُرُوجَهُ

غُبْرٌ ضَوَارٍ وَافيانِ وأَجْدَعُ

يَنْهَشْنَهُ ويذُبُّهُنَ ويَحْتَمِي

عَبْلُ الشَّوَى بالطُّرَّتيْنِ مُوَلَّعُ

فَنَحا لها بِمُذَلَّقَيْنِ كأَنَّما

بِهِما منَ النَّضْجِ المُجَدَّحِ أَيْدعُ

فكأَنَّ سَفُّودَيْن لمَّا يُقْتِرَا

عجِلاَ لهُ بِشِوَاءِ شَرْبٍ يُنْزَعُ

فصَرَعْنَهُ تحتَ الغُبارِ وجَنْبُهُ

مُتتَرِّبٌ، ولكلِّ جَنْبٍ مَصْرَعُ

حتَّى إِذا ارتَدَّتْ وأَقْصَدَ عُصْبَةً

منها، وقامَ شرِيدُها يَتضَوَّعُ

فَبدَا لهُ رَبُّ الكِلاَبِ بِكَفِّهِ

بِيضٌ رِهابٌ ريشُهُنَّ مُقَزَّعُ

فَرَمَى لِيُنْقِذَ فَرَّها فَهَوَى لهُ

سَهْمٌ، فأَنْفَذَ طُرَّتَيْهِ المِنْزَعُ

فَكبَا كما يَكْبُو فَنيقٌ تارِزٌ

بالخَبْثِ إِلاَّ أَنَّهُ هُوَ أَبْرَعُ

والدَّهْرُ لا يَبْقَى على حدَثانِهِ

مُسْتَشْعِرٌ حَلَقَ الحديدِ مُقنَّعُ

حَمِيَتْ عليه الدِّرْعُ، حتَّى وَجْهُهُ

منْ حَرِّها يومَ الكرِيهَةِ أَسْفَعُ

تَعدُو بهِ خَوْصاءُ يَفْصِمُ جَرْيُها

حَلَقَ الرِّحَالَةِ فَهْيَ رِخْوٌ تَمْزَعُ

قَصَرَ الصَّبُوحَ لها فَشُرِّجَ لَحْمُها

بالنَّيِّ فَهْيَ تَثُوخُ فيها الإِصْبَعُ

مُتفَلِّقٌ أَنْسَاؤُها عنْ قانِىءٍ

كالقُرْطِ صَاوٍ غُبْرُهُ لاَ بُرْضَعُ

تَأَبَى بِدِرَّتِها إِذا ما اسْتُغْضِبَتْ

إِلاَّ الحَمِيمَ فإِنَّهُ يَتَبَضَّعُ

بَيْنَا تَعَنُّقِهِ الكُماةَ ورَوْغِهِ

يَوْماً أُتِيحَ لهُ جَريءٌ سَلْفَعُ

يَعْدُو بهِ نَهْشُ المُشَاشِ كأَنَّهُ

صَدَعٌ سَلِيمٌ رَجْعُةْ لاَ يَظْلَعُ

فَتناديَا وتَوَافَقَتْ خَيْلاَهُما

وكِلاَهُما بَطَلُ اللِّقاءِ مُخَدَّعُ

متَحامِيَيْنِ المَجْدَ، كلُّ وَاثِقٌ

بِبلائِهِ، والْيَوْمُ يَوْمٌ أَشْنَعُ

وعليهما مَسْرُودَتانِ قَضَاهُما

دَاوُودُ أَو صَنَعُ السَّوَابِغ تُبَّعُ

وكِلاَهُما في كَفِّهِ يَزَنِيَّةٌ

فيها سِنانٌ كالمنارَةِ أَصْلَعُ

وكِلاَهُما مُتَوَشِّحٌ ذَا رَوْنَقٍ

عَضْباً إِذَا مَسَّ الضَّرِيبَةَ يَقْطَعُ

فَتَحَالَسَا َنْفسَيْهِما بِنَوَافِذِ

كَنَوَافِذِ العُبُطِ الَّتي لاَ تُرْقَعُ

وكِلاهُما قد عاشَ عِيشَةَ ماجِدٍ

وجَنَى العَلاَءَ، لَوَ أنَّ شيْئاً يَنْفَعُ

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي