في التهديد
القسم الثاني
من هدده السلطان فاستعان بالله
لقي الحجاج محمد بن الحنفية فقال له: نفسك فلأريقن دمك، فقال محمد: إن لله في كل يوم كذا كذا ألف نظرة يقضي في كل كذا كذا ألف، فعسى أن يشغلك بأمره.
تهديد سلطان شديد الوطأة
خطب الحجاج فقال: أيها الناس، من أعياه داؤه ومن استعجل أجله فعليَّ أن أعجله، إن الحزم والجد ألبساني سوء ظني وجعلا سيفي سوطي فنجاده في عنقي وقائمه في يدي.
وأُحضر عبد الملك بن صالح للرشيد من حبسه، فلما مثل بين يديه أنشد الرشيد:
أُرِيدُ حَيَاتَهُ وَيُرِيدُ قَتْلِي
عُذَيْرُكَ مِنْ خَلِيلِكَ مِنْ مُرَادِ
والله لكأني أنظر إلى شبوبها وقد همع، وإلى عارضها وقد لمع، وكأني بالوعيد وقد أورى نارًا فأقلع عن براجم بلا معاصم ورءوس بلا غلاصم! مهلًا بني هاشم، فبي سَهُلَ الوعر وصفا الكدر، وألقت إليكم الأمور آنفًا أَزِمَّتَهَا فحذارِ من حلول داهية خبوط باليد لبوط بالرجل، فقال عبد الملك: اتَّقِ الله فيما ولاك وراقبه فيما استرعاك، ولا تجعل الكفر موضع الشكر والعقاب موضع الثواب، ولا تقطع رحمك بعد صلتها، وقد جمعت القلوب على محبتك وأذللت همم الرجال لطاعتك، وكنت كما قال الشاعر:
وَمُقَامٌ ضَيِّقٌ فَرَّجْتُهُ
بِلِسَانٍ وَبَيَانٍ وَجَدَلِ
لَوْ يَقُومُ الْفِيلُ أَوْ فَيَّالُهُ
زَلَّ عَنْ مِّثْلِ مُقَامِي وَزَحلِ
حث من تعرَّض لك أن يجرِّبك
قال ابن أبي عيينة:
سَيَعْلَمُ إسْمَاعِيلُ أنَّ دَعْوَتِي
لَهُ رِيقُ أَفْعَى لَا يُصَابُ دَوَاؤُهَا
من أوعد وقدم الإنذار
كتب إبراهيم بن العباس الصولي إلى أهل حمص: أمَّا بعد، فإن أمير المؤمنين يرى من حق الله تعالى استعمال ثلاث تقدم بعضهن على بعض، الأولى تقديم تنبيه وتوقيف، ثم ما يستظهر به من تحذير وتخويف، ثم التي لا ينفع لحسم الداء غيرها.
أَنَاةٌ فَإن لَمْ تُغْنِ أَعْقَب بَعْدَهَا
وَعِيدًا فَإن لَمْ يَجِدْ أَغْنَتْ عَزَائِمُه
قال الشاعر:
ذَرُونِي ذَرُونِي مَا كَفَفْتُ فَإنِّنِي
مَتَى مَا تُهَيِّجُونِي تَمِيدُ بِكُمْ أَرْضِي
وَأُنْهِضُ فِي سَرْدِ الْحَدِيدِ عَلَيْكُمُ
كَتَائِبَ سُودًا طَالَمَا انتَظَرَتْ نَهْضِي
من يناوبه من لا يبالي به
أبرق رجل لآخر وأرعد فلما زاد أنشد:
قَدْ هَبَّتْ الرِّيحُ طُولَ الدَّهْرِ وَاخْتَلَفَتْ
عَلَى الجِبَالِ فَمَا نَالَتْ رَوَاسِيه
تهدد من لا يُبالي بتهديده
قال مقاتل بن مسمع لعباد بن الحصين: لولا شيء لأخذت رأسك، فقال: أجل ذلك الشيء سيفي، وقال:
تُوَاعِدُنِي لِتَقْتُلَنِي نُمَيْرٌ
مَتَى قَتَلَتْ نُمَيْرٌ مَنْ هَجَاهَا
قلة غناء الوعيد
قيل: الصدق ينبئ عنك لا الوعيد.
وقال الشاعر:
مَهْلًا وَعْيدِي مَهْلًا لَا أبًالُكُمْ
إِنَّ الْوَعِيدَ سِلَاحُ الْعَاجِزِ الحُمْقِ
وقيل: من علامات العاقل ترك التهدد قيل إمكان الفرص، وعند إمكانها الوثوب مع الثقة بالظفر.