في العزل
قال المتنبي:
أَزورُهُم وَسَوادُ اللَيلِ يَشفَعُ لِي
وَأَنثَني وَبَياضُ الصُّبحِ يُغري بي
وقال ابن المعتز:
وَجاءَني في قَميصِ اللَيلِ مُستَتِرًا
يَستَعجِلُ الخَطوَ مِن خَوفٍ وَمِن حَذَرِ
فَقُمتُ أَفرِشُ خَدِّي في الطَريقِ لَهُ
ذُلًّا وَأَسحَبُ أَذيَالي عَلى الأثَرِ
وَلاحَ ضَوءُ هِلالٍ كادَ يَفضَحُنا
مِثلَ القُلامَةِ قَد قُدَّت مِنَ الظُفُرِ
فَكَانَ مَا كانَ مِمَا لَستُ أَذكُرُهُ
فَظُنَّ خَيرًا وَلا تَسأَل عَنِ الخَبَرِ
وقال سعيد النصراني:
وَعَدَ البَدرُ بِالزِّيارَةِ لَيْلًا
فَإِذَا مَا وَفَى قَضَيتُ نذُورِي
قُلتُ يَا سَيِّدِي وَلِمَ تُؤْثِرُ اللَّيلَ
عَلَى بَهْجَةِ النَّهَارِ المُنِيرِ
قَالَ لَا أَسْتَطِيعُ تَغْيِيرَ رَسْمِي
هَكَذَا الرَّسْمُ فِي طُلُوعِ البدُورِ
من صار الطيب والحلي واشيًا عند زورته
قال البحتري:
وَزارَت عَلى عَجَلٍ فَاكتَسى
لِزَورَتِها أَبرَقُ الحَزنِ طيبَا
فَكانَ العَبيرُ بِها وَاشِيًا
وَجَرسُ الحُلِيِّ عَلَيها رَقيبَا
وقال العباس:
قَامَت تَثَنَّى وَهيَ مَرعوبَةٌ
تَوَدُّ أَنّ الشَّملَ مَجموعُ
بَكَى وُشاحاها وَلَم يُشكَيا
وَإِنَّما أَبكاهُما الجوعُ
فَانتَبَهَ الهادونَ مِن أَهلِها
وَصارَ لِلمَوعِدِ مَرجوعُ
امتناع المحبوب
قال أبو أدهم:
لَمَّا رَأَيتُ مُعَذِّبِي
أَلْفَيْتُهُ كَالْمُحْتَشِمِ
طَلَبْتُ مِنهُ زَوْرَةً
تَشْفِي السَّقِيمَ مِنَ السُّقمِ
فَأَبَى عَلَيَّ وَقَالَ لِي
فِي بَيتِهِ يُؤْتَى الحِكَمِ
من سأل رفيقه أن يزور به صديقه
قال عوف بن سعد:
خَليليَّ عوجا بَاركَ اللهُ فيكُمَا
وإن لم تَكُنْ هندٌ لأرضِكما قَصْدا
وقولَا لها لَيسَ الضَّلالُ أجازَنا
ولكنَّنا جُزنا لنلقَاكُم عَمدًا
وقال نصيب:
بِزَيْنَبَ أَلْمِمْ قَبْلَ أن يَظْعَنَ الرَّكْبَ
وَقُل إنْ تملِينِا فَمَا مَلكَ القَلْبُ
النهي عن كثرة النظر وذمه
قال الله تعالى: قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تتبع النظرة النظرة، فإنما لك الأولى وليست الآخرة».
وقيل: «من كثرت لحظاته دامت حسراته».
«فضول المناظرة من فضول الخواطر»
قال أبو الفيض: خرجت حاجًّا، فمررت بحي، فرأيت جارية كأنها فلقة قمر، فغطت وجهها، فقلت: يرحمك الله، أنا سفر وفينا أجر فمتعينا برؤية وجهك، فقالت:
وَكُنتَ مَتَى أَرْسَلتَ طَرفَكَ رَائِدًا
لِقَلْبِكَ يَوْمًا أَتْعَبَتْكَ الْمَنَاظِر
رَأَيْتَ الذِي لَا كُلُّهُ أنتَ قَادِر
عَلَيهِ وَلَا عَن بَعْضِهِ أَنتَ صَابِر
ومرت أعرابية بجماعة من بني نمير، فأداموا لها النظر، فقالت: يا بني نمير، ما فعلتم بقول الله: قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ولا بقول الشاعر:
فَغُضَّ الطَّرْفَ إِنَّكَ مِن نُمَيْرٌ
فَلَا سَعْدًا بَلَغْتَ وَلَا كِلَابَا
فأطرقوا حياء.
وقال أبو العباس بن الأحنف:
وَمُسْتَفْتِحٍ بَابَ الْبَلَاءِ بِنَظْرَةٍ
تَزَوَّدَ مِنهَا شُغلهُ آخِرَ الدَّهْرِ
وقال أبو تمام:
إنَّ للهِ فِي الْعِبَادِ مَنَايَا
سَلَّطَتهَا عَلَى القُلُوبِ العُيُونُ
النهي عن تمكين المرأة من النظر إلى الرجل
قال بعضهم: لأن يرى رجل امرأتي أسهل عندي من أن ترى امرأتي رجلًا.
قال ذو الرمة:
لَا تَأْمَنَنَّ عَلَى النِّسَاءِ وَلَوْ أَخًا
مَا فِي الرِّجَالِ عَلَى النِّسَاءِ أَمِين
إِنَّ الأمِينَ وَإِنْ تَحَفَّظَ جَهْدَهُ
لَا بُدَّ أَنَّ بِنَظَرِهِ سَيَخُونُ
الرخصة في النظر
قال الحسن: «النظر على الوجه الحسن عبادة».
معناه أن الرائي يقول: سبحان الله.
ورؤي شريح بقارعة الطريق، فقيل له: ما وقوفك؟ قال: عسى أن أنظر إلى وجه حسن أتقوَّى به على العبادة.
قال ابن الدمية:
يَقُولُونَ لَا تَنْظُرْ وَتِلْكَ بَلِيَّةٌ
أَلَا كُلُّ ذِي عَيْنَيْنِ لَا بُدَّ نَاظِرُ
وَلَيْسَ اكْتِحَالُ الْعَيْنِ بِالْعَيْنِ رِيبَةٌ
إِذَا عَفَّ فِيمَا بَيْنَهُنَّ الضَّمَائِرُ
وقال مصعب بن الزبير — وكان جميلًا — لصوفي رآه يحد النظر إليه: لم تحدُّ النظر إليَّ؟
فقال: لا تنكر نظري، فإنك من زينة الله في بلاده، أما سمعت قول ابن العلاف:
مَا لِمْن نَّمَتْ مَحَاسِنُهُ
أَنْ يُعَادِيَ طَرْفَ مَن رَّمَقَا
لَكَ أَنْ تُبْدِيَ لَنَا حُسْنًا
وَلَنَا أن نُّعْمِلَ الْحَدَقَا
وقال آخر:
أَبْرَزُوا وَجْهَهُ الْجَمِيل
وَلَامُوا مَنْ افْتَتَنْ
لَو أَرَادُوا عَفَافَةً
نَقَّبُوا وَجْهَهُ الْحَسَنْ
وقال تمار:
لَا تَمْنَعَنِي إِن نَظَرْ
تُ فَلَا أَقَلُّ مِنَ النَّظَرْ
دَعْ مُقْلَتيَّ تَنْظُر إلَيْكَ
فَقَدْ أَضَرَّ بِهَا السَّهَرْ
من تمنى النظر إلى محبوبه والاستشفاء بلقائه
قال الخبزارزي:
مِفْتاحُ كُلِّ لَذَاذَةٍ
نَظَرُ الْمُحِبِّ إِلَى الْحَبِيب
طُوبَى لِعَيْنٍ أَبْصَرَتْ
وَجْهَ الْحَبِيبِ بِلَا رَقِيب
وقال ابن قنبر:
رَمِدَتْ فِي الْحُبِّ عَيْنِي
فَأَكْحِلُوهَا بِالْحَبِيبِ
وقال العباس:
إِذَا ما التَقَينا كانَ أَكثَرَ حَظَّنا
وَغايَةَ مَا نَرضَى بِهِ النَظَرُ الشزرُ
ازدياد الوجد بالنظر
قال وهب الهمذاني:
زَوَّدتُّ الْعَيْنَ مِن لوَاحِظِهَا
زَادًا فَكَانَ الْحِمَامُ فِي النَّظَر
وقال إبراهيم الموصلي:
وَلَو أَنِّي نَظَرْتُ بِكُلِّ عَيْنٍ
لَمَا اسْتَقْصَتْ مَحَاسِنَهُ الْعُيُون
ترك الذنب على العين والقلب
قال الصولي:
فَمَنْ كَانَ يُؤْتَى مِنْ عَدُوٍّ وَصَاحِبٍ
فَإنِّي مِنْ عَيْنِي أُوتِيتُ وَمِنْ قَلْبِي
هُمَا اعتَورَانِي نَظْرَةُ ثُمَّ فِكْرَةً
فَمَا أَبْقَيَا لِي مِن رُّقَادٍ وَمِن لبِّ
وقال:
إِذَا لُمْتُ عَيْنَيَّ التَّين أَضَرَّتَا
بِجِسْمِي يَوْمًا قَالَتَا لِي لِمَ القَلْبَا
فَإِن لمْتُ قَلْبِي قَالَ عَيْنَاكَ قَادتَا
إِلَيْكَ الْبَلَايَا ثُمَّ تَجْعَلُ لِيَ الذَّنْبَا
وقال أبو القاسم المصري:
أَلُومُ قَلبِي وَناظِرِي فَهُمَا
تَعَاوَنَا وَالنَّوَى عَلَى قَلْبِي
ترك الذنب على العين دون القلب
قال أبو تمام:
لَأُعَذِّبَنَّ جُفُونَ عَيْنَيَّ إِنَّمَا
بِجُفُونِ عَيْنَيَّ جَلَّ مَا أَتَعَذَّبُ
وقال العطوي:
فَلَا عَجَبٌ وَلا أَمْرٌ بَديع
جِناياتُ العُيونُ عَلى القُلوب
تركه على القلب دون العين
كفى بكون القلب مذنبًا وداعيًا إلى فعل الشر أن النفس لأمارة بالسوء.
وقال الشاعر: ألا إنما العينانِ للقَلْبِ رَائِدُ.
وقال الشريف الرضي:
النَفسُ أَدنى عَدوٍّ أَنتَ حَاذِرُهُ
وَالقَلبُ أَعظَمُ مَا يُبلى بِهِ الرَّجُلُ
قلة شبع العين من النظر
قيل: لا تشبع عين من نظر ولا أذن من خبر ولا أرض من مطر.
وقال أبو العباس:
لَيْتَنِي إِذْ أَرَاهُ كُلِّي عُيُونُ
فَبِعَيْنَينِ لَسْتُ أَشْبَعُ مِنْه
اختلاس النظر خشية الرقباء
قال أبو الشيص:
وَنَظرَةُ عَين تَعللتُها
حذارًا كَما نَظَر الأحوَلُ
تَقَسَّمتُها بَينَ وَجه الحَبيب
وَطَرف الرَقيب مَتى يَغفَلُ
ونحوه:
إِذا ما التَقَينا وَالوُشاة بِمَجلِسٍ
فَلَيسَ لَنَا رُسلٌ سِوى الطَّرفِ بِالطَّرفِ
فَإِن غَفَلَ الواشونَ فُزتُ بِنَظرَةٍ
وَإِن نَظَروا نَحوي نَظَرتُ إِلى السَّقفِ
وقال أبو العيناء:
حَمِدْتُ إِلهي إِذْ بِلاني بِحُبِّها
عَلى حَوَلٍ يُغْني عَنِ النَّظَرِ الشَّذْرِ
نَظَرْتُ إِلَيْهَا وَالرَّقِيبُ يَظُنُّني
نَظَرْتُ إِلَيْهِ فَاسْتَرَحْتُ مِنَ العُذْرِ
التخاطب بالنظر
قال علي بن هشام:
فَسَلَّمَتْ إِيمَاءً وَوَدَّعَتْ خِفْيَةً
فَكَانَ جَوَابِي كَسْرُ عَيْنٍ وَحَاجِبِ
وقال ابن أبي طاهر:
وَفِي غَمْزِ الْحَوَاجِبِ مُسْتَرَاحٌ
لِحَاجَاتِ الْمُحِبِّ عَلَى الْحَبِيبِ
وقال:
وَمَجلِس لَذَّةٍ لَم نَقوَ فيهِ
عَلَى شَكوى وَلا عَدِّ الذُّنوبِ
فَلَمَّا لَم نُطِق فيهِ كَلامًا
تَكَلَّمَتِ العُيونُ عَنِ القُلوبِ
وقال الهند: اللحظ ترجمان القلب واللسان ترجمان البدن.
كون نظر المحبوب إلى محبه قاتلًا
قال ابن الرومي:
نَظَرَتْ فَأَقْصَدَتِ الْفُؤَادَ بسَهْمِهَا
ثُمَّ انثَنتْ عَنهُ فَكَادَ يَهِيمُ
وَيْلَاهُ إن نَظَرتُ وَإِنْ هِيَ أَعْرَضَتْ
وقع السِّهَامُ وَنَزْعُهُنَّ ألِيمُ
تحير العاشق بالنظر إلى معشوقه
قال أحمد بن أبي طاهر:
عِتَابًا كَأَيَّامِ الحَياةِ أَعُدُّهُ
لَألقَى بِهِ بَدرَ السَّمَاءِ إِذا حَضَر
فَإِن أَخَذَت عَيني مَحاسِنَ وَجهِهِ
دُهشتُ لِما أَلقى فَيملكُنِي الحَصَر
السهل اللقاء الصعب المنال
قال أبو عيينة:
فقُلتُ لأصحَابي هِيَ الشَّمسُ ضوؤهَا
قَريبٌ وَلَكن فِي تَنَاوُلِهَا بُعدُ
وقال أبو نواس:
مَبذولَةٌ لِلعُيونِ زَهرَتُهُ
مَمنوعَةٌ مِن أَنَامِلِ الجاني
وَلَستُ أَحظى بِهِ سِوى نَظَرٍ
يشركُني فيهِ كُلُّ إِنسانِ
وقال العباس:
هي الشمسُ مسكنُها في السَّماء
فعزَّ الفؤادَ عَزاء جَميلَا
فَلَن تَستَطيعَ إِلَيها الصُعودَ
وَلَن تَستَطيعَ إِلَيكَ النُزولَا
من سهل بالكلام وصعب بالمنازل
قال إبراهيم بن المهدي:
وَقَد يَلِينُ ببَعضِ القَولِ يَبذُلُه
وَالوَصلُ فِي وِزر صَعبٌ مراقِيه
فَالخيزَراَنُ مَنيعٌ مِنكَ مَكسَرُه
وَقَد يُرَى لِينًا فِي كَفِّ لَاوِيه
استحسان التقاء المتحابين
قال مسلم العتبري:
لَا شَيءَ أَحسَنَ فِي الدُّنْيَا وَسَاكِنِهَا
مِن وَامِقٍ قَد خَلَا فَردًا بمَومُوق
المعانقة
وقال إبراهيم الصولي:
سَاعَدَنا الدَّهرُ فَبِتنا مَعا
نَحمِل ما نَجني عَلى السُّكر
فَكُنتُ كَالماءِ له قارِعا
وَكانَ في الرِّقّة كَالخَمر
وقال علي بن الجهم:
سَقى اللهُ لَيلًا ضَمَّنا بَعدَ فُرقَةٍ
وَأَدنى فُؤادًا مِن فُؤادٍ مُعَذَّبِ
فَبتنَا جَميعًا لَو تُرَاقُ زُجَاجةٌ
منَ الرَّاحِ فِيما بَيننا لَم تَسَرَّبِ
وقال:
فَبِتْنَا عَلَى رَغمِ الحَسُودِ كأننَا
مَزِيجَان مِن ماءِ الغَمَامَةِ وَالخَمرِ
وقال ابن المعتز:
كَأنَّني عَانقْتُ رَيحَانةً
تَنفَّسَت فِي لَيلِهَا البَارِدِ
فَلَو تَرَانَا فِي قَمِيصِ الدُّجَا
حَسبتَنَا مِن جَسَدٍ وَاحِدِ
من ذكر تمكنه من محبوبه
قال حجظة:
حَبِيبٌ جَادَ ليِ بِالرِّيـ
ـقِ وَالظَّلماءُ معتكفه
وَسَامحنِي بِمَا أَهْوَا
هُ بَعدَ التِّيهِ وَالأنَفَة
سَتشْكُرُ فِعْلَهُ نَفْسٌ
بعَجز الشُّكرِ مُعتَرِفه
وقال المأمون:
يَا لَيلَةً فُزنَا بِهَا حُلوَةً
جَامِعَةً فِي ظِلِّهَا الشَّملُ
شَرَابُنَا الرِّيقُ وَكَأسُنَا
شِفَاهُنُا وَالقُبَلُ النَّقلُ
تمني تقبيل الحبيب والاقتصار منه عليه
قال الصنوبري:
نَوَيتُ تَقْبِيلَ نَارِ وجنَتِهِ
فَخِفتُ أَدْنُو مِنهُ فَأحْتَرِقُ
تقبيل الحبيب اعتراضًا
قال ابن المعتز:
وَكَمْ عِنَاقٌ لَنَا وَكَمْ قُبَلٌ
مُختَلَسَاتٌ حَذَارَ مُرتَقِبِ
نَقرُ العَصَافِيرِ وَهِيَ خَائِفَةٌ
مِنَ النَّوَاطِيرِ يَانِعُ الرّطَبِ
وقال أبو نواس:
وَعَاشِقَينِ التَفَّ خَدَّاهُمَا
عِندَ التثَامِ الحَجَرِ الأسوَدِ
فَاشْتَفَيَا مِنْ غَيْرِ أنْ يَأثَمَا
كَأَنَّمَا كَانَا عَلَى مَوْعِدِ
لَوْلَا دِفَاعُ النَّاسِ إيَّاهُمَا
لَمَا اسْتَفَاقَا آخِرِ المسنَدِ
نَفْعَلُ فِي المَسجِدِ مَا لَم يَكُن
يَفعَلُهُ الأبرَارُ فِي المَسجِدِ
استطابة تقبيله اختلاسًا واختفاء:
قال ابن سكرة:
سَألتُهُ فِي صَحوِهِ قُبلَةً
فَرَدَّنِي وَالمَوْتُ فِي رَدِّهِ
حَتَّى إِذَا السُّكرُ ثَنَى جِيدَهُ
قَبَّلتُهُ ألفًا بِلَا حَمْدِهِ
وقال الحسن بن وهب: قبَّلتها فوجدت بين شفتيها ريحًا لو نام فيها المخمور لصحا.
وقال الصابئ:
أَقبَلتْ ثُمَّ قَبَّلتْ ظَهر كفِّي
قُبلَةً تَنقَعُ الغَليلَ وَتَشفِي
فَتلَظَّى فَمِي عَلَيهَا وَوَدَّتْ
شفَتِي أَنَّها هُنَالِكَ كَفِّي
فَعَضَضتُّ اليَدَ التِي قَبَّلتْهَا
بفَمٍ حَاسِدٍ يُرِيدُ التَّشَفِّي
وقال الموسوي:
ومُقبِّلٌ كَفِّي وَودَتُّ بأَنَّهُ
أومَا إلى شَفَتَيَّ بِالتَّقبِيلِ
موضع التقبيل
قيل: قُبلة المؤمن المؤمن المصافحة، وقبلة الرجل زوجته الفم، وقبلة الوالد الولد الرأس، وقبلة الأم الابن الخد.
قال أمير المؤمنين (رضي الله عنه): قبلة الولد الرحمة، وقبلة الوالدين عبادة، وقبلة الأخ الأخ رقة، وقبلة الإمام العادل طاعة.
من سأل محبوبه الوصل
قال الدمشقي:
تَعَالَ بِنَا نَعْصِي الوُشَاةَ وَنَشتَفِي
مِنَ الْوَصْلِ قَبلَ المَوتِ ثُمَّ نتُوبُ
سؤاله عودة النائل
قال بشار:
قَد زُرتِنا مَرَّةً في الدَّهِر واحِدَةً
عودي وَلا تَجعَليها بَيضَةَ الديكِ
يا رَحمةَ اللهِ حُلِّي في مَنازِلِنا
حَسبي بِرائِحَةِ الفِردَوسِ مِن فيكِ
المستكثر قليل الوصل من حبيبه
قال بعضهم:
بِحُرمَةِ ما قَد كانَ بَيني وَبَينَكُم
منَ الوَصْلِ إلا عُدتُّم بجَميلِ
وَأَبَى ليُرضينِي قَلِيلُ نَوَالِكُم
وإن كُنتُ لَا أَرضَى بِقَلِيل
وقال آخر:
قِفِي وَدِّعِينَا يَا مَلِيحُ بنَظْرَةٍ
فَقَدْ حَانَ مِنَّا يَا مَلِيحُ رَحِيلُ
أَلَيسَ قَلِيلًا نَظْرَةٌ إِنْ نَظَرتُهَا
إِلَيكَ وَكَانَ لَيسَ مِنكَ قَلِيلُ
وقال ابن المعتز:
قُل لِمَن حَيَّا فَأَحيا
مَيِّتًا يُحسَبُ حَيًّا
مَا الذي ضَرَّكَ لَو أَبْـ
ـقَيتَ فِي الكَأسِ بَقِيّا
أَتَراني مِثلَ أَو لا
كَيفَما قَد قيلَ فِيَّا
الرِّضا بأن حبيبه يخطر في قلبه
قال ابن الدمينة:
لَئِن سَاءَنِي أن نلْتَنِي بِمُسَاءَةٍ
لَقَدْ سَرَّنِي أَنِّي خَطَرتُ بِبَالِكَ
وقال:
رَضِيتُ بِسَعْيِ الوَهْمِ بَيْنِي وَبَينَهُ
وَإِن لَم يَكُنْ فِي الوَصْلِ مِنهُ نَصِيب
الرضا بأن ينظر أرض حبيبه
يَقرُّ بعَينِيَ أنْ أرَى مِن مكَانِهَا
ذُرَى عقْدَاتِ الأبرَقِ المُتَقَاوِدِ
وِإِنْ أَرَادَ المَاءَ الذِي شَرِبَتْ بِهِ
سُلَيْمَى وَقَدْ مَلَّ السَّرَى كُلُّ وَاحِدِ
وَأَلصِقْ أَحْشَائِي ببُردِ تُرَابِهِ
وإن كَانَ مَمزُوجًا بسُمِّ الأسَاوِدِ
الرِّضا بكونه مع الحبيب في الدنيا
قال الشاعر:
قال أبو نواس: أرضى الناس قيس بن ذريح في قوله:
أَليسَ اللَّيلُ يَجمَعُنِي وَلَيلَى
ألَا يُكتَفَي بذَلِكَ مِنْ تَدَانِ
تَرَى وَضْحَ النَّهَارِ كَمَا أَرَاهُ
وَيَعْلُوهَا الظَّلَامُ كَمَا عَلَانِي
من حبيبه مناه
قال الشاعر:
وَلما نَزلنا مترلًا طلَّه النَّدَى
أَنيقًا وبستانًا من النُّورِ حاليًا
أجدَّ لنا طيبُ المكانِ وحسنه
منًى فتمنينا فكنتَ الأمانيَا
تمني مجاورته
قال الشاعر:
تَمنَّيتُ فِي عَرضِ الأمَانِي وَرُبَّمَا
تَمنَّى الفَتى أُمنِيَةً ثُمَّ نَالَهَا
أَلَا لَيْتَ سَعدِي جَاوَرَتْنِي حَيَاتُها
فَتَعْلَمُ مَا حَالِي وَأعْلَمُ حَالَهَا
من أحب أن يجتمع بحبيبه وإن كان في شقاء
قال ديك الجن:
أَلَا ليتنا كُنَّا جَميعَيْنِ في الهَوَى
تُضَمُّ علينا جَنَّةٌ أَوْ جَهَنَّمُ
الرضا من حبيبه بالأماني
قال كُثير:
وَإِنِّي لَأرضى مِن نَوالِكِ بِالذي
لَو أَبصَرَهُ الواشي لَقَرَّت بَلابِلُه
وقال كشاجم:
ضَنَّتْ بموعدِهَا فقلتُ لها
يا هذه فعِدي بأنْ تَعِدي
انتظار وعد الكاذب
قال جحظة:
يَا كاذِبًا فِي وَعدِهِ بِلِسانِهِ
مَن لي بِمَصِّ لِسانِكَ الكَذَّابِ
ما زِلتُ مُنتَظِرًا لِوَعدِكَ مُفرَدًا
بِالبَيتِ مُرتَقِبًا لِقَرعِ البابِ
قطع الأوقات بالأماني
قال ابن المعتز:
يَا مِانِعَ الْعَينِ طِيبَ رَقْدَتِهَا
وَمَانِحَ الْجِسْمِ كَثْرَةَ الْعِلَلِ
عَلَّمَنِي حَبُّكِ المُقَامَ عَلَى
الضَّيمِ وَقَطْعَ الأيَّامَ بِالأمَلِ
من يسمح بخياله ويضن بوصاله
قال البحتري:
أَهلًا بِزائِرِنا المُلِمِّ لَوَ أَنَّهُ
عَرَفَ الذي يَعتادُ مِن إِلمامِهِ
جَذلانَ يَسمَحُ في الكَرى بِعِناقِهِ
وَيَضُنُّ في غَيرِ الكَرى بِسَلامِهِ
وقال أحمد بن أبي طاهر:
فَبِتُّ بِها ضَيفًا مُقيمًا بِرَحلِهِ
وَباتَت بِنا طَيفًا يُثيبُ وَما يَدري
فَزَارَت وَما زارَت وَجادَت وَلَم تَجُد
وَواصَلَ عَنها الطيفُ وَهيَ عَلى هَجرِ
وقال ابن المعتز:
شَفاني الخَيالُ بِلا حَمدِهِ
وَأَبدَلَني الوَصل مِن صَدِّهِ
وَكَمْ نَوْمَةٍ لِيَ قَوَّادَة
أَتَتْ بِالحَبِيبِ عَلَى بُعْدِهِ
وقال كشاجم:
ضَنَّتْ بِمَوْعِدِهَا فَقُلْتُ لَهَا
يَا هَذِهِ فَعِدِي بِأَنْ تعِدِي
من منع خياله بتسليط السهاد على محبه
قال الشاعر:
فَكَانَ يَزُورُنَا مِنهُ خَيَالٌ
فَلمَّا أنْ جَفَا مَنعَ الخَيَالَا
قال ابن يحيى المنجم:
بِأَبِي أنتَ لِمَ جَفَانِي خَيَالٌ
لكَ قَد كُنتُ أَسْتَرِيحُ إلَيهِ
أَرشَدَنِي إِلَى خَيَالِكَ كيما
أتقَاضَاهُ مَوعِدًا لِي عَليه
قال أبو فراس الحمداني:
كَيفَ السَبيلُ إِلى طَيفٍ يُزاوِرُهُ
وَالنَومُ فِي جُملَةِ الأحْبَابِ هاجِرُهُ
بغض طيف ذي هجران
قال المتنبي:
إِنِّي لأُبغِضُ طَيفَ مَن أَحبَبتُهُ
إِذ كانَ يَهجُرُنا زَمانَ وِصالِهِ
قال المهلبي:
إِنَّمَا الطَّيفُ المُلِمُّ
فَرَحٌ يَتلُوُه هَمُّ
قَلَّمَا يُحْمَدُ أَمْرٌ
لَيسَ فِيهِ مَا يُذَمُّ
قالت عابدة المهلبية:
خَطَبْتُ خَيَالَهُ فَإِذَا خَيَالٌ
مُطَوَّلُ مِثْلُ صَاحِبِهِ بَخِيل
فَإِنَّ تَوَقُّعِي طَيْفًا جَوَادًا
وَصَاحِبُهُ بَخِيلٌ مُسْتَحِيل
من زار الخيال بالفكر
قال أبو تمام:
نِمْ فَمَا زَارَك الْخَيَالُ وَلَكِنَّـ
ـكَ بِالْفِكْرِ زُرْتَ طَيْفَ الْخَيَالِ
قال المتنبي:
لَا الْحُلْمُ جَاءَ بِهِ وَلَا بِمِثالِهِ
لَوْلَا ادِّكَارُ وَدَاعِهِ وَزِيَالِهِ
إِنَّ المُعِيدَ لَنَا المَنَامُ خَيَالَهُ
كانت إعادته خيال خياله
بِتْنَا يُنَاوِلُنَا المُدَامَ بِكَفِّهِ
مَن لَّيسَ يَخطُرُ أَن نَّرَاهُ بِبَالِه
فَدَنَوْتُم وَدُنُوُّكُمْ مِنْ عِنْدِهِ
وَسَمَحْتُمْ وَسَمَاحُكُم منْ مَالِه
من أسهر خيال حبيبه
قال علي بن يحيى:
زَارَنِي طَيْفُ الخَيَالِ فَمَا
زَادَ أَنْ أَغْرَى بِيَ الأرَقَا
قال الفرزدق:
شَبَتْ لِعَيْنِكِ سَلْمَى عِنْدَ مَقْفَاهَا
فَبِتُّ مُنْزَعِجًا مِن بَعْدِ مَرْآهَا
وَقُلتُ أَهْلًا وَسَهْلًا مَا هَدَاكِ لَنا
إنْ كُنْتِ تِمْثَالَهَا أَوْ كُنْتِ إِيَّاهَا
من تمنى المنام لأجل لقاء الخيال
قال قيس بن ذريح:
وإنِّي لَأهْوَى النَّوْمَ مِنْ غَيْر نَفسِهِ
لَعَلَّ لِقَاءً فِي المَنَامِ يَكُونُ
تُخْبِرُنِي الأحْلَامُ أَنِّي أَرَاكُمُ
فَيَا لَيْتَ أَحْلَامَ المَنامِ يَقِينُ
المخافة من تهدد الطيف
قال الشاعر:
رَجَا رَاحَةً فِي النَّوْمِ حَتَّى إِذَا غَفَا
أَتَى طَيْفُ مَنْ يَهْوَى يُهَدِّدُ بِالْهَجْرِ
فَقَامَ يُنَادِي وَالدُّمُوعُ بَوَادِرُ
أَيَا طَيْفَ مَنْ أَهْوَى قَتلْتَ وَلَا تَدْرِي
من ذكر تسلِّيه عن محبوبه بما لا يسلى به
قال كثير:
وَلَمَّا أَبَى إِلا جِمَاحًا فُؤَادُهُ
وَلَمْ يَسَلْ عَنْ لَيْلَى بِمَالٍ وَلَا أَهْلِ
تَسَلَّى بِأُخْرَى غَيْرِهَا فَإِذَا التِي
تَسَلَّى بِهَا تُغْرِي بِلَيْلَى وَلَا تُسْلِي
قال البحتري:
وَقَالُوا تَجَنَّبْهَا تَفِقُ فَاجْتَنَبْتُهَا
زَمَانًا فَمَا أَسْلَى فُؤَادِيَ التَّجَنُّبُ
وَقَالُوا تَقَرَّبْ يُخْلَقُ الْحُبُّ أَوْ تَجِدْ
عَلَالَةَ قَلْبٍ فَاخْتَلَانِي التَّقَرُّبُ
امتناع النفس من الرجوع إلى من أبغضه
قال العباس:
رَدُّ الجِبَالِ الرَّوَاسِيَ عَنْ أَمَاكِنِهَا
أَخَفُّ مِن ردِّ نَفْسِي حِينَ تَنْصَرِفُ
قال الشاعر:
إِنَّ قَلْبِيَ أَعَزُّ مِنْ أَنْ تَرَاهُ
فِي مَحَلِّ الْهَوَى لِقَلْبِكَ عَبْدَا
الراغب في محبوبته
كتب أبو نواس لما خرج من بغداد:
أَلَا قُلْ لَأخِلَّائِي
وَمَنْ هُمْتُ بِهِمْ وَجْدَا
شَرِبْنَا مَاءَ بَغْدَادَ
فَأَنْسَانَاكُم جدَّا
خُذُوا مِنَّا فَإِنَّا قَدْ
وَجَدْنَا مِنْكُمْ بُدَّا
وَلَا تَرْعَوْا لَنَا عَهْدًا
فَمَا نَرْعَى لَكُمْ عَهْدَا
قال كثير:
فَإِنْ سَأَلَ الْوَاشُونَ فِيمَ هَجَرْتُهُمْ
فَقُلْ نَفْسُ حُرٍّ سُلِّيَتْ فَتَسَلَّتْ
التسلي عمن رغب في غيرك
قال الخبزارزي:
اذْهَبْ وَهَبْتُكَ لِلَّذِينَ اخْتَرْتَهُمْ
هِبَةَ الْكَرِيمِ فَإنَّهُ لَا يَرْجِعُ
وقال أبو الشيص:
إِذَا لَمْ تَكُنْ طُرُقُ الْهَوَى لِي ذَلِيلَةُ
تَنَكَّبْتُهَا وَانْحَزْتُ لِلْجَانِبِ السَّهْلِ
وَمَا لِيَ أَرْضَى مِنْهُ بِالْجَوْرِ فِي الْهَوَى
وَلِي مِثْلُهُ أَلْفٌ وَلَيْسَ لَهُ مِثْلِي
استدعاء القلب إلى التسلي
قال بشار:
وَقَدْ رَابَنِي قَلبٌ يُكَلِّفُني الصبا
وَما كُلِّ حينٍ يَتبَعُ القَلبَ صَاحِبُه
قال شاعر:
إِذَا اجْتَمَعَ الْجُوعُ المُبَرِّحُ وَالْهَوَى
عَلَى الرَّجُلِ الْمِسْكِينِ كَادَ يَمُوتُ
قال جميل:
أَتَوْنِي وَقَالُوا يَا جَمِيلُ تَبَدَّلَتْ
بُثَيْنَةُ أَبْدَالًا فَقُلْتُ لَعَلَّهَا
وَعَلَّ حِبَالًا كُنْتُ أَحْكَمْتُ عَقْدَهَا
أُتِيحَ لَهَا وَاش رَقِيقٍ فَحَلَّهَا
قال شاعر:
طَلَبْنَا دَوَاءَ الْحُبِّ يَوْمًا فَلَمْ نَجِدْ
مِنَ الْحُبِّ إِلَّا مَنْ يُرِيدُ مُدَاوِيَا
قال عبد الله بن طاهر:
وَكُلُّ مُحْبٍّ جَفَا مَن يُحِبُّ
جَفَتْهُ السَّلَامَةَ وَالْعَافِيَة
قال الخبزارزي:
ظَبْيُ تَفَلَّتَ مِنْ حَبْلِي فَأَوْقَعَنِي
فِي حَبْلِهِ أَنَّ فِي عَيْنَيْهِ لِي شرْكَا
استفتاء فقيه في الهوى
قال أبو العالية:
سَلْ الْفَتَي المَكِّيَّ هَلْ فِي تَزَاوُرْ
وَضَمَّةِ مُشْتَاقِ الْفُؤَادِ جَنَاحُ
فَقَالَ مَعَاذَ اللهُ يُذْهِبُ التُّقَى
تَلَاصُقُ أَحْشَاءٍ بِهِنَّ جِرَاحُ
ومما قيل في كثرة العتاب
لَوْلَا كَرَاهِيَةُ الْعِتَابِ وَأَنَّنِي
أَخْشَى الْقَطِيعَةَ إِنْ ذَكَرْتُ عِتَابَا
لَذَكَرْتُ مِنْ عَثَرَاتِكُمْ وَذُنُوبِكُمْ
مَا لَوْ يَمُرُّ عَلَى الْفَطِيمِ لَشَابَا