في بعض منظومات لجامع الكتاب
قال في صباه:
رَعَى اللهُ أَيَّامَ الصِّبَا مَا أَلَذَّهَا
وَأَلْطَفَ ذِكرَاهَا عَلَى مَسْمَعِ الصَّبِّ
تَقَضَّتْ وَأَغْصَانُ الحَيَاةِ جَنِيَّةٌ
فَمَا كَانَ لِيَ مِنْهَا سِوَى ثَمَرُ الْحُبِّ
ثِمَارُ لَعَمْرِي لَمْ يَذُقْهَا آخِرَ الهَوَى
عَلَى البُعْدِ إِلا هَامَ شَوْقًا إِلَى القُرْبِ
هُوَ الْحُبُّ لَا لَفْظٌ يَقَالُ وَإنَّما
عَوَاطِفٌ يَهِدِيهَا العَفَافُ عَلَى القَلْبِ
وَيَنقُلُ مَعْنَاهَا إِلَى صُحُفِ الْهَوَى
لِحَاظ تَعَوَّدنَ الكتَابَةَ بِالهدْبِ
فَمَن لَّمْ يَذُقْ طَعْمَ الغَرَامِ وَمَا عَسَى
يُلَاقِيهِ أَهْلُ العِشْقِ مِنْ أَلَمِ الكَرْبِ
وَرَاجِعْ مَا قَدْ خُطَّ فِي صَفَحَاتِهِ
إِذن لَبَكَى الْعُشَّاقُ بِالمَدْمَعِ الصَّبِّ
وقال:
زُرتُهَا وَالفُؤَادُ بِالحُبِّ طَافِحُ
فَأَفَاضَتْ مِنِّي الدُّمُوعُ الفَوَاضِحُ
ظَبيَةٌ بَينَ لَحظِهَا وَفُؤَادِي
كَمْ محِبٌّ غَدَا لعَمرِي يُكَافِحُ
وَهُوَ كَالغُصنِ بَينَ بِيضِ الصَّفَائِحِ
حَيثُمَا يَنثَنِي يُصَادِفُ جَارِحُ
لَيس بِدعُ فَلَحظُهَا ذُو نِبَالٍ
وَفُؤَادِي مُدرَّعٌ بِالجَوَارِحِ
وقال يصف ليالي العمر:
أَمَا وَلَيَالِي الْبَدْرِ فِي الْخَمْسِ وَالعَشْرِ
تَمِيسُ بِهَا الغَادَاتُ خِصْرًا عَلَى خِصْرِ
وَعِفَّةٌ بُثنَ إذْ تَنَاجَى جَمِيلُهَا
بِرَائِقِ لَفْظٍ دُونَهُ رِقُّ الخَمْرِ
وَلَيلٍ سَرَى العُشَّاقُ فِي ظُلُمَاتِهِ
وَقَدْ ثَمِلُوا مِنْ عَذْبِ مبسَمِهَا الدُّرِي
وَصَوْلَةُ نَابُليُونَ فِي حَوْمَةِ الْوَغَى
وَحِكْمَةُ لُقْمَانَ وَأَيْدِي ذي البَرِّ
وَمَثْوَى كِرَامٍ أَيْنَعَتْ فِي ظِلَالِهِمُ
ثِمَارُ النَّدَى إِنَّ اللَّيلَ فِي مِصْرِ
لَأزْهَى مِنَ الزَّهْرِ المُنِيرَةُ أَنَّما
بِمَا فَوقَ تِلكَ القُبَّعَاتِ مِنَ الزَّهْرِ
أَزَاهِرُ تَحْكِي وَهِيَ بَيْنَ غُصُونِهَا
خُدُودُ ظِبَاءَ لَحْنٍ فِي الحُلَلِ الخُضْرِ
أَجَلَّتْ بِهِنَّ الطَّرْفُ لَيلًا فَخَلَّتنِي
وَأسْتَغْفِرُ الرَّحْمَنَ فِي لَيلَةِ القَدْرِ
لَيَالٍ حَوَتْ مِن كُلِّ غَادٍ لِغَادَةٍ
هِيَ الشَّمسُ لَولَا هَالةٌ مِنْ دُجَى الشِّعْر
إِذَا مَا أَرَتْنَا السِّحرَ مِنْ لَحَظَاتِهَا
سُقُتنَا حِميَا الحُبُّ مِنْ ذَلِكَ السِّحْرِ
وَإِنْ هِيَ مَالَتْ فَالْقُلُوبِ لِحُسنِهَا
تَمِيلُ وَإن لَامَتْ فَمَا لَكَ مِنْ عُذْرِ
وَمِن كُلِّ حَسْنَاءَ انثَنَتْ لِحَبِيبِهَا
فَكَانَتْ وَإِيَّاهُ كَحَرْفَينِ فِي سَطْرِ
وَكَانَتْ وَكَانَتْ مَا لَنَا وَلعَذْلِهَا
فَمَا هِيَ إِلَّا لُعبَةٌ فِي يَدِ الْفَقْرِ
تَنَاجِي فَتَاهَا لَا لِمَيلٍ وَأَنَّمَا
لِمَالٍ بِهِ تَنْجُو مِنَ الْعُسْرِ
وَتُنَظِّمُ مِنْ آيِ الغَرَامِ بقَدْرِ مَا
سَتَنْثُرُ كَفَّاهُ مِنَ البِيضِ وَالصُّفرِ
وَتَبسمُ حَتَّى لَا تَرَى غَيرَ بَاسِمٍ
وَتَبْكِي وَلَكِنْ دَمْعُهَا فِي الحَشَا يَجْرِي
لَقَد لَامَكَ الفِتْيَانُ جَهْرًا وَحَبَّذَا
هُوَ اللَّومُ لَولَا مَيلُهُمْ لَكَ فِي السِّرِّ
فَهُمْ أَفْسَدُوا بِالْمَالِ قَلْبَكَ إذْ غَدَوْا
وَقَدْ عُوِّضُوا مِنكِ الفُؤادُ وَلَمْ تَدرِ
وَلَمْ يَكْتَفُوا حَتَّى أَنْثَوا وَطُلَّابُهُمْ
لَعَمرُ الهَوَى مَا لَيسَ يجمُلُ بِالحُرِّ
فَكُنتُ لَهُمْ طَوْعَ البَنَانِ وَمَن يَذُقْ
مِنَ الدَّهْرِ كَأسَ الفَقْرِ يَخشَ رَدَى الدَّهْرِ
عَلَى أَنَّهُمْ لَو أَنْصَفُوا أَجْزَلُوا لَكُـ
ـمُ العَطَاءَ وَلَا دِينٌ عَلَيكَ سِوَى الشُّكرِ
وَسُرُّوا بِأَنْ زَانُوا بِيضَ أَكفِّهِمْ
بَيَاضَ التُّقَى لَا سَوَّدُوا جَبهَةَ الطُّهْرِ
وَكُنتُ وَكَانُوا فِي ائتِلافِ يُزِينُهُ
عَفَافٌ كَثُغْرٍ زَانَهُ مَا عَلَى الثُّغْرِ
وَرُحْتُ إِذَا مَا لُحتُ يَومًا لِعَاشِقٍ
صَفَا وُدُّهُ نَادَاكِ يَا رَبَّةَ الخدْرِ
وَلَو أَنَّ لُقيَا القَبرِ دُونَ لُقَا ثَرَى
حَمَاكَ أَنثَنِي شَوقًا إِلَى ذَلِكَ الْقَبْرِ
فَحَسْبُكَ بَلْ حَسْبُ الْمُحِبِّينَ أَنَّهُم
إِذَا عَشِقُوا مَاتُوا أسَى فِي الْهَوَى العُذْرِي
وقال مرتجلًا في وداع صديق:
وَدَاعُكُمْ وَاللهِ أَوْدَعَ مُهْجَتِي
ضِرَامًا حَكَتْ نَارَ المَجُوسِ فَأضْنَتِ
وَمَاذَا عَسَى يُجْدِي الْوَدَاعُ وَنِصْفُهُ
بُكَاءً وَشَكْوَى وَازْدِيَادَ تَعِلَّةِ
فَبَلِّغْ سَلَامِي جِيرَةٌ قَدْ عَرَفْتُهَا
عَلِيلًا وَكَانَتْ فِي الهَوَى أَصْلَ عِلَّتِي
وقال في حادثة واقعية تحت عنوان «غدر الحبيب»:
غَدَرَتْ فَغَادَرَتِ الفُؤَادَ عَلِيلًا
هَيْفَاءَ أَبدَتْ لَحْظَهَا المَسْلُولُا
وَرَمَتْ شِبَاكَ لِحَاظِهَا وَإِذَا بِهَا
صَدَّتْ فَتَى دَنفَ الفُؤَادِ نَحِيلَا
يَحْكِي مُعَاطِفُهَا بِرِقَّةِ قَلْبِهِ
وَبِلُطْفِهِ يَحْكِي النَّسِيمُ عَلِيلَا
مَا ضَلَّ بَينَ دُجَى غَدَائِرِ شَعْرِهَا
حَتَّى رَأَى بِسَنَا العُيُونِ دَلِيلَا
فَأَتَى حِمَاهَا زَائِرًا مُتَسَتِّرًا
بِذَوِيهِ يَخْشَى فِي الْغَرَامِ عَذُولَا
حَتَّى إِذَا حَانَ الرَّحِيلُ وَصَافَحَتْ
تِلكَ الْفَتاةُ مُحِبَّهَا الْمَجْهُولَ
شَعرَتْ بِضَمِّ أَنَامِلٍ مَا ضَمَّنَتْ
غَيرَ الغَرَامِ وَحَسْبُهَا تَعْلِيلَا
فَدَرَتْ بِمَا فِي قَلْبِهِ وَهَوَتْ بِيُسْـ
ـرِهَا عَلَيْهِ وَقَدْ حَكَتْ إِكْلِيلَا
قَالَتْ حَبِيبِي قَدْ أَثَرْتَ بِمُهْجَتِي
نَارًا وَهَاكَ يَدِي تَمِيلُ ذُبُولَا
فَأَخْمَدَ لِظَاهَا مِن فُؤَادِي قَالَ لَوْ
أَخْمَدتُّهَا بِدَمِي لَكَانَ قَلِيلَا
وَغَدَا يَبُثُّ لَهَا الْغَرَامَ بُعَيْدَ مَا
ضَاقَ المُقَامُ بِهِ وَخَافَ القِيلَا
بِرُوَايَةٍ وَرَدَتْ لَهَا مِنْهُ وَقَدْ
كَانَتْ بِهَا جُمَلُ الْغَرَامِ ذُبُولَا
وَأَتَى حَبِيبَتُهُ وَقَدْ عَبُسَ الدُّجَى
إِذْ خَالَ فِي بَدْرِ السَّمَاءِ أُفُولَا
وَكَأنَّ ذَاكَ الْبَدْرَ وَلَّى مُذْ بَدَتْ
شَمْسُ الْحَبِيبَةِ خَاشِعًا مَخْذُولَا
وَغَدَا وَقَدْ نَثَرَ الدُّمُوعَ كَوَاكِبًا
تَذْرَى بِدَمْعِ السُّحْبِ فَاضَ سُيُولَا
حَتَّى إِذَا اجْتَمَعَا وَسَاءَلَهَا الذِي
تَهْوَاهُ كَانَ جَوَابُهَا التَّقْبِيلَا
وَلَكَمْ وَدَدْتُ بِأَنْ أَرَانِي سَائِلًا
يَومًا وَألْتَقِي ذَلِكَ الْمَسْئُولَا
أَوْ أَنْ تَكُونَ طَبِيبتِي فِي عِلَّةٍ
أَغْدُو بِهَا طُولَ الْحَيَاةِ عَلِيلَا
أَوْ أَنْ أُبَارِزُهَا فَتَلْقِينِي بِنبلِ
لِحَاظِهَا فَوْقَ عَزَائِمِهِمْ عَلَى مَا قِيلَا
وَغَدَوْا إِلَى أَهْلِ الْفَتَى فَوَشَوْا بِهِ
لَكِنَّهُمْ لَمْ يَصْدُقُوا التَّفْصِيلَا
قَالُوا رَأَيْنَاهُ وَإِيَّاهَا عَلَى
دَرَجَاتِ سُلُّمِهَا يَهَابُ دُخُولَا
حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ مَسَامِعَ أَهْلِهِ
تِلكَ الْوِشَايَةِ أَكْثَرُوا التَّأْوِيلَا
وَتَبَدَّلَتْ تِلْكَ الْمَوَدَّةُ بَيْنَهُمْ
بِالْحِقْدِ أَنَّ الْمَرْءَ كَانَ عَجُولَا
وَرَأَى الْمُحِبُّ أُهَيلَهُ فِي عَذْلِهِ
لَجُّوا وَمَا عَذَرُوا فَرَامَ رَحِيلَا
هَذَا وَجَاذِبُ قَلْبِه يَقْتَادُهُ
حِينًا فَيَدْفَعُهُ الآبَاءُ ذَلِيلَا
وَدَرَتْ حَبِيبَتُهُ فَهَاجَ كلُومُهَا
هَجْرٌ رَأَتْهُ لِلشَّقَاءِ سَبِيلَا
لَكنَّهَا كَتَبَتْ كِتَابًا للْحبيبِ
وَأَوْدَعَتْهُ منَ الغرَامِ فُصُولَا
فَرَأَى بِذَيَّاكَ الكِتَابِ حَبِيبُهَا
مَارِقَ أَلْفَاظِهَا وَرَاقَ أُصُولَا
وَغَدَا إِلَيهَا فِي الغَدَاةِ وَقَلْبُهُ
أَمسَى بِقَيدِ غَرَامِهَا مَغْلُولَا
وَإِذَا بِهَا تَبْكِي فَقَالَ حَبِيبَتِي
رِفْقًا بِطَرْفِكِ لَا يَزَالُ كَلِيلَا
قَالَتْ وَكَيفَ يَطِيبُ لِيَ بَعدَ النَّوَى
عَيشٌ وَلَمْ أَلْقَ سِوَاكَ خَلِيلَا
فَأَجَابَهَا وَالْقَلْبُ مِن لَحْظَاتِهَا
مُدْمًى كَفَاكِ مِنِّي الْفُؤَادُ عَوِيلَا
قَالَتْ وَأَنَّى لِي وَآيُ مَدَامِعِي
فِي صُحُفِ خَدَّيَّ نُزِّلَتْ تَنْزِيلَا
وَقَضَى الْغَرَامُ عَلَيْهِمَا فَتَعَاهَدَا
مُسْتَشْهِدَيْنِ مُعَاهِدًا وَطَلُولَا
وَتَبَادَلَا خُصْلَاتِ شَعْرٍ عَلَّهَا
يَوْمًا تَكُونُ مِنَ القُلُوبِ بَدِيلَا
وَلَكِنَّهُ لَمْ يَمْضِ أُسْبُوعٌ عَلَى
سَفَرِ الْمُحِبِّ وَكَانَ ذَاكَ طَوِيلَا
حَتَّى أَتَتْهُ مِنَ الْحَبِيبِ رِسَالَةٌ
فِيهَا نَسِيمُ الْحُبِّ فَاحَ قَبُولَا
فَتَلَا بِهَا مَا لَوْ تُلِيَ يَوْمًا عَلَى
غُصْنٍ ذَوَى لَهذَا الغُصَين بَلِيلا
أَوْ لَوْ تُلِيَ مَا بَينَ أَرْبَابِ الْهَوَى
لَغَدَتْ مَدَامِعُهُمْ تُحَاكِي النِّيلَا
وَأَضَاعَ خُصْلَةَ شَعْرِهَا يَوْمًا فَرَا
حَ عَلَى حِمَاهَا ذَاهِلًا مَتْبُولَا
قَالَت تَضِيعُ إِذًن فُؤادِي مِثْلُهَا
فَعَلَامَ تَطْمَعُ أَنْ تَكُونَ حِلِيلَا
فَأَجَابَ كَلَّا مَا ذَكَرْتُكِ مَرَّةً
وَلَثَمْتُهَا إلا شُفِيتُ غَلِيلَا
فَرَمَتْ إِلَيهِ بِخُصْلَةٍ أُخْرَى وَقَا
لَتْ مَا عَهْدتُّ أَخَا الغَرَامِ بَخِيلَا
وَتَفَارَقَا حِينًا وَإِذْ هُوَ جَالِسٌ
يَوْمًا بِغُرْفَتِهِ وَكَانَ أَصِيلَا
وَإِذَا بِوَاسٍ قَالَ تَزْهَيدًا لَهُ
لِلْغَيْرِ قَدْ مَالَتْ فَصَاحَ ذُهُولَا
بِئْسَ الْمَحَبَّةُ لَا يَكُونُ حَلِيفُهَا
صِدْقًا بِهِ يَغْدُو الْمُحِبُّ جَمِيلَا
وَبَدَا بِقَطْعِ رَسَائِلٍ كَانَتْ دَوَاءً
إلَّا لِدَاءِ العَاذِلِينَ مُزِيلَا
أَمَّا حَبِيبَتُهُ فَلَمَّا آنَسَتْ
ذَا الصَّدِّ رَامَ فُؤَادُهَا التَّحْوِيلَا
وَصَبَتْ إِلَى صَبٍّ سِوَاهُ وَهَكَذَا
حُبُّ النَّوَاعِسِ لَا يَدُومُ طَوِيلَا
وَدَرَى الْمُحبُّ بِأَمْرِهَا هذَا وَماَ
كَادَ الوُشَاةُ لَهُ فَعَافَ مَقِيلَا
وَغَدَا إِلَيْهَا يَرْتَجِي عَفْوًا عَنِ
الْمَاضِي بِأَلْفَاظٍ تَطِيبُ شُمُولَا
فِي مَجْلِسٍ كَانَتْ رَسَائِلُهُ الْهَوَى
الْعُذْرِيُّ وَكَانَ اللَّحْظُ فِيهِ رَسُولَا
لَكِنَّهُ لَمْ يَجْنِ مِنْ غُصْنِ الْهَوَى
ثَمَرًا سِوَى الإعِرَاضِ حَتَّى عِيلَا
وَثَنَى مَعَاطِفَهُ وَلَكِن مثْلَمَا
يَنِيَ الذُّبُولُ الغُصْنَ ذَابَ نُحُولَا
يَشْكُو الْحَبِيبَ وَلَيْسَ يَشْكُو غَدْرَهُ
حَذِرًا عَلَيْهِ بِأَنِ يَعُدُّهُ خَذُولَا
فَأَتى إلَيهَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِهِ
لَمَّا رَأَوْهُ بِحُبِّهَا مَشْغُولَا
قَالُوا اثْنِ عَنْهَا الْقَلْبَ إنَّكَ وَاجِدٌ
أَلَا لِنَفْسِكَ أن فَقَدتَّ مَثِيلَا
فَأَجَابَهُمْ وَالحُبُّ يِنظُمُ نَثْرَ مَدْ
مَعِهِ بَيْتًا قَالَهُ تَرْتِيلَا
مَن كَانَ لَا يُهِينُهُ إِلَّا مَرْيمُ
أَنَّى يَطِيبُ لَهُ لِقَاءَ أَدِيلَا
وقال يصف ظلمة البدر:
رَاحَ طَيْفُ الْحَبِيبِ يَسْعَى إِلَيَّ
شِبْهُ مَحْيَاهُ سَابِحًا في الفَضَاءِ
فَرَآهُ بَيْنَ الْكَوَاكِبِ فَرْدًا
مِثْلُهُ بَيْنَ عَالَمِ الأحْيَاءِ
فَانْثَنَى نَحْوَهُ وَغَادَرَ أَهْلَ
الْودِّ صَرْعَى جَوَى عَلَى الْغَبْرَاءِ
لَو دَرَى الْبَدْرُ بِالذِي حَلَّ فِيهِ
لَتَوَارَى عَنْ أَعْيُنِ الرُّقَبَاءِ
مَا كَفَى الغِيدُ أَنَّهُنَّ بُدُورُ
الأرْضِ حَتَّى حَلَلْنَ بَدْرَ السَّمَاءِ
واقترح عليه بعضهم نظم بنبال اللحظ فقال على البديهة:
رَسَمْتُ فُؤَادِي خِشْيَةً أَنْ يُذِيبُهُ
جَمَالُ مَحْيَاكُمْ فَأَغْدُو بِلَا قَلْبِ
وَلَا تَعْجَبُوا مِنْ طَعْنَةٍ يَخْرِقُ الْحَشَا
بِلَا طَاعِنٍ جَانٍ فَذِي طَعْنَةُ الْحُبِّ
وَمَا رَسَمَتْ هَذَا الفُؤَادُ أَنَامِلي
وَلَكن نِّبَالَ اللَّحْظِ قَدْ رَسَمَتْ لُبِّي
وقال في مثل ذلك:
طَعَنْتُمْ فُؤَادِي قَبْلَ طَعْنِي فُؤَادَكُمْ
وَلَمْ أَدْرِ مَاذَا جَلَّ مُرَادُكُمْ
فَإِنْ كَانَ هَذَا لَا طَعْنَ يَفِي بِعَادِكُمْ
فَيَا حَبَّذَا طَعْنٌ بَدَا مِن لِحَاظِكُمْ
فَأَدْمَى فُؤَادًا كَادَ يَقْضِي أَسَى بِكُمْ
وفي قصيدة عنوانها: «صريع الكأس»
هَيْفَاءُ مَا أنَ عَادَهَا طَيْفُ الْهَوَى
حَتَّى غَدَتْ طَيْفًا أَرَقَّ مِنَ الْهَوَا
عَبَثَتْ بِهَا أَيْدِي النُّحُولِ فَشَابَهَتْ
بَحَوْلِهَا قَلْبِي وَبِاللُّطْفِ الدُّمَى
لَمْ يَجْنِ ذَّاكَ سِوَى زِيَارَةِ جِيرَةٍ
زَارَتْ بِهَا الأّشْجَانَ مِنْ لَحْظَي فَتَى
شَجَنٌ تَضَمَّنَهُ الْغَرَامُ فَلَمْ يَعُدْ
عَنْ كَشْفِهِ بُدٌّ وَفِي الْكَتْمِ الضَّنَى
وَكَأَنَّ ذَيَّاكَ الْفَتَى لَمَّا رَأَى
مِنْهَا الشُّجُونَ عَرَاهُ مِنْهَا مَا عَرَا
فَأَتَى مُطِيعًا لِلْغَرَامِ وَإِنَّهُ
قَاضٍ لَهُ الأقْدَارُ تَعْنُو وَالقَضَا
وَأَبَاحَهَا الْوَجْدُ الْحَدِيثُ وَمَا دَرَى
أَنَّ الْفَتَاةَ تُحِبُّهُ فِيمَا مَضَى
فَدَنَتْ وَقَدْ صَبَغَ الحَيَاءُ جَمَالَهَا
وَرْدًا وَقَالَتْ مَا عَسَانِيَ أَنْ أَرَى
أُمْلِيكَ قَلْبِي إِنَّهُ … فَقَالَ مُقَاطِعًا
لَا بَلْ أَسِيرُ جَمَالِكِ الْبَاهِي السَّنَا
فَالْحُبُّ لَا يَحْلُو لَأرْبَابِ الْهَوَى
حَتَّى يُرَافِقُهُ التَّذَلُّلُ وَالْعَنَا
وَمَضَى وَإِذْا شَاءَ الغَرَامُ تَعَاهَدَا
حِفْظًا لَأسْرَارِ الصَّبَابَةِ وَالْوَلَا
وَغَدَتْ تَضُمُّهَا الزِّيَارَةُ حَيْثُ لَا
وَاشٍ يَلُومُهَا عَلَى نَشْرِ الْهَوَى
وَأَتَتْ حَبِيبَتُهُ الْغَدَاةَ فَرَاقَهَا
مَا آنسَتْ فِي وَجْهِ ذَيَّاكَ الْفَتَى
نَظَرَتْ بِخَدَّيْهِ إِحْمِرَارًا وَهِيَ مِن
نَارِ الْهَوَى صَفْرَاءُ لَا تَدْرِي الْكَرَى
فَتَبَسَّمَتْ فَرَحًا وَخَالَتْ نَفْسُهَا
طَيْفًا لَدَيْهِ فَهَاجَ طَرْفَيهَا الْبُكَا
قَالَت تسَائِلُهُ بِدَمْعٍ لَمْ تَكُنْ
تخفَى خَفَايَاُه عَلَى أَهْلِ النُّهَى
فَرَنا إِلَيْهَا قَائِلًا كُفِّي الْبُكَا
بِاللهِ وَأَبْدَي لِي حَقِيقَةَ مَا اخْتفَى
قَالَتْ حَبِيبِي مُنْذُ رَأَيْتُكَ بَادِئًا
تَزْهُو دِيكَ أَزْهَارِ الصِّبَا
وَرَأَيْتَنِي وَأَنَا حَبِيبَتُكَ التِي
شَجْوَى أَكَادُ أَذُوبُ حَرَّ الْجَوَى
أَصْبَحْتُ بَيْنَ الابْتِهَاجِ لِغُصْنِكَ
الزَّاهِي وَبَيْنَ الانْزِعَاجِ مِنَ الضَّنَى
فَدَنَا فَتَاهَا قَائِلًا لَا تَجْزَعِي
مَا دَامَ هَذَا الدَّاءُ يَنْفِيهِ الدَّوَا
دَاءٌ كَبَحْتُ جِمَاحَهُ بِتَرَشُّفِي
رِيقَ المُدَامَةِ دَائِمًا قَبْلَ الْغَدَا
هَذَا وَرَاحَ حَبِيبُهَا ثُمَّ أَثْنَى
تَغْشَى أَنَامِلَ كَفِّهِ كَاسُ الطَّلَا
وَدَنَا إِلَيْهَا بَاسِمًا فَتَبَسَّمَتْ
عَنْ دُرِّ مَبْسَمِهَا الْمُوَرَّدِ بِالْحَيَا
ثُمَّ انْثَنَتْ نَحْوَ المُدَامِ كَذِي ضَنَى
أَشْفَى فَصَارَ يَهِيمُ فِي طَلَبِ الشِّفَا
وَتَرَشَّفَتْ مِنْهَا الْقَلِيلُ فَرَاقَهَا
مَا شَاقَهَا مِنْ عَذْبٍ ذَيَّاكِ اللَّمَى
وَرَأَتْ بِأَنْ الرَّاحَ تَعَقُبُ رَاحَةً
لِلْقَلْبِ فَارْتَاحَتْ عَلَى دَفْعِ الأذَى
وَصَبَتْ إِلَى لَثْمِ الْكُئُوسِ وَقَدْ كَسَا
رِيقُ المُدَامَةِ خَدُّهَا لَوْنَ الدِّمَا
هَذَا وَقَلْبُ حَبِيبِهَا مِنْ فَرْحَةٍ
أَضْحَى يُرَفْرِفُ رَاقِصًا بَيْنَ الْحَشَا
حَتَّى إِذَا أَزَفَّ الرَّحِيلُ وَأَظْلَمَتْ
شَمْسُ اللُّقَا صَرْعَى بِأَسْيَافِ النَّوَى
رَاحَت تُّوَدِّعُهُ فَأَوْدَعَ قَلْبَهَا
مَا أَوْدَعَتْ قَلْبَيْهِ مِن نَّارِ الهَوَى
وَثَنَتْ مَعَاطِفَهَا إِلَى حَيْثُ الْحِمَى
تَرْنُو وَلَكِن مِثْلَمَا تَرْنُو المَهَى
وَسَرَى النَّسِيمُ مُصَافِحًا صَفَحَاتِ خَدَّ
يْهَا وَقَدْ نُدِّيَتْ بِأَنْفَاسِ النَّدَى
فَعَرَا سَنَاهَا الاصْفَرَارَ وَصَدْغَهَا
دَاءُ الدَّوَارِ وَقَلْبَهَا الدَّامِي الضَّنَى
وَغَدَتْ عَلَى مَهْدِ السُّقَامِ عَلِيلَةً
مَا بَينَ دَاءِ الْوَجْدِ أَوْ دَاءِ الطِّلَا
وَإِذْ انْقَضَى دَاءُ الْمُدَامَةِ وَانْتَضَى
سَيْفُ البُعَادِ بِكَفِّهِ دَاعِيَ الشَّقَا
جَاءَ الْحَبِيبُ مُوَدِّعًا لَا يُرْتَجَي
بُعْدُ النَّوَى عَنْهَا سِوَى قُرْبُ اللُّقَا
مَدَّتْ يَدَ الصَّبَابَةِ وَالنَّوَى
قَالَتْ وَقَالَ بَكَتْ وَمَا يُجْدِي الْبُكَا
حَتَّى إِذَا طَالَ الْفِرَاقُ وَشَاقَهَا
حُلْوُ التَّلَاقِ وَرَاعَ أَحْشَاءهَا الأسَى
وَافَى كِتاَبُ حَبِيبِهَا فَجَرَتْ لِتَأْخُذَهُ
وَلَكِنْ لَيْسَ تَدْرِي مَا جَرَى
وَتَلَتْ وَلَكِنْ مَا يُرَوِّعُ فُؤَادَهَا
لَا مَا يُسَاعِدُهُ عَلَى دَفْعِ الْبَلَا
عَلِمَتْ بِأَنَّ حَبِيْبَهَا أَضْحَى عَلَى
مَهْدِ الضَّنَا تَنْتَابُهُ أَيْدِي الفَنَا
فَدَنَتْ إِلَيْهِ بِمُقْلَةٍ مِنْ غِمْدِهَا
صَرْعَى وَقَلْبٍ خَافِقٍ خَفْقَ اللَّوَا
هَذَا وَلَمْ تَدْرِ بِأَنَّ حَبِيبَهَا
يَقْضِي صَرِيعَ الكَأسِ فِي ذَاكِ المِسَا
كَأْسٌ حَدَتْهُ إِلَى كُئُوسٍ حَيْثُ لَمْ
يَرْدَعْ هَوَاهُ وَكَمْ فَتَى أَرْدَى الْهَوَى
فَرَأَتْ مَلِيكَ فُؤَادِهَا يَحْكِي الهَوَا
رَسْمًا وَلَا يُبْدِي حِرَاكًا كَالْهَوَا
فَدَنَتْ مِنَ الأسَى وَقَدْ غَلَبَ الأسَى
تَرْجُو شِفَاهُ حَيْثُ لَا يُرْجَى الشِّفَا
وَإِذَا بِهَا سَمِعَتْ نِدَاءَ حَبِيبِهَا
فَاتِنَهُ وَهِيَ تَظُنُّهُ رَجْعَ الصَّدَى
وَحَنَتْ عَلَيْهِ كَطِائِرٍ يَحْنُو عَلَى
غُصْنٍ ذَوَى كَيْمَا تُشَاطِرُهُ الرَّدَى
فَبَكَى فَقَالَتْ وَهِيَ تَمْسَحُ طَرْفَهُ
بِبَنَانِهَا مَا الدَّاءُ يَا رُوحَ الْمُنَى
فَأَجَابَهَا نَدَمًا يَجُودُ بِنَفْسِهِ
وَيْلَاهُ هَذَا الدَّاءُ مِنْ ذَاكَ الدَّوَا
وقال في زفاف صديق يدعى «يعقوب» على فتاة تُدعى «مريم»:
أَفُؤادِي عَلَى لِسَانِيَ أَمْلَى
مَا يَكُنْ الْفُؤَادُ نَحْوَكَ أَمْ لَا
بَلْ رُوَيْدًا فَإِنَّمَا مَرْيَمُ العَذْرَاءُ
خَطَّتْ بِأَحْرُفٍ لَكَ قَوْلَا
حَيْثُ قَالَتْ يَعْقُوبُ إِنَّكَ مِنْ عَيْنِي
مَكَانَ السَّوَادِ مِنْهَا وَأَحْلَى
فَهَنِيئًا لَكُمْ وَمَنْ لَمْ يَهنِّئْكُمْ
لَعَمْرِي فَلَيْسَ وَاللهِ خَلَا
وقال في قصيدة عنوانها «ليلة في المسرح»:
إلَى قَاعَةِ التَّمْثِيلِ جَاذَبَنِي قَلْبِي
دُجَى وَقِنَاعُ اللَّيْلِ أَسْتَرَ لِلصَّبِّ
فَسِرْتُ كَأَنِّي رَاكِبٌ فِي سَفِينَةٍ
مِنَ الشَّوْقِ يُجْرِيهَا بُخَارُ لَظَى الْقَلْبِ
فَآنسَ طَرْفِي مُذْ دَخَلْتُ أَوَانِسًا
تَحَجَّبْنَ إلا عَنْ عُيُونِ ذَوِي اللُّبِّ
نَظَرْنَ إلَى الْفِتْيَانِ فِتْيَانِ عَصْرِنَا
وَقَدْ أَسْكَرَتْهُمْ فِي الْهَوَى خَمْرُ الْحُبِّ
فَنَابُوا عَنْ الْجُوقِ الْمُمَثِّلِ أَنَّمَا
رِوَايَاتُهُم مَا سُطِّرَتْ قَطُّ فِي كُتُبِ
عَلَى أَنَّهَا قَدْ سُطِّرَتْ فِي صَحِيفَةٍ
مِنَ الْجَهْلِ يَغْشَاهَا مِدَادٌ مِنَ الْعَتَبِ
وَأَوْحَى بِهَا لِلْقَلْبِ لَحْظُ أَخِي النُّهَى
وَلَمْ يَمْحُهَا إلا بِمَدْمَعِهِ الصَّبِّ
مَدَامِعُ يُجْرِيهَا الأسَى وَخِضَابُها
هُوَ الْوَرْدُ لَكْنِ مَنْ لَهُ بِنَدَى السُّحُبِ
وَقَدْ صَوَّبُوا المِنْظَارَ كَالْعَسْكَرِ الَّذِي
يُحَاوِلُ تَصْوِيبَ الْبَنَادِقِ فِي الْحَرْبِ
وَأَرْسَلَ كُلُّ سَهْمٍ لَحْظَيْهِ رَائِدًا
رِيَاضَ خُدُودِ الآنِسَاتِ مِنَ الْحُجُبِ
أَوَانِسٌ إِلا أَنَّهُنَّ نَوَافِرُ
إِذَا مَا الْتَقَى يَوْمًا اللُّقَا الهُدْبُ بِالهُدْبِ
نَوَاعِسُ حَتَّى يُصْبِحَ الطَّرْفَ لِلكَرَى
قَرًى وَيُنَاغِي الطَّيْرَ فِي الْغُصْنِ الرَّطِبِ
فَكَانُوا وَمَا مِنْ سَامِعٍ لِلْمُثُلِ
وَلَا نَاظِرٍ مَا كَانَ فِي مَرْسَحِ اللُّعَبِ
إِذَا مَا شَدَا شَادٍ فَرَاقَ نَشِيدُهُ
سَمِعْتَ صَدَى مَصِّ الشِّفَاهِ مِنَ الْعَجَبِ
وَإِن رَّاقَهُم مِنَ التَّفَنُّنِ قَاطَعُوا
بِتَصْفِيقِهِمْ ذَاكَ التَّفَنُّنِ وَالضَّرْبِ
وَإنْ هُوَ أَوْمَأَ بِالْبَنَانِ لِغَادَةٍ
وَكَانَتْ وَإيَّاهُ تُمَثِّل مَا يُصْبِي
رَنُّوا وَانْثَنُوا لَا لارْتِيَاحٍ وَإنَّمَا
لِرَاحٍ تُحَاكِي رِيقَ مَبْسَمِهَا الْعَذْبِ
وَأَعْجَبَ مِنْهُ ضَحْكُهُمْ سَاعَةَ الْبُكَا
وَيُقْبَحُ ضَحكُ الْمَرْءِ فِي مَشْهَدِ النَّدْب
وَلَوْ رَمَت تعْدَادَ الْبَوَاقِي لَمَا بَقَى
مِدَادٌ بِأَطْرَافِ الْيَرَاعِ فَمَا ذَنْبِي
عَلَى أَنَّنِي اسْتَوْقَفْتُ آخِرَ قَطْرَةٍ
كَتَبْتُ بِهَا ذَا الْبَيْتِ مُسْتَغْفِرًا رَبِّي
ورأى غادة تقرأ في كتاب فقال مرتجلًا:
يَا لَيْتَنِي كُنتُ سَطْرًا
تَحْتَ اللِّحَاظِ فَأُقْرَا
أَوْ كُنتُ ضَيْفًا لَدَيْهَا
مِنَ الْجَمَالِ فَأُقْرَى
وقال في حادثة «شهيدة الحب»:
للهِ مَوْقِفُ غَادَةٍ
عَبَثَتْ بِمُهْجَتِهَا الشُّجُون
لَعِبَ الهَوَى بِفُؤَادِهَا
غُصْنًا تَتِيهُ بِمُهْجَتِهَا الشُّجُون
فَتَقَصَّفَتْ أَوْرَاقُهَا
حَتَّى عَلَا مِنْهَا الأنِين
مَا تِلْكَ أَوْرَاقُ جَنَّتِهَا
قَطُّ أَيدِي الغَارِسِين
حَتَّى تَعُودَ فَتَجْلَى
لِلعَيْنِ زَهْرَاءُ الْجَبِين
تِلْكَ الجَوَارِحُ إِنَّمَا
رَقَّتْ لِتَكْسِيرِ الْجُفُون
فَجَنَى عَلَيْهَا الْوَجْدَ مَا
لَمْ تَجْنِهِ نبلُ العُيُون
مِن نَّظْرَةٍ قَدْ غَادَرَتْ
فِي قَلْبِهَا السَّهْمُ الْمَكِين
سَهْمٌ بَدَا عَن قَوْسٍ حَاجِبٍ
أَهْيَفٍ يَرْمِي الفُتُون
فَغَدَت تَقُولُ بِلَوْعَةٍ
أُمَّاهُ هَلَا تَعْلَمِين
قَدْ جَاءَنِي وَحْيُ الخَفا
إِنِّي سَأُقْضَى بَعْدَ حِين
فَحَنَتْ عَلَيْهَا أُمُّهَا
تَبْكِي بُكَاءَ الْخَائِفِين
بِيَدٍ تَضُمُّ فُؤَادَهَا
كَالطَّيْرِ ضَمَّتْهُ الغُصُون
وَغَدَت تقُولُ بِلَهْفَةٍ
للهِ مَا هَذِي الظُّنُون
مَا أَنْتِ إِلَّا وَرْدَةٌ
حُجِبَتْ فَأَنَّى تُقْطَفِين
تَحْيينَ مَا بَكَتْ السَّحَائِبُ
أَوْ جَرَتْ مَاءُ الْعُيُون
فَبَكَتْ بُنَيَّتُهَا بِدَمْعٍ
هَاجَهُ الدَّاءُ الدَّفِين
وَثَنَتْ غُصَيْنَ قَوَامِهَا
تَشْكُو وَلَكِن لَا مُعِين
وَتَقُولُ مِنْ وَلَهٍ إلهي
ارْحَمْ قُلُوبَ العَاشِقِين
وَاغْفِرْ لَهُمْ ذِلَّاتَهِمْ
فَلَأنْتَ خَيْرُ الغَافِرِين
حَتَى إذَا بَسَمَ الصَّبَاحُ
وَفَتَّحَتْ مِنْهُ الْجُفُون
نَظَرَتْ فَخَالَجَ طَرْفَهَا
شَبَحٌ رَأَتْهُ مُنذُ حِين
فَدَنَتْ بِجَاذِبِ شَوْقِهَا
حَتَّى إِذَا الْتَقَتْ العُيُون
وَرَأَتْ حَبِيبَ فُؤَادِهَا
يَدْنُو وَتُحْجِبُهُ الْغُصُون
قَالَتْ وَقَدْ نَشَرَ الحَيَاءُ
لِوَاءَهُ فَوْقَ الْجَبِين
أَهْلًا بِمَنْ مَلَكَ الْفُؤَادَ
هَوَاهُ دُونَ العَالَمِين
فَأَجَابَهَا ذَاكَ الْفَتَى
فَرِحًا بِلُقْيَاهَا حَزِين
يَا مَنْ حَوَتْ وَرْدَ الرِّيَاضِ
بِخَدِّهَا الْبَاهِي المَصُون
مَنْ لِي بِأَنِّي وَأَنتِ والهوى
نُمْسِي عَلَى عَهْدٍ مَتِين
فَتَعَاهَدَا حَتَّى إِذَا
وَافَى حِمَاهَا بَعْدَ حِين
نَظَرَ الْفَتَى فِي وَجْهِهَا
دَمْعًا فَهَاجَتْهُ الشُّجُون
وَارْتَابَ فِي حُبِّ الْفَتَاةِ
لَهُ وَرَاعَتْهُ الظُّنُون
وَرَنَا إلَيْهَا قَائِلًا
بِاللهِ مَاذَا تَشْتَكِين
قَالَتْ وَقَدْ بَسَطَ الْمَمَاتُ
جِنَاحَهُ فُوْقَ الْجَبِين
أَشْكُو شَرَابًا صَبَّهُ
الرَّحْمَنُ فِي كَأْسِ المَنُون
وَأَتَتْ بِهَ الأقْدَارُ تَسْعَى
نَحْوَ ذَا الْقَلْبِ الْحَزِين
فَبَكَى الفَّتَى جَزَعًا وَصَاحَ
بِلَهْفَةٍ أَنَّى يَكُون
أَبِيَقَظَةٍ يَا أُذُنُ أَمْ
فِي الْحُلْمِ مَا قَد تسْمَعِين
فَأَجَابَهُ مِنْ عَالَمِ النَّجْوَى
لِسَانُ العَاشِقِين
هَيْهَاتَ قَدْ حَكَمَ الْقَضَاءُ
وَذَاكَ أَقْوَى الْحَاكِمِين
يَجْنِي غُصَيْنَ قَدْ حَلَا
مِنْهُ الْجَنْي دُونَ الغُصُون
فَأَصْبِرْ عَلَى بَلْوَاكِ إِنَّ
اللهَ يَجْزِي الصَّابِرِين
فَجَثَا الْفَتَى جَزَعًا وَصَاحَ
حَبِيبَتِي هَلْ تَسْمَعِين
لَا لَا فَذَاكَ يُرَوِّعُ قَلْبَكِ
ذِكْرُهُ لَوْ تَعْلَمِين
مَا زَالَتْ حَبِيبَتُهُ وَقَالَتْ
تِلْكَ يَا قَلْبِي ظُنُون
فَادْنُو حَبِيبِي لِلْوَدَاعِ
قُبَيْلَ أنْ يَدْنُو المَنُون
وَيُرَوِّعُ قَلْبَيْنَا بِنَأْيٍ
لَا لِقَاءَ لَهُ يَكُون
فَبَكَى وَقَالَ حَبِيبَتِي
بِاللهِ مَاذَا تَكْتُمِين
وَأَرَادَ تَخْفِيفَ الْجَوَى
مِنْهَا وَإِبْدَاءَ الْحَنِين
وَإذَا بِهَا سَقَطَتْ تُجَلِّلُ
وَرْدَ خَدَّيْهَا الغُصُون
فَدَنَا يُنَازِعُهَا الْفَنَا
نَدَمًا وَلَكْن لَاتَ حِين
وَيَقُولُ يَا عَذْرَاءُ رِفْقًا
بِي وَبِالقَلْبِ الْحَزِين
حَتَّى إِذَا هَدَأ الظَّلَامُ
وَعَمَّ فِي الأرْضِ السُّكُون
سَمِعَ الفَتَى مِن نحْوِهَا
صَوْتًا يُخَامِرُهُ الأنِين
وهتاف وحيٍ قائلٌ
وا رحمتا للعاشقين
وقال في فتاة تدعى «مريم»:
مَنْ لِي مَرْيَمُ حَتَّى
أَكُونُ عِيسَى لَدَيْهَا
كَيْمَا تُقَبِّلُ خَدِّي
يَوْمًا وَأَحْنُو عَلَيْهَا
وقال فيها:
أَمَرْيَمُ لَوْ تَدْرِي بِأَنَّ أَخَا الْهَوَى
عَلَى الْبُعْدِ أَضْحَى كَالْخَيَالِ نحِيلَا
لَكُنتِ مَنَحْتِ الْقَلْبَ مِنْهُ تَعَطُّفًا
وَنَحَتْ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلَا
وقال عن لسان صديق اقترح عليه نظم بيتين:
أَتَيْتُ إلَيْكَ الآنَ لَا لِزِيَارَة
وَلَكْن لَأرِوِيَ الْقَلْبَ بِالمَبْسَمِ العَذْبِ
وَأُلْقِي إِلَيْكُمْ ذِي البِشَارَةِ أَنَّنِي
نَقَلْتُ إلَى مِصْرَ بِهَا مَرْتَعَ القَلْبِ
وقال يرثي ملكة الإنجليز:
عَزِيزٌ عَلَيْنَا أَنْ أَقُولَ صَفْحَةً
مِنَ الْجِيلِ تَغْشَاهَا سُطُورُ الْمَنِيَّة
وَأَنَّ جَنَانَ الْغَيْبِ يُمْلِي وَدُونَهُ
بَنَانَ الْقَضَا يَسْرِي بِرَقْم الرَّزِيئَة
هُوَ الْمَوْتُ حَتَّى لَوْ دَنَتْ سَاعَةُ النَّوَى
هَوًى فَوَهَتْ مِنْ هَوْلِهِ كُلُّ هِمَّة
أَڤِيْكُتورْيَا إنْ كَانَ قَوْمُكِ رَعَوْا
مِنَ الدَّاءِ خَوْفًا مِن وُقُوعِ الأذِيَّة
فَكَيْفَ بِهِمْ وَالْمَوْتُ فَوْقَكِ بَاسِطٌ
جَنَاحَ الرَّدَى يُنْبِي بِعِظَمِ الْمُصِيبَةِ
أَڤيكْتُورْيَا كَم مِن مُّحِبٍّ وَقَدْ غَدَا
يُعَلِّلُ نَفْسًا بِالتِي وَبالتِي
وَكَم منْ صَفِيٍّ بَاتَ بَعْدَكِ دَامِيَ الْفُؤَ
ادِ عَدِيمَ الرُّشْدِ وَهْنَ الْعَزِيمَةِ
أَڤيكْتُورْيَا مَا إنْ نَأَيْتِ وَفِي الْوَرَى
سِوَى رَمَقٍ بَاقٍ وَقَلْبٍ مُفَتَّتِ
مَلَكْتِ وَثُغْرِ الْقَوْمِ بِالبِشْرِ بِاسِمٌ
لَمَّا آنسُوهُ مِنْ صَفَاءِ الْمَوَدَّةِ
على أَنَّهُم لَمْ يَبْسُمُوا لملمة
أَلمَّتْ وَلَا لِلخَصْم يَوْمَ الْكَرِيهَة
عَليَك سلامُ الله ما حَيْثُ الصَّبا
فَأَحْيَتْ زُهُورًا فَوْقَ تُرْبِكِ حَنَّتِ
وقال يصف الكهرباء والحب:
كَيْفَ لَا يَصْبَغُ الْخُدُودَ الْحَيَاءُ
فِي زَمَانٍ سَادَتْ بِهِ الْكَهْرُبَاءُ
آلةٌ تُوهِنُ الْقُوَى كُلَّمَا
احْتَكَّتْ وَتُلْقِى الآسَادَ وَهِيَ ظِبَاءُ
كُلَّمَا هَاجَ قَلْبَهَا حَرَكَاتٌ
جَذَبَتْنَا فَكَانَ مَا لَا نَشَاءُ
كَفَتاةٍ رَأَتْ فَتَاهَا فَتَاهتْ
إِذْ رَآهَا فَرَاعَهُ الإغْمَاءُ
ضَمَّهَا وَالْفُؤَادُ يُضْرَمُ مِنْهَا
قَبْسًا فِي الْفُؤَادِ مِنْهُ صِلاءُ
وَاخْتِلَافُ الأجْسَامُ يَنْشَأُ عَنْهُ
جَاذِبٌ لَا تَحِلُّهُ الْكِيمْيَاءُ
فَأَطَاعَ الْهَوَى فَرَاحَ صَرَيعًا
حَيْثُ قَادَتْ فُؤَادَهُ الأهْوَاءُ
زَارَتْ الْكَهْرُبَاءُ قَلْبَ مُحِبٍّ
زَارَهُ الْوَجْدُ وَالْوَلَا وَالإخِاءُ
لَمْ تَرَ مُوصِلًا إِلَيْهِ فَتُسَرِّي
عَنْهُ بَلْ كَانَ مِنْ مُنَاهَا البَقَاءُ
لَيْسَ لِلقَلْبِ مُوصلٌ فَهُوَ كَالطَّيرِ
يَرِفُّ وَالِجْسمُ مِنْهُ هَوَاءُ
لَيْتَ ذِي الْكَهْرُبَاءُ تَطْرُقُ قَلْبِي
حِينَ يَبْدُو مِنَ الْحَبِيبِ الْجَفَاءُ
عَلَّهَا تَجْذِبُ الْحَبِيبُ فَيَرْوِي
كَبَدِي عَذْبُ ثُغْرِهِ وَالطلَاءُ
وَعَجِيبٌ أَنْ تَلَاشَى قُوَاهَا
وَهِيَ وَاللهِ آلَةٌ صَمَّاءُ
وَلِحَاظُ الْحَبِيبِ لَمَّا رَآنِي
كَانَ فِيهَا مِنَ الْهَوَى كَهْرُبَاءُ
واقترح عليه مغنٍّ بيتين ينشدهما في غادة:
أَطَلَّتْ مِنَ الشِّبَّاك مَحْلُولَةَ الشَّعْرِ
مَهَاةٌ حَكَتْ فِي حُسْنِهَا طَلْعَةَ الْبَدْرِ
وَمُذْ سَمعَتْ صَوْتِي تَثَنَّتْ كَأَنَّهَا
غُصَينٌ أَمَالَتْهُ النَّسَائِمُ فِي الْفَجْرِ
واقترح عليه بعضهم تكملة معنى هذا البيت:
هِيَ الْبَدْرُ إِلَّا أَنَّهَا ذَاتُ بُرْقُعٍ
تَتُوقُ لمَرْآهَا النُّفُوسُ وَتَعْشَقُ
فأردف قائلًا:
وَمَا اللَّيْلُ يُرْخِي الظَّلَامُ سُدُولَهُ
وَلَا الصُّبْحُ مَا تَحْكِي سَنَاهُ الْبَوَارِقُ
وَلَكْن لَّيْلُ الْعَاشِقِين احْتَجَابَهَا
وَصَبَّحْهُمْ فِي وَجْهِهَا حِينَ يَشْرُقُ
وقال في الحنين إلى الوطن:
يَا بَنِي الأوْطَانِ مَا أَحْلَى اللُّقَا
وَأَلَذَّ الْعِزَّ مِنْ بَعْدِ الشَّقَا
فَمَتَى نَحْظَى بِغِزْلَانِ النَّقَا
وَنُرِيحُ الْقَلْبَ مِنْ هَذَا الْعَنَا
حَكَمَ الدَّهْرُ عَلَيْنَا بِالْفُرَاقِ
حِينَ لَا نَقْوَى عَلَى مُرِّ الطَّلَاقِ
آهٍ وَا شَوْقِي إلَى حُلْوِ التَّلَاقِ
حَيْثُ أَحْظَى مِنْ حَبِيبِي بِالْمُنَى
آهٍ وَا شَوْقِي إلَى ذَاكَ الْحِمَى
حَيْثُ أَضْحَى الْقَلْبُ صَبًّا مُغْرَمَا
يَا إلَهَ الْعَرْشِ كُنْ لِي رَاحِمًا
وَاشْفِ قَلْبِي مِنْ تَبَارِيحِ الضَّنَى
تِلْكَ أَوْطَانٌ لَهَا قَلْبِي صَبَّا
إِذْ قَضَى فِيهَا أُوَيْقَاتُ الصِّبَا
فَاحْمِلِي بِاللهِ يَا رِيحَ الصَّبَا
عَنِّي الشَّوْقَ إلَى ذَاكَ الْحِمَى
كُنْتُ قَبْلَ بَعْدَ لَا أَدْرِي الْعَذَابِ
لَا وَلَا أَعْرِفُ مَعْنَى الاحْتِجَاب
غَيْرَ أَنَّ الْقَلْبَ بَعْدَ الْبُعْدِ ذَاب
فَارْحَمُوا قَلْبِي وَدَاوُوا الْبَدَنَا
قَرَّبَ اللهُ أُوَيقاتِ الْهَنَا
وَأَرَاحَ الْقَلْبَ مِن بَعْدِ الْعَنَا
وَإِذَا لَمْ تُدْنِنَا دَارُ الْفَنَا
فَلَقَدْ تَجْمَعُنَا دَارُ البَقَا
وبعث إليه صديق يطلب حاجة فأجابه بهذين البيتين:
قَدْ طَلَبْتَ الْقَلِيلَ مِنِّي وَمَا كَانَ
فُؤَادِي مِنَ الْوِدَادِ مُقِلَّا
لَكَ مَا شِئْتَ يَا خَلِيلِي فَإنِّي
فِي حَيَاتِي لِسَائِلِي لَمْ أَقُل لَّا
وقال يصف عيد الجلوس الخديوي:
لَا غَرْوَ أن لَّاحَتْ كَوَاكِبُ سَعْدِهِ
فِي مِصْرَ مُحَدِّقَةً بِمرْهَفِ قَدِّهِ
وَالْعِيدُ أَقْبَلَ بَاسِمًا بِجُلُوسِهِ
كَالسَّيْفِ يَبْدُو ضَاحِكًا مِنْ غِمْدِهِ
عِيدٌ بِهِ رَقَصَتْ أُولِي الْهَوَى
ثَمْلَى كَأَنَّ شَرَابَهَا مِنْ ودِّهِ
وَافَى فَلَمْ يَبْقَ فُؤَادٌ سَاكِنٌ
حَتَّى حَسِبَتْ قُلُوبُنَا مِنْ وَفْدِهِ
لَا بِدْعَ أَنْ تَزْهُو رِيَاضُ الأزْبَكِيَّةِ
وَهُوَ رَائِدُهَا بِرَوْضَةِ خَدِّهِ
أَوْ تَتَجَلَّى بِيضُ الأزَاهِرِ وَهِيَ تَحْكِي
الزُّهُورَ لَكِنْ فِي أَعَالِي مَجْدِهِ
وَقُلُوبُ آلِ وَلَائِهِ قَدْ أَشْرَقَتْ
بِلَظَى الْوِدَادِ عَلَى صَفَائِحِ جُنْدِهِ
عَبَّاسُ لَوْ عَجَزَ الْوَرَى عَن مَدْحِهِ
نَطَقَتْ شَمَائِلُهُ بِرَائِقِ حَمْدِهِ
فَلْيَهْنَأُ بِالْعِيدِ الذِي هَتَفَتْ بِهِ
أَبْنَاءُ مِصْرَ وَالْعِرَاقِ وَنَجْدِهِ
فَلْيَحْيَ عَبَّاسُ عَلَى الْعَرْشِ الذِي
نَهْوَى لَوْ انَّ قُلُوبَنَا مِنْ مَهْدِهِ
وقال يرثي المرحوم الشيخ نجيب الحداد:
أَدَمْعٌ جَرَى مَدْمَعَ الصَّبِّ أَمْ مُزْنٌ
عَلَى فَقْدِ مَنْ فِي فَقْدِهِ دَاهِمِ الحُزْنُ
ذَوَى غُصْنُهُ رَطِبًا وَقَلْبِيَ حَائِمٌ
عَلَيْهِ فَذَاقَ الْقَلْبُ مَا ذَاقَهُ الْغُصْنُ
خَلِيلِي مَا لِلطَّرْفِ يَعْنُو لِدَمْعِهِ
حَزِينًا وَمَا أَن كَانَ قَبْلَ النَّوَى يَعْنُو
تَرَاءَى لِنَظْمِي مَا كَنَّ خَاطِرِي
فَأَضْحَى مَلِيكَ الشِّعْرِ وَالخَادِمُ الوَزْنُ
كَأَن صَدى مِنْ صَيْدِ قَلْبِي يَفْقِدُهُ
وَلَوْ صَدَّ عَنِّي فَهُوَ نَظْمُهُ عِوَنُ
يَقُولُونَ لِي صَبْرًا فَمَا الدَّمْعُ فِي الأسَى
بِمَجْدٍ فَقُلْتُ الصَّبْرُ أَنْ تَصْبِرَ الْعَيْنُ
نَعَمْ فَكِلَانا يَا نَجِيبُ عَلَى الْوَفَا
مُقِيمٌ إِذَا دَاعِيَ الصَّفَا صَابَهُ الْوَهْنُ
أَلَيسَ عَجِيبٌ بَعْدَ حَبِيبِكَ أَنَّنِي
أَرَاكَ ضَجِيعَ التُّرْبِ لَيْلًا وَلَا ظَنُّ
عَلَيْكَ سَلَامُ اللهِ مَا سَالَ مَدْمَعِي
وَمَا هَاجَ مِنْ ذِكْرَاكَ فِي كَبَدِي حُزْنُ
وقال في قصيدة عنوانها «العلم والمال»:
لَبَسُوا الْبُرْدَ وَانْثَنُوا رَافِلِينَا
بَاختِيَالٍ يَسْتَجْذِبُونَ الْعُيُونَا
وَتَحَلَّوْا وَلَيْتَهُم مَّا تَحَلَّوْا
أَنَّهُمْ عَنْ حُلَى الْعُلَا غَافِلُونَا
حِلْيَةُ النَّفْسِ شِيمَةٌ لَمْ يَشْمُهَا
غَيْرُ لُطْفٍ يَعْنُو لَهُ السَّاحِرُونَا
لَيْسَ بِاللِّبْسِ وَالْحُلَى خَلَّدَ التَّارِيخُ
ذِكْرَ الَفَطَاحِلِ الغَابِرِينَا
إنَّمَا بِالعُلُومِ نَالُوا فِخَارًا
لَمْ يَنَلْهُ الْمُلُوكُ وَالْمُكْثِرُونَا
أَيْنَ كِسْرَى مِنْ ابْنِ خَلْدُونَ هَذَا
عَاشَ قُرُونًا وَذَاكَ عَاشَ قُرُونَا
مَاتَ كِسْرَى بِمَوْتِهِ وَابْنُ خَلْدُونُ
لَعَمْرِي بِالذِّكْرِ يَحْيَى دَفِينَا
كَمْ غَنِيٌّ قُضِيَ وَلَمْ يَقْضِ سُؤْلَا
وَذَكِيٌّ هَدَى فَكَانَ مُعِينَا
إَنَّمَا الْجُودُ أَنْ تَجُودَ بِمَا عِنْدِكَ
لَا أَنْ يَعُودَكَ السَّائِلُونَا
يَفْرَغُ الْمَالُ إِنْ يَدٌ أَنْفَقَتْهُ
وَتَزِيدُ العُلُومُ حِينًا فَحِينَا
فَاجِنِ مَا لَا يَفْنَى وَإِنْ فَنِيَ الْمَرْءُ
وَدَعْ مَا تُفْنِي يَدُ الْمُنْفِقِينَا
فَقَلِيلٌ مِمَّا يَدُومُ لَخَيْرٌ
مِن كَثِيرٍ يُفْنِيهِ مَرُّ السِّنِينَا
فَإِن كَانَ طَرْفِي قَدْ غَذَانِي بِحُسْنِهِ
وَلَمْ أَغْتَذِ مِن لحْمَهِ النَّضْرُ الغَضِينَا
وقال في حكاية «الغراب والثعلب»:
رَأَى الْغُرَابُ جِبْنَةً فِي دَارٍ
لِبَعْضِ قُوْمٍ مِنْ ذَوِي الْيَسَارِ
فَسَلَّ مِنْهَا قِطْعَةً وَطَارَا
كَأَنَّهُ قَدْ مَلَكَ الإمَارَة
وَحِينَمَا حَطَّ عَلَى إحْدَى الشَّجَر
رَآهُ ثَعْلَبٌ فَأَحْدَقَ النَّظَرَ
فَلَمَحَ الْجِبْنَةَ فَاحْتَالَ عَلَى
اخْتِطَافِهَا مِنْهُ بِهَاتِيكَ الْفَلَا
قَالَ لَهُ يَا مُحْسِنَ الْغِنَاءِ
وَمُخْجِلَ الطُّيُورِ وَالظِّبَاءِ
لِي سنَّةٌ أَطْلُبُ أَنْ أَرَاكَا
لَأسْمَعَ الرَّائِقَ مِنْ غُنَاكَا
فَهَلْ تَجُودُ بِالغُنَا يَا سَيِّدِي
فَتَرْوِي الْقَلْبَ بِطِيبِ المَوْرِدِ
فَامْتَثَلَ الْغُرَابُ قَوْلَ الثَّعْلَبِ
وَصَارَ يَشْدُو بِالْغِنَاءِ الْمُطْرِبِ
فَأَوْقَعَ الْجِبْنَةَ مِنْ مِنْقَارِه
غَنِيمَةً بَارِدَةً لِجَارِه
فَفَرِحَ الثَّعْلَبُ وَانْتَشَلَهَا
بِفَمِهِ وَبَعْدَ أَنْ أَكَلَهَا
نَادَاهُ يَا غُرَابُ مَا ظَلَمْتُكَا
بِمِثْلَ مَا عَامَلْتَ قَدْ عَامَلْتُكَا
سَلَبْتَ إنْسَانًا عَلَيْكَ اعْتَدَى
وَمَا فَعَلْتَ الآنَ تَلْقَاهُ غَدَا
وَالْمَالُ لَا يَخْرُجُ مِن كَفِّ الْفَتَى
إِلَّا مِنَ الْبَابِ الَّذِي أَتَى
وقال في مقتل ملك السرب:
طَرَقَ الْحُبُّ قَلْبَهُ فَاسْتَمَالَه
لَيْتَهُ لَمْ يَكُنْ أَطَاعَ غَزَالَه
مَلَكٌ تَمْرَحُ الظَّبَا فِي حِمَاهُ
وَهُوَ فِي أَسْرِهَا فَأَيْنَ الْعَدَالَه
يَا بَنِي السِّرْبِ تِلْكُمْ سُنَّةُ اللهِ
فَهَلَّا تَلَوْتُم أَقْوَالَه
وَمَنْ اضطُّرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ
فَلَا إثْمَ يَفْتَرِي أَوْ ضَلَالَه
لَوْ نَظَرْتُم بِعَيْنِهِ أَوْ لَمَسْتُمْ
بِيَدَيْهِ بَنَانَ تِلْكَ الْغَزَالَه
لَعَرَفْتُمْ قَدْرَ الْهَوَى وَعَلِمْتُمْ
أَيَّ شَيْءٍ عَنْ الهُدَى قَدْ أَمَالَه
قَدْ جَنَيْتُمٍ عَلَيْهِمَا قَبْلَ أَنْ يَقْطَعَ
كُلُّ مَنْ خِلُّهُ أَمَالَه
كَانَ أَوْلَى عَزْلُ الْمَلِيكِ عَنِ الْعَرْشِ
فَعَرْشُ الْهَوَى غَدَا أَحْلَى لَه
مِن مَّمَاتٍ تُشَارَكَ اللَّحْظُ فِيهِ
وَالْيَمَانِيُّ فَقَطَعَا أَوْصَالَه
وَهُوَ لَمْ يَرْوِ مِنْ دِرَاغَا غَلِيلًا
وَهِيَ بِاللَّحْظِ كَمْ رَوَتْ مِن مَّقَالَه
يَا لَهُ مَوْقِفًا بِهِ انْتَفَضَتْ أَعْظَمُ
صَرْعَى الْهَوَى أَمَامَ الْجَلَالَه
صَائِحَاتٌ مِنْ عَالَمِ الْغَيْبِ تَرْجُو
لِلْفَقِيدَيْنِ عَفْوَهُ وَنَوَالَه
وقال يصف زيارة الحبيب:
رَكِبْتُ الْقِطَارَ إِلَى مَنْ أُحِبُّ
وَمَا غَيْرُ قَلْبِي لَهُ سَائِقُ
فَسَارَ وَلَكِنْ بِنِيرَانِهِ
كَأَنِّي بِهِ فِي الْوَلَا صَادِقُ
يُرَاعِي النَّظِيرُ فَيَجْرِي سِرَاعًا
وَلَحْظِي دَلِيلٌ لَهُ سَابِقُ
يُنِيرُ لَهُ ظُلُمَاتِ الْبُعَادِ
بِنُورِ اللِّقَاءِ وَلَا بَارِقُ
فَيَسْتَرِقُ الأرْضَ فِي سَيْرِهِ
وَمَا هُوَ لَوْلَا الْهَوَى سَارِقُ
فَلَمَّا بَلَغْتُ دِيَارَ الْحَبِيبِ
طَرَقْتُ فَقِيلَ مَنْ الطَّارِقُ
فَقُلْتُ مُحِبٌّ دَعَاهُ الْهَوَى
لِيَنْظُرَ مَا أَبْدَعَ الْخَالِقُ
فَرَاشَقَتْهُ بِسِهَامِ اللِّحَاظِ
بِقَلْبِي فَلْيَفْتَدِي الرَّاشِقُ
فَخَدُّكِ وَرْدٌ وَثَغْرُكِ وَرْدٌ
يَحُومُ عَلَى مِثْلِهِ الْوَامِقُ
أَسِيرُ السُّهَادِ طَلِيقُ الرُّقَادِ
فَقَالَتْ فَدَيْتُكَ يَا عَاشِقُ
وَهَا هِيَ مُهْجَتِي عُرْبُونُ الْوَفَا
لَهَيْنَا بِهَا قَلْبُكَ الرَّائِقُ
فَعُدتَّ وَلَكِن رَغْمَ الْفُؤَادِ
يُجَّاذِبُنِي حُسْنُهَا الْفَائِقُ
بِبَاخِرَةٍ فِي بِحَارِ دُمُوعِي
وَمِجْدَافُهَا قَلْبِيَ الْخَافِقُ
أُرَدِّدُ ذِكْرَى لَيَالٍ تَسَامَرَ
فِيهَا الْمَشُوقُ وَالشَّائِقُ
وقال في محاورة عاشقين:
لَعَمْرُ الْهَوَى لَوْلَا الْعُيُونُ الْذَوَابِلُ
وَهُدْبٌ لِحَاظٌ فِي فُؤَادِي ذَوَابِلُ
لَمَا صَرَعَتْ أُخْتُ الْمَهَا مُهْجَتِي وَلَا
سِلَاحٌ سِوَى الْعَيْنَينِ حِينَ تُقَاتِلُ
رَأَتْنِي لَدَيْهَا نَاحِلَ الْجِسْمِ فَانْثَنَتْ
إِلَيَّ وَقَالَتْ مَا لِجِسْمِكَ نَاحْلُ
فَقُلْتُ وَهَلْ يَحْيَا غُصَيْنٌ بِلَا نَدَى
فَقَالَتْ فَفِي كَفَّيْكَ مَا أَنْتَ سِائِلُ
فَقُلْتُ وَلَكِن قَدْ ذَوَى مِن لْظَى الْهَوَى
فَقَالَتْ وَهَلْ يَذْوَى وَدَمْعُكَ وَابِلُ
فَقُلْتُ لَعَلَّ الشَّمْسَ عَنْهُ تَحَجَّبَتْ
فَقَالَتْ فَفِي خَدَّيَّ شَمْسٌ تُمَاثِلُ
فَقُلْتُ أَتَبْدُو الشَّمْسُ وَالْبَدْرُ طَالِعٌ
لَعَمْرُكِ قَدْ قَلَّتْ لَدَيَّ الْوَسَائِلُ
فَقَالَتْ عَجِيْبٌ مَا ذكَرْتَ وَإِنَّنِي
وَإِيَّاكَ دَوْمًا نُورُنَا مُتَكَامِلُ
وَمِلْتُ بِهَا نَحْوَ الرِّيَاضِ فَآنَسْتُ
أَزَاهِرَ وَرْدٍ غُصْنِهَا يَتَمَايَلُ
فَقَالَتْ أَرَى غُصْنًا يَمِيلُ وَلَا هَوًا
أَبينَ هَوَانَا وَالْهَوَاء تَبَادُلُ
فَقُلْتُ وَلَا بِدْعٌ فَإِنَّ شُمُولَهُ
سَرَتْ فَحَكَتْهَا مِنكَ تِلْكَ الشَّمَائِلُ
وَإنَّ احْمِرَارَ الْوَرْدِ بَيْنَ غُصُونِهِ
كَخَدَّيْكِ لَمَا دَاهَمَتْنَا الْعَوَاذِلُ
فَلَوْلَا الْحَيَا مَا رَاقَ وَرْدٌ لِنَاظِرٍ
وَلَا حُبِّبَتْ لِلْوَرْدَيْنِ الْخَمَائِلُ
وَلَوْلَا الْهَوَى مَا مَاسَ غُصْنٌ بِلَا هَوَا
وَلَا أَحْدَقَتْ بِالْقَلْبِ تِلْكَ السَّلَاسِلُ
فَأَنْتَ مَنَحْتَ الْوَرْدَ نُورَ مَلَاحَةً
وَنَارَ التِّيَاعِ فَهُوَ زَاهٍ وَذَابِلُ
وَعَلَّمَتْنِي وَصْفَ الْجَمَالِ وَلَمْ أَكُنْ
جَهِلْتُ وَلَكِنْ كَانَ لِي عَنْهُ شَاغِلُ
إلَى أَنْ تَرَاءَى لِي هَوَاكَ وَأَنَّهُ
وَعَيْنَيْكَ ذَا سِحْرٍ وَهَذِي قَنَابِلُ
فَأَشْغَلَنِي إِلَّا عَنِ الْغَزَلِ الذِي
يُمَثِّلُ لِي الْغِزْلَانَ وَهِيَ تُغَازِلُ
وَإِنْ غِبْتَ نَاجِي الْبَدْرَ عَنِّي فَإنَّنِي
إذَا لَمْ أَسَلْهُ عَنكِ فَالطَّرْفِ سَائِلُ
وقال في مطلع رواية:
للهِ مَوْقِفُ عُشَّاقِ الْجَمَالِ إِذا
أُوتُوا الْعَفَافَ فَمَاتُوا مِنْ ظَبْيِ الْحَدَقِ
إذَا قُضُوا فِي الْهَوَى صَرْعَى فَشَافِعُهُمْ
لَدَى الْمَهِينِ مَا عَانُوا مِنَ الأرَقِ
وقال في سياق رواية:
رَعَى اللهُ رَبْعًا لَاحَ فِي وَكْنَاتِهِ
طُيُورَ تُنَاجِي الصَّبَّ وَهُوَ عَلِيلُ
قَضَيْتُ بِهِ دَهْرًا أَمِيلُ إِلَى الْعُلا
بِقَلْبٍ إِلَى حُبِّ الصَّفَاءِ يَمِيلُ
وَسِرْتُ عَلَى وَجْهِ الْبَسِيطَةِ طَالِبًا
عَلاءً وَمَجْدًا وَالْفِخَارُ جَمِيلُ
أُرَاعِي اللَّيْلَ وَهِيَ بَوَاسِمٌ
فَعِيرُو سَنَاهَا مِن لظَايَ أُفُولُ
وَأَسْعَى عَلَى الرَّمْضَاءِ طَوْعَ مَطَالِبٍ
غَدَت تَّحْتَهَا الرَّمْضَاءُ وَهِيَ تَمِيلُ
نِلْتُ مَنَالًا قَدْ فَقَدتُّ بِنَيْلِهِ
أَبًا فَضْلُهُ بَيْنَ الأّنَامِ جَزِيلُ
لَقَدْ كَانَ لِي عَوْنًا إذَا الصُّحْبُ أَدْبَرَتْ
وَإنْ مُدَّ لِي بَاعُ السَّخَاءِ يَطُولُ
قُضَى دُونَ تَوْدِيعٍ فَأَوْدَعَ مُهْجَتِي
لَهِيبًا مَدَى الأيَّامِ لَيْسَ يَزُولُ
عَلَى مِثْلِهِ فَلْتَمْزِجِ الْعَيْنُ دَمْعَهَا
دِمَاءَ وَيَعْرُو الْجِفْنَ مِنْهَا ذُبُولُ
وقال على لسان عاشقة:
هَوَى بِقَلْبِي هَوَاكُمْ فَانْثَنَتْ كَبَدِي
وَأَنَّ صَدْرِي مِنَ الأشْوَاقِ وَالْكَمَدِ
وَأَبْرَقَتْ مِنْ صِدَامٍ كُلُّ جَارِحَةٍ
فَأُبْرِئْتُ مِنْ سُقَامٍ قَدْ بَرَى جَسَدِي
وَهَمْهَمَ الرَّعْدُ أثْرَ الْبَرْقِ فَارْتَعَدَتْ
فَرَائِصِي حَذَرًا مِنِّي عَلَى كَبَدِي
دَعِ الْعَذَابَ لِمَنْ قَدْ ذَابَ مِنْ حَسَدٍ
وَاخْلَعْ أَخَا الْغِيدِ ثَوْبَ النَّأْيِ وَالْحَرْدِ
وَارْحَمْ حَلِيفَ سِقَاهِم سَاقَهُ قَدَرٌ
إِلَى الهَوَى فَهَوى عَمْدًا وَلَمْ يَعُدِ
رَامَ الغَرَامَ وَلَمْ يَعْلَمْ عَوَاقِبَهُ
فَهَامَ تِيهًا وَمَا فِي النَّفْسِ مِنْ جَلَدِ
عَن الملَاحَةِ قَدْ زَاحَ اللِّثامَ فَمَا
لَاحَتْ لِعَيْنَيْهِ حَتَّى صَاحَ وَا كَبَدِي
تِلْكَ السِّهَامُ سِهَامُ اللَّحْظِ لَوْ نَشَبَتْ
فِي قَلْبِ أُسْدٍ لَمَا أَبْقَتْ عَلَى أَسَدِ
فَكَيْفَ فِيمَنْ غَدَا مِنْ نَارِ لَوْعَتِهِ
تَرَاهُ وَهُوَ قَرِيبٌ مِثْلَ مُبْتَعِدِ
وَهَكَذَا الْحُبُّ لَا تَحْيَى مَعَالِمُهُ
حَتّى يُمِيتَ فَلَا يَبْقَى عَلَى أَحَدِ
وقال على لسان عاشق يخاطب طيرًا:
مَهْلًا فَقَلْبِي لَا يَقْوَى عَلَى الْكَمَدِ
طَيْرَ الأرَاكِ كَفَى مَا هجتَ مِن كَبَدِي
يَحِنُّ قَلْبِي إِلَى نَجْوَاكَ مَا سَمِعَتْ
أُذُنِي صَدَاكَ فَقِفْ مَهْلًا وَلَا تُزِدِ
أَرَاكَ تَبْكِي عَلَى إلْفٍ فَيُوحِشُنِي
ذِكْرُ الحَبِيبِ بِلَيلٍ زَائِدِ السُّهْدِ
تَبْكِي كَأَنَّا فِي الهَوَى شَرعٌ
وَيَهْجِمُ الدَّمْعُ فَوْقَ الخَدِّ مِنْ حَسَدِ
هُوَ الْغَرَامُ بِقَلْبِيَ لَا يَزَالُ وَهَلْ
يَنْأَى الْهَوَى عَنْ فُؤَادِ الشَّيقِ الكَمدِ
وقال:
إِلَى كَمْ أُدَاوِي الْقَلْبَ مِنْ أَلَم الْبَلْوَى
وَأَشْكُو الدَّهْرَ لَا يَرِقُّ لِذِي شَكْوَى
وَمَن كَانَ ذَا قَلْبٍ يَطِيرُ مَعَ الْهَوَا
فَإِنِّي لَهُ أَنْ يَتَّقِي مَضَضَ الْبَلْوَى
خَلِيلَي هَذِي مُهْجَتِي لَوْ عَلِمْتُمَا
غَدَتْ كَبَدِي مِن نَّارِ لَوْعَتِهَا تُشْوَى
فَرِفْقًا بِهَا بِاللهِ غَدا بِهَا
عَسَاهَا وَقَلْبِي يَجْنَحَانِ إِلَى النَّجْوَى
فَأَسْمَعُ مَا لَا يَسْمَعُ الْغَيْرُ أَوْ أَرَى
بِنَجْوَاهِمَا بَعْضَ ارْتِيَاحٍ إِلَى السَّلْوَى
وَيَذْهَبُ عَنِّي مَا كَتَمْتُ مِنَ الْجَوَى
خَلِيلَيَّ إِنِّي بَعْدَهُم أَرْتَجِي صَفْوا
وقال في وصف الجمال:
مَا رَقِيقُ الْفُؤَادِ رَبُّ الشَّمَائِل
غَيْرُ صَبٍّ نحوَ المَحَاسِنِ مَائِل
مَا تَرَى الْحُسْنَ سُلَّمًا يَرْتَقِيهِ
مِن رفِيعٍ وَمِنْ وَضِيعِ الشَّمَائِل
سُلَّمٌ يُبْلِغُ الأدِيبَ إِلَى أَرْفَعِ
قَدْرٍ وَيَنْثَنِي بِالجَاهِل
أَوْدع الذَّوْقَ فِي الْحِسَانِ فَظَلَّتْ
تَبْتَغِيهِ النُّسَّاكِ مِنْ غَيْرِ طَائِل
وَتَبَدَّتْ عَنْهُ الْمَحَاسِنُ تَحْكِي
فِي سَمَاءِ الآدَابِ بَدْرًا كَامِل
صَاحَ هَلًا خَلَا فُؤَادُكَ مِن رَشقِ
سِهَامٍ مِنَ اللِّحاظ الْقواتل
خَلِّ عَنْكَ الوَقَارَ وَاجْنَحْ إِلَى
خَلْعِ عَذَارٍ مَعَ الهَوَاء مُتَمَايِل
فَلَعَمْرِي مَا ذَاقَ قَلْبُ مُحِبٍّ
مِثْلَ ذَاكَ القَلَى بِتِلْكَ الْمَجَاهِل
يَوْمَ كُنَّا مِنَ الشَّبَابِ سَكَارَى
يَومَ كَانَ المّشِيبُ عَنَّا غَافِل
وقال:
أَهْوَى الظِّبَا وَيَحُولُ دُونَ مَرَامِي
شَرَفٌ صَبَوتُ إلَيهِ مُنذُ فِطَامِي
وَيُشَوِّقُنِي ذِكْرُ الْحَبِيبُ فَلَا أَرَى
لِي مُؤْنِسًا غَيرَ الفُؤَادِ الدَّامِي
قَلْبٌ إِذَا هَاجَ الغرَامُ كَلُومَةً
عَكَسَ اللَّظَى عَنْهَا كَلِيمُ غَرَامِي
فَيَلُوحُ لِي أَنَّ الْحَبِيبَ مُجَالِسِي
وَهْمًا وَلَيْسَ سِوَى الْخَيَالُ أَمَامِي
يَبْدُو الْخَيَالُ كَأَنَّهُ بِي شَافِعٌ
عِنْدَ الحَبِيبِ فَتُشْفَى آلَامِي
غَلُبَ الصَّفَا جَفَاءَهُ فَغَدَا وَقَدْ
رَسَمَتْ مَحَاسِنُهُ بِطَرْفِي الهَامِي
آيَاتِ دَمْعٍ مَا تَلَوْتُ سُطُورَهَا
إِلَّا انجَلَى وَجْدِي وَخَفَّ سقَامِي
فَأَبِيتُ لَا أَشْكُو لِقَاءَ جَمِيلَةٍ
وَيَبِيتُ يُشجِينِي نُحُولُ عِظَامِي
وقال:
تَرَاءَتْ وَرَاءَ السُّتُرِ مَكْشُوفَةَ السَترِ
فَشَقَّتْ بِلَحْظِهَا الْحِجَابَ عَنِ السِّرِّ
وَسَارَتْ فَصَارَ العَاشِقُونَ لِحُسْنِهَا
أَسَارَى وَأَضْحَى الْحُرُّ يُرَحَّبُ بِالأسْرِ
وَمَا خَطَرَتْ إِلا لِكَسْرِ خَوَاطِرٍ
وَنَشَرَ خُزَامَى حُبَّهَا فِي الْهَوَى الْعُذْرِي
وَدَارَتْ أَحَادِيثٌ عَنْ التِي
بِهَا قَدْ صبتُ شَوْقًا إِلَيْهَا وَلَمْ تَدْرِ
فَمَا سَمِعَتْ إلَّا صَدَاهَا وَمَا رَأتْ
سِوَاهَا فَهَامَتْ فِي الْمَهَامَةِ وَالقَفْرِ
وَنَادَتْ وَمَا مِنْ مُسْتَجِيبٍ لِسُؤْلِهَا
سِوَى طَلَلٍ حَطَّتْ عَلَيْهِ يَدُ الدَّهْرِ
فَجَادَتْ بِدَمْعٍ هَاجَهُ الشَّوْقُ وَالأسَى
وَلَمْ تَدْرِ أَنَّ الحُبَّ يَذْهَبُ بِالعُمْرِ
فَحَنَتْ لِشَكْوَاهَا الْحَمَامُ وَسَاءَلَتْ
بِتَغْرِيدِهَا تِلْكَ القُلُوبَ عَنْ الأمْرِ
فَقَالَتْ أَلا تَدْرُنَّ أَنَّ مَسَاكِنًا
أَقَمْنَا بِهَا مِن قَبْلُ صَارَتْ إِلَى الْقَبْرِ
أُنَاسٌ نَبلَ اللِّحَاظُ فَرَاغَهُمْ
ظِبَاهَا وَلَمْ يَخْشَوْا مِنَ البِيضِ وَالسُّمْرِ
أَلَا فَانْدُبي يَا طَيْرُ قَوْمًا تَوَلَّهُوا
فَمَاتُوا وَقَلْبًا ذَابَ عَنْ عِلَّةِ الْهَجْرِ
وقال:
أَطَائِرُ الْبَينِ مَا لِلْقَلْبِ وَالْمُهْجِ
بَعْدَ الأحِبَّةِ تَشْكُو لَوْعَةَ الوَهْجِ
وَمَا لِطَرْفِي بَعْدَ الْبُعْدِ مُنْزَعجٌ
يَذْرِي الدُّمُوعَ وَلَكِنْ غَيْرَ مُنْزَعِجِ
يَلُوحُ فِي هَالَةٍ حَمْرَاءَ مَا سَطَعَتْ
لَوْلَا لَظًى عَنْ دِمَاءِ الْقَلْبِ وَالْمُهْجِ
وَيَنْثَنِي نَاثِرًا دَمْعِي فَأَحسَبُهُ
قِلَادَةً رَصَعتْهَا فِتْنَةُ الدَّعْجِ
كَفَى بِرِقَّةِ قَلْبِي شَافِعًا وَبِمَا
أَرَاقَ طَرْفِي وَمَا أَلْقَاهُ مِنْ حَرَجِ
يَا زَهْرَةً صَادَهَا مُرُّ النَّسِيم ضُحًى
فَغَادَرَتْ بَعْدَهَا الأغْصَانَ فِي عِوَجِ
مُنِّي عَلَيْنَا بِنَشْرِ شَذَاكِ عَسَى
يَحْيَى الْفُؤَادُ فَيَرْضَى مِنكِ بِالأرجِ
وَسَائِلِي السُّحُبِ عَنْ دَمْعِي وَعَنْ كَبَدِي
سَلِي غُصَينَ الرُّبَى بِاللهِ إِنْ تعِجِي
يُجِيبُ عَنِّي بِأَنِّي وَالْهَوَا شَرْعٌ
مِنَ الهَوَى غَيْرَ رَاجٍ مِنْحَةَ الفَرَجِ
وَإن يَدُمْ أَبَدًا هَذَا الْفرَاقُ لَنَا
فَمَا عَلَى الرُّوحِ بَعْدَ الصَّدِّ مِنْ حَرَجِ
وقال:
خُذِي فُؤَادِي فِدَاءَ الْعَاشِقِ الْبَاكِي
عَلَى زَمَانٍ تَقَضَّى بيْنَ نُعْمَاكِ
وَأَيْقَنَنِي أَنَّنِي مَا جُدتُّ مُفْتَدِيًا
بِالْقَلْبِ إِلَّا لَأنَّ الْقَلْبَ يَهْوَاكِ
نَأَيْتِ تِيهًا فَتَاهَ الْعَقْلُ وَا أَسَفِي
وَاشْتَدَّ مِنِّي الْهَوَى شَوْقًا لِرُؤْيَاكِ
لَمْ يَكْفِ أَنَّ بُعَادًا عَنْكِ تَيَّمَنِي
حَتَّى جَذَبتَ فُؤَادِي بَينَ أَحْشَاكِ
رِفْقًا بِحَالِ فَتَى فَاضَتْ مَدَامِعُهُ
فَمَا أَهَاجَ لَظَاهَا قَلْبًا سَفَّاكِ
سَأَلتُ عَنْ عِلَّتِي أَسَى الغَرَامِ ضُحًى
فَقَالَ إِنَّ شَفَائِي مِنْ لَمْيَاكِ
نَعَمْ، فَمَا كَانَ أَحْلَى مَا أَشَارَ بِهِ
لَو لَمْ يَكُنْ مُجْتَنِيهِ ثُغْرٌ فَنَاكِ
فَكَمْ بِلَحْظَيْكَ ذَاتَ الْحُسْنِ قَدْ قُتِلَتْ
فِي الْحُبِّ نَفْسٌ وَكَمْ رَاقَتْ حميَاكَ
كَفَى بِرَبِّكَ كُفِّي عَنْ قَتِيلٍ جَوَّى
يَكْفِيهِ مَا فَعَلَتْ بِالْقَلْبِ عَيْنَاكِ
إِنْ شِئْتِ صَفْحًا فَقَلْبِي قَدْ صَفَا طَرَبًا
أَوْ رُمتِ قَتْلِي فَعَبْدٌ مِن رَعَايَاكِ
وقال:
سِلِي لَاعِجَ الأشْوَاقِ عَنْ هَائِجِ الوَجْدِ
وَعَنْ مَدْمَعِي إلْهَامِي سَلِي طَلْعَةَ الْوَرْدِ
يُجِيبُ فُؤادِي عَنهُمَا أَن ما هَمِّي
مِنَ الطَّرْفِ بَعدَ البُعدِ بَعضَ الذِي عِندِي
نَأَيتُ وَقَلِبي لَا يَزَالُ مِنَ الهَوَى
كَلِيمًا فَلَمْ يَقْوَ عَنْ أَلَمِ البُعْدِ
كَأَنَّ فُؤادِي فَوقَ نَارٍ مِنَ الهَوَى
يَزِيدُ لَظَاهَا كُلَّمَا زِيدَ مِنْ وَجِدِي
كَفَاكِ سُلَيمَى مَا تَرِيقِينَ مِنْ دَمِي
دَوْمًا وَمِنْ دَمْعِي السَّخِينِ عَلَى خَدِّي
أَيَجمُلُ فِي شَرْعِ الصَّبَابَةِ أَنَّهُ
يُجَازِي أَسِيرَ الوُدَّ بِالنَّأْيِ وَالصَّدِّ