بعد أن مت واحتواني الحفير

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

أبيات قصيدة بعد أن مت واحتواني الحفير لـ جميل صدقي الزهاوي

اقتباس من قصيدة بعد أن مت واحتواني الحفير لـ جميل صدقي الزهاوي

بعد أن مت واحتواني الحفيرُ

جاءني يبلو مُنكَرٌ ونكيرُ

ملَكان اسطاعا الظهور ولا أد

ري لماذا وكيف كان الظهورُ

لهما وجهان ابتنت فيهما الشر

رةُ عشاً كلاهما قمطريرُ

ولكلٍّ أنفٌ غليظٌ طويلٌ

هو كالقرن بالنطاح جديرُ

وفمٌ مهروتٌ يضاهي فم اللي

ث يريني ناباً هي العنقفيرُ

وبأيديهما أفاعٍ غلاظٌ

تتلوى مخوفةٌ وتدورُ

وإليَّ العيونُ ترسل ناراً

شرُّها من وميضها مستطيرُ

كنت في رقدةٍ بقبري إلى أن

أيقظاني منها وعاد الشعورُ

فبدا القبرُ ضيقاً ذا وخومٍ

ما به للهواء خرقٌ صغيرُ

إنه تحت الأرض إلا قليلاً

منزلُ المرء ذي الطموحِ الأخيرُ

ألمن خابَ حفرةٌ ذات ضيقٍ

ولمن فاز روضةٌ وغديرُ

أتيا للسؤال فَظَّينِ حيث ال

ميتُ بعد استيقاظه مذعورُ

عن أمورٍ كثيرةٍ قد أتاها

يوم في الأرض كان حياً يسيرُ

صيحة تحت الأرض ثُمَّ حوارٌ

بين أقساهما وبيني يدورُ

واقفاً لي كأنما هو نسرٌ

وكأني أمامهُ عصفورُ

خار عزمي ولم أكن أتظنَّى

أن عزمي يوماً لشيءٍ يخورُ

ولقد كنتُ في البداءة أشحى

مثلما يشحى للخشاة الذعورُ

ثم إني ملكت نفسي كأني

لست أخشى شيئاً وإني جسورُ

مظهراً أني كنتُ أحمل نفساً

لم يكن للشكوك فيها خطورُ

غير أني صدعت بالحق في الآ

خر حتى التاثت على الأمورُ

في الأديب الحر النفاق ذميمٌ

وهو ما لا يرضاه منه الضميرُ

فألمَّت بي الرزية حتى

ضجرت من ضجيج قبري القبورُ

قال من أنتَ وهو ينظر شزراً

قلت شيخٌ في لحده مقبورُ

قال ماذا أتيتَ إذ كنت حياً

قلت كل الذي أتيت حقيرُ

ليس في أعمالي التي كنت آتي

ها على وجه الأرض أمرٌ خطيرُ

قال في أيٍّ من ضروب الصناعا

ت تخصصت إنهن كثيرُ

قلت مارست الشعر أرعى به الحق

قَ وقد لا يفوتني التصويرُ

قال ما دينك الذي كنت في الدن

يا عليه وأنت شيخٌ كبيرُ

قلت كان الإسلام دينيَ فيها

وهو دينٌ بالإحترام جديرُ

قال من ذا الذي عبدت فقلت ال

لَهَ ربي وهو السميع البصيرُ

قال مذا كانت حياتك قبلاً

يوم أنت الحر الطليق الغريرُ

قلت لا تسألنَّني عن حياةٍ

لم يكن في غضونها لي حبورُ

كنت عبداً مسيَّراً غير حر

لا خيارٌ له ولا تخييرُ

ما حبوني شيئاً من الحول والقد

رة حتى أدير ما لا يدورُ

كان خيراً مني البهائمُ تثوي

حيث لا آمرٌ ولا مأمورُ

قال هلا كسبت غير المعاصي

قلت إن لم أكسب فربي غفورُ

كان إثمي أني إذا سألوني

لم أقل ما يقوله الجمهورُ

إنهم من أوهامهم في إسارٍ

ولقد لا يرضيهم التحريرُ

وإذا لم يكن هنالك رأيٌ

لي أفضي به فلا أستعيرُ

ربَّ أمرٍ يقول في شأنه العق

لُ نقيض الذي يقول الضميرُ

ثمراتُ الأحراث لا تتساوى

هذه حنطةٌ وهذا شعيرُ

وقشورٌ وما هناك لبابٌ

ولبابٌ وما هناك قشورُ

يتبع الجاهل الغويُّ أخاه

مثلما يتبع الضريرَ الضريرُ

قال هل صدقت النبيين فيما

بلغوه ولم يُعقْكَ الغرورُ

والكتاب الذي من الله قد جا

ء فأدلى به البشير النذيرُ

قلت في خشيةٍ بلى وفؤادي

من شعاع به يكاد يطيرُ

إنه مُنزَلٌ من الله يهدي ال

ناس طرَّاً فهو السراج المنيرُ

قال هل كنت للصلاة مقيماً

قلت عنها ما إن عراني فتورُ

إنما في اقتناء حورٍ حسانٍ

بصلاةٍ تجارةٌ لا تبورُ

قال هل صمت الشهر من رمضان

قلت قد صمته وطاب الفطورُ

قال هل كنت للزكاة بِمُؤتٍ

قلت ما كان بي لها تأخيرُ

قال والحج ما جوابك فيه

قلت قد كان لي بحجي سرورُ

قال هل كنت للجهاد خفيفاً

قلت إني لبالجهادِ فخورُ

قال هل كنت قائلاً بنشورٍ

قلت ربي على النشور قديرُ

فإذا شاء للعباد نشوراً

فمن السهل أن يكون نشورُ

قال ماذا تقول في الحشر والمي

زان ثم الحساب وهو عسير

والسؤال الدقيق عن كل شيء

والصراط الذي عليه العبور

والجنان التي بها العسل الما

ذيُّ قد صفوه وفيها الحور

وبها ألبانٌ تفيضُ ولهوٌ

وأباريقُ ثرةٌ وخمور

وبها رمانٌ ونخلٌ وأعنا

بٌ وطلحٌ تشدو عليه الطيور

ليس فيها أذى ولا موبقاتٌ

ليس فيها شمسٌ ولا زمهرير

والجحيم التي بها النار تذكو

في دهور وراءهنَّ دهور

إنما المهلُ ماؤها فهو يغلي

والهواء الذي يهب الحرور

تلك فيها للمجرمين عذابٌ

تلك فيها للكافرين سعير

إن من كان كافراً فهو فيها

وإن اعتاد أن يبرَّ خسير

هو في نارها الشديدة حرا

ن وفي زمهريرها مقرور

قلت مهلاً يا أيها الملك المُل

حِف مهلاً فإن هذا كثير

كان إيماني في شبابي جمّاً

ما به نزرةٌ ولا تقصير

غير أنَّ الشكوك هبَّت تلاحي

ني فلم يستقرَّ مني الشعور

ثم عادَ الإيمان يقوى إلى أن

سلَّه الشيطان الرجيمُ الغرور

ثم آمنت ثم ألحدتُ حتى

قيل هذا مذبذب ممرور

ثم دافعت عنه بعد يقينٍ

مثلما يفعل الكميُّ الجسور

وتعمَّقتُ في العقائد حتى

قيل هذا علامةٌ نحرير

ثم إني في الوقت هذا لخوفي

لست أدري ماذا اعتقادي الأخير

لم يُربني أمرُ الصراط مقاماً

فوق وادٍ من الجحيم يفور

غير أني أجل ربي من إت

يانِ ما يأباه الحجى والضمير

فإذا صح أنه كغرار ال

سيفِ أو شعرةٍ فكيف العبور

لا تخل أن عبر جسرٍ دقيق

ذرعه آلاف السنين يسير

إنَّ ألفاً منه صعودٌ وألفاً

ذو استواءٍ سمح وألفاً حدور

إنها شقةٌ تطول فلا يق

طعها إلا البهمةُ المحضير

ولعل الذين ضحوا بأكبا

ش عليهم بها يهون المرور

أنا لو كنت بالبعير أضحي

سار بي مرقلاً عليه البعير

ولو اَني ركبت صهوة يعفو

رٍ مضى بي يستعجلُ اليعفور

ولو اَني هويتُ لا سمح الرح

مَن منه فيها لساءَ المصير

لا يطيب الخلود في لجج النا

ر فإن الخلود شيءٌ كثير

ربنا لا ترسل علينا عذاباً

ليس فينا على العذاب صبور

ربنا ارفق بنا فإنا ضعافٌ

ما لنا من حولٍ وأنت القدير

قال ماذا رأيت في الجن قبلاً

ومن الجن صالح وشرير

ثم في جبريل الذي هو بين ال

لَهِ ذي العرش والرسول سفير

ثم في الأبرار الملائك حول ال

عرشِ والعرش قد زهاه النور

فتدوي السماء في السمع من تس

بيحهم مثلما يدوي القفير

ثم في الخناسِ الذي ليس من وس

واسه في الحياة تخلو الصدور

والعفاريت ذاهبين عراةً

تجفل الوحشُ منهمُ والطيور

والشياطين مفسدين بهم قد

ضلَّ ناسٌ هم الفريق الكبير

قلت لله في السماوات والأر

ضِ وما بينهن خلقٌ كثير

غير أني أرتابُ في كل ما قد

عجز العقل عنه والتفكير

لم يكن في الكتاب من خطأٍ كَل

لا ولكن قد أخطأ التفسير

قال هل في السفور نفعٌ يرجَّى

قلت خيرٌ من الحجاب السفور

إنما في الحجاب شلٌّ لشعبٍ

وخفاءٌ وفي السفور ظهور

كيف يسمو إلى الحضارة شعبٌ

منه نصفٌ عن نصفه مستور

ليس يأتي شعب جلائلَ ما لم

تتقدم إناثه والذكور

إنَّ في رونق النهار لناساً

لم يَزُل عن عيونها الديجور

قال هل في الإله عندك شك

قلت لا والذي إليه المصير

قال ماذا هو الإله فهل أن

ت مجيبي كما يجيب الخبير

قلت إنَّ الإله فوق منال ال

عقل منا وهو العزيز الكبير

إنما هذه الطبيعة ذات ال

لاتناهي كتابُهُ المسطور

إنها للإله سفرٌ قديمٌ

ذو فصول والكائناتُ السطور

ولقد قال ناعتوه هو العا

لم منا بما تكنُّ الصدور

إنه في الجبال والبر والبح

ر من الأرض والسماوات نور

فله الأرض ما لها من سكون

والسماوات ما بهنَّ فطور

كل حيٍّ به يعيش ويردى

وكما قد أراد تجري الأمور

إنه واهبُ الوجود فلولا

ه لما كان للوجود ظهور

إنه واجبُ الوجود فقد كا

ن ولا عالمٌ ولا دستور

عرشه في السماء وهو عليه

مستوٍ ما لأمره تغيير

وهو يهتز للمعاصي كما يه

تزُّ في زرقة الصباح السرير

وهو إن قال كن لشيءٍ يكون ال

شيءُ من فوره فلا تأخير

إن هذا ما قد تلقنته وال

قلبُ من شكهِ يكادُ يخور

قلت ما قلت ثم إنك لا تد

ري أحقٌّ ما قلته أم زور

وأرى في الصفات ما هو للَ

هِ تعالت شؤونه تصغير

ما عقابي من بعد ما صح نقلاً

أنَّ ما قد أتيتهُ مقدور

قال ما ذاته فقلت مجيباً

بلسانٍ قد خانه التفكير

إنني لا أدري من الذات شيئاً

فلقد أسدلت عليها الستور

إنما علمي كله هو أن ال

لَهَ حي وأنه لا يبور

ما لكل الأكوان إلا إلهٌ

واحدٌ لا يزول وهو الأثير

منه هذا الوجود فاضَ عميماً

وإليه بعد البوار يصير

ليس بين الأثير والله فرقٌ

في سوى اللفظ إن هداك الشعور

وبحبسي أني صدعتُ بما أد

ري على علمي أنه سيضير

وإذا لم أرد لأبسط رأيي

في جوابي فإنني معذور

ليس لي في ما جئته من خيارٍ

إنني في جميعه مجبور

وإذا كان منه كفري وإيما

ني فإن الجزاءَ شيءٌ نكير

أللهو والله ليس بلاهٍ

أم لجورٍ والله ليس يجور

أمنَ الحقِّ خَلقُ إبليس وهو ال

مستبدُّ المضلِّلٌ الشرير

إنه يلقي في النفوس شكوكاً

ذات أظفارٍ نزعهنَّ عسير

إنما في الدارين عسفٌ وحيفٌ

غير أنَّ السماءَ ليست تمور

فلناس تعاشةٌ وشقاءٌ

ولناسٍ سعادةٌ وسرور

أمن السهل أن أغيرَ قلبي

بعد ما في فَوديَّ بان القتير

قال إني أرى بخدك تصعي

را فهل أنت يزدهيك الغرور

قلت من مات لا يصعِّر خداً

ليس بالموتى يخلق التصعير

إنني أخشى الظالمين فلا أف

ضي إليهم بما برأسي يدور

أي ذي مسكةٍ يقول صريحاً

وعليها سيف الأذى مشهور

لا تكونا عليَّ فظَّين في قب

ري فإني شيخٌ بعطفٍ جدير

إنَّ قول الحقِّ الصراح على الأح

رار حتى في قبرهم محظور

فدعاني في حفرتي مستريحاً

أنا من ضوضاء الحياة نفور

أتعبتني الأيام إذ كنت حيا

فأنا اليوم للسكون فقير

أتركاني وحدي ولا تزعجاني

بزياراتٍ ما بهنَّ سرور

اتركاني ولا تزيدا عنائي

بسؤالٍ فإني موتور

لم تُصَنْ من جراءة المستبدي

نَ عَلى الهالكين حتى القبور

كيف أفضيتما إليَّ بقبري

وعليه جنادلٌ وصخور

قلت لما هبطتُ أعماقَ قبري

ليس خيراً من البطون الظهور

وإذا القبر ضيقٌ بذويه

وإذا القبر فيه كربٌ كثير

إنما الدائراتُ في كل وقتٍ

ومكانٍ على الضعيف تدور

قال هذا هو الهراء وما إن

لاحتجاجٍ تلغو به تأثير

قلت في غصةٍ إذن فاصنعا بي

ما تريدانه فإني أسير

عذَّباني هنا إذا شئتما أو

ألقياني في النار وهي تثور

كنتُ لا أدري يوم كنت على الأر

ض طليقاً أن الحياة غرور

وسأمشي إلى جهنمَ مدفو

عاً وخلفي كالسيل جمٌّ غفير

إنما قد سألتما عن أمورٍ

هي ليست تغني وليست تضير

ولماذا لم تسألا عن ضميري

والفتى من يعف منه الضمير

ولماذا لم تسألا عن جهادي

في سبيل الحقوق وهو شهير

ولماذا لم تسألا عن ذيادي

عن بلادي أيامَ عز النصير

ولماذا لم تسألا عن وفائي

ووفائي لمن صحبت كثير

ولماذا لم تسألا عن مساعي

يَ لإبطال الشرِّ وهو خطير

عن دفاعي عن النساء عليهن

نَ من الشقوة الرجال تجور

وسلاني عما نظمت من الشع

ر فبالشعر يرتقي الجمهور

وسلاني عن نصري الحقَّ وثا

باً به وهو بالسؤال جدير

إنما الشعر سُلَّمٌ للمعالي

ثم فيه لأمةٍ تحرير

إنه تارةً لقومٍ غناءٌ

ليناموا وتارةً تحذير

وسلاني عن جعلي الصّدق كالصخ

ر أساساً تبنى عليه الأمور

إنما الصدق فاسألاني عنه

خيرُ ما تنطوي عليه الصدور

وسلاني عن حفظي الفن من أن

يعتريه قبل التمام الدثور

أسكوتٌ عن كلِّ ما هو حقٌّ

وسؤالٌ عن كلِّ ما هو زور

قال كل الذي عرضت علينا

أيها الشيخ الهِمُّ شيءٌ حقير

نحن لسنا بسائلين سوى ما

كان حول الدين المبين يدور

فأفدنا إن كنت ذا صلةٍ بال

دين واذكر ماذا هو التقدير

ثم زد ما تقول في جبل القا

ف أحقٌّ فحواه أم أسطور

جبلٌ من زمردٍ نصفُ أهلي

ه ذوو إيمان ونصفٌ كفور

جبلٌ إن أرسلت طرفاً إليه

رجع الطرف عنه وهو حسير

وبياجوجَ ثم ماجوج والسد

دِ وإنكارُ كلّ هذا غرور

وبهاروت ثم ماروتَ والسح

ر الذي أسدلت عليه الستور

قلت ما لي بكل ذلك علمٌ

فبجحدي عقلي عليَّ يشير

كنت حياً فمت والموت حقٌّ

شاهداتٌ بما هناك القبور

كنت فوق التراب بالأمس أمشي

وأنا اليوم تحته مقبور

إنما الموت وهو لا بُدَّ منه

سُنَّةُ الله ما لها تغيير

قال دع عنك ذا وقل لي من رب

بكَ من قبل أن يسوءَ المصير

قلت أمهلني في الجواب رويداً

إنني الآن خائفٌ مذعور

لا تكن قاسياً عليَّ كثيراً

أنا شيخ مهدَّمٌ مأطور

كان ظني أنَّ الأثيرَ هوَ الر

بُّ كريماً يمدني ويجير

لم يزل لي عقيدة ذاك حتى

حال من هول القبر فيَّ الشعور

إنك اليوم أنت وحدك ربي

بك أحيا في حفرتي وأبور

إنك الجبارُ الذي سوف تبقى

تحت سلطانك العظيم القبور

قال ما أنت أيها الرجسُ إلا

ملحدٌ قد ضلَّ السبيلَ كفور

ما جزاءُ الذين قد كفروا إل

لا عذابٌ برحٌ وإلا سعير

ثم تلَّاني للجبين وقالا

ليَ ذق أنت الفيلسوف الكبير

قلت صفحاً فكل فلسفتي قد

كان مما يمليه عقلي الصغير

ثم قولي من بعدها أنت ربي

هو مني حماقة وقصور

لم تكن أقوالي الجريئة إلا

نفثاتٍ يرمي بها المصدور

قد أسأتُ التعبير فالله ربي

ما له في كل الوجود نظير

فأجاباني قائلين بصوتٍ

لا يسر الأسماعَ منه الهدير

قضي الأمر فاستعدَّ لضربٍ

منه تدمى بعد البطون الظهور

لا يفيد الإيمان من بعد كفرٍ

وكذا جَد الطائشين عثور

وأمضَّاني بالمقامع ضرباً

كدت منه في أرض قبري أغور

لم يكن فيهما يثير حناناً

جسدٌ لي دام ودمعٌ غزير

ولقد صحتُ للمضاضة أبغي

لي مجيراً وأين مني المجير

ثم صبَّا بقسوةٍ فوق رأسي

قَطِراناً لسوء حظي يفور

فشوى رأسي ثم وجهي حتى

بان مثل المجدور فيه بثور

ثُمَّ أحسست أنَّ رأسي يغلي

مثلما يغلي بالوقود القدور

وقد اشتدت الحرارة في قب

ري حتى كأنه تنور

وأطالا فيه عذابي إلى أن

غاب وعيي وزال عني الشعور

ثم لما انتبهت ألفيت أني

موثقٌ من يدي وحبلي مرير

ثم طارا بي في الفضاء إلى الجن

نَةِ حتى يغري بلومي الضمير

ما أرادا إلا عذاب ضميري

بعد أن إيفَ جسمي المقطور

وأسرَّا في إذن رضوان شيئاً

فأباح الجواز وهو عسير

لمست إذ دخلتها الوجه مني

نفحةٌ فاح عطرها والعبير

أخذتني منها المشاهدُ حتى

خلتُ أني سكرانُ أو مسحور

جنةٌ عرضها السماوات والأر

ض بها من شتى النعيم الكثير

فطعام للآكلين لذيذٌ

وشرابٌ للشاربين طهور

سمكٌ مقليٌّ وطيرٌ شويٌّ

ولذيذ من الشواءِ الطيور

وبها بعد ذلكم ثمراتٌ

وبها أكوابٌ وفيها خمور

وبها دوحةٌ يقال لها الطو

بى لها ظل حيث سرت يسير

تتدلَّى غصونها فوق أرضٍ

عرضها من كل النواحي شهور

وجرت تحتها من العسل المش

تارِ أنهارٌ ما عليها خفير

ومن الخمرة العتيقة أخرى

طعمها الزنجبيلُ والكافور

ومن الألبانِ اللذيذةِ ما يش

ربه خلقٌ وهو بعد غزير

ثم للسلسبيل يطفحُ والتس

نيمِ ماءٌ يجري به التفجير

وجميع الحصباء درٌّ وياقو

تٌ وماسٌ شعاعه مستطير

كل ما يرغبون فيه مباحٌ

كلٌّ ما يشتهونه ميسور

وعلى أرضها زرابيُّ قد بُث

ثت حساناً كأنهن زهور

وعليها أسرَّةٌ وفراشٌ

مثلما يهوى المؤمنون وثير

وعلى تلكم الأسرة حورٌ

في حليٍّ لها ونعمَ الحور

ليس يخشين في المجانة عاراً

وإن اهتزَّ تحتهنَّ السرير

كل من صلى قائماً وتزكى

فمن الحورِ حظُّه موفور

ولقد يعطى المرءُ سبعين حورا

ء عليهن سندسٌ وحرير

يتهادين كالجمان حساناً

فوق صرحٍ كأنه بلور

حبذا أجيادٌ تلعن وأنظا

رٌ بها كل مبصرٍ مسحور

وخصورٌ بها ضمورٌ وأعجا

زٌ ثقالٌ تعيا بهن الخصور

و كأن الولدان حين يطوفو

ن على القوم لؤلؤٌ منثور

ائتِ ما شئته ولا تخشَ بأساً

لا حرامٌ فيها ولا محظور

إنَّ فيها من الحدائق غلباً

تتغنى من فوقهن الطيور

إنّ فيها جميع ما تشتهيه ال

نفس والعين واللها والحجور

فإذا ما اشتهيت طيراً هوى من

غصنه مشوياً وجاء يزور

طينها من فالوذج لا يمل ال

مرء منه فهو اللذيذ الغزير

وإذا رمت أن يحول لك التي

ن دجاجاً أتى إليك يطير

أو إذا شئتَ أن يصير لك الحص

باءُ دراً فإنه ليصير

إنَّ فيها مشيئة المرءِ تأتي

عجباً عنه يعجزُ الإكسير

ليس فيها موتٌ ولا موبقاتٌ

ليس فيها شمسٌ ولا زمهرير

لا شتاءٌ ولا خريفٌ وصيفٌ

أترى أن الأرض ليست تدور

جنة فوق جنةٍ فوق أخرى

درجات في كلهن حبور

وحياضٌ قد أترعت ورياضٌ

قد سقى الطلُّ زهرها وقصور

كل هذا وكل ما فوق هذا

فبه طرفُ القوم فيها قرير

ولقد حُلُّوا فوق ذلك فيها

فضةً في أساور تستنير

ولهم فيها نعمةٌ بعد أخرى

ولهم فيها لذةٌ وسرور

ولقد رمتُ شربةً من نمير

فتيممتُه ففرَّ النمير

وكأنَّ الماء الذي شئت أن أش

ربه بابتعادهِ مأمور

وتذكرت أنني رجلٌ جي

ءَ به كي يراع منه الشعور

أي حقِّ في أن أنالَ شرابي

بعد أن صَحَّ أنني مثبور

قلت عودا من حيث قد جئتما بي

إنما هذه لهمّي تثير

أنا راضٍ من البيوت بقبر

يتساوى عشيُّهُ والبكور

أيها القبرُ ارحم طوالع شيبي

أنا في كربتي إليك فقير

أخرَجاني منها وشدَّا وثاقي

بنسوعٍ كما يشدُّ البعير

ثم قاما فدلَّياني ثلاثاً

في صميم الجحيم وهي تفور

وأخيراً في جوفها قذفا بي

مثلما يقذفُ المتاعُ الحقير

لست أسطيع وصف ما أنا قد قا

سيتُ منها فإنه لعسير

ربي اصرف عني العذاب فإني

إن أكن خاطئاً فأنت الغفور

وكأنَّ الجحيم حفرةُ بركا

ن عظيمٍ له فمٌ مفغور

تدلعُ النارُ منه حمراء تلقي

حمماً راحَ كالشواظ يطير

ثم إني لها سمعتُ حسيساً

فاقشعرت منه برأسي الشعور

خالطته استغاثةُ القوم فيها

كهريرٍ إذا استمرَّ الهرير

إنها في أعماقها طبقاتٌ

بعضها تحت بعضها محفور

وأشدُّ العذاب ما كان في الها

وية السفلى حيث يطغى السعير

حيث لا ينصرُ الهضيمَ أخوهُ

حيث لا ينجِدُ العشيرَ العشير

الطعامُ الزقومُ في كل يومٍ

والشراب اليحمومُ واليحمور

ولقد يسقى الظامئون عصيراً

هو من حنظلٍ وساءَ العصير

ولها من بعد الزفير شهيقٌ

ولها من بعد الشهيق زفير

ولهم فيها كل يوم عذابٌ

ولهم فيها كلَّ يوم ثبور

ثم فيها عقاربٌ وأفاعٍ

ثمَّ فيها ضراغمٌ ونمور

يضرع المجرمون فيها عطاشاً

والضراعات ما لها تأثير

ولهم من غيظٍ تأجَّجَ فيهم

نظراتٌ شَرارُها مستطير

وقدت نارها تئزُّ فتغلي

أنفسٌ فوق جمرها وتخور

ولقد كانت الوجوهُ من الصا

لينَ سوداً كأنهن القير

ولقد كانت الملامح تخفى

ولقد كانت العيونُ تغور

لست أنسى نيرانها مائجات

تتلظَّى كأنهن بحور

ولقد صاح الخاطئون يريدو

ن نصيراً لهم وعزَّ النصير

وتساوى أشرافهم والأداني

وتساوى غنيُّهم والفقير

كنتُ أمشي فيها فصادفت ليلى

بين أترابٍ كالجمانِ تسير

فوق جمرٍ يشوي ونارٍ تلظَّى

وأفاعٍ في نابهنَّ شرور

وعيونُ الحسناء مغروقاتٌ

بدموعٍ فيها الأسى منظور

قلت ماذا يُبكي الجميلةَ قالت

أنا لا يبكيني اللظى والسعير

إنما يبكيني فراقُ حبيبي

وفراقُ الحبيب خطبٌ كبير

هو عني ناءٍ كما أنا عنه

فكلانا عمن أحبَّ شطير

فرقوا بيننا فما إن أرى اليو

مَ سميراً ولا يراني سمير

قذفوه في هوةٍ ليس منها

مخرجٌ للمقذوف فهي قَعور

أوه إن الفراق أصعب من كُل

لِ عذابٍ يشقى به الموزور

ولو اَنَّا كنا جيمعاً لخفَّ ال

خطبُ في قربه وهان العسير

لا أبالي ناراً وعندي حبيبي

كل خطبٍ دون الفراق يسير

قلتُ ماذا جنيتِ في الأرض حتى

كان حتماً عليك هذا المصير

فأجابت قد كان لي وسميراً

قبل أن نردى للجحيم نُكور

جهلنا للجحيم أوجب أنا

بعد أن نردى للجحيم نزور

ولقد أبصرتُ الفرزدقَ نضواً

يتلَّوى ووجهه معصور

وإلى جنبهِ يقاسي اللظى الأخ

طلُ مستعبراً ويشكو جرير

قلت ما شأنكم فقالوا دهانا

من وراء الهجاء ضرٌّ كثير

ولقد كان آخرون حوالَي

هم جثوماً وكلهم موتور

منهم العالم الكبير ورَبُّ ال

فن والفيلسوف والنحرير

لم أشاهد بعد التلفت فيها

جاهلاً ليس عنده تفكير

إنما مثوى الجاهلين جنانٌ

شاهقات القصور فيها الحور

غير قسمٍ هو الأقل سعى يصل

لِحُ حتى اهتدى به الجمهور

ثم حياني أحمدُ المتنبي

والمعريُّ الشيخُ وهو ضرير

وكلا الشاعرين بحرٌ خضمٌّ

وكلا الشاعرين فحلٌ كبير

ولقد كاد يخنقُ الغيظُ بشا

راً وفي وجهه الدميم بثور

وهو الشاعر الذي ظلَّ ما قا

ل طريفاً وإن طوته العصور

ويليهم أبو نواسٍ كئيباً

وهو ذاك الممراحةُ السكير

مثله الخيامُ العظيمُ ودَنْتِي

وإمامُ القريضِ شاكِسبير

ولقد كان لامرئ القيس بين ال

قوم صدرٌ وللملوك الصدور

قلت ماذا بكم فقالوا لقينا

من جزاءٍ ما لا يطيق ثبير

إننا كنا نستخفُّ بأمر ال

دين في شعرنا فساء المصير

وسمعت الخيام في وسط الجم

ع يغني فيطرب الجمهور

منشداً بينهم بصوتٍ شجيٍّ

قطعةً من شعرٍ غذاهُ الشعور

حبذا خمرةٌ تعين على الني

ران حتى إذا ذكت لا تضير

وتسلي من اللهيب فلا يب

قى متى شبَّ منه إلا النور

تشبه الخندريسُ ياقوتةً ذا

بت ففيها للناظرين سرور

وهي مثل النار التي تتلظى

ولها مثلما لهذي زفير

ثم إني بالخندريس لصبُّ

ومن النار والجحيم نفور

اسقني خمرةً لعلي بها أُرْ

جِعُ شيئاً مما سبتني السعير

أنتِ لو كنتِ في الجحيم بجنبي

لم ترعني نارٌ ولا زمهرير

ثم إني سمعت سقراط يلقي

خطبةً في الجحيم وهي تفور

وإلى جنبه على النار أفلا

طون يصغي كأنه مسرور

وأرسطاليسُ الكبيرُ وقد أغر

قَ منه المشاعرَ التفكير

ثم كوبرنيك الذي كان قد أف

همنا أن الأرض جرمٌ يدور

تتبع الشمس أينما هي سارت

وعليها مثل الفراش تطور

ثم دَرْوينُ وهو من قال إنا

نسلُ قردٍ قضت عليه الدهور

ثم هكْلٌ وبُخْنُرٌ وجِسَنْدي

ويليهم سبنْسرُ المشهور

ثم توماسُ ثم فِخْتُ ومنهم

اسبِنوزا وهُلْبَكٌ وجيور

ونيوتونُ الحبرُ ثم رِنانٌ

ثم روسّو ومثله فولتير

وزادشت ثم مزدك يأتي

وجموعٌ إمامهم أبقور

والحكيمُ الكندي ثم ابن سينا

وابنُ رشدٍ وهو الحفيُّ الجسور

ثم هذا أبو دلامةَ منهم

بعده الراوندي ثم نصير

وجماعاتٌ غيرهم كلُّهم جل

دٌ على نارها وكلٌّ صبور

كان سقراط أثبتَ القوم جأشاً

فهو ذو عزمٍ فائقٍ لا يخور

قال من بعد شرحه منشأ النا

ر وفي قوله إليها يشير

سوف يقضي فينا التطوُّرُ أن نق

وى عليها وأن تهونَ الأمور

إن في ذا الوادي السحيق عيوناً

ثرَّةَ للبترول منها يفور

ولقد تنضبُ العيونُ فلا نا

رٌ ولا ساعرٌ ولا مسعور

ثم لما أتمَّ خطبته عَج

جو له هاتفين وهو جدير

ورأيت الحلاجَ يرفع منه ال

طرفَ نحو السماء وهو حسير

قائلاً أنت اللهُ وحدك قيو

ماً وأما الأكوان فهي تبور

أنت من حيثُ الذات لست كثيراً

غير أنَّ التجليات كثير

إنك الواحدُ الذي أنا منه

في حياتي شرارةٌ تستطير

وبه لي بعد الظهور خفاءٌ

وله بي بعد الخفاء ظهور

ثم شئتَ العذاب لي ولماذا

لم تجرني منه وأنت المجير

كان في الدنيا القتل منهم نصيبي

ونصيبي اليوم العذاب العسير

قلت إن المقدور لا بد منه

أوَ حتى إن أخطأ المقدور

مكثوا حتى جاء منهم حكيمٌ

باختراعٍ لم تنتظرهُ الدهور

آلةٌ تطفئ السعيرَ إذا شا

ء فلا تحرقُ الجسومَ السعير

وأتى آخرٌ بخارقة يه

لكُ في مرة بها جمهور

واهتدى غيره إلى ما به الإن

سان يخفى فلا يراه البصير

ولقد قام في الأخير فتى يخ

طب فيهم والصوت منه جهور

فأحاطت به الملايين يصغو

نَ إليه وكلُّهم موتور

قال يا قومنا جهنمُ غصت

بالألى يظلمون منكم فثوروا

قال يا قومنا أرى الأمر من سو

ءٍ إلى الأسوأ الأمضِّ يسير

قال يا قومنا احتملتم من الحي

فِ ثقالاً يعيا بهنَّ البعير

قال يا قوم إن هذا الذي أن

تُمْ تقاسونه لشيءٌ كثير

قال يا قوم إننا قد ظُلمنا

شرَّ ظلم فما لنا لا نثور

ومن الناس من قضى الله أن يك

فر والموتُ منه دانٍ يزور

فهل الحقُّ أن يُخلَّد في النا

ر على كفرِ ساعةٍ مجبور

قال يا قوم لا تخافوا فما فو

ق شرور تكابدونَ شرور

اجسروا أيها الرفاق فما نا

ل بعيدَ الآمال إلا الجسور

إنما فازَ في الجهاد من النا

س بآماله الكبار الكبير

أنتم اليوم في جهنم أسرى

وليكن منكمو لكم تحرير

قاوموا القوة التي غشمت بال

مِثل والدهر للقوي ظهير

أنتم اليوم الأكثرون وأما

عدد الحارسين فهو صغير

أي شيء نخاف منهم وإنا

لو تحديناهم لجمٌّ غفير

أيها الناس دافعوا عن حقوقٍ

غصبوها والكاثرُ المنصور

ألأهل الجحيم بؤسٌ وتعسٌ

ولمن حلَّ في الجنانِ سرور

ألنا أسفلُ الجحيم مقامٌ

ولهم في أعلى الجنانِ قصور

كل ما قد أصابكم من عذابٍ

فله ممن في السماءٍ صدور

إنّ أهل القضاء ما أنصفوكم

فكأنَّ القلوبَ منهم صخور

زحفوا ثائرين من كل صوبٍ

في صفوفٍ كأنهنَّ سطور

للأناشيد ينشدون بصوتٍ

في النفوس الحرَّى لها تأثير

غصبوا حقكم فيا قوم ثوروا

إنَّ غصبَ الحقوق ظلمٌ كبير

غصبوا حقنا ولم ينصفونا

إنما نحن للحقوق نثور

لكم الأكواخ المشيدةُ بالنا

رِ وللبلهِ في الجنان القصور

غصبوا حقنا ولم ينصفونا

إنما نحن للحقوق نثور

إن خضعتم فما لكم من نصيبٍ

في طوال الدهور إلا السعير

إنهم قد جاروا عليكم أشدَّ ال

جور منهم وما لهم أن يجوروا

قد خدمنا العلوم شتى بدنيا

نا فهل من حسن الجزاء السعير

كان في تلكم اضطهادٌ وقتلٌ

ثم في هذه العذابُ الدهير

فعلا من أهل الجحيم ضجيجٌ

رجف الوادي منه والساعور

ولقد هاجوا في الجحيم وماجوا

كخضم مرّت عليه الدَّبور

أطفأوا جمرةَ الجحيم فكانت

فتنة ما جرى بها التقدير

ثورةٌ في الجحيم أرجفت العر

شَ وكادت منها السماءُ تمور

لبسوا عدة الكفاح وساروا

في نظامٍ أتمهُ التدبير

غصبوا حقنا ولم ينصفونا

إنما نحن للحقوق نثور

ما حياةُ الإنسان إلا جهادٌ

إنما تؤثرُ السكون القبور

غصبوا حقنا ولم ينصفونا

إنما نحن للحقوق نثور

إنما النار للذين لديهم

قد تسامى الإحساسُ بئس المصير

غصبوا حقنا ولم ينصفونا

إنما نحن للحقوق نثور

ولقد أسرعت زبانيةُ النا

ر إليهم وكلهم مذعور

يا لها في الجحيم حرباً ضروساً

ما لها في كل الحروب نظير

ولقد عاضد الذكور إناثٌ

ولقد عاضد الإناثَ الذكور

ولقد كانوا يفتكون ولا يب

صر منهم مهاجمٌ أو مغير

ولقد كانت البطونُ تَفَرَّى

ولقد كانت الرؤوس تطير

ثم جاءتِ الشياطين أنصا

راً وما جيش الماردين حقير

كان إبليس قائداً للشياطي

ن وإبليسُ حيث كان قدير

ولقد جاء من ملائكةِ العر

شِ لإرجاعِ الأمن جمٌّ غفير

والذي قد قاد الملائك منهم

هو عزرائيلُ الذي لا يخور

فهي بين الملائك البيض صفَّاً

والشياطينُ السودُ صفاً تثور

وتلاقى فوق الجحيم الفريقا

ن وهذا نارٌ وهذا نور

فصدامٌ كما تصادمُ أجبا

لٌ رَواس ومثلهنَّ بحور

وصراخُ الجرحى إلى العرش يعلو

وجروح المجندلين تفور

يترامون بالصواعقِ صفَّي

نِ فيشتدُّ القتلُ والتدمير

حارَبوا بالرياح هوجاً وبالإع

صارِ في ناره تذوب الصخور

حاربوا بالبروق تومض والرع

د فيغلي من صوته التامور

حاربوا بالبحار تلقى على الجي

ش بِحولٍ وماؤها مسعور

حاربوا بالجبال تقذفُ بالأي

دي تباعاً كأنهن قشور

بالبراكين ثائرات جرت من

حممٍ فيها أبحرٌ ونهور

وقد اهتزَّ عرشُ ربك من بع

د سكونٍ والدائراتُ تدور

ولقد كادت السموات تهوي

ولقد كادت النجوم تغور

كانت الحرب في البداءِ سجالاً

ما لصبح النصر المبين سفور

ثم للناظرين بان جليّاً

أن جيش الملائك المنصور

هزموهم إلى معاقلهم في ال

ليلِ حتى بدا الصباحُ المنير

ولأهل الجحيم تمَّ بإنجا

د الشياطين في القتال الظهور

فاستراحوا من العذاب الذي كا

نوا يقاسونه وجاء السرور

لم يخوضوا غمارها قبل أن تح

كم فيها الآراء والتدبير

ثم طاروا على ظهور الشياطي

ن خفافاً كما تطيرُ النسور

يطلبون الجنان حتى إذا ما

بلغوها جرى نضالٌ قصير

ثم فازوا بها وقاموا بما يو

جبهُ النصر والنهى والضمير

طردوا من بها من البلهِ واحتَل

لوا القصورَ العليا ونعم القصور

غير من كانوا مصلحين فهذا ال

قسم منهم بالإحترام جدير

فرَّ رضوان للنجاة ومن أت

باعِ رضوان مسرعاً جمهور

وأقاموا لفتحهم حفلةً أع

قبها منهم الهتافُ الكثير

إنه أكبرُ انقلابٍ به جا

دت على كرها الطويلِ الدهور

وتنبهت من مناميَ صبحاً

وإذا الشمس في السماء تنير

وإذا الأمر ليس في الحقِّ إلا

حُلُماً قد أثارَهُ الجرجير

شرح ومعاني كلمات قصيدة بعد أن مت واحتواني الحفير

قصيدة بعد أن مت واحتواني الحفير لـ جميل صدقي الزهاوي وعدد أبياتها أربعمائة و اثنان و ثلاثون.

عن جميل صدقي الزهاوي

جميل صدقي بن محمد فيضي بن الملا أحمد بابان الزهاوي. شاعر، نحى منحى الفلاسفة، من طلائع نهضة الأدب العربي في العصر الحديث، مولده ووفاته ببغداد، كان أبوه مفتياً، وبيته بيت علم ووجاهة في العراق، كردي الأصل، أجداده البابان أمراء السليمانية (شرقي كركوك) ونسبة الزهاوي إلى (زهاو) كانت إمارة مستقلة وهي اليوم من أعمال إيران، وجدته أم أبيه منها. وأول من نسب إليها من أسرته والده محمد فيضي. نظم الشعر بالعربية والفارسية في حداثته. وتقلب في مناصب مختلفة فكان من أعضاء مجلس المعارف ببغداد، ثم من أعضاء محكمة الاستئناف، ثم أستاذاً للفلسفة الإسلامية في (المدرسة الملكية) بالآستانة، وأستاذاً للآداب العربية في دار الفنون بها، فأستاذاً في مدرسة الحقوق ببغداد، فنائباً عن المنتفق في مجلس النواب العثماني، ثم نائباً عن بغداد، فرئيساً للجنة تعريب القوانين في بغداد، ثم من أعضاء مجلس الأعيان العراقي، إلى أن توفي. كتب عن نفسه: كنت في صباي أسمى (المجنون) لحركاتي غير المألوفة، وفي شبابي (الطائش) لنزعتي إلى الطرب، وفي كهولي (الجرىء) لمقاومتي الاستبداد، وفي شيخوختي (الزنديق) لمجاهرتي بآرائي الفلسفية، له مقالات في كبريات المجلات العربية. وله: (الكائنات -ط) في الفلسفة، و (الجاذبية وتعليها -ط) ، و (المجمل مما أرى-ط) ، و (أشراك الداما-خ) ، و (الدفع العام والظواهر الطبيعية والفلكية-ط) صغير، نشر تباعاً في مجلة المقتطف، و (رباعيات الخيام-ط) ترجمها شعراً ونثراً عن الفارسية. وشعره كثير يناهز عشرة آلاف بيت، منه (ديوان الزهاوي-ط) ، و (الكلم المنظوم-ط) ، و (الشذرات-ط) ، و (نزغات الشيطان-خ) وفيه شطحاتة الشعرية، و (رباعيات الزهاوي -ط) ، و (اللباب -ط) ، و (أوشال -ط) .[١]

تعريف جميل صدقي الزهاوي في ويكيبيديا

جميل صدقي بن محمد فيضي ابن الملا أحمد بابان الزهاوي (1279 هـ - 1354 هـ / 1863 - 1936 م): شاعر، من طلائع نهضة الأدب العربي في العصر الحاضر، وهو علم من أعلام الشعر العربي الحديث، ورائد من روّاد التفكير العلمي والنهج الفلسفي. مولده ووفاته ببغداد، كان أبوه مفتيها. وبيته بيت علم ووجاهة في العراق. كردي الأصل، أجداده البابانيون أمراء السليمانية، ونسبة الزهاوي إلى (زهاو) كانت إمارة مستقلة وهي اليوم من أعمال إيران، وجدته أم أبيه منها. وأول من نسب إليها من أسرته والده محمد فيضي الزهاوي.تلقى العلم على يدي أبيه مفتي بغداد، وفي مدرسته التي عُرفت بما تدرسه من العلوم الشرعية الإسلامية والأدب العربي. نظم الشعر بالعربية والفارسية في حداثته. وتقلب في مناصب مختلفة فكان من أعضاء مجلس المعارف ببغداد، ثم من أعضاء محكمة الاستئناف، ثم أستاذا للفلسفة الإسلامية في (المدرسة الملكية) بالآستانة، وأستاذا للآداب العربية في دار الفنون بها، فأستاذا للمجلة في مدرسة الحقوق ببغداد، فنائبا عن المنتفق في مجلس النواب العثماني، ثم نائبا عن بغداد، فرئيسا للجنة تعريب القوانين في بغداد، ثم من أعضاء مجلس الأعيان العراقي، إلى أن توفي.

[٢]

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي