تاريخ الآداب العربية (لويس شيخو)/أدباء الإسلام في ختام القرن التاسع عشر

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

أدباء الإسلام في ختام القرن التاسع عشر

أدباء الإسلام في ختام القرن التاسع عشر - تاريخ الآداب العربية (لويس شيخو)

أدباء الشام

كان التقدم بين المسلمين في رفع لواء الآداب في ختام القرن التاسع عشر لأهل الشام فقد أشتهر بينهم بعض الأفراد اللذين لا يزال أسمهم إلى يومنا شريفاً مكرماً فنذكرهم إقراراً بفضلهم.

الشيخ يوسف الأسير

ولد الشيخ يوسف ابن السيد عبد القادر الحسيني الأسير في صيداء سنة 1230 ( 1815 ) فتلقى في وطنه مبادئ العلوم العقلية والنقلية عن علماء الأزهر.وبعد سبع سنين عاد إلى الشام وسكن في كثير من مدنها يتعاطى العلوم الفقهية وتولى في الأستانة رئاسة التصحيح في دائرة نظارة المعارف لكنه آثر العود إلى وطنه وتفرغ للتأليف في الفرائض والأبحاث الفقهية وخرج في الفقه كثيرين من الأحداث وعلم مجدة في مدرسة الحكمة وكان زكي الفؤاد فصيح اللسان يجيد النثر والنظم ومن آثاره الأدبية التي خلفها شرح أطواق الذهب للزمخشري وكانت وفاته سنة 1307 2 كانون الأول 1889 وللشيخ يوسف الأسير موشحات وقصائد متفرقة وأبيات حكمية جمعها في ديوانه الروض الأريض الذي في بيروت سنة 1306.ومن حسن أقواله ما وصف به الشعر الجيد وناظمه.

خليليَّ كم قد جدَّ في الناس شاعرُ

وليس لهُ بيتٌ من الشعر عامرُ

وأحسنُ شعر ما نراهُ مهذَّباً

بليغاً بهِ يلتذُّ باد وحاضرُ

بهِ تطرب الأسماع من كل مُنشدٍ

وتجري بهِ الأمثالُ وهي سوائرُ

ولم ير غبناً من شراهُ بمالهِ

وفيهِ بلا شكُ تُسرُّ السرائرُ

وله في وصف له بعد أن فاز بالدستور بعد مذابح سنة 1860:

ترى لبنان أهلاً التهاني

فقد نال الأمان مع الأماني

وأضحى جنةً من حلَّ فيهِ

قريرَ العين مسرور الجنانِ

وجدّت العلوم بهِ دروسٌ

وكانت في الدروس وفي التواني

وللأخبار قد وُجدت سلوك

كذاك طبع ذي الصحف الحسان

ومَن ورَدَ الشريعة فيهِ يصدرْ

بحقّ كاملَ في ذا الأوانِ

وذاك بهمّة الشهم المسمّى

بداودِ سليمان الرمان

عظيم الشأن ذو همة العوالي

وذي الرأي المصيب بكل شأنِ

سديد الحزم ممدوح المعالي

شديد العزم محمود المعاني

ومن مدحه قوله في أسرة بني العطار في دمشق:

يا بني العطَّار يا عطرَ دَمشقٍ

قد ملكتم بمزيد اللطف رّقي

فاحَ في الكون شذاكم فائقاً

طيبَ ورْد الروض في نشر ونشق

أسَماء المجد سامٍ فرعُكم

ولكم أصل نما من خير عرقٍ

طفْلُكم نجمٌ وبدرٌ كهلكم

ثم أن الشيخ منكم شمسُ أُفق

يا بدور الشام يا أهل العلا

ضوءكم لاح بغرب وبشرقِ

سدتُم الناس بعلم وتُقىً

وبمعروف وإحسان ورفقِِ

فإذا رام مجاراةً لكم

ذو اعتلاءِ فلكم أَقصاب سبق

حبَّذا الأسرة أنتم في الورى

يا سَراةً أحرزوا كل ترّقي

أنا لا أبرح أشدو بناسمكم

حاكياً في ورَقي تغريد وُرْقِ

زادكم ربي علوماً وهُدى

مع رغيد العيش في أوسع رزقي

وأفتتح رثاء شريفٍ بقوله:

إنما موقتي كإطلاق أَسْري

حيث أي لرحمة الله اسري

إنَّ أكدار هذه الدار يتلو

بعضُها البَعْضَ كأمواج بحرِ

ألفَت أنفسُ البرَّية أجسا

ماً ودنيا قد فارقتها بحَبْرِ

همُ فيها مثل الأجنّة في الأر

حامِ يُستخرجون منها بقَسْرِ

وهي كالفُلْك قد أُعدَّ لنقلِ

أو هي الجسر قد أُعدَّ لعَبرِ

أنس الغافلون فيها وأُنسوا

إنها لا تكون دارَ مقِرّ

لو درى الغافلون فيها بقاءَ

أيقنوا أنهم بأعظم خسرٍ

هي دار السلام ما تشتهي الأنف

سُ فيها من كل خير وبرٍّ

لا يَملُّ الإنسانُ فيها مقاماً

إذ تخلَّت من كل شرٍّ وضرّ

وللشيخ يوسف مراسلات نثرية وشعرية مع أدباء زمانه تجدها في تآليفهم كالشيخ إبراهيم الأحدب وأحمد أفندي الشدياق.وقد مدحه الشيخ ناصيف بقصيدة يقول فيها.

أسيرَ الحقّ في ُحكْمٍ تساوى

فما يُدرَي الحبيبُ من البغيضِ

يقلبُ في المسائل كلّ طَرْفِ

ويَلقي الناسَ بالطَرْفِ الغضيضِ

إمام الشعر يبتدع القوافي

ويأمن من دونّها حَوْل القَريضِ

يقلّ لهُ الثناء ولو أخذنا

قوافَيهُ من الروضِ الأريضِ

ولما توفي قال فيه الشعراء مراثي عديدة جمعها الشيخ قاسم الكستي في مجوع نشر بالطبع.

الشيخ إبراهيم الأحدب

كان مولده في طرابلس الشام سنة 1242 ( 1826 ) وطلب العلوم اللسانية والأدبية منذ نعومة أظافره فبرع فيها.ثم عكف على التدريس في طرابلس وبيروت فعد فيها من نوابغ عصره فتأب إليه الأدباء وأقبل عليه الأعيان والحكام وقلدوه المناصب الخطيرة كنيابة الأحكام ورئاسة الكتابة.ثم تعين كرئيس لكتاب محكمة بيروت فتعاطى شؤونها نيفاً وثلاثين سنة.وكان أحد أعضاء مجلس المعارف في الثغر فامتاز فيه بسعة آدابه وحسن ذوقه.وقد حرر مدة ثمرات الفنون فأودعها كثيراً من أثمار آدابه.وكانت وفاته في رجب في سنة 1308 ( 1891م ).وقد أبلغ تآليفه الأدبية نحو العشرين نشر منها في مطبعتنا الكاثوليكية كشف المعاني والبيان عن رسائل بديع الزمان وكتاب فرائد اللآل في مجمع الأمثال الذي نظم فيها أمثال الميداني وقد أتقن طبعه فجاء كطرفة بين المطبوعات العصرية.وكان الشيخ إبراهيم الأحدب قريحة شعرية غريبة حتى أن مجموع أبيات قصائد يكاد يبلغ ثمانين ألف بيت.فله ثلاثة دواوين ومقامات جارى فيها العلامة الحريري عددها 80 مقالة وألّف عدة تآليف كروايات أدبية ومناظرات ورسائل ومجاميع حكمية ومقالات مسجعة وغير ذلك مما عدده نجلاه الأديبان في مقدمة مجمع الأمثال.ومن شعره ما قاله يمدح الأمير عبد القادر الجزائري:

إني بمدح ابن محبي الدين ذو هممٍ

غدا نظامي بها في أرفع الدرج

وفي مآثر عبد القادر أطَّردت

أبياتُ شعري فراقت كلَّ مبتهجِ

غوث الثريل وغيثٌ فيضُ نائلهِ

من الأناملُ يجري الدرَّ في خلُجِ

شمس أنارت بلاد الشرق فابتهجت

سورَّية بسناها الفائق البَهَجِ

في الكون آثارهُ كالمك قد نفحت

إلاّ لمزكومِ طبعٍ عُدَّ في الهمجِ

لله غربُ حسامٍ منهُ قد شُهدت

في الغربُ آثاره كالصبح في البلجِ

لا زلتَ تهدى لك الأمداح ما طَلعتْ

شمسٌ بنورك تغنينا عن السُّرجِ

وقال في الرجز ناظماً بعض أمثال رويت لأبي بكر الصدّيق:

يقرنُ رّبي الوَعْد بالوعيد كي

يضرْهَبَ عبدٌ راغبٌ في كل متي

ليست مع العزا مصيبةٌ إلا

تَعزَّ يا سامي بما قد نزلا

الموتُ ممَّا قبلَهُ أشدُّ

مع أنَّهُ أهونُ ممَّا بَعْدُ

قد ذلَّ قومٌ أَسْندوا أْمرَهم

لاِمرأةٍ حيث جنَوا ضُرَّهمُ

إنَّ عليك أبداً عيوناً

تراك ممن جلَّ فالْزَم دينا

ورِحم الله أمرنا أعانا

أخاهُ بالنفس وما أهانا

والنفسَ أَصْلحْ يصْلح الناسُ لكا

وافعل جميلاً يَغدُ خيراً فعلكا

أبو الحسن الكستي

هو الشيخ أبو الحسن قاسم بن محمد الكستي أصله من بيروت وفيها اشتهر نحو أربعين سنة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر كان مولده نحو السنة 1840 أخذ الآداب عن أئمة زمانه فلما رسخت فيها قدمه صار مرشداً لغيره وتعاطى التدريس مدة بين مواطنيه من أهل ملته.وقد مات الكستي في منتصف السنة 1909 لكنا أتبعناه بالشيخين السابقين إذ اشتهر معهما وجاراهما في الأدب ومعظم كتاباته في عهدهما.ومن آثار فضله ديوانان أحدهما ديوان مرآة الغريبة طبع على نفقة السيد سليم رمضان سنة 1279 ( 1880 ) افتتحه بقصيدة ابتهالية هذا أولها:

إليك رفعنا الأمر يا من لهُ الأمرُ

فمن فضلك الإحسان والنفعُ والضرُّ

تعطَّف وجُد بالخير يا خَير منعمٍ

على كَسْرنا يا من به يحصُل الجَبرُ

عليك اعتمادُ الخلق في كل أمةٍ

وبابك مقصودٌ به الفتحْ والنصرُ

فقلت لنا ادْعوني دعوناك ربنا

أجب سؤالنا بالخير يا ربُّ برُّ

والديوان ترجمان الأفكار طبع سنة 1299.ومن شعره ما مدح به سعيد باشا عزيز مصر لما قدم إلى بيروت:

عزيز مصرٍ سعيدْ الوقت ذو شرف

إلى علاهُ تناهى المجدُ والحسبُ

يتيمةَ العقد أضحى في العُلى ولذا

قد صاغ مدحّ علاهُ العُجّمُ والعربُ

إنَّا لنشهد منهُ كل مكرمةٍ

لها المحامدُ دون الناس تنتسبُ

عن وصفهِ ومزاياهُ وأَنُعمهِ

تقاصر الدرُّ والأزهارُ والسحُبُ

مآثر العزّ في علياه مشرقةٌ

كالشمس لكن سناه ليس يحتجب

من معشر لهم في كل كائنةٍ

ذكرٌ تولّد من أسبابهِ الطرب

وقال في الحكم:

وعالم لا نَفْع في علمه

ولم تكن أعمالهُ صالحَة

فهو بحُكم العقل بين الملا

كوردة ليس لها رائحة

وله مضمناً الشطر الأخير:

أيها الإنسانُ لا تَجْنَحْ إلى

طُرقاتِ الغيّ والزمْ ورعَكْ

وافْطمِ النفس عن الشرّ تجدْ

كلَّ خيرٍ ترتجيهِ تَبَعكْ

وبحال الفقر أو حال الغنى

كُنْ مع الله ترَ الله مَعَكْ

وسمع يوماً شاكر بك يدق العود فاستفزه الطرب فقال بديهاً:

بشاكر هذا العصر طابت نفوسنا

وثغرُ ألهنا أمسى بهِ يتبسمُ

ترى كلّ عودٍ من جمادٍ وعودُهُ

يحسُّ وعن سرّ القلوبُ يترجمُ

وللشيخ القاسم الكستي عدة أراجيز طويلة حسنة منها أرجوزة تنيف على مائة بيت وصف فيها مكارم الأخلاق في النساء الصالحات.ومن أراجيزه الحكمة قوله:

لم يخلُ في الدنيا كريمٌ من أذى

ولو توارى في مغارات الخفا

ومن يظنُّ أنهُ يبقى بها

وإنهُ منها يفوزُ بالمُنى

وإن يكون ناجياً من ضرّها

فقُل له أخطأتَ يا هذا الفتى

فتانةٌ تُضحكنا لكنّها

تُخرج من أعيننا الضحك بكا

فلم نجد لعفوها سببٍ

ولا لدائها سوى الصبر دوا

ونظم أرجوزة فكاهية وصف فيها الملوخية على سبيل المداعبة:

سُبحانَ من أنبت في الوجودِ

حشيشةَ كجوهرُ العُقودِ

وقد سقاها من غيوث الرحمةْ

فحملَتْ لكن ثمار الحكمةْ

هيَ الملوخَّية ذات الشهرةْ

ومَنْ بها المعسورُ يَلقى يُسرهْ

بحسنها كل النفوس ابتهجت

وأَلسن الناسِ بها قد لهجتْ

كم هطلت من فوقها الغمائمُ

وصُبغت بلونها العمائمُ

وكم مشى يأكلها كسيحُ

وصحَ من ترياقها جريحُ

خيوطها بيضاءُ كاللُّجَين

تظهر كالصبح لذي عينَينِ

فاقت على الرّيحان بالروائحِ

صالحةٌ لمدح كل مادحِ

لو أنَّها قد نبَتت في اللدّ

يشمُّها مَنْ في بلاد الهند

يحرسها الناطورُ في البستانِ

خوفاً عليها من يدٍ الزمانِ

بُخارها يصعد بالهباء

كمصعد البالون في الهواء

كأنها قد نزلت من السما

فأصبحَ الكونُ بها منسَّما

وطعمُها يجلبُ للإفهامِ

بسُكرهِ حلاوةَ المُدامِ

ميَّاسةُ الأَعطاف في الرياضِ

يأكلها كلُّ شريف راضِ

عنها سَلُوا مِصْرَ وتلك الخطَّةْ

فإنهم أدرى بهذه النقطة

إذ عندهم لها اعتبارٌ زائدُ

وقِدرُها تسمو بهِ الموائدُ

ترى عليها كثرة الملاعقِ

تُقرعُ بالأسنان كالصواعقِ

إن مُلئت بها بطون القِصَعِ

تشرقها الأبصارُ قبل الَمبلعِ

وترجَمتْ عنها فحولُ المغربِ

فملئوا بها بطون الكتبِ

وخصّها بالذكر أفلاطونُ

وقال منها يُصنعُ المعجونُ

كانت للقمانَ الحكيم مأكَلا

وجوفهُ لها استقرَّ منزلا

وكان يوصي سائرَ الأطبا

بقراطُ أن يستعملوها شربا

كذا ابن سينا قال في القانونِ

لا تبخلوا بها على البطونِ

وهي طويلة تفنن فيها الشاعر ما شاء ومن فكاهاته ما رثى به طائراً من نوع الكنار مات لأحد أصحابه فقال يعزيه:

يا صاحبي عُزّيتَ بالكنارِ

فإَّنهُ من أحسن الأطيار

قد صدحَت بمدحِه الأخبارُ

وحُمدتْ لذاتهِ الآثارُ

ولم تقصّر في أداء ما وجبْ

من حقّه وقُمتَ بالذي طلبْ

من أمّهِ كنتَ عليهِ أَشفقا

ومن أبيهِ يا رفيقي أَرفقا

ما مات من جوع ولا من قلَّهْ

لكن رماهُ ريشهُ بعلَّهْ

لا يُرتجي لدائهِ شفاءُ

والموت إن حلَّ فما الدواءُ

عليه لا تحزنْ وكن صَبورا

والتزمِ الشكرَ تكن مأجورا

لو كان يُفدى بالنفيس الغالي

فديتهُ من طارق الليالي

لكن إذا ما حادثُ الموتِ نزلْ

لا ينفعُ الحزمُ ولا تُغْني الحَيلْ

عوَّضك الرحمن عنهُ طيراً

يكون بالتغريدِ منهُ خيرا

فما رأينا قبلهُ من طائرٍ

يشنَف الأسماع بالجواهرِ

يُغني عن المُدام والنديمِ

إذا شدا بصوتهِ الرخيمِ

أين الكَمنَجْا منهُ صوتاً إن شدا

ورَّبما استُغنيَ عنها إن بدا

فيا لهُ من طائرٍ صدوحِ

يدعو إلى الغَبوق والصَبُوح

ذو ذَنَبٍ فاقَ وللهِ العجبْ

على اللُّجَين وهو بالحُسن ذهبْ

مزَّينٌ بالتاج كالطاووسِ

ملَّون الرداء كالعروسِ

للهِ حسنُ ذلك المنقارِ

من ذهبٍ قد صيغَ لا من قارِ

قد كان في الدنيا من الزهَّاِد

ملازمَ الخلوة بانفرادِ

وعاش محبوساً ولم يشكُ الضجرْ

حتى أبادهُ القضاءُ والقدرْ

فإنّني أهدي إليهِ الفاتحةْ

وإن يكن من الطيور الصادحةْ

عبد السلام الشطي

واشتهر في طرابلس الشام قبل هؤلاء بزمن قليل الشيخ عبد السلام بن عبد الرحمن المعروف بالشطي الدمشقي.وأصل أسرته من بغداد وولد هو بدمشق سنة 1256 ( 1840 ) ثم درس العلوم الدينية والفقهية على علماء الفيحاء وتعبد على الطريقة القادرية وكان صباً للآداب مشهوراً بفرط الذكاء وحسن النظم غلب على شعره اللطف والعذوبة.وله ديوان بهمة حفيده محمد جميل الشطي سنة 1324.وقد سافر المترجم إلى بلاد الروم مرتين ودخل القسطنطينية سنة 1293 ووجه عليه تدريس أدرنه وخصص له راتب سنوي من الصرة السلطانية.توفي فجأة في دمشق في 11 محرم سنة 1295 ( منتصف كانون الثاني 1878 ).ومن شعره ما قاله في وصف بيروت وتهنئتها بسحب ماء نهر الكلب إليها:

بيروت أني في هواها أرغبُ

من ثغرها البسَّامِ طابَ المشربُ

يا حسنها من بلدة قد خصَّها

ربُّ العباد بما يسرُّ ويطربُ

بين البلاد بديعةٌ فكأنها

شمسٌ على أُفقِ العلى لا تغربُ

يا طالما قد زرُتها فوجدتهُا

ظمآنةً من حرّها تتلهَّبُ

حيرانةً حار الطبيب بدائها

ودواؤها قد عزَّ فيهِ المطلبُ

تشكي وتبكي حسرةً وتأسُّفاً

من فقدها ما تشتهيهِ وتطلبُ

من بعد ذاك أتيتُها فوجدتُها

تحتالُ من عُجْبٍ وذيلاً تسحبُ

فسألتها عن حالها فتبسَّمت

وانهلَّ من فيها فراتٌ أعذبُ

فاستيقنَت نفسي ببرد حميمها

فغدوتُ في نعمائها أتغلَّبُ

وأتيت في هذا النظام مهنئاً

إذ جاءَهم هذا الطهور الطّيبُ

ورجوتُ من فضل الإله دوامهُ

في كلّ حين دائماً لا يُسلبُ

وكتب رقعةً دعا بها بعض أصحاب الفضل من أصدقائِه:

يا سادةً في دُورهم

تسللت قومٌ كرامْ

وزَّينوا بجمعهم

ليل الشتا في كل عامْ

ومتَّعوا بقربهم

صديقهم عبد السلامْ

إذا أردتُّم إنهُ

يحظى بكم على الدوامْ

أعطوهُ منه موثقاً

بخطكم على الكلامْ

في ليلةٍ لطيفةٍ

في دارهِ لكم تقامْ

ويرتجي من فضلكم

أرّخْ بهِ الدور ختامْ

( 1289 )وقال مستغفراً عن ذنوب شبابه:

يا ربّ أنَّ العبد عبدٌ مذنبٌ

وهو فقيرٌ ما لهُ عنك غِنى

قد قطف اللذَّات في شبابهِ

بجهلهِ فاغفر لهُ ما قد جنى

محمد الميقاتي

وفي هذا الوقت عرف شاعر آخر فاضل وهو الشيخ محمد أفندي ابن عبد القادر اليقاني وكان طرابلسياً أديباً له النظم الرائق فجمع شعره بعد وفاته سنة 1302 ( 1884 ) الأديب عبد الحميد بن محمد حبلص أحد مواطنيه وطبعه في بيروت في المطبعة الأدبية سنة 1304 ودعاه ديوان حسن الصياغة لجوهر البلاغة.فمن قوله يعاتب الدهر:

الدهر شيمُتُهُ يبدي لنا العجبا

فلا تكن من فِعال الدهر معتجبا

ولا تثق ْبشرابٍ منهُ وقتٌ صفا

فيستحيلُ سراباً صَفْوُه وهَبَا

ولا يغرَّك ما يوليك من مَنحٍ

فغلبُها مِحَن تزكو بهِ لَهبا

إن يسمحِ الدهرُ يوماً يستردُ غداً

أو يُحسنِ الدهر يوماً بالأسى انقلبا

هيهاتُ يُجدي الفتى من دهرِ مهربُ

ولو سما فوقَ أفلاك السما هربا

فالصبرُ أجملُ بالحرّ الكريم على

ما خصَّهُ قلمُ الأقدارِ أو كتبا

ما لي وللدهر يرميني بكلكهِ

كأَّنني قاتلٌ أمّاً لهُ أو أبا

ويلاهُ من زمني كم ذا يُقابلني

من جورهِ بالأسى ويلاهُ واحَربَا

أهل البسيطة قد أثنت على أدبي

وأذعنت لي بأني سَيد الأُدبا

ودأبُ قومي معاداتي ومنقصتي

ولا أرى ليَ ذنباً لا ولا سببا

لا ذنب لي غير أني فقُتهم شرفاً

وإنني فقُتهم بين الورى رُنبا

ما ضرَّني لا أقال اللهُ عثرتَهم

لو أنَّهم قابلوا فضلي بما وجبا

وله مؤرخاً داراً بناها آل كتسفليس في طرابلس:

لكمُ ألهنا يا آل كَْ

فْليس يا أهلَ المآثرْ

جدَّدتمُ فوق العلى

بيت المكارمِ والمفاخرْ

بيتٌ لحسن بنائهِ

بدرُ المسرَّة فيهِ سافرْ

قد شادَهُ اسكندرٌ

مَنْ فَضْلُُ في الناس ظاهرُ

والسعدُ حول رِحابِه

بالعزّ والإقبال دائرْ

وفمُ السعادة قد غدا

أرّخ لهُ بالشكر فاغرْ

( 1868 )وقال مخمساً:

لمن أشتكي ضعفي وضنكي وشدَّتي

ومَن يَشْفِ أسقامي ويرحمْ لعبرتي

لجأتُ فما لي غيرَ ذلّ مقالتي

إلهي بتقديس النفوس الزكّية

وتجديدها من عالم البشرَّية

وبالنور سرّ الكائناتِ ومن دنا

إليك مقاماً لن يُحيط بها سنا

وناديُتهُ هاأنت حبي وهاأنا

أزِلْ عن فؤَادي ما ألاقي من العنا

فإني قليل الصبر عند البليَّةِ

عبد الفتاح اللاذقي

ونبغ في اللاذقية في الوقت عينه شاعر متفنن أبو الحسن عبد الفتاح ابن مصطفى بن محمد المحمودي اللاذقي العطار كان مولده سنة 1258 ( 1842 ) ونظم الشعر في سبابه ثم جمعه في ديوان ودعاه ( سفير الفؤاد ) فطبعه في بيروت في مطبعة جمعية الفنون سنة 1297 ( 1880 ) وجعله أربعة أركان في المدائح والتوسلات ثم في امتداح السادات ثم في التهاني والمراثي وأخيراً في القدود والموشحات.فمن ذلك قوله مبتهلاً إلى الله عز وجل:

شكوتُك فاقاتي وأنك تعلمُ

بحالي ونارُ الفَقْر في القلب تُضرَمُ

وللخَلْق لا أشكو افتقاري وفاقتي

فمن يشكُ للمخلوق لا شكَّ يندمُ

فجُدْ برزقٍ يملأ القلبَ عفَّةً

فجودُك لي عزٌّ وكَنزٌ ومغنَمُ

وإلاّ فصّبْرني على ما قسمتَ لي

فأمرُك يا ربَّ البرَّية مُبرَمُ

وكتب إلى نائب الحكمة فيض الله أفندي عن لسان شيخ كان خدم جبل الريحان وصلى في أهله فلم يعطوه حقه من الموسم:

أخا الأفضال فَيْضَ الله يا من

حوى المجد المؤَّثلَ واللطافهْ

فناقلُ شقَّتي هذا فقيرٌ

وموصوفٌ بأنواع العفافَهْ

لقد صلّى بأقوامٍ إماماً

وفي محرابهم جعل اعتكافَهْ

وفي شهر الصيام فكم تعنَّى

وكم قد سار مع بُعد المسافَهْ

لقد جحدوا إمامتَهُ وجادوا

لهُ بالهزل جدّاً والكثافهْ

وما جادوا لهُ أبداً ببئرٍ

ولا عملوا لهُ أبداً ضيافهْ

وقد حرموهُ من أكل المحاشي

ومن أكل القطائف والكنافهْ

فهم قومٌ لقد مكروا بهذا

وليس لهم من المولى مخافهْ

وقد رُفَعتْ قضيَّتهُ إليكم

وفي انتظاركم يرجو انتصافهْ

إنما الأفضال فانظُرْ أمر هذا

فعينُ العدل لم تنظر خلافَهْ

فهذا قد أضيف إلى علاكم

وحاز الفخر في تلك الإضافهْ

ومن محاسن شعره قوله في مولود سنة 1279:

أهلاً بهِ من قادمٍ

في كلّ جاهٍ جاهرُ

بشراك فيهِ أيُّها ال

خلُّ الفخيمُ الفاخرُ

فاهنأ بهِ لأنهُ

نعمَ الغلامُ الناضرُ

بيت ألهنا والسعدُ فيه م

كلَّ عامٍ عامرُ

والعزُّ فيهِ قد نما

والبشرُ فيهِ ظاهرُ

والفخرُ نادى منشداً

أرَخْ غلامٌ باهرُ

( 1279 )

أحمد فارس الشدياق

كان مارونياً لبناني الأصل مولده في عشقوت سنة 1804 ثم انتقل إلى والديه إلى ساحل بيروت سنة 1809 فسكن الحدث ودرس مبادئ العلوم اللسانية في عين ورقة ثم قصد القطر المصري فأتقن فيه العربية وجعل يكتب في أول جريدة ظهرت هناك أي الوقائع المصرية وفي السنة 1834 دعاه المرسلون الأمير كان إلى مالطة وولوه إدارة مطبعتهم فتظاهر بالدين البروتستاني وخدم الرسالة الأميركية بنشاط وطبع في مالطة بعض مصنفاته وألف هناك كتابه الموسوم ( بالواسطة في معرفة مالطة ) ثم تجول مدة في أنحاء أوربة وخصوصاً في فرنسة وإنكلترا فأكرم أهل تلك البلاد مثواه وصنف حينئذٍ كتابه الفارياق الذي لم يرع فيه جانب الأدب وشفعه بكتاب آخر أجدى نفعاً وأصوب نظراً دعاه ( كشف المخبأ عن أحوال أوربا ) واشتغل في لندرا في تعريب ترجمة التوراة فزادت بذلك شهرته.ولما جاء باي تونس أحمد باشا زائراً مدينة باريس مدحه الشدياق بلامية جارى فيها لامية كعب ابن زهير فأعجب من حسن نظمه ودعاه إلى خدمة دولته في تونس فلبى دعوته ورحل إلى المغرب وكان هناك يحرر جريدة الرائد التونسي.وفي مدة إقامته في تونس سؤل إليه أعيانها بأن يعتنق الدين الإسلامي فجحد البروتستانية طبعاً بالمناصب كما جحد الكثلكة طمعاً بالمال.وفي السنة 1274 ( 1857 ) طلبته الصدارة العظمى إلى الآستانة وعهدت إليه تصحيح مطبوعاتها بضع سنوات.وهناك باشر السنة 1277 ( 1860 ) جريدته الشهيرة بالجوائب فظهرت 23 سنة بإنشائه وإنشاء ولده سليم إلى السنة 1884 فأبطلت وحصلت بينه وبين شيوخ الإسلام منافرات فنسبوه إلى المراء في دينه الحديث.وكانت وفاة أحمد فارس بعد ذلك بثلاث سنوات توفي في الآستانة سنة 1887 ثم نقلت رفاته إلى لبنان كما أوصى قبل موته فرثاه شعراء زمانه.وقد هجاه بعض مواطنيه بهذا التاريخ:

يا مَنْ رحلتَ إلى الجحيم مسوكراً

لم يبق بعدك للسفاهة باقٍ

ناداك إبليسُ الرحيم مؤرخاً

هنَئت بَأحمدَ فارس الشدياقِ

وقد أخبرنا الشيخ المرحوم ظاهر الشدياق أحد انسباء أحمد فارس أن المترجم قبل وفاته طلب أحد كهنة الأرمن الكاثوليك واعترف لديه بخطاياه ومات على الدين المسيحي كما شهد ذلك خليل أفندي يعقوب الذي حضر وفاته وكان يصحبه منذ سنين عديدة.وكانت امرأة فارس الشدياق من بيت صولا تدعى وردة. ولأحمد فارس مؤلفات جليلة غير التي ذكرناها أخصها سر الليال في القلب والإبدال على شكل معجم لم يتمه.وكتاب منتهى العجب في خصائص لغة العرب أتلفه الحريق قبل أن يطبع.ثم الجاسوس على القاموس انتقد فيه على القامو الفيروزابادي.وكتاب غنية الطالب ومنية الراغب.وكتابان في تعليم اللغتين الإنكليزية ( الباكورة الشهية ) والافرنسية ( السند الراوي ) وردود على انتقادات الشيخ إبراهيم اليازجي اللغوية.وبهمة المترجم طبعت في مطبعة الجوائب عدة كتب أدبية قديمة استخرجها من مكاتب الآستانة فنشرها بالطبع بالحرف الاسلامبولي المشرق.ومن مآثره أيضاً عدة قصائد ومنظومات طبع منها نبذة في 219 صفحة سنة 1291.فمن أقواله الحسنة ما وصف به الحرب السبعينية بين فرنسة وألمانية.وهذا مطلع تلك القصيدة التي تزيد عن مائة بيت:

أصيبت فرنسا بالرجال والمالِ

فيها ويحها من بعد عزّ وإقبالِ

أعدت جيوشاً للقتال وجهَّزت

بوارجَ حربٍ في البحار كأجبالِ

وقالت إلى برلين يا جنديَ انفُروا

فتلك التي قد كدرّت صفو أحوالي

وتلك التي قد زاحمتني على العلى

ولم تكُ قبل اليوم تخطرُ بالبالِ

وصولوا على جرمانيا كلّها فقد

أراها بدا منها تحاوُلُ إذلالي

فلي قيصرٌ قرمٌ جليلٌ تهابهُ

جميع ملوك الأرض هيبة زئبال

إذا أنذر الأملاك حرباً تزلزلت

ممالكهم من بأسهِ أيَّ زلزالِ

وقال في مطاردة الألمان لنابوليون وفي موقعة سيدان وخلع الإمبراطور:

فطاردهُ جيش العدوّ معقباً

قولي إلى شالونَ يمزعُ كالرالِ

ومنها إلى سيدانَ بالجيش كلّهِ

عقيبَ مُعاناةٍ وبؤسى وآجالِ

وذلك حصنٌ عند بلجيكَ حولهُ

ربى وتلالٌ حبّذا الوَزَرُ العالي

ولكنهم ناءوا سفاهاً عن الربى

فحلَّت بها الجرمان من دون إمهالِ

هنالكَ عمَّ الويلُ والشرُّ والرَّدى

بترميل أزواجٍ وتيتيم أطفالِ

وتبضيعٍ أرابٍ وتقطيع أوصالٍ

وتفليقِ هاماتِ وتدمير أطلالِ

وبزَّ تْهمُ الجرمانُ فاستسلموا لهم

ثمانين ألفاً أو يزيدون في الحال

فلم يبقّ من ذا الجيش أجمعَ راجلٌ

ولا فارسٌ فالجوُّ من ذكرهم خالِ

فلما درت باريس ذا الخطبَ أعولت

وضجَّت وباتت في شجون وولوال

وقالت منَتني دولةٌ قيصرَّيةٌ

بإِهلاك أجنادي وإتلاف أموالي

وإنَّ صلاحي دولةٌ جَمهُرَّيةُ

تُسدّدُ أعمالي وتُصلحُ أحوالي

فنادت بخلع الإمبَراطور وابنهِ

وثارت لأَخذ الثار ثورة قسطالِ

وختمها بهذا البيت الحكمي المقتبس من المزامير وهو نعم ختام:

إذا لم يكن للمرء من ربهِ هدىً

فلا شيءَ يهديهِ من القيل والقال

محمد سليم القصاب

ومن فرسان حلبة الأدب بين مسلمي الشام في ختام القرن التاسع عشر الدمشقي محمد سليم بن أنيس الشهير بالقصاب.طبع له ديوان حسن في دمشق في مطبعة الجمعية الخيرية سنة 1298 ( 1881 ) فمن أقواله الجيدة ما قاله من قصيدة في السيد عبد القادر الجزائري وأولاده:

لمَّا بأَرض الشام حلّ ركابهُ

ناديتُها بَاهي البلادَ وفاخري

أمنوَّا بنا فاليوم سباّقُ أصبحت

دارَ الخلافةِ وهو عبد القادر

يا دوحةً طابت مغارسها فلم

تُثمر سوى ليثِ وشبلِ كاسر

من كل شهم في الأنام محمَّدٍ

يعنو إلى علياءِ كل مفاخر

مولاي محي الدين مصباح الهدى

ذاك العلي الشأن أحمد شاكر

فكأنَّهم لما تبدوا حوله

أقمار تم حول بدر سافر

أكرم به فرعاً يفاخر فرعه

بأصوله فلك السماء الدائر

لا زال في أوج المعارج نجمه

يسمو بمجد ما له من آخر

وقال في جنينة شادها مدحت باشا لأهل دمشق دعاها جنينة الملة سنة 1296:

هذه غرفة أنس أزلفت

في ربى الشام تسر الناظرين

قد بدت أزهارها تثني على

مدحت العليا وصدر الأعظمين

شادها للملَّة الغرَّاء قُلْ

فادخلوها بسلام آمنينْ

ومن رثائه قوله في وجيه قومه حسين بيهم لما توفي في بيروت سنة 1298:

هوى الكوكب الدُّرّي من أفُق العلى

فجرّ القضا ذيلَ الظلام وأسبلا

مصابٌ كسا بيروت بُرْدَ حدادها

وحقّ لها بالحزن أن تتسربلا

فما كان إلا روحَها وحياتها

وقد أصبحت من بعدهِ جسداً بلا. .

عفافٌ وحلمٌ وافتخارٌ ورفعةٌ

وجودٌ حكى فيضَ السحاب ترسُّلا

أقيموا بني الآداب واجب نَعْيمهِ

فلم يبقَ ما النفس أن تتعلَّلا

وختم المرثاة بقوله:

فلما دعاه الله جل جلاله

إلى جنة الفردوس ليس مهللا

فقال بشير العفو تاريخه زها

حسين المعالي قر في جنة العلا

ومن محاسن وصفه قوله في وطنه الشام:

ما الشام إلا جنَّة الأمصار

تزهو بغوطتها على الأقطار

حصباءها الدرُّ النضيدُ وتربُها م

الكافورُ والبلَّوْرُ فيها جاري

فيها الرياضُ الراهرات محاسناً

فانهض بنا ننشّقْ شذا الأزهارِ

قد هبَّ فيها الريحُ يرقص غصنها

والطيرُ غنَّى في عُلى الأشجارِ

وتفجَّرت فيها المنابع إنَّها

ذَوْبُ اللجُّينَ بجدولِ الأنهارِ

هي موطني دون البلاد وبغيتي

فيها انتعاشي وانقضا أوطار

السيد محمود حمزة الحسيني

هو العالم الدمشقي العريق النسب من عائلة أصلها من حران ترقي نسبها إلى الحسين.كان مولده في دمشق سنة 1236 وفيها توفي سنة 1305 ( 1820 - 1887 ) واكب منذ صغره على العلوم اللغوية ثم انقطع إلى العلوم الفقهية فأصبح فيها إماماً ومعظم مصنفاته في الدين وفي كل أبواب الشرع إلا القليل منها كإعلام الناس والبرهان على بقاء دولة آل عثمان.وله قصائد حسنة وقد شرح بديعية لوالده وعرف بحسن الخط.وكان السيد محمود رجلاً مهيباً جليل القدر كريم الطباع تولى الإفتاء في دمشق دهراً طويلاً وقد أظهر نحو المسيحيين في نكبة دمشق سنة 1860 مروءة أجازته عنها الدولة الفرنسوية بهبة سنية.وقد اجتمعنا مع السيد محمود في دمشق غير مرة فلقينا منه شيخاً واسع المدارك غزير الآداب.وله في تقريظ كتابنا مجاني الأدب رسالة تنبئ بحسن ذوقه وتقديره للمشروعات الأدبية.وفيه يقول محمد القصاب بمدحه:

مفتي الأنام سليل المجد ملجأنا

تاج الفخام فخار الفخر ذو الهمم

ماضي العزائم لا ند يضارعه

بالأمر والنهي والإحسان والكرم

بحر المعارف بالأمواج زاخره

يلقي لنا جوهر الإرشاد والحكم

في كل فن له باع يصيد به

ما شت إدراكه عن حاذق فهم

الأمير عبد القادر الجزائري

ونظم إلى أدباء إسلام الشام في آخر القرن التاسع عشر حسينياً آخر عاش زمناً طويلاً في دمشق وإن لم يكن أصله منها نريد السيد الأجل والأمير العظيم عبد القادر الجزائري فإنه وإن كان من رجال السيف إلا أنه كان أيضاً من فرسان القلم.كان مولد هذا الأمير في القيطنة من قرى أيالة وهران في بلاد الجزائر سنة 1222 ( 1807م ) درس العلوم اللسانية في حداثته على أساتذة وهران.ثم رافق والده في رحلته إلى الحجاز والشام والعراق وعاد إلى وطنه فعكف على العلوم الخاصة كالفلسفة والفلك والتاريخ حتى حمل الفرنسيس على الجزائر سنة 1830 تلافياً لإهانة لحقت هناك بسفير ملكهم كرلوس العاشر واحتلوا جهاتها.فانتشبت الحرب بين أهلها والفرنسيس وبايع الجزائريون للأمير عبد القادر فقاموا معه قيام الأبطال للدفاع عن أوطانهم.وكانت تلك الحرب سجالاً تارة لهم وتارة عليهم ودامت خمس عشرة سنة ألجأ الأمير بعدها إلى التسليم فسلم ولقي من الفرنسويين كل احتفاء ورعاية وجعلوا له راتباً سنوياً ثم تنقل مدة في مدن فرنسا وغيرها إلى أن اتخذ له دمشق سكناً في أواسط سنة 1271 ( 1855م ) فطبت له هناك السكنى وفيها توفي في 19 رجب سنة 1300 ( حزيران 1883 ).ومن مبراته جازاه الله خيراً دفاعه عمن احتمى في داره من نصارى دمشق في مذابح سنة 1860 وكان عددهم نحو أربعة آلاف.وكان الأمير عبد القادر مغرى بالعلوم محباً للعلماء يعظمهم ويحسن إليهم.قيل إنه كان يبلغ ما يوزع عليهم وعلى الفقراء مائتي ليرة في كل شهر.وله تآليف مفيدة في التصوف وعلم الكلام وبعض كتب أدبية منها ( ذكر العاقل وتنبيه الغافل ) أتمه سنة 1271 ( 1854 ).وقد نقله إلى الفرنسوية المستشرق غوستاف دوغا ( G.Dugat ) فطبعه في باريس سنة 1858 وكان للأمير سليقة جيدة في نظم القريض.ومن قصائده راثية أولها:

أمسعودُ جاءَ السعد والخيرُ واليسرُ

وولَّت ليالي النحس ليس لها ذكرُ

ومنها قصيدة حماسية كان يتمثل في معارفه بأحد أبياتها الفخرية:

ومن عادة السادات بالجيش تحتمي

وبي يحتمي جيشي وتُحرسُ أبطالي

ومن أبياته الفخرية قوله يذكر فيها أحد أيامه لما حارب الفرنسويين:

ونحن لنا دينٌ ودنيا تجمعًّا

ولا فخر إلا ما لنا يرفع اللّوا

مناقب مختارَّية قادرَّيةٌ

تسامت وعباسية مجدها احتوى

فإن شئت علماً تلقني خير عالمٍ

وفي الروع أخباري غدت تُوهن القوى

ونحن سقينا البيض في كل معركٍ

دماءَ العدى لما وهت منهم القوى

ألم ترى في خنق النطاح نطاحنا

غداة التقيناهم شجاعٌ لهم لوى

وكم هامة ذاك النهار قددُتها

بحد حسامي والقنا طعنهُ شوى

وأشقر تحتي كلمَتهُ رماحُهم

ثمانٍ ولم يشك الوحي بل ولا التوى

بيومٍ قضى نحباً أخي فارتقى إلى

جنانٍ له فيها نبي الرضى أوى

فما ارتد من وقع السهام عنانهُ

إلى أن أتاه الفوز رغماً لمن عوى

ومنها في وصف الحرب:

وأسيافنا قد جردّت من جفونها

ولا رُد إلا بعد ورد بهِ الروى

ولما بدا قرني بيمناهُ حربةٌ

وكفي بها نارٌ بها الكبشُ قد ثوى

فأيقن إني قابض الروح فانكفا

يولي فوافاه حسامي بما هوى

شددتُ عليهم شدَّة هاشميَّة

وقد وردوا وِردَ المنايا على الغوى

وقد مدح الشعراء الأمير عبد القادر بقصائد يبلغ مجموعها كتاباً ضخماً.ومما قيل فيه لأحدهم:

بحر المعارف والعوارف والندى

ذو الحكمة العليا الكريم العنصر

مولى يتيهُ بهِ الزمان وحسبُهُ

أن لم يفز بنظيرهِ مذ أعصرِ

وفي طرابلس الشام قضى نحبه في العقد الأخير من القرن التاسع عشر نحو 1210ه ( 1892م ).

الشيخ محمد الشهال الطرابلسي

كان له في نظم الشعر حظ وافر سلك فيه منهج الرقة واللطف.فجمع ابنه عبد الفتاح قصائده في ديوان دعاه ( عقد اللآل من نظم الشهال ) وطبعه في طرابلس سنة 1312ه.فمن حسن أقواله ما قاله مراسلاً بعض أصدقائه:

متى يجمعُ الرحمنُ شملي بُمنْيتي

وأحظى بطيب الوصل بعد تشتُّتي

أأحبابنا كم ذا أبثُّ شكايتي

ولم تسمعوا دعوى حليفِ المحبةِ

قضى الله بالهُجران بيني وبينكم

فيا ليت قبل الهجرْ كانت منيَّتي

تحجّبتم عن ناظريَ وشخصُكم

مقيمٌ بقلبي أينما كان وجهتي

وذكركُم ما زال وسط ضمائري

يخامرُ في كل يومٍ وليلةِ

نأيتم فخلَّفْتم جفوني قريحةً

فباهت بأسرار الشجون الخفيةِ

عسى الله أن يمحو دحى البُعد باللقا

ويجمعني فيهِ بأحسن حالةِ

وقال يهنئ أحد أصحابه بقدومه إلى الفيحاء بغتةً:

خليل العلى والمجد عن غير موعد

لقد واصل الفيحا فطابت به نثرا

وأضحى لسان العز عند قدومه

ينادي لقد وافى الخليل فيا بشرى

وممن يجب نظمه بين شعراء أواخر القرن التاسع عشر ( الشيخ محمد الهلالي ) هو محمد بن هلال بن حمود المولود في حماة السنة 1235 ( 1819م ) والمتوفى في 29 ذي الحجة 1311 ( حزيران 1894 ) نشأ بحماة ودرس على علماء أهل ملته العلوم الدينية ثم انقطع لدرس الآداب ونظم الشعر فقصد القصائد على نمط ذلك العهد ومدح كثيرين من وجهاء بلاده ثم ارتحل إلى دمشق سنة 1298 ( 1881م ) فاستوطنها ونعم في سكناها وأنس بأهلها وعاشر أدباءها وكرام أهلها وأمراءها فنال الحظوة من فضلهم ولم يزل في هناء عيش إلى وفاته في الفيحاء فقال الشيخ عبد المجيد الخاني يؤرخ سنة موته:

لقد تُوُفي الهلالي سيدُ الشعرا

وكوكبُ الأدب العالي الذي اشتهرا

فلا غريبٌ إذا نادى مؤَرخه

ألا توّفي الهلالي سيدُ الشعرا ( 1311 )

وقد جمع بعض مواطنيه ديوانه فطبعوه في حماة سنة 1329 وقسموه أبواباً على حسب معاني الشعراء من مديح وتهاني ورثاء وتواريخ.فمما قاله لما هاجر من حماة إلى دمشق بأهله يستمنح فضل الأمير السيد عبد القادر الجزائري:

هاجرتُ من بلدي بأهلي غازياً

بعساكر الآمالِ خير همامِ

ورميتُ سهم الظنّ عن قوس الرجا

طمعاً وحاشا أن تطيش سهامي

وبجيش فَقري قد أتيتُ إلى حِمىً

أغنى وأندى كل بَحْر طامي

مستمطياً حسن الطوَّيةِ راكباً

فرَسَ الفراسةِ ناشراً أعلامي

مستبشراً من سيدي بعنايةٍ

عنّي يزولُ بها عَناهُ أوامي

مولاي عبد القادري الحَسنَي الذي

في ظل نعمتهِ نصبتُ خيامي

الكاشف الفاقات ماحي ليلَها

بسناءِ صبح الجود والإنعامِ

وافيتُ جنَّة قربهِ لأفوزَ من

مأوى مكارمهِ بدار سلامِ

ولما أؤمَّل من عوائد فضلهِ

طال انتظاري في دمشق الشامِ

ماذا جوابي إن رجعتُ إلى حما

ة بزوجتي من بعد غربة عامِ

فأمر له الأمير بجائزة سنية.ومن ظريف قوله يؤرخ إنشاء سبيل في دمشق سنة 1304:

بادر لأَعذب سلسبيلِ فيه ما

بمعينه يشفي العليلَ من الظمأ

لله فاعلُ خيرٍ فعلٍ دائمٍ

لينال من مولاهُ أجراً أعظما

حوضٌ لواردهِ الصفا منهُ شدا

أرخْ ونادِ أسقِ العطاش تكرُّما

وقال أيضاً مؤرخاً وفاة والده هلالاً سنة 1880:

لَنِعْمَ عُقْبى الدارِ دارُ البقا

وحبَّذا إلى النعيم المآلْ

يا زائراً هذا الضريح الذي

حوى هلالاً فاز بالانتقالْ

لِنصفْ ذي الحجَّة قُلْ أرَخوا

عاماً به آنَ غيابُ الهلالْ

^

أدباء مصر

لم يبلغ أدباء مصر من المسلمين في ختام القرن التاسع عشر ما بلغه ذوو دينهم في الشام وأشرنا إلى سبب ذلك في ما تقدم على أن مدرسة الأزهر بعد الاحتلال الإنكليزي كانت لا تزال ضابطة لرئاسة تعليم العربية نائلة لقصبات السبق في القطر المصري على الرغم مما أصابها من التأخر في ذلك الزمن كما أقر به أرباب الأمر ومن ثم أنشئوا سنة 1212 ( 1894 ) مجلساً ليتدارك الخلل في ذلك وتصلح طرق التعليم. وممن نالوا بعض الشهرة في أواخر القرن التاسع عشر من شيوخ الأزهر وأساتذته الشيخ ( مصطفي العروسي ) الذي تولى ست سنين ( 1281 - 1287 ) رئاسة الأزهر وله ما خلا الكتب الإعتقادية أحكام المفاكهة في أنواع الفنون والمتفرقات توفي سنة 1293 ( 1876 ).ومنهم الشيخ ( محمد المهدي العباسي ) ولد سنة 1244 ( 1828 ) واشتهر في العلوم الدينية وصارت إليه رئاسة الإفتاء في الديار المصرية مع شياخة الإسلام واختارته عمدة الأزهر لمشيخة تلك المدرسة فتقلدها سنة 1287 إلى 1299 وعاش إلى سنة 1315 ( 1897 ) قال بعضهم مؤرخاً لوفاته:

عليهِ دمع الفتاوى باتَ منحدراً

وللمحابر حزنٌ ضاق عن حدّ

فيها المسائل قد باتت تؤرّخهُ

مات المجيب الإمام المقتدى المهدي

ومن تآليفه الفتاوى المنسوبة إليه المعروفة بالفتاوى المهدية في الوقائع المصرية ومنهم الشيخ ( محمد الأنبابي ) ألف عدة كتب في الصرف والنحو وآداب البحث وقد تخرج على يديه كثير ممن تصدروا للتدريس.وتولى مشيخة الأزهر مرتين.كان مولده سنة 1240 ووفاته سنة 1313 ( 1824 - 1896 ). ومنهم ( الشيخ عليش ) أحد مشايخ السادة المليكة في مصر ولد بالقاهرة سنة 1217 وبها توفي سنة 1299 ( 1802 - 1882 ) اشتغل بالعلم في الأزهر حتى أدرك الجهابذة وأخذ عنه جل الأزهريين له تآليف عديدة في الفقه والبيان والمنطق وكتاب مواعظ.نكب في آخر حياته بسبب الثورة العسكرية العرابية. ومنهم ( حسين بن أحمد المرصفي ) كان مكفوفاً وبلغ باجتهاده إلى أن يدرس في الأزهر ومن تآليف الوسيلة الأدبية في العلوم العربية والكلم الثمان في الأدب توفي سنة 1307 ( 1889م ). واشتهر غير الأزهريين رجال يعدهم المصريون كأركان النهضة العلمية في وطنهم في العشرين الأخيرين من القرن السابق نختصر هنا أخبارهم.

عبد الله باشا فكري

هو أحد نوابغ الناشئة المصرية في القرن الأخير ولد في مكة إذ كان أبوه محمد مرافقاً في الحجاز للجنود المصرية سنة 1250 ( 1834 ) ثم نشأ في مصر وشاب في حضانة المعارف حتى تضلع في كل علم.وقلدته الحكومة المصرية للمناصب الجليلة كنظارة المدارس ووزارة المعارف.وكان سار معها في رفقة الخديوي إسماعيل باشا إلى استنبول سنة 1861 ثم عهد إليه تهذيب ولي العهد محمد توفيق باشا مع أخويه الحسن والحسين فقام بتلك المهمة أحسن قيام.ولما ولي نظارة المعارف سعى في تنظيم الدروس وصنف للدارسين كتباً يدرسون فيها ومن خدمه الطيبة أنه لم يزل يحض الحكومة حتى أنشأت المكتبة الخديوية التي تعهد من أغنى الخزائن الكتبية بالمخطوطات والمآثر العربية.ولما حدثت الثورة العرابية سنة 1882 ألقي القبض على عبد الله باشا فكري وبقي مدة تحت الاستنطاق إلى أن عرفت برارته وبرئت ساحته وكان الخديوي قد قطع معاشه فكتب إليه من قصيدة:

مليكي ومولاي العزيز وسيدي

ومن أرتجي آلاءَ معروفهِ العمرا

لئن كان أقوامٌ عليَّ تقوَّلوا

بأمر فقد جاؤوا بما زوروا نكرا

فما كان لي في الشرْ باعٌ ولا يدٌ

ولا كنتُ من يبغي مدى عمره الشرا

فعفوا أبا العباس لا زلت قادراً

على الأمر أن العفو من فادر أحرى

وحسبي ما قد مر من ضنك أشهرُ

تجرعتُ فيه الصبر أطعمُهُ مراً

يعادل منها الشهرُ في الطول حقبةً

ويعدل منها اليومُ في طوله شهرا

أيجعل في دين المروءة أنَّني

أكابد في أيامك البؤس والعسرا

فما لبث أن أعاده الخديوي إلى مقامه السابق فقال يشكره من قصيدة طويلة:

ألا أنَّ شكر الصنع حقُّ لمنعمٍ

فشكراً لآلاء الخديوي المعظَّمِ

مليكُ له في الجود فضلٌ ومفخرٌ

على كل منهلٍ من السحب مرهمِ

سأشكرهُ النعماءَ ما عانقت يدي

يراعي أو استولى على منطقي فمي

فلا زال محروسَ الحمى متمتعاً

مع الخيرة الأشبال في خير أنعم

وتجول عبد الله باشا بعد ذلك في جهات الحجاز والشام.ولما عقد في استوكهلم مؤتمر المستشرقين سنة 1888 أوفدته الحكومة لنيابة عنها وزار معظم الحواضر الأوربية وكتب تفاصيل رحلته في كتاب دعاه ( إرشاد الألباء إلى محاسن أوربا ) لكن الموت عاجله فتوفي قبل إتمامه في أواخر سنة 1307 ( 1890م ) فأنجزه نجله بعد وفاته.وقد خلف عبد الله باشا فكري آثاراً أدبية جليلة كنظم اللآل في الحكم والأمثال والمقامة الفكرية في المملكة الباطنية والفوائد الفكرية للمكاتب المصرية جمع فيه ابنه كثيراً من كتاباته وقصائده في كتاب دعاه الآثار الفكرية ( وصفناه في المشرق 1 ( 1898 ): 189 ) وكان المترجم بارعاً بالنظم والنثر راسخ القدم في بلاغة التعبير وكان بالخصوص إماماً في الإنشاءات الديوانية فاستخدمه خديوياً مصر سعيد باشا وإسماعيل باشا في اشتغال الكتابة عنها باللغتين التركية والعربية إلى الملوك والسلاطين.ومن حكمه قوله:

إذا رُمتَ المروءةَ والمعالي

وأن تلقى إله العرش بَرّا

فلا تقرب لدى الخَلوات سراً

من الأفعال ما تخشاهُ جهراً

وقال يصف ثامن مؤتمر المستشرقين في استوكهلم من قصيدة:

ناد بهِ احتفل الأفاضلُ حفلةً

بحديثها تتقادَمُ الإعصارُ

جمعت لثامن مرَّةٍ معدودةٍ

في الدهر لا يُنسَى لها تذكارُ

متآلفين بعيدهم بقريبهم

والفضلُ أقربُ وصلة تمتارُ

من كل فياض القريحة وردهُ

عذبٌ وبحرُ علومهِ زخارُ

ومؤزَّر بالفضل مشتمل بهِ

منهُ شعارٌ زانهُ ودثارُ

لا زال ملك الفضل معمور الذرى

بذويهِ ممدوداً لهُ الأعمارُ

وكان لعبد الله باشا ولد تقصى آثار والده اسمه ( أمين باشا فكري ) درس الحقوق في فرنسا ثم عاد إلى بلده فتعاطى فن الدعاوى وبرز فيه حتى رقّته الحكومة المصرية إلى رئاسة النيابة سنة 1888 ثم ولته قضاء محكمة الاستئناف ثم محافظة الإسكندرية حتى انتدبته لنظارة الدائرة السنية لكن الموت اهتصر غصن حياته فمات سنة 1899 وكان مولده سنة 1856.ومن تركته العلية كتب مطول في جغرافية مصر والسودان.وكان رافق إياه مع الوفد المصري إلى استوكهلم عاصمة بلاد اسوج فأنجز أخبار رحلة أبيه فدعاه ( إرشاد الالباء إلى محاسن أوربا ) كما أنه جمع مآثره المتفرقة على ما ذكر وله أيضاً فضلاً تقدم رسائل وقصائد لم ينشر منها إلا النزر القليل.

علي باشا مبارك

هو أحد أركان النهضة المصرية ولد من عائلة فقيرة في قرية برنبال من مديرية الدقهلية سنة 1239 ( 1823 ) فتقلبت به الأحوال إلى أن توفق إلى دخول مدرسة القصر المعيني وأرسل إلى باريس فدرس فيها فن الحرب ثم ألحق بالجيش المصري وحضر حرب القريم سنة 1854.ثم انتدبته الحكومة المصرية لوكالات ونظارات ودواوين مختلفة أبدى في جميعها عن مقدرة عظيمة.وقد خدم الآداب العربية بتنظيم مكاتب القاهرة والبنادر وإنشاء مدارس جديدة أخصها مدرسة دار العلوم وفتح المكتبة الخديوية وتولى نظارة المعارف فأجرى فيها إصلاحات مهمة.وفي آخر حياته اعتزل الأعمال إلى سنة وفاته 1311 ( 1893 ) وله تآليف ذات شأن اجلها الخطط التوفيقية حذا فيها حذو الخطط المقريزية فوصف الخطط الجديدة التي أنشئت في القاهرة ومدنها القديمة والشهيرة في ستة مجلدات.ومنها كتاب نخبة الفكر في تدبير نيل مصر وكتاب الميزان في الاقيسة والأوزان وكتاب علم الدين في عدة أجزاء على طرز رواية أدبية عمرانية أودعها كثيراً من المعارف والفنون كالتاريخ والجغرافية والهندسة والطبيعيات وغير ذلك مما قرب إلى قرائه فهمه بمعرض شهي.

الشيخ الأبياري

هو الشيخ عبد الهادي نجا الابياري أحد الكتبة المعدودين في أواخر القرن السابق.ولد في أبيار في جهات مصر السفلى سنة 1236 ( 1821 ) وأخذ عن والده مبادئ الآداب ثم حضر دروس أساتذة الأزهر كالشيخ البيجوري والشيخ الدمنهوري وغيرهما.ولم يزل يكد ويجد في تحصيل العلوم حتى نال منها ما لم ينله إلا القليلون من معاصريه فعهد إليه الخديوي إسماعيل باشا تثقيف أولاده.وتصدر للتعليم في الجامع الأزهر فذاع صيته في أنحاء القطر المصري وجعله الخديوي توفيق باشا أمام المعية ومفتيها فقام بمهام رتبته إلى وفاته سنة 1306 ( 1888 ) وكان يجله الأدباء ويراسله فضلاء عصره وقد جمعت مكاتباته للشيخ إبراهيم الأحدب في كتاب الوسائل الأدبية في الرسائل الاحدبية.ومن تآليفه الشهيرة كتاب سعود المطالع في مجلدين ضمنه كلاماً واسعاً في ضروب العلوم العربية.ومنها كتابه نفح الأكمام في مثلثات الكلام كمثلثات قطرب.وكتاب الفواكه في الآداب.واتخذه صاحبا الجوائب والبرجيس كحكم ليفصل المناظرات اللغوية التي قامت بينهما فكتب كتابه النجم الثاقب في المحاكمة بين البرجيس والجوائب فنظم أحمد فارس قصيدتها الدالية التي يقول فيها شاكراً:

أبدى لنا في مصرَ نجماً ثاقباً

لكن ثناهُ بكل مصرٍ هادِ

فيهِ الفوائد والفرائد فُصّلت

موصولةَ البرهانِ بالإسنادِ

إن قال لم يترك لقوالٍ مدىً

أو صالَ هالَ وطال كلَّ معادِ

هو فَيْصلُ في الفكر يرضى فصلهُ

من لم يقنع من الأشهادِ

لولاهُ لم يُقَطع لسانُ المفتري

عني ولم ُيفصل جدالُ بلادِ

فلذاك كان على الجوائب مدحُهُ

حقاً وإيجاباً مدى الآباد

الشيخ علي الليثي

كان من أشعر شعراء العصر السابق.ولد نحو السنة 1830 وصرف همه إلى العلوم اللغوية والأدبية فصار منشئا بليغاً وشاعراً مفلقاً حتى نظمه أولو الأمر في سلك رؤساء المعية السنية.ورافق الخديوي إسماعيل باشا في سفره إلى الأستانة سنة 1290 ومدح السلطان عبد العزيز.وكان الأدباء يتسابقون إلى مطارحة الليثي ويتفاخرون بمكاتبته.وقد طال عمره حتى توفي مأسوفا عليه في 25 ك2 سنة 1896 ( 1313 ه ).وله منظومات جمة يجمع منها ديوان إلا أنها لا تزال متفرقة.فمن محاسن أقواله رثاؤه لعبد الله باشا فكري:

نذمُّ المنايا وهي في النَّقد أعدلُ

غداة انتقت مولى به الفضلُ يكملُ

كأنَّ المنايا في انتقاها خبيرةٌ

بكَسْب النفوس العاليات تُعجّلُ

فتمَّ لها من منتقى الدُّر حليةٌ

بها العالمُ العلويُّ أنا يهللُ

ومنها في وصف الفقيد:

لقد كان ذابرٍ عطوفاً مهذَّباً

سجاياهُ صفوُ القَطر بل هي أمثلُ

رقيق حواشي الطبع سهلٌ محبَّب

إلى كل قلبٍ حيث كان مبجَّلُ

كريم السجايا لا الدنايا تشينهُ

عظيم المزايا إذ يقولُ ويفعلُ

شمائلهُ لو قُسّمت في زماننا

على الناس لازدانوا بها وتجمَّلوا

فقدنا محياهُ ولكنَّ بيننا

بديع مزاياهُ بها نتمثَّلُ

وقال يمدح السلطان عبد العزيز في عيد جلوسه سنة 1290:

دَعْ ذكرى كسرى وقصَرْ إن أردت ثنا

عن قيصر الروم حيث النفعُ مفقودُ

وأشرحْ مآثر من سارت بسيرتهِ

ركائبُ المجد تحدوها الصناديدْ

مولى الملوك الذي من يُمن دولتهِ

ظلُّ العدالةِ في الآفاقِ ممدودُ

عبدُ العزيز الذي آثارهُ حُمدت

أبُ الألى جدُّهم في المجد محمودُ

أجاد نظم أمور الملك في نسقٍ

لا يعتريهِ مدى الأزمان تبديدُ

وشاد فوق العلى أركانهُ فغدا

له على هامةِ الجوزاء تشييدُ

فلا تقسهُ بأسلافٍ له كرُمتْ

والشبلُ من هؤلاء الأسد مولودُ

ففخرُهم عقدُ درٍ وهو واسطةٌ

في جيد آل بني عثمانَ معقودُ

وله اللامية المشهورة قالها بعد الفتنة العرابية مستعطفاً مستصفحاً عن الجناة:

كل حال لضدَهِ ينحوَّلْ

فالزمِ الصبرَ إذ عليهِ المعوَّلْ

يا فؤادي استرحْ فما الصبرُ إلا

ما به مظهر القضاء تنزل

قدرٌ غالبُ وسرُّ الحفايا

فوق عقل الأريب مهما تكمَّلْ

رُب ساعٍ لحتفهِ وهو مَّمن

ظنَّ بالسعي العلى يتوصَّلْ

السيد عبد الله نديم

هو كاتب بليغ نبغ في مصر وسعى في تحرير وطنه فأنشأ عدة جرائد سياسية كان يزرع فيها بذور آماله وينهض همم مواطنيه حتى لقب بخطيب الشرق.ولما ثارت الفتنة العرابية نفي من وطنه ثم صفح عنه وبعد قليل اضطر إلى مغادرة بلاده فتوجه إلى الآستانة ونال الحظوة لدى السلطان وما لبث أن توفي في القسطنطينية سنة 1314ه.وكان مولده بالإسكندرية سنة 1261 ( 1844 - 1896 ). وكان عبد النديم خطيباً لسناً متوقد الذهن صافي القريحة شديد العارضة متفنناً في الكتابة نظماً ونثراً له ثلاثة دواوين كبيرة ورسائل وتآليف لغوية وأدبية طبع منها قسم في كتاب سلافة النديم في منتخبات السيد عبد الله نديم وهو في نثره سهل العبارة قريب المعاني يتحاشى كل تصنع.فمن أقواله ما ذم به الخمرة:

طافَ النديمُ بكأسهِ في ألحانِ

ومشى بزفُّ البكرَ بالألحان

برزتْ تُقَهقهُ بين ندمانِ الطلا

فخجلتُ إذ ضحكتْ على الأذقانِ

ذلّت لدولةُ حكمها دُوّل الورى

من غير ما حرب ولا أعوانأعوانِ

خَفت فطارت بالعقولِ وخلَّفت

تلك الجسومِ بحالةِ الحيْران

أيُّ المحاسن أبصروا في وجهها

وهي العتيقة من قديم زمانِ

أمُّ الخبائث بنتُ عُسْلوج الهوى

أخت الحشائش زوجة الشيطانِ

من زفّها من خدرها لفؤاده

صرعتهُ عند مزالق الأطيان

وإذا تستر في ترشُّفها بدتْ

من فيهِ تفضحهُ لدى الإخوان

وإذا مشى لعبت به عن مكرها

فيقال هذي مشية السكران

ومن أوصافه الحسنة قوله يصف قطاراً بخارياً:

نظر الحكيم صفاته فتحَّيرا

شكلاً كطَوْد بالبخار مُسيّرا

دوماً يحن إلى ديار أصولهِ

بحديد قلب باللهيب تسعّرا

ويظلُّ يبكي والدموع تزيدهُ

وحُبذا ويجري في الفضاء تسُّترا

تلقاهُ حال السير أفعى تلتوي

أو فارس الهيجا العشْيرا

أو سبعَ غلبِ قد أحسَّ بصائدٍ

في غابهِ فمدا عليه وزمجرا

أو إنها شهبٌ هوت من أفقها

أو قبة المنطادِ تنبذ بالعرا

وله في الفخر والحماسة:

إذا ما المجدُ نادانا أجبنا

فيظهر حين ينظرنا حنينا

فإنا في عداد الناس قومٌ

بما يرضي الإلهُ لنا رضينا

إذا طاش الزمان بنا حَلُمنا

ولكنَّا نُهينا أن نهينا

وإن شئنا نثرنا القول درّاً

وإن شئنا نظمناهُ ثمينا

وإن شئنا سلبنا كلّ لبٍّ

وإن شئنا سحرنا المنشئينا

محمد عثمان جلال

هو ابن يوسف الحسني الونائي ولد سنة 1245 ( 1829 ) ودرس في صغره اللغات في مدرسة الألسن في حي الأزبكية ثم دخل سنة 1261 ( 1844 ) في قلم الترجمة ثم انتدبته الحكومة لأشغال الكتابة في وزاراتها إلى أن استوزره توفيق باشا الخديوي واتخذه لصحبته في رحلته إلى جهات القطر المصري فكتب تأليفه ( السياحة الخديوية ) ثم تقلد القضاء في محكمة الاستئناف وأحيل على المعاش سنة 1895 وكانت وفاته في 16 كانون الثاني سنة 1898.وللمترجم عدة تآليف نقل بعضها من الافرنسية كرواية بول وفرجيني وكأمثال لافونتين نظمها بالشعر ودعاها العيون اليواقظ في الأمثال والمواعظ دونك مثالاً منها وهو مثل البخيل والدجاجة:

كان البخيل عنده دجاجةْ

تكفيهِ طولَ الدهر شرَّ الحاجةْ

في كل يوم مَر تُعطيهِ العجبَ

وهي تبيضُ بيضة من الذهَبْ

فظن يوماً أن فيها كنزاً

وإنهُ يزداد منهُ عزاً

فقبضَ الدجاجةَ المسكينُ

وكان في يمينهِ سكينُ

وشقتَّها نصَفينِ من غفلتهِ

إذ هي كالدجاج في حضرتهِ

ولم يجد كنزاً ولا لَقيَّهْ

بل رُمَّةً في حُجْرهِ مرميَّةْ

فقال: لا شكَ بأنَّ الطمعا

ضيع للإنسان ما قد جمعا

وكان محمد عثمان يحب اللغة المصرية العامية فنقل إليها عدة روايات تمثيلية عن الشاعرين راسبن وموليار تصرف فيها بعض التصرف.ومن ظريف شعره قوله يمدح الحضرة الخديوية العباسية سنة 1309:

من يضاهيكَ في العلى مَنْ بُداني

يا عزيزاً لهُ علينا يَدانِ

يدُ حكمٍ بالعدلِ لا يَعتريها

عارضُ الميل فهي كالميزانِ

ويدٌ العطاء كالنيل قد فا

ض بإنعامهِ على البلدانِ

وله في رثاء عبد الله باشا فكري:

همامٌ على فوق السماء بفكرهِ

فمن ثمَّ سمتهُ الأفاضلُ بالفكري

فتى غاص في بحر المدارس رأيهُ

فأخرج من حصبائه غالي الدرّ

وسال غديرٌ من عذوبة لفضلهِ

فأنضج أثماراً على يانع الزهرِ

زها نجمهُ دهراً بمصرٍ فلم يَجدْ

قريناً ولكن لا أمانَ إلى الدهرِ

ثلاثُ لغاتٍ كالعرائس حازها

بهمَّته لا بالجهاز ولا المُهْرِ

من العرب العرباء كان إذا حكى

وحرّر بالنظم البديع أو النثر

وكان لأهل الفارسَّية تحفةٌ

بمعلومهِ الوهبيّ يحكي ليزّدْجر

ونال بديوان المعارف رفعةً

مفضلةً من فضل زيد على عمرو

فوا أسفاً وأراهُ قبرٌ ولو درى

لآثر سوداءَ القلوب على القبرِ

وما مات ليثٌ أورث الغابَ شبلهُ

ولا كان هذا الغابُ يخلو من الزأرِ

وممن جمع في مصر بين الآداب التركية والعربية ( حسن حسني الطويراني ) ولد في مصر 1266ه ( 1850م ) وتوفي الآستانة سنة 1315 ( 1897 ) نشط منذ حداثته إلى العلم والأدب حتى برز بين كتاب زمانه وقضى قسماً من عمره في السياحة في أفريقية وآسية وبلاد الروملي وأنشأ عدة جرائد كالزمان والإنسان والنيل والعدل ومجلة المعارف والمجلة الزراعية.وألف تآليف عديدة دينية واجتماعية وأدبية بعضها تركية وبعضها عربية.وله ديوان شعر دعاه ثمرات الحياة اختار منه قسماً عبد الغني العريسي وطبعه في مصر سنة 1325.فهذه بعض أمثال نقتطفها منه قال مفتخراً:

إن كنتَ محتقراً حالي وتجهلُها

سَلْ عارفاً عن شأني فتعرفني

أنا الذي ما سَمعتْ بي للخَنا قدَمٌ

ولا شكا همَّتي من كان يصحبُني

لي جانبٌ لصديقي هَينٌ أبداً

وجانبٌ لعدوّي ثم لم يلنِ

ولي لسانٌ أرى أن تبقى بضاعتهُ

ولي فؤاد بحب الباقياتِ فني

وقال أيضاً:

غيري تغيرُهُ الصروفْ

وسِوايَ تُفْزعهُ الحتوفْ

وأنا الذي لا عيبَ لي

إلا اقتحامي للمَخوفْ

لا أتقي بأس القوي

ولا يَرى بأسي الضعيفْ

حسبي يُقال: سكوتهُ

أدبٌ ومَنطِقهُ شريفْ

لا تقلْ إني صديقٌ

أو فلانٌ لي صديقْ

إنما أنت وهذا

لرفيقٍ في طريقْ

فاجتماعُ في اتساع

وافتراقٌ وقت ضيقْ

ومن محاسن أقواله:

إن الحياة وطيبها ونعيمها

ممَّا يؤمَّلُ في الزمان ويُعْشقُ

غاياتنا فيها بدايةٌ غيرنا

كالشمس مَغْرُبها لغيرك مشرقُ

وقد اشتهر في مصر غير هؤلاء ممن تخصصوا ببعض الفنون ونالوا السبق في بعض الأعمال فصنفوا فيها المصنفات المفيدة.منهم ( محمود باشا الفلكي ) ولد سنة 1220 في مديرية الغربية وتوفي في مصر سنة 1303 ( 1805 - 1881 ) تقلب في المناصب الخطيرة وتولى وزارة المعارف وقد عرف خصوصاً بتآليفه الفلكية ورسم الخرائط وضبط التقاويم التاريخية لا سيما العربية ووصف مقياس النيل.وله أيضاً بعض التآليف الأثرية كرسالته في الإسكندرية القديمة وفي الأهرام وغير ذلك وقد صنف يعض هذه التآليف في الافرنسية فحل بين علماء الإفرنج محلاً أثيراً. ومنهم ( محمد باشا مختار ) كان مولده في بولاق مصر سنة 1835 وتوفي في 20 تشرين الثاني سنة 1897 تعلم في مدرسة دار العلوم وانتظم في الجندية وترقى فيها إلى رتبة لواء سنة 1886 وقد اشتهر في حروب السودان.وكان متضلعاً بالعلوم الفلكية والرياضية ألف فيها عدة تآليف بالعربية والافرنسية.وله ما خلا ذلك تراجم لبعض الخاصة كمحمود باشا الفلكي والجنرال ستون الأميركي وكتب في وصف بلاد السودان والحبشة رسائل حسنة. ومنهم ( محمد علي باشا الحكيم ) ولد سنة 1228 في مديرية المنوفية درس العلوم الطبية فنال منها حظاً وافراً إلى أن تعين رئيساً للمدرسة الطبية في مصر وقد رافق سعيد باشا في رحلته إلى أوربا.ولما انتشبت الحرب المصرية مع الحبشة سنة 1877 سار في رفقة الحملة إلى تلك البلاد وفيها توفي سنة 1293 ( 1813 - 1877 ) وله تآليف طبية في فنون الجراحة وقانون طبي ورسائل مختلفة. وقد اشتهر مثله في الطب والجراحة ( الدكتور دري باشا ) الذي ولد وتوفي في القاهرة ( 1257 - 1318 - 1841 - 1900 ) ودرس في مدرسة القصر العيني وألف التآليف المشهورة في الطب كتذكار الطبيب ورسالة في الهيضة.وصنف غير ذلك أيضاً كترجمة حياة علي باشا مبارك والتحفة الدرية في مآثر العائلة الخديوية.وفيه قال الشيخ علي أبو يوسف الأزهري يمدحه:

لو نلتُ في الدهر ما أبغيهِ لم ترَني

في مدح من شئت إلا ناظم الدُّرّ

أو كنتُ أدلجتُ في المسرى فليس إلى

شيء يكون سوى الكوكب الدري

أو أن ألمت بي الإسقامُ في زمنٍ

لم استطبْ سوى بالماهر الدري

فهو الحكيم الذي لم يشكُ ذو مرضِ

إلا ونادى به يا كاشف الضرِ

وممن له حصل شهرة في طب في مصر ( حسين بك عوف الكحال ) المتوفى سنة 1301 ( 1883 ) و ( محمد بك حافظ ) المتوفى سنة 1305 ( 1887 ) درسا أمراض العيون في القصر العيني ثم في أوربا.ونشر الأول كتاباً في الرمد والثاني في تشخيص أمراض العين.وفاق عليها شهرة ( سالم باشا سالم ) في العلوم الجراحية التي أتقنها في مدارس ألمانية ثم أسندت إليه رئاسة مدرسة الطب في القاهرة فنشر عدة تآليف طبية أشهرها وسائل الابتهاج إلى الطب الباطني والعلاج.توفي 1311 ( 1893 ).ونال في الصيدلة نصيباً حسناً ( علي بك رياض الصيدلي ) المتوفى سنة 1317 ( 1899 ) له تأليف في الأعمال الاقرباذينية والمادة الطبية والتاريخ الطبيعي. وقد اشتهر في فن الدعاوى وعلم القوانين والرياضات والموسيقى الشرقية ( شفيق بك ) ابن منصور باشا يسكن ولد في القاهرة 1856 ومات في عز شبابه سنة 1890 يعد أن خدم العلم مدة بالتعليم والتصنيف.ومن تآليفه كتاب التفاضل والتكامل وكتاب في أصول الحساب والجبر والهندسة والهينة ورسالة في الموسيقى عرب تأليف مختار باشا ( رياض المختار ) من التركية ونقل تاريخ مصر الجبرتي إلى الافرنسية.ونقل من الافرنسية بعض المؤلفات إلى غير ذلك مما أثار الأسف على فقده قبل بلوغه الكهولية. وقد كان لغير هؤلاء المصريين بعض الشهرة أيضاً في فنون شتى كالشيخ ( إبراهيم ابن عبد الغفار الدسوقي ) الذي ولد سنة 1226 وتوفي سنة 1301 ( 1811 - 1882م ) ثم بعد أن درس في الأزهر تولى فيه تعليم العربية ثم نقل إلى الهندسخانة الخديوية واشتغل في الرياضيات وسعى بطبع الروضة السندسية في الحسابات المثلثية.وتعين مدة لتصحيح مطبوعات بولاق وأنشأ جريدة الوقائع المصرية.ومن تآليفه حاشية على المغني.وعليه درس العربية المستشرق الإنكليزي لان ( E.W.Lane ) الشهير بمصنفاته الشرقية ولا سيما معجمه العربي الإنكليزي الواسع. ومنهم الأديب عبده حمولي ( 1845 - 1901 ) نبغ بالموسيقى العربية وأعاد لها شيئاً من رونقها المطموس بما وضعه من الأنغام وأحدثه من أصول الفن. ^

أدباء العراق

أصاب قطر العراق بعض الخمول غفي أواخر القرن التاسع عشر فلم ينل فيه الشهرة في الكتابة إلا القليلون.هذا إلى انقطاع أخبارهم عنا وندرة المدارس والمطبوعات في تلك الجهات. وممن اتصلت بنا منظوماته ( الملا حسن الموصلي البزاز ) اشتهر في أواسط القرن التاسع عشر وتوفي في عشره الأخير.له ديوان شعر طبع بمصر سنة 1305 بهمة تلميذه الحاج محمد شيث الجومرد الموصلي الذي ذيّل الديوان بنبذ من شعره.وقد اتسع حسن البزاز في قصائده بمدح أصحاب الطرائق المتصوفين.ومن شعره ما وصف به اشتداد البرد وسقوط الثلوج في الموصل في أواخر رجب سنة 1277 ( كانون الثاني 1861 ):

تجلى علينا عارضٌ غيرُ ماطر

ولكنهُ بالثلج عمَّ نواحيا

فأصبحت الخضراء بيضاء قد زهت

وعادت رباها والبطاحُ كواسيا

وكم بسمات منهُ يدُ البرد والشتا

بساطاً على وجه البسيطة باهيا

وكم جبل راس يقولُ مُفاخراً

ألم تنظروا وقد عَّمم الثلجُ راسيا

فقلت به إذ كان شاذاً وقوعهُ

ليذكرهُ من بعدُ من كان باقيا

غمامٌ مكانون مدانا مؤرخاً

حبا مصرَنا برداً من الثلج زاهيا

( 1277 )ومن ظريف قوله في حبه تعالى وعمل الصالحات لوجههِ عز وجل:

لئن لم يكن في الصالحات مَثُوبةُ

وليس على العصيان منهُ عقابُ

إطاعُتُه عندي نعيمٌ وجنةٌ

وعصيانهُ قبل العذاب عذابُ

وقال يرثي أخويه علياً ومصطفى:

يكينَ حماماتُ الأراك لغربتي

ونحنَ على فقدان ما أنا فاقدُ

لقد غاب عني فرقدٌ بعد فرقدٍ

وقد بات عني ماجدُ ثمَّ ماجدُ

وما لي عزاءٌ عنهم غير أنني

بهم ملحقٌ يوماً وما أنا خالدُ

ومن أدباء العراقيين ( إبراهيم فصيح الحيدري ) كان مولده في بغداد سنة 1235 ( 1820 ) من بيت علم وفضل وسافر إلى دار الخلافة وحصلت له رتبة الحرمين مدة وتولى نيابة القضاء في بغداد وله بعض التآليف وفيها الغث والسمين توفي سنة 1299 ( 1881م ). ومنهم السيد ( صالح القزويني ) هو ابن السيد مهدي الحسيني.ولد في النجف في أواسط شهر رجب 1208 ( 1793 ) وبها توفي في 5 ربيع الأول سنة 1301 ( أوائل كانون الثاني سنة 1883م انقطع منذ حداثته إلى درس العلوم الدينية والدنيوية على مشايخ وطنه فتضلع منها ثم نبغ بالشعر فقصد القصائد وتعنن في المنظومات.وقد جمع شعره في ديوانين واسعين.وانتقل في شبابه إلى بغداد فوجد بين أهلها أطيب مثوى إلى آخر حياته.فمن شعره قوله في وصف بغداد:

تالله ما الزوراء إلا جنَّة

الفردوس فيها وافرُ النعماءِ

ما الترْب إلا عنبرٌ ما الماءُ إلا

كوثرُ يَبري عُضالَ الداء

وكأن بين رياضها وحسانها

دررُ على ديباجةِ خضراء

ومن حكمه قوله:

لم يَشْرَبْ الصفو من لم يشرب الكدرا

وليس يَخُطرُ من يركب الخطرا

ولم يَفُزْ بالمنى من ذلَّ جانُبهُ

ولم يَطُلْ في الورى من باعُهُ قصُرا

أولى الورى بالعُلى من أكْرَمها

كفاً وأشرَفها ذكرا إذا ذُكرا

جردْ لنيل المعالي صارماً ذكراً

من العزائم يبري الصارمَ الذكرا

ومُدَّ كفاً إلى العلياء باسطةً

لمجد بُرْداً بطَي البيدِ منتشرا

شمر من اعزم أذيالاً وكن رجلاً

بالحزم يَملأ سماعَ الدهِر والبصرا

ومنهم ( الشيخ إسماعيل الموصلي ) ولد في الموصل وجاء إلى بغداد في أبان شبابه ودرس في مدرسة الصاغة عدة سنن حتى وفاته في 28 ذي الحجة سنة 1302 ( 1884 ) حنفي المذهب على الطريقة النقشبندية.وكان إماماً في العلوم اللدنية وبرز في النحو وفي الفنون النقلية والعقلية.وقد أعقب جملة من الأبناء كلهم من طلبة العلم أكبرهم محمد راغب خلف أباه في التدريس.ولأحمد فارس الشدياق قصيدة يمدح فيها الشيخ إبراهيم ويثني على معارفه منها:

كل ما لذهم فذلك عندي

ألمٌ غير ذكر إبراهيما

عبقريٌ مهذبٌ قد حوى في

صدرهِ قبل أن يشبَّ العلوما

ولهذا يُدعى فصيحاً وقد جا

ء وأجاد المنثورَ والمنظوما

وقوافٍ من كل بحرٍ إذا ما

سُردت خلتهنَّ دراً نظيما

عن أبيه وجده مستفيضٌ

كلُّ فضلٍ فكان إرثاً مقيما

ومنها في شكر الشيخ لمدافعته عنه وانتصاره له:

رد عني السنيةَ بالنظم والنثر م

فكانا لذا الرجيم رجوما

علم الناس إبرهيمَ خليلاً

وصديقاً لي أن دعوت حميما

هذه مدحتي فإن كنت قصر

تُ فإني مدحتُ براً حليما

ومنهم ( عبد الله أفندي العمري الموصلي ) من أدباء وطنه المعدودين وأحد رؤساء علماء العراق.له فضول نثرية وأشعار متفرقة لم تجمع حتى اليوم وقد مدحه علماء زمانه منهم عبد الباقي العمري نسيبه حيث قال:

ليت شعري ماذا أقول بمولى

قد أقرَّت بفضاء الأعداءُ

فيه قرَّت عيونُنا واستنارت

وازدهت في وروده الخضراءُ

يا أديباً سما سماءً المعالي

كيف ترقى رُقيَّتك الأدباءُ

نلتَ حدَّ الإعجاز نظماً لهذا

خرستْ دون نطقك الفصحاءُ

أنت يا سيدي بغير رثاء

خُتمَ النظمُ فيك والإنشاء

ورثاء حسن البزاز فقال من قصيدة:

قضى الحبرُ الذي للعلم جبرٌ

به فرجاء أهل العلم يأس

كفى ما قد جرى إن غاض بحرٌ

وغابت من سماء المجد شمس

أساء الموتُ فيهِ كل نفسٍ

وطابت منهُ في الفردوس نفسُ

هو التاج الشهير بكل فضلٍ

تباهى فيه للعلياءِ رأسُ

كأن الموت نقَّاد بصيرُ

أحسَّ بما يحاولُ منهُ حسُّ

تفرَّد فانتقى منا نقيًّا

تحسَّرَ بعدهُ عربٌ وفٌرْسُ

وجارى عبد الله أفندي العمري في معارفه وبلاغة كتاباته ( شهاب الدين العلوي ) أحد رجال وطنه المقدمين يعده العراقيون كفارس حلبة الآداب في زمانه.له ديوان شعر لم ينشر بالطبع وكان يكاتب علماء عصره ويناوبهم الرسائل الأدبية والقصائد الرنانة ومن شعره الذي قاله في الوصف قصيدته التي رويناها في المشرق ( 740: 10 ) يصف فيها طغيان دجلة أولها:

طغيان دجلة خطبٌ

من الخطوب المخلةْ

ومن شعره أبيات قالها في مدح مقامات مجمع البحرين للشيخ ناصيف اليازجي:

حديقة أثمرتْ أوراقُها حكماً

لنا شماريخُها امتدَّت وقد ينعتْ

فمن يشأ يتفكه في مناقبها

ومن يشأ يتفقهْ بالذي شرعتْ

طالع تُقابلك مهاه الزمان بها

وانظر إلى صورة الدنيا وقد نصعتْ

كم أودعت نبذ اللسع قد عذُبت

ورداً ومن قلب ذاك الصدر قد نبعت

على الكمالات طبعُ اللطف أرخها

لطفاً مقاماتُ ناصيف التي طبعت

( 1885 )وله قصيدة في رثاء السيد الجليل اقليميس يوسف داود رئيس أساقفة دمشق على السريان سنة 1890 أولها:

من قوم عيسى جانبٌ تهدما

والدهرُ قد نكس منهُ علما

حطبٌ جسيم ومصابٌ عظما

بموت من أبكى عليه الأمما

قد فقدوا منه حكيماً حكما

وكان ذا علم بطب الحركا

وممن مدح الشيخ شهاب الموصلي صاحب الجوائب فقال فيه من أبيات:

شهابُ العصر خلاقُ المعاني

فهل من ذاكر للأرجاني

عزيز الشأن تفتخر المعاني

به فخر المعالي والمعاني

ولعمرك أن ما يلقيه قولاً

ليمسكي ما ينمق بالبنانِ

فذاك الدرٌّ للأسماعِ حليٌ

وهذا الشذرُ نورٌ للعيانِ

وصفتُ حلاهُ عن بُعدٍ كأني

أراهُ في علاهُ على التداني

ولا نعلم سنة توفي الشهاب الموصلي.كما أننا لم نقف على تفاصيل أخباره. ونلحق بشعراء العراق ذكر كاتبين آخرين اشتهروا في الهند أحدهما ( السيد صديق حسن خان ) وهو أبو الطيب القنوجي البخاري ولد سنة 1248 ( 1834 ) في قنوج واتصل بخدمة ملوك الهند خان بهادر وأفاد مالاً كثيراً حتى تزوج بملكة بهوبال في الإقليم الهندي المسمى دكان وجمع مكتبة واسعة واشتغل بالعلم ونشر عدة مصنفات زعم البعض أنها ليست له وإنما كلف العلماء بتصنيفها فعزاها لنفسه كفتح البيان في مقاصد القرآن وكتاب العبرة مما جاء في الغزو والشهادة والهجرة والبلغة في أصول اللغة والعلم الخفاق في الاشتقاق ولف القماط على تصحيح بعض ما استلمته العامة من المعرب والدخيل والمولد والأغلاط وكتاب أبجد العلوم.وقد جمع في كتاب دعاه قرة الأعيان ومسرة الأذهان ما أثنى به عليه أدباء الزمان.توفي صديق حسن خان سنة 1889 بعد أن تجول في البلاد وصارت له سمعة واسعة. والأديب الثاني هو السيد ( حيدر الحلي ) ولد سنة 1246 ( 1831 ) وتوفي سنة 1304 ( 1887 ) برز بنظم الشعر منذ شبابه فدعي بشاعر العراق.طبع له ديوان في بمباي في الهند معظم قصائده في النسيب والفخر والمديح.وهذه أبيات من محاسن قوله في الرثاء:

أأحبابنا هل عائدٌ بكمٌ الدهرٌ

طواكم وعندي من شمائلكم نشرُ

سلامُ على تلك المحاسن أنها

مضى فمضى في إثرها الزمنُ النضرُ

ليَ الله بعد اليوم من لي بقُربكم

وأبعدُ غاد من أتى دونه القبرُ

قفوا زَودونا إنما هي ساعةٌ

ووعدُ التلاقي بيننا بعدها الحشر

رحلتم وقلبي شطُرهُ في ظعونكم

وللوجدُ باقٍ منه في أضلعي شطرُ

وشيعتُكم والدمعُ يوم نواكمُ

غريقان فيه خلفَكم أنا والصبرُ

فكم خَلفَكم لي أنه ما لوتْ بكم

على أنها قد لان شجوّا لها الصخرُ

سأبكيكم ما ناحَ في الوكر طائرٌ

فطائرُ قلبي بعدكم ما لهُ وكرُ

وقال يمدح صرعى العلويين:

سقياً لثاوين لم تبللْ مضاجعهم

إلا الدماءُ وإلا الأدمعُ السُّجُمُ

أفناهمُ صبرُهم تحت الظُّبا كرماً

حتى مضَوا ورِداهم مِلوه كرَمُ

مشَوا إلى الحرب مشَيَ الضاريات لها

فصارَعوا الموتَ فيها والقنا أجُمُ

فالحربُ تعلمُ إن ماتوا بها فَلَقدْ

ماتَتْ بها منهم الأسيافْ إلا الهممُ

عهدي بهم قِصَرُ الأعمارِ شأنُهُم

لا يهرَمونَ وللهيّابةِ الهَرَمُ

واشتهر كذلك في العراق السيد ( جعفر الحلي ) المولود في أعمال الحلة سنة 1277 والمتوفى في عز شبابه في النجف سنة 1315 ( 1860 - 1897 ).كان شاعراً مكثراً في شعره الحسن والسقيم وقد طبع في شعره في صيداء سنة 1331 مدح أشراف القوم وخصوصاً أمراء نجد.ومن لطيف قوله يهنئ شاه العجم مظفر الدين بعد قتل سلفه ناصر الدين:

حل المظفر لما الناصرُ ارتحلا

فما خلا الدستُ حتى قيل فيه حلا

وجه تخفَّى ووجهُ بان رونقه

كالنيرَين بدا هذا وذا أفلا

نحسٌ وسعدٌ بآفاق العلى اعتركا

فالحمدُ لله إذ نجم السعودِ علا

مالت جوانبُ تختِ الملك واعتدلتْ

سرعان ما مال تختُ الملك واعتدلا

ما جرَّعَ الدين صاباً فقدُ ناصره

حتى دعاه ابنهُ أن يحتسي العسلا

كذي يَدين أمد اللهُ واحدةً

بقوةِ البطش والأخرى التوت شللا

فسلم الله للإسلام حارسهُ

ويرحمِ الله من في نصره قتلا

قام الزمان سريعاً من تعشَّره

كبا على وجهه ثم استوى عَجَلا

لقد بكينا على من قد مضى حزناً

كما ضحكنا بمن أبقى لنا جذلا

ومن شعراء العراق في أواخر القرن التاسع عشر ( الشيخ ملا كاظم الأوزي ) تفنن أيضاً في الشعر فعد من فحوله ونشر ديوانه في بمباي.ومما استحسنا له من الحكم قوله:

إن رُمتَ توطئةَ المرامِ الأصعبِ

فاركَبْ من الإقدامِ اخشنَ مركَبِ

إربا بنفسك أن تَذُودك شهوةٌ

دون انتصابِكَ فوق أشرفِ منصبِ

لا تكثرنّ من الشباب وذكرهِ

أنت ابنْ يوْمك لا ابنُ ماضي الأحقبُ

ومنها:

كم من أخٍ لك غير أُمك أمهُ

تُنسيك سيرتهُ إخاء الّمئنَسبْ

من لم تُؤذَيه خلائقُ طبعهِ

ألفيتهُ بالسيف غيرَ مؤدَّب

فأحذر عداواتِ الرجال ودارها

إن لم تكن جَدَّتْ لديك فرِّحبِ

وافطنْ لأدويةِ الأمور فإنما

سمٌُّ الأفاعي غيرْ سمّ العَقْربِ

وإذا تنكبُهُ من مكان ريحُهُ

فتخط منهُ إلى المكانِ الأطيبِ

وفي هذه الحقبة أزهر في مكة شيخ علمائها ( أحمد بن زيني المعروف بدحلان ) ولد في حاضرة الحجاز وتولى الإفتاء للشافعيين واشتغل بالعلوم مدة وفي زمانه أنشئت في مكة أول مطابعها فكان السيد دحلان متولياً نظارتها ونشر فيها تآليف من قلمه كالجداول المرضية في تاريخ الدول الإسلامية وكتاب الفتوحات الإسلامية في جزأين كبيرين.وكان طبع في مصر قبل ذلك كتباً أخرى كالسيرة النبوية والفتح المبين في فضائل الخلفاء الراشدين وخلاصة الكلام في بيان أمراء البلد الحرام طبعه في مصر ثم أضاف إليه ملحقاً طبعه في مكة.توفي الشيخ دحلان سنة 1886 في المدينة بعد أن سار إليها في رفقة الشيخ عون الرفيق لما خرج هذا من وجه حاكمها عثمان باشا. ونختم هذا الفضل في أدباء المسلمين بذكر أحد مشاهير رجال الدولة التركية الذي رفع في أمته لواء الآداب فضلاً عما أحرزه من المجد في تدبير الأمور وحسن السياسة نعني به الوزير الخطير ( أحمد جودت باشا ).ولد في لوفجة في ولاية الطونة سنة 1238 ( 1822 ) وانكب منذ حداثته على درس العلوم الدينية والدنيوية وبرع في اللغتين الفارسية والعربية فضلاً عن لغته التركية.وليس من غايتنا أن نتقفى آثار المترجم في المأموريات التي تولاها والمناصب التي تقلب فيها في كل الدواوين منها الأحكام العدلية ونظارة المعارف إلى أن بلغ رتبة الوزارة السامية وانتظم في سلك شورى الدولة.وإنما نكتفي بذكر مؤلفاته فأعظمها شأناً تاريخه لآل عثمان في تسعة مجلدات عرب جزؤه الأول جناب عبد القادر أفندي الدنا فطبعه في بيروت سنة 1308.وله رسائل عربية وتعليقات.ونقلاً قسماً من مقدمة ابن خلدون إلى التركية وصنف عدة كتب مدرسية للأحداث ظهر بعضها في العربية.وكان جودت باشا أحد الأتراك القليلين الذين بلغوا من آداب العرب مبلغاً واسعاً.أما معارفه في اللغة التركية فيعد فيها إماماً وحجة.كانت وفاتته سنة 1312 ( 1894 ). ومن أدباء الإسلام في تونس ( الشيخ محمد بيرم ) ولد فيها سنة 1256 وتوفي في مصر سنة 1307 ( 1840 - 1889 ) تقلب في بلاده في المناصب الخطيرة كنظارة الطابع ونظارة الأوقاف وقد لعب دوراً مهماً في مناهضة الحكم الاستبدادي في وطنه وعضد الشورى إلا أن آماله خابت بعد فرنسة سيطرتها على بلاد تونس فانتقل إلى مصر وخدم فيها السياسة الإنكليزية وولي القضاء في محكمتها الابتدائية.وله آثار أدبية أخطرها كتابه صفوة الأخبار بمستودع الأمطار ضمه تاريخ تونس وأخبار سياحاته في أنحاء أوربا.وله رد على بيتان في ما كتبه عن الإسلام وكتاب في فن العروض ومقالات اجتماعية حاول فيها بيان طرق إصلاح الإسلام وتقريبهم من عوامل التمدن الحديث. ^

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي