تاريخ الآداب العربية (لويس شيخو)/أدباء النصارى

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

أدباء النصارى

أدباء النصارى - تاريخ الآداب العربية (لويس شيخو)

توفر في هذه الحقبة عدد الذين اشتهروا بملازمة الآداب العربية فانتقلوا في أثنائها إلى دار البقاء.وهانحن نقدم عليهم ذكر أحبار الكنائس الشرقية وكهنتها الذين خلفوا شيئاً من آثار قريحتهم.

الأساقفة

رُزى ( الموارنة ) بوفاة أحد كبا رجالهم السيد ( بطرس زغبي ) رئيس أساقفة قبرس في 28 تشرين الأول سنة 1910 كان مولده سنة 1833 وتخرج في مدرسة عين ورقة ثم في مدرستنا الاكليريكية في غزير.نشر مع الخوري يوسف البستاني مجموعاً مدرسياً لطيفاً تحت عنوان نخب الملح وغرة المنح مع شروح واسعة وطبعاه على الحجر في مطبعتنا البيروتية في أوائل عهدها سنة 1850 وكان خطيباً مصقعاً. وفي أواسط السنة 1914 قبيل الحرب الكونية برح الحياة الفانية المأسوف عليه كثيراً لسمو فضله السيد ( يوسف نجم ) مطران عكا شرفاً والنائب البطريركي.أفاد طائفته بتعريبه المدقق والفصيح لأعمال المجمع اللبناني وطبعه في مطبعة الأرز في جونية سنة 1900 طبعاً متقناً. وفجعتنا الحرب الكونية بوفاة حبرين آخرين جليلين السيد ( بطرس شبلي ) رئيس أساقفة بيروت والمطران ( يرسف صقر ) رئيس أساقفة حماة.عرف الأول بثقوب فهمه وسعة معارفه التاريخية والأثرية نشر نبذاً منها في المجلات الأجنبية والوطنية.وقد اكتسب شكرنا بنشره لترجمة نابغة طائفته البطريرك اسطفانوس الدويهي فأنجر طبعها سنة 1913.وكان السيد بطرس شبلي درس مدة في كليتنا ثم رحل إلى باريس فدرس في مدرستنا الكهنوتية الشهيرة بسان سولبيس.وقد توفي في آطنة في السابعة والأربعين من عمره ضحية محبته لفرنسة في 20 آذار سنة 1917.أما السيد يوسف صقر فأحرز كل علومه في مدرستنا الاكليريكية البيروتية وتوفي بعد شهر من وفاة السيد شبلي في 20 نيسان 1917 نشرنا له في المشرق مقالات حسنة في أخلاق اللبنانيين وعاداتهم القومية.

الروم الكاثوليك

وفي هذه الحقبة الثانية من القرن العشرين استأثر الله بذاك الحبر الجليل ذي المآثر الطيبة المطران ( جرمانوس معقد ) المولود في دمشق سنة 1853 والمتوفى في بيروت في 13 شباط من السنة 1913 وكل يعرف ما أفاد به الوطن من الأعمال الشريفة لا سيما إنشاؤه لجمعية المرسلين البولسيين الذين يشتغلون في كرم الرب بغيرة وثبات.وقد أغنى الآداب العربية بتأليف شتى منها دينية كرحلة الفيلسوف الروماني والكلام الحي وسبيل الصلاح وحسن الختام.ومنها طقسية كرفيق العابد والسواعية والميناون وتفسير القداس وخدمة الفصح ونشائد روحية وتحقيق الأماني لذوي الطقس اليوناني.ومنها أدبية لطيفة كذخيرة الأصغرين ورواية حسناء بيروت ومقالات وفصول ممتعة نشرت في مجلة المسرة التي أنشئت بهمته وجمع بعضه في كتابه السلوة فاستحق بها جميعاً شكر الوطن ( 1 ). وفي أيام الحرب المشئومة توفي في دمشق في 17 شباط 1916 رئيس أساقفة صيداء السيد ( باسيليوس حجار ) المولود في أوائل سنة 1839 في جزين بعد أن خدم طائفته الكريمة بصفة كاهن غيور ثم في رتبة متروبوليت على بصرى وحوران 1870 وأخيراً على صيداء من السنة 1887 إلى سنة وفاته.عرف حيثما حل بجده ونشاطه في خدمة طائفته.له من آثار القلم تعريبه لكتابين الطوبوي اليسوعي الكردينال بلرمين وهما وصية السيد المسيح الأخيرة على الصليب وسُلم السعادتين مع تأليف له في وصف مقام سيدة المنطرة بجوار صيداء. ومن ضحايا الحرب الكونية بين ( الكلدان ) السيد الجليل المطران ( أدّي شير أبرهينا ) رئيس أساقفة سعرت قتله الأتراك جوراً فمات ميتة الأبرار الشهداء في منتصف صيف السنة 1915 وهو في عز كهولته في الثامنة والخمسين من عمره ( 1 ) وقد نفع الوطن والآداب بما نشره من التأليف التاريخية والدينية والأدبية كتاريخ كلدو وآثور طبع منه جزأين وفقد باقيه في الحرب.ومن مآثره تاريخ مدرسة نصيبين الشهيرة والألفاظ الفارسية في العربية ونشر في المجلات الأوربية وصف مخطوطات مكاتب ماردين وديار بكر وسعرت والموصل ونشر في مجموعة الآباء الشرقيين تاريخاً قديماً لأحد النساطرة.هذا ما عدا تأليف كلدانية مدرسية عديدة.وله في المشرق فصول مدققة عن طائفة الكلدان جازاه الله خيراً. وفي أثناء الحرب المذكورة فقد الكلدان أسقفاً آخر السيد ( توما اودو ) مات أيضاً ضحية الأتراك والعجم في كرسي أسقفيته اورميا في شهر آب 1918 كان مولده في ألقوش سمة 1855 وقد اشتهر خصوصاً بما نشره من التأليف الكلدانية في مطبعة الموصل للآباء الدومنيكان أخصهم معجم مطول للكلدانية الحديثة في جزأين وترجمته الكلدانية كتاب كليلة ودمنة وقوانين المجمع التريدنتيني وميزان الزمان للأب نيرنبرج اليسوعي. وفي آخر شهور الحرب في 20 آب 1918 توفي من ( السريان ) في مدرسة الشرفة أسقف رستن شرفاً السيد ( أوسطاثيوس موسى سركيس ) المولود في دمشق 1848.كان أحد تلامذة مدرستنا الاكليريكية في غزير علّم العربية في كليتنا ثم ترأس عدة سنين على مدرسة الشرفة.ومن آثاره تعريبه لكتاب التاريخ المقدس للأب شوستر المطبوع في مطبعتنا سنة 1910. وتوفي من أساقفة الروم الأورثذكس في ومن الحرب في أميركا السيد ( رافائيل هواويني ) أسقف بروكلين في 27 شباط 1915.كان مولده في بيروت سنة 1860 ودرس في مدرسة خالكي في الآستانة.ثم أقيم سنة 1895 راعياً للجالية السورية الاورثذكسية في نيويورك فنشر هناك مجلة الكلمة سنة 1905 ونقح كتب طائفته الطقسية كالقنداق والأفخولوجي.ومن تأليفه كتاب اللمحة التاريخية في أخوية القبر المقدس اليونانية.

الكهنة العلمانيون والرهبان المرسلون

فقدت الآداب العربية أحد أفاضل كهنة الأرمن ورجال البر والصلاح الورتبيت ( بولس بليط ) ولد في حلب سنة 1827 وفيها توفي في 12 ت1 سنة 1910.أوقف حياته على خدمة آل وطنه عموماً وأبناء طائفته خصوصاً فاشتهر بقداسته وسمو فضائله وأوقف قلمه في أوقات الفراغ على تأليف الكتب من لاهوت وفلسفة وتاريخ وعبادات طبع قسماً منها مثل كتابة الدعامة في وجود الله وخلود النفس وكتاب النبراس في خمس محاورات دينية وتاريخ أبرشية حلب الأرمنية في مجلة المشرق.وعرب كتاب رياضة تشرين الثاني لإسعاف الأنفس المطهرية.وله عظات ومياومات تاريخية ورحلة إلى الآستانة ورومية سنة 1869 لحضور المجمع الواتيكاني ( 1 ). وفي السنة التالية في 5 ت1 1911 أسف حلب أيضاً على فقد أحد أبنائها العريقين في الآداب العربية القس ( توما أيوب ) السرياني الكاثوليكي المولد في شهباء في 22 آذار سنة 1861 درس العلوم في كليتنا الاكليريكية وفي دير الشرفة وانقطع بعد كهنوته في وطنه للتدريس والتأليف وكان مولعاً بدرس العربية فجمع له مكتبة حسنة من مخطوطاتها ومطبوعاتها.وقد تخرج عليه كثيرون من الشبان وكان يجتمع بأدباء حلب فيتفاوضن في الفنون الأدبية واللغوية وقد عرب روايات عديدة منها للتمثيل ومنها خيالية أدبية طبع منها وراية فابيولا ورواية إلى أين ورواية الكفارة في مطبعتنا الكاثوليكية وكلها تمتاز ببلاغتها.ومن تآليفه الروحية تحقيق الأمنية في عبادة الوردية. وفي أيام الحرب الكونية فجعت الطائفة المارونية بأحد كهنتها الضليعين بالآداب الدينية والدنيوية معاً المنسنيور ( يوسف العلم ) توفي في شهر تشرين الثاني سنة 1917 في داريا.كان أحد تلامذة عين ورقة الممتازين فرقي في طائفته إلى مناصب شريفة كالرئاسة على مدرسة الحكمة والنيابة الأسقفية.له تآليف عديدة نشرت بالطبع كتعريبه لتفسير رسائل مار بولس وكتاب قداسة الكاهن واعترافات مار اوغسطين وتأملات الوردية ومن آثاره النثرية والشعرية كثير مما نشرناه في مجلة المشرق ثم جمعه في كتاب دعاه ( نفثات القلم على يد العلم ). وفي تلك السنة عينها توفي في 18 شباط 1917 كاهن ماروني آخر كانت طائفته توسمت فيه الخير وهي تنتظر منه خدماً جلى الخوري ( لويس دريان ) مولود بيروت سنة 1879.كان درس العلوم في جامعة لوفان الشهيرة فنال شهادتي الدكتورية في الفلسفة واللاهوت.ولما عاد إلى وطنه أحب أن ينفق عليه كنز علومه فنشر سنة 1906 كتاباً في الفلسفة التوماوية بين فيه فضل القديس توما الاكويني في علمي الفلسفة واللاهوت.ونشر بعض المواعظ التي ألقاها في كنيسة مار مارون تحت عنوان ( الاعتقاد تجاه العقل والدين ).وعرب للفلكي الأب مورو كتاب ( من أين جئنا ) وللاجتماعي جول ليمتر كتابه ( تهذيب الإرادة ) ونشر في مطبعته المعروفة بمطبعة النهضة تآليف أدبية شتى وخصوصاً مجلته ( الرسالة ) والمحاسن الروائية. وفي زمن الحرب رزنت الطائفة اللاتينية في القدس الشريف بأحد كهنتها الإجلاء ( دون خليل مرتا ) الذي تخرج في مدرستنا الاكليريكية في غزير وانتدبه السيد البطريرك إلى تهذيب التلامذة المترشحين للكهنوت في القدس فخدمهم سنين طويلة وقد ألف لتدريسهم كتابه الخلاصة الجليلة في قواعد اللغة العربية في جزأين ونشرنا له في المشرق مقالات لغوية وتاريخية وانتقادية غاية في الحسن والدقة.وكان المذكور ضليعاً أيضاً بعلم الآثار فشر بالفرنسوية والإيطالية كتباً حسنة منها كتابه عن دار بيلاطس وعن موقع بيت أيل ومكان وفاة مريم العذراء والتحفة الكريمة في الجمعة العظيمة. وفي هذه الحقبة الثانية خسرت رسالتنا السورية بعض مرسليها العاملين الذين تركوا آثاراً طيبة من قلمهم.نخص منهم بالذكر الأب ( أنطون ربّاط ) الذي كانت تُبنى عليه آمال طيبة لخدمة الآداب والوطن فاستأثر به الله في 11 أيار سنة 1913 وهو لم يتجاوز السادسة والأربعين من عمره ومع قصر حياته أمكنه أن ينشر قسماً حسناً من الآثار التي كان جمعها في خزائن أوربة.فمن ذلك مجلدان في عدة أجزاء نشر فيها آثار تاريخية جليلة عن كنائس الشرق منذ القرن السادس عشر.ومن مطبوعاته الممتعة روايته التمثيلية البديعة في نكبة البرامكة ومقالاته عن صحة الأناجيل المقدسة وسلامتها من كل تحريف وعدة آثار تاريخية قديمة كرحلة أول شرقي إلى أميركة وترجمتي الأسقفين ناوفيطس نصري وعبد الله قرأ ألي وقد ترك مخطوطات لم يسمح له الوقت بنشرها. وفي الجمعة الأولى من الحرب العمومية في آب 1914 أصيبت رسالتنا بفقد كاهن آخر ترأس على كليتنا في بيروت مدة سبع سنين وهو الأب ( جبرائيل أده ) الذي توفي في القاهرة وهو ساع في لقاء مواعظ رياضة روحية هناك.كان خدم سنين طويلة الآداب العربية بالتدريس والتأليف.تكرر مراراً طبع كتابه القواعد الجلية في علم العربية.ولم يذخر وسعاً في تعزيز اللغة العربية بين الناشئة. وانتقل أيضاً إلى جوار ربه في زمن الحرب في غزير الأب ( أدوار سازاني ) في غرة شباط سنة 1916.خدم الآداب الدينية بتعريب بعض الكتب التقوية في العبادة نحو مريم وفي حب يسوع المستقيم. وفي 28 أيلول من تلك السنة قتل في الحرب الكونية بينما كان يتفانى في ساحة الوغى بعلاج الجرحى الأب ( فردريك بوفيه ) الذي كان علم الآداب والبيان في كليتنا وعني بجمع تاريخ مطول لسورية من عهد الفتح الروماني إلى زماننا فطبعه على الحجر بالفرنسوية في نيف و600 صفحة.ونشر في مجلة الشرق المسيحي تاريخ الشام على عهد الدولة الطولونية وكان المذكور ضليعاً بعلوم الأديان. وقبل ختام السنة عينها في 16 ك1 1916 قضى نخبه في عين ابل في بلاد البشارة الأب ( يوسف حوّاء ) الحلبي الأصل.ولد سنة 1851 وتقلب في عدة وظائف مدنية في لندن ثم ترهب سنة 1882 واشتغل بالأعمال الرسولية مدة سنين عديدة في رسالتنا السورية.نشر في مطبعتنا معجماً ضخماً في اللغتين العربية والإنكليزية. وفي السنة التالية في 4 أيار 1917 توفي في مستشفى الراهبات الألمانيات الأب ( دونا فرنيه ) المعروف بالأب عطاء الله المولود في فرنسة سنة 1836 خدم الآداب العربية بتأليف واسع في أصول اللغة العربية وألف ترجمة القديسة جان درك وعرب كتاب الاقتداء بالمسيح، وله تآليف شرقية مخطوطة في مكتبتنا بالعربية والإفرنسية. وفي 23 من الشهر والسنة ذاتهما توفى الله مرسى آخر من الرهبانية الإفرنسيسية في حريصا الطيب الذكر الأب ( فرنسيس فرا ) الحلبي نشر في مطبعة القدس تآليف دينية حسنة كالروضة الروحية وتعريب فصيح للاقتداء بالمسيح وغير ذلك. وفي 2 نيسان من العام المقبل 1918 منيت أيضاً رسالتنا بوفاة أحد عملتها النشيطين الواسعي الفضل الأب ( لويس رنزفال ) مات في رومية بعد نفيه من سورية بسبب الحرب.أدى العلوم الشرقية خدماً جمة بالتعليم والتأليف في فنون مختلفة.وقد تولى إدارة مجموعة مكتبنا الشرقي.له فيها عدة آثار لغوية وفنية وقد نشر في المشرق رسالة الدكتور مشاقة في الموسيقى العربية ثم نقلها إلى الافرنسية وذيلها بالحواشي.وقد كتب في أبحاث متعددة عن اللغات اليونانية والتركية في مجلة باريس الآسيوية ونشر رسالته من كتب الدروز مع الأب يوسف خليل وله في المشرق عدة مقالات فلسفية وتاريخية وأدبية. فترى أن علية الأكليروس وكهنة الطوائف الشرقية والمرسلين كانوا ماشين مع المواطنين في مصاف جيش الآداب ناشرين لواء العلوم والمعارف.

العلمانيون

تقدم عليهم بعض الذين فاتنا ذكرهم في الحقبة الأولى تتمة للفائدة.منهم الأديب المرسوم ( حبيب أنطون السلموني ) المولود في بيروت سنة 1860 تلقى العلوم في مدرسة الروم الكاثوليك وفي كلية القديس يوسف ثم هاجر إلى أوربة وساح في جهات العجم والهند ثم استقر في لندن وتعين كأستاذ العربية في جامعتها وصار عضواً في جمعيتها الملكية الشرقية وطبع هناك معجماً إنكليزياً عربياً.كانت وفاته في 23 ت2 1904. وممن ترجمه الأستاذ عيسى أفندي اسكندر المعلوف في كتابه دواني القطوف ( ص610 - 624 ) الدكتور ( اسكندر بك رزق الله ) الطبيب الشهير المولود في المحيدثة ( المتن ) في 12 شباط 1860 والمتوفى في بيروت وتلقى العلوم الطبية في القصر العيني في مصر ثم فرنسة وتعين في الثغر طبيباً لمستشفى القديس جاورجيوس فجرى في تنظيمه على نمط المستشفيات الأوربية العصرية.وكان المذكور أحد المولعين بدرس العربية وفنونها فأقيم قبل انقطاعه للطبابة أستاذاً لها في المدرسة السورية ورئيساً لقلم التحريرات العربية في ديوان الروم البطريركي ونظم القصائد والألحان الغنائية والمقطعات وسكن مدة مصر ورفع إلى الخديوي إسماعيل باشا قصيدة بليغة أعجب بذكاء ناظمها وأراد أن يثيبه عنها بمبلغ من المال فأبى قبوله بلطف قائلاً: ( أنا يا مولانا طالب علم لا طالب مال ) وكان ذلك سبب لدخوله في مدرسة القصر العيني قبل رحلته إلى فرنسة.ومدح ناظر المعارف في مصر علي إبراهيم باشا وهنأه بالعيد بقصيدة غراء أولها:

دع التشُّببَ بالغاداتِ واعتزلِ

ذكر الغوافي وجانبْ جانبَ الغَزَلِ

وختمه بهذا التاريخ:

ختام ما أحسنَتْ قولاً نؤرخه

العيدُ يعلو بأَنوار الخليل عليّ

( 1281ه ). وللدكتور رزق الله رسالات بليغة منمقة ومقالات عديدة منها طبية ومنها أدبية في المجلات الوطنية والأجنبية في كلتا اللغتين العربية والافرنسية.وقد جمعت أقوال الجرائد أو مراثي الشعراء في مدحه بعد موته في كراسة عنوانها نوح الحمام صدرها الشاعر المجيد الياس أفندي الحنيكاتي بهذين البيتين تحت رسمه:

قالوا: أطلتَ من التأسف والبكا

هل ذا النطاسي عادمُ الأشباهِ

فأجبتُهم: ما كلُّ رزقٍ في الملا

يبكى عليهِ نظير رزق الله

وفي 16 آب من السنة 1906 فقد الأدب أحد الشعراء الوطنيين سليل عائلة الشدياق ( بشارة الشدياق ) كان ابن أخي أحمد فارس الشدياق صاحب الجوائب ونشر في جريدة عمّه فصولاً شائقة.وكان المذكور عريقاً في دينه له في جريدة البشير مقالات دينية وأدبية.ومن آثاره ديوان شعر مخطوط نصونه في مكتبتنا الشرقية جمعه سنة 1888.دونك مثالاً من نظمه قال في وصف الحسود:

إنَ الحَسود مدى الأيام يمُقتُ مَنْ

نال السعادةَ حتى منتهى الأبدِ

وكلّ داءٍ لهُ طبٌ يصح بهِ

أما الحسود فلا يشفى من الحَسَدِ

داءٌ خبيث تُرَى ماذا يؤمَلُهُ

ذاك اللئيمُ سوى الاكدار والكمدِ

فبئسَ حاسدُ توفيقِ بلا أملٍ

يموت من جهلهِ بالذلّ والحقدِ

ومن قوله في رثاء المطران طوبيا عون رئيس أساقفة بيروت:

قد كان طوبياًّ ذا برٍّ وذا عملٍ

سامٍ وفضلٍ لهُ في الناس مشهودِ

كم بات يرعى خرافاً ظل يرشدها

إلى حقيقةِ إيمان وتسديدِ

نعَمْ وقد كان عوناً للأنام ومن

قد أمَّهُ قد نال من فضلٍ وتأييدِ

فهو لعمري الذي كانت شمائلهُ م

الغرَّاءُ شائعةً في السهل والبيدِ

بكَتْهُ بيروت حزناً والدموع على

فقدانِه عَنْدَمٌ من قلب صَيْخودِ

قد مات في جمعة الآلام وا أسفي

بفقده قد حُرِمْنا بهجة العيدِ

ضاقت بنا الأرض من غمّ ومن كدر

ومن مُصاب ومن نحب وتنهيدِ

هيهاتُ يُطفى لهيبُ أو يحولُ بكا

ما دام آماقُنا قَرْحى بتشديدِ

وفي السنة التالية 1907 وقعت وفاة ابن عم بشارة ( سليم الشدياق ) كانت وفاته في سان ريمو.أخذ سليم الآداب عن أبيه ثم صار يساعده في تحرير الجوائب في الآستانة له فيها عدة مقالات.وعني بنشر بعض تأليفه. وفي 20 أيار السنة 1906 توفي في بيروت عن ثمانين عاماً الرياضي والطبيعي العلوم المعلم ( الشدودي ).كان مولده في عاليه سنة 1826 ودرس في مدرسة أعبيه فنبغ أسعد في الرياضية بين تلامذتها ثم دعي بعد انتهائه من درسها إلى تعليمها في عدة مدارس ثم في الكلية الأميركية سنة 1867 ونشر سنة 1873 كتابه العروسة البديعة في علم الطبيعة.وكان يحسن الكتابة ويجيد الإنشاء دون تكلف.وله شعر رائق تفنن فيه منه حكمي ومنه هزلي.ولدينا أرجوزته التي نظم بها أمثال سليمان الحكيم نظماً سهلاً قريب المأخذ دونك مثالاً منه:

مخافةُ القديرِ رأسُ الحكمةِ

فمن حواها حازَ كلّ نعمةِ

بالحكمة الجهَّالُ تستهينُ

لكن بها الحكيمُ يستعينُ

يا ابن إذا أغراكَ أهلُ الشرِ

للسَّير في طريقهم لا تجرِ

ومنها وصف الحكمة عن لسانها:

لي الرأيُ لي الشَّوْرى أنا الفهمُ الذكي

وبي القوى ولي قديمُ الَمسْلكِ

بي تملكْ الملوك والولاةُ

وفي القضاء تعدِلُ القُضاةُ

قد كنتُ منذ البدء قُنْيَةَ العلي

مُسِحْتُ في القديم منذ الأزَلِ

وفي السنة 1907 في غرة شباط توفي المرحوم ( سليم الياس كساب ) أبصر النور في دمشق سنة 1841 تعلم في مدرسة طائفته الأورثذكسية فأخذ عن أحد مشاهيرها الخوري يوسف الحداد ثم انتدبه المرسلون الإنكليز والأميركان إلى التعليم في مدارسهم في جهات لبنان وهو الذي أنشأ في بيروت المدرسة الوطنية الأورثذكسية.ثم طلبت إليه السيدة مس طومسن التي قدمت إلى سوريا بعد السنة 1860 أن يعلمها العربية ثم يساعدها في مشروعها التي حاولته وهو تأسيس مدارس سورية إنكليزية في أنحاء سورية فوجدت فيه خير أستاذ ومساعد وبقي في خدمة تلك السيدة وتولى نظارة المدارس المختلفة التي أنشأتها.وكان ينصب في الوقت عينه على المطالعة والتأليف فنشر كتاب الدرة الفريدة في الدروس المفيدة في قسمين وكتاب قلادة النحو في غرائب البر والبحر.واشترك مع الأديب جرجس همام في تأليف كتاب الكنوز الأبريزية في اللغتين العربية والإنكليزية وله مقالات أخرى وخطب دينية ورسائل شتى. وفي السنة التالية في 9 ت1 1907 نعي إلينا أحد رجال الفضل والأدب المعلم ( حنا عورا ) المولود في عكا في 29 حزيران 1831.كان المذكور وقف نفسه على خدمة الحكومة العثمانية فعهدت إليه أعمال تولى تدبيرها بكل أمانة ونشاط كمديرية التحريرات ووظيفة مميز لقلم المكتوبي ومراقبة المطبوعات واشتغل بنظام جبل لبنان بعد حوادث السنة الستين.وقد دخل أولاده في خدمة الدولة على مثاله فاستحقوا معه شكر أربابها. وتوفي فجأة في بيروت في 28 ك2 من السنة 1908 اللبناني الأديب ( فارس بك شقير ) كان تهذب بالعلوم العصرية وتولى في لبنان مأموريات شتى منها منصب القائمقامية في الكورة وكان شاعراً وكاتباً ونشرت له آثار حسنة من قلمه في الصحائف الوطنية.وهو أخو شاكر شقير السابق ذكره. وبعد إعلان الدستور العثماني بزمن قليل ودع الحياة أحد أساتذة الكلية الأميركية ( يوحنا ورتبات ) في 22 ت2 1908 عن ثمانين عاماً.كان أصله من الأرمن فنزحت عائلته إلى سورية ودانت بالمذهب البروتستاني.وكانت مولد يوحنا في حلب سنة 1827 ثم دخل في خدمة المرسلين الأميركان فتعلم وعلم في مدارسهم ثم دفعوه إلى درس الطب وأرسلوه إلى إنكلترا وإلى أميركة فأتقن فيهما العلوم الطبية والجراحية وتعاطاهما ودرسهما وألف فيهما التآليف الواسعة كحفظ الصحة والفسيولوجيا ومبادئ التشريح وأصول التشريح.وقد نشر في المقتطف والمقتبس مقالات عديدة وكتب في الإنكليزية عن أديان سورية ونشر مع ابنه قاموساً إنكليزياً عربياً ومع الدكتور بورتر قاموساً عربياً إنكليزياً.وكان الدكتور ورتبات درس العربية على الشيخ ناصيف اليازجي فأتقنها وبها علم طلبته إلى السنة 1886 حيث غيرت المدرسة الأميركية خطتها في لغة التدريس فجعلتها الإنكليزية عوضاً عن العربية فاستعفى الدكتوران ورتبات وفان ديك ولازما بيتهما. في غرة حزيران من السنة 1910 فقدت مجلة المقتطف أحد أركانها الثلاثة الذين باشروا إنشاءها في بيروت سنة 1876 أعني به ( شاهين مكاريوس ) ولد في جهات مرج عيون سنة 1852 وتعلم فيها القراءة والكتابة ثم دخل كعامل في مطبعة الوطن في بيروت وثابر على المطالعة وتمرن على الكتابة ونظم الشعر فبرع فيهما ثم انقطع مع زميليه يعقوب صروف وفارس نمر إلى خدمة مجلة المقتطف فأدى لها باجتهاده وثباته أجل الخدم ونشر فيها مقالات مختلفة.وقد أولع المذكور بخدمة الماسونية حتى أصبح أحد أقطابها في سورية ومصر وقد بينا في كتابنا ( السر المصون في شيعة الفرمسون ) ما ألفه فيها من التآليف المتعددة مموهاً على قرائه راجياً أن يبيض الحبشي ويزكي أبناء الأرملة مما تقرر عنهم في كافة البلاد بخصوص مناهضة الأديان ونفخ روح الثورة. وتوفي في 24 آذار من السنة 1910 الدكتور ( الياس بك مطر ) المولود في حاصبيا سنة 1857 والمتخرج في بيروت في مدرستي الثلاثة الأقمار والبطريركية ثم في الكلية الأميركية فدرس الصيدلية ونال شهادتها في الآستانة ثم أضاف إليها هناك درس الطب واتخذه الوزير الشهير جودت بك معلماً لابنه علي سداد ثم استصحبه إلى دمشق لما جاء والياً على الشام فعينه طبيباً للبلدية ودرس الشرع هناك في مكتب الحقوق والشرائع الدولية فاصبح من الأدباء الممتازين وكان يتقن التركية والافرنسية والإنكليزية.ونشر في العربية كتابه تاريخ سوريا سنة 1874 ثم شرح مجلة الحقوق بالعربية والتركية فظهرت مدة خمس سنوات.وله أيضاً كتاب حسن في علم حفظ الصحة. وفي هذه السنة عينها في شهر تشرين الأول توفي في دلبتا المرحوم ( الياس باسيل فرج ) الذي خدم زمناً طويلاً مطبعة الآباء الفرنسيسيين في القدس الشريف بصفة ناظر ومصحح مطبوعات.ونشر فيها من قلمه بعض الآثار النثرية والشعرية. خسرت الدولة المصرية في 17 أيار سنة 1911 أحد عمالها الكبار ( جرجس بك حنين ).ولد في الفيوم ثم درس في مدارس المرسلين الأميركيين ودخل في خدمة الحكومة في دواوينها المالية والإدارية وهو في أثناء العمل يهتم بتوسيع دائرة مداركه ومراقبة أحوال وطنه الزراعية والمالية والعمرانية حتى أصبح من أقدر رجاله في التدبير والسياسة.ووضع في ذلك كتباً نفيسة ألفتت إليها نظر أرباب الدولة فاتخذوها حجة في بابها منها كتابه الشهير ( الأطيان والضرائب في القطر المصري ) ومجموعة ( قوانين الأموال المقررة ولوائحها ) وخطابه ( في الضرائب العقارية ).وكان المذكور أحد الساعين إلى إصلاح ملته القبطية والمولعين بدرس لغتها وتاريخها. ومن موتى السنة 1911 في 22 نيسان الكاتب الضليع ( نجيب إبراهيم طراد ) الذي ولد في بيروت سنة 1860 ودرس بضع سنوات في مدرستنا الكلية ثم انس من نفسه قدرة على الكتابة فتقلب في محلات في بيروت ومصر ونشر مقالات حسنة في جرائدهما وأنشأ جريدة الرقيب في الإسكندرية فلم تنل رواجاً فلزم العزلة في وطنه واشتغل بالكتابة فصنف عدة تآليف منها تاريخ الرومانيين وتاريخ الدولة الرومانية الشرقية وتاريخ مكدونيا وعرب بعض الروايات نأخذ عليه من جملتها تعريبه لرواية اليهودي التائه المشحونة كذباً وافتراء في حق من تخرج عليهم. وبعد نجيب إبراهيم بسنتين في 7 حزيران 1913 أصيب آل طراد بفقد أحد أعيانهم ( الياس جرجس طراد ) ولد في بيروت سنة 1859 ودرس في المدرسة الوطنية البستانية ثم تعاطى التعليم ٍوالمحاماة وصار عضواً في محكمتي البداية والاستئناف ودخل الجمعية العلمية السورية وساعد الجمعيات الخيرية وخطب في النوادي الوطنية.وله آثار كتابية حسنة كتعريب عدة روايات تمثيلية وفصول عديدة في القوانين والنظامات وفي السياسة والعمران نشرها في صحف الآستانة وسورية ومصر وصنف ترجماناً في اللغتين الإنكليزية والعربية.وله أرجوزتان في الفرائض والجزاء.وقد جمع مآثره جناب الأديب جرجي نقولا باز في مجلد واسع قدّم عليه ترجمة حياته وضمنه كثيراً من شعره الطيب.فمن لطيف أقواله ما وصف به غضب النساء

غضبُ المرأة صعبٌ سادتي

دونه كلُّ عناءٍ وألمْ

كلُّ ما قالتَهُ صدقاً كان أم

خطأً قالت لها الناسُ: نعَمْ

لم يَعُدْ أمرٌ ولا حُكْمٌ لهم

فِهيَ الآمرُ فيهم والحَكَيم

قُل لمن خالف آراءً لها:

أنت خالفتَ شعوباً وأمَمْ

عُدْ وإلا صوَّبتْ ألحاظها

أَسْهماً ترميكَ عن قوس النِقَمْ

وقال في ملامة الجهال وطعنهم في العقلاء:

إنَّ مقال الطعنِ من جاهلٍ

لا يجلبُ الغمَّ لأهل النظرْ

كذلك الأحجار لا يُرْتمي

بها سوى الأشجارِ ذات الثمرْ

وقال بمعناه:

إذا رأينا حجراً

أصاب كأس الذهبِ

فلا يزيد قدرُهُ

وقدرُها لم يَذْهبِ

وفي أوائل السنة 1912 في 9 كانون الثاني توفي الصحافي الشهير ( سليم عباس الشلفون ).ولد في بيروت سنة 1853 وتعلم في مدرسة الآباء اليسوعيين في حي الصيفي وأحكم فيها أصول اللغتين العربية والافرنسية ثم لازم الشيخ إبراهيم اليازجي بضع سنوات فأتقن الكتابة نثراً ونظماً ثم اشتغل مع نسيبه يوسف الشلفون وحرر فصولاً في جريدة النجاح ووقف مذ ذاك حياته على الصحافة فقضى معظم أيامه في خدمتها في بضع عشرات من الجرائد في بيروت كثمرات الفنون والتقدم والمصباح وبيروت ولسان الحال وفي الإسكندرية ومصر كالعصر الجديد والمحروسة.وسافر إلى الآستانة ونال رضى أرباب الدولة العثمانية وكان لمقالاته السياسية وقع عظيم فأثارت عليه غضب الحكومة المصرية فنجا بنفسه منها هارباًوفي 18 آب سنة 1912 فقدت الآداب العربية أحد أنصارها ( الشيخ سعيد الخوري الشرتوني ) توفاه الله عن 63 سنةً في ضواحي بيروت في الطيونة.كان مولده في شرتون من قضاء الشوف ( لبنان ) درس أولاً في مدرستي أعبية الأميركية وسوق الغرب الإنكليزية وبعد أن حصل على مبادئ اللغة والأدب صرف همته إلى المطالعة والدرس الخاص فبلغ بهما مبلغاً حسناً حتى انتدبته مدرسة عين تراز إلى تعليم العربية.ثم درس في مدرسة الروم الكاثوليك في دمشق ثم في مدرسة الحكمة والمدرسة البطريركية في بيروت ولم يزل مذ ذاك الحين يضاعف جهده في إتقان الفنون الأدبية حتى برع فيها.ولما فتح اليسوعيون كليتهم اتخذوه كأستاذ لتلامذتهم وكمساعد لتصحيح ونشر مطبوعاتهم فقضى في تينك المهنتين أكثر من عشرين سنة ولم يدعهما إلا للقيام بأمور بيته.ولم يزل مع ذلك يكتب ويصنف حتى أواخر حياته.وكان باكورة مصنفاته انتقاده على كتاب غنية الطالب ومنية الراغب لأحمد فارس الشدياق.ومن أكبر مؤلفاته قاموس أقرب الموارد في ثلاثة مجلدات والشهاب الثاقب في المراسلات والغصن الرطيب في الخطاب والمعين في تمرين الأحداث على الإنشاء ومطالع الأضواء في منهاج الشعراء ونجدة اليراع في اللغة وحدائق المنثور والمنظوم.وقد عني بتحشية بحث المطالب للسيد فرحات.ونشر كتباً مفيدة كنوادر أبي زيد وفصل الخطاب مع مخاطبات فنيلون وله عدة مقالات أدبية وانتقادية ومنظومات شتى في الجرائد والمجلات وقد امتاز في طول حياته بفضله وصحة دينهوفي ذات شهر آب من العام 1912 توفي أديب آخر ( الشيخ أمين الحدَّاد ) شقيق الشيخ نجيب الحدَّاد.ولد الشيخ أمين في بيروت سنة 1870 وهو ابن سليمان الحداد وحنة ابنة الشيخ العلامة ناصيف اليازجي فنشأ في مهد الأدب وجرى على مثال أسرته في العربية وسار إلى مصر وحرر مع أخيه الشيخ نجيب جريدة لسان العرب اليوميَّة ثم تولى إنشاء مجلاَّت وجرائد غيرها كأنيس الجليس والسلام والجامعة العثمانية والبصير إلى أن أصيب بداء الكبد فعاد إلى بيروت يطلب الشفاء فثقلت عليه وطأة الداء حتى ذهبت بحياته.وللشيخ أمين مقالات أدبية في الضياء ومجلاَّت أخرى.وكان شاعراً مجيداً فجمع شعره وطبع في الإسكندريَّة.ومن ظريف قوله في خزان أسوان:

وما أنْتَ خزَّانُ المياهِ وَطَمِيْها

وإبليزِها بل خازن الدرِّ والتبرِ

تدفقتَ بالخيرات من كل جانبٍ

وجمَّعتَ أقطار المنافع في قطرِ

وقال يقابل بين أمانة الكلب وغدر كثيرين من الناس.

نرى الكلب ما أن عضّ أذنْ نظيرهِ

ونحن نَهَشْنا بعضَنا نُظراءَ

ويا عجباً للكلب زاد مودّة

على حين زاد العالمون جَفاءَ

أقام مع الإنسان منذ نُشُوئِه

يرافقهُ أنَّى مضى وتناءَى

تعلم منا كل شيء مطاوعاً

سوى الغدر يعصيهِ تُقىً وإباءَ

إذا ما رآنا خائنين وفى وإن

رآنا نزيدُ الغدرَ زادَ ولاءَ

وقد اشتهر قبل الشيخ أمين أبوهُ ( الشيخ سليمان الحداد ) وأخوه ( الشيخ نجيب ) فنلحقهما بالشيخ أمين.فالشيخ سليمان هو ابن نجم الحداد ولد في كفر شيما وهاجر إلى مصر فتعاطى فيها التجارة وكان شاعراً محسناً طبع ديوان شعره ( قلادة العصر ) سنة 1891 في الإسكندرية.فمن قوله رثاؤه للبرنس نابليون ابن نابليون الثالث الذي قتل في محاربة الزولوس مع الإنكليز:

الدمعُ بعدك في العيون قليلُ

إذ أنفقوهُ عليك وهو يسيلُ

لا يدعَ أن يبكيك شعبٌ ماجدٌ

فيه لنابلْيونَ أنتَ سليلُ

يا تارك المجد الاثيل بأمَّةٍ

في حالِ يُتْمٍ يعتريه ذُبولُ

لك مأتمٌ كلُّ البسيطة دارُهُ

تبكي بهِ وفؤادُها متبولُ

تبكيك كل العالمين كأنما

لك كلُّ شعبٍ في الأنامِ خليلُ

طعنوا وما علموا بأنَّ طعينهم

عينُ الزمانِ وهم لديهِ نزولُ

يبقى بلُندن ذكرُ مجدك خالداً

أبداً ومن باريسَ ليس يزولُ

ولم نقف على تاريخ وفاة الشيخ سليمان ولعلَّه تخلَّف عن وفاة والديه. أما ( الشيخ نجيب ) فانَّه أصاب بنثره وشعره فخراً بلغ به مبلغ الأدباء اليازجيين.ولد في بيروت سنة 1867 وهاجر إلى مصر مع أهله سنة 1873 فتعلم هناك في مدرسة الفرير ثم عاد إلى بيروت فتخرج على خاليه الشيخين إبراهيم وخليل اليازجي وجرى على آثارهما.وأخذ ينظم الشعر مع حداثة سنه ثم استدعي إلى الإسكندرية فكتب في جريدة الأهرام المقالات المستحسنة مع عدة روايات تمثيلية أحرز بها سمعة واسعة.ثم أنشأ جريدة لسان العرب اليومية وحوَّلها بعد مدة إلى مجلة.وقد امتاز بين أدباء زمانه بالتعريب وتأليف الروايات.وشعره من أفضل ما نظمه الشعراء العصريون.وقد روينا له سابقاً قصيدته في القمار وفي حريق سوق الشفقة في باريس سنة 1897.وقد طبع ديوانه مرتين في بعبدا سنة 1906 ثم في الإسكندرية بعد وفاته في السنة 1899.دونك مثالاً من نظمه قال وقد اقترحت عليه الحكومة المصريَّة نظم أبيات تكتب على محطَّة القاهرة:

يا حُسْن عصرٍ بعبّاسِ العُلى ابتسما

حتى الحديدُ غدا ثغراً له وفما

طرائقٌ في ضواحي القطر تُبْلغنا

أقصى البلاد ولم نَنْقل بها قدَماً

مصرُ كصفحةِ قرطاس بتُرْبتها

غدا القِطار عليها الخطَّ والقلما

أرضٌ بها كان من خصب النيل منتثراً

حتى أتاها قطارُ النار فانتظما

لنا غنىً عن قطار السُحب منسجماً

ولا غنى عن قطار النار مضطرما

يجري بها الرزق في جسم البلاد كما

يجري دمٌ في عروق الجسم منتظما

محطة هي قلبٌ والخطوطُ بدت

مثل الشَّرايين فيها والقطارُ دما

مع السلامة يا من سار مرتحلاً

عنَّا وأهلاً وسهلاً بالذي قَدِما

ومن المتوفين في السنة 1913 في 8 شباط منها الأستاذ شاهين عطيَّة اللبناني المولود في سوق الغرب سنة 1835 درس في قريته مبادئ اللغة ثم انتقل إلى بيروت فتعلم فيها العلوم اللسانية والمنطقية على الشيخ ناصيف اليازجي والشيخ يوسف الأسير.ثم انقطع إلى التدريس في مدرسة الروم الاورثذكس المعروفة بالثلثة الأقمار سنين طويلة.وتولى تدريس طلبة الكهنوت فتخرج عليه غبطة بطريرك الروم الحالي وعدة أساقفة.وانتدبته الجمعية الفلسطينية إلى تعليم العربية في مدرسة بيت جالا فخدمها 13 سنة وهو لا يزال يثابر على درس العربية ونوادرها وآدابها فنشر ديوان ابن تمام مع بعض تعليقات عليه وكذلك شرح رسائل أبي العلاء المعري شرحاً خفيفاً قبل أن يتوسع فيه أستاذ العربية في جامعة أوكسفرد العلاَّمة مرغوليوث.ونقح بعض المطبوعات وأنشأ الروايات التمثيلية كعاقبة سوء التربية وحكم سليمان.وقد جرى على مثاله ابنه الأديب جرجي أفندي صاحب نسمات الصبا في منظومات الصبا. وفي السنة 1913 في 7 نيسان توفي أحد وجوه أسرة سرسق الكريمة ( جرجي بك دمتري سرسق ) ترجمان قنصلية ألمانيا ورئيس الأحرار الماسونيين في بيروت والجاري على سننهم المتطرفة بازاء الدين وأربابه.كان مولده في السنة 1852 وتلقى علومه في المدرسة الوطنية وفي مدرستنا البيروتيَّة القديمة وأتقن العربية على الشيخ ناصيف اليازجي وساعده علمه باللغات الفرنسوية والإنكليزية والألمانية على الاختلاط بوجوه الأوربيين.ومما خدم به الآداب العربية طبعه سنة 1876 لتأليفه تاريخ اليونان عرَّبه عن المؤرخ دوروي الفرنساوي مع بعض إضافات ووضع كتاباً في التعليم الأدبي ضارباً الصفح عن التعليم الديني وله مقالات أدبية وتاريخية شتى في جرائد مصر وبيروت ومجلاتهما. وفي هذه السنة أيضاً في 7 آذار 1913 توفي في القدس الشريف الأديب ( هبة الله صروف ) المولود سنة 1839 في دير البلمند حيث كان أبوه الخوري سبيريديون معلماً.درس أولاً على أبيه ثم تخرج في مدرستي الروم الأورثذكس في دمشق ثم في القدس الشريف في مدرستها المعروفة بالصلبة.ثم خدم طائفته خدماً مشكورة وزار دير طورسينا وتفقد مخطوطاته سنة 1870 ثم أنيط إليه تصحيح المطبوعات العربية في القدس بدعوة البطريرك داميانوس سنة 1899 وبقي هناك إلى سنة وفاته.ومن آثاره كتب دينية كسير بعض القديسين منها سرة القديسين برفيريوس أسقف غزة ويوحنا الكوخي والكسيوس وكتاب الفريضة السنية في الواجبات الكهنوتية.ونشر مواعظ والده تحت عنوان الروض الداني القطوف.وله جغرافية فلسطين ومناهج القراءة. وفي أيار من السنة المذكورة 1913 فقدت الصحافة العربية رجلاً من أساطينها ( سليم باشا الحموي ) المولود من أسرة أرثوذكسية في دمشق سنة 1843 وفيها تلقن مبادئ العلوم.ولما هاجر مع عائلته إلى القطر المصري أنشأ في الإسكندرية مع أخيه عبد الله أول جريدة يومية سياسة سنة 1873 أشتهر بالكوكب الشرقي.وألحقها بجريدة ( الإسكندرية ) ثم بجريدة الفلاح التي انتشرت انتشاراً واسعاً وخولته الحكومة المصرية بسببه رتبة الباشوية ومنحته أوسمة مختلفة من آثاره الأدبية كتابه المعنون ترجمان العصر عن تقدم مصر نشره سنة 1874. وأشهر الأدباء الذين غادروا هذه الفانية سنة 1914 رصيفنا ( جرجي بك زيدان ) ولد في بيروت في أواسط كانون الأول سنة 1861 ودرس في مدرسة طائفته المعروفة بالثلاثة الأقمار.ولما فتحت الكلية الأمريكية مدرستها الطبية كان بين أول الطلبة الذين انتظموا فيها وقد نشر عليه ابنه في الهلال خبر ما حدث في المدرسة من المنازعات التي كان فيها نصيب وافر ثم ما حصل بين المعلمين من الانقسام بسبب تعليم الإنكليزية بدلاً من العربية.على أنه لم يهمل دروسه الطبية حتى نال شهادة المأذونية فيها.ثم أنتقل إلى مصر سنة 1882 وحرر مدة في جريدة الزمان المصرية ثم رافق الحملة الإنكليزية على السودان بقيادة غوردون باشا فقاسى فيها مدة 14 شهراً ضروب الأتعاب ولقي أصناف الأخطار حتى نجا من أهوال تلك الحرب في أوائل السنة 1885.فعاد إلى بيروت وصرف فيها سنة يشتغل مع أعضاء المجمع العلمي الشرقي ونشر إذ ذاك كتابه الألفاظ العربية والفلسفة اللغوية.ثم سنحت له الفرصة للسفر إلى إنكلترا فأكمل في لندن دروسه الطبية واجتمع بمشاهير المستشرقين وتردد على المتحف البريطاني.ثم عاد إلى مصر وزاول الكتابة والتعليم في مدرسة الأورثذكس الكبرى.ثم انتدبته مجلة المقتطف ليكتب فيها فنشر عدة مقالات مستحسنة حتى أمكنه من إنشاء مطبعة على حسابه أخذ تنشر فيها مجلته الهلال الشهيرة في تشرين الأول من السنة 1891 فلم يزل يديرها وينشئ مقالاتها إلى سنة وفاته.وله فيها سلسلة روايات تاريخية تكرر طبعها ونقلت إلى لغات شتى.ومن تأليفه التي أقبل عليها الجمهور لفوائدها كتاب تاريخ آداب اللغة العربية وتاريخ التمدن الإسلامي وتاريخ العرب قبل الإسلام وتاريخ مصر وجغرافيتها ومختصر تاريخ اليونان والرومان وتاريخ إنكلترا وأنساب العرب القدماء وطبقات الأمم وعجائب الخلق.ومما لم نستحبه له كتاب علم الفراسة الحديث مع ما فيه من الأوهام والخياليات.وأقبح منه تاريخ الماسونية العام الذي ذهب فيه إلى مذاهب صبيانية خرافية أعتبرها كحقائق راهنة.على إننا لا ننكر انه كان أحد أركان النهضة الأدبية الجديدة في الشرق الأدنى. ومنذ انتشبت الحرب الكونية أصيبت الآداب العربية بعدد عديد من أدبائها النصارى الأفاضل.وأول من نعي إلينا المرحوم ( عطية بك وهبي القبطي ) المولود سنة 1868 والمتوفى في 26 ت2 1914 درس في المدارس الأميركانية والوطنية ثم أشتغل بدرس علم الحقوق في المدرسة الفرنساوية بالقاهرة ونال في باريس إجازة الملفنة.ثم ساح في البلاد الأوربية وحرر أخبار سياحته ثم كتب الفصول الحسنة في جرائد أوربة ومصر عن الأبحاث الفقهية والاقتصادية.وألقى في مؤتمر الآثار الدولي في مصر سنة 1909 محاضرات نفيسة في الفنون القبطية وتولى رئاسة مدارس ملَّته وعني بأمورها الأدبية وبنشر مآثرها التاريخية.وقد جمع أحد مواطنيه راغب اسكندر الحامي آثاره ومقالاته وخطبه فنشرها سنة 1915 تحت عنوان ( الأثر الذهبي للمرحوم عطية بك وهبي )وكان سبقه إلى الأبدية أديب آخر من ملته ( عبد السيد ميخائيل القبطي ) منشئ جريدة الوطن في مصر سنة 1877 وصاحب تآليف حسنة في مواضيع أدبية منها كتابه سلوان الشجي انتصر فيه لصاحب الجوائب على الشيخ اليازجي.ومن مآثره رد سريع على كتاب إظهار الحق.توفي في 26 أيار 1914 وكان مولده سنة 1860وفي السنة 1915 في 19 أيار فجعت أسرة سركيس بوفاة أحد أعيانها ( خليل سركيس ) الذي له في خدمة الآداب العربية نصيب وافٍ سواء كان في إنشائه لمطبعته الأدبية أم في تحريره لجريدة لسان الحال التي نال امتيازها سنة 1875 فزينها بمقالاته السياسية والأدبية أو أيضاً بتآليفه المدرسية والأدبية والتاريخية كسلاسل القراءة وتاريخ القدس الشريف وكتاب العادات ورحلة إمبراطور ألمانية.درس المرحوم في المدارس الأميركانية وعدل إلى مذهب أصحابها.كان مولده في أعبيه في 22 ك2 1842ومن مناعي أرباب القلم في أيام الحرب الشاعر المفلق ( نقولا رزق الله ) تخرج في الآداب بالوطن وهاجر إلى مصر واشتهر بالكتابة فأنشأ مجلة الروايات الجديدة ونقل إلى العربية كثيراً من الروايات الفرنسوية وعني بنشرها.وكان يعد بين كبار شعراء العصر وهو غزير المادة وكثير التفنن في شعره يزين نظمه بالألفاظ الحكمية والمعاني البليغة.وقد استحسنا له قوله في الشعراء الذين يفسدون شعرهم بالغايات الدنيئة قال:

ليتَ شعري متى أرى شعراءَ

الشرق يوماً بفضلهم أغنياءَ

ورثوا من تقدَّموهم فنالوا

شرَّ إرث مَذَلّةً وشقاءَ

بين هجوٍ كالسبِّ أو هو أَدْنى

ومديحٍ تُعدهُ استجداءَ

عُوَدوا الذُّل فالكبيرُ كبيرٌ

فيهمِ حين يسأَلُ الكبراءَ

ليس كالمالِ للقرائحِ سمُّ

حين يَلْهو بيعاً بها وشراءَ

إنّما الشعرُ للنفوسِ غذاءٌ

أَفْسدوهُ فصيَّروه هُذاءَ

يتبعٌ الشعرُ أَهَلهُ فامتهانا

وابتذالاً أو عزَّةً وإباءَ

ومن حسن أقواله لما أعلن بالدستور العثماني:

يا أيها الناسُ حيُّوا ذلك العَلمَا

وسبّحوا مانحَ الحرّيةِ الأُمَما

وقبلوا البندقيّاتِ التي فضَلَت

أقلاَمنا بعد ما كانت لها خدما

وظاهِروا عُصبةَ الأحرار إنَّهمُ

أتوا بما أعجَز الأبطال والهِمَما

ومنها:

واَدْعوا لمن بَعَث الدستورَ من جدث

بكت عليهِ عيونُ العالمين دما

فقد حُرِمناهُ ظُلماً وانقضى زمنٌ

عليهِ حتى حَسبنْاهُ غدا عَدَما

واليومَ جرَّد سيفَ الحقّ صاحُبهُ

وهاجَمَ الظُّلْمَ حتى فرَّ منهزما

تعانقَ الشيخُ والقسيسُ واصطحبا

من بعد ما افترقا ضدَّين واختصما

تعانقا في حمى الدستور واتَّحدا

ورقرقَت رأيةُ التوحيد فوقهما. . .

وما أحسن قوله يصف الأوانس المحتشمات:

وفريدةٍ لولا الخِما

ر حياؤها كان الخمارا

تمضي لحاجاتها ولا

ترنو يميناً أو يَسارا

لا سَمْعَ تُلقيهِ إلى

ما قيل سرَّا أو جهارا

هي واللواتي مثلُها

يفعلنَ ذاك ولا فِخارا

تَحْسبنَ تارئة الوجو

هِ على محاسنها شَنارا

أولاءِ ربَّات الفضا

ئلِ قد رفعنَ لهُ منارا

وأردف يحذرُ المتهتكات:

يا من تليقُ بها الكرا

مةُ حاذِري ذاك الصَّغارا

صُوني جمالاً طالما

أولاكِ تيهاً وافتخارا

لا كان حُسْنٌ فيك لم

يكُنِ العفافُ لهُ شِعارا

ولد نقولا رزق في بيروت سنة 1869 وتوفى في القاهرة في نيسان 1915وفي هذه السنة أيضاً في 9 أيار 1915 توفى في بيروت أول من عني فيها بمهنة الكتبيين ( إبراهيم صادر ) باشر بهذه التجارة منذ السنة 1863 فخدمها نيفاً وخمسين سنة وقرب إلى أهل بيروت عموماً وغلى الناشئة خصوصاً درس المطبوعات العربية ومطالعة التآليف النادرة.فقام بعده بمهنته ولداه الأديبان سليم ويوسف من خريجي مدرستنا الكليةوفي السنة ذاتها في 24 ك1 1915 نشبت المنية أظفارها في أحد رجال الفضل وهو في عز شبابه ( عسَّاف بك الكفوري ) لم يتجاوز عمره 33 سنة كان قضى قسماً كبيراً منها بعد خروجه من كلية زحلة الشرقية في التعليم في عدة مدارس وطنية وأجنبية.وكان كاتباً بارعاً وشاعراً مجيداً له آثار حسنة في المجلات والجرائد الوطنية منها مقالات في التعليم والتاريخ والصحة وقد نظم ديوانين وكان يحسن الخطابة والتمثيلوفي العام المقبل 1916 في 2 شباط وقعت وفاة أديب آخر مستفيض السمعة ( الشيخ إبراهيم الحوراني ) كان مولده في حلب سنة 1844 ثم تنقل في مدن الشام كحمص ودمشق إلى أن استوطن بيروت فعلم في مدارسها بينها المدرسة البطريركية.ثم أنيطت به إدارة مجلة النشرة الأسبوعية وتولى تصحيح منشورات المطبعة الأميركية.وقد ألف أو ترجم ما يبلغ ثلاثين كتاباً منها كتابه الحق اليقين في الرد على بطل دروين.وكان ابرهيم الحوراني يجيد الإنشاء نثراً ويحسن النظم شعراً وذلك دون تكلف.وقد خلف ديواناً شعرياً يشهد له بطول الباع في النظم دونك أبياتاً قالها في الزهد بالدنيا:

يا غافلين تنبَّهوا أزفَ السَّرى

وحدَت مطيَّ رحيلها الركبانُ

وَحْياً إلى دار البقاءِ فليس في

دار الفناءِ لعاقلٍ أوطانُ

غبراؤها سوق الوغى وسماؤها

فلكُ النحوس نجومهُ الأحزانُ

لا يسلمُ الجبَّارُ في حوماتها

والمشتري في أُفقها كيوانُ

حكت العبادُ بها الهشيمَ وأُصْليتْ

نارَ المصائب فالحياةُ دخانُ

وفي السنة 1916 في 6 حزيران قتل ظلماً بأمر جمال باشا ( الشيخان فيليب وفريد الخازن ) وكل يعلم ما ترك كلاهما من الآثار الأدبية الطيبة منها سياسية ومنها تاريخية دافعا بها عن استقلال لبنان وامتيازاته بوجه الأتراك دون أن يتعديا حدود القانون وأخصها مجموعة المحررات السياسية والمفاوضات الدولية التي عنيا بجمعها وتعريبها ( راجع المشرق 18 ( 1920 ): 391 - 392 ومفكرات هند المطبوعة في حريصا سنة 1924 ).ولا يجهل أحد جريدة الأرز التي أنشأاها وحررَّاها سنين طويلةوفي تلك السنة توفى في مستشفى دمشق الكتبي ( أمين الخوري ) نشر عدة كتب مدرسية وأنشأ دليلاً لبيروت على صورة مجلة عنوانها الجامعة ضمَّنها معلومات مفيدة عن بيروت وأصدرها سبع سنين.تولَّى مع أخيه خليل إدارة مكتبة الآداب ثم انقطع إلى الكتابة وكان كثير التقلب قليل الترويفي غرَّة العام في 1 ك2 من السنة 1917 مات فجأة ( الدكتور شبلي شميّل ) من أسرة الشميّل اللبنانية الكريمة تلقَّى العلوم في الكلية الأميركية في بيروت فبرع في الطب والطبيعيَّات إلا أنه جنح إلى الآراء الدروينية فتطرف فيها وبلغ به غلوَّه إلى أن أصبح من الماديين لا يرى صحّة لما يتجاوز الحواسَّ حتى أنكر وجود الخالق وخلود النفس وهو القائل وبئس القول:

فدَعُونا من الخلود المُعني

إنْ نرحّبْ فبألفنا الترحيبُ

فلماذا هذا الثواب المرَّجى

ولماذا هذا العقابُ الرهيبُ ؟

وقد بالغ في نشر آرائه الكفرية وكان لا يرى فائدة في العلوم ما خلا الطبيعيات والعلوم الوضعية وجنح لتأييدها إلى مزاعم الغُلاة من الملحدين فقام كثيرين وردَّوا على أقواله بين أصحابهوفي 16 أيلول من السنة 1916 فجعت بيروت بأحد أساتذتها الفضلاء الشيخ ( ظاهر خير الله عطايا صليبا الشويري ) ولد في الشوير سنة 1831 ثم تفرغ للآداب في كهوليته فأصاب منها بجده ما لم ينله من أساتذة زمانه فنبغ ودعي للتعليم في عدَّة مدارس فأصبح أوحد في الرياضيات واللغويات وعلم الشريعة.وقد أبقى آثاراً عديدة تنطق بفضله منها رسائل لغويَّة فريدة كاللمع والنواجم في اللغة والمعاجم ومنها حسابية كمدخل الطلاَّب في علم الحساب وكلمحة الناظر في مسك الدفاتر.وكان الفقيد شديد التمسُّك بدينه كما بيَّن ذلك بردوده على مزاعم البروتستانت الباطلة في كتابيه الممتعين ( الأدلة الغرَّاء على سمو شأن مريم العذراء ) ثم ( تحقيق المقال في أن الخلاص بالأيمان والأعمال ).وقد وقفنا له على كتاب مخطوط أثبت فيه بتولية القديس يوسف ردَّا على أحد أساقفة طائفته السيد الهواوينيوممن فقدتهم الآداب في آخر سنوات الحرب الكونية الصيدلي والأثري الشرقي ( مراد بك البارودي ) توفاه الله في 15 شباط سنة 1918 كان مغرماً بالآداب والآثار العربية فجمع منها قسماً كبيراً من جملتها مكتبته الحاوية على عدة مئات من المخطوطات النفيسة فباعها ابنه من أغنياء الأميركيين.وكان مراد بك كثير الإطلاع نشر في الكلية والمقتطف والطبيب عدة مقالات عن مآثر العرب وعن المسكوكات والعاديّاَتوفي 6 تموز من السنة استأثر الله بأديب آخر من الطائفة الملكية الكاثوليكية ( فتح الله جاويش ) الكاتب الضليع.له فصول سياسية وأدبية وتاريخية في الجرائد الوطنية أصاب فيها لفظاً ومعنى.وقد أبقى بعد وفاته آثاراً كتابية أطلعنا على قسمٍ منها فأخذنا العجب من سعة معارفه وحسن إنشائه.وكان أيضاً من المتشبثين بروح الدين والتقى لم يخجل عن الدفاع عن إيمانه بازاء الخصوموفيها توفي بعيداً عن الوطن أحد أدباء حلب ( جرجي الكنديرجي ) مات في فرنسة سنة 1918 بعد أن كان نزح مع أسرته عن الشهباء فراراً من ظلم الأتراك سنة 1898.وقد عني أخوه بجمع ونشر نخبة من ديوانه روت عنه مجلة المسرة الغراء ( 8 ( 1922 ): 470 - 472 ) بعض مقاطيعه المعربة عن جودة قريحته.منها هذه الأبيات التي قالها إذ زار الأهرام ورأى ما فيها من التصاوير الهيروغليفية وعاين بازائها أبا الهول فقال يذكر تلك الآثار المشيدة بتسخير الألوف من العبيد:

إني وقفتُ بساحةِ الأهرامِ

والبدرُ يسطعُ في الفضاء السامي

وأَجَلْتُ طَرْفي حولها متنقباً

متهيّباً لجلالة الأجسام

مستطلعاً أسرارَها متسائلاً

عمَّا حوت من أَعظمِ الأجسامِ

فبدا ليَ التاريخُ في صفحاتهِ

متمثّلاً متحركاً قدَّامي

ورأيتُ خلقاً لا يُعَدُّ عديدهم

يستاقُهم فرعونُ كالأَنعامِ

صُفْر الوجوهِ شعورُهم مغبرّةٌ

حُسنِيَ الظهورُ لشدَّة الآلامِ

تعلو القروحُ جلودَهم وتسيل من

قَمِمِ الرؤوسِ لمنبثِ الأقدامِ

من قَرْع أسواطٍ وشدّ سلاسلٍ

في جرّ أثقالٍ ونَقْل رُكامِ

كلٌّ يَئنُّ مردِّدًا لشكايةٍ

وللعنةِ المظلوم للظلاَّمِ

فكأَنمّا الأحجارُ أكبادُ الورى

مرصوصةٌ والرمل دمعُ الرامي

وكأَنمًّا الأهرامُ شبهُ نواجذٍ

شهدَتْ لنا بشراسةِ الحكّامِ

فدهشتُ ثمّ سألتُ محتشماً أبا

الهَوْلِ الصَّموتَ الكشفَ عن إيهامي

وهو الأمين أكملّ سرٍّ غامضٍ

حَرِصَتْ عليهِ جوانحُ الأيامِ

يحمي خبايا العادياتِ كحارسٍ

يقظانَ يَحْجبها بسِتر ظلامِ

فتبسَّم الصنمُ القديم تعطُّفاً

وأجابني من بعد ردّ سلامي

إن كنتَ تحسبُ ما رأَيتَ حقيقةً

أخطأتَ فهو مُحَصَّلُ الأوهامِ

هذي الشواهق شخَّصَتْ فيما مضى

أثرَ الحجَى ومآثر الأَعلامِ

لو عادتِ الأسلافُ يوماً بينكم

لبكت على الأخلاق والإفهام

وعلى ظننا أنه قبل نهاية الحرب حلت وفاة أديب آخر ترجمه الأستاذ الفاضل عيسى أفندي اسكندر المعلوم وهو ( ميخائيل جرجس ديبو ) من الأسرة المعلوفية ( 1 ) ولد في طرابلس الشام وتخرج في مدارسها الوطنية وفي مدارس المرسلين ثم تنقل في البلاد وتقلد عدة وظائف في خدمة الدولة الإيرانية في آطنة وطرطوس ثم عاد إلى وطنه ولزم الآداب والتأليف فألف عدة روايات من جملتها رواية داود وشاؤل والشيخ الجاهل والإمبراطور شرلمان.وله منظومات عديدة جمعها في كتاب دعاه الشعر العصري وقسمه أربعة أقسام تبلغ أربعمائة قصيدة بنيف.روى البعض منها الأستاذ عيسى أفندي اسكندر المعلوف في كتابه ( دواني القطوف في تاريخ بني المعلوف ) ( ص598 - 610م )^

أدباء المستشرقين من السنة 1908 إلى 1918

( الفرنسويون ) فقدوا في هذه العشر السنين عدداً معدوداً من أدبائهم المستشرقين.كان أولهم في الحقبة التي نحن بصددها المرحوم أنطونين غوغوياي ( Ant.Goguyer ) الذي خدم وطنه زمناً طويلاً في تونس ثم في مدينة مسقط في خليج العجم وفيها حلت وفاته في 16 ت1 سنة 1909.والمذكور تخصص بالعلوم الفقهية الإسلامية ونشر عدة تآليف في أبحاثها.واشتغل أيضاً بأصول اللغة العربية ولهجاتها المختلفة في أنحاء الشرق.ومكتبتنا الشرقية تشكر له لطفه لما أوصى لها قبل وفاته من نفائس مكتبتهوفي العام التالي غرق في نهر ميكون في الصين الجنرال الفرنسوي أوجين دي بيليه ( Eug.de Beylie ) قلب به زورقٌ في 15 تموز سنة 1910.كان مولده في السنة 1849 وأولع منذ حداثته بدرس آثار الشرق لا سيما الهندسة.ومن تأليفه في ذلك كتابه المسمى ( المنزل البوزنطي ) وصف فيه وصفاً مدققاً كل ما يوقف الباحثين عن أبنية البوزنطيين.وكان زار مكتبتنا الشرقية ووجد في تصاوير مخطوطاتها ما أيَّد آراءه.وللمذكور فضل في تعريف أصول الأبنية الإسلامية في المغرب وفي الأندلسوفقدت الآداب الشرقية في 10 أيار سنة 1911 أحد أساتذة جامعة فرنسة البارعين الكاثوليكي العامل روبنس دوفال ( Rubens Duval ).ولد سنة 1839 وكان متضلعاً من الآداب الشرقية السامية كالعربية والسريانية والعبرانية.ومما نشره في ذلك المعجم السرياني العربي لبر بهلول وغراماطيق فرنساوي سرياني مطول.وله كتاب نفيس في الآداب السريانية تكرر طبعه أربع مرات لكثرة فوائده.وصنف تاريخ مدينة أدسا ( الرها ) وبيّن فضل السريان في درس الكيمياء قبل العرب وأبحاث أخرى عديدة. وفي 24 آذار من السنة 1912 توفي في باريس أحد مشاهير الأثريين الشرقيين المرحوم فيليب برجه ( Ph.Berger ).تولى زمناً نشر مجموعة الكتابات السامية.وكان طويل الباع في هذه العلوم الكتابية.ومن تآليفه النفيسة كتابه في أصول الكتابة بين الشعوب القديمة.ونشر عدة آثار كتابية آرامية وبابلية وله أبحاث ممتعة في شريعة حمورابي وفي أحوال العرب قبل محمد استناداً إلى الكتابات والآثار المكتشفة هناكوفي زمن الحرب توفي في كانون الثاني سنة 1915 املينو ( E.Amelineau ) الذي بعد دخوله في الكهنوت ضحى دينه لدنياه.فأرسلته الحكومة الفرنسوية إلى مصر وتفرد لدرس آثار الأقباط وتاريخ أمتهم وأديرتهم ورهبانهم القدماء.وجغرافية بلادهم.ومن هذه الآثار ما هو بالعربية فنشره بترجمته وقد تطرف في بعض آرائهوأشهر منه بالعلوم الأثرية الشرقية والتآليف الكتابية الكاهن الجليل فرنسوا فيغورو ( F.Vigouroux ) من جماعة سان سولبيس كان من أساتذة المكتب الكاثوليكي في باريس فعلم العبرانية ثم انكبّ على درس الأسفار المقدسة وشرحها وبيان ما أظهرته حفريات مصر وبابل تأييداً لتلك الأسفار فصنف في ذلك عدة مجلدات راج سوقها أي رواج.ثم باشر بنشر معجم كتابي في خمسة مجلدات ضخمة أودعه بمساعدة بعض علماء الكاثوليك خلاصة العلوم الكتابية في كل الأبحاث المختصة بالكتب المقدسة.وقد زار غير مرة بلاد فلسطين وسورية ليعاين آثارهما توفي في 21 شباط 1915وفي العام 1916 في 10 ت2 استأثر الله بنابغة من علماء الشرقيات المركيز ملكيور دي فوغويه ( Melchior de Vogue ) الذي تجول مراراً في بلادنا السورية والفلسطينية باحثاً عن آثارهما الدينية والمدنية تارة وحده وتارة وبصحبة بعض علماء وطنه وخاصة المسيو وادنغتون.ومن تأليفه التي يرجع إليها محبو الآثار الشرقية كتابه في سورية المركزية حيث نشر عدداً وافراً من كتابات حوران وجبل الدروز وشرحها شرحاً مدققاً.وله رحل وصف فيها بلادنا الشامية وآثارها.ومن مصنفاته كتاب ضخم عن هيكل سليمان وكتاب آخر عن آثار الأراضي المقدسة وكنائسها.وبقي على نشاطه ودوام على التصنيف والتأليف إلى آخر حياتهوفي تموز من السنة عينها توفى الله سيدة فاضلة مادام جان ديولافوا ( M J.Diculafoy ).اقترنت بزواج المسيو دبولافوا فوجدت فيه رجلاً مقداماً محباً للسياحة والعلوم فأرادت أن تجاريه في كل أعماله.ولما استدعي زوجها لحرب فرنسة السنة 1870 لم تشأ أن تنفصل عنه وبقيت تخدم الجيش بقربه ثم تجشمت معه الأسفار إلى العراق والعجم متنكرة بلبس الرجال وتولت معه الحفريات الأثرية ووصفت كل ذلك بقلمها السيَّال في عدة مجلدات تهافت على مطالعتها أهل وطنهاومن مشاهير المستشرقين الذين أسفت الآداب الشرقية على وفاتهم في أيام الحرب في 21 ك1 1917 العالم الموسوي يوسف هالوي ( J.Halevy ) مولود أدرنه في السنة 1827 ثم دخل فرنسة وتخرج في العلوم الشرقية فأصبح أحد أساطينها المعدودين.وكان يتقن العبرانية والعربية والحبشية انتدبته الحكومة الفرنساوية لجمع الكتابات الحميرية في جنوبي العرب فساح إليها وجاء بمجموعة كبيرة منها عني بنشرها.ثم عاد فطاف بلاد اليمن ودخل نجران وقدم إلى الشام وسعى بتفسير كتابات الصفا فكان أول من كشف رموزها.وقد نشر في باريس مجلة الدروس اليهودية فأدارها نيفاً وثلثين سنةوقبل نهاية الحرب بزمن قليل ودع الحياة أحد كبار المستشرقين الفرنسويين المسيو غستون مسبيرو ( G. .Maspero ) الذي قضى نحو أربعين سنة في مصر صارفاً قواه في نشر آثارها ووصف تواريخها وآدابها وكشف أسرارها متولياً لكثير من حفرياتها الغامضة فصنف فيها المصنفات الممتعة التي تدل على سعة معارفه بكل أمور الشرق منها كتابه الجميل في تاريخ الشعوب الشرقية القديمة.توفى في 30 حزيران سنة 1918.وكان سبقه إلى القبر ابنه جان ( J.Maspero ) في 18 شباط سنة 1915 الذي كان يتأثر آثار والده فنشر كتاباً حسناً في فقه قدماء المصريين.وقع في ساحة الشرف دفاعاً عن وطنهوفي أثناء الحرب أيضاً منيت رسالتنا بوفاة ثلثة من عملتها الفرنسويين أحدهم الأب فردريك بوفيه ( Fred.Bouvier ) كان سكن عدة سنين في كليتنا وعلم فيها البيان ثم علم التاريخ وفي ديرنا في غزير وألف كتاباً مستطاباً مدققاً في تاريخ سوريَّة من أوائل تاريخ الميلاد إلى عهدنا طبعه على الحجر فلم يسمح له الوقت بطبعه على الحروف إذ قتل في ساحة الشرف في 18 أيلول 1916 وهو ساع بخدمة الصرعى والجرحى.وكان الفقيد مضطلعاً بالتاريخ والفلسفة واللاهوت وانتقاد الأديان.ومن آثاره عدة أبحاث أعرب فيها عن حسن نظر من جملتها تاريخ سورية في عهد بني طولونوعقبه إلى دار البقاء الأب دونا ( عطاء الله ) فرنيه ( Donat Vernier ) توفى في بيروت في مستشفى الراهبات الألمانيات في 17 أيار 1917.ولد سنة 1835 وقدم إلى الشام سنة 1860 فانكب على درس العربية وفوائدها فنشر كتاباً مطولاً في أصولها بالفرنسوية.ومن آثاره المطبوعة تأليفه في سيرة القديسة جان دارك وتعريبه لكتاب الإقتداء بالمسيح.وله عدة مخطوطات لغويَّة وأدبيَّة في مكتبتنا الشرقيةوقد أسفنا جداً في 2 نيسان 1918 لوفاة أحد مرسلي كليتنا الأب لويس رنزفال ( Louis Ronzevalle ) مولود أدرنة سنة 1871 عاجلته المنون في رومية ففقدنا به رجلاً مشبعاً بالآداب وكاتباً ضليعاً متقناً لعدة لغات شرقية وغربية ذا ذكاء فريد متفننا بالمعارف المختلفة في الفلسفة والموسيقى وأصول اللغات له في كل ذلك كتابات مستجادة في المشرق وفي المجلات الأوربية الشرقية( المستشرقون الألمانيون ) خسرت ألمانية في هذه الحقبة عدة من أعلامها الممتازين بالشرقيات.نخص هنا بالذكر الذين اشتهروا بالأدبيات العربية.ففي 5 من كانون الثاني 1909 توفى الدكتور كرل فولرس ( Karl Vollers ) أحد أساتذة كلية يانا ( Iena ) في ألمانية ولد سنة 1857 وتولى زمناً طويلاً إدارة المكتبة الخديوية في مصر وعني بتنظيمها ووصف بعض مخطوطاتها في المجلة الآسيوية الألمانية ( ZDMG ) وفي مجلة مصر.ومن تآليفه الحسنة كتابه في اللغة العربية العامية بين قدماء العرب بالألمانية ( سنة 1906 ) وكتابه عن اللهجة العربية في مصر.وقد وصف بمجلد ضخم المخطوطات الشرقية التي في مكتبة ليبسيك العمومية ونشر بالعربية والألمانية ديوان المتلمسوفي السنة المذكورة في 12 حزيران وقعت وفاة الأستاذ سجسمند فرنكل ( Sig.Fraenkel ) اشتغل خصوصاً باللغويات العربية منها كتابه في الألفاظ الآرامية الأعجمية الداخلة في العربية طبعه في ليدن سنة 1886.وكان سبق ونشر كتاباً هناك ( 1880 ) في الألفاظ الأجنبية التي دخلت في العربية في عهد الجاهلية وفي نفس القرآنوفي 7 آب من السنة توفى في مونيخ الأستاذ يوحنا ساب ( J.- N.Sepp ) الذي قدم إلى فلسطين ونشر آثاراً تاريخية عن صور وعن أنحاء الأراضي المقدسةوفي هذه السنة بارح الحياة أحد كبار المجتهدين في تعزيز الآداب العربية الأستاذ وليم بن الورد البروسي ( W.Ahlwardt ) ولد في غرمسولد في ألمانية سنة 1828 وفيها توفى في 2 ت2 1909 قضى حياته في درس الشرقيات ولا سيما العربية.وكان أول ما نشره ديوان خلف الأحمر ( 1859 ) ثم كتاب الفخري الآداب السلطانية والدول الإسلامية سنة 1860 وأعقبهما بنشر دواوين مختلفة مباشرة بستة شعراء العرب: النابغة وعنترة وطرفة وزهير وعلقمة وامرئ القيس ثم عني بمجموع أشعار العرب في ثلاثة أجزاء تحتوي الأصمعيات ودواوين العجاج وابنه رؤبة والزفيان.وترجم كثيراً منها إلى الألمانية وعلق عليها الحواشي المفيدة.ولو لم يكن له من الفضل إلا وصفه المخطوطات العربية في مكتبة برلين لكفى له فخراً.وهذا الوصف يتناول عشرة مجلدات ضخمة وصف فيها عشرة آلاف وثلاثمائة وسبعين كتاباً عربياً هناك مع فهارس ممتعة مستوفيةوفي 8 آذار 1911 توفى أحد الأثريين الألمان الذين اشتغلوا في بعلبك ليكشفوا عن آثارها ويعيدوا لها بهائها القديم نريد به الدكتور اوتو بوخشتين ( Otto Puchstein ) وقد ألف مع بعض وصفائه تأليف جميلة وصفوا فيها تلك الأبنية التي تأخذ بمجامع الأبصار وصوَّروها تصويراً رائعاً.وللدكتور بوخشتين دليل مدقق في ذلك نقله إلى الافرنسية أحد أدباء الآباء اليسوعيينوفي غرَّة السنة 1913 توفى الدكتور جوليوس اوتنغ ( J.Euting ) من أساتذة جامعة ستراسبورغ.رحل مع السائح الفرنسي الشهير المسيو شرل هوبر ( C.Huber ) إلى داخلية العرب فبلغا إلى النفوذ وحائل سنة 1883 - 1884 وأنتسخا كتابات آرامية في تيماء وفي تبوك والحجر فقتل هوبر وعاد اوتنغ سالماً ونشرت تفاصيل سياحة كليهما بالفرنسوية والألمانية.وقد رأينا في بيروت الدكتور اوتنغ عند رجوعه وهو متنكر لابس ثياب أهل البادية.ومن منشوراته وصف المخطوطات العربية في مكتبة ستراسبورغ ( 1877 ) وكذلك نشر كتابات مختلفة نبطية وآرامية وجدت في سينا وفي عيون موسى وجهات فلسطين جمعها في سياحات متتالية قاسى فيها ضروب المشاقونعي إلينا في أوائل الحرب في 24 ت1 1914 الأستاذ المرحوم يعقوب برت ( Jacob Barth ) من كبار المستشرقين في برلين نشر في المجلة الآسيوية الألمانية مقالات ضافية الذيل في كل الآداب لا سيما التاريخية واللغوية.هو أحد المستشرقين الذين سعوا بطبع تاريخ الطبري في ليدن.ومن منشوراته كتاب فصيح ثعلب طبع في ليبسيك سنة 1876 ونشر ديوان الشاعر النصراني القطامي وله أبحاث نفيسة في أصول اللغات السامية كالعبرانية والآرامية والعربيةومن المتوفين من المستشرقين الألمان سنة 1915 الدكتور بولس شرودر ( P.Schroeder ) الذي تولى في بيروت أعمال القنصلية الألمانية سنين طويلة وكان يعنى بالآثار الشرقية ويكتب في جرائد وطنه مقالات واسعة تاريخية وأدبية وأثرية.توفى في برلينوفي تلك السنة توفى أيضاً في برلين في 4 آب الدكتور ريشرد كيبرت ( R.Kiepert ) الذي نشر بعد أبيه خوارط حسنة لسوريَّة وتركية وبلاد العربوفي آخر السنة في كانون الثاني 1918 فقدت ألمانية أحد أركان علومها الشرقية الدكتور فلهوسن ( A.Wellhausen ) الذي صنف التآليف المدققة في تواريخ العرب قبل الإسلام وآثارهم الدينية والشرعية والمدنية.ثم تتبع أخبارهم بعد الإسلام في عهد بني أمية وبني العباس إلى سقوط دولتهم وتآليفه هذه من أجود ما كتب في هذا الصدد.وللمذكور تآليف أخرى عن الأسفار المقدسة ذهب فيها مذهب الإباحيين( النمسوُّيون ) رزئت الدروس الشرقية في النمسة بوفاة أربعة من مستشرقيها في هذه الحقبة الثانية.أولهم مدير المكتب الشرقي الملكي في فينا الدكتور داود هنريك مولر ( D.H.Muller ) توفى في 21 ك1 سنة 1912 بعد أن خدم الآداب العربية زمناً طويلاً وتولى رئاسة المجلة النمسوية الشرقية ( WZKM ) وهو الذي نشر جغرافية جزيرة العرب للهمداني 1884 - 1891 وكتاب الفرق للأصمعي.ورحل إلى جنوبي العرب ونشر عدة كتابات حميريَّة وآثاراً لغوية لقبائل شائعة هناكوالثاني هو الدكتور ادولف فاهرمند ( Ad.Wahrmund ) دهمته المنون في أيار سنة 1913 وعمره 86 سنة علم في جامعة فينا العربية.ومن آثاره معجم عربي ألماني في مجلدين طبع سنة 1877 وله مجموعة أدبية مدرسية بالعربية.وكان متقناً للغة الفارسية ألف فيها عدة تآليفوالثالث الدكتور مكسميليان بيتز ( Max Bittner ) فارق الحياة في 7 نيسان سنة 1918 لم يتجاوز عمره 49 سنة.كان أيضاً أستاذاً للغات الشرقية في فينا وله في مجلتها الآسيوية مقالات واسعة تشهد له بالمعرفة باللغات السامية ودرس أيضاً لهجات مهرة والحضرموت وكتب عن تاريخ اليزيديين ونشر أول أرجوزة من أراجيز العجَّاجوالرابع الدكتور المأسوف عليه جوزف فون كراباتشيك ( Josef von Karabacek ) توفى في آخر الحرب الكونية في ت2 1918 خدم لغتنا العربية بدرسه لأقدم مخطوطاتها التي وجدت في مصر مكتوبة على البردي وعلى رقوق وقطع من الكتان وهي ترقى إلى أوائل الإسلام وبها يثبت أن أصل الخط العربي ليس من الخط الكوفي بل من الخط النبطي المستحدث الدارج المتعلق بالحروف وقد وجدت بعض آثار خطية عربية تقدم عهدها على الإسلام ونشرناها في كتابنا الآداب العربية وتاريخها في عهد الجاهلية تزيد هذا الرأيأما ( الهولنديون ) فقد أسفوا منذ شهر أيار السنة 1909 على فقدهم إمام الدروس العربية في أوربة الدكتور دي غويه ( M.J.de Goeje ) توفاه الله في ليدن التي شرفها آثار علمه الواسع فكان خير خلفٍ لسلفٍ سبقوا فاشتهروا في هولندة منذ القرن السابع عشر بمعرفة اللغة العربية ونشر آثارها.بل سبقهم جميعاً بوفرة تآليفه وضبطها وإتقانها.فهو الذي نشر في ثماني مجلدات مجموعة جغرافيي العرب: كالاصطخري وابن حوقل وابن خرداذبه والمقدسي وابن فقيه وابن رسته واليعقوبي والمسعودي فأحرز له فخراً قلما يبلغه غيره.وإليه يعود الفضل في نشر تاريخ الطبري برواياته وفهارسه ومعجم ألفاظه.فهيهات أن يبلغ شأوه أحد الشرقيين.وقد نشر أيضاً قسماً من جغرافية الإدريسي ( نزهة المشتاق ) في وصف المغرب.واشتغل مع بعض أساتذة ليدن في وصف مخطوطات مكتبتها الشرقية الغنية بالآثار العربية ولم يكتف الدكتور دي غويه بكل هذه الخدم وغيرها كثير بل وضع مبلغاً كبيراً من المال ليصرف ريعه في كل سنة لمجازاة بعض المنشورات الشرقية تحكم لجنة مخصوصة.وقد عرفنا شخصياً هذا الرجل العظيم وأخذنا العجب من لطفه وشهامته واستعداده لمساعدة كل من كان يطلب منه خدمة في سبيل الشرق. وفي هذه الحقبة من شهر نيسان 1914 كانت وفاة أستاذ اللغات السامية في لوزان ( سويسرة ) جان هنري سبيرو ( J.H.Spiro ) المعروف بتآليفه لمعجم إنكليزي عربي طبع في مصر. ( الإنكليز والأميركيون ) نعي إلينا في شهر آذار 1917 أحد أصحابنا الإنكليز العلامة أميدروس ( H.F.Amedroz ) المولود سنة 1854.تخرج على آداب وطنه وتقلده فيه عدة أعمال ثم تفرغ لدرس العربية ومخطوطاتها فكان أحد كتبة المجلة الملكية الآسيوية الإنكليزية.وغيرها من المجلات.ومما خدم به الشرق العربي كتابان من أجل كتب التاريخ نشرهما في مطبعتنا الكاثوليكية: الأول تاريخ الوزراء لأبي الحسن الهلالي الصابئ مع الجزء الثامن من تاريخ آخر له ( سنة 1904 ) والثاني ذيل تاريخ دمشق لأبي يعلي حمزة ابن القلانسي ( 1908 ) مضيفاً إليهما خلاصتهما بالإنكليزية وحواشي واسعة وفهارس جليلة. وفي 14 نيسان سنة 1917 فجعت جامعة برنستون في الولايات المتحدة برجل من متقدمي علمائها الدكتور برونوف ( R.F.Brunnow ) الذي أفادنا كثيراً بمطبوعاته العربية.نخص منها بالذكر كتاب الموّشى لابن إسحاق الوشّاء طبعه في ليدن سنة 1886 وكتاب الاتباع والمزاوجة لابن زكريا ومنتخبات مدرسية ولا سيما الكتاب الحادي والعشرين من الأغاني الذي يفضل كثيراً على الطبعة المصرية.وقد اشتغل في وصف الآثار العربية وكان أحد المتولين لحفريات حوران مع أساتذة جامعة برنستون فوصفوا ما اكتشفوه بمجلدين ضخمين غاية في الحسن مع خارطة مدققة من رسمه الخاص. ومنيت الكلية الأميركانية في بيروت في 28 أيلول 1909 بأحد معلميها الأفاضل الدكتور جورج بوست ( G.Post ) الذي أنشأ مع الدكتور كورنيليوس فانديك ويوحنا ورتبات سنة 1867 مدرستها الطبية فخدمها نيفاً وأربعين وسنة بكل همة وتعاطى الطب والجراحة في بيروت ولبنان.وكان تعمق في درس العربية وبها أنشأ كتبه الطبية في الجراحة وغيرها.وكان مولعاً بعلم النبات له فيه تأليف كبير بالإنكليزية والعربية فوصف نبات سورية وفلسطين وشبه جزيرة سينا متجشماً لجمع حشائشها أسفاراً شاقة. وفي أبان معمعان الحرب في 28 تموز سنة 1916 رحل إلى الأبدية ركن آخر للكلية الأميركية الدكتور دانيال بلس ( D.Bliss ) الذي قدم بيروت سنة 1856 فكان له اليد الطولى في إنشاء مدرستهم الكلية سنة 1866 وبقي رئيسها نحو أربعين سنة برها بكل حكمة وجهزها بالأبنية العلمية والأدوات والمتاحف التي جعلتها من أكبر معاهد العلم في سورية بل في كافة الشرق لم نأخذ عليها سوى تربية طلبتها على المبادئ البروتستانية التي دفعت كثيرين منهم إلى التحرر من تعاليم الدين. ( الاسبانيون.الإيطاليون.الروسيون ) أسفت إسبانية في 6 ت2 1917 على فقد شيخ علمائها المستشرقين الدكتور دون فرنسكو كوديرا إي زيدين ( Fr.Codera y Zaidin ) الذي ولد في 23 حزيران 1836 ودرس الآداب العربية على المستشرقين كاتلينا ( S.Catalina ) ودي غاينغوس ( P.de Gayangos ) فبرع فيها وتعين مدرساً للغة العربية في جامعة مدريد سنة 1879.رحل إلى تونس ومراكش والجزائر فبحث عن المخطوطات الشرقية وسعى بجمع المصكوكات العربية الإسبانية القديمة فوصفها بكتاب كبير.ومن منشوراته الجزيلة الفائدة مجموعة ( المكتبة العربية الإسبانية ) فنشر عشرة أجزاء منها تتناول تاريخ إسبانية العربية وعلمائها لابن بشكوال وابن الفرضي وابن أبّار وأحمد الضبي فكان له الفضل في النهضة الأدبية للدروس الشرقية في وطنه.فتخرج عليه عدة تلامذة قدموا له يوم يوبيله الذهبي سنة 1902 مجموعة لطيفة ضمنوها عدداً عديداً من الآثار العربية.وقد جمع هو في مجلد كبير مقالات له متفرقة عن تاريخ العرب وآثارهم فنشرها على حدة. أما ( الإيطاليون ) فرُزئوا بأحد أساتذة الكلية اليسوعية الرومانية الأب هنري جسموندي ( H.Gismondi ) معلم اللاهوت في مدرستنا بيروت مدة عشر سنوات عني بدرس اللغتين السريانية والعربية فنشر فيهما تآليف مختلفة منها كتابه في أصول اللغة السريانية مع منتخبات ومعجم.ومنها نشره لمقامات عبد يشوع الصوباوي مع ترجمتها إلى اللاتينية والقسم الثاني من قصائد القديس غريغوريوس بالاسطرنجلي وطبع في رومية تاريخيين عربيين من تواريخ الكلدان: أخبار فطاركة كرسي المشرق لعمرو بن متى من كتاب المجدل ( 1896 ) وتاريخهم لماري بن سليمان ( 1899 )وكذلك الروسيون فقدوا في هذه الحقبة الأستاذ داود كفولسون ( D.Chwolson ) توفى في بطرسبورج في 6 نيسان 1911 وكان مولده في 10 ك1 1820.كتب في مجلة أكاديمية بطرسبورج مقالات عديدة عن الشرق.ومن تآليفه ما نقله العرب من آثار البابليين الأقدمين ( 1859 ) ونشر ما ورد في الأعلاق النفيسة لأبن دوسته عن الروسيين والصقالبة وشعوب البلقان وترجمها إلى الروسية

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي