تاريخ الآداب العربية (لويس شيخو)/أركان النهضة في أوائل القرن العشرين في مصر

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

أركان النهضة في أوائل القرن العشرين في مصر

أركان النهضة في أوائل القرن العشرين في مصر - تاريخ الآداب العربية (لويس شيخو)

السيد الأفغاني

يسرنا أن نفتتح باسمه الكريم هذه الحقبة الأولى وإن كانت وفاته سبقتها قليلاً إذ لم نستوف حقه في كتابنا عن أدباء أأدباء القرن التاسع عشر.وهو السيد جمال الدين الأفغاني الأصل مولود أسعد آباد سنة 1254ه ( 1838م ) درس في كابل ثم في الهند على علمائها ثم سافر إلى مصر وإلى الآستانة حيث قدر رجال الدولة قدره وجعلوه أحد أعضاء مجلس المعارف فاجتهد في توسيع نطاقها.لكن أولي الأمر تخوفوا من حرية أفكاره فألجئوه إلى هجر العاصمة والالتجاء إلى وادي النيل سنة 1871 فحل في القاهرة ضيفاً كريماً وانصب على العلوم العصرية حتى بلغ منها مبلغاً عظيماً وعرف بفيلسوف الشرق.فالتف حوله كل طالبي الترقي والتحرر فكان يبعث فيهم بلهجته وخطبه وكتاباته روح الاستبداد فنفي إلى بلاده سنة 1879 فاحتل حيدر آباد وسكن في كلكتا في زمن الثورة العرابية.ثم سافر إلى أوربة.وأنشأ في باريس مجلته العروة الوثقى مع صديقه الشيخ محمد عبده المصري ساعياً إلى توحيد كلمة المسلمين.ثم تنقل في البلاد الأوربية إلى أن استقدمه ناصر الدين شاه إلى طهران وجعله وزير الحربية فلم تطل مدته في تلك الوزارة فسافر إلى روسية ورحل إلى باريس وشاهد معرضها سنة 1889 وعاد إلى إيران بإغراء الشاه فعني بإصلاح أمورها.فخاف أرباب الدولة من تطرفه فأبعد مريضاً إلى حدود تركيا وسكن مدة مدينة البصرة إلى أن استدعاه السلطان عبد الحميد إلى الآستانة سنة 1892 وأسكنه في بعض قصورها فبقي فيها مكرماً إلى سنة وفاته بداء السرطان في 9 آذار سنة 1897.أما آثاره الكتابية فهي مفرقة في صحف زمانه.نشر منها الشيخ محمد عبده رسالته في نفي مذهب الدهريين وقد أثنينا عليها مراراً ونقلنا عنها فصولاً شائقة في مناصبة هذا المذهب وبيان الشرور الناتجة عنه وفي تأثيم زعمائه الكفرة كفولتير وروسو.

الشيخ محمد عبده

لا يجوز أن نفرق بين جمال الدين الأفغاني وتلميذه الشيخ محمد عبده.فإنهما سيان في النهضة الأدبية التي حدثت في الشرق الإسلامي ولد الشيخ عبده في أواخر سنة 1267ه ( 1853 ) في شنبيرا من مديرية الغربية في مصر ودرس مبادئ العلوم الدينية والفقهية في طنطا ثم في الأزهر لكنه لم يجد في شيوخهما وأساتذتهما ما يأنس به عقله حتى قدم إلى مصر جمال الدين الأفغاني سنة 1288 ( 1875 ) فخضر دروسه مع بعض أدباء القاهرة وشغف بتعليمه وأخذ عنه المنطق والفلسفة وارتوى من روحه حتى قام مكانه بعد أن أبعد الأفغاني وعهد إليه التدريس في المدارس الأميرية فازدحم الطلاب لاستماعه وحرر في الوقائع المصرية مقالات أثرت في مواطنيه كان يدعوهم فيها إلى الإصلاح.وفي تلك الأثناء وقعت حوادث عرابي باشا وحوكم هو بسببها وحكم عليه بالنفي.فجاء سورية وأقام فيها ست سنوات انتدبته في أثناءها رئيس رسالتنا إلى شرح مقامات بديع الزمان فلبى طلبه وأحكم تفسير تلك الطرف اللغوية التي راجت رواجاً عظيماً فتكرر طبعها. ثم سافر الشيخ عبده إلى باريس وفيها أجتمع بأستاذة الأفغاني فنشرا ( العروة الوثقى ) التي مع قصر زمانها أصابت بين المسلمين شهرة كبيرة.وكان الشيخ مدة أقامته في عاصمة فرنسا وقف على تمدن الغرب ورقيه وخمود الشرق وخموله لا سيما بعد أن درس اللغة الفرنساوية وأطلع على كنوزها الأدبية.فكان يتلهب غيرة لإصلاح أمور وطنه.ثم أجازوا له بالرجوع إلى مصر فقدرت الحكومة قدره فتعين مستشاراً في محكمة الاستئناف وعضواً في مجلس إدارة الأزهر.وأسند إليه أخيراً رئاسة الإفتاء في الديار المصرية سنة 1317 ( 1899م ) فقام بواجبات منصبه أحسن قيام إلى سنة وفاته سنة 1323 ( 1905م ) وهو لا يزال يدعو إلى إصلاح الدين وذويه.وقد ألف كتباً عديدة أكثرها دينية كتفسير القرآن والرسالة في التوحيد.وبعضها منطقية وأدبية واجتماعية ومما لم نستحسنه له كتابه الإسلام والنصرانية.وفيه أشياء كثيرة لا توافق تعاليم النصرانية أخذها عن بعض أعداء النصرانية أو حملها على غير معناها.ولو راجع في ذلك علماء الدين المسيحي لوقف على الصواب

محمود باشا سامي البارودي

هو أيضاً من أركان النهضة الأدبية في أواخر القرن السابق وغرة القرن الحالي.كان من مولدي الجركس وكان أبوه حسن بك من أمراء المدفعية في الجيش المصري.ولد ابنه محمود في القاهرة سنة 1256 ه ( 1840م ) ثم تخرج في المدارس الحربية في مصر وتلقّن فيها مبادئ العلوم فأحرز منها قسماً حسناً وإنما تغلب عليهِ الأدب وأغرم بالشعر العربي وأتقن اللغتين التركية والفارسية وتقلب في المناصب العسكرية وحارب مع الأتراك في الحرب الروسية سنة 1877.وكانت مصر أنفذت لمساعدة الدولة العثمانية نجدة كانت فرقته من جملتها فكوفي لحسن بلائه برتبة اللواء وتعين سنة 1879 مديراً للجهة الشرقية.ثم تولى نظارة الحربية ثم الأوقاف ثم المعارف.وكان له يد في الثورة العرابية فنفي إلى سيلان ثم عفي عنه وعاد إلى وطنه وانقطع فيه إلى الآداب إلى سنة وفاته وكف بصره في أواخر حياته.وهو أحد أمراء الشعر العربي الحديث يعد شعره من الطبقة الأولى مع القليل من معاصريه من شعراء مصر وشعره يجمع بين السهولة والمتانة. ومن آثاره مجموع نفيس دعاه مختارات البارودي في أربعة أجزاء ضمنه أطيب قصائد الشعراء قسمها إلى ستة أبواب واسعة.ودونك مثالاً من شعره قال يرثي زوجته المتوفاة وهو في المنفى:

وردَ البريدُ بنير ما أَمَّلتُهُ

تَعِسَ البريدُ وشاهَ وجهُ الحادي

فسقطتُ مغشياً عليَّ كأنَّما

نهشَتْ صميمَ القلب حيَّةُ وادي

ويلمه رُزْءٌ إطار نعيُّهُ

بالقَلْب شُعلة مارجِ وقاَّدِ

ومنها:

أسليلة القمرْين أيُ فجيعة

حلت لفقدك بين هذا النادي

أعززْ عليَّ بان أراكِ رهينةً

في جوف أغبر قاتم الأسوادِ

أو أن تَبيني عن قَرارةِ منزلِ

كنتِ الضياءَ لهُ بكل سوادِ

لو كان هذا الدهرُ يقبلُ فديةًّ

بالنفس عنك لكنتُ أول فادي

قد كدتُ اقضي حسرةً لو لم اكنْ

متوقعاً لُقياكِ يومَ معادِ

فعليكِ من قلبي التحَّيةُ كلَّما

ناحت مطوَّقةٌ على الأعوادِ

وقال يصف حالته في منفاه إلى سيلان ( وهي سرنديب القدماء ):

لم يبقَ لي أربٌ في الدهر أطلبُهُ

إلا مصاحِبَ حرٍ صادقِ الحالِ

وأين أُدركُ ما أبغيهِ من وطِر

والصدقُ في الدهر أعيا كلَّ محتالِ

لا في سرَنْديب لي إلفٌ أُجاذبهُ

فصلَ الحديثِ ولا خلٌ فيرعى لي

أبيتُ منفرداً في رأس شاهقةٍ

مثلَ القُطامَي فوق الَمْربإ العالي

إذا تَلَفَّتُّ لم أُبْصِر سوى صُورٍ

في الذهن يرسمُها نقَّاشُ من مالي

تَهْفو بيَ الريحُ أحياناً ويَلْحفني

بَرْدُ الطلال ببُرْدِ منهُ أسمْالي

فلو تراني وبُردي بالندى لَشِقٌ

لَخِلْتَني فرخَ طيرٍ بين أدغالِ

لا يستطيعُ انطلاقاً من غيابته

كأنما هو معقولٌ لعقاَّلِ

^

أدباء المسلمين المصريين في أوائل القرن العشرين

عبد اللطيف الصيرفي

هو شاعر مصري معاصر لسامي البارودي كاد يجاريه في سنتي مولده ووفاته.ولد في الإسكندرية سنة 1257ه ( 1841م ) وتوفي سنة 1322ه ( 1904م ) تعلم في المدارس الأهلية حتى أتقن اللغة العربية والحساب والأنغام وبرع بالخط فدخل في دواوين التحريرات وخدم حكومة وطنه زمناً طويلاً ثم اشتغل بفن المحاماة إلى سنة وفاته.صنف ديواناً نشره بعد وفاته ابنه عبد العزيز وهو مجلد واسع في 220 صفحة طبع سنة 1335ه ( 1908م ) وشعره سهل وسط لا يخلو من بعض الرقة والتفنن وكذلك نثره له منه فصول ومراسلات ومداعبات منسجعة. وهذا مثال من شعره قاله يهجو أحد العمَّال في دمنهور:

كانت دمنهورُ لنا

مهدَ المحاسن والظرائفْ

لا سيما لمّا رقَتْ

بُمديرها ربّ اللطائفْ

خيري اللائق احمدٍ

مُحيي الفاخر والمعارفْ

وسعت لنادي فضلهِ

أهل الفضائل والعوارفْ

فاستأنستْ نفسي بهم

وظْللتُ ألتقط الطرائفْ

وأقول قد سعدت دمن

هورُ وراقت كلَّ طائفْ

لكن بها كلبٌ عَقُوٌر

قد بدتْ منه المخاوفْ

لا زال يعطفُ كاسراً

فيسيء جالسها وواقفْ

حتى غدَت موبؤةً

بوجوده والكلُّ واجفْ

فمن الذي يأتي لها

ما دام فيها الكلبُ عاطفْ

ألا وَبسْتور لهُ

في كل آونة مساعفْ

ولرَّبما لم يُجْده

تطبيُبُه والداءُ ناقفْ

فالله يخفى رسمهُ

منها فتأخذُه المتآلف

لأكون أوَّل آمنِ

وأكون آخر من يجازفْ

إبراهيم بك المويلحي

في هذه الحقبة الأولى من القرن العشرين وقعت أيضاً وفاة أحد أعيان المصريين الذين أحرزوا لهم ذكراً في عالم الأدب نعني به إبراهيم المويلحي المولود في مصر سنة 1262ه ( 1846م ) والمتوفى سنة 1322ه ( 29 ك 2 1906م ) تقلب في عدة أعمال وغلب عليه الأدب والسياسة فخدم وطنه مصر في أيام الخديوي إسماعيل باشا ورافقه بعد استقالته إلى أوربة فكان أمين أسراره وسكن مدة باريس ونابولي معه ثم تردد مراراً إلى الأستانة فحظي بالنعم السلطانية والرتب عند عبد الحميد.وأنشأ عدة جرائد مثل الخلافة في نابولي والرجاء في باريس ونزهة الأفكار ومصباح الشرق في القاهرة وله عدة مقالات في الصحف العربية غيرها.وكان لم يستقر على خطة مع كونه شديد الذكاء بليغ الإنشاء كثير التفنن مر الانتقاد وهو منشئ جمعية المعارف لنشر الكتب المفيدة.ومن آثاره كتابه الشهير ( ما هنالك ) وصف فيه أسرار يلدز وسياسة السلطان عبد الحميد وله شعر قليل وإنشاؤه أقرب إلى الإنشاء العصري لا تصنُّع فيه كمن سبقه.وإنما يزينه بالنكت البديعة والمعاني المستطرفة.ومما وقفنا له من قلمه ما كتب في ( الإنشاء والعصر ) وهو كلام طويل ينتقد خمول المصريين بصناعة الإنشاء مع تزايد المطابع وانتشار التعليم وكثرة المدارس ويبحث عن أسباب انحطاطها فقال في ذلك:( إنما السبب عند جمهور الباحثين هو سوء طريقة التعليم والتلقين للعلوم العربية بين طلبة المدارس وضعف العناية في اختيار الكتب النافعة للتدريس.وليس هذا في نظرنا السبب الوحيد لما نشاهده من التأخر والانحطاط في صناعة الإنشاء والتحرير وقلَّة العاملين فيها فذلك مهما جئت به من التحسين والتعديل لطريقة التعليم لا ينفع في ملكة الإنشاء في أذهان التلاميذ التي عليها المعوَّل في حسن الصناعة لان المدَّة لدرس اللغة العربية في المدارس لا تكفي لغير الحصول على أصول اللغة وقواعدها ولا تفيد لتكوين الملكة لشيء صالح.ولا يخفى عن علمك أن الطالب يتجرع هذه القواعد والأصول في الدرس ولا يكاد يسيغها ولا يتناولها إلا كما يتناول المحموم مرَّ الدواء ولا تمكث في صدره إلا ريثما يمجُّها عند أخذ الشهادة. . . ( على مثل هذا يخرج المتخرجون في المدارس سواءٌ الفائز منهم بالشهادة والخائب فيها ثمَّ ينصرف كل واحد منهم إلى الأشغال التي تلهيه عن كل صحيفة وكتاب ولا يجد أمامه مجالاً لنمو ملكة الكتابة. . .أما إذا ابتلاه الله بالدخول في خدمة الحكومة فقل يا ضيعة العلم والأدب ويا بؤس صناعة الإنشاء والتحرير ويا زوال ملكة الإفصاح والتعبير ! إذ يتلقى هناك لساناً جديداً ولغةً حديثة لا يهتدي فيها إلى قاعدة ولا ترتبط برابطة ولا تفضل لغة البرابرة. . . ولو أنه ذهل يوماً وجاء في بعض عمله بجملة صحيحة وعبارة مستقيمة في اللغة وانحرف عن ذلك اللسان المصطلح عليه شيئاً قليلاً لأصبح عرضةً للتهكم عليه الاستهزاء به بين العمال فيعمد إلى التوبة من الذنب. . .ويأخذ بلسانهم فيأمن من مكرهم. . . ( ومن سوء الحظ لم تلتفت الجرائد السيارة إلى إتقان صناعة التحرير ولم تعمل لهذا المقصد النبيل ولم ير أربابها أن يتعبوا أنفسهم ويكدوا خواطرهم للتفنن في بلاغة القول وفصاحة التعبير وانتقاء الألفاظ وتنويع التركيب وتجديد الأسلوب وما شابه ذلك من محاسن هذه الصناعة التي تتوق للنفس وتطرب إليها القلوب. . .فينبغ النوابغ من الفصحاء والبلغاء ويكثر بيننا عديد الكتاب والأدباء. . .وفاتهم أن الواجب على الكتاب المجيدين الذين يضعون أنفسهم أمام القارئ في الهادي والمرشد ومقام المربّي والمعلم أن يرتفعوا بذهن القارئ إلى درجة أذهانهم لا أنهم ينزلون بأفكارهم إلى درجة أفكاره. . .)ومن فصوله الحسنة ذكره في كتابه ( ما هنالك ) ( ص130 - 132 ) لموكب السلطان عبد الحميد في الأستانة يوم الجمعة ( السلاملك ) تلك حفلة حضناها مرّة فأحسن المويلحي بوصفها قال:( وإذا صدرت الإدارة السنيَّة بتعيين مسجد صلاته اجتمعت العساكر في ساحة المسجد أمام الباب السراي واصطفت صفوفاً مضاعفة بعضها وراء بعض.وفي هذه الأثناء تتسابق مركبات المشيرين والوزراء والمشائخ والأجانب من السفراء وغيرهم فيجلس السفراء ومن كان معهم من علية قومهم الوافدين على الأستانة في قاعة الجيب الهمايوني المطلة على تلك الساحة التي لا يسمع السامع فيها قيلاً ولا صهيلاً إلا صليل الأسياف وترديد الأنفاس هيبة وإجلالاً وانتظاراً واستقبالاً لإشراق نور الحضرة السلطانية فإذا حان وقت الصلاة أشرقت المركبة السلطانية المذهبة كالشمس ضياءً من مطلع السراي تحمل الإمام نائب الرسول صلعم ويجلس أمامه الغازي عثمان باشا.والمشيرون وكبار رجال المابين حافون من حول المركبة مشاةٌ خشع الأبصار ترهقهم ذلة من جلال تلك الإمامية وهم في غير هذه الساعة أكاسرة الزمان وقياصرة الرومان كبراً وجبروتاً وكلهم في أمواج الملابس الذهبية يسبحون وعلى صدورهم نياشين الجوهر تخطف الأبصار وتأخذ الألباب حتى أن الناظر ليكاد يوالي الحمد لله تباعاً على ما منحه للدولة من عديد الرجال الصادقين في خدمة الملَّة بشهادة الكلمات الناطقة فوق النياشين. . .فإذا اختلف المكتوب على الصدر عن المكنون في القلب كانت كبائعٍ يغش الناس بوضعه على زجاجة الخل عنوان ماء الورد. . .ثم تسير المركبة بالعز والإجلال والسعادة والإقبال تحسدها الكواكب وتحفظها المواكب. .ثم يصعد السلطان إلى المكان المخصص لصلاته فيصلي فيه وحده وصفوف العساكر العثمانية واقفون في تلك الساحة ينتظرون تشريف جلالته للسراي بعد تأدية الصلاة. .)ومن أدباء المسلمين أيضاً المتوفين في أوائل القرن العشرين بعض الذين تركوا آثاراً قليلة من أقلامهم ( كوفاء أفندي محمد ) المتوفى سنة 1319 ( وقيل 1322 ) ( 1901 - 1904 ) كان أمين المكتبة الخديوية دونك مثالاً من رسائله يهنئ بعض السادة بالعيد:( كيف أهنئك وحدي وأنك العالم في واحد.فقد انطلقت الألسن بتهنئتك حيث أجمعت القلوب على محبتك وقد وافانا يوم العيد الأكبر فالناس بين مهلل ومكبر.وهذا الربيع قد احتفل بيمن طالعك السعيد فنشر على الربى مطارفه السندسية ورفع أعلامه الزبرجدية، وبعث برسول النسيم، إلى الروض فتلقاه بوجه وسيم، وثغر بسيم، ونشر من الزهر النضير، دراهم ودنانير، ورقصت الغصون فغنت الطيور فوق الأفنان، بفنون الألحان، فهكذا تكون إشارات التهانئ، وإن لم تف بوصفها الألفاظ والمعاني، والية بمن أولاك، رفعة تصافح السماء وولاك، رتبة لا تدانيها الجوزاء، عن صحيح الفهم في دارك علاك لعليل، وإن اللسن وإن شحذ اللسان في وصف مجدك لكليل والسلام )ومنهم ( مصطفى بك نجيب ) المتوفى سنة 1320ه ( 1902 ) وكان رئيس قلم بنظارة الداخلية وهو أحد الأدباء الفضلاء الذين اشتهروا بفصاحة القلم ونشر المواعظ وجليل الحكم فمن قوله نبذة وصف فيها الفونغراف قال:( الفونغراف مثال القوة الناطقة، من غير إرادة سابقة، يقتطف الألفاظ اقتطافاً، ويخطف الصوت اختطافاً، أشد من الصدى في فعله، في إعادة الصوت على أصله، كأنه الوتر عن يد الضارب، والقصب عن فم القاصب، يحفظ الكلام ولا يبيده، ومتى استعدته منه يعيده، كأنما حفظ الوديعة، في نفسه طبيعة، فلو تقدم له الوجود في مرتبة الزمن لأسمعنا كلام السيد المسيح في المهد، وصوت ألعازر من اللحد، وكانت استودعته الفلاسفة حكمتهم، وأنشدوه كلمتهم، فرأينا به غرائب اليونان، وبدائع الرومان. . .نديم ليس فيه هفوة النديم، وسمير لا ينسب إليه تقصير، تسكته وتستعيده، وتذمه وتستجيده، وتنقصه وتستزيده، وهو في كل هذه الأحوال، راض بما يقال، لا يكل من تحديث، ولا يمل من حديث، نمام كما ينم لك ينم عليك، وينقل لغيرك كما ينقل إليك، فهو المتكلم بكل لغة ولا يجهده الأداء، ولا يضره اختلاف شكل، ولا تباين أصل، بل تعدت شدة حفظه البشرية من اللغات، إلى حفظ أصوات العجماوات، إلى تركة اصطكاك الجمادات. ( عائشة التيمورية ) هي إحدى النساء المسلمات التي تفردت في الآداب في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل العشرين فتوفيت في صفر من السنة 1320 ( أيار 1902 ) وكان مولدها في القاهرة سنة 1256ه ( 1840م ) ووالدها إسماعيل باشا تيمور وأمها جركسية.أحبت منذ صغرها العلم والأدب وبعد أن اقترنت بالزواج ثم ترملت انصرفت إلى الآداب وبرعت بنظم الشعر في اللغات الثلث العربية والتركية والفارسية.وقد طبع ديوانها العربي المسمى حلية الطراز فأثنى عليه الأدباء طيب الثناء وشفعته بكتاب نتائج الأحوال فأقبل عليه العلماء أيضاً وأطرأوا صاحبته.وممن قرظ كتاب حلية الطراز السيدة وردة كريمة الشيخ ناصيف اليازجي فقالت:

حبَّذا حليةُ الطراز أَتَتْ من

مصرَ تزهوا باللؤلؤ المنظومِ

حليةُ المعقول لا حليةُ الوَشْ

ي وكنزُ المنطوق والمفهومِ

أنشأتْهُ كريمةٌ من ذوات م

المجد والفخر فرعُ أصلِ كريمِ

قد أعاد الزمانُ عاشئةُ في

ها فعاشت آثارُ علمِ قديمِ

هي فخرُ النساء بل وردةٌ في

جيدِ ذا العصْر زُيّت بالعومِ

فأدام المولى لها كلّ عِزّ

ما بدا الصبحُ بعد لَيلِ بَهيمِ

وقالت في تقريظ نتائج الأحوال:

هذا الكتابُ الذي هام الفؤادُ بِه

يا ليتَني قلمٌ في كفّ كاتبِه

ودونك أمثلة من شعر عائشة تيمور قالت في الفخر:

بيد العفاف أصونُ عز حجابي

وبعصْمتي أسمو على أترابي

وبفكرةٍ وقادةٍ وقريحةٍ

نقَادة قد كُمَلْتْ آدابي

فجعلتُ مرْآتي جبينَ دفاترٍ

وجعلتُ من نَقْش المدادِ خطابي

ما عاقني خجلي عن العَلْيا ولا

سَدْلُ الخمار بلمتَّي وِنقابي

عن طيّ مضمار الرهانِ إذا اشتكتْ

صعبَ السباق مطامحُ الركّابِ

بل صولتي في راحتي وتفرُّسي

في حُسن ما أسعى لخَير مآبِ

ومما قالته ترثي أبنتها وكان موتها في رمضان:

طافت بشهر الصوم كاساتُ الردى

سَحَرَا وأكوابُ الدموع تدورُ

ومضى الذي أهوى وجرَّ عني الأسى

وغدَتْ بقلبي جُذوةٌ وسميرُ

ناهيك ما فَعلتْ بماءِ حشاشتي

نارٌ لها بين الضاوع زفيرُ

آني أَلْفتُ الحزنَ حتى أنني

لو غاب عني ساءني التأخيرُ

قد كنتُ لا أرضي التباُعدَ برهةً

كيف التصبُّر والبعادُ دهورُ

أبكيكِ حتى نلتقي في جنّةٍ

برياضِ خُلْد زَّيَنْتها الحُورُ

هذا النعيمُ بهِ الأحبَّةُ تلتقي

لا عيشَ إلاَّ عيشُهُ المبرورُ

واللهِ لا أسلو التلاوةَ والدُّعا

ما غرَّدت فوقَ الغصون طيورُ

ولعائشة تيمور قصائد مختلفة في الأوصاف والأخلاق والغزل والمديح وإنما أخذت في كل ذلك أخذ كتبه زمانها فلم تعالج المواضيع المبتكرة.وكذلك نثرها في نتائج الأحوال لا يخلو.من التصنع في نظم سجعاته.هذا فضلاً عما يحتويه من التخيلات والأقاصيص المصنوعة التي قصدت بها ترويح الأفكار وتلهية الأحداث. وفي هذه الحقبة ذاتها فقدت مصر قوماً من مشاهير أطبائهم الذين كانوا أغنوا الطب الوطني بمؤلفاتهم بعد أن تخرجوا على أطباء نطاسيين من الأوربيين منهم ( محمد باشا الدري ) و ( أحمد بك حمدي الجراح ) وقد أتقن كلاهما علم الطب في باريس.وقد ألف الأول تذكار الطبيب وألف مطولاً في الجراحة وكتب تاريخ الأسرة الخديوية.كانت وفاته في مطلع القرن العشرين وصنف الثاني في أعمال الجراحة ونشر جريدة طبية دعاها المنتخب كانت وفاته سنة 1321ه ( 1903م ). .ومنهم الدكتور ( محمد بك بدر ) تخرج في فن الطب في إنكلترا وهو مؤلف كتاب علم الشفا والمادة الطبية وكتاب شرح الأدوية الجديدة وكتاب الصحة التامة توفي سنة 1902.وكان محمد بك بدر أشتغل في ألمانيا في فلسفة الإسلامية ودرس هناك اللغات السامية وباشر بتاريخ فلاسفة الإسلام ومؤلفاتهم منذ ظهر الإسلام إلى اليوم ولا نعلم أنشر تأليفه بالطبع.وهو الذي نشر كتاب أبي منصور عبد القادر البغدادي الفرق بين الفرق ). وممن درس الطب في ألمانيا ( حسن باشا محمود ) له مصنفات عديدة في الأمراض العصرية كحمى الدنج والهيضة وخص بدرسه أدواء وطنه كالدمل المصري والطاعون الساري.ومن تأليفه الحسنة كتابه الخلاصة الطبية في الأمراض الباطنية. وتفقه أيضاً في أوربا غير هؤلاء مثل ( عبد الرحمن بك الهراوي ) صاحب تأليف في الفسيولوجية توفي سنة 1906.( والدكتور سليمان نجاتي ) الذي تخصص بمعالجة الأمراض العقلية وألف كتاب ( أسلوب الطبيب في فن المجاذيب ).كانت وفاته سنة 1907. واشتهر في العلوم الفلكية ( إسماعيل باشا الفلكي ) الذي درس الرصد في مرصد باريس وأدار في مصر المرصد الفلكي وكان ينشر تقاويم أرصاده الفلكية الرسمية في اللغتين العربية والأفرنسية.ومن تأليفه: ( الآيات الباهرة في النجوم الزاهرة ) توفي سنة 1901. فترى أن العلوم العصرية كانت مدينة خصوصاً لأوربة حيث تخرج فيها المصريون ثم نشروها في وطنهم إما بالتدريس في القصر العيني وإما بالمزاولة والتأليف فكانت سبب نهضة علمية معتبرة تتمتع اليوم مصر بثمرتها.

أُدباء الإسلام في الشام والعراق

وبينما كان المصريون يحاولون كسر أغلال التقليد القديم الذي كان يضايقهم في الكتابة ويحول بينهم وبين الرقي العصري.كان إخوانهم في الشام يجاهدون للحصول على حرية كافية لينزعوا عنهم ضغط نير الأتراك فيطلقوا العنان لأقلامهم للبحث في المسائل الاجتماعية والإصلاح السياسي.وفي مقدمتهم:( عبد الرحمن الكواكبي ) ولد في حلب سنة 1265ه ( 1849م ) من أسرة آل الكواكبي القديمة التي إليها تنسب في الشهباء المدرسة الكواكبية.وفيها تلقى العلوم اللسانية والشرعية وبعض العلوم الحديثة ثم أنس بالكتابة فحرر عدة جرائد كالفرات والشهباء والاعتدال وخدم الدولة متقلباً في مناصبها العلميَّة والإدارية والحقوقية إلا أن ما طبع عليه من الإباء والنخوة ودقة النظر وحب الانتقاد في العصر الحميدي حمل أعداءه إلى الوشاية به إلى المراجع العليا فزج بالسجن وجرد من أملاكه.ثم خرج سائحاً إلى البلاد وطاف جانباً من أفريقية وجزيرة العرب حتى توغل في صحاريها وبلغ اليمن ثم رحل إلى الهند وسكن أخراً في مصر وفيها توفي سنة 1903.ومن آثاره ما يثبت له سعة إطلاعه على تاريخ الشرق ولا سيما تاريخ الممالك العثمانية فعرف أداؤها وحاول علاجها كالأفغاني.ومما ألفه في ذلك كتابه ( طبائع الاستبداد ومصارع الاستبعاد ) وكتاب ( أم القرى ) نظر فيه الشيخ محمد عبده.وكان الكواكبي مع أنفته من الاستبداد رقيق الجانب عطوفاً على الضعفاء والمساكين. ( محمد رشيد الدنا ) وقد أسفت بيروت في أوائل القرن العشرين على فقدها لهذا الكاتب الضليع في السنة 1902 ( 1320ه ) وهو أحد تلامذة المعلم بطرس البستاني في مدرسته الوطنية.خدم الحكومة التركية عدة سنين ثم استقال من مناصبها ليخدم وطنه بالتحرير فأنشأ جريدة بيروت سنة 1886 وأدارها إلى سنة وفاته وكان معتدل الطريقة في سياسته فأمن نكبات الدهر.وكان يرتشد بآراء شقيقه الأكبر السديدة السيد عبد القادر وصارت الجريدة بيروت من بعده في عهدة أخيه محمد أمين. نضيف إلى أدباء المسلمين في الشام ( السيد إبراهيم الطباطبائي ) من مشاهير أدباء العراق قضى نحبه سنة 1319ه ( 1901م ) في النجف وفيها كان مولده سنة 1248ه ( 1832م ) كان إمام النهضة اللغوية في وطنه بين صدور الشيعة.وله ديوان شعر طبع في صيداء تلوح فيه الأساليب البدوية القديمة وكان مغرّى بغريب اللغة وترى ذلك في معظم أشعاره.وقسم كبير من قصائده في الغزليات.ومن حسن قوله أبيات ذكر فيها الأحباب وأيام الأنس:

أخَيِّ هل راجعُ ليلٌ فينظمنا

بشط دِجْلة نَظْمَ العقدِ إخوانا

أحبابَنا أن تَهُنْ فيكم وسائلُنا

فحسُبنا كلّ شيء بعدكم هانا

إن فرَّق الدهرُ ما بيني وبينكمُ

فقد صَحبّتكمُ دهرا وأَزمانا

تركتُ في النَّجَف الأعلى لصحبتكم

صَحْباً وأهْلا وأوطاناً وجيرانا

عوضتموني عن أهلي وعن وطني

بالأهل أهلاً وبالأوطان أوطانا

ومن حكمه:

ما كلُّ من صَحب الأخوان جرَّبهم

لا يُعْرَفْ الخل إلا بالتجاريب

وقال في محاسن الشعر:

للشعر حُسْنانِ لا تَعْدوهما جهةُ

حسنُ بمعنَى وحسنُ بالأساليبِ

أدباء النصارى في الحقبة الأولى من هذا القرن

أدباء النصارى في الشام ومصر

جارى أدباء النصارى في مصر أدباءها المسلمين ولعلهم كان لهم التقدم في تلك النهضة الأدبية.على أن ذلك الفضل يعود خصوصاً إلى نصارى الشام الذين لم يجدوا في وطنهم ما رغبوا فيه من سعة الحال وبسطة العيش والحرية المعتدلة فهاجروا إلى مصر ليمتعوا فيها بحضارتها تحت نظارة بريطانية العظمى.وما لبثوا أن تخصص بعضهم ممن تخرجوا في مدارس الأجانب في الشام للكتابة فنبغوا فيها كما تشهد لهم تأليفهم والصحف التي تولّوا إدارتها فنهجوا الطريق في ذلك لأهل مصر.وهانحن نذكر الذين اشتهروا في تلك الحقبة الأولى. ( عبد الله مراش ) توفي في غرة القرن العشرين في 17 كانون الثاني 1900 في مرسيلية وكان مولده في حلب في 14 أيار 1839 وهو أخو فرنسيس الذي مرت لنا ترجمته بين أدباء القرن التاسع عشر وكلاهما من أسرة فاضلة عرف أصحابها بفضلهم ورقي آدابهم.تخرج عبد الله في الشهباء في مدرسة الآباء الفرنسيسيين ثم تعاطى التجارة فيها مدة واتسع في أعمالها وسافر إلى إنكلترا عميلاً لشركة من التجار في منشستر فأصاب ثروة واسعة.ثم عدل عن التجارة واشتغل بالآداب في باريس وفي إنكلترا وحرر في جرائدها العربية كمرآة الأحوال لرزق الله حسون ومصر القاهرة لأديب إسحاق والحقوق لميخائيل عورا وكوكب الشرق لأحد الفرنسويين وقضى أواخر سني حياته في مرسيلية.وكان عبد الله مراش يشبه رزق الله حسون في درسه للغة العربية ومعرفة تاريخ العرب والبحث عن الآثار العربية في مكاتب لندن وباريس ونسخة عنها ما يراه من نوادرها جديراً بالذكر ينقل ذلك بخط بديع.وكان عبد الله ضليعاً بالإنشاء العربي يحسن الكتابة ويحرص على وضوح معانيها.وله فصول رائعة في الأخلاق والآداب وانتقادات حسنة على منشورات المستشرقين ورسائل شتى في العلوم العصرية والأحوال السياسية.وتعريبات لبعض كتابات الفرنسويين ( اطلل الضياء 2: 344 و491 ). وممن اشتهروا في مصر من أهل الشام المرحوم ( بشارة تقلا ) أخو سليم وقرينه بإنشاء الصحافة والتأليف.ولد في كفر شيما في 22 آب 1852 وتوفي في 15 حزيران 1902 عرف منذ حداثته بتوقد الذهن ودرس في المدرسة الوطنية ثم في المدرسة البطريركية وعلم مدة في مدرسة عين طورا.ثم لحق سنة 1875 بأخيه الذي كان سبقه إلى الديار المصرية فأنشأ هناك في أوائل آب من السنة 1876 جريدة الأهرام ثم صدى الأهرام وكابدا بسبب الجريدتين عدة مشقات لما نشراه من المقالات الحرة وانتقاد أعمال الحكام والدفاع عن حقوق المصريين واستعانا بحماية فرنسة لرد غارات من يتعرض لهما.وسافر بشارة غير مرة إلى أوربة وزار عواصمها ثم رحل إلى الأستانة ونال من امتيازات سلطانها فضلاً عما نال من انعامات فرنسة كوسام جوقة الشرف ووسامات غيرها من الدول.ثم عاد إلى مصر ووسع دائرة جريدة الأهرام فوصل بجده ونشاطه إلى أن أصبحت بفضله في مقدمة الجرائد المصرية وقد خدم بها صوالح المصريين بازاء الاحتلال البريطاني وانتصر لفرنسة وحقوقها.أصيب في أواخر عمره بداء القلب فرجع إلى سورية فتوفى في وطنه. وخدم مصر شاب آخر فمات في عز شبابه نعني به ( خليل الجاويش ) المولود في بيروت سنة 1872 والمتخرج في مدارسها وخصوصاً في المدرسة البطريركية حيث درس العربية على الشيخ إبراهيم اليازجي ثم انتقل إلى مصر وخدم في حكومتها بضع سنوات.ثم تولى في الإسكندرية رئاسة تحرير جريدة الأهرام عدة سنين إلى أن شعر بانتهاك القوى فعاد إلى لبنان رجاء أن ينعش بهوائه قواه فلم يجد ما أمله فعاد إلى مصر وتوفي في حلوان في 21 شباط 1902.ألف روايات أدبية ومنظومات شعرية نشر بعضها في مجلات مصر. وفي مصر كانت وفاة أحد مواطنينا السوريين ( نقولا بك توما ) ولد في مدينة صيداء سنة 1853 ودرس في مدرستها للآباء اليسوعيين ثم صار من أساتذتها وعلم في بعض مدارس لبنان حتى انتقل إلى مصر سنة 1874 فانتظم مدة في سلك عمال دولتها.ثم تسنى له السفر إلى باريس فاجتمع فيها بأصحاب النهضة كالسيد الأفغاني والشيخ محمد عبدة وكتب عدة مقالات نشرها في جريدة مرآة الحال ثم عدل إلى فن المحاماة ولم يزل منكباً على درس أصولها ومشكلاتها حتى برع فيها.وأنشأ مجلة الأحكام المصرية فزادت بها سمعته وأقبل عليها الجمهور فعدل عنها ولزم المحاماة حتى عد من نوابغها سالكاً فيها بكل جرأة إلى أن اضطرته الأمور مع انتهاك الصحة إلى السفر أوربة وفيها كانت وفاته في 25 آب 1905.كان نقولا بك في مرافعاته في القضاء بليغ الكلام يتدفق في بسط الدعوى وبيان غثها وسمينها لا يتلجلج لسانه في شرحها وتطبيقها على القوانين الشرعية وفيه قال بعض الشعراء:

أيها الطالبُ البيانِ وعلمِ م

المنطقِ الحقِ نصَّهُ والنُّقولا

لا تجدَّ السَّرى وحسبُك مصرٌ

لبلوغ المنى وفيها نِقولا

وفي السنة التالية في 25 تشرين الثاني 1906 ذهب الموت بحياة سوري آخر أدى في مصر خدماً مشكورة للآداب العربية وهو ( الدكتور نقولا نمر ) أحد مراسلي مجلة المقتطف.كان مولده في حاصبياً سنة 1858 وأتت به أنه مع أخوته إلى صيداء ثم إلى بيروت بعد أن قتل ولده في حوادث السنة 1860 فتربى نقولا في المدارس الإنكليزية ثم في الكلية الأميركية وفي السنة 1876 درّس في إحدى مدارس دمشق ثم عاد إلى الكلية فدرس فيها الطب ونال شهادتها وله في مجلة الطبيب فصول طبية تشهد له بحسن النظر والذكاء.ثم رحل إلى مصر وتعاطى فيها الطبابة منتظماً في سلك الجيش المصري منتقلاً معه إلى أصوان فوادي حلفا.ثم سافر إلى أميركة وواجه رئيس الولايات المتحدة ونشر تفاصيل رحلته إليها في مجلة المقتطف وكذلك رحل إلى أرثرية والحبشة فحرر أخبار سفره إليها مع ما وجده فيها مما يلذ القراء من الأمور الطبيعية وأخلاق البشر.وكأن هذه الأسفار أثرت في صحته بحيث لم تنجح في علاج دائه حيلة الأطباء وكان أتى بيروت مؤملاً الشفاء فزاد مزاجه انحرافاً فرجع إلى مصر وتوفي فيها بعد قليل. وفي 24 ك2 1907 قبضت المنون روح أدباء بيروت المستوطنين للقاهرة وهو ( جميل بك نخله المدّور ) من أسرة معروفة في الشام بفضلها وأدب أصحابها.وكان المذكور مولعاً بالتنقيب عن آداب العرب وتاريخ الأمم الشرقية القديمة.فصنف في حداثته تاريخ بابل وآشور وسبكه سبكاً حسناً وأخرجه بعبارة بليغة وعرَب كتاب التاريخ القديم ورواية ( أتالا ) أشاتوبريان.وإنما أفضل تأليفه كتابهُ ( حضارة الإسلام في دار السلام ) روى فيه على صورة رحلة خيالية لبعض أهل الشيعة ما ورد في تأليف المؤرخين والأدباء عن أحوال المملكة في أيام هارون الرشيد وهو فكر حسن اقتبسه الكاتب من أحد أدباء الفرنسويين المدعو برتلمي الذي روى على هذه الصورة سفر أحد الأجانب المدعو أناكرسيس ( Anacharsis ) إلى جهات اليونان قبل وفاة الاسكندر واصفاً ما يستحسنه من عادات اليونان وأخلاقهم وعلومهم.ومثله سفر تليماك الفنيلون أسقف كمبراي.وهذه نبذة من تلك الحضارة تطلعك على أسلوب كاتبها البارع ضمنها وصف زبيدة أم جعفر زوجة هارون الرشيد بنت جعفر بن المنصور وأم الخليفة الأمين ( ص152 - 153 ):( ولئن كنت رأيت له ( أي هارون الرشيد ) في تدبير المملكة ذلك التصرف الجميل فإني ما وجدته له في تدبير أهل بيته ومواليه وإنما يرجع الرأي في ذلك زوجه أم جعفر وهي أنفذ نساء العباسيين كلمة في الدولة.وقد ربيت في مهاد الدعة والدلال كما يشير إليها اسمها.فإنما سماها أبو جعفر جدها بزبيدة لغضاضة بدنها وقد كان يرقصها تهللاً بها وينظر إلى غضاضتها وملاحتها فسماها زبيدة لذلك ( 1 ) فلما بنى بها الرشيد وجدها طرفة حديث ومصدر رأي جمل لم ير بُدا من الانقياد إليها في قضاء جميع ما ترومه من الحوائج ( 2 ).ومن ذلك أنه مكنها من بيوت المال فأنفقت من سعة ما ينيف عن ثلاثين ألفَ ألف دينار.فبنت مسجداً مباركاً على ضفة دجلة بمقربة من دور الخلافة يسمى بمسجد زبيدة.ومسجداً سامي الحسن في قطيعتها المعروفة بقطيعة أم جعفر ( 3 ) بين باب خراسان وشارع دار الرقيق ( 4 ) وحفرت بالحجاز العين المعروفة بين المشاش ( 5 ) ومهدت الطريق لمائها في كل خفض ورفع وسهل ووعر حتى أخرجتها من مسافة اثني عشر ميلاً إلى مكة فبلغ ما أنفقته عليها ألفَ ألف دينار.وهذا من الأعمال التي لم تباشرها امرأة في الإسلام إلا الخيزران أم الرشيد. . .فإن لم يكن عند زبيدة من الملل ما بلغ هذا القدر الجسيم فإن لها في السياسة رأيا تسمو به إلى التداخل في أمور الدولة كأفطن ما يكون من الرجال ). وقد امتاز بين المهاجرين السوريين إلى مصر ( الشيخ إبراهيم اليازجي ) فإنه بشهرة اسم والده الشيخ ناصيف وشهرته الشخصية وتأليفه كان من أعظم الساعدين على نهضة الآداب العربية في القطر المصري وفيه كانت وفاته في 28 كانون الأول سنة 1906.ولا نعود هنا إلى ذكره بعد ما وفيناه حقه في كتابنا الآداب العربية في القرن تاسع عشر ( 39: 2 - 40 ) مع سائر الأسرة اليازجية.وقد ذكرنا في المشرق ( 22 ( 1924 ): 637 - 638 ) حفلة نصب تمثاله. ( الدكتور بشارة زلزل ) كان زميل الشيخ المرحوم إبراهيم اليازجي وقد توفي قبله في 11 تشرين الثاني 1905 في الإسكندرية.كان مولده في بكفيا ودرس الطب في الكلية الأميركية في بيروت ونال شهادتها وزاول فن الطبابة في بيروت وهاجر إلى مصر فراراً من استبداد الترك.كتب في وطنه وفي مصر مقالات علمية وأدبية كثيرة في مجلة النحلة سنة 1870 ثم في المقتطف وساعد الشيخ إبراهيم في تحرير مجلة الطبيب والبيان والضياء ونشر في الإسكندرية سنة 1901 كتاب دعوة الأطباء لابن بطلان على نسق كليلة ودمنة وألحقهُ ( بتكملة الحديث في الطب القديم والحديث ).ومن مصنفاته كتاب تنوير الأذهان في حياة الإنسان والحيوان.ظهر منه قسمان.وله في مجلة النحلة منظومات شتى منها قوله في صاحب الدولة داود باشا أول متصرفي في جبل لبنان النصارى:

هو رأسُنا داود باشا الذي لهُ

من المجد والمعروف ما ليس يُحصَرُ

وزيرُ مُشيرُ عادلٌ ذو مهابةٍ

يُقاد لهُ الليثُ الجسورُ الغضنْفرُ

أقام لفتحِ العلم همَتهُ التي

تُنادي لهذا الفتح الله أكبرُ

كريمُ بهِ عودُ الهُدى بعد يُبْسِه

أُعيد نضيراً فهو ينمو ويثمرُ

لهُ دولةُ تزهو بحسن عدالة

وبطشٌ كما قد كان كسرى وقيصرُ

ومن دولةِ علياء قام بفخرها

فتفخرُ فيه وهي بالعدل تفخرُ

وفي هذه الحقبة انقصف غصن من الدوحة البستانية ( سعيد البستاني ) توفي في أيار 1901 في الحدث ( لبنان ).تقلب بين مصر وبلاد الشام وعكف على الآداب العربية وأصدر بعض الروايات التمثيلية كذات الخدر وسمير الأمير مثل فيهما أخلاق القطر المصري وأمراء لبنان وحرر عدة سنين جريدة لبنان إلى سنة وفاته.برح الحياة وهو في منتصف العمروقضى نحبه بعده ببضعة أسابيع وطنية ( سبع شميل ) من أسرة الشميل الكفرشيمية وهو في الرابعة والثلثين من عمره تخصص كآله بفن الكتابة فألف وحرر في الجرائد في بيروت ومصر وأوربة حتى أصيب بداء الصدر فمات في أوائل حزيران 1901. ومن مشاهير السوريين الذي أسفت على فقدهم الآداب ( خليل غانم ) السياسي الحر.ولد في بيروت في 8 ت2 سنة 1846 وتوفي في باريس في غرة حزيران 1903.تخرج في شبابه في مدرسة عينطورة وأتقن اللغتين الفرنسوية والعربية وخدم الدولة التركية كترجمان لمتصرفية بيروت ولولاية سورية وللوزارة الخارجية في الأستانة.وانتخبه سكان سورية كنائب عنهم لمجلس المبعوثان سنة 1875 وساعد مدحت باشا في وضع قانون الدولة السياسي فكان أحد أركان النهضة الدستورية.ولما حل عبد الحميد مجلس المبعوثان وتشدد على أنصاره فزع خليل غانم إلى السفارة الفرنسوية وأبحر سراً إلى فرنسة حيث ناضل إلى آخر حياته عن استقلال وطنه.فأشنأ في باريس عدة جرائد عربية كالبصير وعربية فرنسوية كتركيا الفتاة وفرنسوية محضة كالهلال وأصبح من مكاتبي جرائد فرنسة الكبرى.وألف جمعية تركيا الفتاة فسعى السلطان إلى أن يؤلف قلبه بالهبات والمناصب فرده خائباً ومنحته فرنسا وسام جوقة الشرف.وبقي طول حياته متشبثاً بدينه.ومن مآثره الطيبة كتاب من إنشائه في حياة السيد المسيح ويثبت فيه بالبراهين العلمية والدينية الوهيته.وله في الافرنسية تاريخ سلاطين بني عثمان.وقد عرفنا في بيروت قرينته الفاضلة فأوقفتنا على بعض آثاره ونشرنا.منها فضلاً في الاقتصاد.ولقد قال المرحوم يوسف خطار غانم في رثائه:

اليومُ أطفئَ نورُ بدرٍ لامعٍ

بسما المواطن فالمصابُ بهِ وقَعْ

وخبا شهابُ فؤَاد حرٍ صادقٍ

ومجاهد أضناهُ بالوطنِ الوَلَعْ

قد فاجأتنا الحادثاتُ وأَسرعتْ

بسقوط صاعقةِ لها القلبُ انصدعْ

ومنها:

رجلُ الحقيقة أن يموت لدُنِ الأولى

سمعوهُ واعتبروهُ بالحقْ أدّرعْ

ما مات غانُما فإنه خالدٌ

في نهجنا في فكرنا في ما وضَع

وفؤادهُ كُنهُ الطهارة إنهُ

لقلوبنا يوحي ثبات المَجَتمعْ

ومحرّكُ فيها صلاحَ ومواطنٍ

عظَمتْ وبالنصر القريب المرتفعْ

وفي السنة 1906 في 24 أيلول فقدت كليتنا أحد نخبة الأدباء من ذوي التعليم والكتابة والتأليف المرحوم ( رشيد الشرتوني ) كان درس مدة في مدرسة مار عبدا هرهريا وعلم في مدرستي عين تراز وعين طورا ثم انتدبته مدرستنا إلى تعليم العربية فخدمها خدمة نصوحاً عدة سنين.وكذلك وجدت فيه مطبعتنا الكاثوليكية خر مساعد لنشر كتبها المدرسية ولتحرر جريدة البشير فأعرب في كل أعماله عن مدة حسنة وله في المشرق فصول تاريخية ولغوية أعترف له القراء بجودة إنشائها ودقة مضامينها.ومن آثاره المستجادة مبادئه العربية في الصرف والنحو مع تمارينه للطلاب في التصريف والأعراب وكتابه نهج المراسلة ومفتاح القراءة.وقد نشر لخدمة طائفته بعض مخطوطات العلامة الدويهي كتاريخ الطائفة الرومانية ومنارة الأقداس وأعمال بعض المجامع المارونية كما أنه عرب قسماً من تاريخ لبنان للأب بطرس مرتين اليسوعي وتراجم بعض القديسين للأب فكتور دي كوبيه.ومن تعريبه أيضاً كتاب الموافقة بين المعلم وسفر التكون له ورواية سفر العجب إلى بلاد الذهب للأب أميل ريغو اليسوعي وحبيس بحيرة قدس للأب هنري لامنس.ومما بقي من مخطوطاته ترجمة فلسفة الأب تونجرجي اليسوعي. وفي السنة 1906 في يوم عيد ميلاد ودع الحياة أحد تلامذة كليتنا النوابغ ( نجيب حبيقة ) أنكب على درس اللغات المدرسية وإحراز العلوم العصرية بكل رغبة فببز فيها بين أقرانه وما كاد ينال الشهادات المؤذنة بكفاءته حتى دعي إلى التدريس في كلية القديس يوسف فعلم عدة سنين الصفوف العربية العالية.وعرفت أيضاً فضله في تعليم مدرسة الحكمة الجليلة والمدرسة العثمانية للشيخ أحمد عباس الأزهري.ثم تفرغ إلى للكتابة والتأليف وتولى تحرير جريدة المصباح سنة 1903 له فيها وفي الشرق وغيرها فصول أدبية وفنية مستطابة.وكان ساعياً إلى تعزيز الآداب العربية وتأليف قلوب الناشئة في خدمة الوطن كما أنه خدم الجمعيات ووقف نفسه لتعليم أولاد طائفته الفقراء.وله آثار عديدة منها مدرسية كدرجات الإنشاء في ستة أجزاء ومنها أدبية كمقالاته عن فن التمثيل والانتقاد ومنها روايات معربة كالفارس الأسود وشهيد الوفاء وخريدة لبنان والشقيقتين.وله قصائد رائقة سلسة وكانت باكورة قصائده ما نظمه في يوبيل الحبر الأعظم الكهنوتي سنة 1887 وهو إذ ذاك تلميذ فوصف السفينة البطرسية المرموز بها إلى الكنيسة.

عصفت على بحر الأنام رياحُ

حجب النهارَ من الظلام وِشاحُ

وهوت صواعقُ مُصعِقاتٌ أزعجت

بشراً فكادت تزهقُ الأرواحُ

والبحر عاد عرمرمياً مُصخباً

والموجُ ثار فساءَ منهُ جَماحُ

والناس في غمر الخِضمّ جميعهمْ

خاضوا فليس من الغمار بَراحُ

ورأوا المياه تلاطمت أمواجها

وعلت عليهم كالجبال وصاحوا

طمت الُمصيبة فالمنَّية قد دنت

آها أليس من الهلاكِ مُراحُ

لكن على سطح الخضمَ سفينةُ

وعلى مُقدَّمها يُرى مصباحُ

قد أَقبلَتْ وتطايرت لخلاصهم

شكراً لجدك أيها الملاَّحُ

فيك النجاة وليس غيرك يرتجي

وإليك كلٌ قلبهُ مُلتّاحُ

هاقد تقدّمت السفينةُ نحوهم

فنجا بها قوم وفيها راحوا

لم يَنْأ عنها غيرُ من أثروا

شرب الْحتوف فذي الفعالُ قباحُ

شاموا البروق فأمّلوا من الهدى

خابت ظنونهم فليس نجاح

لا نور في غير السفينة فأعلموا

من ينأ عنها ضاء منهُ صلاحُ

جُدُّوا أيا غرقى وأمُوها يقو

دكُم إليها نورُها الوضّاحُ

جدُّوا فليس لكمْ خص دونها

ولجمعيكم فيها الدخول مباحُ

أعداؤها سخروا بها قبحاً لهم

قالوا بأن ستُحَّطمُ الألواحُ

فالموجُ يصدمها فيدفعها فلا

أملٌ لنفس بالنجاة مُتاحُ

وإذا بصوتٍ صارخٍ: كن آمناً

بين السفينة والخضمِ كفاحُ

فسفينة الصَّياد تقهر خصمَها

أبداً لأن لها الصفا مَلاح

للحين عاد النوء صفوا رائقاً

وعن البلايا زالت الأتراحُ

وقد أحب تلامذته وأصدقاؤه أن يقيموا له ضريحاً لائقاً في مقبرة طائفته في رأس النبع تكلفوا عليه مبلغاً وافراً فنصبوه له في حفلة خاصة عينوها في أواسط أيار سنة 1910 ونقشوا على صدره الأبيات التالية:

حياك يا قبرُ منَّا غيثُ أدمُعنا

وجادك الله من أسنا عطاياهُ

ضممت كنزاً ثميناً دونهُ نَهجٌ

تسيل حزناً وتدمي القلبَ ذكراهُ

قد قدر الله أن نبك عليه فتى

غضاً فصبراً على ما قدَّر اللهُ

يا ساهرَ العين في التاريخ دَامعُها

حيَّي النجيب فهذا القبرُ مثواهُ

وفي شهر تموز من تلك السنة 1906 أدركت المنية أديباً آخر من أسرة فاضلة في بيروت ( ميخائيل بن جرجس عورا ) مولد عكا في السنة 1855 وخريج المدرسة البطريركية في أول منشأها.درس فيها العربية على الشيخ ناصيف اليازجي ثم سافر إلى باريس متاجراً ونشر فها جريدة الحقوق ثم أعقبها في مصر بمجلة الحضارة فلم تطل حياتها بسبب الثورة العرابية.ثم عاد إلى الصحافة كمنشئ ومحرر ومكاتب إلى أن أصيب بمرض ألجأه إلى السفر إلى أوربة انتجاعاً للعافية فمات في مدينة نابولي.ومن آثاره روايات مختلفة أدبية وقصائد قليلة.فمن قوله في وصف الدنيا الغرور:

تاَلله ما الدنيا بدارٍ يُبتغَى

فيها الثوا ويطيبُ فيها المسكنُ

كلا ولا الدهر عهدُ يُرتجي

منهُ الوثوقُ وليس منهُ مأمنُ

والأرضُ يورثُها الإلهُ عبادهُ

هذا يسيءُ وذاك عكساً يُحسنُ

والمرء مَرْمى الموت فهو إذا نجا

منهُ النهار ففي غدٍ لا يُمكنُ

وفي العام التالي في 26 ت1 1907 خسرت الدولة التركية والوطن السوري أحد المخلصين في خدمتها المرحوم ( خليل الخوري ) المولود في الشريفات سنة 1836 درس في مدارس طائفته وتحت إدارة بعض المعلمين الخصوصيين.وهو أول من فكر في نشر جريدة عربية في بلاد الشام فأبرزها إلى النور سنة 1858 تحت اسم حديقة الأخبار فصار لها بعض الرواج ونشرها على مدة باللغتين العربية والافرنسية وساعد بذلك على نهضة البلاد العربية وانتدبته الدولة التركية لخدمتها فشغل عدة مأموريات كمفتش للمكاتب ومدبر للمطبوعات ومدير الأمور الخارجية وهو يراعي سياسة دولته التي أعربت له عن رضاها ومنحه أوسمتها كما نال أيضاً امتيازات بعض الدول الأجنبية لحسن تصرفه.وكان خليل الخوري أحد الشعراء القليلين الذين نبغوا في أواسط القرن التاسع عشر في سورية تشهد له منظوماته العديدة كزهر الربى في شعر الصبا والعصر الجديد والنشائد الفؤادية والسمير والأمين والشاديات والنفحات.وفي شعره طلاوة ورقة لم يعهدهما شعراء زمانه إلا الشيخ ناصيف اليازجي معاصره.وهذه بعض أمثلةٍ من نظمه.قال في وصف لبنان:

أنا في رُبى لبنان فوق رؤوسهِ

نحو الكواكب للعُلى مجذوبُ

برياضهِ حيثُ المقامُ منزَّهٌ

وغياضهِ حيثُ المزاج يطيبُ

أنسابُ في جوّ الهواجسِ حيثما

كَفي إلى هام النجوم طَلوبُ

أهوى بلبنان التوحَّدَ إنما

هوسي إلى حيثُ الإلهُ قريبُ

جبلٌ يظّل رأسَهُ جوُّ السما

فيلوحُ بالتعظيمِ وهو مهيبُ

يبدو برأس بلادنا كعصابة

منها لزينةِ قطرنا ترتيبُ

عرشٌ إلى ملكِ النُّسور أَمامَهُ

بزهو بساطٌ بالمروج خصيبُ

قد مدًَّ يغسل في المياه أكفَّهُ

ولها برمل سهولهِ تخضيبُ

في كلِّ زهر قد تصوَّر شكلهُ

وبكل أفقٍ اِسمهُ مكتوبُ

لو لا مطامحهُ العليَّةُ لم يكن

شرفٌ ولا بأسٌ ولا تهذيبٌ

وقد استحسنا له قوله في وصف اللغة العربية قدمها إلى فتاة إنكليزية قصدت الشرق لتدرس العربية:

قد رمت من لغة الأعارب مأرباً

فأتت تصادفُ منكِ فكراً صَيباً

أَقبلتِ نحو ديارها بتشوَّقٍ

فبدَتْ بك الآدابُ تهتف مرحباً

لغةُ تُجملها البلاغةُ والمعلى

بذكائها نَفسُ اللغات تطَّيباً

مرَّت بهامتها الدهور ولم تزلْ

تزهو وتزهرُ في جلابيب الصَبا

لم تَخْشَ عاصفةً ولم تفتك بها

أيدي المُصابِ إذا الزمانُ تقلَّباً

فلذاك قد سَلمتْ وكنم لغةٍ لقد

شاخت فصارت مثل منشور الهبا

سمعهُ يشابهُها الفضاءُ وقدرةٌ

تعلو على هام الكواكب مركبنا

مرآةُ شعر الكون قد رَسَمتْ بها

صُوَرَ العقول وكم أصابت مذهبا

فلك الهناءُ برشْف طِيب زُلالها

ولها الفخارُ بأن تَطيب وتعذباً

وفي 15 ت1 سنة 1907 فجعت أسرة شحادة بعميدها المرحوم ( سليم شحادة ) ترجمان دولة روسيا وسند طائفته الأورثذكسية توفاه الله في سوق الغرب عن 48 سنة قضاها بالجد والنشاط وخدمة الآداب وقد أشترك سنة 1875 مع سليم أفندي الخوري لنشر معجم تاريخي وجغرافي دعواه بآثار الأدهار فظهر منه بعض الأجزاء وعني بنشر ديوان الفكاهة سنة 1885 وكتب عدة مقالات في مجلة المشكاة وغيرها.ومن آثاره لمحة تاريخية في أخوية القبر المقدسة اليونانية والخلاصة الوافية في انتخاب بطريرك إنطاكية وكلاهما تحت اسم مستعار كشف فيها عن مخازي ومطامع الأكليروس واليوناني في سورية وفلسطين.وكان المرحوم جمع مكتبة واسعة بينها كتب نفيسة عربية وأجنبية.ونقلنا فصولاً عن أحد مخطوطات مكتبته العربية ( نهاية الرتبة في طلب الحسبة ) ( المشرق 10 ( 1907 ): 961 و1079 ). ومن أدباء الروم المتوفين في السنة 1905 في 13 ت1 ( نخلة قلفاط البيروتي ) ولد سنة 1851 ودرس علي أسكندر آغا أبكايوس ثم اقبل على الدرس الفقهية والقوانين الدولية ثم زاول الكتابة فنشر عدة روايات في مجلته سلسة الفكاهات وعرب كثيراً منها كبهرام شاه وفيروز شاه وألف نهار ونهار ومائة حكاية وحكاية. ونشر ديوان أبي فراس الحمداني وحقوق الدولة تاريخ روسيا وغير ذلك مما أثار عليه خاطر أرباب الدولة التركية فنفوه إلى قونية سنتين وزوجه في الحبس سنة أخرى إلى أن أخرج منها منهوك القوى بعد النفقات الطائلة ومات مفلوجاً لما ناله من سوء المعاملة.ومن خلفته ديوان من نظمه لم يطبع.وقد نقش على قبره هذا التاريخ:

لمَّا هوى الموت الزؤام بنخلةٍ

أرختها بسما الأعالي تُغرُسُ

وفي هذه الحقبة السابقة لدستور منيت الكنائس الشرقية ببعض أربابها الذين ساعدوا بلادهم في تنشيط الآداب.منهم بطريرك طائفة الروم الكاثوليك ( السيد بطرس الجرجيري ) درس في مدرستنا في غزير ثم في مدينة بأوا في فرنسة وقد أسند إليه تدبير كرسي طائفة البطريركي وكافة المشرق في 25 شباط سنة 1898 فلم تطل مدة بطريركته فأستئثرت رحمة الله بنفسه في 4 نيسان سنة 1902 وكان أدار مدة دروس المدرسة البطريكية الكبرى في بيروت ونشر لتلامذتها كتاب التعليم المسيحي سنة 1869 وإليه ينسب إنشاء المدرسة الأسقفية في زحلة له مناشير وخطب. وقد أسفت الطائفة المارونية في 4ت1 1907 على فقد حبرها المثلث الرحمات المطران ( يوسف الدبس ) رئيس أساقفة بيروت بعد أن أدى لأبناء أمته خدمات جليلة في وأسقفيته فأنشأ مع رزق الله خضراً المطبعة الكاثوليكية العمومية التي سبق لنا وصف تاريخها ومطبوعاتها النفسية ( المشرق 3 ( 1900 ): 1000 - 1003و 1030 ): وشيد مدرسة الحكمة العامرة سنة 1875 لتربية الناشئة وتهذيب المرشحين للكهنوت وبني كنيسة مار جرجس الكاتدرائية على طراز كنيسة مريم الكبرى في رومية ونشر تأليف عديدة منها مدرسية كمربي الصغار ومرقي الكبار ومغني المتعلم عن المعلم ومعجم في العلوم الفقهية وتقسيم الميراث.ومنها دينية وطقسية كمجموع خطبه ومواعظه وكتاب الخطب البيعية ونبذة تاريخية في الفروض البيعية والنافور اليومي والشحيم الكبير ورتب توزيع الأسرار ومنها تاريخية كسفر الأخبار في سفر الأحبار وخصوصاً تاريخ سورية في ثمانية أجزاء مع موجزه في جزأين.ومنها جدالية كروح الردود وتأليفه في المردة.وقد عرّب كتباً كثيرة كتحفة الجيل في تفسير الأناجيل وترجمة تاريخ الارطقات للقديس ألفونس ليغوري والرسوم الفلسفية للأب يوسف دموسكي اليسوعي إلى غير ذلك مما يخلد ذكره في قلوب أبنائه ومواطنيه. وفقدت طائفة الروم الأورثذكس في بيروت في 20 ك2 1901 مطرانها السيد ( غفرئيل شاتيلا ) ولد في دمشق سنة 1825 وتلقى الدروس في وطنه وترّهب في القدس الشريف كاتباً لأسرار البطريرك ايروثاوس ورافقه إلى الآستانة ثم وكل إليه رئاسة الأمطوش الانطاكي في موسكو.وفي السنة 1869 وقع عليه الانتخاب كمطران لكرسي بيروت سنة 1870 فعُني بفتح المدارس في أبرشيته في بيروت وقرى لبنان فأصابت ملته في أيامه ببعض الرقي. ورزنت بطريركية الروم في 26 ك2 بوفاة بطريركها السيد ( ملاتيوس الدوماني ).ولد في دمشق سنة 1837 وتخرّج في المدارس الوطنية ثم أُلبس الاسكيم الرهباني سنة 1857 وصحب إلى الآستانة البطريرك الانطاكي ايروتاوس ولما ترملت سنة 1865 أبرشية اللاذقية إلى رعاية كرسيها فعني بإنشاء مدرسة لأبناء طائفته.وفي السنة 1891 بعد استقالة البطريرك اليوناني أسبيرديون أنتخب بطريركاً واستقل به كرسي إنطاكية عن الخضوع لبطريرك الآستانة.ومما يعود فيه إليه الفضل لتعزيز الآداب تجديد مدرسة البلمند وإنشاء مكتبة جمعت نحو 4000 كتاب والعناية بمطبعة الدار البطريركية وعُني بتهذيب الشبيبة من طائفته وعقد الجمعيات الخيرية. وأسف الأقباط على فقدان أحد رهبانهم في أوائل القرن العشرين ( الايغومانس فيلوثاوس ) اشتهر بنشر تاريخ نوابغ الأقباط الذين كان لهم الفضل في النهضة والإصلاح. هذا ما عرفناه من أدباء النصارى في السنين السابقة الدستور العثماني.ولا يبعد أن يكون فانتا قسم منهم لا سيما الذين برعوا في أمريكة لقلة ما كان يبلغنا من أخبارهم. ^

المستشرقون في أوال القرن العشرين

كانت الدروس الشرقية في غرة القرن العشرين راقية في سائر أنحاء أوربة والعالم وقتئذ في سلام لم تكدر صفاءه معامع الحروب فكان للغتنا العربية مقام رفيع في الجامعات الأوربية يتنافس أساتذتها في نشر تعليمها واستخراج مئات من دفائن كنوزها.وكانت تساعدهم على ذلك المؤتمرات التي كانت تنعقد من وقت إلى آخر في عواصم البلاد ورحلات السياح إلى بلاد الشرق القاصية إلى اليمن والهند ومراكش فيعثرون على تأليف عزيزة الوجود كانوا يعدونها ضائعة مفقودة فينشرونها بالطبع فيتسع بنشرها على نطاق معارفنا عن آثار العرب. وكانت مجلات المستشرقين حافلة بتلك المآثر النفسية لا سيما المجلات الآسيوية الفرنسوية والإنكليزية والألمانية والنمساوية والإيطالية والأميركانية فلم تترك باباً إلا قرعته ولا بحثاً إلا خاضت فيه لا يهدأ لها بال حتى تبينه غثه من سمينه وهانحن نذكر بعضاً من الذين خدموا العربية في ذاك العهد فأسفت البلاد على فقدهم في أوائل القرن العشرين. ( الفرنسويون ) فقد مكتب اللغات الشرقية الحية في هذا الحقبة الأولى من القرن العشرين رجلاً هماماً ترأس عدة سنين على تنظيمها وترتيب دروسها الوجيه ( أدريان بربيه دي مينار ) ( A.Barbier de Meynard ) ولد في 6 شباط 1826 على المركب الذي كان يقل والدته من الآستانة إلى مرسيلية وتخصص منذ حداثة سنه بدرس اللغات الشرقية وساعدته على إتقانها رحلاته لخدمة قنصليات وطنه في القدس وفي طهران والآستانة فتعلم اللغات الفارسية والتركية والعربية وتمكن من دقائقها حتى تولى تعليمها في مكاتب فرنسة العليا.فانتدب إلى رئاسة المجلة الآسيوية الباريسية وله فيها فصول عديدة ممتعة له بسعة معارفه.وقد حضرنا دروسه في باريس سنة 1894 فكان لا يزال يطرأ محامد الشرق وآله.وله منشورات عدية في التركية والفارسية.ومما خدم به اللغة العربية نشره لمروج الذهب المسعودي في تسعة مجلدات مع ترجمته إلى الفرنسوية ونشر من معجم البلدان لياقوت ما يختص ببلاد فارس.وساعد في نشر التأليف العربية المنوطة بالصليبيين فنقل إلى الفرنسوية كتاب الروضتين لمجيد الدين الحنبلي في المجلد الرابع من مجموعها العربي.أما مقالاته عن العرب والآداب العربية فمتعددة كمقالته عن السيد الحميري والألقاب عند العرب الخ.كانت وفاته في باريس في أواسط آذار 1908. وفي تلك السنة عينها في 13 نيسان 1908 فقد المكتب المذكور أحد أساتذته المعدودين هرتفيك ديرنبورغ ( Hartwig Derenbourg ) هو ابن جوزف ديرنبورغ الذي مر ذكره بين أدباء القرن التاسع عشر.أخذ عن أبيه ميله إلى درس الشرقيات فجاراه في نشاطه فانتدب إلى تدريس اللغة العربية في مكتب اللغات الشرقية الحية وفي مكتب فرنسا الأعلى ونشر عدة مطبوعات مفيدة أخضها كتاب سيبويه وديوان النابغة الذبياني مع ترجمته الافرنسية وكتاب الإنشاء والاعتبار لأسامة بن منقذ والنكت العصرية لعمارة اليمني ونقلهما إلى الافرنسية وجدد طبع الفخري الآداب السلطانية لابن الطقطقي.ومن آثاره وصف جديد لقسم من مخطوطات مكتبة الاسكوريال في مدريد.كان مولده في 17 حزيران 1844 في باريس وفيها توفي. وسبقه بالوفاة أحد أبناء دينه الموسوي جول أوبرت ( Jules Oppert ) ولد في همبورغ في 9 تموز 1825 ثم عدل إلى الجنسية الفرنسوية وتوفي في باريس في 21 آب 1905.كان أحد كبار العلماء باللغات السامية كالعبرانية والعربية.وإنما امتاز خصوصاً بدرس اللغة المسمارية وكان أحد الأولين الذين ساعدوا على كشف ألغازها.بعد أن قضى أربع سنوات في العراق يدرس أحاجيها.ولما عاد إلى فرنسة نشر نتيجة أبحاثه في كتابه المعنون ( رحلة علمية إلى بلاد ما بين النهرين ) ولم يزل مذ ذاك الحين يتحف العلماء بمنشورات متتابعة في تاريخ بابل وأشور وفي اللغات السامية وخواصها. وفي هذه السنين الأولى من القرن العشرين رُزئت رسالتنا السورية بوفاة ثلاثة من رهبانها الفرنسويين الذين أدوا للآداب العربية خدماً مشكورة استحقوا بها أن ينظموا في عداد المحسنين إلى الوطن.أولهم الأب ( يوحنا بلو ) ( J.B.Belot ) المولودة في غرة آذار من السنة 1822 في لوكس من أعمال بورغندية والمتوفى في بيروت في 14 آب 1904.باشر درس اللغة العربية منذ أوائل سني رهبانيته ثم قدم إلى بيروت سنة 1866 ولم يزل ينشط ينشط في إحراز فرائد لغتنا حتى أمكنه أن يتولى إدارة مطبعتنا ويهتم بنشر عدة تأليف مفيدة.منها دينية كالقلادة الدرية ومروج الأخيار والغصن النضير ومنها علمية أصابت لدى المستشرقين وأرباب المدارس في الشرق والغرب حظوة واسعة كالفرائد الدرّية في اللغتين العربية والفرنسوية وكمعجميه الفرنسوي العربي الكبير والصغير وكغراماطيقه الفرنسوي العربي. وتوفي بعده بأسبوعين في 31 آب 1904 يسوعي آخر ذو حرصٍ كبير على خدمة الوطن ونشر الآداب الشرقية الأب ( فكتوري دي كوبيه ) ( V.de Coppier ).أرسل أولاً إلى الجزائر ثم أتى إلى بيروت فقضا فيها عشرين سنةً بشغل متواصل.ثم ألف عدة كتب ساعده في تعريبها جناب الأديب خليل البدوي والمرحوم رشيد الشرتوني.منها كتاب التوفيق ين العلم وسفر التكوين وكتاب كشف المكتوم في تاريخ أخرى سلاطين الروم وكتراجم بعض القديسين اليسوعيين: ريحانة الأذهان ونفح الرند ومظهر الصلاح وكنخبة النخب في ترجمة القديس يوحنا فم الذهب.ونقل إلى الفرنسوية ديوان الخنساء وكتب فصلاً كتب فصلاً كبيراً عن شواعر العرب وترجم إلى الفرنسوية أيضاً كتاب القرآن ( لم يطبع ) ونشر في مجلة الكنيسة الكاثوليكية فصولاً عديدة.كان مولده في فرنسا سنة 1836. والمستشرق اليسوعي الثالث المتوفى في هذه الحقبة هو الأب ( أوغستين روده ) ( Aug.Rodet ) المولود في فرنسة في 31 ت1 1828 درس العربية في الجزائر ثم أرسل إلى سورية السنة 1868 فترأس على مدرسة غزير قبل نقلها إلى بيروت 187 - 1875.ومن خدمته المعتبرة للوطن ترجمته للأسفار الكريمة من العبرانية واليونانية إلى العربية ساعده في تنقيح تعريبها المرحوم الشيخ إبراهيم اليازجي.ونشر للمدارس مع الأب يوحنا بلو مجموعة نخب الملح في خمسة أجزاء.توفي في 12 كانون الأول سنة 1906. ( الألمانيون والنمسويون ) مات في أوكسفرد في غرة القرن العشرين 28 ت1 1900 العلامة الألماني الكبير ( وليم ماكس مولر ) ( W.Max Muller ) كان معظم شغله باللغات الهندية والمقابلة في أصول اللغات.وقد نقل إلى الإنكليزية كتاب القرآن مع كتب الشرق الدينية.كان مولده في ديساو ( Dessau ) سنة 1823 في 6 كانون الأول. وفي 18 آب من السنة 1903 أنتقل إلى جوار ربه في برلين الأستاذ الشهير ( فردريك دياتاريشي ) ( Fr.ll.Dieterici ) كان مولده في مدينة برلين في 6 تموز 1821 وساح في شبابه في جهات الشرق ثم تعين في وطنه كأستاذ العربية سنة 1850 فثبت في تعليمه عدّة سنين.وله تآليف عربية متعددة منها معجم عربي ألماني وشرح ألفية ابن مالك وصنف كتاباً في الشعر العربي ونشر نخباً من يتيمة الدهر للثعالبي ومن ديوان المتنبي.ودرس خصوصاً تأليف العرب الفلسفية كالفارابي وأخوان الصفا فنشر منها بعضاً ونقل بعضاً إلى الألمانية. وفي برلين توفي الرحالة المستشرق ( وتسشتين ) ( Joh.Gottfr.Wetzstein ) ولد في 19 شباط 1815 وتوفي في 17 ك2 1905 تعين قنصلاً لدولته في دمشق وله سياحة في جهات حوران وجبل الدروز سنة 1860 ونشر بعض ما وجده فيها من الكتابات. وفي كانون الثاني من السنة عينها توفي أيضاً ( فرنسيس جوزف شتينغاس ) ( F.J.Steingass ) كان ضليعاً باللغتين الفارسية والعربية.فمن منشوراته قاموس عربي إنكليزي ونقل قسماً من مقامات الحريري إلى الإنكليزية وكتب عن تاريخ الخطوط والكتابات السامية.ولد في فرنكفورت في ألمانية وتوفي في إنكلترا. وفي العام التالي في 25 ك2 1906 فقدت النمسة أحد علمائها المستشرقين الكاهن ( غوستاف بيكل ) ( G.W.Bickell ) علّم زمناً طويلاً اللغات الشرقية في كلية إنسبروك وفينة وبرز خصوصاً في درس اللغة السريانية فنشر فيها كتباً جليلة كديوان إسحاق النينوي والترجمة الكلدانية لكليلة ودمنة وهي التي سبقت ترجمة عبد الله ابن المقفع العربية وقابل بين الترجمتين.كان مولده في 7 تموز 1838 وارتد عن البروتستانية إلى الكثلكة. وممن ذاع اسمهم في هذه الحقبة ثم حل أجلهم الدكتور ( مورتس شتينشنيدر ) ( Mortiz Steinschnieder ) المولود في 30 آذار 1816 والمتوفى في برلين في 24 ك 2 1907.قد نشر قوائم غاية في غاية في الإفادة عن الكتب العربية المنقولة إلى اللاتينية وعن التأليف اليونانية التي نقلها العرب إلى لغتهم.وله جدول واسع للتأليف التي كتبها المسلمون والنصارى واليهود في صحة أديانهم وفي تفنيد أديان سواهم.وكذلك سرد قائمة جميلة لما نشره العرب في الرياضيات والعلوم الفلكية.وله تأليف آخر في الآداب العربية وانتشارها بين اليهود طبعه سنة 1902 بالألمانية. وزاد عليهم شهرة ( إدوارد غلازر ) ( E.Glaser ) الذي ولد في بوهيمية في 15 آذار 1855 وتوفي في مونيخ في 7 أيار 1908.رحل إلى بلاد اليمن ووصف كثيراً من أحوالها وآثارها ونشر كتابات حميرية قديمة أوقفتنا على أخبار ملوكها التبابعة وأخبار ملوك الحبش الذين استولوا على اليمن بعد نكبة نجران واستشهاد أهلها النصارى في عهد ذي نؤاس الملك اليهودي. ( الإنكليزيون والبلجيكيون ) من أعيان الإنكليز الذين قضوا أجلهم في العشر الأول من القرن العشرين العلامة ( وليم ميور ) ( W.Muir ) أحد المحققين المحققين في تواريخ المسلمين والعرب.ألف سيرة مطولة لنبي المسلمين في مجلدين سنة 1858.وكتب في القرآن وتأليفه وفي الخلافة الإسلامية وأطوارها المختلفة.وله مجادلات دينية في الإسلام ومقالات في شعراء العرب ونشر تاريخ دولة المماليك في مصر.توفي في لندن في 11 تموز 1905 وعمره 86 سنة. واشتهر في إنكلترا ( هنري كسّل كاي ) ( H.Cassels Kay ) ولد في أنفرس في بلجيكة ودخل في إنكلترا فاتخذته جريدة التيمس كمراسل لها في مصر فنشر كتابات عادية وجدها في مصر ودمشق.ثم استوطن لندن وعلم فيها وطبع تاريخ بني عقيل ثم تاريخ عمارة اليمني ونقله إلى الإنكليزية وذيلّه بالحواشي ( 1892 ) توفي في 5 حزيران 1903 وكان مولده في 21 نيسان 1827. المستشرقون في ( اسوج وهولندة وروسيا ).عنيت كلية اوبسالا في اسوج بتعليم اللغات الشرقية فكان يعلم فيها العربية الأستاذ ( هرمان المكويست ) ( Herm.Nap.Almpvist ) نشر قسماً من رحلة ابن بطوطة وكتب في خواص الضمائر في اللغات السامية توفي في 30 أيلول 1904. ولم تزل هولندة رافعة منار التعليم للغات الشرقية وخصوصاً العربية جارية على آثار كبار علمائها الذين شرفوا وطنهم من هذا القبيل منذ القرن السابع عشر.وممن فقدته الآداب العربية في هذه الحقبة الأولى من القرن العشرين أحد علماء ليدن الذي مات ريعان شبابه وهو الأديب فان فلوتن ( C.Van.Vlouten ).نشر كتاب مفاتيح العلوم الخوازرمي ومعظم رسائل الجاحظ الأدبية توفي سنة 1907 منتحراً. أمّا روسيا فكان ناشر لواء علومها الشرقية العلامة ( البارون فيكتور فون روزن ) المولود سنة 1849 في مدينة رول من أعمال استلند وتوفي في بطرسبورج في 23 ك2 1908 ( راجع ترجمته في المشرق 11 ( 1908 ): 171 - 173 ) درس على العلامة المستشرق فليشر في ليبسيك ثم عهد إليه تعلم اللغة العربية في كلية بطرسبورج فأضحى قطب علومها الشرقية ونال أرفع الامتيازات الشرقية لسمو فضله.والعربية مدينة له بما نشره من آثارها منها منتخبات مدرسية شتى مع ترجمتها إلى الروسية.وطبع قسماً من تاريخ يحيى الانطاكي الذي عُنينا بنشره ملحقاً بتاريخ سعيد بن بطريق.وله وصف مخطوطات مكاتب روسية الشرقية وساعد على طبع تاريخ أبي جعفر الطبري في ليدن.وكان ذا لطف كبير يسعى إلى خدمة من التجأ إليه في الأبحاث الشرقية وعليه تخرج كثيرون من الروسيين فاشتهروا في وطنهم وخدموا الآداب العربية خدماً مشكورة. ^

القسم الثاني

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي