تاريخ الآداب العربية (لويس شيخو)/الكليات والمدارس

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

الكليات والمدارس

الكليات والمدارس - تاريخ الآداب العربية (لويس شيخو)

لم تبلغ الآداب العربية في القرن التاسع عشر كله ما بلغته في حقبته الأخيرة فإنها أصبحت إذ ذاك كالزهرة المتفتحة من زرها المعطرة الأرجاء بعرفها وكالشجرة التي بسقت أفنانها ومدَّت في قاع الأرض أصولها فلم تعد ترهب الأنواء أو تكترث لزعازع الرياح.وكان الفضل الأكبر في نجاز هذا المشروع العظيم لبلاد الشام وخصوصاً لبيروت التي أضحت كمركز دائرة الآداب تجتذب إليها زهرة الشبيبة من أنحاء سوريَّة ومصر والعراق فتغذيهم بأفاويق العلوم وتعيدهم إلى أوطانهم فيرقَّون شيئاً فشيئاً عقول مواطنيهم ويوسعون نطاق التمدن بنفوذهم. ولا مراء أن المدارس لعبت الدور الأهم في هذا الترقي الشريف فكانت الكليَّة الأمركيَّة بلغت عزَّ قوتها تحت نظارة رئيسها النشيط الدكتور دانيال بلس وبهمة بعض أساتذتها ولا سيما الدكاترة كرنيليوس فان ديك ولويس وجرج بست ويوحنا ورتبات مع مساعدة بعض الوطنيين.وكان وقتئذٍ تعليم المدرسة باللغة العربية فوضعت عمدة الكلية في العربية أو نقلت إليها عدداً وافراً من التآليف العلميَّة التي أدت خدماً مؤقتة لنشر العلوم في الشام وغيرها إلى أن عدلت المدرسة عن العربية إلى الإنكليزية لما تحققت إن تلك التآليف تحتاج في كل سنة إلى إصلاح وتحسين بتقدم العلوم فلا تفي بالمرام بعد زمن قليل ما لم يكرر طبعها مع وفرة نفقاتها. وكانت الكلية اليسوعيَّة مع حداثة نشأتها تباري رصيفتها الأميركية في نشر المعارف الدينيَّة والدنيويَّة.وكان الأحبار الرومانيون يعلقون عليها الآمال الطيبة في إعلاء منار الدين والعلم بين الطوائف الشرقية فمنحها السعيد الذكر بيوس التاسع سنة 1874 اسم كلية وقام من بعده خلفه المغبوط لاون الثالث عشر فخصها سنة 1881 بامتيازات أخرى وخصوصاً أن تعطي طلبتها شهادة الملفنة في اللاهوت والحق القانوني والفلسفة. وكانت الدولة الفرنسوية في تلك الأثناء ساعية في تعزيز مدارسها في الشرق فرأت في كلية القديس يوسف محققاً لغايتها ضامناً لحسن نياتها فمنحت لطلبتها الإجازة كطالبي مدارسها في فرنسا.ثم وكلت إلى رؤسائها أن يلحقوا بالكلية مكتباً طبياً.فتم ذلك فعلاً سنة 1883 وأنشئت الدروس الطبية بكل فروعها التي تبلغ الأثني عشر لكل منها معلمها الاختصاصي.فزادت هذه الإنعامات كليتنا نشاطاً وعزيمة ورقتها إلى درجة ما كانت لتطمع فيها الآمال.وكان للدروس العربية في ذلك الترقي حظها من الاهتمام كما أثبتنا الأمر في خطبة ألقيناها على الحضور في حفلة توزيع الجوائز سنة 1898 ( المشرق 1 ( 1898 ): 699 ) فخصصنا فيها الكلام عن تدريس العربية في كليتنا وقد كررنا طبعها في السنة الحالية 1925 بنسبة وقوع يوبيل الكلية الذهبي وعددنا تآليف نيف ومائتين من تلامذتها بينهم الكتبة والخطباء والشعراء والصحافيون واللغويون.

المدارس الكاثوليكية

وكانت المدارس الثانوية بعضها للمرسلين وبعضها للوطنيين تركض جيادها في ذلك المضمار.فمنها ما كان سبق إنشاؤه تلك الحقبة فمر لنا ذكره ومنها ما استجد افتتاحه كمدارس ( الفرير ) في بيروت وقدس وحيفا ويافا وطرابلس ومدرسة الآباء الكبوشيين في صليما والآباء الكرمليين في القبيات والآباء اليسوعيين في صيداء وحمص ومدرسة القلعة.وأعظم منها مدرسة القديسة حنة الأكليريكية المعروفة بالصلاحية التي أسسها سنة 1882 نيافة الكردينال لافيجري وخصها بتهذيب طلبة الكهنوت من طائفة الروم الكاثوليك تحت إدارة الآباء البيض ( أطلب في المشرق 10 ( 1907 ): 865 مقالة المرحوم الخوري نقولا دهان في تاريخ تلك المدرسة وأعمالها ).وتعددت المدارس الابتدائية للذكور وللإناث فحظيت بها أكثر قوى بها وسهول البقاع ونواحي حوران بهمة المرسلين اليسوعيين واللعازريين فضلاً عما عني بإنشائه المرسلون البروتستانت في أنحاء شتى. أما المدارس الطائفية فأنشئ منها للدروس الثانوية مدرسة غزير المارونية كان الساعي بها الخوري لويس زوين سنة 1880 ومدرسة قرنة شهوان المعروفة باللبنانية من أثمار همة السيد يوسف الزغبي سنة 1883.وفتح الروم الكاثوليك في دمشق مدرستهم البطريركية التي أقبل عليها الأحداث لحسن نظامها.وكذلك مدرستهم الأسقفية في زحلة أهتم بتدبيرها كهنة أفاضل أخصهم الخوري فيلبوس غير والخوري بطرلاس الجريجري قبل انتخابه إلى كرسي بانياس.وفي السنة 1898 أقامت الرهبانية الباسيلية الحناوية مدرستها الشرقية وقد نعتتها بالكلية فكانت إلى أيام الحرب الكونية من المعاهد التي تزين مدينة زحلة.وأنشأ الروم الكاثوليك بعد ذلك مدرسة حلب التي يدبرها عدة كهنة من تلامذة القديسة حنة تحت نظارة راعيها الغيور السيد ديمتريوس القاضي قبل ارتفاعه إلى السدة البطريركية.وزيد أيضاً بمساعي الطوائف الشرقية عدة مدارس الابتدائية في عدة أمكنة فأصبحت بذلك أثمار العلوم دانية القطوف حتى بين القرويين والفقراء.

المدارس غير الكاثوليكية

وما نعرفه من أكور المدارس غير الكاثوليكية إنشاء الروم الأرثوذكس لمدرسة كفتين سنة 1882 فتقبلت عليها الأحوال بين تقدم وتأخر حتى أقفلت.ومثلها المدرسة الأكليركية في دير البلمند التي أصابت بعض النجاح مدة.وأنشأت السيدة أملي سرسق مدرسة وطنية في الثغر لبنات طائفتها دعتها زهرة الإحسان عام 1880.وقد وجد الروم الأرثوذكس مساعداً كبيراً في الدولة الروسية لتوفير مدارسهم وحسن تنظيمها.فأن شركة فلسطين المسكوبية أخذت بإنشاء عدة مدارس في الشام وفلسطين كانت تنفق عليها المبالغ الوافرة.وفتح الإسرائيليون مدرسة في بيروت ترأسها زكي أفندي كوهن سنة 1875 فخدمت طائفة اليهود نحو 25 عاماً ثم أبطلت وقامت بدلاً منها مدرسة الاتحاد الإسرائيلي. كذلك أنشأت حكومة للمسلمين في بيروت المكتب الإعدادي سنة 1309 ( 1885 ) وقابلتها المدرسة الرشيدية العسكرية ثم أنشأ بعض الأهالي أصحاب الهمة مدارس أهلية أخصها المدرسة العثمانية لصاحبها الشهير ورئيسها الشيخ أحمد أفندي عباس الأزهري سنة 1313 ( 1897 ) والمدرسة الوطنية والمدرسة العلمية وهذه المدارس أرقى نوعاً من المدارس الابتدائية فتزيد غالباً على المبادئ وأصول الدين واللغة درس اللغتين التركية والفرنسوية والإنكليزية مع أصول الحساب الجغرافية ومسك الدفاتر.ثم تألفت لجنة التعليم الإسلامية سنة 1317 ( 1899 ) كان يرئسها الشيخ عبد الرحمان الحوت ففتحت مدرستين الواحدة للذكور والأخرى للإناث.

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي