تاريخ الآداب العربية (لويس شيخو)/النظر العام في الآداب العربية حاضراً

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

النظر العام في الآداب العربية حاضراً

النظر العام في الآداب العربية حاضراً - تاريخ الآداب العربية (لويس شيخو)

تتبعنا في دروس سابقة ثلاث حقب الربع الأول من القرن العشرين ورأينا ما طرأ على الآداب العربية من التأثير والتقلب بدواعي أحوال العصر من حرية مقيدة وحرية دستورية وانضغاط لسبب الحرب الكونية والتحرر التام بعدهافما بقي علينا إلا أن نلقي رائد البصر إلى العالم العربي الحاضر لنرى إجمالا حالة آدابه الحاضرة وما يرجى منه لمستقبل هذه الآدابكان حقنا أن نباشر بحثنا هذا بمهد اللغة العربية أي جزيرة العرب.أيستفاد من نجدها وحجازها ويمنها شيء لنهضة الآداب العربية ؟ فنجيب بكل أسف أن مقامها في عالم الأدب غاية في الخمول.فإن مدارسها وصحافتها ومنشوراتها لا يعبأ بها.ولا ننكر أن في حواضرها بعض العلماء المتفقهين إلا أن آثار أقلامهم زهيدة مجهولة.ولا تخلو مكة والمدينة وصنعاء من مخطوطات عربية نادرة وإنما هي مطمورة منزوية في بعض زوايا المساجد أو بيوت الخاصة يقرضها العث والأرضة ويتلهف على فقدها العلماء وحتى الآن لا تلوح لنا بارقة أمل في تحسين تلك الأحوال وخروج البلاد من سنتها وجمودها الأدبيلكن نظر مصر ورقيها في سلم الآداب يبهج العين ويسر القلب.فإن عظمة ملكها فؤاد الأول ووزراءها وعلماءها الأعلام من وطنيين وأجانب يتناصرون في تعزيز الآداب العربية في القطر المصري عموماً وفي القاهرة خصوصاً.فالمدارس زاهرة وسوق الآداب نافقة والصحافة راقية والمطبوعات العربية متوفرة.وهناك الجامعة العربية والمكاتب الحافلة بالآثار القديمة والمخطوطات العزيزة الموجود بعضها في المكاتب العمومية وبعضها عند الخاصة ذوي الهمة القعساءعلى أن هذه النهضة المشكورة لم تبلغ غاية ما يؤمل من نشاط ذويها وتوفر أسباب نجاحهم.فإن لديهم كنوزا من آثار القدماء لم تزل دفينة.ومع تحسن الطباعة المصرية مادياً لم تتحسن كثيراً بالصورة والمضامين والشروح وتصحيح الروايات والفهارس الخ فإن منشوراتها بعيدة عن إتقان المستشرقين لكتبهم إلا قليلاً منهاأما مطبوعات مصر الحديثة فإنها تحسنت من جانب حروف الطباعة وإتقان الطبع وجمال الصور وصقالة الورق لكنها غالباً قليلة الجدوى فإن بينها قسماً كبيراً للروايات الخيالية التي يعربونها عن اللغات الأوربية ومعظمها ضرره أكبر من نفعه لما يغلب عليها من وصف الحوادث الغرامية وتهييج الشهوات الباطلة.ومنها قسم آخر أخلاقي اجتماعي سياسي هو أيضاً منقول عن كتب الغرب بينه الغث والسمين فينشرون آداب الفرنج دون الاحتياط اللازم إذ ليس كل أحوال أوربة تصلح لأهل الشرقوأما الكتب العلمية فإنه قليلة الرواج بين العموم ما عدا بعض التآليف التاريخية القريبة المنال غير الواسعة الجامعة.على أن هناك المجلات لاسيما التي ينشئها أهل الشام كالمقتطف والهلال لا تستنكف على الفصول العلمية الراقية.والمقالات الاجتماعية والفلسفية لولا بعض تطرف في الآراء.أما العلوم الدينية فهي محصورة بالعلوم الإسلامية التي أخذ البعض في انتقادها دون التحرز الكافي والاعتدال المرغوب.وتتعاطى الإرساليات الأميركية الأبحاث الدينية المسيحية تشوبها مسحة من الآراء البروتستانية. أما ( السودان ) فلا تكاد تفيد شيئاً الآداب العربية لقلة عناية أهلها بأمور العقل.وإنما أنشئت في الخرطوم مطابع لنشر بعض الجرائد وتآليف بسيطة. ويجاري ( القطر السوري ) وادي النيل في مساعيه المشكورة لخدمة الآداب العربية.ففيه ( المدارس العليا والثانوية والابتدائية ) لا تكاد تخلو من بعضها ناحية من بلاد الشام.ففي بيروت ودمشق الجامعات الكبرى للعلوم الطبيعية والهندسة والطب والحقوق.وفيهما أيضاً كما في صيداء وطرابلس وحلب وزحلة والبترون وجبيل وجونية ودير القمر مدارس ثانوية بعضها للذكور وبعضها للإناث.أما المدارس الابتدائية فلا يضمها إحصاء في كل قرى الجبل وكافة سورية وذلك بفضل الانتداب الفرنساوي الذي يبذل المجهود في تعميم التعليم.وقد يقوم بهذه المهنة الشريفة رجال من ذوي المقدرة منهم رهبان ومنهم علمانيون.وكذلك مدارس البنات تتولاها بعض المعلمات العلمانيات وبالأخص راهبات من جماعات رهبانية مختلفة كراهبات المحبة وراهبات قلبي يسوع ومريم وراهبات مار يوسف وراهبات الناصرة وراهبات العائلة المقدسة والمارونيات وراهبات بيزنسون.على أن بعض مدارس الذكور الابتدائية تحتاج إلى مراقبة وحسن تدبير.ولذلك فكرت الحكومة في فتح دار للمعلمين يتخرجون فيها لإدارة المدارس.وللآباء اليسوعيين في تعنايل دار من هذا الصنف أتت بثمار طيبة. وسورية غنية أيضاً ( بالمطابع ) التي قد تعددت في المدن والقرى معظم شغلها في نشر الجرائد والمجلات التي تنيف على المائتين.أخصها في المدن لا سيما في بيروت ودمشق وحلب وطرابلس وصيداء وحمص وحماة لا تخلو منها نواحي الجبل وقراها كزحلة والدامور ودير القمر وبيت شباب وجونية وجزين وأعبيه وعاليه.وأغلب منشوراتها ( جرائد سيارة ) ليس بينها إلا القليل مما يستحق للذكر ويفيد الآداب كلسان الحال والبشير والأحوال والوطن والبرق والمقتبس وألف باء والعلم والزهور والصفا. وأرقى منها ( المجلات ) كمجلة المجمع العلمي في دمشق والعرفان في صيداء والمشرق والكلية والآثار الشرقية والحارس والمعارف والمجلة الطبية العلمية ورسالة قلب يسوع والنشرة الأسبوعية والمعرض والبيان في بيروت والآثار في زحلة والمباحث في طرابلس يحررها غالباً قوم من أغلب حملة القلم لكنها لا تزال تحتاج إلى ترق لتجاري المجلات الأوربية التي يحررها الإختصاصيون ولا سيما في القسم العلمي والأثري كما ترى في مجلة ( Syria ) أو في مجموعة المكتب الشرقي أو كلية القديس يوسف ( Melanges de PUniversite S Joseph ). ومما يبعث الأمل في حسن مستقبل الآداب العربية ما أنشئ من ( الجمعيات ) لخدمتها كالمجمع العلمي في دمشق وكنوادٍ أدبية المشبيبة فيها وفي بيروت وحلب وحماة وطرابلس.فإن الناشئة تزيد إقبالاً على الآداب إذا انتظمت في سلك جمعيات تجد أصحابها حريصين على الرقي والنجاح يتمرنون على الكتابة والخطابة ويلقون المحاضرات في الأبحاث العلمية أو المسائل الاجتماعية. وكذلك قد توفرت الوسائل لاستقاء المعارف وتعزيز الآداب بتوفر ( المطبوعات ) المختلفة كالتواريخ العمومية والخصوصية وكالدواوين الشعرية والتآليف المدرسية والمصنفات الأدبية واللغوية.وها قد تئت الطبعة الجديدة من المُنجد بعد توسيعه وتكميله وينتظر قريباً معجم الشيخ عبد الله البستاني وغير ذلك من المنشورات المفيدة. ومما يساعد على رقي الآداب ( خزائن الكتب ) الجامعة للتآليف القديمة والحديثة.ولبيروت فضل كبير في ذلك وفيها أنشئت أول مكتبة عمومية بهمة رجل الفضل والأدب الفيكنت فيليب دي طرازي.وفي الكليتين اليسوعية والأميركية مكاتب واسعة يقصدها الكلفون بإحراز العلوم. ومن الأقطار التي تستحق الذكر بعد مصر وسورية ( العراق ) فإن بغداد مدينة السلام لا تستطيع أن تنسى ماضيها إذ كانت مركز الحركة العلمية في عهد الخلافة العباسية.وإنما أصيبت في العهد التركي بخمول عظيم على الرغم ممن اشتهر فيها من الأدباء كالآلوسيين وغيرهم. لكن دولة العراق الجديدة في ( بغداد ) ساعية في سد هذا الخلل فترى فيها حاضراً نهضة جديدة يتناصر في تعزيزها أرباب الدولة مع أدباء المسلمين والنصارى.وقد تحسنت المدارس وتعددت المطابع وترقت الصحافة ونشرت الكتب في الفنون المختلفة ما يدل على أن العراق أفاق من سنتهِ.أما ( الموصل ) فإنها بعد فقدها لمطبعة الآباء الدومنيكان تحتاج إلى وسائل جديدة لتنهض من كبوتها.وإنما مدارسها تبنى بتحسن محسوس.ومثلها البصرة.ولعل النجف وكربلاء أقرب اليوم منهما إلى إحراز المعارف. والآداب العربية في ( فلسطين ) ضيقة النطاق لا يكاد يعنى بها غير النصارى وقليل من المسلمين في القدس الشريف وفي السواحل كيافا وحيفا بنشر بعض الصحف. أما ( الهند ) فإن الدروس العربية فيها حاضراً منحصرة في بعض جامعاتها كبومبي وكلكته ولوكنو ودلهي وحيدر أباد ومدرس والهاباد وجامعة بنجاب في لاهور وعليكَره ففي هذه الكليات فرع لتعليم العربية إذ لا غنى لأهلها المسلمين عنها لمعرفة القرآن والتآليف الدينية.وهناك أيضاً بعض المطابع أخصها في كلكته.ومعظم مطبوعات الهند العربية طبعت على الحجر وما يطبع على الحروف لا يزال سقيماً ما خلا بعض مطبوعات كلكته وحيدر أباد.والغالب على أهل الهند المسلمين الهندستانية والأردو وعلى الهنود الكجراتي والتامول وغيرها. وإن وجهنا النظر إلى ( أميركا ) وجدنا أن الآداب العربية مدينة فيها للمهاجرين إليها من المسيحيين عموماً واللبنانيين خصوصاً.وقد ابتدأت هذه الحركة أيضاً أولاً في ( أميركا الجنوبية ) ولا سيما في ( البرازيل ).فترى اليوم في عاصمتها ريو دي جانيرو جرائد مهمة كالعدل والبريد.وفي حاضرتها في سان باولو شاع منها أبو الهول لصديقنا البكيفاوي شكري أفندي الخوري ثم الميزان والأفكار وفتى لبنان.وقد اشتهرت في جمهورية ( الأرجنتين ) عاصمتها بوينس عدة جرائد كالمرسل والسلام والزمان.وفي مدينتها طوكومان جريدة صدى الشرق.وفي كردوبا ( قرطبة ) العصر الجديد.وما عدا الجرائد قد صدر في أميركا الجنوبية كتب عربية قليلة معظمها الروايات وبعض تآليف أدبية وعلمية وتاريخية. واليوم صار السباق ( لأميركة الشمالية ) فإن كثرة المهاجرين إليها دعت أدبائها هناك إلى العناية بحفظ لغتهم ونشر آدابها بين مواطنيهم المستوطنين في أنحائها.وهذه الحركة تلوح خصوصاً في عاصمتها نيويورك فجرائدها الهدى والشعب والسائح والنسر السوري ( في بروكلين ) والمجلة التجارية السورية تكاد تجاري بعض الجرائد الوطنية.وفي ديترويد جريدة الصباح.وقد طبع في أمريكا الشمالية عدة مطبوعات دينية وأدبية وعلمية متقنة الطبععلى أننا نرتاب في ثبات اللغة العربية سالمةً في أميركة لأن المهاجرين إذا استوطنوا تلك البلاد يمتزجون بأهلها امتزاج الماء بالراح فسوف ينسون لغتهم الأصلية كما جرى لكثيرين ثم يتأمرك أولادهموفي ( أميركا الوسطى ) جريدة الرفيق في مكسيكووإن أطلقنا رائد البصر على ( أفريقية ) وجدنا نصيب الآداب العربية زهيداً خارجاً عن مصر إلا أن فرنسا سعت في تعزيز اللغة العربية بين مستعمراتها الشمالية ففتحت المدارس لتعليم الوطنيين في الجزائر ووهران وفي تونس.ولا تخلو عاصمة مراكش من مدارس وجرائد.وفي رباط جريدة السعادة.وفي طرابلس الغرب مطبعة ومدرسة عربيتان.وكذلك في زنجبار.على أن أخبار تلك الجهات منقطعة عنا فنجهل غالباً حركة آدابهاأما ( أوربة ) فأن الفضل في خدمة الآداب العربية فيها عائد إلى المستشرقين وخصوصاً اللذين تنفق عليهم دولهم الكريمة المبالغ الطائلة في جامعاتها الكبرى فتخصص لدرس العربية بعض علمائها.ففي باريس ورومية وبرلين ولندن ومدريد وفينة ولينينغراد معاهد لدرس اللغات الشرقية وفي مقدمتها اللغة العربية.وكذلك في جامعات العواصم المذكورة وغيرها كبوردو في فرنسة وليدن في هولندة وكوبنهاغ في دنيمارك وبون وليبسيك وغوطا وغوتنجن وهيدلبرغ وهمبورغ ومونيخ في ألمانيا أساتذة لتعليم اللغة العربية.وفي كل هذه المدن خزائن كتب عربية مخطوطة يستخرجون منها كنوز أدبية ينشرونها بعد مقابلتها على نسخ مختلفة وربما أضافوا إليها ترجمتها إلى لغاتهم ويصدرونها بالمقدمات الواسعة ويعلقون عليها الحواشي التاريخية واللغوية ويختمونها بالفهارس الجليلة تسهيلاً لإجتناء فوائدهاولا يسعنا أن نسكت في آخر هذا الباب عن مساعي فاضلات السيدات في أيامنا إلى ترويج الآداب العربية بين بنات جنسهن في بيروت ومصر والإسكندرية وفي بعض أنحاء أمريكا.وسنذكرهن في البحث التالي إن شاء الله^

البحث الثالث

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي