تاريخ الآداب العربية (لويس شيخو)/بعض مشاهير الأدباء المسلمين في هذا الطور

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

بعض مشاهير الأدباء المسلمين في هذا الطور

بعض مشاهير الأدباء المسلمين في هذا الطور - تاريخ الآداب العربية (لويس شيخو)

كانت العلوم العربية في هذا الطور أرقى شأناً عند النصارى منها عند المسلمين وإنما اشتهر بين هؤلاء بعض الأفراد تعاطوا الفنون الأدبية من شعر ونثر وخلفوا منها آثاراً طيبة وهانحن نذكرهم على سياق سني وفاتهم تنويهاً بفضلهم.

رفاعة بك الطهطاوي

كان رفاعة بك من أشراف طهطا إحدى مدن الصعيد ويرتقي نسبة إلى فاطمة الزهراء ولما ولد سنة 1216 ( 1801 ) كان الدهر أخنى على أسرته فذا في حداثته مرائر العيش ثم انتقل بعد وفاة والده إلى القاهرة سنة 1222 ( 1807 ) وانتظم في سلك طلبة الأزهر وطلب العلوم برغبة حتى روي منها وأحبه أستاذه لاجتهاده وقدومه.ونما خبره إلى محمد علي باشا إمام الدولة الخديوية فأرسله مع غيره من الشبان إلى فرنسة ليتلقوا فيها العلوم الأوربية فدرس اللغة الفرنسوية حتى أحسن فهمها واستقى من مناهل المعارف الغربية ما استلفت إليه الأنظار ونقل كتاباً افرنسياً وسمه ( بقلائد المفاخر في غرائب عوائد الأوائل والأواخر ) فكان ذلك داعياً لترقيته في المناصب.فقلده محمد علي وظيفة الترجمان في المكتب الطبي الذي أنشأه في جوار القاهرة سنة 1242 ( 1826م ) فنقل إلى العربية عدة تآليف إفرنجية مستحدثة.ثم عرب في مدرسة الطوبجية كتباً هندسية وغيرها.وفي 1251 ( 1835 ) ندبه صاحب مصر إلى رئاسة مصر الألسن الأجنبية التي عرفت بمدرسة الترجمة فأحسن تدبيرها حتى بلغ عدد تلامذتها 250.فجازاه الخديوي بمنحه رتبة قائمقام ثم رتبة أميرالاي.وأرسل مدة إلى الخرطوم لنظارة مدرستها وتولى نظارة المدرسة الحربية في مصر.ولم يزل يتقلب في المناصب وإدارة المدارس والتعليم والكتابة.وكان رفاعة بك لا ينقطع يوماً عن التأليف أو الترجمة.وهو الذي باشر أول جريدة عربية في بلاد الشرق وهي الوقائع المصرية سنة 1248 ( 1832 ).ثم تولى في آخر حياته إدارة جريدة روضة المدارس.ولرفاعة بك نحو عشرين كتاباً بعضها من تأليفه كرحلته إلى باريس ومباهج الألباب المصرية وكتاب تاريخ مصر الحديث وأكثرها من ترجمة كجغرافية ملطبرون وأخبار تليماك وهندسة ساسير ورسائل طبية وله غير ذلك من التآليف والمقالات والمنظومات التي لم يطبع منها إلا القليل.وقد رأيناه كثير التصرف في ترجمة كتبه إلا أنه سبق أهل وطنه بتعريب التآليف الغربية فنال فضلاً بتقدمه.وكانت وفاته سنة 1290 ( 1873 ) فرثاه الحاج مصطفى انطاكي الحلبي بقصيدة مطلعها:

ألا لِطَرْف المجد دامٍ ودامعُ

على وجنة العلياء هامٍ وهامعُ

إلى أن قال مشيراً إلى فهمي أفندي نجل المتوفى:

وكادت تميدُ الأرض لو لم يكن بها

لهُ خلفٌ يحيي المآثرَ بارعُ

عبد الغفار الأخرس

هو السيد عبد الغفار لابن السيد عبد الواحد من مشاهير شعراء العراق كان مولده في الموصل السنة 1220 ( 1805 ) ثم أنشأ في بغداد واتخذها موطناً وسكن جانب الكوخ وقرأ على المشيخ الآلوسي كتاب سيبويه فأعطاه به إجازة.ثم درس العلوم العقلية والفنون العربية فأتقنها وتعاطى فن الشعر فأجاد به كل الإجادة حتى أن صاحب كتاب المسك الأذفر قال عنه إن إليه كانت النهاية في دقة الشعر ولطافته وحلاوته وعذوبته.وكان مع ذلك في لسانه تلعثم وثقل فدعي بالأخرس لسببه.قيل أنه في شبابه كتب إلى داود باشا والي العراق أبياتاً يسأله فيها أن يأمر بمعالجة لسانه قائلاً:

إن أياديك منك سابقةُ

عليَّ قدماً في سالفِ الحُقُبِ

هذا لساني يعوقه ثِقَلٌ

وذاك عندي من أعظم النُّوَبِ

فلو تسبَّبتَ في معالجتي

لَنلتَ أجراً بذلك السببِ

وليس لي حرفةٌ سوى أدبٍ

جمٍ ونظم القريض والخطبِ

من بعد داودَ لا حُرِمْتُ مُنىً

فقلت قد مضت دولةُ الأدبِ

فأرسله الوالي إلى بعض أطباء الهند فقال له: أنا أعالج لسانك بدواء إمّا أن ينطلق وأما أن يلحقك بمن مضى من سالف الجدود.فأبى ولم يرضَ بدوائه وقال: لا أبيع كلي ببعضي وكرّ راجعاً إلى بغداد.وكان يتردد إلى البصرة لما عرف في عرف أهلها من السخاء ومحبة الغرباء.وله مدائح في أكثر أعيانها وفضلائها وبها كانت وفاته سنة 1290 ( 1873م ) كما ورد في مقدمة ديوانه وفي سنة 1291 على رواية السيد نعمان الآلوسي.وكان له شعر كثير متفرق جمعه أحمد عزت باشا العمري بعد وفاة صاحبه وسماه الطراز الأنفس في شعر الأخرس.وقد طبع هذا الديوان في مطبعة الجوانب سنة 1304 ( 1886م ).فمن شعره قوله يصف سفره من البصرة إلى بغداد على سفينة بخارية:

قد ركبنا بمركب الدُّخانِ

وبلغنا بهِ أقاصي الأماني

حيث دارت أفلاكهُ واستدارت

فهي مثلُ الأفلاك بالدوَرانِ

ثمَّ سرنا والطيرُ يحسدنا بالأ

مسِ لإسراعنا على الطيرانِ

يخفق البحرُ رهبة حين يجري

والذي فيه كائنٌ في أمانِ

كلَّما أبعد البخارُ بمسرىً

قَرَّب السيرُ بُعْدَ كلّ مَكانِ

أتقَنتْ صُنَعُه فطانةُ قومٍ

وصَفوهم بدَقة الأذهان

ما أراها بالفكر إلا أناساً

بقيت من بقَّية اليونان

أبرزوا بالعقول كل عجيبٍ

ما وجدناهُ في قديم الزمان

وبنوا للعُلى مباني علاو

عاجزٌ عنها صاحب الإيوانِ

فلهم في الزمانِ علمٌ وفخرٌ

ومقامٌ يعلو على كيوانِ

وقد نظم السيد الأخرس قصائد عديدة في مدح أديب العراق عبد الباقي الفاروقي.ورثاه بعد موته بقصيدة أولها:

ما لي أودّع كل يومٍ صاحباً

إذ لا تَلاقي بعد طول فراقِ

وأصارم الأحبابَ لا عن جفوةٍ

مني ولا متعرّضاً لشقاقِ

فارقتهم ومدامعي منهلةٌ

وجوانحي للبَين في إحراقِ

إلى أن قال:

فارقتُ أذكى العالمينَ قريحةَ

وأجلَّها فضلاً على الإطلاقِ

وفقدتُ مستَنَد الرجال إذا روتْ

عنهُ الثقاتُ مكارمَ الأخلاقِ

قد كان منتجَعي وشِرْعةُ منهلي

ومناطُ فخري وارتيادُ نياقي

كانت لهُ الأيدي يطوقني بها

منناً هي الأطواق في الأعناقِ

وختمها بقوله:

رزء أصيب بهِ العراق فأرخَوا

رزء العراقِ بموتِ عبد الباقي

( 1278 ). وقال مودعاً بعض الكرام اسمه يوسف:

مولاي قد حان الوداعَ

وقد عزمتُ على المسيرِ

كم زرتُ حضرتك التي

ما زلتُ منها في حبورِ

ورجعتُ عنك بنائلٍ

غِمر وبالخَبر الكثيرِ

واللهُ يعلمُ أنني

عن شكر فضلك في قصورِ

يا مفرداً في عصرهِ

بالفضل معدوم النظيرِ

يا يوسفُ البدرُ الذي

يسمو على البدر المنيرِ

ما لي بعيرك حاجةُ

كغنى الخطير عن الحقيرِ

وسواك يا مولاي لا

واللهُ يخطرُ في ضميري

ما كلُّ وزادٍ يفو

ز بموِرد العذب النميرِ

لا زلت أهلاً للجمي

ل مدى الليالي والشهورِ

ومما لم نجده في ديوانه تخميس قالها عبد الباقي العمري في قاض جائر:

ألا قطع الرحمن كل مُقاطعٍ

مضرٍّ بما يقضى به غير نافعِ

وراض بظلمٍ طامع غير قانعٍ

وقاضٍ بجورٍ ما له من مضارعٍ

على أنهُ بالعسفِ أقطعُ من ماض

فكم قد جنى في حكمهِ من جنايةٍ

وقد راح في غيٍّ لهُ وغوايةٍ

فلا رُد قاضٍ ما اهتدى لهدايةٍ

قضى ومضى لكن إلى كل غايةٍ

من الخزي لا يحظى بها أبداً قاض

بُلينا بقاضٍ جائر غير عادلٍ

ويجورُ بحكمٍ قاصرٍ غير طائلٍ

ومن أعظم البلوى بلاءٌ بجاهلٍ

يقولونُ يقضي قلتُ لكن بباطلٍ

وقالوا يقصُّ الحقَّ قلتُ بمقراض

السيد صالح القزويني

هو أيضاً أحد شعراء العراق المجيدين ولد في النجف في 17 رجب 1208ه شباط 1793م وتوفي في بغداد في 5 ربيع الأول 1301 ( 4ك 1883 ) تخرج في وطنه على علمائه وأتقن العلوم المذهبية ثم تفرغ للآداب ولنظم الشعر فنبغ منه.فكان مواطنوه ينتابون مجلسه ويتجاذبون أطراف الأدب ويتناشدون الأشعار فلا يكاد أحد يبلغ شأوه.وقد اشتهر خصوصاً بالرصف والمدح وقد خلف ديوان في كل معاني الشعر لم يمثلا بالطبع حتى اليوم:

الحاج عمر الإنسي

ولما كانت مصر تفتخر بطهطاويها والعراق بأخرسها كانت بيروت تأنس بأنسيها الحاج عمر سليل أسرة شريفة اشتهر لقبها بالصقعان.ولد الإنسي سنة 1237 ( 1822م ) في بيروت وأخذ العلوم عن الشيخين محمد الحوت وعبد الله خالد وقد قلدته الحكومة السنية عدة مناصب كنظارة النفوس في لبنان وعضوية مجلس إدارة بيروت ومديرية حيفاء ونيابة صور وبقاع العزيز تقلب فيها كلها وأظهر فيها دراية وعفة نفس وعلو همة.وكانت وفاته في وطنه سنة 1293 ( 1876م ).وقد وصفه من عرفه بحسن الشعر وأنس المحضر والصدق والاستقامة.وكان فصيح اللفظ طلق اللسان حسن النظم وله مصنفات منها ديوان شعره الموسوم بالمورد العذب طبع في بيروت سنة 1013 ( 1895م ) بهمه نجله السيد عبد الرحمن.وقد كان بينه وبين الشيخ ناصيف اليازجي مكاتبات.ومما مدحه به الشيخ قوله من أبياتٍ:

وإذا أردتَ قصيدةً

فيه لها عُمَراً وَنمْ

الشاعرُ العربي ذو ال

غُرَر التي سبَت العجمْ

في المكرُمات لهُ يدٌ

وإلى الصوابِ لهُ قدّمْ

ولهُ مناقبُ لا تُنا

ل كأَنها َصْيدُ الحَرَمْ

وهذه نبذة من أقوال الحاج عمر.قال في التقى:

عليك بتقوى الله والصدق إنمَّا

نجاةُ الفتى يا صاحٍ بالصدقِ والتُّقى

وقِسْ حالَ أبناء الزمان بضدهِ

ترَ الفرق ما بين السعادةِ والشقا

وقال في الزهد:

رغبتُ عن الدنيا وزُخْرفِ أهلها

وقلتُ لنفسي إنما العيشُ في الأخرى

فدَعنْي وزهدي في الحُطامِ فأنني

أرى الزهدَ في الدنيا هو الراحةُ الكبرى

ومن ظريف هجوهِ ما قالهُ في غلام قهوجي يُدعى هلالاً:

تعس الهلالُ القهوجيُّ لأنهُ

قد قطّعَ الأنفاس من أنفاسهِ

هذا الهلالُ هو الهلاكُ وإنما

غلطوا فلم يضعوا العصا في رأسهِ

أراد بالعصا الشطبة التي تُرسم في رأس الكاف ( ك ) الشبيهة باللام ( ل ).وقال يهجو ثقيلاً كان لا يزال يذكر ذنوبه:

شكا ثقَلَ الذنوب لنا ثقيلٌ

فقلتُ لهُ استمِعْ لبديع قيلي

ثلاث بالتناسب فيك خُصَّت

فلم توجد بغيركَ من مثيلِ

ذنوبك مثل روحك ضمنَ جسمٍ

ثقيلٍ في ثقيلٍ في ثقيلِ

ومن رثائه قوله في مارون النقاش لما توفي في طرسوس سنة 1271ه من أبياتٍ:

فقدنا أديباً كان طِرْسُ يراعهِ

إذا خطَّ سطراً نال من خطهِ شَطرا

أخاشَيمٍ قد أعجزتْ عن مديحها

لساني فأمسى لا يُطيق لها شكرا

وما كنتُ يا مارونُ قبلك زاعماً

بأن الثرى عن أعيني يحجبُ البدرا. . .

فكم لك من آداب لطفُ شمائلٍ

إذا ما نشرنا ذكرها نفحَتْ نشرا

وكم لك من أبيات شعرٍ حرَّيةٍ

بها أن تحلَي جيدها الغادةُ العذرا

ألا يا بني النقَّاش لا يحزننَّكم

بكاً وسَّع الأجفانَ أو ضَّيق الصدرا

أرى الدهر لما قَّسم الحزن خصَّنا

بتسعة أعشارٍ وحَّملكم عشرا. . .

فآسف لو كان التأسُّف نافعاً

عليهِ ولكنَّ الثناءَ لهُ أحرى

الآلوسيَّان عبد الله وعبد الباقي

وفي هذه المدة قضى اثنان من الآلوسيين نحبهما في العراق.وهما أبناء السيد العلامة شهاب محمود أفندي الآلوسي الذي سبق لنا تعريف فضله: ( ج 9: 1 - 12 ) أعني عبد الله وعبد الباقي.فالسيد عبد الله بهاء الدين أفندي ولد سنة 1248 ( 1832 ) فقال السيد عبد الغفار الأخرس مؤرخاً لولده:

ليهنئك يا تحريرَ أهل زمانهِ

ويا كاملاً عنهُ غدا الطَرْفُ قاصرا

بطفلٍ ذكيّ قد أتاكَ وإنما

يضاهيك بالأخلاق سراً وظاهرا

وبشّرتني فيهِ فقلتُ مؤرخاً

بولد عبد الله نلتَ البشائرا

فلما ترعرع أخذ العلوم عن والده إلى أن أصيب بوفاته وهو إذ ذاك بين اثنتين وعشرين سنة فجزع لموته وكاد لحزنه يلحق بأبيه.ثم انكب على الدرس واجتمع ببعض أفاضل وطنه فما لبث أن فاقهم وأقبل على التدريس فحصل بعد حين على شهرة واسعة وانتظم في سلك أهل الطريقة النقشبندية.ثم بلي بأنواع الأسقام فخرج من وطنه قاصداً الآستانة العلية لكن أشقياء العربان نهبوا أثقاله فعاد إلى بغداد صفر اليدين.وفي آخر أمره تولى القضاء في البصرة فأكرمه أهلها وعرفوا قدره لولا أنه تأذى بحمياتها القتالة فخرج منها بعد سنتين ولسانُ حالهِ ينشد مع معاصره الشيخ صالح التميمي:

ومتى تسيرُ ركائبي عن بلدةٍ

أبداً أقام فناؤها بفناها

لا فرق بين شَمالها وَجنوبها

وقَبُولها ودَبُورها وصباها

ما أن تحرَّكتِ الغصونُ بأرضها

ألا تحرَّك في الجسومِ أذاها

أشجارُها خضرٌ وأوجهُ أهلها

صُفرٌ محا كَسْفُ السقامِ بهاها

لولا قضاء اللهِ حتمٌ واجبٌ

أبتِ المروءة أن أدوسَ ثراها

فما وصل إلى بغداد حتى مات بعد أيام 1291 ( 1874 ) وله من العمر 43 سنة وكان السيد عبد الله كثير التدين لين الجانب محباً للفقراء لا يأنف من مخالطتهم.وقد امتاز بحسن نثره وجزالة تعبيره.ومن تأليفه رسائل ومقالات مفيدة وشروح في علمي المنطق والبيان وألف كتاب الواضح في النحو وكتاباً في آداب الصوفية. أما أخوه فهو السيد سعد الدين عبد الباقي وقع مولده سنة 1250 فأرخه الشاعر عبد الحميد الأطرقجي:

طرباً بمن سرَّ الورى ميلادُهُ

وسرى نسيمُ اللطفِ في الآفاقِ

يا سادتي بشراكُم فيمن بدا

متخلقاً بمكارم الأخلاقِ

فرداً أتى وبه استعنتُ مؤرخاً

تمَّ السرورُ لكم بعبد الباقي

أخذ عن والده كأخيه ثم عن الشيخ عيسى البندبيجي وزار الحجاز وتولى القضاء في كركوك مركز ولاية شهرزور ثم في بتليس وسافر إلى دار السعادة.وله عدة مصنفات أخصها القول الماضي فيما يجب المفتي والقاضي وأوضح منهج في مناسك الحج الذي طبع في مصر وأسعد كتاب في فصل الخطاب وغير ذلك مما يشهد له برسوخ القدم في المعارف.توفي في مصر سنة 1298 ( 1881 ).

أبو النصر علي

واشتهر في مصر في هذه الحقبة الأديب المصري أبو النصر علي ولد في منفلوط وفيها كانت وفاته سنة 1298 ( 1880 - 1881 ) نظم الشعر في مقتبل الشباب وأصبح من فرسان ميدانه فنما خبره إلى خديوي مصر إسماعيل باشا فقدمه وأجازه ولأبي النصر عدة قصائد غراء فيه وفي أمراء الدولة الخديوية وقد وافق إسماعيل باشا لما رحل إلى الآستانة ثم مدح بعده الحضرة التوفيقية.ولأبي النصر ديوان كبير طبع في مطبعة بولاق سنة 1300 ضمنه أقوالاً منتخبة في كل أبواب البلاغة ومعاني الشعر فمما استحسناه قوله في الخمر وقد نحا في وصفه طريقة الصوفيين:

بنتُ كرمٍ دونها بنتُ الكرامْ

وهي بكرٌ زفَّها ساقها المُدامُ

شمسُ راحٍ في اصطباحٍ أشرقت

في سماء الكأس كالبدر التمامْ

كم تجلى كأسُها عن لؤلؤ

من حُبابٍ كالدراري في انتظامْ

إنَّ لي عنها حديثاً سرَّهُ

لا يُضاهَي وهي لي أقصى المرامْ

لو درى أهلُ التقى أسرارَها

لَسقَوا أبناءَهم قبل الفِطامْ

لا تسَلْني عن معانيها وسَلْ

عن حُلاها وسناها باحتشامْ

قال صفْها قلتُ دَعنْي أنها

صورةٌ كالجسم عندي والسلامْ

قال زدني قلتُ ما المسئول عن

ها بأَدْرى منها يا هذا الغلامْ

قال قلْ في كرْمها مخلوقةٌ

نزهةٌ الناس من سامٍ وحامْ

ما رآها عابدٌ إلا انثنى

عن سجود وركوعٍ وقيامْ

راحةُ الأرواحِ في أقداحها

أنبأَتنا إنَّها تُبري السقامْ

وهي طويلة.ومن حسن شعره قوله يصف سفرة الحضرة التوفيقية إلى الصعيد سنة 1287م:

زار في موكبٍ كعقد اللآلي

فازدهى بالقدوم صفو الليالي

إلى أن قال:

فازدهى رونقُ الصعيد جمالاً

وتحلّت أرجاؤهُ بالحلالِ

وروى النيلُ عن رُواهُ حديثاً

يشرحُ الصدر شرحهُ في المقالِ

حيث دُقّت بالشاطئَينِ طبولٌ

والأهالي تفوقُ عدَّ الرمالِ

وتلافوا بضُمَّير سابقاتٍ

فترى الليث فوق ظهر الغزال

وتوالَوْا في سَيْرِهم فأضاءت

حليةُ البيض بين سُمْر العوالي

وجميعُ البلادِ أيدت سروراً

ناشراتٍ أعلامها بابتهالِ

نسألُ الله عصمةً ونجاحاً

وبقاء لهُ وحسنَ مآل

ومن أقواله يعاقب دهرهُ:

إلامَ تصوّبُ الأوهامُ غيًّا

وتنشرُ ما طواهُ الرشدُ طياً

أبعد الحق تُنتظَر الأماني

ويُفرَضُ ميّت الآمال حياً

إذا كنا مع الأحياء موتى

فهيَّا نلحقُ الأمواتَ هيّا

شربتُ من الأسى عللاً ونَهْلاً

فزدتُ صدىً وما ألفيتُ رّياً

وكم جبتُ المهامة كي ألاقي

بمُنْتَجعي جواداً أو تقّيا

فذلك أراهُ مختالاً فَخوراً

وهذا قصدهُ يُدعى وليّاً

وقال يصف الأماني الباطلة:

بلوتُ الأماني وجرَّبتُها

فألفيت فيها عجيب العُجائبْ

تريك البعيدَ قريباً كما

تريك انقيادَ الأمير المهابْ

فلا تتَّخذْها سبيلاً إلى

بلوغ المرام ودَعْ ما يُعابْ

فإن الأماني خيالٌ يمرُّ

على من تخيَّل مَرَّ السحابْ

وغايةُ ما ينتجُ من مُناها

تصوُّر لخلافِ الصوابَ

ومن أقوالهِ الحماسية قوله:

أرى دولة الأَيام خائنة العهد

مراوغةً تصبو إلى الخُلف في الوعدِ

وما بالها تجني على كلّ ماجدٍ

كأنَّ لها ثاراً على دولة المجدِ

ترينا محبّاً باسم الثغر ظاهراً

ولكن لها قلبٌ مصرٌّ على الحقدِ

تمرُّ فتحلو للغبّي ومَن درى

تُجرّعه كأس المرار على عمدِ

أعدَّت لحربي جندَها فلقيتُها

بقوَّةِ جأش دونها قوَّة الصَلْدٍ

واستقبل الأخطار بالبشر لاهياً

بدون اكتراثٍ مازجَ الهزل بالجدِّ

وإن ضاق ميدانُ المخاوف لم أكن

حريصاً على حبّ الحياة ولا أفدي

ولأبي النصر رحلتان إلى القسطنطينية كانت الأولى في أيام السلطان عبد المجيد موفداً من محمد عليّ الكبير وأنشد حينئذٍ شيخ الإسلام قوله يمدح القسطنطينية:

وكنَّا نرى مصر السعيدة جَّنةً

ونحسُبها دون البلاد هي العليا

فلمَّا رأى دار الخلافة عينُنا

علمنا يقيناً أنها لَهيَ الدنيا

وكانت رحلتنه الثانية مع الخديوي إسماعيل باشا وصادف دخولهما الآستانة يوم عيد جلوس السلطان عبد العزيز سنة 1289 ( 1872 ) فقال أبو النصر يمدح الحضرة السلطانية بقصيدة مطلعها:

تبسَّمتِ الأزهار عن لؤلؤ القطرِ

ففاح شذاها في الحدائق كالعطرِ

ومنها في مدح السلطان:

أفادَ العلا جاهاً وعزاً مؤبداً

وأَلبسها من مجدهِ حللَ الفخرِ

وأبدى لأعلام التقدُّمِ مظهراً

به ملكهُ يعلو على دولِ العصرِ

وأحيا لإحياء العلى كلّ دارسٍ

فأضحت قلاعُ الثغر باسمة الثغرِ

وجدَّد في عهد قريبٍ بواخراً

بها قوَّةُ الإسلام محكمةُ الأمرِ

برونقها تكسو الفخار مهابةً

وتعلو بما حازت على الأنجمِ الزُّهرِ

لهُ من رجال الحرب جيشٌ عر مرمٌ

لهم هِمَمٌ في الفتك بالبيض والسمرِ

مدافُعهم شمُّ الأُنوفِ على العدى

تخرُّ لهم شمُّ الجبالِ من الصخرِ

وأسيافُهم في السلْم يحلو صيامُها

متى جُرّدت مالت إلى الفطر بالنَّحرِ

وختمها بهذا التاريخ:

وها أن في البُشرى أقولُ مؤرخاً

جلوسُكَ عيدُ الدهرام ليلةُ القدرِ

محمود صفوت

ومن معاصري أبي النصر على وطنيه محمود أفندي صفوت بن مصطفى آغا الزيلع الشهير بالساعاتي ولد بالقاهر سنة 1241 وبها توفي سنة وفاة أبي النصر 1298 ( 1881 ) لزم الآداب واشتهر بنظمه ونثره حتى عد فيهما من المقدمين.وتوجه إلى الحجاز ودخل على أمير مكة الشريف محمد بن عون فأكرم مثواه وأبقاه عنده إلى آخر إمارته ثم سافر إلى القسطنطينية وعاد بعد ذلك إلى وطنه وفيها قضى بقية حياته.ولمحمود أفندي صفوت ديوان شعر نشر بالطبع في مصر سنة 1329 ( 1911 ).فمن ذلك قوله يفتخر:

وَلع الزمانُ وأهلهُ بعداوتي

إنَّ الكرام لها اللثامُ عداءُ

أتحطُ قدوري الحادثاتُ وهمَّتي

ومن دونها المرّيخُ والجوزاءُ

هيهات تهضمُ جانبي وعزائمي

مثل البواتر دأبُها الإمضاءُ

صبراً على كيد الزمان فإنما

يبدو الصباحُ وتنجلي الظلماءُ

وله في رثاء أحد العلماء:

بكت عيون العلا وانحطَّت الرُّتَبُ

ومزَّقت شملَها من حزنها الكتبُ

ونكسَّتْ رأسها الأقلامُ باكيةً

على القراطيس لمَّا فاحت الخُطبُ

وكيف لا وسماء العلم كنت بها

بدراً تماماً فحالت دونك الحجُب

يا شمسَ فضلٍ فدتك الشهبُ قاطبةً

إذ عنك لا أنجمٌ تُغني ولا شهبُ

لما أصابك لا قوسٌ ولا وترٌ

سهمُ المنَّية كاد الكون ينقلبُ

ما حيلةُ العبدِ والأقدارُ جاريةٌ

العمرٌ يوهَبُ والأقدارُ تنتهبُ

صالح مجدي بك

وفي السنة ذاتها 1298 ( 1881 ) توفي أديب آخر من نوابغ كتبة مصر السيد صالح مجدي بك.ولد في رجوان من مديرية الجيزة سنة 1242 ( 1826 ) وبعد أن تلقى مبادئ العلوم العربية ودرس اللغة الفرنسوية ألحقه أستاذه رفاعة بك الطهطاوي بقلم الترجمة ثم عهد إليه بتدريس اللغتين العربية والفرنسوية في المدرسة الهندسية الخديوية وعهدوا إليه تعريب كتب علمية للفرنج فعرب منها عدداً وافراً في رسم الأمكنة والطبقات الجيولوجية والميكانيكيات والحساب والجر والهندسة والفلكيات والفنون الحربية كبناء الحصون ورمي القنابل إلى أن تولى رئاسة الترجمة وجعله إسماعيل باشا في المعية السنية وولاه مناصب أخرى وكان آخر ما عهد إليه قضاء القاهرة فلزمه إلى وفاته.وكان صالح بك يحسن الإنشاء وفنون الكتابة وقد نشر مقالات عديدة اجتماعية وسياسية وأدبية في جرائد مصر كروضة المدارس والوقائع المصرية.واشتغل بتأليف مطول لتاريخ مصر مع علي باشا المبارك وله ديوان شعر واسع طبع في بولاق سنة 1312ه. ومن شعر السيد صالح بك مجدي قوله سنة 1289 يهنئ جناب الخديوي إسماعيل باشا عند رجوعه من الآستانة:

مع النصر وافى من عليهِ المعوَّلُ

ومن هو في أيّامهِ الغرّ أوَّلُ

ومن هو للأوطان والملك والملا

ملاذٌ وحصنٌ لا يُرامُ وموئلُ

ومن تملأُ الدنيا مهابتُهُ التي

بها الأسدُ في آجامها تتجدْلُ

ومن فاض من يمناهُ ماءُ سماحةٍ

فأحيا بلاداً أهلها قد تموَّلوا

ومن شاد أركان المعالي بهمَّةٍ

يقّصرُ من إدراكها متطوّلُ

وقد جاءت البشرى بذاك فزُينت

لُمقْدمةِ مصرٌ وفازَ المؤّملُ

وأثنتْ على دار الخلافة عند ما

رأتهُ بها يعلو وشانيهِ يسفلُ

فِعش ما تشا في دولةٍ أنت رّبها

ومجدك فيها من قديم مؤَثَّلُ

وقد قلتُ في يوم القدومِ مؤرخاً

إلى مصر إسماعيلُ بالبشر مقبلُ

وقال من قصيدة يهنئه بها في أول العام:

بالبشر في مصرَ لاحت غرَّةُ العامِ

تزهو بنور مليكٍ للحمى حامي

تزهو بنور مليك غيثُ راحتهِ

في الكون طول المدى بين الورى هامي

هو الخديوُ الذي أوطانهُ نشرت

للفضل في عصرهِ مطويَّ أعلامِ

وللتمدُن مدَّت باعها وإلى

أوج العلا سارعَتْ من غير أحجامِ

فيا لهُ من حكيم بالعلاج محا

ما كان في جسمها من فرط أسقامِ

وله في حسين باشا ناظر المعارف والأوقاف والأشغال العمومية:

لجانبك العالي ثلاثُ مصالحٍ

نُظمتْ بمسطَتيْ عسجدٍ ولُجَينِ

وأضاءَ منك جبيُنها برئاسةٍ

أعماُلها منشورةُ العَلمَينِ

ونمتْ بها بركاتُ أوقافٍ روت

مصراً وقد فاضت على الحرمَينِ

وبحزمك الأشغالُ زاد نجاحها

ونجازُها في السهل والجبلَينِ

ولك المعارف غرَّدت أبناءها

بمدائح الأجداد والأبوَينِ

وبديعُ نظمِ كامل في كاملٍ

من مخلصٍ بالقلب والشفتيَنِ

من مُخلص لك في الثناء بدولةٍ

أضحيت فيها حائزَ الشرَفينِ

وختمها بهذا التاريخ:

والمجد في علياك قال مؤرخاً

زمنُ المعارف مُشْرقٌ بحُسَين

( 1289 ).

أبو السعود أفندي

ومن مشاهير أدباء مصر في ذلك الوقت أبو السعود أفندي عبد الله المصري ولد سنة 1244 ( 1828 ) في دهشور قرب الجيزة ودرس في المدرسة الكلية التي أنشأها محمد علي باشا في القاهرة فبرع بين أقرانه.ثم ندبته الحكومة إلى نظارة أعمالها فكان في وقت الفراغ يواصل دروسه ويعكف على التأليف شعراً ونثراً.وحرر مدة جريدة وادي النيل وكاتب أدباء زمانه.ونقل بعض كتب الفرنج إلى العربية.ومن تآليفه ( كتاب منحة أهل العصر بمنتقى تاريخ مصر ) نظم فيه مجمل حوادث تاريخ مصر للجبرتي ووضع تاريخاً لفرنسة ألحقه بتاريخ ولاة مصر من أول الإسلام دعاه بنظم اللآلي.وباشر بترجمة تاريخ عام مطول وسمه بالدرس التام في التاريخ العام طبع منه قسم سنة 1289.وكان أبو السعود شاعراً مجيداً له ديوان طبع في القاهرة أودعه كثيراً من فنون الشعر كالمديح والمراثي والفراقيات.ونبغ في المنظومات المولدة كالمواليا والموشحات.وله أرجوزة تظم فيها سيرة محمد علي باشا كثيرة الفوائد بينة المقاصد تبلغ عشرة آلاف بيت.وله غير ذلك مما تفنن فيه وسبق آل عصره توفي أبو السعود أفندي في ربيع الأول سنة 1295 ( 1878 ).وقد رثاه أحد شعراء وطنه بقصيدة قال في مطلعها:

خُلق الهبوطُ مع الصعودْ

ومع القيام بدا القعودْ

إلى أن قال:

ليس البكاء لغادةٍ

أبدتْ لمغرمها الصدودْ

لكنَّهُ لمَّا قضى

ربُّ القريضِ أبو السعودْ

من لم يُجبْهُ بدمعِه

فكأنما نقضَ العهودْ

فهو الحريُّ بأن تذو

ب عليهِ بالأسفِ الكبودْ

بحرٌ تدَّفق ماؤه

لكنَّه عذبُ الورودْ

بقريحةٍ سالت على

أرجائها سَيْلَ العهودْ

كم أنجبت نُخَباً لهُ

فكأنّها الأمُّ الوَلودْ

أبداً توقَّدُ بالذكا

ءِ فليس يعروها خمودْ

نشبت مخالبها المنَّي

ةُ فيه وهو من الأسودْ

لا غروَ إن صعدَ السما

بين الملائكة السجودْ

فبناتُ نعشٍ قد حمل

ن سريرهُ لَمن الشهودْ

الحاج حسين بيهم

وفي آخر هذه الجبقة في صفر من سنة 1298 ( 23 ك2 1881 ) فقدت الآداب أحد أركانها في بيروت وهو الحاج حسين ابن السيد عمر بيهم كان والده عمر من أعيان المدينة وأدبائها رثاه الشيخ ناصيف اليازجي سنة وفاته 1276 ( 1859 ) بقصيدة مطلعها:

زُر تربةً في الحمى يا أبها المطرُ

وقُلْ عليكَ سلامُ اللهِ يا عُمَرُ

ومنها:

في شخصهِ الدين والدنيا قد اجتمعا

وذاك يندرُ أن تحظى بهِ البشرُ

ولد حسين ابنه سنة 1249 ( 1833 ) ونشأ حريصاً على تحصيل مسائل العلم وفنون الأدب فأخذ عن علماء ملته كالشيخ محمد الحوت والشيخ عبد الله خالد.وبعد أن تعاطى التجارة زمناً يسيراً انقطع إلى العلم ونال به شهرة ثم نظم الشعر فصارت له به ملكة راسخة بحيث كان يقوله ارتجالاً في المحافل ويخرجه على صور مبتكرة تطرب له الأسماع.وقد ولته الحكومة عدة مناصب كنظارة الخارجية ورئاسة الأحكام العدلية ثم أعيدت إليه الخارجية فقال في ذلك:

إنَّ الفؤَاد لهُ في الملك معرفةٌ

فالخارجيَّةُ لم تترك نظارتَهُ

لذاك سلطانُنا المنصور ردَّ لهُ

مع حسن أنظارهِ أَرّخْ بضاعَتَهُ

ولما وضع القانون الأساسي وفتح للمرة الأولى مجلس النواب انتخبه مواطنوه ليمثلهم فيه فحضر في الآستانة جلساته ثم عاد إلى وطنه واعتزل المأموريات وانقطع إلى الآداب.وكان حاضر الجواب ثاقب الرأي كريم الأخلاق على الهمة محبوباً عند الجميع.وكان أحد أعضاء جمعية العلوم السورية المنشأة في بيروت فلمّا توفي رئيسها الأول الأمير محمد أرسلان عهدوا إليه رئاستها.وكان للحاج حسين نظم رشيق مطبوع قد بقي منه القليل ومن آثاره رواية أدبية وطنية مثلت مراراً وقرظها الأدباء.ومن شعره قوله في تاريخ جلوس السلطان عبد العزيز سنة 1277:

خلافة الإسلام قد أصبحت

تزهو افتخاراً بالمليك العزيزْ

وملة الأيمان أرَّختُها

طابت بشاهنشاهَ عبد العزيزْ

وقال مؤرخاً إنشاء التلغراف في بيروت:

لله درُّ السِلكِ قد أدهشت

عقولنا لمَّا على الجوّ ساقْ

فأعجبَ الكون بتاريخهِ

شبيهُ برقٍ أو شبيه البُراقْ

( 1277 )وقال مشطراً:

إذا العنايةُ لاحظتك عيونُها

وحَباكها من فضلهِ الرحمانُ

ناداك طائرُ يمنك وسعودها

ثم فالمخاوف كلُّهنَّ أمانُ

واصطَدْ بها العنقاءَ فهي حبالةٌ

واملك بها الغبراءَ فهي سنانُ

واصعد بها العلياء فهي معارجٌ

واقتَدْ بها الجوزاءَ فهي عنانُ

ومن جيد شعرهِ قولهُ يعزي صديقاً بفقد ماله:

لقد غمَّنا والله والصحبَ كلَّهم

مصابٌ دهاكم بالقضا حكم قادرِ

كانَّ شراراً منهُ طار لأرضنا

فاحرق أحشاء الورى بالتطاُيرِ

ولكنَّنا قلنا مقالةَ عاقلٍ

يسلم الباري بكل المظاهرِ

إذا سَلِمتْ هامُ الرجالِ من الردى

فما المالُ إلا مثل قصِ الأظافرِ

فكن مثل ظن الناس فيك مقابلاً

لذا الخطب بالصبر الجميل المصادرِ

ولا تأسفَنْ إذا ضاع مالٌ ومقتنىً

فرُّبكَ يا ذا الحرم أعظمُ جابرِ

وإنَّ حياة المرء رأسٌ لما له

سلامتهُ تعلو جميع الخسائرِ

وقد نظم أرجوزة حسنة في العلم وشرفه نشرت في أعمال الجمعية العلمية السورية لسنتها الأولى ( ص16 - 26 ). ومما رثي به الحاج حسين أفندي بيهم قول أبي الحسن الكستي:

فراقُكَ صعبٌ يا حسينُ احتمالُهُ

وبعدك رَكبُ الأنس شالت رحالهُ

رحلتَ إلى دار البقاء مكرَّماً

ومثلك مولى للنعيم مالهُ

ولكن تركت القوم تبكي عيونهم

عليك بدمعٍ كالسيول انهمالُهُ

وليس لنا من بعد فقدك حليةٌ

سوى الحزن أو صبرٍ يعزُّ منالهُ

حويت خصالاً جل في الناس قدرُها

وما كلُّ إنسانٍ تجلُّ خصالهُ

عفافٌ ومعروفٌ وعلمٌ ورقَّةٌ

وفضلٌ ومجدٌ قلَّ فينا مثالهُ

محمد أكنسوس

وممن رزئت به الآداب في هذا الوقت في بلاد المغرب الأديب الشاعر أبو عبد الله محمد بن أحمد اكنسوس المراكشي توفي في بلده مراكش سنة 1294 ( 1877 ) وقد عرف المذكور بسعة معارفه لا سيما التاريخية والأدبية.وله التاريخ المسمى كتاب الجيش وقصائد عديدة في مشاهير بلاده من ذلك قوله يرثي سلطان مراكش المولى عبد الرحمن المتوفى سنة 1276 ( 1859 ):

هذي الحياةُ شبيهةُ الأحلامِ

ما الناسُ أن حقَّقتَ غيرُ نيامِ

ومنها:

لو كان ينجو من رداها مالكٌ

في كثرةِ الأنصار والخدَّامِ

لنا أمير المؤمنين ومن غدا

أعلى ملوك الأرض نجل هشام

خير السلاطين الذين تقدَّموا

في الغرب أو في الشرق أو في الشامِ

يا مالكاً كانت لنا أيامهُ

ظلاً ظليلاً دائمَ الإنعامِ

لا ضَير انك قد رحلت ميمّماً

دار الهناء وجنَّة الإكرامِ

فلك الرضا فأنعم بما أعطيتَهُ

ولك الهناءُ بنيل كل مرامِ

وقال يصف خروج السلطان المولى حسن على أعداء دولته سنة 1293 ( 1876 ):

عصفتَ عليهمِ بالبأسِ تُزْجي

كتائبَ كالسحابِ إذا تلوحُ

فألقيتَ الجرانَ على ذراهم

بجيشٍ كلُّهم بطلٌ مُشيحُ

فجاء العفو منك وهم ثلاثٌ

أسيرٌ أو كسيرٌ أو ذبيحُ

وقد قُسمتْ بلادهُم بعدلٍ

ودورهمُ كما قُسمَ الوطيحُ

فلا تحلمْ فإنَّ الجرح يُكوى

طرياً بالمحاور أو يقيحُ

أبا زيدٍ إذا تبقي عليهم

بصفحٍ رُبما ندم الصّفوحُ

وله يصف بستاناً للوزير أبي عبد الله محمد بمن إدريس:

يا منزلاً قد خصَّصَتْهُ سعادةٌ

واستبدلَتْهُ أنعُماً من أَبْؤسِ

أصبحتَ مأوَى للوزير محمَّد

نجل الأَدارسةِ الكرام المغرسِ

إنسانُ عين كون من لَبست بِه

رُتبُ العلى أبهى وأبهج ملبسِ

يا أيها البحر الذي من فيضهِ

كلّ الأماني والغنى للمفلسِ

يهنيك ذا القصرُ الذي أنشأتهُ

بالسعد في عام انشراح الأنفسِ

لا زلتُ تشرف من مطالع سعدهِ

كالبدر يظهر من خلال الحندسِ

والدهرُ يخدم جانبيك ويحتمي

بجلالك العالي الأعزّ الأقدس

وكان محمد اكنسوس يأسف على ما يرى في وطنه من الخمول فقال في ذلك قبل وفاته:

ولستُ أُبالي أن يقال محمدٌ

أبلّ أم اكتظّ َت عليه المآتمُ

ولكنَّ ديناً قدر أردتُ صلاحهُ

أحاذرُ أن تقضي عليه العمامُ

وللناس آمالُ يُرُجوُن نَيْلها

وإن متُّ ماتَتْ واضمحلّت عزائمُ

فيا ربي إن قدَّرتَ رجعي قريبةً

إلى عالم الأرواح وانقضَّ خاتمُ

فبارك على الإسلام وارزقهُ مرشداً

رشيداً يضيءُ النهجَ والليلُ قاتمُ

هذا ما أمكنا جمعه من تراجم أدباء المسلمين في هذا العشر وهو بر من عد ولا نشك أنه اشتهر في بلاد الإسلام غير هؤلاء ألا أن تواريخهم لم تطبع حتى الآن أو تجد منها نتفاً قليلة متفرقة لا ينتفع من مضامينها إلا من وصلت يده إلى تلك المنشورات وسمح له الزمان بمراجعتها وقليل ما هم. وممن أطلعنا على ذكر بعض آثارهم دون معرفة ترجمة حياتهم الشيخ العالم حمزة أفندي فتح الله الذي حرر مدة في الإسكندرية جريدة الكوكب الشرقي ثم انتقل إلى تونس ففوضته حكومتها أن يحرر جريدتها الرسمية المدعوة بالرائد التونسي مع منشئها منصور أفندي كرلتي.فاشتغل بذلك مدة منذ السنة 1293 ( 1876م ) وكان ذا باع في الإنشاء وله نظم حسن فمن ذلك قوله يمدح الوزير الكبير خير الدين باشا بقصيدة مطلعها:

آلاؤكَ الغرُّ أو إناؤك الغُررُ

زها بها في الزمان الجيدُ والطُّرُرُ

ومنها:

الله ملجأنا إذ ليس يفجأنا

شرُّ الخطوب وخيرُ الدين لي وَزَرُ

خَيْرٌ له همةٌ أعلى وأرفع من

هامِ الثريَّا ومجدُ ليس ينحصرُ

وسيرة سرَّت الدنيا بشائرُها

وضمَّخ الكونَ عَرفاً مسكها الذَّفِرُ

لا زال كهفاً لمن يأوي بساحتهِ

في ظلّهِ تسعد الآمال والوطرُ

وكبةً وزراء الفضل أنجمُها

تزهو بهِ وهو فيما بينهم قمرُ

وكان خير الدين المذكور وزيراً لباي تونس فاشتهر بحسن سياسته وتدبيره للأمور.وكان كاتباً بارعاً ألّف كتاباً دعاه أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك طبعه في حاضرة تونس سنة 1285.وهو أجود كتاب وضعه أحد الشرقيين في وصف الممالك الأوربية وتعريف أحوالها المدنية مع لمحة من تواريخها. وعرف بذلك الوقت في المغرب وبلاد تونس من الأدباء الوزير أبو العباس أحمد ابن أبي ضياف والشيوخ أبو عبد الله محمد الباجي وأحمد كريم الحنفي وأبو النجاة سالم أبو حاجب وأبو عبد الله محمد العربي زورق ومحمد الصادق ثابت وأبو راشد يونس العروسي ومصطفى رضوان ومحمد بن الحسن التطواني وقد قرأنا لكلهم فصولاً في الأدب إلا أن أخبارهم منقطعة عنّا. وممن لم نقف على أخبارهم ونالوا بعض الشهرة في الأدب في الطور الذي نحن بصدده السيد عبد الرحمان النحّاس نقيب الأشراف في بيروت نشر ديوان خطب إسلامية مسجعة قرظها الشعراء ومما قال فيها الشيخ إبراهيم الأحدب:

أنشا لنا الخطب التي ألفاظُها

قد أعربت في السمع لَحْن مثاني

فِقَرٌ غدت حُلي المسامع مثلما

أغنت فقير الفضل بالإحسانِ

أذِنت لآلئُ لفظها بولوجها

في مسمع الآذان قبل أذانِ

وللسيد عبد الرحمان قصائد متفرقة منها قوله يمدح الشاعر مصباح البربير:

لقد ضاءَ مصباحُ مشكاةِ عصرهِ

وفاق بحسن الذكر نشرَ الشمائلِ

فتىً من بني البربير حازَ براعةً

وكان بنظم الشعر أول قائلِ

به طاب أهل المجد فرعاً وقد سما

مقاماً على هام البدور الكواملِ

لقد صاغ من نسج القريض نظامهُ

وجاء بديوان غريب المناهلِ

وكان حديث السنّ لكنَّ قدرهُ

كبيرٌ بأنواع العلى والفضائلِ

وأصاب في طرابلس بعض الشهرة الشيخ محمد الموقت كان يتعاطى الشعر وله مراسلات شعرية مع الشيخ ناصيف اليازجي منها قصيدة في مدحه يقول فيها:

لله هاتيك الصفاتُ فإنها

جمعت ثناء مشارقِ ومغاربِ

أتظنُّ كل مهنَّد في غمدهِ

ماضٍ وكلَّ غضنفرِ بمحاربِ

لا يخدعنَّك بالمُحال فإنهُ

ما كلُّ من سلّ الحسامَ بضاربِ

هذا هو الروض الذي أزهاره

عطَّرنَ كل تَنوفَة وسباسبِ

هذا هو الماء الزلال وغيرُهُ

ملحٌ أُجاجٌ ما يلذُّ لشاربِ

هذا هو الفخر الذي شرُفت بهِ

أبناء دوحتِه لبُعْد تناسبِ

وكان في مصر طرابلسي آخر يدعى حسن أفندي الطرابلسي كاتب أيضاً الشيخ ناصيف فمدح الشيخ آدابه وشعره فقال:

يا أيُها الحسَنُ الميمونُ طالعُهُ

أحسنت حتى ملأت السَّمَعَ والبصرا

ما زلتَ تجلو علينا كلّ قافيةٍ

قد شبَّبت بمعاني حسنها الشُّعرا

يهزُّك الشعرُ إنشاداً فنحن بِه

نغوصُ في البحر حتى نجتني الدُّررا

وكذلك كتب في جرائد مصر الشيخ خليل العزازي ونظم القصائد فمدحه محرر الجوانب بقوله:

ألم ترَ كيف يزخرُ بالقوافي

فيُسكر من سلافتها العقولا

فتروي كلَّ من أمسى غليلاً

وتشفي كلَّ من أضحى عليلا

وقام في العراق أحمد عزت الفاروقي ابن أخي الشاعر عبد الباقي الذي مرّ لنا ذكره سابقاً.وله آثار شعرية لم تجمع حتى الآن.مدحه منشئ الجوانب غير مرّة لوفرة آدابه.وأخباره مجهولة لدينا. ^

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي