تاريخ الآداب العربية (لويس شيخو)/نظر عام في الآداب العربية بعد الحرب الكونية

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

نظر عام في الآداب العربية بعد الحرب الكونية

نظر عام في الآداب العربية بعد الحرب الكونية - تاريخ الآداب العربية (لويس شيخو)

كان وداعنا للحقبة الثانية من الربع الأول من القرن العشرين وداعاً مبلولاً بدموع الحزن والكآبة بعد أن افتتحناها بالسرور والبهجة.كيف لا وقد حلت تلك الأيام الداهية الدهياء أي الحرب الكونية التي كانت أشبه بصاعقةٍ هائلة دوت في جو صافٍ لا يحسب حسابها منتظر.على أن الصواعق إذا أرعدت وأرعبت وتفجرت لا تلبث أن تهدأ زمجرتها ويسكت هزيم رعدها وتنكشف سحب سمائها المتلبدة.وهكذا كان أمل الشعوب يتكهنون بقصر مدة الحرب مع ما لدى الدول من الأسلحة الحديثة التي من شأنها أن تجلب دماراً واسعاً بأسرع وقت.وما أخيب ذاك الأمل فطالت الحرب ونشرت الهلاك في معظم أصقاع المعمور ولم ينج من أضرارها ذات البلاد التي لم تخض عبابها فأصيبت برجع صداها المؤلمةوما عسى أن يكون مع أهوال الحرب سهم الآداب.وهل يسمع صرير الأقلام عند صلصلة السيوف أو يصغي إلى صوت البلغاء مع دوي المدافع حين يكون ( السيف أصدق أنباءً من الكتب )فإن كانت الحرب أصابت ببلاياها أنحاء المعمور فهل كان من أمل أن تنجو من تيارها الآداب عموماً والآداب العربية خصوصاً وهي مع سعتها لم تبلغ مبلغ الآداب الأوربية التي بكت على ألوف من نوابغ علمائها وأصيبت أيضاً بمصاب أليموقد تراكمت ويلات الحرب على البلاد الناطقة بالضاد لا سيما تحت حكم الدولة العثمانية من جزيرة العرب إلى حدود القفقاز ومن بحر الشام إلى العجم.فأقفلت معظم المطابع وأوقفت المجلات وألغيت الجرائد إلا ما ندر منها وكان أصحابها مستعبدين لتركيا.وقتل أو نفي كثيرون من الأدباءعلى أن هذه الحالة الحرجة لم تقتل الآداب العربية تماماً وقد ذكرت مجلة المشرق ( 18 ( 1920 ): 481 - 486 ) مطبوعات قليلة صدرت في أيام الحرب أخصها كتاب لبنان الذي عنينا بنشره مع بعض أهل العلم الاختصاصيين ( المشرق 18: 73 - 74 ).ونشر في دمشق جناب السيد كرد علي في مجلة المقتبس آثاراً عربية قديمة وكذلك الشيخ عبد القادر بدران نشر جزأين من تاريخ دمشق لأبن عساكرأما مصر فلم تخمد فيها الحركة الفكرية في تلك السنين الصعبة فاستفادت الآداب العربية مما نشر فيها من التآليف الجليلة القديمة كصبح الأعشى للقلقشندي في عدة أجزاء والخصائص لابن جني وديوان ابن الدمينة والمكافأة لابن الداية والاعتصام للشاطبي وكتاب الأصنام لابن الكلبي.ولدار الكتب الخديوية في هذه المطبوعات فضل كبير.ونشر أدباء الأقباط خطباً وميامر بيعية لأبن العسال ولأبن البركات ابن كبرومن التآليف المستحدثة المنشورة في ذلك الوقت تاريخ سينا القديم والحديث لنعوم بك شقير وديوان حليم حلمي المصري وكتاب سياحتي إلى الحجاز وتاريخ الآداب العربية لأحد أخوة المدارس المسيحية وكتب أخرى وقفنا عليها فوصفناها في مقالتنا ( الآداب العربية منذ نشوب الحرب العمومية ) وذكرنا أيضاً هناك بعض المطبوعات الشرقية التي تولى نشرها المستشرقون ( راجع المشرق 18 ( 1920 ): 487 - 494 )وفي خريف السنة 1918 انقشعت عن ساحات الحرب تلك الظلمات بانتصار الدول المتحالفة فأتى وقت الإصلاح وليس الإصلاح كالخراب فأنه لا يتم إلا بزمن طويل ونفقات باهظة ورجال ذوي همة قسعاءعلى أن دولتي فرنسة وإنكلترا فوض إليهما الانتداب على البلاد العربية لم تضنَّا بأموالهما وتنشيطهما على الاهلين ليسدُّوا تلك الثلمة الواسعة ويردُّوا للبلاد شرفها السابق.وكان كثيرون من الناشئة قد صدئت أقلامهم وفشلت قواهم لكسود سوق الآداب فنهضوا بهمَّة جديدة لخدمة مواطنيهم فمنهم من تولى التدريس في المدارس العمومية ومنهم من فتح المطابع الجديدة وأنشأ المجلات والجرائد حتى بلغت بعد حين عدداً لم تبلغه في الأزمنة السابقة للحرب ويا ليتها كلُّها كانت صادقة الخدمة معتدلة اللهجة متقنة للكتابةوكان أول من استأنف العمل لخدمة العلوم والآداب أصحاب المطبعة الكاثوليكية التي كان الأتراك مع محالفيهم الألمان ضربوها ضربة كادت تكون قاضية عليها فنقلت أدواتها إلى دمشق ولبنان ونهبت حروفها ونقوشها وورقها وكتبها بل نزعت حجارة أرضها فقضي على أصحابها أن يصرفوا أشهراً طويلة ومبالغ وافرة ليتداركوا ذاك الخلل ويعودوا إلى نشر مطبوعاتهم المشهود لها بألسن الوطنيين والأجانبفهذه ثماني سنوات منذ منَّ الله بالفرج على عباده وأنقذنا من تلك النكبة الهائلة التي حوَّلت الأرض إلى منقعٍ من الدم.فيحسن بنا أن نسرح النظر في أحوال آدابنا العربية لنرى ما أفضت إليه أمورها من ترق مرغوب أو تقهقر مرهوب لا سيما في الشرق الأدنى محور الشعوب الناطقة بالضادوما لا ينكر أن هذه البلاد قد حصلت في هذه الحقبة الثالثة على حرية لم تعهدها سابقاً في زمن الأتراك فان الدولة الإفرنسية والإنكليزية أطلقتا الحرية التامة للطباعة ولم تذخرا وسعاً في تنشيط الآداب والعلوم لم تستثنيا من ذلك سوى بعض الكتابات السياسية المتطرفة دفعاً لأضرارها.ولو لم تحصل عاصمتنا بيروت من فضل فرنسة على غير مكتبتها العمومية وهي أول مكتبة من جنسها لوجب علينا شكرهافماذا نتج لخدمة الآداب العربية من الفوائد بعد الحصول على هذه الحرية مع كثرة الكتبة المتخرجين في المدارس ؟ فأين الجمعيات الأدبية الراقية ؟ وأين الشركات المؤلفة لتنشيط الآداب ولطبع التآليف الممتازة ولمجازاة أصحابها ؟ وأين المصنفات التي تباري المصنفات الأوربية صورةً ومعنىً لنرجع إليها في العلوم العصريَّة فتغنينا عن الالتجاء إلى اللغات الأجنبية ؟وكم نرى في المنشورات فصولاً تندد بالأجانب ويتبجح أصحابها بالرقي الشرقي ونحن مدينون إلى الأجانب في سائر أمورنا من مشاريع عمومية وخصوصية وأهلية كلها يعود إنشاؤها إلى همتهم.وإن قصرنا النظر على لغتنا فإننا لا نرى فيها من الترقي ما كان من المزاولين لها المجتهدين في تعزيزهاوكان معظم ما يصرفه الكتبة من القوى في ذلك يبرز في المجلات والجرائد.فأما الجرائد فلتسرع الكتبة في إنشائها قلَّما تصلح لأن تتخذ مثالاً وقدوة للغة بليغة رافية اللهم إلا القليل الزهيد منها وذلك في بعض فصولها المحرَّرة بعد نضج الفكر واختمار الذهنوأما المجلات فكثيراً ما تأخذ موادها عن المنشورات الأوربية فيشتم منها رائحة الغرابة ويستشف من وراء كتاباتها لوائح أصلها الأجنبي ما خلا البعض منها التي لا تتجاوز عدد الأناملأما المطبوعات المنفردة فإنَّ التسعين في المائة منها روايات يغلب عليها الغرام معربة عن الروايات الأوربية القليلة الجدوى الشائنة للآداب.وقد راقنا منها بعض روايات أخلاقية وصف فيها أصحابها العادات المألوفة بين العامة لا سيما في مصرأما الكتب الأدبية فكان للدين منها قسمه الصالح فأبرز المرسلون والرهبان الوطنيون والكهنة العاليون تآليف حسنة منها لاهوتية وفلسفية ومنها روحية وزهدية ومنها تراجم أبرار وصالحين وقد وصفنا في كل أعداد المشرق منذ السنة 1920 هذه المطبوعات وبينَّا فضلها. ومما نشر أيضاً كتب تهذيبية ومدرسية وإنشائية وشعريَّة لإفادة الأحداث في المدارس الوطنية ومطالعة الجمهور.والخلل في كثير منها ظاهرونشرت أيضاً عدة كتب تاريخية واجتماعية وسياحات ليس بينها إلا النزر القليل مما لم ينقل عن التواريخ الأجنبية كتواريخ الحرب الكونية وتواريخ بعض البلدان وكبار الرجالوقد ظهرت في مصر بعض الآثار المطمورة في زوايا النسيان كتاريخ النويري ( نهاية الأرب في فنون الأدب ) وكتاب ( التاج للجاحظ ) و ( زهرة الآداب للحصري ) المطبوع سابقاً على هامش العقد الفريد و ( مسالك الأبصار في ممالك الأمصار لأبن فضل الله العمري ) و ( ديوان مهيار الديلمي )ولم يحد المستشرقون عن فضلهم السابق في نشر الآثار الشرقية وإتقانهم لطبعها وتزيينها بكل المعلومات المفيدة والفهارس الواسعة.فممَّا صدر منها في مطبعتنا الكاثوليكية نقائض الأخطل وجرير وشرح ديوان المفضَّليات للضبي وديواني عمرو بن كلثوم والحارث بن الحلزة وكتاب المأثور لأبي العميثلوظهرت في جهات أوربة من آثار أبحاثهم كتاب الوزراء والكتاب للجهشياري وكتاب صورة الأرض لأبي جعفر محمد بن موسى وديوان أبي ذؤيب.وشرح ديواني علقمة الفحل وعروة ابن الورد للشنتمري وأقسام جديدة من النجوم الزاهرة في أخبار مصر والقاهرة لأبن تغري بردي ومن معجم الأدباء لياقوت وغير ذلك ممَّا يجعل للأوربيين قصبة السباق في نشر الآثار العربيةوممَّا امتازت به هذه الحقبة الأخيرة سعي بعض الكتبة إلى انتقاد المطبوعات النثرية والشعرية كمحمد عباس العقاد وكزكي مبارك وزكي أبي شادي وحسن صالح الجدَّاوي والأب انستاس الكرملي وقسطاكي حمصي. . .وإنما نود أن يكون هذا الانتقاد برواقٍ وهدو إظهاراً للحق لا تشفيا من خصم أو تحقيراً لأديبومن خصائص هذه الحقبة أيضاً اتساع فن الكتابة بين الأوانس وربات الخدور فمنهن من يتصدر للخطابة ويلقين المحاضرات أو من ينشئن المجلات وينشرن فصولاً في الجرائد والبعض منهن يتضمن القصائد اللطيفة الرائقة لا سيما في الأمور الخاصة بالنساء وتدبير البيوتفهذه الامتيازات جعلت لحقبتنا الحاضرة مقاماً حسناً إلا أنَّنا وجدنا أيضاً فيها ما يدعونا إلى الخوف من تقهقر لغتنا وانحطاطها فنلفت إليها حكماء قومناوأول آفة على لغتنا الإكثار من الدخيل لا سيما إذا لم يكس صورة يأنس بها اللسان العربي.نعم لا تخلو اللغة العربية من الألفاظ الدخيلة حتى القرآن العربي نطق بها وإنما كان العرب يقربونها إلى لغتهم ببعض التصرف في صورتها فيزول شيء من غرابتها وخشونتهاوكذلك التعابير الأجنبية زاد استعمالها لشيوع لغات الأجانب بيننا ولوفرة التعريبات عنهاوكما أثرت تلك اللغات في العربية الفصحى كذلك اللهجات العامية أخذت تسطو على اللغة البليغة فتمسخ صورتها البهية.ومن العجب أن بعض المتشدقين اخذوا ينشرون مقالات لترويج اللغات العامية لزعمهم أن تلك اللهجات أقرب إلى فهم الجمهور وأدعى إلى نشر العلوم العصرية وهو فكر غريب لا يخطر لأحد من العقلاء على بال وقد سبق لنا في ذلك مقال طويل بيَّنا فيه العواقب السيئة التي تحصل بذلك فتطمس جمال لغة أجدادنا وتبسط الفوضى بين الكتَّاب وتبث بين البلاد العربية روح النفور والاستبداد إذ لم يبق بيننا وبينها رابط يجمعنا لما في كل لهجة من الاختلاف والتباينوأخذ غيرهم يتصرفون أيضاً بالبحور الشعرية تصرفاً زائداً نزع عنها رونقها ومسحة جمالها وكادت تشبه النثر كما فعل أصحاب النثر الشعري فجاءت كتاباتهم لا نثراً ولا شعراً ليس لها من العربية إلا ألفاظها وقشرتها دون لبابها وجوهرها

الباب الأول

في الأدباء المتوفين في الحقبة الثالثة

1 - أدباء الإسلام المتوفون في هذه الحقبة

لما أخذت تلوح بوارق الصلح بين الدول المتحاربة سنة 1918 رحل إلى دار البقاء أحد أدباء مصر ( الشيخ عبد الكريم سلمان ) درس في الأزهر مع الشيخ الإمام محمد عبده فتعاشرا وتصادقا.ولما قام الأستاذ بنهضته لإصلاح أمور الإسلام كان الشيخ عبد الكريم عضده ونصيره فشاركه في تحرير الوقائع المصريَّة وفي إصلاح التعليم في الجامع الأزهر وقد نشر خلاصة أعمال مجلس إدارته في عشر سنين فكان لكتابه تأثير عظيم في كثير من مواطنيه لكنه أوغر عليه قلوب غيرهم.فأيس من الإصلاح.ومن ظريف ما أخبره منشئ المنار الإسلامي ( 20: 440 ) من نفسه ما رآه من يأس الشيخ سلمان من صلاح حال أمته فروى ما ننقله بحرفه الواحد:( كان يصرح بذلك ويحتج علي الأستاذ الإمام قائلاً: سترى ما ينتهي إليه أملكما في هذه الأمة الميتة وما يبلغه إصلاحكما من هذه الشعوب الفاسدة.وله كلمة في هذا المعنى قالها لأستاذنا الشيخ حسين الجسر ألبسها كعادته ثوب الدعابة والهزل.وقد كنا بدار الأستاذ الإمام نتحدث بما أشيع من رغبة الأمة اليابانية في التدين بدين الإسلام.قال الشيخ حسين الجسر: إذا يرجى أن يعود إلى الإسلام مجده.قال الفقيد: دعهم فإني أخشى إذا صاروا منا أن نفسدهم قبل أن يصلحونا.ذكرت هذا في ترجمة الرجل لما فيه من العبرة المحزنة ) فتأمل !وفي كانون الثاني من السنة 1919 توفيت في القاهرة إحدى أديبات مصر النابغات في الإسلام كعائشة تيمور نريد بها ( ملك هانم ) كريمة حفني بك ناصف التي اشتهرت بلقب باحثة البادية وسعت بإصلاح أحوال بنات جنسها في القطر المصري توفيت في شرخ شبابها.عني أبوها بتربيتها وتخرجت بأرقي مدارس البنات الأميرية فنالت شهاداتها المختلفة.ثم انتدبت إلى تعليم الفتيات فامتازت به ثم حاولت الكتابة والتأليف فبرعت بهما.ولما زوجها والدها من أحد شيوخ العرب المقيم بجوار الفيوم عبد الستار بك الباسل جمعت بين حضارة المدن والبادية فكان ذلك سبباً لتسميتها بباحثة البادية.وقد صنفت كتباً بحثت فيها عن كل الأحوال النسائية كتربية البنات وأوصاف المرأة والزواج والحجاب والسفور.ونظمت القصائد وتفننت في الكتابات الأدبية والاجتماعية.وقد جمعت كتابات ملك هانم في كتاب عنوانه النسائيات.وقد عرفت هذه السيدة باعتدالها في المسائل النسائية فكانت تذهب في ذلك مذهباً وسطاً بين القديم والحديث بناءً على قول المثل ( خير الأمور أوسطها ) وقد صنفت الآنسة الأديبة مي كتاباً في وصفها سبق لنا الكلام فيه ( المشرق 18 ( 1920 ): 716 )وبعد وفاة السيدة ( ملك هانم ) بسنة تبعها إلى الأبدية في 26 شباط 1920 والدها ( حفني بك ناصف ) في نحو الستين من عمره.كان تخرج في أشهر مدارس القاهرة كالأزهر ودار العلوم ودار الحقوق الخديوية ثم عهد إليه التدريس فيها وعين مدرساً في مدرسة الخرس والعميان فلبث فيها أربع سنوات وألقى دروساً في الجامعة المصرية جمعها في ( كتاب تاريخ اللغة العربية ).ومما ألفه لما حضر مؤتمر المستشرقين في أوربا كتابه في لهجات العرب الذي أصاب لديهم استحساناً.واشتغل بالقضاء وفي مركز مفتش المعارف.ونشر القرآن في المطبعة الأميرية ( بحسب قواعد الإملاء ) فمدحه لفعله كثيرون وقدح فيه آخرون.وكان حفني بك يحسن الكتابة نثراً أو شعراً ومما قاله قبل وفاته:

أَتَقْضي معي إن حانَ حيّني تجاربي

وما نلتُها إلا بطولِ عَنَاءِ

إذا وَرّثَ المثرون أبنائهم غِنىً

وجاهاً فما أشقى بني الحكماءِ

وفي نيسان 1920 توفى الدكتور ( محمّد توفيق صدقي ) المولود في السنة 1881.درس العلوم في القاهرة ونال شهادة الدكتورية بعلم الطب له في المسائل الطبية أبحاث حسنة منها مقالة في ماء النيل ومضارّه.ثم تخصص بالمسائل الأدبية والدينية والاجتماعية فكتب في الإصلاح الإسلامي ورد على الماديين وله تأليف سماه الدين في نظر العقل الصحيح.ودافع عن دينه الإسلامي في عدة تآليف وقد رددنا عليه في ما كتبه عن لاهوت السيد المسيحوفي السنة 1920 في 8 ك2 أسفنا على فقد أحد أصحابنا الشيخ الفاضل ( طاهر الجزائري ).كان مولده في دمشق سنة 1851 وأخذ عن أدباء الفيحاء العلوم الدينية واللغوية والأدبية فأولع بدرسها وكد ذهنه في إحراز أسرارها وسعى بنشر كنوزها وتعميم فوائدها.وإليه يعود الفضل في إنشاء مكتبة الملك الظاهر.كما انه لم يذخر وسعاً في تعزيز الآداب العربية في المدارس إذ أقيم ناظراً عليها.وقد تفرَّغ للتأليف فوضع كتباً عديدة تدلُّ على اجتهاده وسعة معارفه بعضها دينية كتوجيه النظر إلى أصول الأثر ومنية الأذكياء في قصص الأنبياء.وبعضها لغوية كالتقريب لأصول التعريب وإرشاد الألباء ومدخل الطلاب لفن الحساب.وغيرها علمية كالفوائد الجسام في معرفة خواص الأجسام ومد الراحة إلى أخذ المساحة.ونشر كتباً أخرى لقدماء الكتبة وحشَّاها كديوان ابن نباتة وروضة العقلاء.ومما نود أن لا يبقى منزوياً بين المخطوطات كتابه ( التذكرة الطاهريّة ) بحث فيه عن نوادر المخطوطات ووصفها وعرف محل وجودها.وكان الشيخ طاهر أحد الأدباء القليلين الذين فضّلوا في الإسلام عيشة العزوبة ليتفرغوا لدرس العلوم.وقد أحيا بين قومه التاريخ وعني بفنون الكتابة.راجع في المشرق ( 18 ( 1925 ): 144 - 148 ) ترجمته لكاتبنا المدقق الأستاذ عيسى أفندي إسكندر المعلوف.ونشر سيرته أيضاً في دمشق الشيخ محمد سعيد الباني فدعاها ( تنوير البصائر بسيرة الشيخ طاهر )وفي 25 من الشهر والسنة السابقين 1920 توفي في طرابلس الصحافي ( محمد كامل البحري ) صاحب جريدة طرابلس ومؤلف أخبار سياحة باشرها إلى بعلبك وأنحاء الشام.ومثله توفى في 20 آب من السنة أديب آخر ( عبد القادر بك العظمي المؤيد ) له كتابات متفرقة في بعض الصحف والمجلاتومن أشعر شعراء هذا العصر الذي حلت به المنيَّة في هذه الحقبة سنة 1920 ( محمد إمام العبد ) أصله من أسرة عبيد لكنه توصل بسعيه إلى أن أحرز الأدب ونبغ في الشعر.وله شعر رقيق جمع في ديوان لم ينشر بالطبع وإنما ظهر منه عدة قصائد رنّانةَ في كتب الأدباء.ومن لطيف قوله يندب حظه:

نسَبوني إلى العبيد مجازاً

بعد فضلي واستشهدوا بسوادي

ضاع قدري فقمتُ أندبُ حظّي

فسوادي عليَّ ثوب حِدادِ

ومن أقواله الحماسية:

ولمَّا التقينا والأسنة شُرَّعٌ

ونادى المنادي لا نجاةَ من الحتفِ

عطفتُ على سيفِ المنيّةِ فانجلَتْ

صفوفٌ وكان الصفُّ أُلْصِقَ بالصفِّ

فرُحْتُ وفي وجهي وجوهٌ عبوسةٌ

وعدتٌ وأَشْلاءُ الفوارس من خلفي

فلم أرَ قلباً غير قلبي بجانبي

ولم أرَ سيفاً غير سيفيَ في كفّي

وقسّمَ سيفي القومَ قسمة عادلٍ

فأرضى الثرى بالنِصف والطيرَ بالنصفِ

وفي السنة 1931 في 24 شباط اخترمت المنون أديباً آخر أدى للآداب العربية في مصر خدماً مشكوراً نعني به ( محمد بك تيمور ) نجل احمد باشا تيمور توفاه الله في العقد الثالث من عمره.شغف منذ صباه بالآداب العربية فبرع فيها حتى انه نظم الشعر في الثانية عشر من عمره وكتب في الجرائد ثم سئم الشغل بالسياسة ونفر من المنازعات بين الأحزاب ورأى ما عليه وطنه من التأخر في فن التمثيل.فقصد البلاد الأوربية ودرس الحقوق في باريس وهو يلحظ مسارحها الكبرى حتى أتقن أصول ذلك الفن وتخصص بترقيته في بلاده.فألف لذلك جوقاً مختاراً امتاز بمهارة التمثيل تحت إدارته.وان هو يؤلف له الروايات الأدبية ويجهز له كل لوازم التمثيل وربما وقف هو بين الممثلين فكان موضوع إعجاب الحضور من أعيان مصر.وكان يختار الروايات التي تمثل فيها حوادث الشرق وعاداته حتى عد فن التمثيل بمسعاه في مصر شبيهاً به في عواصم البلاد وهو في ذلك يطلب جمال الفن أكثر منه لأرباحه.وقد خلف تآليف عديدة في هذا الباب وفي غيرها أخصها كتابه وميض الروح جمع فيه ديوانه ومقالاته الأدبية وقصصه ومذكراته.ثم كتابه حياتنا التمثيلية خصه بفن التمثيل وتاريخه وفنونه وآدابه ثم كتاب المسرح المصري.دونك بعض أبيات من نظمه عنوانها ( شاعر يتألم )

ليلةُ كلها عناءٌ وهمٌّ

وشقاءٌ والقلب منها تعذَّبْ

ذقتُ فيها المصابَ كأساً دِهاقاً

ضاع رشدي فيها ولم ألقَ مهرَب

ففؤادي من ناره يتلظَى

ودموعي من المَحاجر تُسكَبْ

قد دَعَوْني فتى القريض وحسبي

منه في القلب جمرةٌ تتلهّبْ

ما نظمتُ القريض أبغي نوالاً

من كبير ولا أحاول مكسبْ

بل أقول الأشعار كيما أُناجي

كلَّ حرٍ من بؤسهِ يتعذَّبْ

ذاك رأيي فيما أسمّيهِ شعراً

ولكل في الشعر رأيٌ ومذهبْ

ومات في أوائل تلك السنة رجل مصري آخر كان له موقع كبير في نفوس مواطنيه الكاتب الأديب ( دياب محمد بك ) ولد سنة 1853 درس في الأزهر ودرس فيه وفي دار العلوم وتعيَّن مفتّشاً في وزارة المعارف وتفرغ للكتابة فنشر تآليف مختلفة ككتاب دروس البلاغة والإنشاء وقلائد الذهب في فصيح لغة العرب وتاريخ أدب اللغة العربية ومعجم الألفاظ الحديثة وتاريخ العرب في إسبانية وعرَّب عن الفرنساوية كتاب تخطيط أوربة وغير ذلك ممَّا خدم به الأدب والوطنوفي تلك السنة 1921 تعدَّدت وفيات الأدباء فقضى أيضاً ( وليُّ الدين بك يكن ) نحبه فيها في 6 آذار.كان تركي الأصل من أسرة شريفة ولد في الآستانة سنة 1873 جاء صغيراً إلى مصر مع أهله فتوفى فيها والده وكفله عمه فتخرج في مدرسة الأنجال المشهورة فأتقن فيها العربية كما عرف التركية وعاد إلى الآستانة وكتب في جرائدها.وقد عرف بميله إلى الحرية فنفي إلى سيواس وبقي هناك إلى الإعلان بالدستور سنة 1908 فعاد إلى مصر وحظي لدى سلطانها حسين كامل فعيَّنه كاتباً في الديوان العالي في القصر السلطاني حتى مني بعلة أذاقته كأس المنون في مدينة حلوان.وله شعر منسجم مطبوع يتدفق رقة فمن قوله يحيي سيواس يوم نفي إليها:

رضيتُ سيواسَ داراً

وما بسيواسَ شرٌّ

جَنْوا عليها فأمستْ

قد أقفرَتْ فهي قفرُ

فلا بها الروض خصبٌ

ولا بها الزهرٌ نَضْرٌ

فليس لي ثَمَّ نظمٌ

وليس لي ثَمّ نثرٌ

وكم بمصرَ أديبٌ

يشدو فترقصُ مصرُ

لهفي على سانحاتٍ

كأنَّما هي سحرُ

يقولها قائلوها

فيعتري الناسَ سكرُ

وممَّا روي له في مختارات الزهور ( ص 77 ) قوله عن لسان فتاةٍ عمياء:

سادتي أنَّ في الوجود نفوساً

ظلمَتْها الأقدار ظلماً شديداً

هي تشقى من غير ذنبٍ جنَتْهُ

ولَكَم مذنبٍ يعيشُ سعيدا

رَحِمَ الله أعيناً لم تُشاهدْ

منذ كانت إلا لياليَ سُودا

تتمنَّى لو فُتّحَتْ فتملّت

من جمالِ الوجودِ هذا الشهودا

تتناجى حمائمُ الروض صبحاً

لا تراها وتسمعُ التغريدا

ويكونُ الربيعُ منَّا قريباً

فنظنُّ الربيعَ منَّا بعيدا

حين ترنو إلى الورود عيونٌ

ليت شعري كم تستطيبٌ الورودا

سادتي إننا صبرنا امتثالاً

ما ضجرنا ولا شكونا الجدودا

فانظروا نظرة الكرام إلينا

وارحموا أدمعاً تخدُّ الخدودا

ولولي الدين يكن من التآليف ما ذاع صيته كالصحائف السود وهو عبارة عن مجموع مقالات اجتماعية بليغة الإنشاء طافحة بآرائه الحرَّة.وكتأليفه في أحوال تركية وسياستها دعاه المعلوم والمجهول.ونقل إلى العربية كتاب نيازي بك في الدستور العثماني المعنون بالتجاريب.وقد حرَّر كثيراً من المقالات في أكبر جرائد مصروفي ثاني يوم حزيران من السنة 1922 انطفأ نور حياة شاعر آخر ( عبد الحليم حلمي المصري ) ولد في دمنهور سنة 1887 ودرس في وطنه ثمَّ دخل في المدرسة الحربية وتوظف في ديوان الأوقاف في مصر.وكان مولعاً بنظم الشعر ونشر عدة قصائد دلت على جودة قريحته وحسن ذوقه جمعها في جزأين وطبعهما تحت عنوان ( ديوان المصري ) سنة 1910 وقد تحرَّى في شعره المواضيع العصريَّة وأدَّت إحدى قصائده إلى محاكمته وسجنه.ثم دخل بعد الانقلاب الدستوري في خدمة الملك.وهذا مثال من شعره قال يتشوق إلى الشام:

يحنُّ لمصرّ من سكَنَ الشاما

ونحن نودُّ لو كانت مقاما

منابتُ لا تجفُّ بها الخُزامى

ولا تشكو أزاهرُها الأُواما

وأرضُ تُنبت اليوم المعالي

وكانت تُنبت الرسلَ الكَراما

على ( لبنانَ ) زَهْريّ الهِضابِ

على ( الأردنّ ) خمريّ الخْبابِ

على ( القدس ) المفضَّل في الكتابِ

على تلك القصور على الغبابِ

سلامُ متَّيمٍ لولا الليالي

تُقَيّده لما بعثَ السلاما

وافتتح قصيدته في وطنه في مصر بقوله:

بلادي سقاكِ الدمعُ إن مُنعَ القَطْرُ

وما بَرحَت خضْراً ميامنُك الخُضْرُ

وقفنا عليكِ المال والعُمر والذي

يُحَبُّ عليه يوَقفُ الحالُ والعمرُ

وتبع المصري إلى القبر بعد أشهر من تلك السنة 1922 شاعر ثالث ليس دونهما سمعةً ورقياً ( إسماعيل صبري باشا ) ولد في مصر سنة 1861 وتقلب في مناصب الدولة المصرية كمنصب النائب العام ومحافظة الإسكندرية ووكالة نظارة الحقَّانيَّة.وقد اشتهر بشعره الرقيق اللفظ والفصيح الأسلوب وكان لا ينشده إلا بعد انتقاده وتمحيصه مراراً.وقد استحسنا له قوله في الاستغفار واعتقاد الخلود:

يا ربِّ أين تُرى تقامُ جهنَّمٌ

للظالمينَ غداً وللأشرارِ

لم يُبق عفوُكَ في السموات العُلى

والأرضِ شبراً خالياً للنارِ

يا ربِّ أهّلني لفضلك وأكفِني

شَطَطَ العقول وفِتنة الأفكارِ

ومُرِ الوجودَ يشقُّ عنك لكي أرى

غضَبَ اللطيفِ ورحمةَ الجَبّارِ

يا عالم الأسْرارِ حسبيَ محنةً

علمي بأنك عالمُ الأسرارِ

أخْلِقْ برحمتكَ التي تَسَعُ الوَرى

ألاّ تضيقَ بأعظم الأوزارِ

وما أحسن قوله في الوفاء والعفو:

إذا خانَني خِلٌ قديمٌ وعقَّني

وفوَّقتُ يوماً في مقاتِله سَهْمي

تعرَّض طيفُ الودِّ بيني وبينهُ

فكسَّر سهمي فانثنيتُ ولم أَرْمِ

ومثله حسناً في طيش الشباب وعجز المشيب:

لم يدرِ طَعْمَ العيش شُ

بّانٌ ولم يُدرِكهُ شِيبُ

جهلٌ يُضِلُ قوى الفتى

فتطيشُ والمَرْمى قريبُ

وقِوىً تخورُ إذا تشبثَ م

بالقوي الشيخُ الأريبُ

فيما يُقال كبا المغفَّل م

إذ يقال خبا اللبيبُ

أوّاهُ لو علم الشبا

بُ وآهِ لو قدر المشيبُ !

وخسر العراق في تلك السنة أيضاً في شهر أيلول 1922 رجلاً من علمائه المشهورين ( الشيخ علي باقر ) أحد علماء النجف الشيعيينوتقفى آثارهم إلى دار الخلود في العام التالي عالم الهند السيد ( أبو بكر باعلوي ) توفى في حيدر آباد في أواخر السنة 1923 كان من علماء بلاده اشتغل بالتعليم والكتابة.وتولى تصحيح مطبوعات وطنه حيدر آباد.له مصنفات عديدة في الفقه والأنساب والحساب والطبيعيات والأدب والمنطق.وديوان شعر.وقد اشتهر بمعاداة الشيعة وأنصارها وبالدفاع عن السنَّة وذويها فحصل له بذلك تعنت كثير.كان مولده سنة 1846وفي العام ذاته في 5 آب 1933 توفى ( احمد كمال باشا ) أحد أدباء مصر الذين تخصصوا مع علماء الفرنج البحث عن آثار قدماء المصريين فتعيَّن أوَّلاً كأمين مساعد في المتحف المصري فانكب على درس اللغة الهيروغليفية والآثار المصرية حتى تمكن من معرفة أسرارها وأخذ يلقي في ذلك المحاضرات في النوادي الوطنيَّة وينشر المقالات الواسعة فيها فاختاروه كعضو في المجمع العلمي المصري وله في سجلاته خطب ومحاضرات.وكذلك علم فن الآثار المصرية بمدرسة المعلمين العليا.وقد ألَّف قاموساً هيروغليفياً عربياً فرنسوياً واسعاً نسبه فيه بعض العلماء إلى الغلو والتطرُّف في ردّه ألوفاً من الألفاظ العربية إلى أصول مصريّة قديمةوورد علينا في أواسط آذار من السنة 1924 نبأ أليم بوفاة أحد أصدقائنا في بغداد السيد الأديب ( محمود شكري الآلوسي ) من الأسرة الآلوسية الكريمة وابن الشهاب الآلوسي الذي مرَّ لنا ذكره بين أعلام القرن التاسع عشر.ولد سنة 1857 وتخرَّج في بغداد على آله فتبحَّر في العلوم الإسلامية وانتدب إلى التدريس في مدارسها فنبغ من تلاميذه الشاعر العصري الرصافي.وقد تولَّى إدارة الزوراء وهي أوَّل جريدة أنشئت في مدينة السلام فكتب فيها فصولاً رائقة خرج فيها عن دائرة التقليد الضيّقة حتى سعي به إلى عبد الحميد فلم ينج من المنفى إلاَّ بفضل بعض أصحابه.وله من التآليف النفيسة بلوغ الأرب في أحوال العرب قدَّمه لمؤتمر المستشرقين في استوكهولم فشكرته عليه اللجنة وأجازته بوسام ذهبي.ومن تآليفه كتاب أخبار بغداد وتراجم بعض علمائها في القرن الثالث عشر وتاريخ نجد وأمثال العوامّ في مدينة السلام وغير ذلك من المصنفات التي زاد بها شرف أسرته.وكان سبقه إلى الأبدية أحد أنسبائه السيد ( احمد شاكر الآلوسي ) فاتنا ذكره توفى سنة 1912وكان عضواً في مجلس المعارف الكبير في الآستانة وخلّف كذوي قرابته آثاراً أدبية متفرقةولم نكد ننسى ما ألم بالآداب العربية بوفاة ذلك الكاتب الشهير ( السيد مصطفى المنفلوطي ) الذي نعت بأمير بيان هذا العصر.ولد في مدينة منفلوط سنة 1875 وتوفي سنة 1924 وتخرج في الأزهر المصري ونال قصبة السبق على أقرانه واستهواه حب الأدب في أول ربيع حياته فأخذ يتمرن على الكتابة نثراً ونظماً.ثم لحق بالشيخ الإمام محمد عبده فلازمه عشر سنين وأخذ من أفكاره وآدابه.وبعد وفاة الأستاذ عاد إلى وطنه وأخذ يحرر رسائله الشهيرة في جريدة المؤيد فالتفتت إليه أنظار أرباب وطنه.ولم يول منذ ذلك الزمان يواصل الكتابة فنشر مؤلفاته الرائعة ( النظرات ) في ثلاثة أجزاء و ( العبرات ) وفي سبيل التاج نقله بتصرف عن الافرنسية.و ( الشاعر والفضيلة ) إلى غير ذلك مما ضاعف الحزن على وفاته وهو لم يبلغ الخمسين من عمره.وله شعر حسن وإنما برز خصوصاً بإنشائه البليغ على الأسلوب العصري. وفي 30 حزيران من السنة الماضية 1925 حل الأجل المحتوم بأحد مواطنينا ( رفيق بك العظم ).ولد في دمشق سنة 1865 ثم نشأ في وطنه وأخذ الآداب عن مشايخه ثم انتقل إلى مصر وتعاطى فيها أمور السياسة والأدب وكان أحد السعاة بتحرير وطنه من النير العثماني أو بالحري بتخفيفه باللامركزية.وله كتب تاريخية وأدبية حسنة أخصها كتاب مشاهير الإسلام في أربعة أجزاء. وفي هذا العام أيضاً أيار 1925 توفي الشيخ محمد حسين شمس الدين أديب جبل عامل وشاعره.

2 - أدباء النصارى المتوفون في هذه الحقبة

أولاً الأحبار والكهنة

بين السنين التي مرت منذ نهاية الحرب العالمية إلى أواخر السنة 1926 دعا الله إلى جواره بعض أحبار الكنيسة الذين خدموا الآداب متاجرين بالوزنات التي نالوها من ربهم. ( السيد ديونيسيوس أفرام نقاشة ) نكبت الطائفة السريانية بفقد هذا الحبر الجليل في 13 آذار سنة 1920 توفي في مدرسة الشرفة في لبنان عن سبعين عاماً.وكان السيد الفقيد رئيس أساقفة حلب على السريان الكاثوليك منذ 5 نيسان سنة 1903 أدى في حياته لملته خدماً جمّة وقد عُرف بنسكه وانصرافه إلى العيشة التَقويّة.وكان مولعاً بدرس التاريخ وقد نشر في ذلك كتاباً نفيساً ضمنه أخبار طائفته السريانية الكاثوليكية منذ اهتدائها إلى حجر الكنيسة الكاثوليكية إلى زمن السيد الجليل بطريرك إنطاكية الحالي ماري أغناطيوس أفرام الثاني رحماني وذلك في مجلد ضخم دعاه عناية الرحمان في هداية السريان.وما هو إلا قسم من تاريخ أوسع لم يزل مخطوطاً بحث فيه عن أخبار الطائفة السريانية منذ نشأتها. وفي هذا الشهر عينه في 22 آذار 1920 انتقل إلى دار البقاء سيد آخر من أركان الطائفة المارونية الكريمة ( المطران يوسف دريان ) النائب البطريركي على القطر المصري.ولد هذا الحبر الجليل سنة 1861 ودخل الرهبانية الحلبية ودرس أولاً في مدرسة انتشار الإيمان في رومية وأتم دروسه في كلية القديس يوسف في بيروت.وفي السنة 1896 جُعل رئيس أساقفة طرطوس شرفاً.وقد خلف آثاراً كنسية وأدبية وتاريخية عديدة تشهد له بطول باعه في العلوم الدينية والمدنية.فمن تآليفه الدينية كتاب رُتب السياميذ الكهنوتية المعروفة بالشرطونية وكتاب المغنم في تكريم مريم والمقالة الوفية في العبادة الحقيقية لمريم العذراء.معرباً عن تأليف الطوبوي لويس غرينيون دي منفرت وكتاب الدعوة الرهبانية للقديس الفونس دي ليغوري وجادة الفلاح في سبيل التقي والصلاح ومجموعة أناشيد روحية بعضها من نظمه منها نظم الجمان في سبيل سيدة لبنان.ومن تآليفه التاريخية نبذة في أصل البطريركية الأنطاكية وفي أصل الطائفة المارونية واستقلالها في لبنان في قديم الدهر حتى الآن وثلاثة أبحاث في المردة جمعها في كتاب دعاهُ ( البراهين الراهنة في أصل المردة والجراجمة والموارنة ) خالف فيه رأي السيد يوسف الدبس.ومن آثاره الأدبية كتاب الإتقان في صرف لغة السريان ومنها عدة مقالات أدبية نشرها في الجرائد وفي مجلة المشرقوفي 18 أيار 1921 توفي في بيروت السيد ( كيرلس مكار ) بطريرك الأقباط الكاثوليك سابقاً.فُصل عن تدبير كنيسة لدواع موجبة.وكان المذكور يتعاطى الآداب الشرقية بعد أن تخرج بها في كليتنا البيروتية لتاريخ الكنيسة الإسكندرية وأبحاث في آثار النصرانية في مصر ومنظومات شعرية بالافرنسية ومناشير وغيرها.ولد في الصعيد سنة 1868( الأب مبارك سلامة المتيني ) أحد رؤساء الرهبانية اللبنانية العامين الإجلاء.ولد في المتين ( لبنان ) في 15 نيسان 1852 وانضوى سنة 1866 إلى الرهبانية البلدية فكان من أفضل أبنائها أدباً وبرارةً تلقى العلوم الدينية العالية في كلية القديس يوسف وكان أول من نال فيها شهادة الملفنة في علمي الفلسفة واللاهوت سنة 1883.وعهدت إليه في رهبانيته أفضل المناصب وأرقاها فتولاها عدة سنين بنشاط وحكمة أقرّ بها الجميع لا سيما أنه كان بمثله أوعظ منه بكلامه.توفي في عيد مولد العذراء في 8 أيلول 1921.( اطلب ترجمته لحضرة الخوري بطرس سارة في المشرق 20 ( 1922 ): 852 - 862 ).وكان المرحوم مع كثرة أشغاله في الرهبانية وفي الأعمال الرسولية في لبنان لا يضيع برهةً من زمانه فقد ألف مختصر اللاهوت الأدبي واختصر كتاب الكمال المسيحي للأب رودربكس اليسوعي.وقد نشر من تعريبه كتاب دستور الرؤساء في سياسة المرؤوسين وهو سفر جليل للأب فالوي اليسوعي وكتاب دستور الحياة الروحية ليسوعي آخر الأب سورين الشهيروممن فقدته الآداب العربية من ملة الروم الكاثوليك الكريمة المطران استفانوس سكرية رحل إلى دار الخلود في 25 ت1 1921 ولد في دمشق سنة 1868 وتخرج في العلوم الدينية والدنيوية في القدس الشريف في مدرسة القديسة حنة.وقد أحرز له فضلاً كبيراً في تدريس الفنون العربية فيها ثم في المدرسة البطريركية في دمشق وكان لا يألو جهده في تعزيز العربية وكان هو من كتبتها الجيدين وخطبائها المشهورين.وقد أبقى بعض الآثار المتفرقة من رسائل وإرشادات وله كتاب وضعه لجمعية أنشأها ولقبها بالنهضة الدينية الكاثوليكيةوفي مفتتح السنة 1922 فُجعت كنيسة الآباء البوليسيين الأفاضل بخلّب أليم إذ فارقهم إلى الأبدية أحد اخوتهم المأسوف عليه كثيراً الأب ولسن سيوبر وهو في عز الكهولة كان أيضاً من متخرجي مدرسة الصلاحية في القدس ثم أحد أساتذة الآداب العربية فيها لطلبتها من طائفته الكاثوليكية.ولما انضم إلى جماعة الآباء البوليسيين في حريصا سنة 1903 ما عتم أن باشر الرسالات في حوران وتنقل في قراها متفانياً في كل الأعمال الرسولية.ولهُ عدة آثار كتابية في مجلة المسرة وكان أحد محرري مقالاتها الدينية والأدبية الممتازة.ومن منشورات قلمه رواية القديس سفستيانس الشهيد وزهور النفس من حديقة خوري أَرس وكتاب المجمع الملي للروم الكاثوليك وكنوز النفس في الغفرانات ونبذة في صناعة الشعر العربي.ومن مقالاته الحسنة في المسرة ما سطره عن عوائد العرب وله بحث جغرافي تاريخي في حوران وغير ذلك مما زاد أسف اخوته على فقدهوفي أواسط 9 شباط 1922 استأثرت رحمة الله مرسلاً غيوراً من الطائفة المارونية اشتهر في كل أنحاء لبنان بمواعظه وبلاغته وأعماله الرسولية الخوري الأسقفي اسطفان الشمالي.نشر مع الطيب الذكر السيد جرمانوس الشمالي جزأين من الخطب والعظات أقبل عليهما لحسنهما لفظاً ومعنى.وكان الخوري اسطفان شاعراً مجيداً له في ذلك آثار متفرقةوفي 20 أيلول من السنة 1922 ودع الحياة المأسوف عليه القس نعمة الله أبو ناضر أحد مدبّري الرهبانية اللبنانية البلدية.كان تلقّى العلوم في كليتنا البيروتية وكان من المتضامنين من اللغة العربية فانتدب إلى تدرسيها ثم تعاطى فن المحاماة وحرر مدة روضة المعارف ونشر عدة مقالات فقهية وأدبية في المجلات والصحف السيارة في الآستانة وبيروت.ثم آثر العيشة الرهبانية وخدمة الدين إلى آخر حياتهوممن فقدته الآداب العربية أحد أخوة المدارس المسيحية ( الأخ ساروفيم فكتور عطاء الله ) المتوفى في كانون الثاني سنة 1923.له تاريخ الآداب العربية منذ نشأتها طبعه في الإسكندرية سنة 1914 فأقبلت عليه المدارس لحسن تنسيقه فأعيد طبعهومن أنصار الآداب العربية الذين أصيبت بفقدهم طائفة الروم الكاثوليك المثلث الرحمات البطريرك ( دمتريوس قاضي ) الذي لبى دعوة سيده في 25 تشرين الأول 1925 في دمشق.كان له اهتمام خصوصي بتعزيز اللغة العربية في مدارس الطائفة في مصر والشام.وتدل كتاباته على ضلاعته بهذه اللغة فضلاً عن معارفه الدينية الواسعة التي كان استقاها في باريس من أصفى مناهلهاوفي 24 حزيران من السنة الماضية 1926 شق علينا نعي أحد أساتذة الآداب العربية في مدرسة العائلة المقدسة للآباء اليسوعيين في مصر ( الخوري نعمة الله بركات ) كان من الكتبة البارعين كشقيقه الشهير وعليه تخرج عدد عديد من الناشئة المصرية.ومن آثاره تعريبه لمختصر التاريخ المقدس تأليف لومند

ثانياً العالميون

في أوائل السنة التابعة للحرب في 14 ك2 فقدت طائفة الروم الأورثذكس في بيروت أحد مشاهير أدبائها ( الشيخ اسكندر العازار ) المولود سنة 1855.أخذ العلوم اللسانية والأدبية عن أساتذة طائفته وفي مدرسة اعبيه الأميريكانية.وقد امتاز منذ حداثة سنه بمزاولة النظم والإنشاء فكان من السعاة بالنهضة الأدبية التي ظهرت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر.وكان خطيباً متفنناً وكاتباً بليغاً وشاعراً مجيداً.له من الآثار الكتابية في الجرائد والمجلات ما لو جمع لألف مجلداً ضخماً.منها خطب ورسائل وروايات تمثيلية وخواطر أدبية.وديوان شعر.ولولا انحيازه إلى الماسونية ومجاهرته بالأفكار الحرة ومغالاته بالسياسة التي ذاق مرّها أكثر من حلوها لعددناه من أركان الآداب العربية في الوطن. وفي 3 نيسان 1919 قصفت المنون في مصر غصناً يانعاً من الدوحة البستانية ( نجيب البستاني ) نجل بطرس صاحب دائرة المعارف ولد سنة 1862 وتخرج على والده كأخيه نسيب المتوفى سنة 1913 وقد ساعده كلاهما في تآليفه وحرر مقالات عديدة في الجنة والجنان وتعاطى الدروس الفقهية فتولى منصب المدعي العمومي ورئاسة محكمة المتن في لبنان.وعدل عن بروتستانية والده فارتد إلى دين طائفته المارونية.ومن آثاره دروس تاريخية عن فينيقية وعن جيل النور وأخلاقهم وعن روسية.وله منظومات شعرية لم ينشرها. وفي تلك السنة وقعت وفاة كاتب ضليع من أدباء الموارنة ( يوسف خطار غانم ) توفي في 20 تموز سنة 1919.كان مولده سنة 1857 ودرس في مدرسة الآباء اليسوعيين القديمة في بيروت وحرر فصولاً واسعة نثراً ونظماً في صحف الشام ومصر وكان كثير البحث عن آثار طائفته كما يدل عليه تأليفه برنامج جمعية مار مارون الجامع بين المعلومات الوافرة وفنون الآداب فأحيا ذكر كثيرين من مشاهير ملته وزين مقالاته بصورهم المفقودة. وفي 29 ت2 1919 مات في سان باولو البرازيل بداء القلب أحد أبناء سورية الأدباء وهو ( قيس لبكي ) حرر في جرائد المهجر ومجلاتها فاشتهر بالكتابة.وإنما شوه كتاباته بما ضمنها من الآراء الفاسدة والتحامل على الدين ما حمل من المنصفين على تفنيده وتزييف آرائه. ومن مناعي العام 1919 أيضاً الصحافي ( صموئيل يني ) أخو جرجي أفندي يني منشئ مجلة المباحث في طرابلس.جارى أخاه بما نشره هناك من المقالات الأدبية الحسنة.وخلف أيضاً آثاراً كتابية لم تنشر بالطبع. وفيه نعيت ( مريانا مراش ) من الأسرة المراشية الحلبية الشهيرة.امتازت في وطنها بين بنات جنسها بوضع المقالات الأدبية وبنظم الشعر وخلفت منه ديواناً بعنوان بنت فكر نُشر في بيروت سنة 1893.فمن أقوالها تهجو طبيباً جاهلاً ثرثاراً:

طبيبٌ بلا علمٍ يرومُ لنفسهِ

مديحاً لفعلٍ يقتضي أقبح الذمِ

فيسقيِ علاج الَمذق من عذب لفظهِ

وينفثُ من أفعالهِ قائل السمِ

ومما نقش على نعش فتاة من نظمها:

يا زهرةً ذبلتْ بغير أوان

ناحت عليها الوُرْقُ بالأغصان

فتعزّيا يا والديها أنها

مثلُ الملاكِ مضت لخلد جنانِ

ومما قالته فنقش على كيس تبغ:

أحفَظْ ودادك في فؤادك كامناً

واثُبتْ ولا تكْ مثل تبغِ دُخانِ

فعواصفُ الأنفاس تُصْعدهُ سدى

وتزجُّه في عالم النسيانِ

والودُّ ضمنَ القلب نقطةُ مركز

كالأرض ثابتةٌ على الدَّوَرانِ

وكأن الحرب الكونية ومصائبها هدت قوى كثيرين من الأدباء فماتوا متأثرين من كوارثها.ففي السنة 1920 في شهر شباط توفي في دمشق الأديب ( نعمان القساطلي ) صاحب تاريخ دمشق المعنون بالروضة الغناء في دمشق الفيحاء. وفيها في 31 أيار 1920 رزنت العلوم القضائية بأحد أساطينها ( الشيخ سليم باز ) المولود في 5 حزيران 1859.درس في مدرسة الآباء اليسوعيين في غزير حيث شهدنا عياناً نشاطه وسباقه لرفقته في ميدان العلم والتقى.ثم انكب على العلوم الفقهية متلمذاً للسيد يوحنا حبيب منشئ الجمعية التقويمية قبل أسقفيته فكان موضوع إعجاب أستاذه ولم يزل يتبخر في الفنون الشرقية القضائية حتى عُد من كبار علمائها وأسندت إليه أرقى مناصبها فقام بها أحسن قيام واستحق ثناء أرباب الأمر.وعموم الأهلين وألفت إليه أنظار الدولة التركية فجعلته من أعضاء مجلسها الشورى.ثم عاد إلى وطنه فخدمه أطيب الخدم كمحام قانوني وأستاذٍ نطاسي ومؤلف بارع تشهد له المؤلفات العديدة التي يتداولها أرباب المحاكم كشرح المجلة وشرح قانون المحاكمات وقانون الجزاء ومرقاة الحقوق وهو مختصر نفيس في علم الفقه فضلاً عن تآليف فقهية عديدة عربها عن التركية ومقالات عديدة عربها عن التركية ومقالات عديدة يطول تعدادها.وقد نشر أخوه جناب الدكتور جورج باز ترجمة حياته المطولة في المشرق ( 30 ( 1922 ): 938 - 957 ). وكانت السنة 1921 أسوأ عاقبةً على الأدباء فغادرنا كثيرون منهم إلى العالم الآخر ففي 17 كانون 1921 ودع الحياة أحد أدباء صيداء ( فرج الله نمور ) من أسرة نمور الوجيهة.ولد في 25 آذار سنة 1868 ودرس في مدرسة الآباء اليسوعيين في صيداء فنال بين رفقته قصب السباق وأخذ يتمرن على الكتابة ونظم الشعر حتى برع فيهما ثم بارح الوطن لما وجد فيه من المضايقة على الأقلام وانتقل إلى مصر فصار يحرر في أكبر جرائدها.ثم تجول في البلاد وزار تونس وأنشأ مع نجيب ملحمه جريدة البصيرة فقام بأعباء تحريرها سنتين ثم أنشأ في طنجة جريدة لسان المغرب فأصابت رضى سلطان مراكش.ثم اضطر بعد أربع سنوات إلى مغادرتها لاختلاط الأمور السياسية وأبحر إلى البرازيل سنة 1920 وفتح في سان باولو مدرسةً خدم فيها الجالية السورية بهمة قدرها له المهاجرون لولا أنه أصيب في أوائل السنة 1921 بداء الجنب الذي لم يمهله إلا أياماً قليلة فغالته المنية وعم أسف مواطنيه على فقده.ولفرج الله نمور عدة قصائد قالها في كبار الرجال ولقيت استحسانهم.فمن قوله يحن إلى وطنه صيداء ويأسف على فراقها:

ما للغريب سوى البكاءِ مؤَانسٌ

إن كان يعلم مؤنساً وخليلا

اللهُ يا صيدونُ يا وطني الذي

فاق البلاء مَرابعاً وطلولا

حيَّاكَ يا وطنَ الفضائل والهنا

مَرُّ النسائمِ بكرةً وأَصيلا

بلدٌ بها اخضرَّت نباتُ عوارضي

ورشفتُ من كأس الصفاء شَمولا

تلك التي حسنَتْ مقاماً للورى

ومنازلاً وحدائقاً وسهولا

دعني وشأني والدموعَ فإنها

تشفي الفؤادَ وقلبَي المتبولا

وفي 2 آذار من السنة 1921 توفيت سيدة سورية ( رحمة خوري صروف ) المولودة سنة 1880 درست في مدرسة طرابلس الأميركانية فنالت شهادة دروسها العالية ودانت هناك بالمذهب البروتستانتي.ثم تولت التدريس في مدرستي طرابلس وحمص بدعوة عمتها ثم رحلت إلى مصر وعلمت في مدارسها وأخذت تنشئ المقالات الأدبية النسائية فنشرت منها عددا في جريدة القطم فأحرزت لها سمعة طيبة حتى دعيت إلى إلقاء المحاضرات في الجامعة المصرية في القسم المختص بالسيدات.وهي من جملة السيدات اللواتي نهجن للفتيات سبل التربية العصرية.كتبت في ذلك عدة مقالات في المقتطف مع قرينها إسحاق أفندي صروفوفي تلك السنة المشؤومة شيعنا جنازة أديب آخر من أفضل رجال الوطن وعلمائه ( سليم أصفر ) نجل كبير قومه إبراهيم أفندي أصفر.تلقى العلوم في كليتنا فكان فيها قدوة لكل رفقته بجده وحسن سلوكه.ثم انتقل إلى فرنسة فتعمق في درس الزراعة ليخدم بها وطنه مع حاجته إليها.فلما عاد راجعاً عهدت إليه إدارة الزراعة في الجبل فأفادها كثيراً وأحب أن يفتح لها أبواباً جديدة للارتزاق لولا ما لقيه من العوائق في سبيله.ثم رحل إلى الآستانة يطلب امتيازاً لاستثمار جهات الحولة وتحسين تربتها.ثم تخلى في دار عمه عن الأشغال مدة الحرب محتملاً بصبر جميل ما أصيب به من الأمراض حتى قابل الوفاة بكل تقي وتسليم لإرادته تعالى.وللمرحوم كتابات نفيسة في كل فنون الزراعة ظهر منها في المشرق عدة مقالات وهو الذي كتب في زمن الحرب تلك الفصول الشائقة التي ظهرت في كتاب لبنان عن الزراعة والصناعة في الجبل.وقد عرف باستقامته ولزومه كل فرائض دينه وممارسته لسائر الفضائل المسيحيةومن الأدباء الذين فاجأتهم النية في العام المذكور ( 25 ت1 1921 ) الكاتب البارع خليل طنوس باخوس.من أسرة باخوس الكريمة.ولد في غزير ودرس في مدرسة الآباء اليسوعيين التي سبقت كلية بيروت.ثم تفرغ للكتابة ولخدمة الآباء العربية فكان أحد أساتذتها المقصودين يقبلون إليه حيثما يدرّس.وهو الذي فتح المطبعة اللبنانية ونشر فيها كتباً أدبية مفيدة ثم أنشأ جريدة الروضة فحررها سنين عديدة وكتب فيها الفصول الرائقة باعتدال الطريقة وصون كرامة الدين ومن مآثره الحسنة روايته التمثيلية الحارث ملك نجران بالشعر ثم رواية ديمتريوس معربةوأضافت المنون إلى الأدباء المتوفين في ذلك العام الدكتور اسكندر بك البارودي في 25 ت2 1921 ولد في صيدا سنة 1856 من عائلة من الروم الكاثوليك عدلت إلى الروم الأورثذكس لخلاف حصل هناك.وتربى اسكندر بك في المدارس الأميركية وفي جامعتها وحاز شهاداتها البيروتية فأتبع الكنيسة الإنجيلية.وانحاز - سامحه الله - إلى الماسونية فصار أحد رؤساء محافلها.وكان الدكتور من الأطباء الحاذقين والكتبة الماهرين تشهد له مجلته الطبيب التي أنشأها وأدارها مع الدكتور بوست سنين طويلة وضمّنها مقالات مستجادة طبية وأدبية وتاريخيةومن آثاره أيضاً كتابه السوار المحلي في تدبير الأعلا وخير الأغراض في مداواة الأمراض والنصائح الموافقة في سن المراهفة والمبادئ الصحية للأحداث وحياة الدكتور كرنيليوس فان ديك وكلها مطبوعة ومما لم يطبع تاريخ الحثيين وتفسير لشرح ابن رشد لأرجوزة ابن سينا ونشر فصوص الحكم للرازي ودعوة الأطباء لابن بطلان وساعد أساتذة الكلية الاميركانية في تعريب ونشر تآليفهم وكان قاضياً في محكمة استئناف جبل لبنان سنين طويلة ومؤسساً لجمعية الأطباء والصيادلة ومن أعضاء الجمعيات العلمية والخيرية وكانت وفاته في سوق الغرب فواروه التراب في مكين مع والديه.وللفقيد أخ من أم أخرى دخل جمعية الآباء اللعازريين وهو اليوم مرسل غيور في رسالتهم الصينيةوفي السنة 1921 المذكور أيضاً سبق إلى الأبدية الدكتور أسكندر بارودي أستاذان بارعان خدما وطنهما بالتعليم ونشرا فيه الآداب أحدهما ماروني يوسف حرفوش والآخر اورثذكسي نخلة زريق. توفي المرحوم ( يوسف حرفوش ) في 14 ك2 1921 وله من العمر 74 سنة.تلقى العلوم في مدرسة الآباء اليسوعيين في بيروت ثم أكملها في مدرسة فرسايل في فرنسة بعد حوادث الشام سنة 1860 ثم عاد إلى الوطن وعلم نيفاً وأربعين سنة في كلية القديس يوسف بهمة ودراية أقر لهما تلامذته شاكرين.وكان فضلاً عن ذلك قدوتهم في ممارسة كل الفضائل المسيحية وفرائضها.وقد أبقى من آثار قلمه عدة تآليف سهل فيها على الشبيبة درس اللغة الفرنسوية وقرب درس اللغة العربية على الأجانب فصار إقبال عظيم على مصنفاته نخص منها بالذكر ترجمانه العربي وتمارينه المترجمة من اللغة الفرنسية إلى اللغة العربية والمراسلة التجارية ودليل المتكلم وغير ذلك مما نشر بعضه ولا يزال بعضه الآخر مخطوطاً كقاموسه اللغة العامية. أما المرحوم الأستاذ ( نخلة زريق ) فكان أحد أعضاء المجمع العلمي العربي الدمشقي.ولد سنة 1859 في بيروت وتوفي في القدس الشريف في 21 تموز 1921 كان من رجال النهضة الجديدة بخدمته للآداب العربية بصفة كاتب وأستاذ لغوي.صنف عدة رسائل وقصائد متفرقة تشهد له بالبراعة وحسن الذوق.وقد علم نيفا وربع قرن في مدرسة المعلمين في كلية القدس الشريف الإنكليزية وانتُخب بعد الحرب كعضو في تهذيب لجنة الكتب العسكرية في المدرسة الحربية في دمشق فلم تطل فيها مدته حتى عاد إلى القدس.وقد عُرف الفقيد بغيرته نحو وطنه وبلزومه الأخلاق الوطنية ولغة الوطن وأزياءهوفي 3 آذار من السنة 1922 فُجع الوطن اللبناني بأحد كبار رجاله المعدودين ( إبراهيم بك أبو خاطر ) كان مولده في زحلة سنة 1869 من أسرة رومية كاثوليكية فاضلة.أخذ مبادئ العلوم في مدارس وطنه ثم تخرّج على نفسه في الآداب وظهرت مقدرته في الكتابة والخطابة لما حل الإعلان بالدستور العثماني لسان الأحرار فأخذ يكتب ويخطب بأسلوب يجذب إليه القلوب ويبعث الهمم اطلب الاستقلال الوطني.وقد نشرت له الجرائد عدة خطب أدبية وسياسية مستحسنة وأنشأ في زحلة جريدته الخواطر كتب فيها فصولاً بليغة زيف في البعض منها مبادئ فولتير وجان جاك روسو وقبّح الشيعة الماسونية ثم خلفه في إدارتها الوجيه موسى أفندي نمور حتى بطلت في أوائل الحرب.وقد عرضته أفكاره الحرة وميله إلى فرنسة وإعجابه بأعمالها إلى حقد الأتراك فقاسى في زمن الحرب محناً شتّى.وقد شغل المذكور عدة مناصب جليلة في عهد المتصرفين مظفر باشاً وأوهانس باشا في زمن الانتداب الفرنسوي الأخير فتعين ثلث مرات لقائمقامية زحلة وقد عرف له الوطن فضله فأكرمه حياً وميتاً.كما أن فرنسة أعربت عن رضاها بمساعيه فعينته كعضو في لجنة لبنان الكبير الإدارية فخدمها أصدق خدمةوفي 22 آب 1922 فقدت أسرة الشيوخ الدحداح الكرام رجلاً من أفاضل وطنه لبنان المرحوم ( الشيخ خطار الدحداح ).كان مولده في عرامون ( كسروان ) في 18 شباط 1840.وبعد أن درس العلوم في مدرسة عينطورة الشهيرة دُعي إلى التعليم في معظم المدارس الوطنية والأجنبية كالمدرسة البطريركية والكلية الأميركية ومدارس الثلثة أقمار وكفتين والوطنية فتخرج عليه كثيرون من مشاهير الأدباء ثم تولى مناصب مختلفة خدم بها الحكومة اللبنانية أصدق خدمة.وقد اشتهر الشيخ المرحوم بآدابه الراقية وبمصنفاته المفيدة.فأنه تولى مساعدة التحرير في المجلات والجرائد الوطنية كالجنة والجنان والجنينة والمصباح.ومن أخص تآليفه تاريخ فرنسة الحديث الذي أكمله بعدئذ المرحوم سليم البستاني وطبعه.ثم باشر بتصنيف تاريخ آخر أطول للدولة المذكورة لم يتمه.وله روايات أدبية لم تزل مخطوطة سعى بتمثيلها على مسارح المدارس.الأولى من تأليفه وهي رواية يوسف الحسن ثم ألحقها بثلث روايات أخرى عربها نثراً ونظماً للشاعرين النابغتين كورنيل وراسيل أعني: أغوسطوس ( أوسينا ) وأستير وفيوجينا ( أفيجينية ).مثلت الثلث الأولى في المدرسة الوطنية والرابعة في المدرسة البطريركية فأصابت استحسان العموموفي 6 تموز 1922 حصدت المنون بمنجلها كاتباً واسع الشهرة وهو في عز الكهولة نريد به ( فرح أنطون ) أصله من عائلة أورثوذكسية من طرابلس الشام وبها ولد سنة 1874 درس في مدرسة كفتين وحول فكره منذ شبابه إلى حرية الضمير وأخذ يدرس تآليف الكتبة المتطرفين في آرائهم الدينية والشيوعية من فرنسويين وروسيين وجرمانيين كرينان وكرل ماركس وتولستوي ونيتشة فعششت أفكاره في دماغه فصار يجاريهم في كتاباته فهاجر إلى مصر ثم إلى الولايات المتحدة ثم عاد إلى مصر وهو لا يزال حيث ما حل يعالج المواضيع الاشتراكية والديموقراطية المتطرفة المجردة عن روح الدين لا يأخذه في كتاباته ملل بل تجاوز في ذلك كل حدود الفطنة دون مراعاة لصحته وهو يشتغل ليلاً مع نهار حتى غلبت قواه فمات ضحية غلوائه.أما تآليفه فهي كثيرة وكلها تشعر بأفكاره الحرة منها عدة روايات خيالية ومشاهد ( Drames ) تمثيلية عرب قسماً منها وألف القسم الآخر وقد حرر مقالات جمة في عدة جرائد.وأنشأ بالإسكندرية مجلته الجامعة ثم واصل نشرها في الولايات المتحدة.وقد اشتغل أيضاً بالفلسفة وان لم يكن من فرسان ميدانها وله أبحاث في فلسفة ابن رشد ونقل كتاب رينان في هذا الصدد كما أنه عرّب تأليف هذا الملحد المدعو ( تاريخ المسيح ) الذي هو أحق أن يُدعى مسخاً منه تاريخاً بعد أن بين العلماء الإثبات أغلاطه الفظيعة وأكاذيبه الشنيعة ومناقضاته الواضحة فما كان بانطوان أن يضن بشرفه ودينه عن سفاسفه !.فيعز علينا أن نرى بعض حاملي الأقلام في بلادنا ينشرون بدون تعقل مبادئهم المستقبحة فيلقون قراءهم في وهاد الإلحاد وقعر الفساد وكان بوسعهم أن يهذبوا عقولهم ويرقوا أخلاقهم ويجعلوهم سنداً لوطنهم فيُبارك اسم الذين أرشدوهم إلى الصلاح ونكبّوا بهم عن جادة الضلال. وفي أيلول 1922 بارح الحياة رجل آخر من أدباء العصر ( عبد المسيح أنطاكي بك ) مولود حلب في 16 شباط سنة 1874 من أسرة روم أورثذكسية.نشأ فقيراً إلا أنه بنشاطه وذكائه الفطري لم يزل يجاهد أحوال الزمان ويطلب له مقاماً بين الأدباء حتى فاز ببغيته وعُني أولاً بالصحافة في وطنه ثم في مصر الحرة فأنشأ في حلب الشذور وفي مصر مجلة الشهباء ثم العمران مراعياً في كتاباته أحوال الزمان.يناوئ حيناً الأتراك وحيناً يجاريهم.يناضل اللامركزية ويتحد مع رجالها.وهو لا يزال ينادي بالقومية العربية.ثم ترك الصحافة وعُني بنظم الشعر فنال منه بعض الشهرة إذ تقرب به إلى الذوات بمدحه أصحاب الأمر وأرباب الدين.وتجشم الأسفار إلى بلاد العرب فرحل إلى اليمن والحجاز والعراق واجتمع بأمرائهم ساعياً وراء تحقيق آماله من نهضة العرب واسترجاع مجدهم.فقضى بعد حل وترحال وهو يعاين الانقلابات التي حدثت في الجزيرة بسقوط ملك الحجاز وفوز ملك نجد ابن سعود.ولعبد المسيح أنطاكي تآليف مختلفة منها ديوانه عرف الخزام في مآثر السادة الكرام.ومنها كتابه نيل الأماني في الدستور العثماني ومطلع الميامن في تهاني البطريرك كيرلس الثامن جحا لخص فيه تاريخ البطريركية الإنطاكية ولا سيما الرومية الكاثوليكية.وكان عبد المسيح الأنطاكي من أنصار الاتحاد بين طائفته الاورثذكسية وطائفة الروم الكاثوليك وقد طرأ في هذا الكتاب أعمال الآباء اليسوعيين في هذا الشأن ( ص 18 - 19 ).وأنشأ في المعنى نفسه مجلة الكنيسة الاورثذكسية ولم يرض من خطة رؤسائها بعد أن سعى مع الوطنيين إلى تحريرهم من العنصر اليوناني.وللانطاكي أيضاً رواية بطرس الأكبر وغير ذلك.ودونك مثالاً من شعره يصف مواعظ الدهر:

دَعْ عنك أنغام الطَرَبْ

ومَلاهياً فيها الوصبْ

وانظر إلى خَتْل الزما

نِ محاذراً شرًّ الحَرَبْ

يعلوَ الدنيُّ بلُوُمهِ

ويذلُّ أربابُ الحسَبْ

كم من لبيبٍ عضَّهُ م

الدهرُ بأنياب النُّوَبْ

وأخو الجهالة في الهنا

يلتذُّ في ذاك النَّشَبْ

والموتُ فينا دائرٌ

والناسُ طراً في لَعِبْ

ويلٌ لدهر خائنٍ

كم من عظيمٍ قد سلَبْ

يغتالُنا ويُبيدنا

كالنار شبّتْ في حَطَبْ

وفي 18 ت2 1922 أسِف الوطن على فقيد عزيز المرحوم ( داود بك عمون ) ولد في نيسان من السنة 1869 في دير القمر وتخرج في العلوم والآداب في مدرستي عينطورة والحكمة.خدم دولة تونس الغرب مدة وحظي برضى أربابها.ثم تعاطى المحاماة في مصر فنال نجاحاً باهراً وأحرز له سمعة واسعة ثم عاد إلى الشام وانتُخب سنة 1914 عضواً بمجلس إدارة لبنان.ولما أعلن بالانتداب الفرنساوي كان داود بك من أكبر أنصاره فأخلص الخدمة في سبيل توطيده وتعزيز لبنان الكبير فأجمع مواطنوه على إكرامه حياً وميتاً وكان داود بك من الكتبة البلغاء والشعراء المجيدين.فمن قوله يذكر لبنان وهناء العيش فيه:

حبَّذا المصطافُ في جبلٍ

ينطحُ الجوزاءَ بالقُنَنِ

مؤيلُ الأحرار من قِدَمٍ

وأُباةِ الضَّيمِ في زمَنِ

ليس لبنانٌ لمكتسحٍ

بضعيفِ العزم ممتهنِ

إلى أن قال:

فبنو لبنانٍ أسدٌ وغىً

أطلقَتْ فيهم يدُ المحنِ

ليت ذا عزمٍ يضمُّهُم

ضمَّةَ الأعضاءِ في البدنِ

فيعَيدوا السابقات من المس

جدِ والعلياءِ للوطنِ

يا بني أمي إذا حضرَت

ساعتي والطبٌ أسْلمني

اجعلوا في الأرز مقبرتي

وانسجوا من ثلجهِ كفني

وفي 17 كانون الأول من السنة 1923 لبى دعاء ربه الأديب المرحوم ( موسى صفير ) صاحب مكتبة المعارف في بيروت ولد في القليعات ( كسروان ) سنة 1865 ودرس في مدرسة الرومية وعينطوره وفي مدارس الفرير واليسوعيين وأنشأ مكتبة المعارف فخدم بها الآداب.كان من الكتبة المجيدين والشعراء المحسنين حرر في جريدة الروضة ونشر عدة قصائد متفرقة وصف فيها أصحاب المراتب الدينية والوطنية والأحوال الجارية.وعلم مدة في مدارس بيروت ونشر بعض الكتب المدرسية كدرجات القراءة ومبادئ العربية ودليل الأحداث وترقي الصغار في دروس الاستظهار وغير ذلك مما لم ينشر بعدوفي أوائل السنة 1924 هصرت المنون غصناً من الدوحة اليازجية في مصر نريد بها السيدة ( وردة اليازجي ) ابنة الشيخ ناصيف كان مولدها في كفرشيما سنة 1838 فدرست في بيروت في مدرسة البنات الأميركية وأخذت الآداب العربية عن والدها فبرعت بها وصارت تصنف الرسائل والقصائد في زمن لم يعهد ببنات جنسها شيء.من ذلك.وبعد وفاة زوجها الأستاذ فرنسيس شمعون انتقلت إلى مصر وعُنيت بالكتابة ونظم القصائد.ومن آثار قلمها في الضياء مقالة في تعريف المرأة الشرقية.وقد طبع ديوانها الصغير الحجم اللطيف النظم افتتحته بأبيات وجهتها إلى سميتها وزميلتها في الأدب وردة ابنة الشاعر نقولا الترك أولها:

يا وردة التْركِ أني وردةُ العَرَبِ

فبيننا قد وجَدْنا أقربَ النَّسَبِ

أعطاكِ والدكِ الفنَّ الذي اشتهرَتْ

ألطافُهُ بين أهلِ العلمِ والأدبِ

فكنتِ بين نساء العصر راقيةً

أعلى المنازل في الأقدار والرُّتَبِ

وقد امتازت خصوصاً بمراثيها فمن ذلك ما قالته في رثاء البطريرك مكسيموس مظلوم:

يا أيُّها الحبرُ الجليلُ مقامُهُ

هل بعدَ فَقْدِكَ غيرُ دمعٍ جارِ

لله يومُكَ في الأنامِ فأنَّهُ

أبقى لنا حزناً مدى الأدهارِ

يا بدرَ تمٍ غابَ عنا في الثرى

ما كان ذلك عادةَ الأقمارِ

حسدَتْهُ أفلاكُ العُلَى وتحسّرت

لو أنَّهُ في طيها مُتَوارِ

ويلاهُ مَنْ أَبقيتَ بعدَكَ راعياً

يرعى الرعيّةَ حيثُ يرضى الباري

من للمنابر والهياكل والحجى

والمشكلاتِ وغامضِ الأسرارِ

قد سرتَ عن دار الفناء مجاوراً

دار البقاء فنلتَ خير جوارِ

وقالت تودع سليمان بك البستاني لما انتخب بعد الدستور عضواً لمجلس النواب عن بيروت:

أخْلقْ ببيروتَ دار العلم من قدَمٍ

أن تصطفيك على الأيام معْوانا

فالله لما ارتأى إعلانَ حكمتهِ

ما اختارَ من شعبهِ إلا سليمانا

وفي كانون الثاني من السنة 1924 خسرت الجالية السورية في البرازيل أحد أدبائها الأستاذ ( نعمة يافت ) مولود الشوير سنة 1860.تعلم في وطنه مبادئ العلوم ثم أتمها في الجامعة الأميركية فأمتاز فيها بين أقرانه بالعلوم الرياضية والطبيعية فنال شهادتها بل ندب إلى التدريس تلك العلوم فيها ثم علم في مدرسة طائفته الأورثذكسية المعروفة بالثلاثة الأقمار.وفي السنة 1893 هاجر إلى البرازيل وتعاطى التجارة فربح بدرايته وحسن معاملاته ثروة كبيرة أنفق قسماً منها في عمل الخير.وكان هناك من أنصار الآداب القومية يدعى إلى حفلاتها فيخطب ويباحث بكل معرفة وأدب إلى آخر حياته مأسوفاً عليه. وفي أوائل شهر آب 1924 توفيت في نيويورك كاتبة أصابت بقلمها بعض الشهرة وهي السيدة ( عفيفة كرم ) من عائلة كرم المارونية ولدت في عمشيت سنة 1883 واقترنت بالزواج بالسيد كرم حنا كرم وهاجرت إلى أمريكة فكتبت عدة مقالات في جريدة الهدى ثم أصدرت مجلة العالم الجديد النسائية ولها من تأليفها روايات كغادة عمشيت وفاطمة البدوية.وعربت غيرها كملكية يوم محمد علي.فكانت من النساء المساعدات على ترقية بنات جنسها نأخذ عليها بعض الانتقادات الباطلة على الدين وذويه. وفي غرة حزيران سنة 1925 نعي إلينا من نيويورك بمزيد الأسف رجل الأدب والعلم والسياسة كبير أسرته الوزير ( سليمان البستاني ) ولد في بكشتين من قرى الشوف في 22 أيار سنة 1856 ودرس على أفاضل أسرته كالطيب الذكر السيد عبد الله البستاني والمعلم بطرس منشئ المدرسة الوطنية وما لبث أن نبغ في علومه حتى رأى نفسه قديراً على التأليف فأشتغل مع أنسابه في صحفهم ودائرة معارفهم.ثم ساح في البلاد فطاف العراق وجزيرة العرب جنوباً وشمالاً وأجتمع بقبائل البادية فدرس الأخلاق ووسع نطاق معارفه وهو يشتغل تارة بالتجارة وتارة بالتعليم ويدون ملحوظاته فينشرها بالمجلات أو يحفظها لتآليف ينوي تصنيفها.وتردد بعد ذلك إلى مصر والأستانة فتقرب من إشرافهما ونال امتيازات الدولة العثمانية ومناصبها الشريفة كمندوب مجلس المبعوثان وعضو مجلس الأعيان ووزير وممثل للسلطنة في البلاد.وتجول في أنحاء أوربة وهو في كل مكان موضوع اعتبار الجميع لما تجلى به من الأخلاق الراقية والآراء الراجحة وروح الدين حتى أنهى حياته في أميركا بعد أن اشتدت عليه وطأة المرض في مصر وتألم من داء عينيه فالتمس الشفاء في الولايات المتحدة.وقد نشر الأديب فؤاد أفندي أفرام البستاني ترجمته المطولة في المشرق ( 23 ( 1925 ): 778 ؛ 824 ؛ 908 ).أما تآليفه التي خدم بها الآداب العربية فلا يجهلها أحد وأعظمها شأنا ترجمته لإلياذة هوميرس بالشعر العربي المتين ( 1 ) وقدم عليها درسا جليلا في تعريفها وفي الشعر العربي وآدابه.ومن آثاره كتابه عبرة وذكرى وصف فيه أحوال الدولة العثمانية قبل الدستور وبعده.وله متفرقات شتى كمقالات في المجلات والجرائد وكقصيدته الداء والشفاء وبحثه في الاختزال ومخطوطات تاريخية نتمنى أن ينشرها أنسباؤه. وفي 8 آب 1925 توفي ( الدكتور سليم بك عطية ) ولد في صافيتا سنة 1873 وتخرج في الكلية الأميركية في بيروت ودرس فيها الطب وأكمل دروسه في جامعة بلتيمور في الولايات المتحدة ثم انتظم في سلك الجيش المصري لما فتحت بلاد السودان فخدم الحكومتين المصرية والبريطانية وتولى هناك إدارة المستشفيات العسكرية بكل نشاط وحسن تدبير.وكان في أثناء عمله يكتب المقالات المستجادة عما يلحظه في تلك البلاد فتنشر في المجلات الأجنبية.وكان يحسن الكتابة في لغته الوطنية نثرا ونظما وتروى له عدة قصائد صنف بعضها بالشعر العامي بكل سلامة ذوقوفي أوائل ذاك الشهر من السنة عينها نشبت المنون أحد أدباء الروم الأورثذكس في الثغر ( وديع أبو رزق ) كان كتبا ضليعا حرر في الجرائد الوطنية نثرا ونظماوقد فقدت الآداب في عامنا الماضي بعض رجاله المعدودين أخصهم الكاتب الأديب الشهير ( سليم سركيس ) الذي رزى بوفاته حملة الأقلام لما أنسوه من تفننه في الكتابة توفي في 3 ك2 1926.كان مولده في بيروت في 11 أيلول 1869 فورث عن والده المرحوم شاهين حب الآداب.وبعد أن تخرج في المدرسة الوطنية ومدرسة عين زحلتا تعاطى فن الصحافة فبرع فيها وكتب زمنا طويلاً في جريدة لسان الحال.له فيها مقالات رنانة.ثم ساح في أوربة فأنشأ في لندن جريدة ( رجع الصدى ) وفي باريس ( كشف النقاب ) مع صديقه الأمين أرسلان.ونشر في مصر جريدته المشير التي أثار فيها غضب الدولة التركية حتى حكمت عليه بالإعدام غيابياً ولم يسكت عن بعض أعمال الدولة الألمانية فناله بعض أذاها.ثم رحل إلى أميركا فأنشأ الراوي والبستان وعاد إلى مصر فأنشأ مرآة الحسناء وختمها بمجلة سركيس فثبت على نشرها من السنة 1905 إلى آخر حياته.وهو لم يزل يكتب أيضاً في جرائد مصر الكبرى كالمؤيد والأهرام وفي كلها ما يشعر بخفة روحه وفكاهة نفسه ولزومه الصدق في الكتابة.ومن آثاره وصفه لمراقبة المكتوبجي في بيروت أيام الاستبداد ومقالاته ( في الزوايا خبايا ) نقد فيها بعض أعمال الإرسالية الأمريكانية.وكتاب سر مملكة وغير ذلك مما كان يسر بطرائفه القراء.وهو لا يبالي بانتقاد ولو شط ببعض كتاباتهوفي آخر ك2 1926 أيضاً توفي في بوغوتا كولمبية أحد المهاجرين إليها المرحوم ( إلياس ناصيف رزق ) تخرج في كليتنا البيروتية في الآداب العربية والفرنسوية وأنس من نفسه الميل إلى الكتابة فأنشأ مقالات نثرية وشعرية استحسنها الناس في الوطن والمهجر.وبرع أيضاً في اللغة الإسبانية وأصاب في المهجر ثروة كبيرة بما أنشأ من الدوائر التجاريةوفي 19 آذار 1926 لبى دعوة ربه ( الدكتور حبيب الدرعوني ) بعد أن استعد لأخرته استعداد الأبرار فختم حياته بالصلاح كما قضاها بالبر وعمل الخير.ولد المرحوم في زحلة وتلقى العلوم الأدبية والطبية في كليتنا البيروتية فكان من أنجب وأفضل طلبتها.وقد زاول فن الطب بكل نشاط ونزاهة ومحبة خاصة للفقراء.وعني مدة في مكتبنا الطبي بمعالجة داء الكلب.وكان الدكتور كاتباً بارعاً يحسن الكتابة بالعربية والافرنسية له فيهما عدة آثار منها ما نشرناه في مجلة المشرق.وكان ينظم الشعر أيضاً فمن ذلك نظمه لقسم كبير من كتاب الاقتداء بالمسيح أطلعنا على بعض فصوله الشائقةوفي 31 تموز من هذه السنة الأخيرة وقع في ساحة القتال مأسوفاً على شبابه ( عادل أفندي النكدي ).على أننا تمنينا لو لم يبارح الحياة في جملة مواطنيه الدروز الثائرين على الانتداب إذ قتل في إحدى الوقائع التي جرت في غوطة دمشق.ولد عادل سنة 1896 في أعبية وتخرج في مدرستها ثم أكمل دروسه في مدرسة بيروت العلمانية ونال شهادتها ودخل سنة 1914 مدرسة الحقوق الفرنسوية في بيروت ولم يتمها إلا بعد الحرب الكونية في القاهرة أولا ثم في لوزان ( سويسرة ) فنال شهادتها كمأذون ثم كدكتور وذلك في أوائل العام المنصرم.وكان عادل مشبعاً من أفكار الحرية والاستقلال فلما بلغته أخبار ثورة الدروز في حوران انتظم في سلكهم وصار أحد زعمائهم فقطعت المنية غصن حياته لدنا.كان عادل متعمقاً بالآداب العربية يكتب ويخطب وينشئ المقالات الواسعة.وقد نقل من الإفرنسية كتاب إتيان فلاندان في النظامات السياسية في أوربة الحالية فنشر قسمه الأول.وعرب أيضاً كتاب تربية الأحداث وكتاب الأصول الإدارية في الإسلام مع عدة مقالات سياسية وأدبية في الصحف الوطنية والأجنبيةوممن استأثر بهم الله في تلك السنة أحد أدباء الوطن الأستاذ ( شاكر عون ) ولد سنة 1845 وأرسل بعد حوادث سنة 1861 إلى مدرسة فرسايل الثانوية فبرع في علومها كالأستاذ المرحوم يوسف حرفوش.ثم دعي بعد رجوعه إلى بيروت إلى التدريس في المدارس الوطنية فقضى سنين طويلة في التعليم بمدرسة الحكمة ثم علم في مدرسة الشيخ عباس وكان أحد أعضاء الجمعية المارونية العلمية.ومن آثاره تعريبه لكتاب خطبة التاريخ العام لبوسويت مع الشيخ عبد الله البستاني.وأنشأ مجلة النديم وكتب في جريدة الروضة.وله مقالات متينة في فروع الآداب والمسائل الاجتماعية.توفي في 22 ت1 1926وآخر من نذكره في هذه الحقبة وطنيٌ ذائع الصيت من أرباب اليراع الناثر الشاعر ( طانيوس عبده ) توفي في بيروت في 2 ك1 1926 في مستشفى القديس جاورجيوس.أثر مرض جاء من مصر ليتداوى منه في وطنه.كان المذكور من أدباء القرن الحالي المشار إليهم بالبنان لوفرة مصنفاته الأدبية.نشر مقالات بليغة في الصحف وأنشأ صحيفة الراوي ثم مجلة الشرق وألف عدة روايات وعرب غيرها.فأقبل عليها الأدباء لحسن إنشائها وجودة سياقها وقد اشتهر خصوصاً بالشعر الرائق.فجمع منه قسما جناب صديقنا أنطون الجميل فنشر جزؤه الأول في مصر تحت عنوان ديوان طانيوس عبده.وفي هذا المجموع حسنات عديدة صورة ومعنى قد تفنن فيه الشاعر ما شاء.دونك مثالاً من شعره في وصف لبنان:

لبنانُ أنتَ قوَّة الضعيفِ

وملجأ الخائف والملهوف

ومستقرُّ العابد العكوفِ

في البرد والربيع والخريفِ

أما الصيف فهو شيءٌ ثاني

كل جبال الأرض مهما تعلو

فإنها لأخْمصْيك نعلُ

قد قدَّستك الأنبياء من قبلُ

وقد مَشتْ قدماً إليك الرسلُ

تستنزلُ الوحيَ من الرحمانِ

سبحان من أرساك يا لبنانُ

فليس زلزالُ ولا بركانُ

فيك ولا غيضُ ولا طوفانُ

بل كلُّ ما فيك هو الأمانُ

وطيّب الآمال والأماني

وقد رثاهُ الشاعر الرقيق الياس أفندي فياض بقصيدة مؤثرة أولها:

لا تبكهِ فاليومَ بدء حياتهِ

إنَّ الأديب حياتُهُ بمماتهِ

^

الباب الثاني

في المستشرقين المتوفين في هذه الحقبة الثالثة

الفرنسويون

فقدت رسالتنا في الإسكندرية في 14 شباط 1919 أحد مرسليها المنقطعين للدروس الشرقية والآثار المصرية الأب ( جول فيفر ) ( J.Faivre ) درس تاريخ الإسكندرية ونشره في دائرة العلوم التاريخية الكنسية ( Dict.D Hist.Ec - clesiastiqye ) وله كتاب في آثار كانوب ( أبو قير ) وخرائبها راجع المشرق ( 1926 ): 899 ) وله منشورات عن مصر وآثارها النصرانيةوفي 26 شباط من السنة التالية 1920 لحق إلى الأبدية المستشرق الفرنسوي ( مرسال دي لافوا ) ( M.Dieulafoy ) قرينته جان السابق ذكرها ( راجع الصفحة 79 - 80 ) توفي في باريس وعمره 76 سنة.قضى مع زوجته سنين طويلة في الأسفار إلى مصر والجزائر ومراكش وبلاد الشام والعجم وفيها تولى الحفريات ووصف آثارها في عدة مجلدات في عهد قدماء الفرس وفي زمن بني ساسان.وله تآليف في مراكش وفي رباط واشتغل بآثار البابليين والكلدان.ودرس أسفار التوراة كسفر أستير وسفر دانيال وأسفار الملوك ليطبق معلوماتها على ما اكتشفه بأبحاثه الخاصة.وكانت قرينته تشاركه في كل هذه الأعمال بل خدم كلاهما في حرب فرنسة وألمانية سنة 1870 وتطوعا في خدمة وطنهما في هذه الحرب الأخيرة.فكانا نفساً واحدة في جسمين منفردينومنيت فرنسة بفقدان مستشرق آخر تبع مرسال ديولافوا إلى القبر فتوفي بعده بثلاثة أسابيع المرحوم ( هنري بونيون ) ( H.Pognon ).ولد سنة 1853 وتوفي في شمباري في 16 آذار 1921.انكب منذ شبابه على درس اللغات الشرقية كالعبرانية والعربية والسريانية والبابلية وكان أول من درس اللغة الآشورية في مدرسة باريس العليا سنة 1878.وتعين كقنصل دولته في طرابلس الغرب ثم في بغداد.فكان بعد قيامه بواجبات منصبه يصرف كل زمانه في نشر الآثار الشرقية التي خلف منها عدداً وافراً.فمن ذلك تأليفه الفريد في الآثار السامية المكتشفة في الشام وفي ما بين النهرين وجهات الموصل.وهو الذي نشر كتابه نبو كدنصر التي وجدها في لبنان في وادي بريسا.ودرس ديانة الصابئة والآثار المندائية والكتابات الآرامية المكتشفة في جزيرة اليفنتين وله منشورات أخرى سريانية وآشوريةوفي السنة 1922 في 21 نيسان وقعت وفاة أحد كبار الأثريين المستشرقين المنسنيور ( لويس دوشان ) ( L.Duschesne ) توفي في رومية في 21 نيسان 1922.كان مولده سنة 1843.درس العلوم الدينية في المدرسة الرومانية العليا للآباء اليسوعيين في رومية.فتعرف بالأثري الكبير الكونت دي روسي فمالت أهواؤه إلى الآثار النصرانية القديمة فأولع بها.فمما نشره الكتاب الجليل المعروف بالكتاب الحبري ( Liber Pontificalis ) المتضمن سير قدماء الباباوات.ومن تآليفه كتاب في أصول مبادئ النصرانية وطقوسها.وله أيضاً كتاب في الكنائس الشرقية المنفصلة.وتاريخ الكنيسة في القرن السادس.وتعين المنسنيور دوشان رئيسا للمدرسة الفرنسوية الأثرية في رومية منذ السنة 1895.وقد نشر في المجلات العلمية مقالات ممتعة في عدة أبحاث شرقية أثرية.وقد أخذ عليه بعض الغلو في بسط آرائه الخاصةوفي شهر نيسان أيضاً من هذه السنة 1922 أسفت كلية الجزائر الفرنساوية على وفاة أحد رؤسائها الذي خص نفسه بإدارة دروسها العربية المرحوم ( جورج دلفين ) ( J.Delphin ).بعد أن رسخت قدمه في معرفة اللغة العربية باشر في تدرسيها في مدرسة وهران ثم انتدبته الحكومة إلى إدارة مدرسة الجزائر وإلى نظارة مدارسها الوطنية ودرس لهجات تلك البلاد ولغاتها العامية وعني بترقية المسلمين الأدبية واكتسب ثقتهم بأنسه ونشر عدة أبحاث عن الإسلام في الجزائر.وله كتب مدرسية عديدة تسهيلا لدرس العربية على مواطنيه.ومن منشوراته تاريخ الباشوات العثمانيين في الجزائر منذ السنة 921ه إلى 1158 ( 1515 - 1745م ) والمقامات العاولية في اللهجة المراكشية.ونشر في مطبعتنا الكاثوليكية سنة 1891 كتابه جامع اللطائف وكنز الخرائفوكما الجزائر فجعت أيضاً تونس في السنة 1922 بوفاة مستشرق آخر فرنسوي المرحوم ( لويس ماشويل ) ( L.Machael ) تولى زمناً طويلاً إدارة مدرسة تونس وعلم فيها العربية وصنف لها عدداً وافياً من الكتب المدرسية كدليل الدارسين ومنتخبات تاريخية وأدبية.وعني بتكرار غراماطيق البارون دي ساسي بعد نفوذه وأتقن أيضاً لهجات العامة في تونس ومراكش ونشر فيها روايات فكاهية.وكان استظهر منذ صغره القرآن على أحد أساتذة الجزائر وقد خلف معجماً كبيرا عربياً وافرنسياً تنوي الحكومة في نشره لوفرة مواده.وكان المذكور حر الأفكار لا يكترث لدينه لتربيته صغيراً في مدارس لا دينية فطلب أن يدفن دفناً مدنياًأصيبت الآثار الشرقية في 16 شباط 1923 بوفاة رجل خدمها نيفاً وستين سنة العلامة الأثري ( شرل كارمون غانو ) ( Ch.Clermont - Ganneau ) حل أجله في باريس وفيها كان مولده سنة 1846.وجه نظره منذ شبابه إلى الدروس الشرقية فدرس العبرانية والعربية وترشح للمناصب القنصلية في أنحاء الشرق فخدم دولته كترجمان ثم كقنصل في القدس الشريف ثم في الأستانة في يافا.وتجول في مصر والشام والأناضول واليونان وتولى حفريات عديدة ودرس عادياتها.وقد تفرد خصوصاً بوصف عاديات الشام وفلسطين.وكان أول ما أذاع صيته في عالم العلم اكتشافه لكتابة مشا ملك مواب الراقية إلى القرن التاسع قبل المسيح المكتوب بالحرف العبراني ففسرها كارمون غانو سنة 1869.ثم اكتشف سنة 1871 الكتابة اليونانية التي كانت في حرم هيكل أورشليم وهي تحظر على كل أجنبي الدخول للهيكل تحت طائلة الموت.ثم تعددت بعد ذلك اكتشافات ومنشورات كارمون غانو.وتبلغ قائمة تآليفه عشرين صفحة ناعمة.نخص منها بالذكر مجموعته ( دروس أثرية شرقية ) ومجلته ( مجموعة آثار شرقية ) في ثماني مجلدات.ومن تآليفه الممتعة كشفه الستار عن الآثار المزورة وكتابه ( فلسطين المجهولة ).وله فضل كبير على وطننا بأبحاثه العديدة عن كل عادياتنا الفينيقية والعبرانية والعربية والسريانيةوفي 6 تشرين الأول من هذه السنة 1923 بارح الحياة في عز كهولته المرحوم ( موريس بيزار ) ( M.Pezard ) الذي مشى على آثار كارومون غانو فتخصص بدرس الآثار الشرقية.ساح في العجم وألف كتابه عن عاديات شوشن مع المسيو بوتيه.ثم أتى سورية بعد الحرب فباشر الحفريات في قدس مدينة الحثيين في أنحاء مدينة حمص فوقف على كثير من عادياتها في السنتين 1921 و1926.وكان نشر قبل ذلك سنة 1920 كتاباً بديعاً في خزفيات الإسلام القديمة وأصلها.وقبل وفاته بقليل نشر مقالة واسعة عن كتابة المفرعون ساتي الأول ومقالات غيرها. وفي أوائل كانون الثاني من السنة 1924 علمنا بمزيد الأسف بوفاة أحد أنصار الدروس العربية المرحوم ( رينيه باسه ) ( R.Basset ) كان مولده سنة 1855.وإذ بلغ بعد دروسه الثانوية السنة الثامنة عشرة من عمره وقعت في يده كتابة قديمة لم يعرف شيئاً من أمرها فقيل له أنها كتابة عربية فكان ذلك داعياً لدرسه تلك اللغة ونبوغه فيها ولم يقصر نظره عليها بل أراد أيضاً أن يتقن بقية لغات الشرق كالفارسية والتركية والحبشية والقبطية فأصبح من أكبر اللغويين العصريين.إلا أنه تخصص بالعربية وباللغات السامية لا سيما مذ عهد إليه تدريس العربية في مدرسة الجزائر العليا سنة 1882.ثم تولى تدبير المدرسة فبلغها مقاماً ممتازاً وتعلم لغة البربر الساكنين في جبال الجزائر.وللمسيو باسّه تآليف عديدة تنبئ بسعة معارفه للشرق العربي الإسلامي منها تاريخية ومنها أدبية ومنها لغوية وله وصف رحل تجشمها إلى تونس وإلى السنيغال.ومن تآليفه مجموعة ( ألف حكاية وحكاية ) في عدة مجلدات منقولة إلى الافرنسية سبق لنا وصف مجلدين منها.ونشر تاريخ الحبشة لشهاب الدين أحمد بن عبد القادر المعروف بعرب فقيه مع ترجمته إلى الافرنسية.وله مقالات متعددة في المجلات الشرقية في فرنسة وفي الجزائر وتونس وفي دائرة العلوم الإسلامية.وكتب في الشعر العربي الجاهلي. وكان لرينة باسه ابن ( هنري باسه ) ( H.Basset ) يعده ليكون خلفه في دروسه الشرقية فلم يعش بعده إلا سنتين فتوفي في 13 نيسان 1926 في رباط في الثالثة والثلثين من عمره.كان خدم وطنه في الحرب فذاق مرارتها ثم تخصص بعدها بدرس الإسلام في كل مظاهره التاريخية والأثرية والاجتماعية.وتولى بعد أبيه نشر دائرة الإسلام الافرنسية.وله أيضاً تاريخ آداب قبائل البربر.وبهمته أنشئت سنة 1921 مجلة الدروس الماركشية والبربرية المعروفة باسم عسبربس ( Hesperis )وفي أواخر السنة 1923 كانت وفاة هنري سلادين ( H.Saladin ) الذي اشتغل مع المسيو ميجون في الكتاب النفيس المعنون بدليل الصناعة الإسلامية.وكان قبل ذلك نشر سنة 1888 كتاباً حسناً عن عاديات تونسفي الأسبوع الأول من كانون الثاني 1924 خسرت فرنسا إمام علمائها بالمسكوكات القديمة ( آرنست بابلون ) ( E.Babelon ) كان إليه مرجعهم في معرفة النقود العتيقة.نذكر منها دليل مسكوكات سورية والأرمن ودليل النقود العجمية وله دليل ثالث في الآثار الشرقية.ولد سنة 1854 ثم تضلع من علم اللغات السامية وتجول في الشرق متخصصاً بآثاره ومسكوكاته فنبغ فيها وتآليفه تبلغ عدة مجلداتومن مناعي السنة 1924 العلامة ( جاك دي مورغان ) ( J.De Morgan ) توفي في أواسط تلك السنة مخلفاً له ذكراً طيباً في عالم العلوم الشرقية لا سيما الأثرية.وكفاه فخراً ما تولاه من الحفريات في العراق والعجم.فإليه يعود الفضل لاكتشافه في شوشن شرائع حمورابي الراقية إلى أوائل الألف الثاني قبل المسيح.واكتشف مسلة الملك البابلي نارام سين وتمثال الملك نابير أسو وآثار أخرى عديدة للعيلاميين تزين اليوم متحف باريس وغيرها.وقد نشر كثيراً من تلك الآثار مع العلامة الأب شيل الدومنيكي.وله تاريخ الأرمن وتآليف في عاديات مصر وفي أصول الشعوب وآثارهم السابقة للتاريخ.وقد اعتزل الأشغال في أواخر حياته لما وجد من المعاكسة في بعض زملائه فمات خاملاًوممن نشبت فيهم المنون مخالبها منذ عهد قريب الأستاذ المستشرق ( بول كازانوفا ) ( P.Casanova ) الذي توفي في 24 آذار 1926 درس اللغات الشرقية في مكتب باريس المختص باللغات الشرقية الحية ونال شهادتها ثم علم العربية وآدابها في جامعة فرنسة سنة 1909 بعد أن أسند إليه في مصر بصفة نائب مدير معهد الآثار الشرقية الفرنساوي.وكانت الجامعة المصرية انتدبته ليلقي فيها دروساً شرقية سنة 1925 فلم تطل مدته وتوفي وهو مستعد ليأتي إلى بيروت ويحضر مؤتمرها الأثري مع عالم آخر جورج بنديت ( G.Benedite ) فتوفي كلاهما في أسبوع واحد.وللمرحوم كازانوفا من التآليف ترجمة المقريزي لوصف مصر وترجمة تاريخ ابن خلدون في قبائل البربر.وكتاب في محمد وآخر العالم.وكان المرحوم مولعاً بعلم النقود القديمة الإسلامية وبآلات العرب الرصدية وبمكاييلهم وموازينهم.وقد رددنا عليه في بعض تطرفهوكان آخر من فجعت به الآداب العربية وذلك في 2ك2 السنة 1927 المستشرق الممتاز ( كليمان هوارت ) ( Cl.Huart ) الذي أدى للعلوم العربية خدماً مشكورة.ولد في باريس في أواسط شباط 1854 وانكب منذ شبابه على الدروس الشرقية له عدة تآليف تركية وفارسية.ومما خدم به اللغة العربية خصوصاً كتابه في الآداب العربية سنة 1902 ثم تآليفه في تاريخ العرب في مجلدين ( 1912 ) ثم نشره وترجمته لكتاب البدء للمقدسي في ستة مجلدات ( 1899 - 1909 ) وتاريخ بغداد في القرون المتأخرة ( 1901 ) وكتاب في الخطوط العربية وتزيينها بالمينا في الشرق الإسلامي ( 1908 )نضيف إلى هؤلاء اثنين من آباء كليتنا الأب ( فرنسيس تورنبيز ) ( Fr.Tournebize ) والأب ( لويس بولوموا ) ( L.Bouloumoy ) خدم الأول الآداب الشرقية بعدة مصنفات أخصها تاريخ مطول لأرمينية السياسية والدينية ( 1910 ) ثم الكنيسة الرومية الأرثذكسية والاتحاد ثم مقالات عديدة علمية ودينية وتاريخية عن الأرمن والدروز والرسالات الشرقية وتراجم بعض المرتدين إلى الكثلكة أو بعض مشاهير الرجال توفي في 11 آذار 1926.أما الثاني فكان أحد أساتذة الطبيعيات في المكتب الطبي الفرنساوي تخصص بعلم الميكروبات وعلم النبات.له في هذا العلم الأخير كتاب نفيس وصف فيه نبات الشام بناء على ما جمعه من أصنافه في لبنان ومستنبته الشهير ( المشرق 16 ( 1913 ): 277 ).طبع حديثاً في باريس.

المستشرقون الإنكليزيون

تأسف المستشرقون غاية الأسف على وفاة أحد أشراف الإنكليز ( السر شرل جيمس ليال ( Sir Ch.J.Lyall ) رافع لواء العلوم الشرقية لكنه امتاز خصوصاً بمنشوراته العربية فنشر وترجم مجموعاً من شعراء العرب القدماء وشرح المعلقات للتبريزي ودواوين عبيد بن الأبرص وعامر ابن طفيل وعمرو بن قميئة.ونشر في مطبعتنا ديوان المفضليات للضبي مع شروحها وتذييلها بالملحوظات اللغوية والأدبية وترجمتها إلى الإنكليزية التي كان أحد رؤسائها وفي دائرة المعارف الدينية والأخلاقية وغيرهما توفي في غرة أيلول 1920 وعمره 76 سنة. وفي أوائل كانون الثاني سنة 1925 فقد الإنكليز أستاذ آخر من أساتذة العلوم العربية المرحوم ( كارليل ماكرتناي ) ( C.H.H.Macartney ) بعد نشره لديوان شعر ذي الرمة مع شرحه وتذييله بالحواشي اللغوية والروايات المختلفة والفهارس طبعه في كمبدرج 1919. ومن كبار المستشرقين الذي فجعت الآداب الشرقية بوفاته في العام الماضي 1926 في 5 ك2 ( أدوار برّون ) ( Ed.G.Browne ) أستاذ الآداب العربية والفارسية في جامعة كمبردج توفي وعمره 64 سنة أحرز له فخراً أثيلاً بتآليفه الواسعة لا سيما الفارسية والعربية.منها وصفه للمخطوطات الإسلامية في جامعة كمبردج في أربعة مجلدات وتاريخه الكبير المعجم وللآداب الفارسية في أربعة مجلدات أيضاً.ونشر مجاميع من شعراء الفرس وتواريخهم وتاريخ خراسان وتاريخ السلجوقيين وتاريخ أصفهان وتاريخ البابية والبهائية ورحلته إلى فارس ومذاكرة الشعراء لدولتشاه ولباب الألباب لمحمد عوفي وتاريخ الطب عند العرب وكتاب نهاية الأرب وفي أخبار الفرس والعرب. وفي العشرين من الشهر والسنة عينهما توفي الرحالة الإنكليزي ( شرل دوتي ) ( Ch.M.Doughty ) عن 82 سنة اشتهر برحلته إلى جزيرة العرب فسار من دمشق سنة 1876 على طريق الحج حتى بلغ الحجر وزار مدائن صالح والعلا وتيماء ونسخ عدداً من الكتابات المنقورة على صخورها وبلغ إلى حايل وخيبر ولقي في طريقه ضروب المشقات حتى كاد يذهب ضحية تهوره.ولما عاد إلى وطنه سالماً بعد سنتين نشر أخبار رحلته مع صورة الكتابات التي نسخها. وفي السنة 1926 فقدت إنكلترا سيدتين اشتهرتا أيضاً بخدمة الآثار الشرقية.ففي 26 آذار توفيت السيدة ( أغنس سميث لويس ) ( Agnes S.Lewis ) التي تخرجت في جامعة كمبردج ثم تجشمت عدة أسفار إلى مصر وفلسطين واليونان وقبرص وطورسينا مع أختها السيدة جبسون.وقد كتبت أخبار رحلتها إلى قبرص وطورسينا حيث اكتشفت في مكتبتها عدة مخطوطات قديمة سريانية وعربية ويونانية من جملتها نسخة قديمة سريانية من إنجيل مار متى.وقد نشرت مجموعة من تلك الآثار دعتها الدروس السيناوية ( Studia Sinaitica ).وقد عرف لها وطنها خدمها فمنحها وسام الشرف.كان مولد أغنس لويس سنة 1843. أما الثانية فهي الآنسة ( برترودة بل ) ( Gert.Bell ) توفاها الله في بغداد في 12 تموز وهي التي دعيت بملكة العراق لِما أدته من الخدم للحكومة الإنكليزية في العراق بعد أن فوض إليها الانتداب على تلك البلاد.عرفنا هذه الآنسة التي زارت كليتنا غير مرة قبل الحرب وبعدها فكنا معجبين بهمتها ونشاطها فأنها طافت أصقاع الجزيرة والعراق والأناضول ونزلت بين قبائل العرب والترك ودرست آثار البلاد الدينية والمدنية وفنونها وصنائعها ووصفت كل ذلك بعدة تآليف من قلمها بالإنكليزية ومن أفضل مصنفاتها كتابها عن كنائس وأديار طور عابدين وكتابها في بادية الشام وآثارها وكتابها في الحضر والمدر ووصفها لأمد مع المرحوم مكس فأن برشم ولألف كنيسة وكنيسة بمعية العلامة رمساي ومن مراد إلى مراد ( Amurath to Amurath ) ولما وصف قصر أخيضر القديم في العراق وغير ذلك مما قضى منها العجب.

المستشرقون الألمانيون

كان أول من منيت به منهم الآداب الشرقية بعد نهاية الحرب في 5 كانون الأول سنة 1919 الدكتور ( مرتين هرتمان ) ( M.Hartmann ) الذي عرفناه في بيروت زمناً طويلاً ككنشليار دولة ألمانية.ولد في برسلو سنة 1851 وقضى في برلين.كان ابن أحد قسوس البروتستانت ورث منه تحمسه لمهذبه ومعاداته للكثلكة. .صرف أكبر قسم حياته في درس اللغات الشرقية ولا سيما العربية ونشر آدابها.وكان أحد منشئي مدرسة اللغات الشرقية في برلين والمتولين على نظارتها.وقد نشر كتباً عديدة تنبئ من طول باعه في العربية منها كتابه في الصحافة العربية في مصر سنة ( 1899 ) وكتاب في العروض العربي وكتاب في الإسلام وأنشأ المجلة الإسلامية ومجلة عالم الإسلام ورحل إلى جهات مصر وسورية وتركستان وألف كتاباً عربياً لتعليم اللغة الألمانية.وله انتقادات على رسالتنا السورية جاوز فيها حدود العدل ثم أقر لنا بمغالاته.وقد نشرنا له في المشرق مقالته في درس اللهجات العامية.أوصى عند وفاته أن تحرق جثتهوفي 11 كانون الثاني 1920 أسلم روحه في يد خالقه أحد آباء رهبانيتنا الألمانيين من كبار المستشرقين علماً الأب ( جان نيبوسيق ستراسميار ) ( J.N.Strassmayer ) الذي كان متقناً للغات الشرقية لا سيما السريانية والعربية لكنه قضى معظم حياته في نشر الآثار المسمارية، وهو أول من وضع لها معجماً بناه على كتاباتها الحجرية المحفوظة في المتحف البريطاني في لندن ونشر مع الأب اليسوعي لبنغ كتاباً عن معارف الكلدان في الفلكيات استناداً إلى آثارهم القديمة التي حلاّ رموزها.وكان مع دروسه هذه يقضي ساعات من نهاره في خدمة كاثوليك لندنوفي العام التالي في 27 كانون الثاني 1920 استأثر الله بأستاذ ألماني عالم وعامل المرحوم ( كرستيان فردريك سيبولد ) ( F.Ch Seybold ) مات في توبنغ بعد أن علم سنين طويلة.ولد في أوائل سنة 1859 وبعد أن تخرج في جامعة توبنغ في علومها اللاهوتية والفلسفية واللغوية أنتدبه ملك البرازيل دون بدرو الثاني ليعلمه اللغات الشرقية وخصوصاً العربية والسنسكريتية فرافقه إلى البرازيل وتعلم هناك لغات الوطنيين في تلك البلاد وكان متفقاً للبرتغالية والإسبانية ثم دعي إلى اللغات الشرقية في جامعة توبنغ فعلم العبرانية والسريانية والفارسية.وقد فضل عليها تعليم العربية فوصف مخطوطات مكتبة الجامعة ونشر مؤلفات عربية مهمة كأسرار العربية لأبن الأنباري والشماريخ في علم التاريخ للسيوطي والمنى في الكنى له وكتاب المرصع لأبن الأثير والكتاب الدرزي النقط والدوائر ورواية سول وشمول مع ترجمتها إلى الألمانية.ونشر أيضاً معجماً قديماً لاتينياً لمؤلف غفل وطبع في مطبعتنا الكاثوليكية قسمين من تاريخ بطاركة الإسكندرية لأبن المقفع أسقف الأشمونين.هذا إلى مقالات عديدة بقلمه في المجلات الشرقية الألمانية. وفي شهر حزيران من تلك السنة 1921 خسرت مونيخ عاصمة بافارية أحد أساتذة جامعتها في عز كهولته المستشرق ( أرنست لندل ) ( E.Lindl ) معلم اللغات الشرقية.نشر بعض التآليف في البابلية والآشورية وما يستفاد من آثار المسمارية تأييداً لمرويات الأسفار المقدسة.وفي آب من العام التالي 1922 خسرت مونيخ ناظر مكتبتها الدكتور ( جوزف أومر ) ( Jos.Aumer ) الذي كنا اختبرنا لطفه ومعارفه الشرقية.ومن آثاره وصفه المدقق المخطوطات العربية التي تحفظ هناك. ومن علماء المستشرقين الألمان المتوفين في ذلك العام الدكتور ( فردريك كرن ) ( Fr.Kern ) توفي في برلين في تشرين الثاني 1921.كان يعلم في عاصمة بروسية العربية والآداب الإسلامية ويعاني الآثار الشرقية في بابل والهند ومن تآليفه كتابه في تاريخ البوذية في الهند. وأعظم منه شهرة إمام الدروس السامية في برلين الأستاذ الدكتور ( فرنتس ديلتيش ) ( Fr.Delitsch ) المتوفى في كانون الثاني 1923 تعاطى كل العلوم الشرقية وإنما اشتهر خصوصاً بتآليفه المتعددة عن الآثار البابلية وشرح الأسفار المقدسة العبرانية والآرامية. ومثله شهرة صديقنا الدكتور ( كرل بتسولد ) ( Carl Bezold ) توفي أيضاً في كانون الثاني من السنة 1923 كان أستاذ اللغات السامية في هيدلبرغ.أدار سنين طويلة المجلة الآشورية التي أودعها كنوزاً ثمينة من معارفه في كل لغات الشرق كالكلدانية والسريانية والعربية والحبشية.وله تآليف فريدة في كل الآثار الشرقية ونشر في العربية والحبشية الكتاب المصنوع المدعو ( عهد آدم ) وتاريخ ملوك الحبش المعروف بكبرا نغست إلا أن معظم تآليفه في الآثار البابلية. وآخر من أسفت على فقده العلوم الشرقية الدكتور ( فليكس بيزر ) ( F.Pciser ) منشئ مجلة الآداب الشرقية الألمانية ( OLZ ) أدارها عدة سنين وبين رسوخ قدمه في معرفة كل آثار الشرق ولا سيما اللغات السامية القديمة والحديثة.تشهد له المقالات الفريدة التي تحفل بها المجلة كل أبواب المعارف الشرقية توفي في 24 نيسان 1925

النمساويون والمجريون والسويسريون

في أول جمعة من الهدنة بعد الحرب في 9 تشرين الأول 1918 توفي في فينة ( الكافليار جوزف فون كرابتشك ) ( J.Karabcek ) ولد سنة 1845 في غراتس حاضرة ستيريا من أعمال النمسة سابقاً.درس في جامعة فينة ثم سافر إلى بناس وحصل على مجموعة مسكوكات عربية قديمة فانقطع إلى درسها ووصفها فعينته الحكومة النمساوية معلماً للآثار الشرقية وتوفقت الدولة بحصولها على آثار بردية عربية راقية إلى أوائل الفتح الإسلامي في مصر وُجدت في الفيوم سنة 1881 فعُهد إليه درسها فوصفها وتعين أستاذاً لتاريخ الشرق وعادياته فنشر في كل هذه الفنون مقالات واسعة في مجلة العلوم الشرقية النمسوية ( WZKM ). وفي أوائل السنة 1920 توفي في براغ عاصمة بوهيميا النمسوية أستاذ اللغات الشرقية ( رودلف دفوراك ) ( R.Dvorak ) له تأليف في شعر أبي فراس الحمداني وترجمة حياته في الألمانية ونشر ما ورد من شعره في يتيمة الدهر للثعالبي مع ترجمته.طبعه في ليدن سنة 1825 وله تأليف في ألفاظ القرآن المعربة. ودُهمت الآداب العربية في السنة 1921 بوفاة مستشرقين كبيرين شاع فضلهما على العالم العربي: الأول ( ماكس فان برشم ) ( Max Van Berchem ) ولد في جنيف في سويسرة سنة 1863 ودرس في مدارسها وفي مدارس ألمانية ثم تخرج في مدرسة باريس المعروفة بمدرسة اللغات الشرقية الحية ثم في المجمع العلمي الأثري الأفرنسي في مصر فقصد أن يطرق باباً جديداً قلماً طرقه المستشرقون قبله فأنه حاول نشر الكتابات العربية الأثرية التي كتبها المسلمون على أبنيتهم القديمة من جوامع ومدارس وقصور ومعاهد عمومية ومدافن مقسماً ذلك إلى عدة أجزاء على حسب اختلاف البلاد وهو عمل جباري يحتاج إلى جماعة كبيرة وسياحات بعيدة وقد نشر من ذلك عدة مجلدات ممتعة كآثار مصر وحمص وديار بكر وآثار الصليبيين.وله تآليف أثرية أخرى في المجلات الاختصاصية.والأمل معقود أن يواصل عمله هذا بعض ذوي الهمة كالمسيو فيات وغيره.وقد تعين المرحوم زمناً طويلاً كأستاذ اللغات الشرقية في جنيفا عاصمة وطنه توفي في 7 آذار.وبعد وفاته نشرت قرينته سنة 1923 في كتاب خاص ترجمة حياته من أقوال العلماء ثناء على أعماله. أما المستشرق الثاني فهو الكاتب الضليع الواسع الشهرة الموسوي ( أغناطيوس غولدستهير ) ( Ign.Goldziher ) الذي عرفناه في مؤتمري برلين وستوكلهم سنة 1909.ولد في المجر في 22 حزيران 1850 ودرس على كبار المستشرقين الألمانيين في ليبسيك ثم تفرغ للتدريس سنة 1870 في بودابست ومذ ذاك الحين لم يزل يكد ذهنه ويسهر جفنه في الأبحاث الشرقية وعلى الخصوص الأبحاث في العلوم الإسلامية بعد سياحته إلى الشام ومصر سنة 1873 ( 1 ) فخلد اسمه بمنشوراته النفيسة عن الإسلام وعلومه الدينية والأدبية واللغوية.فمما نشره كتابه في مذهب الظاهريين ( 1884 ) ودروسه الإسلامية في مجلدين ضخمين ( 1888 - 1890 ) وديوان الحطيئة جرول بن اوس ( 1890 ) وأبحاث في اللغة العربية ( 1896 - 1898 ) في جملتها كتاب المعمرين.وله محاضرات جميلة في الإسلام ومعتقداته وأصوله وفي الحديث النبوي.وكان آخر ما أصدره من قلمه سنة 1920 كتاباً ممتعاً في اعتبار الشيع الإسلامية للقرآن وما بنو على نصوصه من الآراء المتباينة.توفي في 13 تشرين الثاني 1921. وفي كانون الثاني من السنة 1922 لقي أجله في مدينة بال في سويسرة أستاذ جامعتها ( فردريك شولتس ) ( Fr.Shulthess ) الذي تخصص أيضاً بدرس العربية والأبحاث الشرقية ومما نشره ديوان أمية بن أبي الصلت جمعهُ من المقاطيع المبثوثة في كتب العلماء سنة 1922 ونشر أيضاً أبحاثاً أدبية في الدين الإسلامي وله تأليف في لغة السيد المسيح وغير ذلك.

المستشرقون الإيطاليون

أصيبت الدروس الشرقية في إيطالية بضربة مؤلمة بوفاة العلامة ( سلستينو سكيابارلي ) ( Celestino Schiaparelli ) الذي ولد في 14 أيار 1841 في بيامونتي وتوفي في رومية في 26 تشرين الأول سنة 1919 درس العربية في فلورنسة على الأستاذ ميشال أماري الشهير ثم تعين معلماً للغة العربية في جامعة رومية الوطنية.ومن آثار همته الطيبة نشره لديوان ابن حمديس الصقلي سنة 1897 ثم نشر رحلة ابن جبير مع ترجمتها الإيطالية ( 1906 ) ونشر في فلورنسة معجماً عربياً قديماً سنة 1871.ونشر مع الأستاذ أماري القسم المختص بإيطالية من نزهة المشتاق للإدريسي عن إيطالية في كتاب آخر يدعى أُنس المُهج وروض الفرج عن نسخة وجدها في الأستانة.وكذلك كتاب ابن الهائم الذي عنوانه مرشدة الطالب في أسمى المطالب وغير ذلك من آثاره الطيبةوفي 5 ك1 1920 خسرت إيطالية أستاذاً آخر ضليعاً من العلوم الشرقية الأستاذ ( إيتالو بيزي ) ( Italo Pizzi ) المولود في بارما سنة 1849 تخرج في جامعة بيزا وتعين للتدريس في جامعة تورينو.وقد اشتهر خصوصاً بعلمه للغة الفارسية وفيها نشر معظم تآليفه.وقد اشتغل كذلك بالعربية فنشر كتابه في آدابها بالطليانية سنة ( 1903 ) وألف أيضاً كتاباً في الإسلام.وعني بالآداب الهندية واللغة السنسكريتيةولا يقل عن هؤلاء شهرة الأستاذ ( أوجيانو غربفيني ) ( Eug.Griftini ) الذي توفي في 3 أيار 1925.كان مولده في ميلانو في أواخر سنة 1878 وبعد دروسه بلغه أن أحد مواطنيه يتاجر في صنعاء يدعى يوسف كبروتي فسافر إلى اليمن واجتمع به وساح في تلك البلاد وباع من كبروتي عدداً من مخطوطاتها التي وصفها ثم أوصى بها لوطنه بعده وتسيح أيضاً في طرابلس الغرب وهو يتزيا في أسفاره بأزياء العرب.ودعاه في آخر عمره جلالة الملك فؤاد كناظر مكتبته الخاصة في القاهرة فتوفي بعد قليل.ومن آثاره نشره نسخة قديمة من شعر الأخطل وجدها في اليمن وطبعها في مطبعتنا ونشر كذلك كتاب جامع الفقه لزيد بن علي نشره في ميلانو سنة 1919

المستشرقون الأميركيون

توفي في السنة 1921 أحد مشاهير العلماء المستشرقين في أميركا الدكتور ( موريس جاسترو ) ( Morris Jastrow ) كان من أساتذة جامعة فيلادلفية وكان موسويا أتقن في مقتبل عمره اللغات السامية وخصوصاً العبرانية والعربية.وكانت باكورة منشوراته كتاب أبي زكريا يحيى بن داود هيوج نشر نصه العربي في ليدن.ثم تعاطى العلوم الآشورية فأصبح أحد أساطينها ونشر عدداً عديداً من آثارها.وكذلك درس الأسفار المقدسة وعني بشرحها لكنه لم يرع في انتقاداته جانب الاعتدال.وله أبحاث عديدة في الأديان وأصولها وأطوارها ومن تآليفه المفيدة معجم للغة اليهودية الآرامية كالترجوميم والتلمودين البابلي والأورشليمي والمداريش.وله تاريخ التمدن في بابل وآشور ووصف أديانهماوفي 12 كانون الثاني سنة 1923 أسفت الجامعة الأمريكية في الثغر على فقد أستاذها في التاريخ والفلسفة الدكتور ( هارفي بورتر ) ( Harvey Porter ) وهو في التاسعة والسبعين من عمره.ولد سنة 1844 وقدم سورية سنة 1870 فخدم الجامعة الأمريكية بكل نشاط وإخلاص إلى السنة 1914.ومما خدم به العلوم الشرقية اهتمامه بالعاديات والنقود العربية.وألف كتاب النهج القويم في التاريخ القديم بالعربية وساعد الدكتور ورتبارت في معجمية المطول والمختصر العربي والإنكليزي وصنف بالإنكليزية تاريخاً مختصراً لبيروتهؤلاء أخص المستشرقين الذين بارحوا الحياة في الحقبة الثالثة فاستحقوا شكر مواطنيهم وكشفوا لنا كثيراً من كنوز أوطاننا الدفينة جازاهم الله خير جزائه^

البحث الثاني

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي