تاريخ الآداب العربية (لويس شيخو)/نظر في الآداب العربية في هذه الحقبة

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

نظر في الآداب العربية في هذه الحقبة

نظر في الآداب العربية في هذه الحقبة - تاريخ الآداب العربية (لويس شيخو)

هي الحقبة الثانية من الآداب العربية في هذا الربع الأول من القرن العشرين وهي تتناول عشر سنوات أولها إعلان الدولة التركية بالدستور وآخرها ختام الحرب الكونية. وما يقال عنها إجمالاً أنها ابتدأت بالفرح ولم يلبث أن عقبها الحزن والشقاء فتأثرت بها الآداب العربية وجمعت بين المتناقضين.فكان صدى الأفراح والأحزان يسمع متناوباً في صرير الأقلام المعربة عن عواطف القلوب. أعلن بالدستور العثماني بعد فوز الحزب العسكري في الآستانة في 24 تموز 1908 فكان لهذا النبأ فرح شمل عموم الرعايا في تركية واستبشر به الجميع خيراً وشَعَرَ الناس كأن حِملاً باهظاً سقط من كواهلهم أو حُلت عنهم ربقة الاستعباد وكٌسِرت أغلال أسرهم.فانطلقت الألسنة بالمديح وشحذت الأذهان بالقريض فضاقت صفحات الجرائد عن استيعاب ما تُنتج به القرائح من الفصول الشائقة والقصائد الرنانة الرائقة. وما لبثت الجرائد المصرية والمغربية والأميركية من مسلمين ودروز ونصارى تضرب على الوتر عينه فتارة تطوى الحرية وتحبذ المساواة والإخاء.وتارة تسلق بسهام حادة تركية وسلطانها المستبد وحياناً ترفع إلى السحاب نيازي وأنور وطلعت وجمالاً وتُسّكر بمحامد تركية الفتاة لا سيما بعد أن اضطرت عبد الحميد إلى النزول عن عرشه مخلوعاً منفياً إلى سالونيك يبكي على سلطانه المفقود. على أن هذه الأفراح لم تلبث أن ترنق صفاؤها بما ظهر للمفرحين من استبداد كان شراً من الاستبداد الحميدي بتطرف ضابطي أزمة الأمور من جمعية الاتحاد والترقي إذ تحاملوا على مَن لم ينحز على رأيهم فرفعوا البعض منهم على الأعواد وأذاقوا غيرهم ضروب العذابات التي اعتادها همج الشعوب.فكفت تلك الكتابات عن تزميرها وتطبيلها وغيرت لهجتها نوعاً إلا أنها خوفاً من عقاب الحزب المتولي في الدولة لم يجسروا أن يعلنوا بمآثمهِ. ثم زادت الأحوال حراجة بمكايد جمعية الاتحاد والترقي وتقبلت الوزارات وتعددت الأحزاب وبلغت أمور الدولة التركية منتهاها من الاضطراب بحربيها مع إيطالية سنة 1911 - 1912 ومع الدول البلقانية 1912 - 1913 فقدت آخر ولاياتها في أفريقية طرابلس الغرب وكادت الدول البلقانية تأتي على ولاياتها الأوربية لولا ما وقع بينها من النزاع.فوجدت هذه الأحوال كتبة وشعراء طنطنوا بمعاظم تركية وبالتشنيع على أعدائها الإيطاليين والبلغار. وكانت ثالثة الأثافي الحرب الكونية التي انحازت فيها تركية إلى الدول المركزية مدفوعة إلى تحزبها بمواعيد ألمانية العرقوبية وبمطامع بعض زعمائها الساعين وراء مصالحهم الخاصة فكان ما كان بكسرة ألمانية والمحاربين في جانبها فخرجت منها تركية مذللة خاسرة. أما الآداب العربية في مدة تلك الفوضى فإنها كاد يقضى عليها بمصادرة الجمعيات العربية وشنق بعض أصحابها وإقفال المدارس ومناصرة اللغة التركية وتعطيل معظم الجرائد الوطنية والمطابع الأجنبية والحرة في أنحاء دولة الأتراك في بيروت ولبنان وفلسطين وأنحاء الشام والعراق.أما في الخارج في مصر وأميركا فإن النهضة العربية بقيت على حالتها إلا أنها لم تترق لانقطاع معاملاتها مع بلاد الشرق التي منها تستمد كثيراً من مواد حياتها وبانشغالها بأمور الحرب وأطوارها. أما أوربة فإن غيرة علمائها في درس العلوم الشرقية عموماً والعربية خصوصاً لم تخمد فإنها من السنة 1908 إلى السنة 1914 ثبتت على خطتها من النمو والنجاح كما تشهد عليها مؤتمرات المستشرقين الدولية سنوياً والعدد العديد من المطبوعات الجديدة التي نشروها ومن الآثار القديمة التي وقفوا عليها.وإنما تأثرت أيضاً بالحرب العمومية لفقدانها عدة من المستشرقين الذين هجروا الدروس ليدافعوا مع مواطنيهم في ساحات الحرب عن حرمة بلادهم. ومع ما رأيت من نكبة الآداب العربية في هذه الحقبة لا بد من الاعتراف بهمة الحكومة المصرية في تحسين مدارسها الوطنية وسعيها إلى زيادة مصاريف برنامجها لتعميم المدارس ولإنشاء مدارس عليا وجامعة وطنية تلقى فيها الدروس العلمية الخاصة ينتدب إليها أساتذة بارعون من الوطنيين والأجانب وهذه الجامعة المصرية تقوم بثلاثة أقسام كبيرة وهي: كلية الآداب تشمل الآداب العربية وعلم مقارنة اللغات السامية وتاريخ الشرق القديم وتاريخ الأمم الإسلامية والفلسفية العربية.ثم قسم العلوم الاجتماعية والاقتصادية.ثم كلية السيدات.وكان شروع الجامعة بهذه العلوم السنة 1910. وكانت الجامعتان البيروتيتان الأميركية والفرنسوية زادتا ترقياً واتساعاً في هذه الحقبة الثانية ففي السنة 1909 أضافت الكلية الأميركية إلى مدرستها الطبية ثلاثة مستشفيات للنساء وللأطفال ولأمراض العيون.وأنشأت في السنة 1910 مجلتها ( الكلية ) في العربية الإنكليزية.أما الكلية اليسوعية فأقيمت لمدرستها الطبية معاهد جديدة فسيحة قريباً من رأس النبع على طريق الشام صار تدشينها برونق عظيم في 19 تشرين الثاني سنة 1912 ثم فتحت برتبة فخم في 21 من الشهر في العام المقبل.أما معاهدها القديمة فخصصت بفرع جديد من الدروس العليا أعني مدرسة الحقوق التي أنشئت سنة 1913 وغايتها أن تجدد مفاخر مدرسة الحقوق الرومانية التي أكسبت بيروت مدة ثلاثمائة سنة مجداً مؤثلاً أوقفته نكبات الزلازل التي هدمت المدينة في القرن السادس للمسيح.وفي تلك الأثناء أنشئت للمسلمين في دمشق مدرسة طبية وفي بيروت مدرسة حقوقية كان التعليم فيها باللغة العربية. ومما أنشئ من المجلات النفيسة قبل الحرب مجلة المقتبس سنة 1324 لصاحبها السيد محمد كرد علي في دمشق.ومجلة الآثار في زحلة سنة 1911 لمنشئها عيى أفندي أسكندر المعلوف.والنبراس لصاحبها مصطفى أفندي الغلاييني سنة 1327 والكوثر للأديب بشير رمضان وكلتاهما في بيروت.وأنشأ أيضاً في بيروت الأبوان يوسف علوان اللعازري ويعقوب الكبوشي مجلتي الجسمانية وصديق العائلة.والقس يوسف الشدياق الأنطونياني نشر في بعبدا سنة 1911 كوكب البرية.ونشر العرفان أحمد أفندي عارف زين الدين في صيداء سنة 1328 - 1910.أما مصر فتعددت المجلات المستحدثة نخص منها بالذكر مجلة الزهر للشيخ أنطوان أفندي الجميل ( 1910 ) والمرآة الخليل أفندي زينية.

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي