تمرينات يومية على الحب ..

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

أبيات قصيدة تمرينات يومية على الحب .. لـ نزار قباني

1
منذ مليون سنة قبل التاريخ .
إلى مليون سنة بعد التاريخ .
وأنا أتمرن على رياضة الحب …
أستنشق بعمق ..
وأزفر بعمق .
وأدلك جسدي وقصائدي
بزيت البنفسج .
وأقفز من عبارة إلى عبارة ..
ومن استعارة إلى استعارة ..
ومن شرفة نهدك الأيمن ..
إلى شرفة نهدك الأيسر ..
حتى أحتفظ بلياقتي الجسدية ..
ولياقتي اللغوية ..

2
منذ أن شممتُ رائحة الأنوثة ..
وأنا أتمرن على أعمال العشق بدون توقف .
كما يتمرن مغني الأوبرا أمام المرآة ..
والممثل على قراءة النص المسرحي .
وراقص الباليه على رسم خطواته .
وقائد الأوركسترا على إدارة العازفين .

3
لم أكن أؤمن بالفوضى والارتجال
لا في الحب .. ولا في الشعر ..
كنت أبحث دائماً
عن لغة جديدة تنبهرين بإيقاعاتها
وعن قصيدة جديدة ..
تنامين على حرير كلماتها .
وعن قبلة استثنائية
تغير تاريخ شفتيك !! .

4
من أن كنتُ في بطن أمي
وأنا أخطط كي تكوني حبيبتي .
ومنذ أن احترفت الرسم بالكلمات
وأنا أقاتل عشيرتي
حتى تسمح لي أن أتمشى معك قليلاً
في شارع الحضارة …

5

في كل قصة حب أدخلها
أبقى ملتزماً بتقاليد الصهيل …
ونقاء السلالات ..
ومروءات الخيل العربية ..
وأتعامل معك كما يتعامل الرسام مع لوحته ..
والموسيقي مع معزوفته ..
والنحات مع منحوتته ..
والعصفور مع جدول ماء …

6
لا أريد أن أحبك ، كيفما اتفق ..
وأبعثر أحاسيسي أمامك ، كيفما اتفق ..
أريد أن أدوزنك كما أدوزن شعري
وأهندس صدرك على طريقة العمارة الأندلسية ..
أو الرومانية ، أو البيزنطية ، أو الفرعونية ..
وأجعل كل قبة من قبابك ..
وكل قوس من أقواسك ..
وكل قطعة من فسيفائك
وكل هرم من أهراماتك ..
معلماً من معالم التاريخ !! .

7
على مدى أربع وعشرين ساعة .
كنتُ أتمرن على الهبوط على أرض القمر ..
و اكتشاف بلاد الياسمين ..
كنتُ أهيئ نفسي كي أكون عاشقاً كبيراً
يمر من تحت قوس النصر ..
ويفرش تحت قدميه السجاد الأحمر ..
وتطير فوق موكبه أسراب الحمام .
كنتُ أريد أن أكون متفوقاً في خطابي الغرامي ..
لا مجرد عاشق درويش ..
يتسول على أرصفة الحب ..
ويتلعثم كمجذوب أمام النساء !! …

8
إنني متفرغ لحبك .. يا سيدتي .
فلا سبت .. ولا أحد ..
ولا خميس .. ولا جمعة ..
ولا أعياد .. ولا إجازات ..
فأنت جميلة جداً ..
والوقت ضيق جداً ..
وأنا أشتغل كالنملة المجتهدة ..
صباحاً .. ومساءً ..
صيفاً .. وشتاءً ..
خريفاً .. وربيعاً ..
حتى أجلب لك قارورة من العطر الحجازي
تتكحلين بها ..
وأغزل لك وسادة
تنامين عليها …

9
إنني أتمرن كل يوم ، كي أرضي أنوثتك ..
وحتى يظل التيار الكهربائي
متواصلاً في أسلاك جسدك ..
ففي غبش الفجر
أنفح في أذنك اليسرى ، حتى تستيقظي ..
وفي وقت الضحى
أنشف شعرك بمجفف الشعر ..
كطفلة ذاهبة إلى المدرسة ..
وعند الظهيرة
أرسم بالنبيذ الأحمر هلالاً على ظهرك ..
وفي وقت القيلولة
أخبئ حمامة تحت قميص الساتان الأزرق ..
وفي منتصف الليل ..
لا أعرف كيف أتحرش بك ..
فأكتب بيتاً من الشعر .. على سيراميك خاصرتك !!

10
أريد أن أظل دائماً
نحلة تلحس العسل عن أصابع قدميك ..
حتى لا أبقى عاطلاً عن العمل …

11
بعد خمسين عاماً
من التحصيل الابتدائي ، والمتوسط ، والعالي
لا زلت أتعلم كيف أحب امرأة ..
وكيف أعتني بشمع يديها ..
وفضة نهديها ..
وكيف أخاف عليها ..
فكما أن الحرية لا سقف لها ..
والديمقراطية لا سقف لها .
فإن المعارف النسائية ..
لا سقف لها !! …

12
بعد خمسين عاماً .
لا زلت أعمل في ورشة الحب
بحماس عظيم ..
ولا زلت أضحك من جميع الذين تخرجوا
من جامعات الحب في بلادنا
وهم لم يشاهدوا فخذ امرأة …
إلا على شاشة التلفزيون ! .

عن نزار قباني

نزار قباني (1342 - 1419 هـ / 1923 - 1998 م) شاعر سوري معاصر من مواليد مدينة دمشق.

تعريفه من ويكيبيديا

نزار بن توفيق القباني (1342 - 1419 هـ / 1923 - 1998 م) دبلوماسي وشاعر سوري معاصر، ولد في 21 مارس 1923 من أسرة عربية دمشقية عريقة. إذ يعتبر جده أبو خليل القباني من رائدي المسرح العربي. درس الحقوق في الجامعة السورية وفور تخرجه منها عام 1945 انخرط في السلك الدبلوماسي متنقلًا بين عواصم مختلفة حتى قدّم استقالته عام 1966؛ أصدر أولى دواوينه عام 1944 بعنوان "قالت لي السمراء" وتابع عملية التأليف والنشر التي بلغت خلال نصف قرن 35 ديوانًا أبرزها "طفولة نهد" و"الرسم بالكلمات"، وقد أسس دار نشر لأعماله في بيروت باسم "منشورات نزار قباني" وكان لدمشق وبيروت حيِّزٌ خاصٌّ في أشعاره لعلَّ أبرزهما "القصيدة الدمشقية" و"يا ست الدنيا يا بيروت". أحدثت حرب 1967 والتي أسماها العرب "النكسة" مفترقًا حاسمًا في تجربته الشعرية والأدبية، إذ أخرجته من نمطه التقليدي بوصفه "شاعر الحب والمرأة" لتدخله معترك السياسة، وقد أثارت قصيدته "هوامش على دفتر النكسة" عاصفة في الوطن العربي وصلت إلى حد منع أشعاره في وسائل الإعلام.—قال عنه الشاعر الفلسطيني عز الدين المناصرة : (نزار كما عرفته في بيروت هو أكثر الشعراء تهذيبًا ولطفًا).

على الصعيد الشخصي، عرف قبّاني مآسي عديدة في حياته، منها مقتل زوجته بلقيس خلال تفجيرٍ انتحاري استهدف السفارة العراقية في بيروت حيث كانت تعمل، وصولًا إلى وفاة ابنه توفيق الذي رثاه في قصيدته "الأمير الخرافي توفيق قباني". عاش السنوات الأخيرة من حياته مقيمًا في لندن حيث مال أكثر نحو الشعر السياسي ومن أشهر قصائده الأخيرة "متى يعلنون وفاة العرب؟"، وقد وافته المنية في 30 أبريل 1998 ودفن في مسقط رأسه، دمشق.

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي