جمال الدين محمد أبي بكر الأشخر
جمال الدين محمد أبي بكر الأشخر

وَفِي سنة إِحْدَى وَتِسْعين توفّي الْفَقِيه الْعَلامَة جمال الدّين مُحَمَّد مُحَمَّد أبي بكر الأشخر بالشين الْمُعْجَمَة الساكنة وَالْخَاء الْمُعْجَمَة بعْدهَا رَاء مُهْملَة وَاحِد الدَّهْر وشافي الْعَصْر الْفَاضِل الْكَامِل سَابق الْأَوَائِل شيخ الْإِسْلَام مفتي الْأَنَام الْفَرد الإِمَام الْحَافِظ الْحجَّة السالك بالطالبين فِي أوضح المحجة إِمَام الْفُنُون الَّذِي اعْترف بتقديمه المفنون بالتصانيف المفيدة والتآليف العديدة والشروح الفائزة من الْعُلُوم بالقدح الْمُعَلَّى والمناظيم المشحونة بالنكت الَّتِي أقمار دقائقها شارقة فِي كل مجلى قرأعلى جمَاعَة من الأكابر الجلة وَحصل لَهُ منالجميع الْإِجَازَة مِنْهُم شيخ الْإِسْلَام شهَاب الدّين أَحْمد بن حجر الهيتمي وَإِبْرَاهِيم مطير والعلامة ابْن زِيَاد وَأول تَخْرِيجه بِأَبِيهِ وَتخرج بِهِ جمَاعَة من بَلَده وَغَيرهَا مِنْهُم أَخُوهُ الْعَلامَة أَحْمد الأشخر وناهيك أَنه حفظ الْعباب للمزجد وَكَانَ أَخُوهُ يقدمهُ على سَائِر الطّلبَة وَلَا يكْتب شَيْئا إِلَّا ويعرضه عَلَيْهِ أَولا غير أَنه بعد ذَلِك ظَهرت فِيهِ طبيعة السوَاد فتأثر لذَلِك وَترك الِاجْتِمَاع بِالنَّاسِ إِلَّا نَادرا وَمَعَ ذَلِك لما اجْتمع بِهِ صاحبنا الْفَقِيه أَحْمد بن افقيه مُحَمَّد أَبَا جَابر حصل لَهُ عِنْده الخطوة التَّامَّة واختلى بِهِ أَيَّامًا مُدَّة إِقَامَته عِنْده وأملى عَلَيْهِ شَيْئا كثيرا من نظم أَخِيه وَبحث مَعَه فِي مسَائِل فَقِيه وتعجب النَّاس لذَلِك جدا
رَجعْنَا إِلَى ذكر صَاحب ارجمة وَمِمَّنْ قرا عَلَيْهِ الْفَقِيه مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل أَبَا فضل والفقيه الصَّالح جما الدّين بن مُحَمَّد الطّيب المكدش وفتاويه ومؤلفاته شاهدة بشرف مقَامه فِي الْعُلُوم ولد رَحمَه الله تَعَالَى فِي الْيَوْم الثَّانِي عشر م شهر ذِي الْحجَّة الْحَرَام سنة خمس وَأَرْبَعين وَتِسْعمِائَة وَله مؤلفات كَثِيرَة مِنْهَا منظومة الارشاد وَشرح الشذوذ ومنظومة فِي أصُول الْفِقْه وَشَرحهَا ومختصر الْمُحَرر للسمهودي فِي تَعْلِيق الطَّلَاق ومنظومة فِي أَسمَاء الرِّجَال والفية فِي النَّحْو نظمها فِي مرض مَوته وَشرح حَدِيث أم زرع وَهُوَ آخر مؤلفاته وَله فَتَاوَى فِي مُجَلد ضخم وَله شرح على بهجة المحافل وَاخْتصرَ التفاحة فِي علم المساحة وَله غير ذَلِك من المختصرات وَله نظم جيد حسن وَمِنْه ... رَأَيْتُك إِذا اوميت للْعَبد أَي إِذا ... أتم فلَان شربه فتوخنا
كَأَنَّك لم تقْرَأ حَدِيث تيمنوا ... وَتَقْدِيم العرابي إِذْ كَانَ ايمنا
وَمِنْه هَذِه القصيدة الْعَظِيمَة وَقد بلغه فِي بعض النَّاس تنقصاً لأهل الْعلم الشريف وَهِي ... عز على الْجُهَّال أَن يطلبوا ... علما فيستهدوا بأنواره
وينهجوا نهجاً بِهِ بَينا ... ويجتنوا من طيب أثماره
ويسلموا لَو أَنهم فَكروا ... من وصمة الْجَهْل وَمن عاره
وينتهوا عَمَّا نهى الله عَن ... اتيانه الْمدنِي إِلَى ناره
واستحقروا طلابه إِذا هم ... لم يستطيعوا فض ابكاره
واستكبروا تيهاً عليم وَلم ... يخشوامن الْكبر وأوزاره
وحاولوا اطفاء نور الْهدى ... بقَوْلهمْ أَو طمس آثاره
وحاولوا إخفاء برهانه ... وَالله قد من باظهاره
فاعجب لحمقى غَيرهم جهلهم ... فكافحوا الْعلم بإنكاره
أضحوامصرين على بعضه ... وَبَعض أهليه وأنصاره
وسبهم والسب شتم فَمن ... يرد يزدْ فِيهِ باكثاره
وَقَوْلهمْ هَذَا فَقِيه وَذَا ... يزور ذاالفقيه إِلَى دَاره
وهم بشبابة إِبْلِيس قد ... أضحوا مطيفين ومزماره
وَجل مَا يهوون أَن يسمعوا ... صَوتا من الْعود وأوتاره
أَو يسمعوادفا فَيجْرِي بهم ... دَاعِي الْهوى سعياً إِلَى طاره
لَا بلغ الله الَّذِي حَاله ... هَذَا إِلَى غَايَة أوطاره
تَبًّا لأعمى اجهل يهتم فِي ... درهمه الفاني وديناره
ويرقض الْمَطْلُوب مِنْهُ وَقد ... يعتل إِذْ ذَاك بأعذاره
وَإِن سعى يَوْمًا إِلَى مطلب ... فَإِن نزا كَالْجمَلِ الفارة
فحسبنا الله ماجاء عَن ... نبيه الْهَادِي ومختاره
صلى عَلَيْهِ الله ذُو الْعَرْش مَا ... غنى هزار فَوق أشجاره .. مُسلما مَا دَامَت الأَرْض لَا ... تَخْلُو من الْعلم وأقماره ...
وَله جَامعا غزوات النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله ... غَزْوَة بدر أحد فالخندق ... بني قُرَيْظَة بني المصطلق
وخيبر وطائف بالِاتِّفَاقِ ... قَاتل فِيهَا الْمُصْطَفى أهل الشقاق
وَالْخلف فِي بني النَّضِير ذكرا ... فتح حنين غَايَة وادى الْقرى
وَله فِيهَا مُرَتبا لَهَا على سني الْهِجْرَة الشَّرِيفَة ... فبدر فأحد بعد هذَيْن خَنْدَق ... فذات رقاع والمريسيع خَيْبَر
وَفتح تَبُوك رتبت هَذِه على ... سني هِجْرَة كل بِذَاكَ يخبر
وَله فِي الْإِجَارَة ... عقد غجارة بِمَوْت مَا انْعَقَد ... لم يَنْفَسِخ إِلَّا بصور وجد
أخذت بَيَانهَا فالأوله ... موت مُؤخر وَقد أوصى لَهُ
بالنفع مَا عَاشَ وَمَوْت أول ... وَقد أجر للثَّانِي الْوَلِيّ
وَسيد أجر من بِمَوْتِهِ ... تستوجب الْعتْق كَأُمّ بنته
وَمن عَلَيْهِ الْوَقْف حَيْثُ النّظر ... لَهُ بِدُونِ الْمثل لَا يُؤجر
وبطن وقف حَيْثُ وَافق شَرط ... نظره مُدَّة حَقه فَقَط
وَقَالَ أَيْضا وَهُوَ ضَابِط يَنْبَغِي حفظه ... الْفَرْع يتبع أشرف الْأَبَوَيْنِ فِي ... دين وَفِي بدل وَأخذ الجزيه
والاخس فِي نجس وَحُرْمَة أكله ... ونكاحه فِي حُرْمَة للذبيحة
واياه فِي نسب وَيتبع أمه ... فِي سومها وَالرّق والحريه
واخف فِي نَحْو الزَّكَاة وَأَغْلظ ... الْأَبَوَيْنِ فِي بَاب الْجَزَاء وتمتي ...
وَقَالَ فِي حُقُوق الزَّوْجَة الْوَاجِبَة على ازوج ... حُقُوق النِّكَاح الْوَاجِبَات لزوجة ... على الزَّوْج بالتمكين سبع لَوَازِم
طَعَام وادم ثمَّ سُكْنى ... وَكِسْوَة وَآلَة تنظيف مَتَاع وخادم ...
وَقَالَ فِيمَا يقبل فِيهِ قَول الْمُمَيز ... ضَابِط مَا يقبل فِيهِ القَوْل من ... مُمَيّز فِي قَوْله زيد اذن
.. فَأدْخل وإبصال هَدِيَّة وَفِي ... أخباره بِطَلَب المضيف
كَذَاك اخْتِيَار فِي الحضانه ... وَفِي ادعِي استعجال بنت العانه
كَذَاك فِي الشِّرَاء للحقير ... عَلَيْهِ الاجماع بِنَقْل الْجُورِي ...
وَقَالَ أَيْضا فِي الْهِبَة ... هبة لنا تطلب بِمَوْت الْوَاهِب ... من قبل قبض صور مِنْهَا فِي اب
مهما يهب للطفل ثمَّ يمت وَلم ... يقبض فاستثني إِذا من غَالب ...
وَقَالَ أَيْضا ... وجوزن لبس مورس على ... مَا قَالَه الكثر لَكِن نقلا
الزَّرْكَشِيّ حرمته عَن ذِي القضا ... أَعنِي أَبَا الطّيب وَهُوَ المكرتضى
عِنْد ابْن صباغ وَقَالا ذَا حري ... بَان نقيسه على المزعفرا ...
وَقَالَ أَيْضا ... يجوز بالحرير للمساجد ... ستر بافتاء أبي المحامد
أَعنِي الغزال وَكَلَام الْعِزّ فِي ... فتواه مائل إِلَيْهِ فاعرف
وَابْن عماد نسب التحريما ... إِلَى الْأَصَح كن بِهِ عليما
وَقَالَ أَيْضا فِي مَوَانِع الْإِرْث ... ضعف ثَلَاثَة هِيَ الْمَوَانِع ... حَقِيقَة إِرْث وَزيد سَابِع
قتل ورق دور اخْتِلَاف ... دين وعهدة ردة تُضَاف
على الْمجَاز مَا بقى إِذا انتفا ... إِرْث لكَون الشَّرْط إِذا ذَاك انتفا
وَالسَّابِع الْمَرْء يدعى طائفه ... بنوه لَكِن بهَا مخالفه
من حَيْثُ أمّهم لَهُم أَن يورثوا ... وَإِنَّمَا مُمْتَنع أَن يورثوا ...
ونظم أَيْضا الْأَطْفَال الَّذين تكلمُوا وهم فِي المهد ... جملَة من فِي المهد قد تكلمُوا ... أَحْمد والخليل وَعِيسَى مَرْيَم
يحيى مُجيب لجريح العابد ... بقوله الرَّاعِي فلَان وَالِدي وراجع لأمه فِي قَوْله ... لَا تجعلني سَيِّدي كمثله
وَشَاهد ليوسف مَعَ عَامر ... لأمه بقوله لَهَا اصْبِرِي .. أَنْت لَدَى الْحق على الاخدود ... وامر ماشطة الْوَلِيد
وَمن لَهُ قَالَ النَّبِي من أَنا ... قَالَ رَسُول الله مَحْمُود الثنا
أَعنِي بِهِ مبارك الْيَمَامَة ... أعطم بهَا معْجزَة كرامه
وَبعد صلى ذُو الْجلَال كلما ... سرى الضيا وناطق تكلما
على النَّبِي حبه محبه ... مُحَمَّد وَآله وَصَحبه
وَقَالَ فِي الَّذين جمعُوا الْقُرْآن ... وَجمع الْقُرْآن حفظا ياأخي ... عُثْمَان مرتضى معَاذ وَأبي
ثمَّ أَبُو الدَّرْدَاء وَابْن ثَابت ... ثمَّ أَبُو أَيُّوب وَابْن الصَّامِت
سعد أَبُو الزيد هُوَ الْأنْصَارِيّ ... ثمَّ نميم ابْن أَوْس الدَّارِيّ
وَقَالَ أَيْضا فِيمَا يتَعَلَّق بالبروج والمنازل ... وزنوا عقرباً بقوس شتاء ... غفروا للبلد لما أسنا
شرب الجدي ذَا وحوت ربيعاً ... فَلهُ الذَّابِح حَيْثُ حل الرشا
حمل التور جوزة نَحْو صيف ... شارطاً لِلذِّرَاعِ لما أسا
سرط اللَّيْث سنبلا بخريف ... ناثرا أنجم السما نشرا ...
وَله أَيْضا هَذِه القصيدة البديعة أَنْشَأَهَا الشَّيْخ فِي ختم صَحِيح البُخَارِيّ ... حدثاني عَن الغزال الغريري ... باسانيد مَا لَهَا من نَظِير
واملأ مسمعي بِتِلْكَ العوالي ... أُمليهَا عَليّ بالتكرار
مَعَ توخيكا مسلسلها ... بالأوليات أَو أخير أخير
أَو فعال كالأيتام ... وَأخذ يَد أَو بِاللَّفْظِ كالتحذير
وانتساب لبلدةٍ أَو قبيل ... أَو بِلَفْظ التحديث والتخيير
بمقاها هدبتهما حبراها ... حسب اجهد أحسن التحبير
وَدَعَانِي من عَن وان ... فَفِي ذين يخَاف التَّدْلِيس كل خَبِير
فشفاء مهجتي وبرء سقامي ... فِي استعماعي للفظه الْمَأْثُور
ولكسر فِي ذَلِك أَي انجبار ... ولعسري تظافر التَّيْسِير
ولقلبي وخاطري أَي نزه ... ولسمعي بَوَادِر التبشير
ولطرفي فِي ذَاك اب جلاء ... فلطرفي إِذا ذَاك أَي قرير
ولشأني إِذا تلاه لساني ... اعتنائي عَن ابتسام الثغور .. وَعَن الْمَنّ مَا هُوَ الْمَنّ والسلوى ... واحلى حلوى وَفِي الطُّيُور
سنة الوامق التعلل ان فَاتَ ... وصال الموموق بالتشمير
كسماعي الْآثَار أَو رُؤْيَة الْآثَار ... كالغار من حراء وثور
فَلهَذَا تلقى قُلُوب اولي الْفضل ... اسارى مَا بَين ثَوْر وعير
وَحَدِيث المحبوب لَا شكّ مَحْبُوب ... فسل عَنهُ كل حبر خَبِير
فَلهَذَا قَالُوا إمارات حب ... المصطفي الْمُجْتَبى البشير النذير
اسْتِمَاع الحَدِيث فِي كل حينٍ ... وابتدار السماع بالتبكير
ودؤوب الْفَتى عَلَيْهِ صباحاً ... وَمَسَاء فَذَاك خير سمير
وارتحال الْفَتى إِلَى كل حبر ... حَافظ فِيهِ بِالتَّحَرِّي شهير
وتوخي الصَّحِيح من ذَاك اولى
كصحيحي مُحَمَّد والقشيري البُخَارِيّ وَمُسلم فبالإجماع ... كتاباهما اصح الزبُور
بعد تَنْزِيل رَبنَا فَلهَذَا ... سميا كل وَاحِد بالامير
وَكتاب الْجعْفِيّ اصح لَدَى الجل ... ويربو فوائدا للبصير
وَلَقَد فاق مُسلما صَنْعَة ... حَاز بهَا الارتقا لقدر خطير
وَله احسن التحرى لَدَى اللَّفْظ ... فيلغي الرديف مثل الْغَيْر
وترر عِنْده الكنى غير أَسمَاء ... وَهَذَا من ابلغ التحبير
فَلِذَا لذ فِي الْقِرَاءَة والسمع ... لقارئه والسميع القرير
فيشنف مِنْهُ المسامع من ... رام اصْطِلَاح الْحفاظ بالتقرير
وَلَقَد من ذُو الْجلَال علينا ... ان قرأناه فِي الثَّلَاث الشُّهُور
رَجَب وَالَّذِي يَلِيهِ ... وَشهر الصَّبْر فليهن فِيهِ كل صبور
سمع الْحَاضِرُونَ مِنْهُ بِلَفْظ ... ولبعض بِلَفْظ بعض الْحُضُور
حسب الْجهد لَا يمر بمتن ... مُشكل غير حل بالتفسير
والاسانيد لَا يمر بشخص ... باسمه أبكنيته مَشْهُور
أَو بِنَحْوِ بنوه ونساب ... أَو لَقَاب كعالم وفقير
غير ابدى مستورها فتراه ... ظَاهرا عِنْد ذَاك أَي ظُهُور
وختمنا وَالْحَمْد لله وَالشُّكْر لله ... تَعَالَى فِي يَوْم عيد الفطور
حضر الْخَتْم جَمعنَا مترجمين ... نوالا من المليك الْقَدِير
كلهم مرتج لغفران ذَنْب ... قدره فِي جناب غفر الغفور .. لَو كَبِيرا قد كَانَ أَي صَغِير ... فتاوي كبيره بالصغير
ولتيسير كل عسر وتسهيل حزون وجبر كل كسير
وليقي فتن الغي كل مثر ... وافتتانا بالفقير كل فَقير
رب حقق رجاءنا وانلنا ... سؤلنا من نوالك المستطير
وتول الْجمع منا بتدبيرك ... كَيْلا نسوء فِي التَّدْبِير
ولسلطاننا واجناده انصر ... نصرا على الْعَدو الكفور
وعَلى كل من قَاصد وشق ... عصانا بِلَا انتظام الْأُمُور
وَلَهُم بهم غلهي فاصلح ... وادفعن كل مهلك ومبير ... وشفيعي حَدِيث خير البرايا ... أَحْمد الْمُصْطَفى السراج الْمُنِير
يَا نَبِي هد تلوناني أَحَادِيث ... أَتَت عَنْك ضوءها كابدور
قد رَوَاهَا عَنْك النُّجُوم وعنهم ... تابعوهم بالجد والتشمير
ثمَّ عَنْهُم قوم فقوم هم ... الْحفاظ حَقًا على ممر العصور
حفظوها حفظا منيعاً فَمن ... ايْنَ إِلَيْهَا وُصُول اقوال زور
واتتنا كانها اخرجت من ... فِيك حَالا بِغَيْر كرّ دهور
فاجزنا يَا احسن النَّاس خلقا ... وسجايا بِكُل فضل وَخير
وَبِك الظَّن ذَا فَأَنت غَنِي ... يَا شفي الورى عَن التَّذْكِير
صَلَاة عَلَيْك ثمَّ سَلام ... لَيْسَ عد للَّذين بالمحصور
بامور بِكُل قلب سليم ... ظاهرات اعظم بِتِلْكَ الامور
وعَلى التَّابِعين مَا اتسق فجر ... قَاطع ضوءه دجى الديجور
ختم كل من ذين كالمسك فِي ... كل امور فِي بداها والأخير ...
وشعره كثير ونظم كثير من المشائل العلمية وَالْقَوَاعِد الْفِقْهِيَّة ليقرب ضَبطهَا ويسهل حفظهَا
وَبِالْجُمْلَةِ فَكَانهُ كَانَ آيَة من آيَة الله تَعَالَى وخاتمة الْمُحَقِّقين لم يخلف بعده مثفله لَو وَصفه الواصف بِمَا عَسى فَهُوَ رافل فِي سرابيل التَّقْصِير وعظمت مصيبته بالاسلام وَكثر الاسف عَلَيْهِ من الْخَاص وَالْعَام وَبَلغنِي ان الشَّيْخ الْكَبِير الْعَارِف الشهير الشَّيْخ مُحَمَّد الْبكْرِيّ قدس الله روحه رأى فِي الْمَنَام قبل مَوته كَأَن الرُّكْن الْيَمَانِيّ من الْبَيْت الشريف انهد وَمَا هَذَا مَعْنَاهُ فَكَانَ تاويلها موت الْمَذْكُور ورثاه صاحبنا الأديب الْفَاضِل النَّازِل من محامد الصِّفَات وأشرف الْمنَازل حُسَيْن بن عبد الْبَاقِي الزَّاهِد الزبيدِيّ الشَّافِعِي بمرثية عَظِيمَة نونية قَرَأت فِي الْيَوْم الثَّالِث من وَفَاته رَحمَه الله تَعَالَى وَهِي ... حسبي الله من صروف الزَّمَان ... ونكايات أسْهم الْحدثَان
مالنا فِي مراتع اللَّهْو نصبو ... فِي امان ولات حِين امان
مَا اضر اغتباطنا بالملاهي ... واشد اغترارنا بالأماني
هَذِه دَار نقلة ونقاد ... فتفطن إِن كنت ذَا عرفان
هَذِه بَيْننَا الْقُصُور العوالي ... شامخات الْبناء فاين الْبَانِي
كم مَرَرْنَا بدارسات طلول ... فَذَكرنَا الْقطَّان والاوطان
حَسبنَا منذرا يُوقع المنايا ... علمنَا أننا من الْحَيَوَان
فكفانا نَص التِّلَاوَة وعظاً ... فَاعْتبر كل من عَلَيْهَا فان
مَعَ هَذَا الْعلم الْيَقِين كانأ ... فِي وثوق لَا شكّ بالوجدان
سفر هَذِه الْحَيَاة لَهَا الأنفاس ... عيس تسوقها الملوان
والمحط الْكَرِيم انشأ ذُو ... الْعَرْش فراديس عاليات الْجنان
ابداً حولهَا ندندن بَين القاصرات ... الحسان والولدان
ايها الغافلون ضمكم النهج ... وآن الرحيل يَا أَخَوان
فاعدوا زَاد التقى فنياق ... الْمَوْت قد اهبت لجذب الْعوَان
وسوق الْمنون تخطف ارواح ... الورى من جوارح الابدان
لَا محيداً عَنْهَا لروح عَزِيز ... أَو ذليل أَو شامخ أَو داني
فهبوا لفتة إِلَى الْأُمَم الماضين ... من آدم إِلَى ذَا الْآن
من عصي وطيع ووضيع ... ورفيع اربى على كيوان
من عماليق حمير وغطاريف ... قُرَيْش والشم من قحطان
من آيَات اللَّعْن الَّذين علاهم ... فِي السيوف الرقَاق أَو فِي الجيفان
لبسوا الزاغفاث وانتطقوا ... الْبيض وهزوا عوالي المران
صرفتهم صوارف الْمَوْت صرف ... السرب عَن مورد النمير الهاني
مَا حمتهم تِلْكَ الْحُصُون لعمري ... لَا وَلَا استكملوا لثني عنان
فهم عِبْرَة لنا لَو فهمنا ... أَيْن أهل الْعُقُول والعرفان . يَا لهذي الرزية الصليم الصما ... والفادح الْعَظِيم الشان
معقل من معاقل الدّين اودى ... وخضم قد غَار فِي الأكفان
حُفْرَة أطبقت على كَوْكَب الشَّمْس ... فَغَاب الضيا عَن الْأَعْيَان
شقّ جيب الْقُلُوب ناعيه إِذا ألقم أَفْوَاه الْحلق بالصوان
فِي مقَام مَا انفكت النَّاس فِيهِ ... بَين دمع جَار وعض بنان
حِين يُنَادي يَا للجمال جمال ... الْفضل وَالدّين الْعَالم الرباني
غَار انسان مقلة الْفِقْه ... فالشحمة من بعده بِلَا انساني
درست بعده مدارس درس ... وَهِي كَانَت اهلية الْبُنيان
أَي قطب دارت عَلَيْهِ من الطلاب ... افلاك الْعلم بالدوران
مضرب من مضَارب الدّين قد فل ... لعمري وَكَانَ ماضي اللِّسَان
خلق كالرياض بللها الْقطر ... وَصدر خَال من الاضغان
وجنان يمد كالبحر للطلاب ... والسائلين بالخلجان
رَاع أَرْبَاب الزيغ بالحجج اللآتي لعمري تفل حد السنان
حجج تخرس احْمَد أبي سُرَيج والامام ابْن الطّيب الباقلاني
يَا نديم الْعُلُوم أبكيك إِن دارت ... كؤوس المذاكير الحسان
الحَدِيث الشريف وَالْفِقْه والتصريف ... والنحو مَعَ فنون الْمعَانِي
وليوم تحار فِيهِ ذَوُو الافهام ... فِي ليل مُشكل ظلماني
من يحل دجى الْمسَائِل من ... بعْدك يَا شمس افق كل بَيَان
هَذِه فِي الورى شموس تضانيفك ... تجلى فِي سَائِر الاكوان
هَذِه بَيْننَا فوائدك الزهر ... كزهر السَّمَاء فِي اللمعان
فعلى ذاتك الشَّرِيفَة من ذى ... الْعَرْش ازكى السَّلَام والرضوان
عظم الله أجركُم يَا بني الأشخر ... والتابعي بالاحسان
رب واجبر مصابنا فِيهِ والمم ... صدعنا لَا نبوء بالخسران
رب شيد اركان سادتنا ... البَاقِينَ واغمر بهم حمى الإمان
رب وفقهم لنصرة شرع ... وَدَلِيل مقَام أَو برهَان
واثب جَمعنَا بِحسن قبُول ... وانلهم جوائز الغفران
وَصَلَاة الصُّبْح مِنْك على من ... جَاءَ بالمعجزات وَالْقُرْآن
وعَلى آله واصحابه مَا ... ناح باك الْهُذيْل فِي الأغصان ... وفيهَا ختم البُخَارِيّ بِقِرَاءَة الْفَقِيه شمي الدّين عَليّ بن الففقيه عبد الرَّحِيم بن مَحْمُود الْقَيْسِي على الْعَلامَة الْحَافِظ مُفِيد الطالبين مُحدث الديار اليمنية الطَّاهِر بن الْحُسَيْن بن عبد الرَّحْمَن الأهدل بزبيد بِمَسْجِد الْوَلِيّ الْكَبِير عبد الرَّحْمَن بن حسن الهدل فَأَنْشَأَ فِي ذَلِك الْعَلامَة حسن بن عبد الْبَاقِي الازهر قصيدة لامية مَكْسُورَة فِي غَايَة الْحسن وَهِي ... عنعن احاديث الحبيب وسلسل ... وارفع أَحَادِيث الحبيب الأول
واطلق مُقَيّد جفنك لَيْسَ من ... شَرط الْمحبَّة وقف دمع مُرْسل
واذا رَوَت لَك نسمَة من حاجر ... خيرا فتهلك حَدِيثهَا لم يقبل
كم ضعفت بحديثها الْمَعْلُول من ... جسم وَكم اوهت بِهِ من مفصل
لي بالعقيق الْفَرد قلب هائم ... بشعابه يرْعَى الظبي بهوجل
باك يشرب الدّرّ بالمرجان فِي ... جزع العقيق بسفح خد مخضل
ويحن ان ذكرت معاهد يثرب ... فاقول لَا تهْلك اسى وتجمل
ان لامه العذال يطرب نشوة فَكَانَ فرط العذل ضرب تغزل
فنى الصَّبْر وانقضى الْعُمر الَّذِي ... هُوَ فسحة لمسوف ومؤمل
كل الَّذِي يرضى الْهوى ويرومه ... سهل عَليّ سوى النَّوَى لم يسهل
واله لَا اشتاق برقة تهمد ... أَو منزلا بَين الدُّخُول فحومل
لَكِن باكناف العقيق مضَارب ... هِيَ نزهة للنَّاظِر المتأمل
هَل امتطى هوجاء مشرفة المطا ... شما كَأَنِّي فَوق هَامة يذبل
تسري النجابيد الغرام خزامها ... والشوق سائقها لأكرم منزل
يغلي بوطاة خفها فرق الفلا ... كشهاب رجم جَوف ليل ألبيل
حَتَّى ترى أطلال طيبَة نخيلها ... خوصا لتعدل بِي لأشراف منزل
وأكون أول من يؤم بعزمه ... بَاب السَّلَام مَعَ الطّراز الأول
اسعي إِلَى الْحرم المنيع وانتحي ... للروضة الغراء وقبر الْمُرْسل
الفاتح السباق أول مبدع ... فِي الْكَوْن بِالنَّصِّ الْجَلِيل الأجلل
أصل الاصول وجوهر للْعَالم الشكل ... نور الْوَاجِب الْفَرد الْوَلِيّ
سر النُّبُوَّة جَوْهَر الكونين من ... يَوْم الْحساب عَلَيْهِ كل معول
إكليل جبهة ذَا الْوُجُود طراز ... حلته البديع جمال كل مُجمل .. مخطوب حَضْرَة قدسه ملحوظ ... دورة انسه ختم الْمقَام الاكمل
هادي الْبَريَّة للهدى فجميعنا ... بلوائه يَوْم الْقِيَامَة نعتلي
شرع الشَّرَائِع موضحاً سنَن الْهدى ... للسالكين فشرعه الشَّرْع الْجَلِيّ
فألزمه بسنته الشَّرِيفَة يَا اخا ... الْحجر الْمُنِير ديانَة وَبِه اعْمَلْ
وافزع إِلَى آثاره الْحسنى فكم ... جمعت لنا من مُجمل ومفصل
وَمَتى اردت جَوَامِع الْكَلم الْتزم ... بالجامع العالي الصَّحِيح الْأَفْضَل
فاصح كتب بعد كتب الله مَا ... جمع البُخَارِيّ وَهُوَ احسن مَا تلِي
فادر مكررة بكأس لسَانك ... الْمنطق للاسماع دور تسلسل
وادفع بِهِ نوب الزَّمَان فكم بِهِ ... من نكبة صرفت وخطب معضل
هذي كواكب لَفظه افلاكها ... دارت على قطب شرِيف الْمنزل
الْعَالم الْعَلامَة الفهامة ... الحبر البليغ العابد المتبتل
الطَّاهِر الاثواب والانساب ... والاسباب والاصحاب عف الْمَقُول
ابْن الْحُسَيْن الاهدل ابْن الْحُسَيْن ... شَهِيد طف ابْن سيدنَا عَليّ
ابْن البتول وَتلك بنت الْمُصْطَفى ... ناهيك من بَاب لَهُ بَيت عَليّ
تمت قراءتنا عَلَيْهِ ودونكم ... مسك الختام نفضه فِي المحفل
فَالْحَمْد لله الْمعِين بِلُطْفِهِ ... المسعد المتفضل المتطول
فجزاه رب الْعَرْش جلّ ثَنَاؤُهُ ... من فَضله اسنى الْجَزَاء الأجزل
وأذاقه تسنيم كأس خطابه ... فِي مقْعد الصدْق الْعَزِيز المعتلي
فَهُوَ الَّذِي كشف الْعَمى عَن نور ... عين بصيرتي وَبِه بلغت مؤملي
يَا مُسبل النعم المفاضة غَشنَا ... بسوابغ النعم الْجلَال وجلل
واشمل بِعَين اللطف نادينا وَمن ... ضمته دورته وجد وَتقبل
وعَلى الْقَارئ إِلَّا فافتح لَهُ ... فِي الْعلم فضلا كل بَاب مقفل
واغفر لناظمها الْحُسَيْن وَكن لَهُ ... يَا رب فِي الدُّنْيَا وَفِي الْأُخْرَى ولي
ليعود فِي افق السَّعَادَة بدره ... بك زاهراً فِي برج سعد تنجلي
ولوالديه واهله وشيوخه ... هذي يَدي مبسوطة بتذلل
هَا قد مددت يَد السُّؤَال بذلة ... فَلَانَتْ تغْضب رب ان لم تسْأَل
فاصلح وُلَاة الْمُسلمين ولاتكل ... اعمالهم يَوْمًا لمن لم يعدل
وَاخْتِمْ بِخَير خَوَاتِم اعمالنا ... يَا خير من يدعى واكرم مؤئل . . وعَلى متمم الدّور ختم الْمسك ... سر النشا تكْرَار الصَّلَاة من الْعلي
والآل والاصحاب والاتباع مَا ... لبّى الْحمام هديرصوت البلبل ...
وفيهَا استعاد السُّلْطَان مظفر بن السُّلْطَان مَحْمُود كجرات من المغول وَذَلِكَ فِي آخر شعْبَان وَقبض أَكثر بلادها مث أَحْمد آباد وبروج وبرودلة وكبنايت فَهزمَ عَسْكَر المغول نهبهم وَقتل بعض الوزراء الْكِبَار وَأخذ مَاله وَلم يزل يعظم أمره وَيكثر عسكره إِلَى مستهل الْمحرم من سنة اثْنَيْنِ وَتِسْعين افاختلف عسكره فِيمَا بَينهم وَكَانَ ذَلِك هُوَ السَّبَب لهزيمتهم واختفى الْمَذْكُور فِي بعض الْأَمَاكِن وَرجع أَمر كجرات إِلَى المغول وَلَا حول وَلَا قوى ة إِلَّا بِاللَّه وَأما بروج فَكَانَت قلعتها حَصِينَة متغلبة وَكَانَ فِيهَا جمَاعَة من أَصْحَاب السُّلْطَان مظفر فمنعوها مُدَّة وحاصروها جمَاعَة من وزراء المغول إِلَى أَن أخذوها فِي أخر شهر رَمَضَان من تِلْكَ السّنة وَرَأى بعض الأخيار فِي الْمَنَام رجلا فَسَأَلَهُ عَن مدَّته فَكتب لَهُ سِتّ واوات قَالَ الشَّيْخ فاولتها سِتَّة أشهر فَكَانَ كَذَلِك فَدَخلَهَا فِي شعْبَان وَخرج مِنْهَا فِي محرم -النور السافر عن أخبار القرن العاشر-لمحي الدين عبد القادر بن شيخ بن عبد الله العيدروس.
مُحَمَّد بن أَبى بكر الأشخر
بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة وَفتح الْخَاء الْمُعْجَمَة أَيْضا ثمَّ رَاء مُهْملَة الزبيدي
أَخذ الْعلم عَن الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن بن زِيَادَة والفقيه عبد الله بن إِبْرَاهِيم بن مطهر وَقَرَأَ بِمَكَّة على ابْن حجر الهيتمى وَله تصانيف مِنْهَا نظم الْإِرْشَاد ومنظمومة فِي أصُول الْفِقْه وحاشية على الْبَهْجَة للعامري وَشرح على شذور الذَّهَب وَغير ذَلِك وَمَات سنة 989 وَبَنُو الأشخر بَيت علم وَصَلَاح يسكنون قَرْيَة قريب بَيت الشَّيْخ قَرِيبا من الضُّحَى وَبهَا قبر صَاحب التَّرْجَمَة
البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع - لمحمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني اليمني
محمد بن أبي بكر الأشخر، جمال الدين:
فقيه شافعيّ يمني. مولده ووفاته في قرية (بيت الشيخ) بقرب الضحى (في اليمن) تفقه في زبيد، وغلبت عليه السوداء في أواخر أعوامه فانقطع عن أكثر الناس.
له (شرح بهجة المحافل وبغية الأماثل - ط) جزءان في تلخيص المعجزات والسير والشمائل ل أبي بكر العامري، و (فتاوى) مرتبة على أبواب الفقه، ومنظومة في (أصول الفقه) وشرحها، وألفية في (النحو) ومنظومة في (رجال الحديث) وغير ذلك .
الأعلام لـ {خير الدين الزركلي}