حب 1997
أبيات قصيدة حب 1997 لـ نزار قباني
في القرن الواحد والعشرين
انك لن تكوني فيه حبيبتي
وأنني لن أكتب فيه قصيدة واحدة
في تمجيد العشق
أو مديح النساء
إنه قرن لا قلب له
وليس فيه مكان للحب ... او للشعر .. او
للكلمات الجميلة
قرن ستنقرض فيه ذرية الإنسان
العاشق
والإنسان الحالم
والإنسان الكاتب
أكثر ما يخيفني
انهم سوف يبرمجونك
ويبرمجونني
ويتحكمون بحركة شفاهنا
وأصابعنا
وتاريخ لقاءاتنا
وتوقيت رغباتنا
ومواسم ضحكنا
ماذا سنفعل يا حبيبتي
في عصر إلتباس الأجناس
وسلطة أقنية الفضاء
والإنترنت
وأشعة الليزر
والوجبات السريعة
وهستيريا الهاتف الخلوي
لست متحمسا لحداثة
تأخذ مني نقائي وطفولتي
ولا لحداثة تمحو أبجديتي
وسلالاتي الثقافية
ولا لكل الحداثات
التي تلغي ذاكرتي الشعرية
لست متحمسا كي أبيع المتنبي
حتى أشتري شكسبير
ولا أن ابيع أم كلثوم
حتى أشتري مادونا
لست متحمسا
كي أكون سويدياً
أو دنمركياً .. أو نرويجياً
أو شاعرا من شعراء الأسكيمو
فالحب تحت الصفر
لا يتناسب مع مناخاتي الإستوائية
إنني عربي يصنع القهوة
على نار الفحم
ويصنع الحب على نار الفحم
ويكتب القصيدة على نار الفحم
ويستقبل النساء
وهو مطمور في داخل منقل فحم
لا يمكنني ان احبك في عصر الحداثة
فهو يستنزف إنسانيتي
ويقتل طفولتي
لا يمكنني ان ألمس شفتيك
بالريموت كونترول
وأراك كملايين المشاهدين
بالفيديو كليب
فهذا اغتصاب لخصوصيتي
وعدوان
على رجولتي
لا يمكنني ان اجعلك يا حبيبتي
طعاما للكمبيوتر
وتقريراً صحفيا في ثورة المعلومات
لا يمكنني ان أحبك
على الطريقة الدادائية
او السريالية
فالتجريد ليس من طبيعتي
وسيلفادور دالي
وخوان ميرو
وشاغال
وماكس ارنست
لن يتمكنوا من إلغاء بداوتي
لا يمكنني ان أحبك
على طريقة النسّاك
والزاهدين , والمتصوفين
ولا أن ادخل مع شفتيك في حوار فلسفي
لأن كف المرأة لا يقرأ كتب الفلسفة
ولا يعرف من هو ديكارد
وهيغل .. وابن رشد .. وابن خلدون
والتفري .. ومحيي الدين بن عربي
كف المراة
لا يريد منظرين .. وأكادميين .. وفقهاء
بل يريد إنقلابيين حقيقيين
يسقطون نظام العشق العربي
ويرفعون راية الأنوثة
ويغيرون كروية الأرض
لا يمكنك ان تطالبينني
أن اكون امامك طفلاً
مطيعا .. ومهذبا
فالأطفال المهذبون
ينتهون دائما الى الطبيب النفسي
او الى مستشفى المعاقين
وأنا أريد ان أكون طفلاً
طبيعيا
يلعب .. ويصرخ .. ويخربش على الحيطان
ويحرق ستائر الحيط .. ويحطم أوانيه
أريد ان تكوني حبيبتي
خارج العصر الجاهلي
وخارج العصر المملوكي
وخارج الفيتو الأمريكي
وخارج العصر الإسرائيلي
الذي ذبحنا كالدجاج
على باب الجامعة العربية
كلما أحببتك
كبرت مساحة حريتي
إنني لا استطيع ان أعشق إمراة
لا تحررني
اذهب الى موعدك
لاهثا ومتحمسا
ومبهوراً
كما اذهب الى ورقة الكتابة
إعشقي من شئت
وتزوجي من شئت
وسافري مع من شئت
فحيث تكونين
انت جزء من قصيدتي
سوف يأتي يوم
لا تجدين فيه امامك على طاولة الزينة
إلا قصائدي
الرجال العرب
مسؤولون عن وأد المرأة جسديا
في العصر الجاهلي
ومسؤولون عن وأدها ثقافيا
في عصر الأقمار الصناعية
لا حياد مع الشعر يا سيدتي
كما لا حياد مع النساء
انني أبحث عن قصيدة تتفجر
وتفجرني معها
وعن إمرأة ترمي نفسها في هاوية العشق
وتسحبني معها
فحاولي ان تتركيني قلقا
ومرتابا
ومتحفزا كنمر أفريقي
حاولي ان تستفزي الشعر في داخلي
وتشعلي كبريت رجولتي
وتطرزي جسدي بآلاف القبلات
وآلاف الطعنات
لا أريد منك جوابا على أي شيء
ولا نهاية لأي شيء
فظلي خنجرا مخبوءا تحت شراشفي
لا أعرف متى يذبحني
ومتى يصفح عني
ظلّي الزلزال الجميل الذي انتظره
والموت الذي يأتي ولا يأتي
فأنا لم افكر أبدا في إقامة علاقة مع إمرأة من خشب
او في كتابة قصيدة من خشب
عن نزار قباني
نزار قباني (1342 - 1419 هـ / 1923 - 1998 م) شاعر سوري معاصر من مواليد مدينة دمشق.
تعريفه من ويكيبيديا
نزار بن توفيق القباني (1342 - 1419 هـ / 1923 - 1998 م) دبلوماسي وشاعر سوري معاصر، ولد في 21 مارس 1923 من أسرة عربية دمشقية عريقة. إذ يعتبر جده أبو خليل القباني من رائدي المسرح العربي. درس الحقوق في الجامعة السورية وفور تخرجه منها عام 1945 انخرط في السلك الدبلوماسي متنقلًا بين عواصم مختلفة حتى قدّم استقالته عام 1966؛ أصدر أولى دواوينه عام 1944 بعنوان "قالت لي السمراء" وتابع عملية التأليف والنشر التي بلغت خلال نصف قرن 35 ديوانًا أبرزها "طفولة نهد" و"الرسم بالكلمات"، وقد أسس دار نشر لأعماله في بيروت باسم "منشورات نزار قباني" وكان لدمشق وبيروت حيِّزٌ خاصٌّ في أشعاره لعلَّ أبرزهما "القصيدة الدمشقية" و"يا ست الدنيا يا بيروت". أحدثت حرب 1967 والتي أسماها العرب "النكسة" مفترقًا حاسمًا في تجربته الشعرية والأدبية، إذ أخرجته من نمطه التقليدي بوصفه "شاعر الحب والمرأة" لتدخله معترك السياسة، وقد أثارت قصيدته "هوامش على دفتر النكسة" عاصفة في الوطن العربي وصلت إلى حد منع أشعاره في وسائل الإعلام.—قال عنه الشاعر الفلسطيني عز الدين المناصرة : (نزار كما عرفته في بيروت هو أكثر الشعراء تهذيبًا ولطفًا).
على الصعيد الشخصي، عرف قبّاني مآسي عديدة في حياته، منها مقتل زوجته بلقيس خلال تفجيرٍ انتحاري استهدف السفارة العراقية في بيروت حيث كانت تعمل، وصولًا إلى وفاة ابنه توفيق الذي رثاه في قصيدته "الأمير الخرافي توفيق قباني". عاش السنوات الأخيرة من حياته مقيمًا في لندن حيث مال أكثر نحو الشعر السياسي ومن أشهر قصائده الأخيرة "متى يعلنون وفاة العرب؟"، وقد وافته المنية في 30 أبريل 1998 ودفن في مسقط رأسه، دمشق.