حنت على حاجز السفينه
أبيات قصيدة حنت على حاجز السفينه لـ علي محمود طه

حَنَتْ على حاجز السفينهْ
ترنو إلى الرغو والزَّبدْ
كأنّها الفتنةُ السجينةْ
تمضي بها لُجَّة الأبدْ
نَبَتْ بها ضَجَّةُ المكان
يَزينها الصَّمْتُ والجلالُ
والبحرُ من حولها أغاني
والسُّحْبُ والريحُ والجبالُ
ساهرة وحدها تُطِلُّ
بملتقى النور والظلامِ
لا تسأم الصَّمْتَ أو تَمَلُّ
تَهامسَ الشُّهْبِ والغمامِ
تُصْغي إلى الموج والرياح
في مَعْزِلٍ شاق كلَّ عَينِ
كأنها نجمةُ الصباحِ
مُطِلَّةٌ من سحابتينِ
هفهافةُ الثوب في بياضٍ
يكاد عن روحها يشفُّ
لأيِّ ذكرى وأيِّ ماضٍ
يَسْرِي بها خاطرٌ ويَهْفو
وما وراءَ العُباب تَبْغي
وأيُّ سرٍّ لها تَبدّى
وأيُّ لحن إِليه تُصغي
بروحها الحالم استبدَّا
عجبتُ للبحر ما عراهُ
يودّ لو مسَّ ناظريها
يتاخمُ النّجمَ في علاهُ
ويَنثني جاثياً لديها
وهائمٍ في الفضاءِ صَبِّ
مُجنّح لا يبينُ طيفا
كم ودّ لو من ضنىً وحُبِّ
هوى على صدرها وأَغفى
كم بثّ من أنّةٍ وألقى
بهمسةٍ ضائعٌ صداها
يا وَيحه لا يَحير نُطقا
فكيف تُلقي له انتباها
أنفاسُهُ عن جَواهُ تُغْنِي
عليلةً خفْقُها اضطراب
كآهةٍ في فم المُغَنِّي
جريحةٍ لحنُها العذابُ
يدنو ويرتدُّ في حياءِ
يُجاذب الثوبَ والشّعَرْ
وكلما كلَّ من عياءِ
أثاره الوجدُ فاستعرْ
يضمُّها راعشاً ويمضي
مباعداً وهو ما ابتعدْ
كأنه بالحنين يقضي
لُبانةَ الروح والجسدْ
والقمرُ الطالع الصغيرُ
أزاح عن وجهه السّحابا
وقد جرى ضوؤه الغريرُ
يستشرف الأُفْقَ والعُبابا
المرحُ العابثُ الطروبُ
لما دعا باسمِهِ الشروقُ
نادت به موجةٌ لعوبُ
إليَّ يا أيّها المشوقُ
طال على المنتأى طُروقي
وطال مَسراكَ في السماءِ
فَنَمْ على صدريَ الخفوق
واحْلُمْ بما شِئْتَ من هناءِ
وانْسِني وحشةَ الليالي
بقُبْلةٍ منكَ يا حبيبي
لكنّه مرَّ لا يبالي
ولجّ في صمتهِ العجيب
مذ أبصرته انثنى ومرّا
قالتْ ومن دمعها مَسيلُ
لأنتَ مثلُ الرجال طُرّا
يا أيُّها الخائنُ الجميلُ
وهبتُكَ الغضَّ من شبابي
سكرانَ من خمر أُمسياتي
فأين تمضي على العُباب
من صوت حُبّي وذكرياتي
ومن هيَ الغادةُ التي
تنسلُّ من مخدعي إليها
أعندها مثلُ فتنتي
أم انني أفْترِي عليها
إذهبْ إِليها ودعْ ذمامي
فديتُكَ اسْلَمْ على التنائي
إذْبَحْ على صدرها غرامي
واملأ لها الكأسَ من شقائي
والْهُ مع الغيد والعذارى
وغنّ بالكأس والوترْ
وانقعْ من الغُلّة الأُوارا
واقطفْ من اللّذة الثّمرْ
أبوكَ والطبعُ لا يحولُ
وَرِثْتَهُ خِلْقةً وخَلْقا
يا أيها القُلَّبُ الملولُ
من قبضتي لن تنالَ عِتْقا
مُطاردٌ أنت باشتياقي
ما جُبْتَ أرضاً وجُزتَ بحرا
مُقيّدٌ أنتَ في وثاقي
وإنْ رأتكَ العيونُ حُرّا
لأنتَ مهما كبرْتَ طِفلي
يا ابنَ الهوى البكرِ والألَمْ
خُطاكَ مسبوقةٌ بظلّي
وإنْ تعلّقتَ بالقِمَمْ
سأحفظ العهد مِنكَ دوما
وأقطع العمر في انتظارِكْ
وسوف تأوي إليّ يوماً
تبكي وأبكي إلى جواركْ
ضراعةٌ من عذاب أُنثى
مَشَتْ على المائج الغضوبِ
صغا لها الليلُ واستحثّا
سواكنَ الريح للهبُوبِ
وحدّقتْ في الدُّجَى نجومُ
غيرَى تغامزن بالخبرْ
وغمغمتْ نجمةٌ رؤومُ
أما يرى ضوءَه القمرْ
أما يرى ذلك الصَّبِيَّا
يُؤلّب البحرَ والظلاما
فيا لهُ فاتناً خَلِيّا
يُزوّرُ العشق والغراما
كم ليلةٍ بعد ألف ليلهْ
لم تروِها عنه شهرزادُ
وكم عناق له وقُبْلهْ
في كِذبةٍ لفظُها مُعادُ
فاستوعب الضوءُ ملءَ حسّهْ
مفاتنَ الناس والطبيعهْ
مُردّداً في قرار نفسهْ
ما أبشع الغيرة الوضيعهْ
وارتعش الضوءُ ثم أضفَى
من حوله الصفوَ والسكينهْ
وابتسمتْ نفسه فألفى
خطاه في جانب السفينهْ
فراعه ذلك الجمالُ
جمالُها الصّامتُ الحزينُ
فشاقه الشِّعرُ والخيالُ
وهزّهُ الوجدُ والحنينُ
فقال يا روعةَ المساءِ
وفِتنةَ اللُّبِّ والبصرْ
قد آذن الليلُ بانقضاءِ
وأنتِ موصولةُ السهرْ
أيّتُها الملكةُ الكسيرهْ
أيّتُها الربّةُ الخجولهْ
أيّتُها الطفلةُ الكبيرهْ
لن تبرحي عالمَ الطفولهْ
أعلمُ ما تكتمين عنِّي
وإنْ تلثَّمتِ بالخفاءِ
خمسُ ليالٍ وأنت مني
متبوعةُ الظلِّ باشتهائي
قد كنتُ أُزهى بما عرفتُ
من فِتنِ الحسن والدلالِ
لكنّني الليلةَ اكتشفتُ
أروعَ ما شِمْتُ من جمالِ
عشقتُ فيكِ الهوى ودُلّهْ
في زَهوةِ الحسن والشبابِ
وذلك الصّمت ما أجلّهْ
في عالم اللَّغو والكذابِ
هاربةٌ أنتِ يا فتاتي
من ثورةِ الشكّ والرِّيَبْ
هَرَبْتِ من ضجَّة الحياةِ
فكيف من نفسِك الهربْ
بها ابدئي أولاً فسُلّي
وردكِ من شوكِهِ الأثيمِ
لا البُعْدُ يجدي ولا التسلّي
كطعْنكِ الغدر في الصميمِ
هنيهةٌ لم يَطُلْ مداها
تروع بالصّمت والشحوبِ
لم يبلغ الليلُ منتهاها
إلَّا على رَوعةِ المغيبِ
والتفتَ الضوءُ للوداع
يهمسُ في رِقّةٍ ووجدِ
يا ربَّةَ الحسنِ لا تُراعي
فلترْعَكِ الكائناتُ بعدي
يا ليلُ يا موجُ يا رياحُ
أيّتُها السُّحْبُ والظلالُ
أيّتُها الغُورُ والبِطاحُ
أيّتُها الشهبُ والجبالُ
في الجوّ في الماءِ في الثرى
صوني لها العهدَ والودادا
رُدِّي على عينها الكرى
وأبعِدي الفِكرَ والسهادا
وأنقذيها مِنَ الجوى
يا عاشقاتي على الزَّمانِ
بكلِّ ما فيك من قُوَى
وكلِّ ما فيَّ من حنانِ
شرح ومعاني كلمات قصيدة حنت على حاجز السفينه
قصيدة حنت على حاجز السفينه لـ علي محمود طه وعدد أبياتها ثمانية و ثمانون.
عن علي محمود طه
علي محمود طه المهندس. شاعر مصري كثير النظم، ولد بالمنصورة، وتخرج بمدرسة الهندسة التطبيقية، وخدم في الأعمال الحكومية إلى أن كان وكيلاً لدار الكتب المصرية وتوفي بالقاهرة ودفن بالمنصورة. له دواوين شعرية، طبع منها (الملّاح التائه) ، (وليالي الملاح التائه) و (أرواح شاردة) و (أرواح وأشباه) و (زهر وخمر) و (شرق وغرب) و (الشوق المائد) و (أغنية الرياح الأربع) وهو صاحب (الجندول) أغنية كانت من أسباب شهرته.[١]
تعريف علي محمود طه في ويكيبيديا
علي محمود طه المهندس (1901-1949) شاعر مصري من وضح الرومانسية العربية لشعره بجانب جبران خليل جبران، البياتي، السياب وأمل دنقل وأحمد زكي أبو شادي.[٢]
- ↑ معجم الشعراء العرب
- ↑ علي محمود طه - ويكيبيديا