حوار مع أعرابي أضاع فرسه

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

أبيات قصيدة حوار مع أعرابي أضاع فرسه لـ نزار قباني

1
لو كانتْ تسمعُني الصحراءْ
لطلبتُ إليها أن تتوقّف عن تفريخِ ملايينِ الشعراءْ
وتحرِّر هذا الشّعب الطيّبَ من سيفِ الكلماتْ
ما زلنا منذُ القرنِ السّابعِ ، نأكلُ أليافَ الكلماتْ
نتزحلقُ في صمغِ الرّاءاتْ
نتدحرجُ من أعلى الهاءاتْ
وننامُ على هجوِ جريرٍ
ونفيقُ على دمعِ الخنساءْ
ما زلنا منذ القرنِ السابعِ .. خارجَ خارطةِ الأشياءْ
نترقّبُ عنترةَ العبسيَّ .. يجيءُ على فَرَسٍ بيضاءْ
ليفرِّجَ عنّا كربتَنا .. ويردَّ طوابيرَ الأعداءْ ..
ما زلنا نقضمُ كالفئرانِ .. مواعظَ سادتِنا الفقهاءْ
نقرأُ (معروفَ الإسكافيَّ) ونقرأُ (أخبارَ الندماءْ)
ونكاتَ جُحا ..
و (رجوعَ الشيخِ) ..
وقصّةَ (داحسَ والغبراءْ) ..
يا بلدي الطيّبَ ، يا بلدي
الكلمةُ كانتْ عصفوراً ..
وجعلنا منها سوقَ بغاءْ ..

2
لو كانتْ نَجدٌ تسمعُني
والربعُ الخالي يسمعني
لختمتُ أنا بالشّمعِ الأحمرِ سوقَ عُكاظْ
وشنقتُ جميعَ النجّارينَ .. وكلَّ بياطرةِ الألفاظْ
ما زلنا منذُ ولادتِنا ..
تسحقُنا عجلاتُ الألفاظْ
لو أُعطى السّلطةَ في وطني
لقلعتُ نهارَ الجمعةِ أسنانَ الخُطباءْ
وقطعتُ أصابعَ من صبغوا .. بالكلمةِ أحذيةَ الخُلفاءْ
وجلدتُ جميعَ المنتَفعينَ بدينارٍ .. أو صحنِ حساءْ
وجلدتُ الهمزةَ في لغتي .. وجلدتُ الياءْ
وذبحتُ السّينَ .. وسوفَ .. وتاءَ التأنيثِ البلهاءْ
والزخرفَ والخطَّ الكوفيَّ ، وكلَّ ألاعيبِ البُلغاءْ
وكنستُ غبارَ فصاحَتنا ..
وجميعَ قصائدنا العصماءْ ..
يا بلدي ..
كيفَ تموتُ الخيلُ .. ولا يبقى إلا الشعراءْ ؟

3
لو أُعطى السُّلطة في وطني
أعدمتُ جميعَ المنبطحينَ على أبوابِ مقاهينا
وقصصتُ لسانَ مغنّينا
وفقأتُ عيونَ القمرِ الضاحكِ من أحزانِ ليالينا
وكسرتُ زجاجتَهُ الخضراءْ ..
وأرحتُكَ يا ليلَ بلادي ..
من هذا الوحشِ الآكلِ من لحمِ البُسطاءْ ..

4
يا بلدي الطيّبَ .. يا بلدي
لو تنشفُ آبارُ البترولِ .. ويبقى الماءْ
لو يُخصى كل المنحرفينَ .. وكلُّ سماسرةِ الأثداءْ
لو تُلغى أجهزةُ التكييفِ .. من الغرفِ الحمراءْ
وتصيرُ يواقيتُ التيجانِ .. نعالاً في أقدامِ الفقراءْ ..
أو أملكُ كرباجاً بيدي ..
جرّدتُ قياصرةَ الصحراءِ من الأثوابِ الحضريَّهْ
ونزعتُ جميعَ خواتمهمْ
ومحوتُ طلاءَ أظافرهمْ
وسحقتُ الأحذيةَ اللمّاعةَ .. والسّاعاتِ الذهبيّهْ
وأعدتُ حليبَ النُوقِ لهمْ
وأعدتُ سروجَ الخيلِ لهمْ
وأعدتُ لهم ، حتّى الأسماءَ العربيّهْ

5
لو يكتُبُ في يافا الليمونُ .. لأرسلَ آلافَ القُبلاتْ
لو أنَّ بحيرةَ طبريّا ..
تُعطينا بعضَ رسائلِها ..
لاحترقَ القارئُ والصفحاتْ ..
لو أنَّ القدسَ لها شفةٌ ..
لاختنقت في فمها الصلواتْ
لو أنَّ .. وما تُجدي (لو أنَّ) .. ونحنُ نسافرُ في المأساةْ
ونمدُّ الأرضَ المحتلّهْ .. حبْلاً شعريَّ الكلماتْ
ونمدُّ ليافا منديلاً طُرِّزَ بالدمعِ .. وبالدعواتْ

يا بلدي الطيّبَ .. يا بلدي
ذبحَتْكَ سكاكينُ الكلماتْ

عن نزار قباني

نزار قباني (1342 - 1419 هـ / 1923 - 1998 م) شاعر سوري معاصر من مواليد مدينة دمشق.

تعريفه من ويكيبيديا

نزار بن توفيق القباني (1342 - 1419 هـ / 1923 - 1998 م) دبلوماسي وشاعر سوري معاصر، ولد في 21 مارس 1923 من أسرة عربية دمشقية عريقة. إذ يعتبر جده أبو خليل القباني من رائدي المسرح العربي. درس الحقوق في الجامعة السورية وفور تخرجه منها عام 1945 انخرط في السلك الدبلوماسي متنقلًا بين عواصم مختلفة حتى قدّم استقالته عام 1966؛ أصدر أولى دواوينه عام 1944 بعنوان "قالت لي السمراء" وتابع عملية التأليف والنشر التي بلغت خلال نصف قرن 35 ديوانًا أبرزها "طفولة نهد" و"الرسم بالكلمات"، وقد أسس دار نشر لأعماله في بيروت باسم "منشورات نزار قباني" وكان لدمشق وبيروت حيِّزٌ خاصٌّ في أشعاره لعلَّ أبرزهما "القصيدة الدمشقية" و"يا ست الدنيا يا بيروت". أحدثت حرب 1967 والتي أسماها العرب "النكسة" مفترقًا حاسمًا في تجربته الشعرية والأدبية، إذ أخرجته من نمطه التقليدي بوصفه "شاعر الحب والمرأة" لتدخله معترك السياسة، وقد أثارت قصيدته "هوامش على دفتر النكسة" عاصفة في الوطن العربي وصلت إلى حد منع أشعاره في وسائل الإعلام.—قال عنه الشاعر الفلسطيني عز الدين المناصرة : (نزار كما عرفته في بيروت هو أكثر الشعراء تهذيبًا ولطفًا).

على الصعيد الشخصي، عرف قبّاني مآسي عديدة في حياته، منها مقتل زوجته بلقيس خلال تفجيرٍ انتحاري استهدف السفارة العراقية في بيروت حيث كانت تعمل، وصولًا إلى وفاة ابنه توفيق الذي رثاه في قصيدته "الأمير الخرافي توفيق قباني". عاش السنوات الأخيرة من حياته مقيمًا في لندن حيث مال أكثر نحو الشعر السياسي ومن أشهر قصائده الأخيرة "متى يعلنون وفاة العرب؟"، وقد وافته المنية في 30 أبريل 1998 ودفن في مسقط رأسه، دمشق.

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي