حوار مع سفرجلتين
أبيات قصيدة حوار مع سفرجلتين لـ نزار قباني
لجسمك عطر خطير النوايا ..
يقيم بكل الزوايا ..
ويلعب كالطفل تحت زجاج المرايا ..
يعيش على سطح جلدي شهوراً .
كما وردة في كتاب .
ويضحك مني ،
إذا ما طلبت إليه الذهاب …
2
يعربش عطرك فوق الرفوف ،
وفوق الخزائن ،
يمشي بكل الدهاليز ،
يجلس فوق البراويز ،
يفتح باب الجوارير ، ليلاً
ويدخل تحت الثياب …
3
لجسمك رائحة لا تريد السفر ..
تطاردني ، كرجال المباحث ، ليلاً نهاراً ..
وتدخل في الجلد ..
مثل القضاء ، ومثل القدر .
فتجلس في أي مقهى جلست .
وتعبر أي رصيف عبرت ..
وتقرأ أي كتاب قرأت ..
وتمشي معي ، حين تصحو السماء
وتمسكني من يدي .. حين يهمي المطر …
4
لجسمك عطر ..
شديد الذكاء ، كثير الغرابة
يشابه صوت الكمنجات حيناً
وحيناً يشابه صوت الربابة ..
يشاركني في صياغة شعري
ويدخل بيني وبين الكتابة …
5
لعطرك ظفر طويل .. طويل
يغوص بلحمي
ولحم الشراشف ليلاً
ويمنعني أن أنام …
6
أحاور ليلاً .. سفرجلتين دمشقيتين
فأكتظ بالعطر ، قبل ابتداء الحوار.
وأكتظ بالشعر ، بعد انتهاء الحوار .
وينفجر البرق تحت قميصي ..
وتسقط من ركبتيك الحُلـَى والثمار ..
فيا امرأة حاصرتني طويلاً ..
بعطر السفرجل ..
من قال إني أضيق بهذا الحصار ؟
ومن قال إني أخاف مواجهة الموج والعاصفة ؟
فإني بقطرة عطر صغيرة
سأغزو أعالي البحار !! .
7
لجسمك عطر به تتجمع كل الأنوثة ..
وكل النساء ..
يدوخني كالنبيذ العتيق
ويزرعني كوكباً في السماء .
ويسحبني من فراشي
إلى أي أرض يشاء .
وفي أي وقت يشاء .
8
لجسمك رائحة الشام ، تملأ صدري
فخوخ .. وتين .. ولوز .. وماء ..
فكيف أشم على شفتيك الربيع ؟
ونحن بعز الشتاء ؟ …
9
يقول سفرجل نهديك .. حين يراني
كلاماً جميلاً ..
يقول الذي لم تقله جميع اللغات .
يحرض بحر الرجولة في داخلي ..
ويقترف المعجزات .
ويصنع غزل البنات صباحاً ..
ويصنع غزل البنات مساء ..
وعند الظهيرة ،
يصنع خيطان غزل البنات !! …
10
أنا ضائع تحت أمطار عطرك
بين الجنوب ، وبين الشمال ..
وما بين رائحة البن تجتاحني
ورائحة البرتقال ..
سلام على شامة في ذراعك
تغفو كحبة هال ..
سلام على أي ملقط شعر ..
نسيناه تحت الرمال ..
سلام على النهد ..
يأخذ في أول الشهر ،
شكل الهلال !! …
11
سلام على جسد كالخرافة
يفتح كالورد أجفانه .
ويختار عني فطور الصباح ..
ويسكب لي قهوتي بيديه ..
فأشعر أن السرير يسافر فوق الغمام ..
سلام على الخصر ، يخطر بالبال مثل المنام ..
سلام على الصيف
حين يطير .. وحين يحط الحمام ..
سلام على الماء يخرج لي من ثقوب الرخام ..
سلام على قمرين يدوران حولي ..
فهل تنقلين إلى ناهديك السلام ؟؟
12
أحبك يا امرأة
هي عطر العطور .. ومسك الختام .
لأجلك ..
كانت أهم القصائد عبر العصور ..
وكان أهم الكلام …
عن نزار قباني
نزار قباني (1342 - 1419 هـ / 1923 - 1998 م) شاعر سوري معاصر من مواليد مدينة دمشق.
تعريفه من ويكيبيديا
نزار بن توفيق القباني (1342 - 1419 هـ / 1923 - 1998 م) دبلوماسي وشاعر سوري معاصر، ولد في 21 مارس 1923 من أسرة عربية دمشقية عريقة. إذ يعتبر جده أبو خليل القباني من رائدي المسرح العربي. درس الحقوق في الجامعة السورية وفور تخرجه منها عام 1945 انخرط في السلك الدبلوماسي متنقلًا بين عواصم مختلفة حتى قدّم استقالته عام 1966؛ أصدر أولى دواوينه عام 1944 بعنوان "قالت لي السمراء" وتابع عملية التأليف والنشر التي بلغت خلال نصف قرن 35 ديوانًا أبرزها "طفولة نهد" و"الرسم بالكلمات"، وقد أسس دار نشر لأعماله في بيروت باسم "منشورات نزار قباني" وكان لدمشق وبيروت حيِّزٌ خاصٌّ في أشعاره لعلَّ أبرزهما "القصيدة الدمشقية" و"يا ست الدنيا يا بيروت". أحدثت حرب 1967 والتي أسماها العرب "النكسة" مفترقًا حاسمًا في تجربته الشعرية والأدبية، إذ أخرجته من نمطه التقليدي بوصفه "شاعر الحب والمرأة" لتدخله معترك السياسة، وقد أثارت قصيدته "هوامش على دفتر النكسة" عاصفة في الوطن العربي وصلت إلى حد منع أشعاره في وسائل الإعلام.—قال عنه الشاعر الفلسطيني عز الدين المناصرة : (نزار كما عرفته في بيروت هو أكثر الشعراء تهذيبًا ولطفًا).
على الصعيد الشخصي، عرف قبّاني مآسي عديدة في حياته، منها مقتل زوجته بلقيس خلال تفجيرٍ انتحاري استهدف السفارة العراقية في بيروت حيث كانت تعمل، وصولًا إلى وفاة ابنه توفيق الذي رثاه في قصيدته "الأمير الخرافي توفيق قباني". عاش السنوات الأخيرة من حياته مقيمًا في لندن حيث مال أكثر نحو الشعر السياسي ومن أشهر قصائده الأخيرة "متى يعلنون وفاة العرب؟"، وقد وافته المنية في 30 أبريل 1998 ودفن في مسقط رأسه، دمشق.