خمس وعشرون وردة في شعر بلقيس

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

أبيات قصيدة خمس وعشرون وردة في شعر بلقيس لـ نزار قباني

-1-
كنت أعرف أنها سوف تــُـقتل ..
وكانت تعرف أنني سوف اُقـتـل ..
وقد تحقـقت النبوءتان ..
سقطت هي كالفراشة ، تحت أنقاض الجاهليه وسقطتُ أنا .. بين أنياب عصر عربي
يفترس القصائد ..
وعيون النساء ..
ووردة الحريه ..

-2-
كنت أعرف أنها سوف تـُـقتل ..
وأن أنوثتها لن تشفع لها .
فالأنوثه في هذا الوطن الممتد جـغـرافـيا من البشاعة إلى البشاعه ..
ومن الـقـذ يـفـة إلى الـقـذ يـفـه
ليست ســبـبـا تخـفـيــفـيا
يحمي الحمائم من الذبح ..
ولا تعطي امتيازا للأمهات لكي يكملن إرضاع أطفالهن ..

-3-
كنت أعرف أنها سوف تقتل ..
فقد كانت جميلة في عصر عربي قبيح ..
وكانت نقية في عصر عربي ملوث
وكانت نبيلة في عصر الصعاليك .
وكانت لؤلؤة نادرة
بين أكداس اللؤلؤ الصناعي
وكانت امرأة مـتـفرده ..
بين أرتال النساءِ المتشابهات ...

-4-
كنت أعرف أنها سوف تقتل ..
ففيها تجسدت حضارة ما بين النهرين
ونحن متخلفون ..
هي مقام بغداديٌّ رائع ..
ونحن لا نسمع ..
هي قصيدة عباسيه ..
ونحن لا نقرأ ..
هي فصلٌ من ملحمة ( جلجامش ) ونحن أميّـون ..
هي أجمل ما كُـتِـبَ من شعر ..
ونحن أردأ ما كـُـتب من نثر ...

-5-
كنت أعرف أنها سوف تقتل ..
لأن عـينيها كانـتـا صافيـتـيـن كنهرين من الزمرد ..
وشعرها كان طويلا كموال بغدادي
فأعصاب هذا الوطن ، لا تـتحمل كثافة الـلون الأخضر
ولا تتحمل رؤية لون شجرة نخيل تتجمع في عيني بلـقيس ...

-6-
كنت أعرف أنها سوف تقتل ..
فكلنا ـ دون استثناءٍ ـ موضوعون على قائمة الطعام في هذا الوطن الذي احترف أكل مواطنيه ..
والغريب .. أنهم يطالبوننا قبل أن يأكلونا .. أن نغني النشيد الوطنيّ !!
ونأخذ التحية العسكرية لرئيس المائده وللغارسونات الذين يحيطون به ..
أيُّ نشيدٍ وطنيٍّ ؟, أي وطن ؟..
حين تكون جثة المواطن العربي
مدفونة في مكان ما ..
بين معدة الحاكم العربي ..
وبين مصرانه الغليظ ...

-7-
كنت أعرف انها سوف تقتل ..
فقد كانت مساحة كبرياءها أكبر من مساحة شبه جزيرة العرب
وكانت حضارتها لا تسمح لها أن تعيش في عصر الإنحطاط ..
وكان تركيبها الضوئي ..
لا يسمح لها أن تعيش في العتمه ...

-8-
كانت تعتقد من شدة عنفوانها أن الكرة الأرضية صغيرة عليها .. ولهذا حَـزَمت حقائبها،
وانسحبت على أطراف أصابعها ، دون أن تـُـخبر أحدا ..

-9-
لم تكن خائفة أن يقـتـلها الوطن ولكنها كانت خائفة على الوطن أن يقتل نفسه ..

-10-
كسحابة حبلى بالشعر ..
نَـقــَّـطـَـت فـوق دفاتري
نبيذا .. وعسلا .. وعصافير..
وياقـوتا أحمر ..
ونقطت فـوق مشاعري
قلوعا .. وطيورا بحرية
وأقمار ياسمين .
بعد رحيلها ،
بدأت عصورُ العطش
وانتهى زمن الماء ..

-11-
كان حبها العراقي
له طعم الورد .. وطعم الجمر ..
وكان إذا فاض في موسم الربيـع كسر جميع السدود ..
وكسرني عشرين ألـف قطعه..

-12-
أسست معها في 5 آذار 1962
أول مدرسة للعشق في بغداد
وعندما سقطت بلقيس في 15/12/1981
استقال المعلمون والمعلمات
وهرب التلاميذ
وتأجلت دراسة الحب ..
إلى أجـلٍ غير مسمى ...

-13-
قبل أن يتركني شعرها الذهبي ويسافـر ..
لم أكن أعرف أبدا
أن من بعض هوايات العصافـير ..
تجميع سبائك الذهب ..

-14-
بعد رحيل بلقيس
لن يكبر الشجر
ولن يستدير القمر
ولن يشتعل الماء...

-15-
لأن الشعب العربي كان يتمنى أن يكون حُـرا كشعر بلقيس
وغير معتقل بالدبابيس
والزنزانات .. والأسلاك الشائكه ..
كشعر بلقيس ..
فقد أمَـرَ السلطان ـ نصره الله على أعدائه ـ
ـ وزاد من عدد مَـحظيّــاتِه ونسائه ـ
بإشعال النار في حقول الحنطه ..
وقطع رأس كل سنبلةٍ تـتكلم مع سنبلة أخرى والتخلص من شعر بلقيس الجامح كحصان أشقر ..
لأنه يُـعَـلِّـمُ الناس الطموح
ويحرضهم على الحريه

-16-
كنت دائما أحس أنها ذاهبه ..
وكان في عينيها دائما
قـلوعٌ تستعـدّ للرحيل ..
وطيارات جاثمة على أهدابها
تستعـد للإقلاع .
وفي حقيبة يدها ـ منذ تزوجتها ـ
كان هناك جواز سفــرٍ .. وتذكرة طيران وتأشيرات دخول إلى بلادٍ لم تزرها ..
وعندما كنت أسألها :
ولماذا تضعين كل هذه الأوراق في حقيبة يدك؟
كانت تجيب :
لأنني على موعـدٍ مع قـوس قزح ...

-17-
بعدما سلموني حقيبة يدها ..
التي عثروا عليها تحت الأنقاض ورأيت جواز السفر ..
وتذكرة الطائره ..
وتأشيرات الدخول ..
عرفت أني لم أتزوج بلقيس الراوي
وإنما تزوجت قوس قزح ...

-18-
في الحفلات العامه ..
كانت تـتحاشى أن تـقـف معي ..
أو تـتصور معي ..
أو تقول للناس : إنها زوجة الشاعر.
أنا الذي كنت أبحث عنها هنا .. وهناك ..
وأطلب من المصورين أن يصوروني معها ..
حتى أدخل التاريخ ..

-19-
عندما كانت تحضر أمسياتي الشعريه كانت هي التي تسرق الأضواء
وأنا الذي ابقى في الظل .
لم تكن تطلب رضى الشعر ..
كان الشعر هو الذي يطلب رضاها...

-20-
عندما تموت امرأة جميله ..
تـفـقـد الكرة الأرضية توازنها
ويعلن القمر الحداد لمئة عام
ويصبح الشِـعر عاطلا عن العمل ..

-21-
لم تكن تعترف بأوساط الحلول
حضورها كان اسـتـثـنـائيا ..
وحديثها كان اسـتـثـنـائيا ..
وشعرها الذي كان يسافر في كل الدنيا ..
كان حادثا اسـتـثـنائيا ..
لذلك ..
كان موتها اسـتـثـنائيا مثلها ...

-22-
تزوجتـني .. رغم أنف القبيله
وسافرت معي .. رغم أنف الـقـبـيـلـه ..
وأعطـتـني زيـنـبَ وعُـمَـرْ ..
رغم أنـف الـقـبـيـلـه ..
وعندما كنت أسألها : لماذا ؟
كانت تأخذني كالطفل إلى صدرها وتـتمتم :
" لأنك قبـيلتي .."

-23-
كانت خرافية الألوان .. كفراشه
ورشيقة الطيران .. كفراشه ..
وقصيرة العمر .. كفراشه..
وعندما أحرقوها في يوم 15 ديسمبر 1981
قالت إحصائيات الأمم المتحده
إننا القبيلة الوحيدة في العالم
التي تأكل الفَـرَاشْ ..

-24-
بلقيس الراوي
بلقيس الراوي
بلقيس الراوي
كنتُ أحِبّ إيقاع اسمها ..
وأتمسك برنينه ..
وكنت أخاف أن اُلصِـقَ به كـُـنيَـتي
حتى لا أعكر ماء البحيره ..
واُشوهَ روعة السمـفـونـيه ..

-25-
ما كان لهذه المرأةِ أن تعيش أكثر ..
ولا كانت تـتمنى أن تعيش أكثر
فهي من فصيلة الشموع والقناديل
وهي كاللحظة الشعريه
لا بـدّ لها أن تـنـفجر قبل آخر السطر....

عن نزار قباني

نزار قباني (1342 - 1419 هـ / 1923 - 1998 م) شاعر سوري معاصر من مواليد مدينة دمشق.

تعريفه من ويكيبيديا

نزار بن توفيق القباني (1342 - 1419 هـ / 1923 - 1998 م) دبلوماسي وشاعر سوري معاصر، ولد في 21 مارس 1923 من أسرة عربية دمشقية عريقة. إذ يعتبر جده أبو خليل القباني من رائدي المسرح العربي. درس الحقوق في الجامعة السورية وفور تخرجه منها عام 1945 انخرط في السلك الدبلوماسي متنقلًا بين عواصم مختلفة حتى قدّم استقالته عام 1966؛ أصدر أولى دواوينه عام 1944 بعنوان "قالت لي السمراء" وتابع عملية التأليف والنشر التي بلغت خلال نصف قرن 35 ديوانًا أبرزها "طفولة نهد" و"الرسم بالكلمات"، وقد أسس دار نشر لأعماله في بيروت باسم "منشورات نزار قباني" وكان لدمشق وبيروت حيِّزٌ خاصٌّ في أشعاره لعلَّ أبرزهما "القصيدة الدمشقية" و"يا ست الدنيا يا بيروت". أحدثت حرب 1967 والتي أسماها العرب "النكسة" مفترقًا حاسمًا في تجربته الشعرية والأدبية، إذ أخرجته من نمطه التقليدي بوصفه "شاعر الحب والمرأة" لتدخله معترك السياسة، وقد أثارت قصيدته "هوامش على دفتر النكسة" عاصفة في الوطن العربي وصلت إلى حد منع أشعاره في وسائل الإعلام.—قال عنه الشاعر الفلسطيني عز الدين المناصرة : (نزار كما عرفته في بيروت هو أكثر الشعراء تهذيبًا ولطفًا).

على الصعيد الشخصي، عرف قبّاني مآسي عديدة في حياته، منها مقتل زوجته بلقيس خلال تفجيرٍ انتحاري استهدف السفارة العراقية في بيروت حيث كانت تعمل، وصولًا إلى وفاة ابنه توفيق الذي رثاه في قصيدته "الأمير الخرافي توفيق قباني". عاش السنوات الأخيرة من حياته مقيمًا في لندن حيث مال أكثر نحو الشعر السياسي ومن أشهر قصائده الأخيرة "متى يعلنون وفاة العرب؟"، وقد وافته المنية في 30 أبريل 1998 ودفن في مسقط رأسه، دمشق.

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي