ديوان الصبابة/إغاثة العاشق المسكين

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

إغاثة العاشق المسكين

إغاثة العاشق المسكين - ديوان الصبابة

إغاثة العاشق المسكين

إذا وصلت العظم السكين

أقول هذا باب عقدناه لذكر أكثر الناس فتوة وأغزرهم مروة وأرقهم قلباً وأحسنهم مربى ممن أصبح بين المحبين قديم هجر وهجرة وأمس له بكؤس المحبة ألف سكرة لا جرم أنه أعان ذوي المحبة ووازن بنفسه من في قلبه من الغرام مثقال حبة فسعى في إصلاح حاله وساواه بنفسه وماله والله القائل في هذا المعنى. قف مشوقاً أو مسعداً أو حزيناً أو معيناً أو عاذراً أو عذولاً فإن كنت خالياً من ذلك كله. أعني بأطماع كذوب على النوى إذا لم تقاتل يا جبان فشجع قلت أولا أقل من ذلك يا ابنة مالك والهل القائل في ذلك:

لو تعلم الناس من شوقي ومن كافي

ما بت أعلمه استسقوا بميعاد

واستشفعوا لي إلى ألفي بأجمعهم

وجاء عائدهم في ذي قوّاد

ومن أعجب ما سمعته في إغاثة العاشق والأخذ بثأره وما حكاه الجاحظ قال بلغني أن عاشقاً مات بالهند عشقاً فبعث ملك الهند إلى المعشوق فقتله. وقال الخرائطي كان رجل نحاس عنده جارية لم يكن له سلوة غيرها وكان يعرضها في المواسم فتغالي الناس فيها حتى بلغت مبلغاً كثيراً من المال وهو يطلب الزيادة فعلقها رجل فقير فكاد عقله أن يذهب فلما بلغه ذلك وهبها له فعوتب في ذلك فقال أني سمعت الله يقول: 'ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً' أفلا أحيي الناس جميعاً. وحكى الخرائطي أنه كان لبعض الخلفاء غلام وجارية من غلمانه وجواريه متحابين فكتب الغلام إليها يوماً.

ولقد رأيتك في المنام كأنما

عاطيتني من ريق فيك البارد

وكأن كفك في يدي وكأننا

بتنا جميعاً في فراش واحد

فطفقت نومي كله متراقدا

لأراك في نومي ولست براقدا

فأجابته الجارية:

خيراً رأيت وكل ما أبصرته

ستناله مني برغم الحاسد

إني لأرجو أن تكون معانقي

فتبيت مني فوق ثدي ناهد

وأراك بين خلاخلي ودمالجي

وأراك فوق ترائبي ومجاسدي

فبلغ الخليفة خبرهما فأنكحهما وأحسن إليهما على شدة غيرته. وقال أبو الفرج بن الجوزي سمع المهلب فتى يتغنى في جارية له فقال المهلب.

لعمري إني للمحبين راحم

وإني ببر العاشقين حقيق

سأجمع منكم شمل ودّ مبدّد

وإني بما قد ترجوان خليق

ثم وهبها له ومعها خمسة آلاف دينار وروى عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه جاءته جارية تستعدي على رجل من الأنصار فقال لها عثمان ما قصتك فقالت يا مير المؤمنين أحب ابن أخيه فما أنفك أراعيه فقال له عثمان أما أن تهبها لابن أخيك أو أعطيك ثمنها من مالي فقال أشهدك يا أمير المؤمنين أنها لابن أخي، وأتى علي بن أبي طالب كرم الله وجهه بغلام من العرب وجد في دار قوم بالليل فقال له لست بسارق ولكني أصدقك.

تعلقت في دار الرياحي خودة

يذل لها من حسنها الشمس والبدر

لها في بنات الروم حسن ومنصب

إذا افتخرت بالحسن صدقها الفخر

فلما طرقت الدار من حر مهجة

أبيت وفيها من توقدها جمر

تبادر أهل الدار بي ثم صيحوا

هو اللص محتوماً له القتل والأسر

فلما سمع علي شعره رق له وقال للمهلب اسمح له بها ونعوضك عنها فقال يا أمير المؤمنين اسأله لنعرف نسبه فقال النهاش بن عتبة العجلي فقال خذها فهي لك. وحكى التميمي في كتابه امتزاج النفوس أن معاوية بن أبي سفيان اشترى جارية من البحرين فأعجب بها إعجاباً شديداً فسمعها يوماً تنشد أبياتاً منها. وفارقته كالغصن يهتز في الثرى طريراً وسيما بعدما طرشار به فسألها فقالت له هو ابن عم لي فردها إليه وفي قلبه منها شرر النيران وذكر الخوائطي أن المهدي خرج إلى الحج حتى إذا كن بزبالة وجلس يتغدى إذا بشاب بدوي دخل عليه وبكى وقال يا أمير المؤمنين إني عاشق ورفع صوته فقال للحاجب ويحك ما هذا قال إنسان يصيح أني عاشق قال أدخلوه فأدخلوه فقال من عشيقتك قال ابنة عمي قال ألها أب قال نعم قال فماله لا يزوجك بها قال ههنا شيء يا أمير المؤمنين قال ما هو قال إني هجين والهجين الذي أمه ليست بعربية قال له المهدي فما يكون قال إنه عندنا عيب فأرسل في طلب أبيها فأتى به فقال هذا ابن أخيك قال نعم قال فلم لا تزوجه كريمتك فقال له مثل مقالة ابن أخيه وكان من أولاد العباس عنده جماعة فقال هؤلاء كلهم بنو العباس وهم هجن فما الذي يضرهم من ذلك قال هو عندنا عيب فقال له المهدي زوجه إياها على عشرين ألف درهم عشرة آلاف للعيب وعشرة آلاف مهرها قال نعم فحمد الله وأثنى عليه وزوجه إياها وأتى ببدرتين فدفعهما إليه فأنشأ الشاب يقول:

ابتعت ظبية بالغلاء وإنما

يعطي الغلاء لمثلها أمثالي

وتركت أسواق القباح لأهلها

إن القباح وإن رخصن غوالي

وعرض خالد بن عبد الله القسري سجنه يوماً فكان فيه يزيد بن فلان العجلي فقال له خالد في أي شيء حبست يا يزيد قال تهمة أصلح الله الأمير قال أفتعود إن أطلقتك قال نعم أيها الأمير وكره أن يعرض بقصته لئلا يفتضح معشوقه فقال خالد حضروا رجال الحي حتى نقطع يديه بحضرتهم وكان ليزيد أخ فكتب شعراً ووجه به إلى خالد.

أخالد هذا مستهام متيم

رمته لحاظ أنه غير سارق

اقر بما لم يأته المرء إنه

رأى القطع خيراً من فضيحة عاتق

ولو الذي قد خفت من قطع كفه

لألفيت في أمر له غير ناطق

إذا أبدت الرايات للسبق في العلا

فأنت ابن عبد الله أول سابق

فلما قرأ خالد الأبيات علم صدق قوله فأحضر أولياء الجارية فقال زوجوا يزيد فتاتكم فقالوا أما وقد ظهر عليه ما ظهر فلا فقال إن لم تزوجوه طائعين لتزوجونه كارهين فزوجوه ونقد خالد المهر من عنده وذكر أحمد بن الفضل الكاتب أن غلاماً وجارية كانا في كتاب فهواها الغلام فلم يزل يتلطف بمعلمه حتى صيره قريباً منها فلما كان في بعض أيامه في غفلة من الغلمان كتب في لوح الجارية.

ماذا تقولين فيمن شفه سقم

من طول حبك حتى صار حيرانا

فلما قرأته الجارية أغرورقت عيناها بالدمع رحمة له وكتبت تحته:

إذا رأينا محباً قد أضر به

طول الصبابة أوليناه إحسانا

جاء المعلم فسمع ذلك منمهما فأخذ اللوح وكتب هذين البيتين.

صلي العريف ولا تخشين من أحد

أمسى العريف صغير السن ولهانا

أما الفقيه فلا يسطو عليه أذى

فإنه قد بلي بالعشق ألوانا

وذكر الخرائطي عن أبي عساف قال مر أبو بكر رضي الله عنه بجارية وهي تقول:

وهويته من قبل قطع تمائمي

متماشياً مثل القضيب الناعم

فسألها أحرة أنت أم مملوكة فقالت مملوكة فقال من هواك فتلكأت فأقسم عليها فأنشدت:

وأنا التي لعب الغرام بقلبها

قتلت بحب محمد ابن القاسم

فاشتراها من مولاها وبعث بها إلى محمد بن القاسم بن جعفر بن أبي طالب وقال هؤلاء فتن الرجال فكم والله قد مات بهن كريم وعطب بهم سليم ودخلت عزة على أم البنين أخت عمر بن عبد العزيز وكانت من العابدات فقالت لها ما معنى قول كثير:

قضى كل ذي دين فوفى غريمه

وعزة ممطول معنى غريمها

ما كان هذا الدين قالت وعدته قبلة ومطلته ثم خرجت منها فقالت أنجزيها وعلي إثمها حدث محمد بن عبد الله بن أبي مليكة عن أبيه عن جده قال دخل عبد الرحمن ابن أبي عمار وهو يومئذ فقيه الحجاز على نخاس يعرض جواري فعشق منهن واحدة واشتهر بذلك حتى مشى إليه عطاء وطاوس ومجاهد يدلونه فكان جوابه.

يلومني فيك أقوام أجالسهم

فلا أبالي أطار اللوم أم وقعا

فانتهى خبره إلى عبد الله بن جعفر فلم يكن همه غيره فبعث إلى سيد الجارية فاشتراها منه بأربعين ألف درهم وأمر قيمة جواريه أن تطيبها ففعلت ودخل الناس عليه فقال مالي لا أرى ابن أبي عمار فأخبر أنه منقطع في منزله لفرط ما به فأتاه ابن جعفر فلما رآه أراد أن ينهض فاستجلسه وقال له ما فعل حب فلانه قال هو في اللحم والدم والعصب والعظام قال أتعرفها إن رايتها قال أو أعرف غيرها قال فأنا قد ضممنا إليها واحدة والله ما نظرت إليها وأمر بها فخرجت في الحال إليها فقال هي هذه قال نعم بأبي أنت وأمي قال فخذ بيدها فقد جعلتها لك أرضيت قال أي والله وفوق الرضا فقال له ابن جعفر لكن والله لا أرضى أن أعطيكها هكذا احمل إليه يا غلام مائة ألف درهم. ^

الباب السابع عشر

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي