ديوان الصبابة/اختلاط الأشباح

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

اختلاط الأشباح

اختلاط الأشباح - ديوان الصبابة

اختلاط الأشباح

اختلاط الماء بالراح

أقول هذا باب عقدناه لذكر من أفرط في العناق إذا التفت الساق بالساق فأصبح هو ومحبيه كالشيء الواحد في رأي العين حتى عند الأحوال الذي يرى الشيء شيئين وذلك لفرط المحبة التي لا يشتفي قلب صاحبها بالوصال ولا تنقطع حبال دموعه بالاتصال كما قيل:

وكدت وهو ضجيعي أن أقول له

من شدة الحب قد أبعدت فاقترب

وقال ابن الرومي:

أعانقه والنفس بعد مشوقة

إليه وهل بعد العناق تداني

وألثم فاه كي تزول حرارتي

فيشتد ما ألقى من الهيمان

ولم يك مقدار الذي بي من الجوى

ليشفيه رشفاً ما سوى الشفتان

كأن فؤادي ليس يشفي غليله

سوى أن ترى الروحان يمتزجان

وقال آخر:

سريت إليه والظلام كأنه

صريع كري والنجم في الأفق شاهد

فلو أن روحي مازجت ثم روحه

لقلت ادن مني أيها المتباعد

وقال أبو الحسين التونسي:

ثم اعتنقنا فترانا معاً

في ظلمة الليل ونور العتاب

جسمين صارا في الهوى واحداً

كشكلتين اختلطتا في كتاب

وقال خالد الكاتب

كأنني عانقت ريحانة

تنفست في ليلها البارد

فلو ترانا في قميص الدجى

حسبتنا في جسد واحد

وقال نفطويه النحوي

ولما التقينا بَعد بُعد بمجلس

تغازل فيه أعين النرجس الغض

جعلت اعتمادي ضمه وعناقه

فلم يفترق حتى توهمته بعضي

وما أحسن قول أبي بكر الأربلي

هم الرقيب ليسعى في تفرقنا

ليلاً وقد بات من أهواء معتنقي

عانقته فاتحدنا والرقيب أتى

فمذ رأى واحداً ولى على حنق

وقال سيف الدين المشد

ولما زار من أهواه ليلاً

وخفنا أن يلم بنا مراقب

تعانقنا لأخفيه فصرنا

كأنا واحد في عقد كاتب

وقال آخر:

توهم واشبيننا بليل مزاره

فهم ليسعى بيننا بالتباعد

فعانقته حتى اتحدنا تعانقاً

فلما أتانا ما رأى غير واحد

قال قاضي القضاة كمال الدين بن العديم لما سمع هذين البيتين أمسكه امساك أعمى. وقال أبو الفضل:

سقييا لعيش مضى والدهر يجمعنا

ونحن نحكي عناقاً شكل تنوين

فصرت إذ علقت كفي حبائلكم

بسهم هجرك ترمي ثم ينوين

ومثل هذا القول في عدم السلامة وتوجيه الملامة. قول بن سنا الملك

وليلة بتنا بعد سكري وسكره

نبذت وسادي ثم وسدته يدي

وبيننا كجسم واحد من عناقنا

وإلا كحرف في الكلام مشدد

لو قال كحرف في النظام ما وقع في الملام لأن الحرف المشدد في اللفظ معدود عند العروضيين بحرفين وأما في الخط فلا فعلى هذا لا يتم له ما أراد ولو جعل ساعده للمحبوب كالوساد ولا عذر له لأن الوزن ساعده وأعانه على تحصيل هذه الفائدة وقال بعض شعراء الذخيرة:

بتنا وراء الحجاب يلحفنا

برد وقار والشمل مشتمل

اثنان من شدة التعانق قد

صارا كفرد بالروح يتصل

لو أن غيث السماء أمطرنا

لم يصب الأرض تحتنا بلل

قال محمد بن عروس اجتمعت أنا وعلي بن الجهم في سفينة ونحن غير متعارفين فتذاكرنا ووجدته حلو المذاكرة فكان في بعض ما قاله أنا أشعر الناس فقلت له بماذا قال بقولي:

ألا رب ليل ضمنا بعد هجعة

وأدنى فؤاداً من فؤاد معذب

فبتنا جميعاً لو تراق زجاجة

من الخمر في ما بيننا لم يشرب

فقلت له والله لقد أحسنت ولكني أشعر منك قال بأي شيء قلت بقولي:

لا والمنازل من نجد وليلتنا

بقيد إذ جسدانا بيننا جسد

كم رام فينا الكرى من لطف مسلكه

يوماً فما انفك لا خد ولا عضد

والأصل في هذا قول بشار بن برد وهو من الشعر الملوكي.

ومرتجة الأرداف مهضومة الحشا

تمور بسحر عينها وتدور

إذا نظرت صبت عليك صبابة

وكادت قلوب العشقين تطير

خلوت بها لا يخلص الماء بيننا

إلى الصبح دوني حاجب وستور

ذكرت بقولي أن في أول الباب الأحوال الذي يرى الشيء شيئين قول بعض المغاربة في مليح له رقيب أحوال.

بأبي رشا يحوى مع الإحسان

ملكية موضوعها إنساني

أحوى الجفون له رقيب أحول

الشيء في إدراكه سيآن

يا ليته ترك الذي أنا مبصر

وهو المخير في الغزال الثاني

وقال ابن اسرائيل من ذو بيت

قد بالغ في حديثه بالمين

من قال رأيت مثله بالعين:

ما يبصر مثله سوى ذي حول

من حيث يرى الواحد كالاثنين

وقول صدر الدين بن الوكيل:

يقولون لي لم ذا كلفت بأحوال

يقلب بالزوجين قلت لهم عذرا

رأت كل عين حسن أوصاف أختها

فعادت بطول الدهر تنظرها شزرا

الباب الرابع والعشرون

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي