ديوان الصبابة/الاحتيال على طيف الخيال

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

الاحتيال على طيف الخيال

الاحتيال على طيف الخيال - ديوان الصبابة

الاحتيال على طيف الخيال

وغير ذلك مما قيل فيه

على اختلاف معانيه

أقول هذا باب عقدناه لذكر طيف الخيال الزائر وما قيل في سيره من الممثل السائر الحلوب إذا للشعراء في اقتناصة تحيل وحسن نحيل طالما كثروا من ذكره واستخرجوه من وكره فقربوا عليه بعد المسافة ولم يعافوا الحاق زجره بالعيافة. ومن المشهورين فيه بالإجادة أبو عبادة وغيره كأبن النقيب المنحيل على اصطياد خيال الحبيب:

حيث قال وأحسن في المقال

نصبت جفوني للخيال حبائلا

لعل خيالا في الكرى منه يسنح

وكيف أذا أغمضتهن أصيده

ومن عادة الأشراك للصيد تفتح وما احسن قول الشيخ جمال الدين ابن نباتة في التورية.

ومولع بفخاخ

يمدها وشباك

قالت لي العين ماذا

يصيد قلت كراك

وقلت أيضاً:

واقسم لو جاد الخيال بزورة

لصادف باب الجفن بالتفح مقفلا

وقال أبو محمد عبد الله السروجي وأحسن ما شاء:

انعم بوصلك فهذا وقته

يكفي من الهجران ما قد ذقتهد

أنفقت عمري في هواك وليتني

أعطي وصولاً بالذي أنفقه

يا من شغلت بحبه من غيره

وسلوت كل الناس حين عشقته

أنت الذي جمع المحاسن وجهه

لكن عليه تصبري فرقته

كم جال في ميدان حبك فارس

بالصبر مني في هواك سبقته

قال الوشاة قد ادعى بك نسبة

فسررت لما قلت قد صدقته

بالله إن سألوك عني قل لهم

عبدي وملك يدي وما اعنقته

أو قيل مشتاق إليك نقل لهم

أدري بذا وأنا الذي شوقته

يا حسن طيف من خيالك زارني

من فرحتي بلقاه ما حققته

فمضى وفي قلبي عليه حسرة

لو كان يمكنني الرقاد لحقته

وقال أبو تمام:

زار الخيال لها لا بل أزار له

فكراً إذا نام فكر الناس لم ينم

ظبي تقنصته لما نصبت له

من آخر الليل اشراكاً من الحلم

وقال أيضاً:

يا لها لذة تنزهت الأرواح

فيها سراً من الأجسام

مجلس لم يكن لنا فيه عيب

غيرانا في دعوة الأحلام

وقال البحتري:وهو من المكثرين في وصف الخيال المجيدين فيه ولكثرة ولوعه به واشتهاره ضرب به المثل. فقيل خيال البحتري ومن ذلك قوله:

إذا ما الكرى أهدى إلى خيالها

شقى قربه التبريح أو نقع الصدى

إذا انتزعته من يدي انتباهة

ظننت حبيباً راح مني أو عدا

فلم أر مثلينا ولا مثل شأننا

نعذب أيقاظاً وننعم هجداً

وقوله:

ولم أنس اسعاف الكرى بدنوها

وزورتها بعد الهدو وما تدري

إذا الليل أعطانا من الوصل يلغة

ثنتنا تباشير الصباح إلى الهجر

وقوله أيضاً:

بعثت طيفها إلي ودوني

سير شهرين للمهاري العتاق

زاروا هنا من الشام فحيا

مستهاماً صباً بأرض العراق

فقضى ما قضى وعاد إليها

والدجى في بردوء الأخلاق

وقوله:

وليلة هومنا على العيش أرسلت

بطيف خيال يشبه الحق باطله

فلولا بياض الصبح طال تشبثي

بعطفي غزال بت وهنا أغازله

فكم من يد لليل عندي حميدة

وللصبح من خطب تذم غوائله

وقال عبد الصمد بن المعدل:

واصل النوم بيننا بعد هجر

فاجتمعنا ونحن مفترقان

غير أن الأرواح خافت رقيباً

فطوت سرها عن الأبدان

منظر كان لذة القلب إلا

أنه منظر بغير عيان

قال المرتضي هذه الأبيات تروي للحميدوني وهي كثيرة من مثله ودخل ابن القطان الشاعر البغدادي يوماً على. الوزير الزيني وعنده الحيص بيص فقال قد عملت بيتين لا يمكن أن يعمل لهما ثالث لأنني قد استوفيت المعنى فيهما:فقال الوزير وما هما فأنشد:

زار الخيال بخيلاً مثل مرسله

فما شفاني منه الضيم والقبل

مازارني قط إلا كي يوافقني

على الرقاد فينفيه ويرتحل

فقال الوزير للحيص بيض ما تقول في دعواه فقال إن أعادهما سمع لهما ثالثاً فأعادهما فقال الحيص بيص:

وما درى أن نومي حيلة نصبت

لطيفة حين أعيا اليقظة الحيل

وقال آخر:

ألا رب طيف منك بات معانقي

إلى أن دعا داعي الصباح محيعلا

وأول من وصف الطيف عمرو بن قمئة فيما حكاه المرتضى في كتاب الطيف والخيال فقال:

نأتك أمامة إلا سؤالا

وألا خيالاً يوافي خيالا

خيال يخيل لي نيلها

ولو قدرت لم تخيل نوالا

وأول من طرد الطيف طرفة بن العبد حيث قال:

فقل لخيال الحنظلية ينقلب

إليها فإني واصل سبل من وصل

وتبعه جرير فقال:طرقتك صائدة الفؤاد وليس ذاوقت الزيارة فأرجعي بسلام وأعجب من جرير في طرد الخيال الراعي حيت هجاء فقال:

طاف الخيال بأصحابي فقلت لهم

أتلك ليلى أتت ليلاً أم الغول

وقد رد على جرير مولانا قاضي القضاة تاج الدين بن السبكي وأحسن ما شاء حيث قال:

يا ليت شعري هل أحب

جرير إذ أبدى اعتذاره

إن كان يصدق حبه

فالقلب منه كالحجاره

لا بل أشد قساوة

فانظر له أبدى عراره

إذ قال قولاً لم يقله

عاشق أود وجساره

طرقتك صائدة الفؤاد

وليس الزياره

وقال في الرد عليه أيضاً:

هذا مقالك يا جرير

لدي أشنع ما يقال

هل ثم وقت ليس يصلح

للزيارة والوصال

أم قيل قبلك فارجعي

ولذاك ذنب لا يقال

أم كان حبك كاذباً

فمنامه ينفي الخيال

أم كان قلبك من حد

يد ليس تؤذيه النبال

وقلت أنا:

واخجلتا لك يا جر

ير في المحافل والمشاهد

طرقتك صائدة الفؤاد

فكنت صباً غير صائد

فرددت طيف خيالها

هذا خيال منك فاسد

ألطيف أعشق منك إذ

وافى إليك وأنت راقد

لاعاد مثلك ما بقى

في الناس للعشاق عائد

وقلت أيضاً من قصيدة:

يطالبني قلبي به فكأنني

غريم وقلبي في تقاضيه مغرم

ولي منه في ليل الكرى ونهاره

خيال ملم أو حبيب مسلم

وقال شمس الدين محمد بن العفيف التلمساني:

يا حبذا طيفك من قادم

يا أحسن العالم في العالم

طيف تجلى نوره ساطع

حتى رأته مقلة النائم

يا غائباً يحكم في مهجتي

علي طالت غيبة الحاكم

عار على حسنك أن يشت

كي حظي منه أنه ظالمي

وقد أحسن التهامي في تفضيل الخيال على الحقيقة حيث قال:

وصل الخيال ووصل الخود إن بخلت

سيان ما أشبه الوجدان بالعدم

ألطيف أحسن وصلاً إن لذته

تخلو من الإثم والتنغيص والندم

وقد بلغ النهاية في اللطف كشاجم حيث اعتذر على لسان الحبيب عن تأخر الخيال فقال:

لقد بخلت حتى بطيف مسلم

علي وقالت رحمة لحبيبي

أخاف على طيفي إذا جاء طارقا

وسادك أن يلقاه طيف رقيبي

وما أحسن أيضاً اعتذار المغربي وقد ضمنه ابن عنين وكتب به من اليمن إلى أخيه بدمشق:

سامحت كتبك في القطيعة عالماً

أن الصفيحة أعوزت من حامل

وعذرت طيفك في الجفاء لأنه

يسري فيصبح دوننا بمراحل

وقال آخر:

وزارني طيف من أهوى على حذر

من الوشاة وداعي الصبح قد هتفا

فكدت أوقظ من حولي به فرحا

وكاد يهتك ستر الحب بي شغفا

ثم انتبهت وآمالي تخيبني

نيل المنى فاستحالت غبطتي أسفا

وقال ابن المعتز:

أبصرته في المنام معتذراً

إلي مما جناه يقظانا

ولان حتى إذا هممت به

وجدته عند الصبح لا كانا

قيل من نكد الدنيا أن الإنسان يرى في منامه أنه شم طيباً أو واصل حبيباً أو نال عزاً أو وجد كنزاً فإذا انتبه لم ير من ذلك شيئاً وربما رأى أنه قد أحدث فإذا انتبه رأى ذلك يقيناً في ثيابه كما قيل فيه:

أرى في منامي كل شيء يسرني

ورؤياي بعد النوم أدهى وأقبح

فإن كان خيراً فهو أضغاث حالم

وإن كان شراً جاءني قبل أصبح

وقال المعري:

إلى الله أشكو أنني كل ليلة

إذا نمت لم أعدم خواطر أوهام

فإن كان شراً فهو لا شك واقع

وإن كان خيراً فهو أضغاث أحلام

وما أحسن قول ابن التلميذ:

عاتبت إذ لم يزر خيالك في النوم

فشوقي إليك مسلوب

فزارني منعماً وعاتبني

كما يقال المنام مقلوب

وقال ابن الأحنف:

واحلم في المنام بكل خير

فاصبح لا أراه ولا يراني

ولو أبصرت شراً في منامي

لقيت الشر من قبل الآذان

وما أظرف قول ابن المعتز:

ألم الخيال بلا حمده

وأبدلني الوصل من صده

وكم نومة لي قواده

أتت بالحبيب على بعده

ومثله قول الآخر:

تركت هجا ابليس ثم مدحته

وذاك الأمر عز عندي سلوكه

يقرب من أهواه حيناً فإن أبى

حكاه خيالاً في الكرى فأ. . . .

وقال بعض مشايخ العصر:

لو أن طيفك في المنام جليسي

ما بت أشكو لوعتي ورسيسي

قمر أدار علي خمرة ريقه

ولحاظه وحديثه المأنوس

ما عمدتي في قربه وحضوره

ووفائه إلا على إبليس

وما أحسن قول القاضي الفاضل رحمه الله هذا على أن الطيف لا أعتد له بمنة وإن ركب المجاهل وقطع المراحل وتخطى إلي أغصان القنا وخاض جداول الظبا ووطئ شوك النصال وعثر بجبال الخيال ودنا وأعين الشهب حولي روان وأطراف القسي دوان وكيف أعتد له بمنة والفكر مدنية وأنا يقظان ويمثل ما لم يكن من قربه كما مثلت العيون منه ما كان حكي عن بعض المغفلين أنه تعب في تحصيل امرأة كان يهواها مدة طوية فلما حصلت عنده في البيت وضع رأسه ونام فقالت له لأي شيء فعلت هذا. فقال: من عشقي فيك أنام لعلي أرى خيالك في النوم. وحكي عن بعض البخلاء أنه قال لمحبوببته وضعت خدي على الأرض لكي ترضي. فقالت: أعطني ديناراً حتى أخليك تضع خدك على خدي ولقد بلغ نهاية اللطف قول القائل:

قالت لطيف خيال زارني ومضى

بالله صفه ولا تنقص ولا تزد

فقال خلفته ولو مات من ظمأ

وقلت قف عن ورود الماء لم يرد

قالت صدقت الوفى في الحب عادته

يا برد ذاك الذي قالت على كبدي

وقول الآخر:

فهلا منعتم إذ منعتم كلامها

خيالاً يوافينا على البعد هاديا

سقى الله أطلالاً بأفنية الحمى

وإن كن قد أبدين للناس حاليا

قزلخ فيشكل التعيين المناسب فالإضافة للتعيين وقوله وسعياً كما معطوف الخ المناسب عطفه على مزارك كما نقله عن القوت ويؤيده رواية شعباً كماً ولغة إلزام المثنى الألف فصيحة ا ه.

منازل لو مرت بهن جنازتي

لقال الصدى يا صاحبي انزلا بيا

وقال توبة بن الحميري:

فإن تمنعوا ليلى وطيب حديثها

فلن تمنعوا مني البكارا لقوا فيا

فهلا منعتم إذ منعتم حديثها

خيالاً يوافينا على البعد هاديا

الباب الحادي عشر

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي