ديوان الصبابة/الخضوع وانسكاب الدموع

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

الخضوع وانسكاب الدموع

الخضوع وانسكاب الدموع - ديوان الصبابة

الخضوع وانسكاب الدموع

أقول هذا باب عقدناه لذكر من أصبح دمعه مسكوباً على مسكوب فبات وهو من جريانه كالرمح كما قيل انبوب على انبوب ولا إذا تمادى الهجر أو كان عليه بعض حجر هنالك يرى من انسكاب عبرته العبر وينشد إذا عزم الخليط على السفر:

ومفارق سكن القلوب

فلا خلت منه الربوع

بعث الرسول وقال لي

وأنا السميع له المطيع

بالله قل لي ما جرى

بعدي فقلت له الدموع

وقال الآخر:

قال لي من أحببت والبين قد جدّ

وفي مهجتي لهيب الحريق

ما الذي في الطريق تصنع بعدي

قلت ابكي عليك طول الطريق

وما أحسن قول القاضي الفاضل رحمه الله:

قد استخدمت بالافكار سرى

وما أطلقت لي بالوصل أجره

ولم أرنى على الايام إلا

عقدت مودَة وحللت صره

ولا استمطرت سحب العين إلا وصرت بادمعي في الشمس عصره وقوله أيضاً وهو من نثره الذي أصبح بين النجوم نثره فيصير حتى تنجلي هذه الغمرة وتقلع سحائب هذه السكرة وتجف مناديل الجفون فإنها صارت بالدموع عصره فقاتل الله البين ما أكثر فضوله بدخوله بين المحبين وفي هذا المعنى الباهر يقول ابن عبد الظاهر:

لا تسلني عن اول العشق اني

أنا فيه قديم هجر وهجره

من دموعي ومن جبينك أرد

ت غرامي بمستهل وغره

ومن معاني المتنبي الغريبة قوله:

أتراها لكثرة العشاق

محسب الدمع خلقه في المآق

وقوله أيضاً:

لاتعذل المشتاق في أشواقه

حتى يكون حشاك في أحشائه

ان الفتيل مضرجاً بدموعه

مثل الفتيل مضرجاً بدمائه

وقوله أيضاً:

وهبت السلو لمن لامني

وبت من الشوق في شاغل

كأن الجفون على مقلتي

ثياب شققن على ثاكل

وقول الآخر:

شقت عليه يد الأسى

ثوب الدموع إلى الذيول

وقال الآخر في الخضوع وانسكاب الدموع:

ولم أنس لا أنسى ذاك الخضوع

وفيض الدموع وغمز اليد

وخدي مضاف إلى خدها

قياماً إلى الصبح لم نرقد

وقال إبراهيم بن المعمار:

وبي غضبان لا يرضيه إلا

دموع ساكبات مستمرة

فما عطفت معاطفه بوصل

وفي عيني بعد الهجر قطرة

وقال الآخر:

وقائلة ما بال عينيك مذ رأت

محاسن هذا الشخص أدمعها هطل

فقلت زنت عيني بنظر طلعة

فحق لها من فيض أدمعها غسل

وقال السري الرفاء:

بروحي من رد التحية ضاحكاً

فجدد بعد اليأس في الوصل مطمعي

وحالت دموع العين بيني وبينه

كأن دموع العين تعشقه معي

وقال ابن وكيع:

وسحاب إذا همي الماء فيه

ألهب الرعد في حشاه البروقا

مثل ماء العيون لم يجر إلا

ظل يذكي على القلوب الحريقا

وقلت من قصيدة حجازية:

خليلي روض الرقمتين طرازه

إذا لمع البرق الحجازي مذهب

فلا تعجبا من سحب دمعي إذا همت

فما كل برق لاح للعين خلب

وقلت من أخرى حجازية:

تزنى جفني القريح على الخدين قد وكفا

فحسبه ما جرى من أدمعي وكفا

إن عز نظم دموعي حين أنثر

فالدر ما عز حتى جاوز الصدفا

لا تعجبوا من وقا دمعي غداة جرى

من عينيه ما جرى فالبحر فيه وفا

ما زلت أبكي على وادي العقيق إلى

أن قيل هذاك من عينيه قد رعفا

وقلت أيضاً من قصيدة:

بكيت على أرض بها كنت ماشياً

فأشبهت في دمعي صخرها الخنسا

تجرأت يا دمعي فلم تجرأ دائماً

فيا دمع ما أجرى ويا قلب ما أقسى

وقلت أيضاً من قصيدة:

إن عيني على العقيق إذا لم

يحك دمعي بلونه حمراء

منذ أمسى لجين دمعي نضارا

صح عندي لعيني الكمياء

لا تسل ما جرى من الدمع لما

صار من عاذلي على اجتراء

أطلع الليل أدمعي فوق خدي

مثل ما تطلع النجوم للسماء

وقلت من قصيدة:

لأن فترت عيني بحر دموعها

فثغر الذي أهوى كما قيل بارد

وإن حل طرفي بالدموع وكاءه

فنهد الذي حيت بطرفي عاقد

وقلت من قصيد:

سقيت ببحر الدمع بارد أرضها

وأرسلتها فيها على حين فترة

فيا طرف إن لم تسعف الصب بالبكى

قطعت حبال الدمع من حيث رقت

وقلت من قصيدة:

خالفت فيك معنفاً ونصيحا

وأطعت جفناً بالدموع قريحاً

فاعمل لقتلي محضراً فمدامعي

كتبت لقلبي بالدما مشروحاً

صب على سفح المقطم دمعه

تجري العيون به دماً مسفوحاً

لو شاهدت عيناك أحمر دمعه

زكيت شاهد قلبه المجروحا

وقلت أيضاً:

الطرف من فقد الكرى

يشكو الأسى إليه

والخد من فرط البكى

ياما جرى عليه

وقلت:

ومن أرحم لوعتي

وابعث خيالاً في الكرى

ودمع عيني لا تسل

عن حاله ياما جرى

كان المسعودي شارح:المقامات رحمه الله تعالى كثيراً ما ينشد:

قالت عهدتك تبكي

دماً حذار الثنائي

فلم تعوضت عنها

بعد الدماء بماء

فقلت ما ذاك منى

لسلوة وعزاء

لكن دموعي شابت

من طول عمر بكائي

وقال آخر:

وقائله ما بال دمعك أبيضاً

فقلت لها يا علو هذا الذي بقي

ألم تعلمي أن البكاء طال عمره

فشابت دموعي مثلما شاب مفرقي

وعما قليل لا دموعي ولا دمي

يرين ولكن لوعتي وتحرقي

وقال آخر:

وقائلة ما بال دمعك أسودا

وقد كان مبيضاً وأنت نحيل

فقلت لها جفت دموعي من البكا

وهذا سواد العين فهو يسيل

وقال آخر:

كانت دموعي حمراً يوم بينهم

فمذ نأوا قصرتها بعدهم حرقى

قطفت باللحظ ورداً من خدودهم

فاستقطر البين ماء الورد من حدقى

وقال الناشيء الأكبر:

بكت للفراق وقد راعني

بكاء الحبيب لفقد الديار

كأن الدموع على خدها

بقية طل على جلنار

الباب الحادي والعشرون

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي