ديوان الصبابة/العتاب عند اجتماع الأحباب

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

العتاب عند اجتماع الأحباب

العتاب عند اجتماع الأحباب - ديوان الصبابة

العتاب عند اجتماع الأحباب

وما في معنى ذلك من الرضى والعفو

عن ما مضىأقول هذا باب عقدناه لذكر معاتبة الذمن الأماني وبث هوى أرق من النسيم المتواني نعم في العتاب فوائد جمة وإزالة كرب فلا يكن أمركم عليكم عمة وهو على أقسام عتاب هو في تأكيد المودة يحصل الحاصل وعتاب لتكذيب الناقل وعتاب التمييز الحق من الباطل ومن العلوم أن للعتاب بين الأحباب أصلاً وفضلاً وقطعاً ووصلاً لا بد منه ولا غناء عنه اللهم إلا عند من لا يراه البتة ولا يعاتب الحبيب إلا فلتة كالبحتري حيث يقول:

أعاتب الحب فيما جاء واحدة

ثم السلام عليه لا أعاتبه

وفي أمثال العرب أسوأ الآداب كثرة العتاب:وقال الأحنف:العتاب مفتاح التقالي والعتاب خير من الحقد. وقد قال بشار في تقليل العتاب:

إذا كنت في كل الأمور معاتباً

صديقك لم تلق الذي لا تعاتبه

إذا كنت لم تشرب مراراً على القذي

ظمئت وأي الناس راقت مشاربه

وقال سعيد بن حميد الكاتب.

أقلل عتابك فالبقاء قليل

والدهر يعدل مرة ويميل

ولعل أيام الحياة قصيرة

فعلام يكثر عتبنا ويطول

وقال آخر:

وبعض العتاب إذا ما رفعت

يباعد هجر أو يدلي وصالا

فعاتب أخاك ولا تجفه

فإن لكل مقام مقالا

ومن أظرف ما سمعته في من جفى من الأحباب ثم بادر بالعتاب قول بعضهم:

عتبت علي ولا ذنب لي

بما الذنب فيه ولا شك لك

حاذرت لومي فبادرتني

إلى اللوم من قبل أن أبدرك

فكنا كما قيل فيما مضى

خذ اللص من قبل أن يأخذك

ومنهم من يكره العتاب جملة ويقول وهو مفتاح الهجر ووسيلة الصدود. والقطيعة كما قيل:

لا تقر عن سماع من

تهوى بتعداد الذنوب

ما ناقش الأحباب إلا

من يعيش بلا حبيب

ومنهم من يراه ولا يأباه كما قيل:

تصالح عاشقان على عتاب

فما افترقا إلى يوم الحساب

فلا عيش كوصل بعد هجر

ولا شيء ألذ من العتاب

فلا هذا يمل حديث هذا

ولا هذا يمل من الجواب

وقال آخر:

وأحسن أيام الهوى يومك الذي

تروع بالهجران فيه وبالعتب

إذا لم يكن في الحب سخط ولا رضا

فإين حلاوة الرسائل والكتب

كتب الحسن إلى غلام كتاباً يستعطفه فوقع الغلام في كتابه يزاد هجراً إلى يوم القيامة فقال الحسن:

كتبت إلى الحبيب ببيت شعر

أعاتبه فاغضبه جوابي

أجبني يا ملول على كتابي

فإن النفس تسكن بالجواب

قوقع في الكتات يزاد هجراً

وإبعداً إلى يوم الحساب

وذكرت هنا قول ابن رشيق

وقلبي من بني الكتاب يسبي

قلوب العاشقين بمقلتيه

رفعت إليه أستقصي رضاه

وأسأله خلاصاً من يديه

فوقع قد رددت فؤاد هذا

مسامحة فلا يعدى عليه

وقال الشيخ العلامة أبو الثناء شهاب الدين محمود مضمناً.

وبتنا على حكم الصبابة مطمعي

زفيري وأحشائي وشرب المدامع

وحبي يعاطيني كؤس ملامة

وينشدني والهم للقلب صادع

أتطمع من ليلى بوصل وإنما

تقطعت أعناق الرجال المطامع

فبت كأني ساورتني ضئيلة

من الرقش في أنياً بها السم ناقع

قلت هذا التضمين فيه نظر وعبرة لمن اعتبر وكيف لا وقد مزج قائله السم بالرضاب والحق الحبيب بالحباب فأصبح وقد ضاقت عليه الحيلة وشبه ثغر محبوبه بأنياب ضئيلة فقابل صفو عتابه بالكدر فيا قلبه القاسي أحديد أنت أم حجر وما أظنه ملا كؤس هذا الملام إلا من ماء ملام أبي تمام حيث تجاوز الحد في الاستعارة وخرج وعلى كتفه من الملام كاره فقال:

لا تسقني ماء الملام فإنني

صب قد استعذبت ماء بكائي

فهلا تنزه عن الانخراط في هذا السلك واقتدى بقول ابن سنا الملك.

وأملي عتاباً يستطاب فليتني

أطلت ذنوبي كي يطول عتابه

وفي غزلي ذكر العذيب وبارق

وما هو إلا ثغره ورضا به

أو تخلق بأخلاق الناس وتأسى. يقول أبي فراس:

أساء فزاده الإساءة حظوة

حبيب على ما كان من حبيب

يعد على الواشيات ذنوبه

ومن أين للوجه المليح ذنوب

على أنه رحمه الله يجوز أن يكون قصد معنى جليل القدر فحينئذ يكون كلامي حديث خرافة يا أم عمرو.

وكم من عائب قولاً صحيحاً

وآفته من الفهم السقيم

وقال آخر.

وإذا الحبيب أتى بذنب واحد

جاءت محاسنه بألف شفيع

وأحسن منه قول عتيق بن محمد الوراق.

كلما أذنب أبدى وجهه

حجة فهو مليّ بالحجج

كيف لا يفرط في إجرامه

من إذا شاء من الذنب خرج

وقال الحكم بن قنبر المازني:

كأنما الشمس من أعطافه لمعت

حسناً والبدر من أزراره طلعا

مستقبل بالذي يهوى وإن كثرت

منه الإساءة معذور بما صنعا

في وجهه شافع يمحو إساءته

من القلوب وجيه حيثما شفع

وهذا مأخوذ من قول أبي نواس في سياقه.

وجهي إذا أقبلت يشفع لي

وبلاء طرفك حسن ما خلفي

وفيه زيادة بذكر ما خلفها ولكن بيت الحكم بناء وأعذب ثناء. وقال أبو فراس:

قل لأحبابنا الجناة علينا

درجونا على احتمال الملال

أحسنوا في فعالكم أو أسيؤوا

لا عدمناكم على كل حال

وقال أيضاً:

ألا أيها الجاني ونسأله الرضا

ويا أيها المخطي ونحن نتوب

لحا الله من يرعاك في القرب وحده

ومن لا يرد الغيب حين تغيب

وقال الآخر:

إذا مرضنا أتيناكم نعودكم

وتذنبون فنأتيكم فنعتذر

وقال الآخر.

وإذا ما غضبت يوماً عليه

لذنوب يطول فيها المقال

عطفتني عواطف الحب حتى

أترضاه كي يزول الملال

وقال الآخر:

حججي عليك إذا خلوت كثيرة

وإذا حضرت فإنني مخصوم

لا أستطيع أقول أنت ظلمتني

والله يعلم أنني مظلوم

وقال القراء:ولو كان هذا موضع العتب لاشتفى فؤادي ولكن للعتاب مواضع. وقال ابن المعتز:

أقبل معاذير من يأتيك معتذراً

إن ير عندك فيما قال أو فجراً

فقد اطاعك من يرضيك ظاهره

وقد أجلك من يعصيك مستتراً

وقلت أنا من رسالتي قرع الباب وبأنتظار الجواب فنعوذ بالهل من زلة العاقل وتبرأ إليه من التمادي في الباطل.

وهذا الحق ليس به خفاء

فدعني من بنيات الطريق

فقد حصحص الحق وقرع العتاب حلقة الباب فقال طق. وقال الآخر:

وهبه أرعوي بعد العتاب ألم تكن

مودته طبعاً فصارت تكلفا

وكأنني بمولانا وقد وقف على عتبة العتاب وقال من دق الباب سمع الجواب فأجابهم:

فإن كنتم تلقون في ذاك كلفة

دعوني أمت وجداً ولا تتكلفوا

فصل في العفو والرضى

والصفح عما مضى

جاء عن علي رضي الله عنه في قوله تعالى 'فاصفح الصفح الجميل' إنه الرضا بغير عتاب وقال تعالى: 'وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم'. وقال صلى الله عليه وسلم: 'من لم يقبل من معتذر صادق وكاذب لم يرد على الحوض'. وقال الشاعر:

ذنبي إليك عظيم

وأنت أعظم منه

فخذ بحقك أولاً

فاصفح بفضلك عنه

إن لم أكن في فعالي

من الكرام فكنه

وقال آخر:

ما أحسن العفو من القادر

لا سيما عن غير ذي ناصر

يا غاية القصد وأقصى المنى

وخير مرعى مقلة الناظر

إن كان لي ذنب ولا ذنب لي

فما له غيرك من غافر

أعوذ بالود الذي بيننا

أن تفسد الأول بالآخر

كان أبو محمد اليزيدي ينادم المأمون فغلب عليه الشراب ذات ليلة فعربد فأمر المأمون بحمله إلى منزله برفق فلما أفاق استحيا وانقطع عن الركوب أياماً فلما طال عليه ذلك كتب إلى المأمون أبياتاً منها.

أنا المذنب الخطاء والعفو واسع

ولو لم يكن ذنب لما عرف العفو

سكرت فأبدت مني الكأس بعض ما

كرهت وما إن يستوي السكر والصحو

ولا سيما أن كنت عند خليفة

وفي مجلس ما أن يجوز به اللغو

فلما قرأها المأمون وقع في الرقعة سر إلينا فقد عفونا عنك فلا عتب عليك وبساط النبيذ يطوي معه أخذه الشاعر فقال:

إنما مجلس الشراب بساط

فإذا ما انقضى طوينا بساطه

وقال ابن سنا الملك:وما ذلك الحبيب فإنه حضر متفضلاً وجاء متذللاً لا متدللاً واستجار بحرم الحرمة وخفض جناح الذل من الرحمة واعتذر بأن الإدلال دلاه بغرور وأوقعه في أمور وأخرجه من الظمات إلى النور فقبل عذره وقبل ثغره وامتثل أمره وثنى عنان القلب إليه حسن تثنيه وأذهبت حلاوة جني ريقه مرارة تجنيه.

وذا الحبيب أتى بذنب واحد

جاءت محاسته بألف شفيع

وقال الآخر:

وزعمت بأني ظالم فهجرتني

ورميت في قلبي بسهم نافذ

فنعم ظلمتك فاعذري وتجاوزي

هذا مقام المستجير العائد

وقال ابن زيدون:

يا قمراً مطلعه المغرب

قد ضاق بي في حبك المذهب

ألزمتني الذنب الذي جئته

صدقت فاصفح إنني المذنب

فإن من أغرب ما مر بي

أن عذابي فيك مستعذب

وقال آخر:

وما قابلت عفوك باعتذار

ولكني أقول كما تقول

سأطرق باب عفوك باعتذار

ويحكم بيننا الخلق الجمول

الباب السادس عشر

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي