ديوان الصبابة/الوعد والأماني

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

الوعد والأماني

الوعد والأماني - ديوان الصبابة

الوعد والأماني

وما فيهما من راحة المعاني

أقول هذا باب عقدناه لذكر الأماني التي لا بد منها ولا غنى عنها فلا أقل منها:

أعلل بالمنى قلبي لعلي

أروح بالأماني الهم عني

وأعلم أن وصلك لا يرجى

ولكن لا أقل من التمني

ولم يزل المحبون يعللون بالأماني نفوسهم ويترعون براح راحتها كؤسهم فمنهم من فاز بالأمنية قبل حلول المنية ومنهم من مات بأعظم غصة وما وقع له الحبيب على قصة:

من نال من دنياه أمنية

أسقطت الأيام منها الألف

وهذا النوع الأخير كثير والسقيم به من المحبين جم غفير:

من كان مرعى عزمه وهمومه

روض الأماني لم يزل مهزولا

نعم منهم من بات من وعد الحبيب مسلوب الرقاد بعيد من لقاء الردى على ميعاد:يصدق قول الحبيب ويكذبه ويمتحنه ويجربه ويقول:

ما زلت منتظراً لوعدك سيدتي

في البيت ملتفتاً لقرع الباب

يا كاذباً وعده بلسانه

من لي بعض لسانك الكذاب

طالما أيس من وعد المحبوب وتمسك من رؤية ساقه بمواعيد عرقوب كما قيل:

وما بلوغ الأماني في مواعدها

إلا كأشعب يرجو وعد عرقوب

تنبيه قولهم في المثل مواعيد عرقوب يقال لمن وعد وعداً وأخلف وأصل المثل المذكور أن عرقوباً كان له أخ فسأله شيئاً فقال له عرقوب إذا طلع نخلي فلما أطلع قال: إذا أبلح فلما أبلح قال إذا أزهى فلما أزهى قال إذا أرطب فلما أرطب قال إذا صار تمراً فلما صار تمراً أخذه من اليل ولم يعط أخاه شيئاً فضرب به المثل في خلف الوعيد فقيل مواعيد عرقوب. قال الشماخ:

وواعدتني ما لا أحاول نفعه

مواعيد عرقوب أخاه بيثرب

وقال ابن حجاج:

فديت من لقيني مثل ما

لقيته والحق لا يصعب

فقلت يا عرقوب أطمعتني

فقال لم نفسك يا أشعب

وقلت أنا من قصيدة حجازية:

يهددني بالهجر في كل ليلة

أصدق فيها وصله وأكذب

ولما وردنا ماء مدين قال لي:وحق شعيب أنت في الحب أشعبوالناس في الأماني على قولين: فمنمهم من يرى راحة قلبه وتنفيس كريه فيريح بها النفس ويتعلق من ضيائها بحبال الشمس. ومنهم من يقول:

ليس الترجي مما ينجي

فيرى الأماني من الخداع

والوقوع في النزاع ولكل من القولين حجة ومذهب مسلوك المحجة ومن أحسن ما سمعته في القول الأول قول بعض بني الحرث.

أماني من سعدى حسان كأنما

سقتنا بها سعدى على ظمأ بردا

منى أن تسكن حقاً تكن أحسن المنى

وإلا فقد عشنا بها زمناً رغدا

وقول الآخر:

ولما حللنا منزلاً طله الندى

أنيقاً وبستانا من النور حاليا

أجد لنا طيب المكان وحسنه

منى فتمنينا فكنت الأمانيا

وقال أفلاطونالأماني حلم المستيقظ وسلوة المحزون. وقال غيره:الأماني رفيق مؤنس إن لم ينفعك فقد ألهاك. وقيل لأعرابي:ما أمتع لذات الدنيا فقال: ممازحة الحبيب ومحادثة الصديق وأماني تقطع بها أيامك. وقال القاضي الفاضل:وأحسن ما شاء وجدت ريح كتبه وروح قربه فرجعنا إلى العادة وعادت أيامنا وصرنا إلى الحسني ورق كلامنا وعاودتنا المنى وما كادت تحطر وإن حطرت فإنها كلا منا:

أتمنى تلك الليالي المنيرا

ت وجهد المحب أن يتمنى

وقال يا قوت الرومي

لله أيام تقضت بكم

ما كان أحلاها وأهناها

مرت فلم يبق لنا بعدها

شيء سوى أن نتمناها

وقال الشيخ فتح الدين بن سيد الناس:

أصبو إلى البان بانت عنه هاجرتي

تعللاً بليالي وصلها فيه

عصر مضى وجلابيب الصبا قشب

لم يبق من طيبه إلا تمنيه

وقال العفيف: أيحق كاتب الإنشاء للناصر داود.

لولا مواعيد آمال أعيش بها

لمت يا أهل هذا الحي من زمن

وإنما طرف آمالي به مرح

يجري بوعد الأماني مطلق الرسن

وقال ابن خفاجة:

وليل إذا ما قلت قد بان وانقضى

تكشف عن وعد من الظن كاذب

ولا أنسى إلا أن أضاحك ساعة

ثغور الأماني في وجوه المطالب

حسبت الدياجي فيه سود ذوائب

لها عنق الآمال بيض الترائب

وقال آخر:

في المني راحة وإن عللتنا

من هواها ببعض ما لا يكون

وقلت أنا:

رقي لصب غدا مما يكايده

من دمعه الصب يجري في مجاريه

لم يبق فيه سوى روح يرددها

لولا المني مات يا أقصى أمانيه

وقلت أيضاً:

يا طيب ريح سرى من نحوهم سحرا

لولا تلافيه قلبي في الهوى تلفا

كم ذا أعلل قلبي بالنسيم وما

أرى لداء غرامي في هواء شفا

وقال ابن زيدون:

لأسرحن نواظري

في ذلك الروض النضير

ولآكلنك بالمني

ولأشربنك بالضمير

وقال آخر:

علليني بموعد

وامطلي ما حييت به

ودعيني أفوز منك

بنجوى تطلبه

فعسى يعثر الزمان

بحظي فينتبه

وقال آخر:

وشادن قلت له

هل لك في المنادمة

فقال كم من عاشق

سفكت في المني دمه

وقال أبو بكر الحاتمي:

لي حبيب لو قيل لي ما تمنى

ما تعديته ولو بالمنون

أشتهي أن أحل في كل طرف

لأراه بلحظ كل العيون

وقال أيضاً:

أما مني قلبي فأنت جميعه

ياليتني أصبحت بعض مناك

يدني مزارك حين شط به النوى

وهم أكاد به أقبل فاك

وقال الحسين بن الضحاك:

وصف البدر حسن وجهك حتى

خلت أني وما أراك أراكا

وإذا ما تنفس النرجس الغض

توهمته نسيم شذاكا

خدع للمني تعللني فيك

بإشراق ذا وبهجة ذاكا

ومما احتج به أرباب القول الثاني:

وأكثر أفعال الغواني إساءة

وأكثر ما تلقى الأماني الكواذبا

وقال الخالدين:

ولا تكن عبد المني فالمني

رؤس أموال المقاليس

وقال ابن شرف القيرواني:

غلف تمنوا في البيوت أمانينا

وجميع أعمار اللئام أماني

وقال ابن المعتز:

لا تأسفن من الدنيا على أمل

فليس باقيه إلا مثل ماضيه

وقال: علي بن أبي طالب كرم الله وجهه تجنبوا المني فإنها تذهب بهجة ما خولتم وتصغر المواهب التي رزقتم. وقال رجل لابن سيرين رايت كأني أسبح في غير ماء وأطير بغير جناح فقال أنت رجل تكثر الأماني. وحكى أن الحجاج مر ذات ليلة بدكان لبان وعنده بستوقة فيها لبن وهو يقول متمنياً أنا أبيع هذا اللبن بكذا وكذا وأشتري كذا ثم أبيعه فأكسب فيه كذا وكذا فيكثر مالي ويحسن حالي وأخطب بنت الحجاج وأتزوجها فتلد لي أبناً وأدخل إليها يوماً فتخاصمني فأضربها برجلي هكذا ورفس برجله فكسر البستوقة وتبدد اللبن فقرع الحجاج الباب ففتح له فضربه خمسين سوطاً وقال أليس لو رفست ابنتي هكذا فجعتني فيها. وقال علي بن عبيدة الأماني مخايل الجهل. وقال غيره الأماني تخدعك وعند الحقائق تدعك. اتفق أن الزكي عبد الرحمن القوصي حضر عند الملك المظفر قبل أن يلي حماة وأنشده.

متى أراك ومن تهوى وأنت كما

تهوى على رغمهم روحين في بدن

هناك أنشد والآمال حاضرة

هنيت بالملك ولأحباب والوطن

فوعده الملك المظفر إذا تملك حماة أن يعطيه ألف دينار فلما ملكها أنشده:

مولاي هذا الملك فد نلته

برغم مخلوق من الخالق

والدهر منقاد لما شئته

فذا أوان الموعد الصادق

فوقع له بألف دينار وأقام معه ولزمته أسفار فأنفق فيها المال الذي أعطاه ولم يحصل بيده زيادة عليه فقال:

ذاك الذي أعطوه لي جملة

قد استردوه قليلاً قليل

فليت لم يعطوا ولم يأخذوا

وحسبنا الله ونعم الوكيل

فبلغ ذلك المظفر فأخرجه من دار كان قد أنزله بها فقال:

أتخرجني من كسر بيت مهدم

ولي فيك من حسن الثناء بيوت

فإن عشت لم أعدم مكاناً يضمني

وإن مت تدري ذكر من سيموت

فحبسه المظفر فقال ما ذنبي إليك قال قولك حسبي الله ونعم الوكيل فأمر بخنقه فلما أحس بذلك قال أعطيتني الألف تعظيماً وتكرمة يا ليت شعري أم أعطيتني ديتي قلت وقد عيب علي السلطان حقده عليه لأجل قوله حسبي الله ونعم الوكيل حتى قتله فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فكان حاله معه كما قيل:

فكنت كالمتمني أن يرى فلقا

من الصباح فلما رآه عمى

والله القائل:

وبما يرجو الفتى نفع فتى

خوفه أولى به من أمله

رب من ترجو به دفع أذى

سوف يأتيك الأذى من قبله

ذكرت هنا قول الآخر:

لما بدا العارض في خده

بشرت قلبي بالنعيم المقيم

وقلت هذا عارض ممطر

فجاءني فيه العذاب الأليم

وقال ابن سنا الملك من رسالة المحبوب وأنت الذي نفضني من يده ورفضني من باله وأنت الذي فصلني قبل أن يستكمل الوصول مدة حمله وفصاله.

وأنت الذي أخلفتني ما وعدتني

وأشمت بي من كان فيك يلوم

لعل عيناً أصابتنا فلا نظرت

أو واشياً قال في ما بيننا كذبا

لعل عتبك محمود عواقبه

وربما صحت الأجسام بالعلل

لعل الرضا منكم وكيف مناله

يسر فؤاد أساءه منكم الهجر

لعل صدى في النفس يروي أوامه

وجمر جوى في القلب تخمد ناره

لعل عاطفة تدني إلى أمل

قلباً تحير بين اليأس والطمع

لعل عين الرضا ممن كلفت به

يوماً تبهرج ما قالته حسادي

لعل زماناً قد تولى سينثني

إلينا وقلباً قد قسا سيلين

لعل ذيول العفو والعفو واسع

يجررها الجافي على مفرق الذنب

لعل سلو الفؤاد يعوده

وذا غلط حاشي فؤادي أن يسلو

لعل وما تغني لعل وإنها

علالة صب واستراحة هائم

ولا أقل من التعلل بلعل وما أقل غناها وأكثر عناها. ^

الباب الثاني والعشرون

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي