ديوان الصبابة/ذكر طرف يسير من أخبار المطربين

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

ذكر طرف يسير من أخبار المطربين

ذكر طرف يسير من أخبار المطربين - ديوان الصبابة

ذكر طرف يسير من أخبار المطربين

المجيدين من الرجال

وذوات الحجال وما في معنى ذلك من ذلك مولا تهم ووصف آلاتهم

أقول هذا باب عقدناه لذكر من استراح من العناء بسماع الغناء من كل محب يشبب بالشباب ويغني بالرباب فهو يضرب بالعود ويجمع من المذكور والمؤنث بين الشيء وضده لا يلهبه غير ملاهيه ولا سيما إذا كان في الغناء ممن يعرف الصواب ويقيم الأعراب ويشبع الألحان ويعدل الأوزان ويصيب أجناس الإيقاع ويعطي النغم حقه من الإشباع ويختلس مواضع النيرات ويستوفي ما شاكلها من النقرات ويحسن الاختلاس ويملأ الأنفاس وغير وذلك مما هو معروف عند أرباب هذا الشأن من القبان ممن جمع في ذلك بين الحسن والإحسان كما قيل:

ما تغنت إلا تفرج هم

عن فؤادي وأقلعت أحزان

يفضل المسمعين طيباً وحسناً

مثل ما يفضل السماع العيان

والناس في الغناء كلهم عبيد معبد واسحق الموصلي اللذين هما أطبع المتقدمين في الغناء فيما حكاه غير واحد من أرباب التاريخ وفي معبد يقول حبيب.

محاسن أوصاف المغنين جمة

وما قصبات السبق إلا لمعبد

وقال البحتري يصف صهيل فرس هزج الصهيل كان في نغماته نبرات معبد في الصهيل الأول ومعبد هذا كان منقطعاً إلى البرامكة ومات في أيام الرشيد وأخباره أشهر من أن تذكر وقد ذكرها صاحب الأغاني وغيره وأما اسحق الموصلي فإنه كان من أهل العلم والأدب والرواية والتقدم في الشعر وسائل المحاسن أشهر من أن يوصف وهو الذي صحح أجناس الغناء وميز طرائقها تمييزاً لم يقدر عليه أحد قبله ولا بعده من تدقيق المجاري وتمييز الأصناف التي جعلوها صنفاً واحداً وهي في نفسها كذلك ولكنها تفترق عند متيقظ مثله من كلامه حدود الغناء أربعة النغم والتأليف والإيقاع والقسمة وكان قد سأل المأمون أن يكون دخوله مع أهل العلم والأدب لا مع المغنين فإذا أراده للغناء دعاه فأجابه إلى ذلك وقال الواثق ما غناني اسحق قط إلا ظننت أنه زيد في ملكي وأن اسحق لنعمة من نعم الملك التي لم يحظ أحد بمثلها ولو أن العمر والنشاط ما يشتري لشريته له بشطر ملكي وجلس عند إبراهيم ابن مصعب للشرب فسقى الغلمان من حضر وجاء غلام قبيح الوجه بقدح إلى اسحق فلم يأخذ منه فقال له إبراهيم ألا تشرب فقال:

أصبح نديمك أقداحاً تسلسلها

من الشمول وأتبعها بأقداح

من كف ريم مليح الدل ريقته

بعد الهجوع كمسك أكتفاح

لا تشرب الراح إلا من يدي ربنا

تقبيل راحته أشهى من الراح

فدعا بوصيفة تامة الحسن في زي غلام عليها أقبية ومنطقة فسقته حتى سكر ثم أمر بتوجيها إليه بكل ما معها في داره ومما لحنه اسحق وله حكاية ظريفة:

قل لي من صد عاتباً

ونأى عنك جانباً

قد بلغت الذي أردت

وإن كنت لاعباً

واعترفن بما ادعيت

وإن كنت كاذباً

وقد تركت حكاية هذه الأبيات خوف الإطالة وهذا القدر كاف في أخبار اسحق في هذا الموضع وحكى أبو الفرج أنه أهديت للرشيد جارية في غاية الجمال فخلا معها في قصره يوماً واصطبح فكان من حضر من جواريه للغناء والخدمة ما يزيد عن ألفي جارية في أحسن زي من الثياب والجواهر فوصل الخبر إلى أم جعفر فعظم ذلك عليها وأرسلت إلى علية أخت الرشيد تشكو إليها فأرسلت إليها علية لا يغيظك هذا فوالله لأردنه إليك وقد عزمت أن أصنع شعراً وأصوغ عليه لحناً وأطرحه إلى جواري فابعثي إلي كل جارية عندك وألبسيهن أنواع الثياب والجواهر حتى ألقي عليهن الصوت مع جواري ففعلت أم جعفر ما أمرتها به عليه فلما صلى الرشيد العصر لم يشعر إلا وعلية قد خرجت عليه من قصر ومعها ما ينيف عن ألفي جارية عليهن غرائب اللباس وكلهن في نغمة واحدة يغنين بهذين البيتين:

منفصل عني وما

قلبي عنه منفصل

يا قاطعي قل لي لمن

نويت بعدي أن تصل

قال فطرب لارشيد وقام على رجليه حتى استقبل أم جعفر ومعه علية وهو في غاية السرور وقال لم أر كاليوم سروراً قط وقال لمسرور الخادم لا تترك في الخزانة مالاً إلا نثرته فكان مبلغ ما نثره في ذلك اليوم ستة آلاف ألف درهم وما سمع بمثل ذلك قط وحكى عن القاضي أبي عبد الله محمد بن عيسى أنه أخرج إلى حضور جنازة وكان لرجل من أخوانه منزل بالقرب من مقبره فعزم عليه في الميل إليه فنزل وأحضر له طعاماً فغنيت جارية.

طابت بطيب لثاتك الأقداح

وزها بحمرة خدك التفاح

وإذا الربيع تنسمت أرواحه

نمت بعرف نسيمك الأرواح

وإذا الخنادس أسبت ظلماءها

فضياء وجهك في الدجا مصباح

فكتبها القاضي طرباً بها على ظهر يده ثم خرج، قال راويه فلقد رأيته يكبر على الجنازة وهذه الأبيات على ظهر يده. وما أحسن قول ابن تميم في عواده.

وفتاة قد راضت العود حتى

راح بعد الجماح وهو ذليل

خاف من عرك إذنه إذ عصاها

فلهذا كما تقول يقول

وقال آخر:

سقى الله أرضاً أنبتت عودك الذي

زكت منه أغصان وطابت مغارس

فغتى عليه الطير والعود أخضر

وغنى عليه الغيد والعود يابس

وقال ابن قاضي ميلة:

جاءت بعود يناغيها ويسعدها

فانظر بدائع ما خصت به الشجر

غنت على عوده الأطيار مفصحة

غضا فلما ذوى غنى به البشر

فلا يزال عليه أو به طرب

يهيجه الأعجمان الطير والوتر

وقال ابن حجاج:

هذا و محسنة بالعود عاشقها

بذلك الطيب فى الإحسان مسرور

إذا انثنت وتغنمت خلف قامتها

غصناً عليه قبيل الصبح شخرور

وقال آخر:

وجارية إذا غنتك صوتاً

فما لك من فراق الحلم بد

كأن يسارها في العود برق

و يمناها إذا ضربته برق

وقال آخر:

أشارت بأطراف لطاف كأنها

أنابيب در قمعت بعقيق

ودارت على الأوتار جساً كأنها

بنان طبيب في مجس عروق

وقال النور الأسعردي في جنكية:

لبنت شعبان جنبك حين تنطقه

يغدو بأصناف ألحان الورى هازي

لا غرو إن صاد ألباب الرجال لها

أما تراه يحاكي مخلب البازي

وقال الصلاح الأربلي وأحسن ما شاء.

الجنك مركب عقل في تشكله

والرق قرع له الأوتار أطناب

يجري بريح اشتياق في بحار هوى

يؤم ساحل وصل فيه أحباب

وقال ابن دانيال في دفية:

ذات القوام الذي يهتز غصن نقا

لو مر يوماً عليه طائر صدحا

تبدي على الدف كالجمار معصمها

لنقره ببنان يشبه البلجا

غناؤها بريق الريح تمزجه

فما ينقط إلا كل من رشحا

وقال ابن عديم في مغنية:

والله لو أنصف الأقوام انفسهم

أعطوك ما ادخروا فيها وماصانوا

ما أنت حين تغني في مجالسهم

إلا نسيم الصبا والقوم أغصان

وقلت أنا:

وغانية مكملة المعاني

بلطف ما عليه من مزيد

إذا ما أطربتنا بالمثاني

تثنت بين رمان النهود

تغار السمر منها حين تبدو

كغصن البان في خضر البرود

بأطراف من الحناء حمر

وألحاظ كبيض الهند سود

سوالفها من الريحان أطرى

يواخيها الشقيق من الخدود

وقال آخر:

بابي أغاني مطرب

أبداً ترضاه النفوس

يشدو فنرنو بالكؤس

له ونرقص بالرؤس

وقال آخر:

وزامر يبعث في زمره

إلى قلوب الناس أفراحا

كأن إسرافيل في نايه

ينفخ في الأموات أرواحا

وقال آخر في مشبب:

ومطرب قد رأينا في أنامله

شبابة لسرور النفس أهلها

ٍكأنه عاشق وافت حبيبته

فضمها بيديه ثم قبلها

وقال بن قرناص في مليح مشبب:

مشبب بجفاه راح يقتلنا

فإن تداركنا بالنفخ أحيانا

هويت تشبيبه من قبل رؤيته

والأذن تعشق قبل العين أحيانا

وقلت أنا:

رعى الله أرباب اليراع فإنهم

أزاحوا اعتذاري عنهم بالهوى العذري

ٍمواصيلهم من نفخهم كل ساعة

جلبنا الهوى من حيث أدري ولا أدري

وقلت أيضاً ملغزاً في شبابة:

وما خرساء إن نطقت رأينا

تناقض فعلها أمر عجيبا

منقبة وليس لها أزار

توافينا ولم تخشى الرقيبا

فتاة إن خلوت بها صحبي

رأيت لهم معي فيها نصيبا

ينازعني هواها كل صب

وإن لم تشبه الرشا الربيبا

فكم من عاشق فضحته فينا

وكم جمعت بمجلسها حبيبا

تجدد لي إذا نطقت سرورا

يعيد زماني البالي قشيبا

أرق من النسيم الرطيب صوتاً

وأسرع في الورى منه هبوبا

تغازل دائماً بعيونها من

يطارحها التغزل والنسيبا

فدع لومي إذا ما همت بها

وأنشدني من الشعر الغريبا

وشبب لي بها أبداً وقل لي

ضروب الناس عشاق ضروبا

فأغدرهم محب ذو ملال

وأعذرهم أشبهم حبيبا

وقال المصيص الخياط يهجو عوّاداً:

وإذا تربع لا تربع بعدها

وغدا يحرك عوده متقاعسا

فكأن جرذان المدينة كلها

في عوده يقرضن خبزاً يابسا

وقال آخر:

وغنى أبو الفضل فقلنا له

سبحان مخليه من الفضل

غناؤه حدُ على شربه

فاشرب فأنت اليوم في حل

وابلغ ما قيل في ذم المغني قول كشاجم:

ومغن بارد النغمة

مختل اليدين

ما رآه أحدفي

دار قوم مرتين

وقال آخر:

ومغن بار

أذهب اللذات عنا

فسألناه سكوتا

فأبى يسكت عنا

فشتمناه فغنى

فاشتفى القواد منا

وقال آخر:

مغنية سوء ألفاظها

يميت السرور ويحيي الكرب

مقبحة الوجه مفلوجة

فلا للنكاح ولاللطرب

وقال آخر:

ولرب زامرة يهيج زمرها

ريح البطون فليتها لم تزمر

شبهت أنملها على ضرباتها

وقبيح مبسمها الشنيع الأبخر

بخنافس قصدت عنيفا واغتدت

تسعى إليه على خيار الشنبر

هذا مثل قولهم في المثل أبصر الحامل والمحمول ودار الوكالة:وقال آخر:

كأنها في حالة العيان

خنافس دبت على ثعبان

وما أحسن قول الوجيه الدرري فيمن يغني بالرباب ويجمع بين الأحباب

لا تبعثوا بسوى المعذب جعفر

فالشيخ في كل الأمور مهذب

طوراً يغني بالرباب وتارة

يأتي على يده الرباب وزينب

الباب التاسع والعشرون

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي