ديوان الصبابة/ذكر من ابتلى من أهل الزمان بحب النساء والغلمان

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

ذكر من ابتلى من أهل الزمان بحب النساء والغلمان

ذكر من ابتلى من أهل الزمان بحب النساء والغلمان - ديوان الصبابة

ذكر من ابتلى من أهل الزمان بحب النساء والغلمان

أقول هذا باب عقدناه لذكر عشاق زماننا هذا وهم ما تعرفهم بسيماهم فمنهم من أتصف بالانصاف وسلك طريقة السلف في العفاف وهذا النوع فيما يظهر أعز من الكبريت الأحمر لم أراه ولا رأيت من رآه وإن وجدت اسمه فأين مسماه.

فاشهد بصدق مقالتي

أو لا فكذبني بواحد

هيهات بل قصارى أهل هذا العصر أن يعشق أحدهم بكرة ويواصل الظهر ويسلو العصر وعلى هذا حكاية بعض العلماء من أهل المدينة فيما حكاه عمرو بن شيبة قال كان الرجل يحب الفتاة فيدور بدارها حولاً يفرح إن رأى من رآها فإذا ظفر بها في مجلس تشاكيا وأنشد الأشعار واليوم يشير إليها وتشير اليه فيعدها وتعده فإذا التقيا لم يشكو حباً ولم ينشدا شعراً وقام إليها كأنه على نكاحها أمين الأمناء كما قيل.

لم يخطو من داخل الدهليز منصرفا

إلا وخلخالها قد قارب الشنفا

وقال الأصمعي قلت لإعرابية ما تعدون العشق فيكم قالت العنق والضمة والغمزة والمحادثة ثم قالت يا حضري فكيف هو عندكم قلت يقعد ما بين رجلي عشيقته ثم يجهدها قلت يا ابن أخي ما هذا عاشق هذا طالب ولد. وسئل إعرابي عن ذلك فقال هو مص الريقة ولثم الثغر ولاأخذ من أطايب الحديث بنصيب فكيف هو عندكم أيها الحضري فقال العض الشديد والجمع بين الركبة والوريد ورهز يوقظ النيام ويوجب الآثام فقال تالله ما يفعل هذا العدو فكيف الحبيب قلت وقد تقدم أن الملوك كغيرهم في العشق وإن الملط العظيم قد يعشق ولا يذهب به عشقه إلى ترك تدبير ملكه وهناك طبقة أخرى دون الملوك إذا عشقوا لم يتفرغوا لاشتغالهم بصنائعهم وطبقة أخرى يبخلون بأديانهم وعقولهم عن شغل قلوبهم بما لا يحل لهم ويحرم عليهم وما سوى هؤلاء فإن عشقهم عرض من الأعراض بل مرض من الأمراض إذا وصلوا إليه أسرعوا بأنصرافهم عنه وربما صار هجراناً بل عداوة إلى آخر العمر وهذا هو الغالب على أهل زماننا هذا وهو أفسد أنواع الحب إذ يوجد عند الفراغ ويذهب عند الشغل ويحدث عند غلبة الشهوة ويتلاشى بتلاشيها فهو أضعفها لا محالة وأمر صاحبه سهل إذ هو يسلو بالجفاء وحب بقليل الوفاء ومن كانت هذه حاله سهل أمره وانطفأ بالبولة جمره فمن أهل هذا العصر من اقتصر على دمية القصر فهام بالحسناء من النساء ومنهم من خلع في الأمرد العذار وقال للسلو عن وجنته الحمراء النار ولا العار ومنهم من قرن بين الفريقين وجمع من المذكر والمؤنث بين الضدين فتراه يأتي على ما حضر ولا يتوقف عند صورة من الصور كما قيل:

أنا الرجل البصير بكل أمر

دخلت من التصابي كل باب

فيهوى المرد والشبان قلبي

ولا يأبى مواصلة الكعاب

وقد زاد ديك الجن على هذا حيث قال:

أعشق المراد والنكاريش والشي

ب وعند مثل البنين البنات

خذ ما يشتهي ويعشق عندي

حيوان نحل فيه الحياة

وقال أيضاً:

أنا من قولي مليح

أو قبيح مستريح

كل من يمشي على وج

ه الثرى عندي مليح

حد ما ينكح عندي

حيوان فيه روح

وقال ابن تميم مضمناً:

ومعشر عدلوا لما ركبت على

أحوى محاسنه قبحن فعلهم

دع يعدلوا مااستطاعوا إنني رجل

لو استطعت ركبت الناس كلهم

وقال بعض مشايخ العصر:

وعارض قد لام في عارض

و طاعن يطعن في سنه

وقال لي قد طلعت ذقنه

فقلت لا أفكر في ذقنه

وقال أيضاً:

شب وجدي بشائب

من سنا البدر أوجه

كلما شاب ينحني

بيض الله وجهه

وقال أيضاً بعض مشايخ العصر:

وقد عنفوني في هواه بقولهم

ستطلع منه الذقن فاصبر على الحزن

فقلت لهم كفوا فإني واقع

وحقكم بالوجد فيه إلى الذقن

وقال أيضاً بعض مشايخ العصر:

وكامل العارض قبلته

فصدني وازور من قبلتي

وقال كم أنهاكم عن فعل ذا

وأنت ما تفكر في لحيتي

وكتبت أنا إلى بعضهم:

ليهن مولانا حبيب لم يزل

بوصله في كل محسنا

كم زينته لحية في وجهه

أنبتها الله نباتاً حسنا

فكتب إلي الجواب عن ذلك:

يا مادحاً للحية سلواننا

عن روضها لما زها لن يحسنا

مذ أنبت فيه نباتاًحسنا

قبلتها منه قبولاً حسنا

فمكان كما قيل:

حاشى لمثلي عن هواه يتوب

هو دون كل العالمين حبيب

أهواه طفلاًفي القماط و أمردا

و بلحية و إذا علاه مشيب

وقال أيضاً بعض مشايخ العصر وقد عشق شيخا

كلفت به شيخاً كان مشيبه

على وجنتيه ياسمين على ورد

أخو العقل يدري ما يراد من الفتى

أمنت عليه من رقيب و من ضد

وقالوا الورى قسمان في شرعة الهوى

لسود اللحى ناس وناس إلى المرد

فقلت لهم لو كنت أصبوا لأمرد

صبوت إلى هيفاء مياسة القد

وسود اللحى أبصرت فيهم مشاركا

فآثرت أن أبقى بأبيضهم وحدي

وقال آخر وقد عشق عجوزاً.

كلفت بها شمطاء شاب وليدها

وللناس فيما يعشقون مذاهب

وقال يا قوت الحموي وقد ظلم أهل الموصل من خصهم بالنسبة إلى اللوط حتى ضرب بهم المثل. وقال فيهم الشاعر:

كتب العذارعلى صحيفة خده

سطراً يلوح لناظر المتأمل

بالغت في استخراجه فوجدته

لا رأى إلا رأى أهل الموصل

ولقد جببت البلاد ما بين جيحون والنيل فمن رأيته لا يخرج عن هذا المذهب فلا أدري لم يخص به أهل الموصل قيل وليس الأمر كذلك كما ادعى ياقوت من كل وجه لأن مجرد الميل إلى الذكر لا تخلو منه بقعة إنما أهل الموصل يزيدون على ذلك بأنهم يميلون إلى أصحاب الذقون وربما مالوا إلى من عذاره شيب ويقولون هنا شعرة وشعرة أي شعرة سوداء وشعره بيضاء وبعضهم يسميه زرزوريا وهذا قل أن يوجد في غير بلدهم وقد رموا بهذا من بين أهل البلاد وأهل الاسكندرية لأنهم يقولون ما نعطي فليستنا إلا لمن بنفقها على عائلته ووليداته، ما نعطيها لمن يأكل بها حلاوة قال الشيخ شمس الدين ابن قيم الجوزية في كتابه روضة المحبين بعد ذكر قصة عاد وما أفضى إليه بهم الهوى من الهلاك الفظيع والعقوبة المستمرة ثم قصة قوم صالح كذلك ثم قصة العشاق أثمة الفساق ناكحي الذكران وتاركي النسوان وكيف أخذهم وهم في خوضهم يلعبون وقطع دابرهم وهم في سكرة عشقهم يعمهون وكيف جمع عليهم من العقوبات ما لم يجمعه على أئمة من الأمم أجمعين وجعلهم سلفاً لإخوانهم اللوطية من المتقدمين والمتأخرين. قال لما تجرؤ على هذه المعصية وتمردوا ونهجوا لإخوانهم طريقاً وقاموا بها وقعدوا ضجت الملائكة إلى الله من ذلك ضجيجاً وعجت الأرض إلى ربها من هذا الأمر عجيجاً وهربت الملائكة إلى أقطار السموات وشكتهم إلى جميع المخلوقات وهو سبحانه قد حكم أنه لا يأخذ الظالمين إلا بعد إقامة الحجة عليهم والتقدم بالوعد والوعيد إليهم فلما خالفوا الرسول المرسل إليهم ووقعت الحجة عليهم فعل الله تعالى بهم ما أخبر به في كتابه العزيز فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد فهذه عاقبة اللوطية عشاق الصورة وهم السف وإخوانهم بعدهم على الأثر.

فإن لم يكونوا قوم لوط بعينهم

فما قوم لوط منهم ببعيد

وإنهم في الخسف ينتظرونهم

على مورد من مهلة و صديد

يقولون لا أهلاً ولا مرحباًبكم

ألم يتعدكم ربكم بوعيد

فقالوا بلى لكنكم قد سننتم

صراطاً لنا في العشق غير حميد

أتينا به الذكر إن من عشقنا لهم

فأوردونا ذا العشق شر ورود

فأنتم بتضعيف العذاب أحق من

متابعكم في ذاك غير رشيد

فقالوا وأنتم رسلكم أنذرتكم

بما قد لقيناه بصدق وعيد

فما لكم فضل علينا فكلنا

نذوق عذاب الهون ذوق مزيد

كما كلنا قد ذاق لذة وصلهم

ومجمعنا في النار غير بعيد

حكى قاضي القضاة شمس الدين بن خلكان عن الأصمعي أنه قال دخلت يوماً أنا وأبو عبيدة المسجد فإذا على الإسطوانة التي يجلس إليها أبو عبيدة مكتوب على نحو سبعة أذرع:

صلى الإله على لوط و شيعته

أبا عبيدة قل بالله آمينا

فأنت عندي بلا شك بقيتهم

منذ احتملت وقد جاوزت سبعينا

قال لي يا أصمعي امح هذا فركبت ظهره ومحوته بعد أن أثقلته فقال أثقلتني وقطعت ظهري انزل فقلت له بقيت الطاء فقال هي شر حروف هذا البيت وقيل أنه لما ركب على ظهره وأثقله قال له عجل فقال قد بقي لوط فقال من هذا يهرب وكان الذي كتب ذلك أبو نواس. قلت وقد جاء في تفسير قوله تعالى أن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض إن فسادهم كان اللواط. ^

فصل

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي