ديوان الصبابة/طيب ذكر الحبيب

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

طيب ذكر الحبيب

طيب ذكر الحبيب - ديوان الصبابة

طيب ذكر الحبيب

أقول هذا باب عقدناه لذكر من صال وجال وذكر محبوبه حين تكسرت النصال في كل موقف الوقوف فيه هزيمة والموت غنيمة ولا سيما إذا أقيمت القسيء مقام الحواجب والتبست الخود بنهود الكواعب واشتبهت الرماح بالقدود والببيض بحمرة الخدود هنالك يجعل حبيبه المشار إليه نصب عينيه ولا يلهيه عنه ضرب الحسام ولا جعله غرضاً للسهام وعلى هذا حكاية الطغرائي التي أربي فيها على عنترة العبسي وزاد بها في الوفاء بشرط المحبة على كل جني وأنسي وهي ما حكاه غير واحد من أرباب التاريخ ممن خبر وخبر وتصدى وتصدر وذلك أن مؤيد الدين فخر الكتاب أبا إسماعيل الحسين الأًبهاني المنشيء المعروف بالطغرائي كاتب الإنشاء للملك مسعود وبين أخيه السلطان محمود بالقرب من همدان والري وانهزم الملك مسعود كان أول من أخذ الطغرائي فلما عزم السلطان أخو مخدومه على قتله بعد أن قيل له عنه شياء من جملتها أنه ملحد وأنه يحب المملوك الفلاني من مماليك السلطان ممن كان السلطان يحبه ويميل إليه فأغروه عليه إلى أن أمر بقتله وأن يشد إلى شجرة وأن يقف تجاهه جماعة ليرموه بالسهام ففعل ذلك وأوقف إنساناً خلف الشجرة من غير أن يشعر به الطغرائي وأمره أن يسمع ما يقول وقال لأرباب السهام لا ترموه إلا إذا أشرت عليكم فوقفوا والسهام في أيديهم مفوقة لرميه وأخبرني بعض من حكى لي هذه الحكاية من أهل الأدب أن أول من فوق إليه السهم المملوك المتيم هو بحبه فأنشد الطغرائبي في تلك الحالة يقول:

ولقد أقول لمن يسدد سهمه

نحوي وأطراف المنية شرع

والموت في لحظات أحور طرفه

دوني وقلبي دونه يتقطع

بالله فتش عن فؤادي هل ترى

فيه لغير هوى الأحبة موضع

أهون به لو لم يكن في طيه

عهد الحبيب وسره المستودع

فمر السلطان بإطلاقه وحل وثاقه لما رآه من ثبات جنانه وسحر بيانه وقد زاد هذا العاشق على من تقدمه من المتصفين بهذا الوصف كابن عطاء السندي حيث يقول:

ذكرت والخطى يخطر بيننا

وقد نهلت مني المثقفة السمر

فوالله ما أدري وإني لصادق

أداء عراني من خيالك أم سحر

وقال عنترة:

ولقد ذكرتك والرماح نواهل

مني وبيض الهند تقطر من دمي

فوددت تقبيل السيوف

لأنها لمعت كبارق ثغرك المتبسم

وما أرق قول الطغرائي أيضاً:

إني لأذكركم وقد بلغ الظمأ

مني فأشرق بالزلال البارد

وأقول ليت أحبتي عاينتهم

قبل الممات ولو بيوم واحد

وقال آخر:

ذكرت سلمى وحر الوغا

كقلبي ساعة فارقتها

فشبهت سمر القنا قدها

وقد ملن نحوي فعانقتها

وقال ابن تميم:

ألا من يبلغ المحبوب أني

وقفت وللظي حولي ضئيل

وأني جلت جيش الأعادي

برمحي وهو في فكري يجول

وقال أيضاً:

ولقد ذكرتك والصوارم لمع

من حولنا والسمهرية شرع

وعلى مكافحة العدو ففي الحشا

شوق إليك تضيق عنه الأضلع

ومن الصبا وهلم جرا شيمتي

حفظ الوداد وكيف عنه أرجع

وقال الشريف البياضي:

ولقد ذكرتك والطبيب معبس

والجرح منغمس به المسبار

وأديم وجهي قد فراه حديده

ويمينه حذراً على يسار

فشغلتني عما لقيت وأنه

لتضيق منه برحبها الأقطار

وقال ابن رشيق:

ولقد ذكرتك في الشفينة والردى

متلاطم متوقع الأمواج

والجو يهطل ةالرياح عواصف

و الليل مسود الذوائب داجي

وعلى السواحل للأعادي عسكر

يتوقعون لغارة وهياج

وعلت لأصحاب السفينة ضجة

وأنا وذكرك في ألذ تناجي

وقال أبو الثناء محمود:

ولقد ذكرتك والسيوف لوامع

والموت يرقب تحت حصن المرقب

والحسن في شفق الدروع تخاله

حسناء ترفل في رداء مذهب

والموت يلعب بالنفوس وخاطري

يلهو بطيب ذكرك المستعذب

وقال صفي الدين الحلي:

ولقد ذكرتك والعجاج كأنه

مطل الغنى وسوء عيش المعسر

والسوس بين مجتدل في جندل

منا وبين مغفر في مغفر

ظننت أني في صباح مسفر

بضياء وجهك أو مساء مقمر

تعطرت أرض الكفاح كأنها

فتقت لنا أرض الجلاد بعنبر

وقال أيضاً:

لقد ذكرتك والجماجم وقع

تحت السنابك والأكف تطير

الهام في أفق العجاجة حوم

فكأنها فوق النسور نسور

فاعتادني من طيب ذكرك نشوة

وبدت علي بشاشة وسرور

فظننت أني في مجالس لذتي

والراح تجلى والكؤوس تدور

وقال آخر:وله حكاية مثل حكاية الطغرائي المتقدمة مذكورة في منازل الأحباب:

ولقد ذكرتك والرماح تنوشني

عند الإمام وساعدي مغلول

ولقد ذكرتك والذي أنا عبده

والسيف فوق ذؤابتي مسلول

وقال أبو طالب الرفاء:

ولقد ذكرتك والظلام كأنه

يوم النوى وفؤاد من لم يعشق

وللناس في هذا البيت كلام وقال الشيخ أثير الدين أبو حيان:

ولقد ذكرتك والبحر الخضم طغت

أمواجه والورى منه على سفر

في ليلة أسدلت جلبابة ظلمتها

وغار كوكبها عن أعين البشر

والفلك في وسط الأمواج يحسبها

عيناً وقد أطبقت شفراً على شفر

والروح من حزن راحت وقد وردت

صدري فيا لك من ورد بلا صدر

هذا وشخصك لا ينفك في خلدي

وفي فؤادي وفي سمعي وفي بصري

وقلت أنا في رمل طريق مصر إلى الشام من مقامة:

ولقد ذكرتكم برمل روعه

في قلب كل مشرق ومغرب

وبنو بياضة كالدبي من حولنا

بسوأدهم سدوا فسيح السبب

والقضيب تبري هام كل مدجج

من كف أشوس بالحروب مهذب

وأسنة الرماح تلمع في الدجى

كوميض برق في الدجى متلهب

وعلى العوالي كل نسر واقع

يفري أديم الليث منه بمخلب

والرعد للأرماج رعد قاصف

والبحر يهدر كالهزبر الأغلب

والبر بحر بالدما والبحر بر

بالفرنج وكل كلب أجرب

وعلى السواحل غارة شعواء ما

فيها لمن يرجو النجا من مهرب

وأنا باوتار القسى كأنني

فيه أغني بالرباب وزينب

وأقول ليت أحبتي يدرون ما

أنا فيه من لهو وعيش طيب

وقال مجنون ليلى:

ذكرتك والحجيج له ضجيج

بمكة والقلوب لها وجيب

فقلت ونحن في بلد حرام

به لله أخلصت القلوب

أتوب إليك يا رحمن مما

جنيت فقد تكاثرت الذنوب

فأما عن هوى ليلى وتركي

زيارتها فإني لا أتوب

وللناس على هذا البيت الأخير كلام وحكى عن ليلى الأخيليلة أنها مرت مع زوجها بقبر توبة بن الحمير فقال لها هذا قبر الكذاب الذي قال:

ولو أن ليلى الأخليلية سلمت

علي ودوني جندل وصفائح

لسلمت تسليم البشاشة أوزقا

إليها صدى من جانب القبر صائح

فقالت دعه فقال أقسمت عليك إلا ما دنوت منه فسلمت عليه فأبت فكرر عليها ذلك فلما تقدمت إلى القبر وقالت السلام عليك يا توبة طار من جانب القبر طائر كان هناك وزقا ونفر منه جمل ليلى فوقعت من أعلاه فاندقت عنقها وماتت من وقتها ودفنت إلى جانب توبة وهذا من العجائب لأنه وفى لها بما التزمه بعد الموت وقد بلغ الآخر حيث قال:

لو حز بالسيف رأسي لي مودتها

لمر يهوي سريعاً نحوها رأسي

ولو بلى تحت أطباق الثرى جسدي

لكنت أبلى وما قلبي لكم ناسي

لو يقبض الله روحي صار ذكركم

روحاً أعيش به ما دمت في الناس

وقال آخر:

ولقد ذكرتك والظلام معبس

وأنا قعيد في البيوت وحيدتي

والجو يصفر من قعودي في الهوا

ما فيه خل يكون عنيدتي

والبق والناموس حولي عسكر

يتفاتلون على شريب دميمتي

والفار يلعب في الزوايا دائماً

وينط كالقعقاع فوق كويرتي

والعنكبوت يحوك حلة خيمة

يصطاد ذبابا تجوز كويتي

والأكل خبز مثل رأسي يابس

والشرب مر من دخيل بليدتي

وسماع نغماتي طنين بعوضة

وصرير صرصرة وصفر بويمة

فوددت تعنيق الفويرة كلما

نطت لأنك مثلها في الخفة

وحسدت أيدي لعنكبوت لشبهها

بأصابع لك شبهها في الرقة

وطربت من صوت الصراصر نغمة

إذ اشبهت نغمات صوت حبيبتي

فبكيت شوقاً حيث لا أنت معي

تتنعمين تنعمي في غرفتي

الباب السابع والعشرون

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي