ديوان الصبابة/قصر الليل وطوله

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

قصر الليل وطوله

قصر الليل وطوله - ديوان الصبابة

قصر الليل وطوله

وخضاب شفقه ونصوله وما في معنى ذلك

أقول هذا باب عقدناه لذكر من طال سهاد جفنه القصير فأمس وما له إلا إسفار الصباح سفير فهو ينشد من شدة الحرق وكثرة الأرق:

يا ليل طل ولا تطل

لا بد لي من أن أسهرك

لو بات عندي قمري

ما بت أرعى قمرك

ولم تزل العشاق تشكو من الليل وطوله ويصفونه بسواد الوجه عند حلوله وعذرهم في ذلك ظاهر وكيف لا وقد قال فيه الشاعر:

مات الظلام بليل

أحييته حين عسعس

لو كان لليل صبح

يعيش كان تنفس

وقال شرف الدين أحمد بن منقد:

لما رأيت النجم ساه طرفة

والقطب قد ألقى عليه سبانا

وبنات نعش في الحداد سوافرا

أيقنت أن صباحهم قدماتا

وقال أيضاً:

ولرب ليل فيه تاه نجمه

قطعته سهر أفطال وعسعسا

وسألته عن صبحه فأجابني

لو كان في قيد الحياة تنفسا

قلت وقبل الشروع في إيراد مقاطيع هذا الباب تذكر هنا حكاية لطيفة تتلعق بطول الليل وقصره وهي ما حكاه أبو محمد إسماعيل بن منصور الجواليفي قال وقف علي والدي وهو جالس في حلقة يقرأ فيها عليه الطلبة شاب فقال يا سيدي قد سمعت بيتين من الشعر ولم أفهم معناهما. فقال له قل فأنشد:

وصل الحبيب جنان الخلد أسكنها

وهجرة النار يصلينا به النار

فالشمس بالقوس أمست وهي نازلة

إن لم يزرني وبالجوزاء إن زارا

قال فلما سمعهما والدي قال له يا ولدي هذا شيء من معرفة النجوم وتسييرها لا من صنعة أهل الأدب فانصرف الشاب من غير حصول فائدة فاستحيا والدي لكونه سأل عن شيء ليس عنده منه علم وآلى على نفسه أن لا يجلس في حلقة حتى ينظر في علم النجوم ويعرف تسيير المسؤول عنه إن الشمس إذا كانت في آخر القوس كان الليل في غاية الطول لأنه يكون آخر فصل الخريف وإذا كانت في آخر فصل الخريف وإذا كانت في آخر الجوراء كان الليل في غاية القصر لأنه في آخر فصل الربيع فكأنه يقول إذا لم يزرني فالليل عندي في غابة الطول وإن زارني كان الليل عندي في غاية القصر وقد أنصف القائل:

لاأظلم الليل ولاادعى

أن نجوم الليل ليست تسير

ليلي كما شاءت فإن لم تزر

طال وإن زارت فليلي قصير

وما أحسن قول الأرجاني:

وما ليلنا إلا سواء وإنما

تفاوته أنا سهرنا ونمتم

ومن أحسن ما قيل في قصر الليل:

قول أبي اسحق الصولي

وليلة من ليالي الزهر

قابلت فيها بدرها ببدري

لم تك غير شفق وفجر

حتى تولت وهي بكر الدهر

وقال الرضي:

يا ليله كاد من تقاصرها

يعثر فيها العشاء بالسحر

وقال آخر:

سألت الليل لم ولى هزيماً

وقد بات الحبيب على اقتراحي

فقال كواكبي غارت وسارت

مخامرة علي إلى الصباح

ومن أحسن ما قيل في طول الليل قول العباس بن الأحنف:

أيها الراقدون حولي أعينو

ني على الليل واتركوا الإعتذارا

حدثوني عن النهار حديثاً

أوصفوه فقد نسيت النهارا

وقال آخر:

عهدي بنا وراء الليل مشتمل

والليل أطول كاللمح بالبصر

والآن ليلي مذ بانوا فديتهم

ليل الضرير فصبحي غير منتظر

وقال ابن العتارية:

لقد ساهرتني عيون الدجى

وقد نام عني عيون الملاح

إذا ماشكا الليل هجر الصباح

شكوت إلى الله هجر الصباح

وقال ابن الزقاق:

لي مسكن شطت به غربة

جادت لها عيناي بالمزن

ما أحسن القجر ولا راقني

بياضه مذ بان في الظعن

كأنما الصبح لنا بعده

عين قد ابيضت من الحزن

وما أحسن قول القاضي الفاضل:

بتنا على حال يسر الهوى

وربما لا يمكن الشرح

بوابنا الليل وقلنا له

إن غبت عنا هجم الصبح

وقال ياقوت:

كان الثريا راحة تشبر الدجا

لتعلم طال الليل أم قد تعرضا

فليل تراه بين شرق ومغرب

يقاس بشبر كيف يرجى له انقضا

أخذه الشيخ صدر الدين بن الوكيل فقال:

بكف الثريا وهي جذماً يقاس لي

شقاق الدجى مدت من الشرق والغرب

ولو ذرعوها بالذراع لما انقضت

فما تنقضي بالليلأوينقضي نحبي

وقد أحسن الأرجاني في الاعتذار عن طول الليل فقال:

لا أدعي جور الزمان ولا أرى

ليلي يزيد على الليالي طولا

لكن مرآة الصباح تنفست

للهم أصدأ وجهها المصقولا

وقال مضر بن الفقعسي:

وليل تقول الناس من ظلماته

سواء صحيحات العيون وعورها

كان لنا منه بيوتاً حصينة

مسوح أعاليها وساج كسورها

وقال آخر:

ولي سنة لا أدري ما سنة الكرى

كأن جفوني مسمعي والكرى عذل

وقلت أنا:

مذ غبت عني شمس الدين ما اكتحلت

عيني بغبر ذرور السهد والسهر

كم بت أرعى نجوم الليل من أرقي

يا أشبه الناس من كل الناس بالقمر

وقال الشريشي فأما أكثر الشعراء فهم من الليل أفزع وإلى النهار أنزع لأن الليل أجمع لأشتهات الهموم والفكر وأجلب لشوارد الأحزان والذكر. وقال امرؤ القيس:

وليل كموج البحر أرخى سدوله

علي بأنواع الهموم ليبتلي

وقال قيس بن ذريح:

أقضي نهاري بالحديث وبالمنى

ويجمعني والهم بالليل جامع

نهاري نهار الناس حتى إذا بدى

لي الليل هزتني إليك المضاجع

وقال ابن المعت:

لا تلق إلا بليل من تواصله

فالشمس نمامة والليل قواد

كم عاشق وظلام الليل يستره

لاقى الأحبة والواشون رقاد

وقال المتنبي:

كم زورة لك في الأعراب خافية

أزهى وقد رقدوا من زورة الذيب

أزورهم وسواد الليل يشفع لي

وانثنى وبياض الصبح يغري بي

هذا البيت أمير شعر المتنبي على كثرة الجيد فيه وفيه مقابلة خمسة بخمسة وقد أخذه بعضهم فقال:

أقلى النهار إذا أضاء صباحه

وأظل أنتظر الظلام الدامسا

فالصبح يشمت بي فيقبل ضاحكا

والليل يرثى لي فيدبر عابسا

وقد أحسن في أخذه فإن فيه أيضاً مقابلة خمسة بخمسة. قال ابن يحيى في قول المتنبي المذكور أنه مأخوذ من قول ابن المعتز:

فالشمس نمامة والليل قواد

قال الشيخ فتح الدين بن سيد الناس: قال لي شيخنا تقي الدين بن دقيق العيد: قل لهؤلاء علماء المعاني والبيان والبديع أتحسنون أن تقولوا مثل قول المتنبي:أزورهم وسواد الليل البيت فإذا قالوا لا قل فأي فائدة فيما تصنعونه. يريد بذلك أن العمل غير العلم والمباشرة دون الوصف. ومثل قوله هذا ما حكاه بعضهم عن بعض الوعاظ أنه كان على منبره يتكلم في المحبة وأمور العشق وأحواله ومديد أطناب الأطناب في ذلك فقام إليه بعض الجماعة فقال:

بعيشك هل ضممت إليك ليلى

قبيل الصبح أو قبلت فاها

وهل زفت عليك فروع ليلى

زفاف الأقحوانة في نداها

فقال الواعظ لا والله فقال له فابشر. وقال المتنبي:

وكم لظلام الليل عندك من يد

تخبران المانوية تكذب

وقاك ردى الأعداء تسري إليهم

وزارك فيه ذو الدلال المحجب

المانوية قوم يعتقدون أن الخير كله من النور والشر كله من الظلام فكذبهم بأنه وجد الخير في الظلام حيث ستره عن أعدائه ووقاه شرهم وكان عوناً له على زيارة من يحبه. وقال ابن رشيق:

أيها الليل طر بغير جناح

ليس في العين راحة في الصباح

كيف لا أبغض الصباح وفيه

بان عني أولو الوجوه الصباح

حكى الأصمعي قال حضرت مجلس لارشيد وعنده مسلم بن الوليد إذ دخل أبو نواس فقال ما أحدثت بعدنا يا با نواس. فقال: يا أمير المؤمنين ولو في الخمر فقال: قاتلك الله ولو في الخمر فأنشده:

يا شقيق الروح من حكم

نمت عن ليلى ولم أنم

الأبيات حتى أتى على آخرها فقال: أحسنت والله يا غلام أعطه عشرة آلاف درهم وعشر خلع فأخذها وخرج. وحكى عن المطرز الشاعر أنه مر وفي رجليه نعل له بالية وهي تثير الغبار فرآه الشريف المرتضى فأمر بإحضاره وقال له: أنشدني أبياتك التي تقول فيها:

فإن لم تبلغني إليكم ركائبي

فلا وردت ماء ولا رعت العشبا

فأنشده إيهاها فلما انتهى إلى هذا البيت أشار الشريف إلى نعله البالية وقال أهذه كانت من ركائبك فاطرق المطرز ساعة ثم قال لما عاد هبات سيدنا الشريف أيده الله تعالى إلى مثل قوله:

أيده الله تعالى إلى مثل قوله

وخذ النوم من جفوني فأنى

قد خلعت الكرى على العشاق عادت ركائبي إلى مثل ما ترى لأنك خلعت ما لا تملكه على من لا يقبل فاستحيا الشريف منه وكان الشيخ صدر الدين بن الوكيل رحمه الله تعالى يقول والله قول المطرز عندي أحسن من قول الشريف وقال أبو البشر المظفر الأعمى دخلت على الملك الكامل فقال لي أجز هذا النصف قد بلغ العشق منتهاه.

فقلت وما درى العاشقون ما هو

فقال وإنما غرهم دخولي

فقلت فيه فهاموا به وتاهو

فقال ولي حبيب يرى هواني

فقلت وماتغيرت عن هواه

فقال رياضة النفس في احتمالي

فقلت وروضة الحسن في حلاه

فقال أسمر لدن القوام ألمى

فقلت يعشقه كل من يراه

فقال ريقته كلها مدام

فقلت ختامها المسك من لماه

فقال ليلته كلها رقاد

فقلت وليلتي كلها انتباه

ثم أن مظفر الدين أكملها مدحاً في السلطان الملك الكامل تغمده الله برحمته ومنه وكرمه. ^

الباب الثاني عشر

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي