ديوان الصبابة/مراتبه وأسمائه

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

مراتبه وأسمائه

مراتبه وأسمائه - ديوان الصبابة

مراتبه وأسمائه

أقول هذا الفصل عقدناه لذكر مراتب الحب وسياقه وأسمائه واشتقاقه على اختلاف لغاته وانفاق رواته ومن المعلوم أن الشيء إذا كان عند العرب عظيماً وخطره جسيماً كالهزبر والرمح والخمر والسيف والداهية والمحبة المحرقة وما أدراك ماهية وضعوا له أسماء كثيرة وكانت عنايتهم به شهيرة ولا شيء يعدل اعتناءهم بالحب الذي يسلب اللب فأول مراتبه الهوى وهو ميل النفس وقد يطلق ويراد به نفس المحبوب. قال الشاعر:

إن التي زعمت فؤادك ملها

خلقت هواك كما خلقت هوى لها

ثم العلاقة وهي الحب اللازم للقلب كما قال الشاعر:

ولقد أردت الصبر عنك فعاقني

علق بقلبي من هواك قديم

وسميت علاقة لتعلق القلب بالمحبوب ثم الكلف وهو شدة الحب وأصله من الكلفة وهي المشقة يقال كلفة تكليفاً إذا أمره بما يشق عليه فكان الحبيب يكلف المحب ما لا يطيق ويتغافل عن قوله تعالى لا يكلف الله نفساً إلا وسعها وقيل هو مأخوذ من الأثر وهو شيء يعلو الوجه كالسمسم والكف أيضاً لون بين المواد والحمرة وهي حمرة كدرة ثم العشق وهو اسم لما فضل عن المقدار الذي اسمه الحب وفي الصحاح العشق فرط الحب وهو عند الأطباء من جلة أنواع الماليخوليا والمراد بالماليخوليا تغير الظنون والفكر عن المجرى الطبيعي إلى الفساد وهو أمر هذه الأسماء وقلما نطقت به العرب وكأنهم ستروا اسمه وكنوا عنه بهذه الأسماء فلم يكادوا يفحصون به ولا تكاد تجده في شعرهم القديم وإنما أولع به المتأخرون ولم يقع هذا اللفظ في القرآن ولا في السنة إلا في حديث ابن داود الظاهري كما يأتي بيانه وقال ابن سيده العشق عجب المحب بالمحبوب يكون في عناف الحب وذعارته وقيل العشق الاسم والعشق المصدر وعشيق كثير العشق وامرأة عاشق وشجرة يقال لها. وقيل عاشقة تخضر ثم تدق وتصغر قال الزجاجي واشتقاق العاشق من ذلك وقال الفراء العشق نبت لزج فسمى العشق الذي يكون بالإنسان لزوجته ولصوقه بالقلب. وقال ابن الأعرابي العاشقة اللبلابة تحضر وتصفر وتعلق بالذي يليها من الشجرة فاشتق من ذلك العاشق ذكره في ديوان العاشقين والعشيق يكون للفاعل والمفعول وجمع العاشق عشق وعشاق ويقال في المرأة عاشقة وامرأة عاشق أيضاً وقد تقدم ذكر ذلك والله أعلم ثم الشغف قال العزيزي في غريب القرآن شغفها حباً أصاب حبه شغاف قلبها والشغاف غلاف القلب ويقال هو حبة القلب وهي علقة سوداء في صميمه وشغفها حباً ارتفع حبه إلى أعلى موضع في قلبها مشتق من شغاف الجبال أي رؤسها وقولهم فلان مشغوف أي ذهب به الحب أقصى المذاهب وأما الشعف بالعين المهمله فهو إحراق الحب القلب قال في الصحاح شعفه الحب أي أحرق قلبه وقد قرى بهما جميعاً شغفها حباً وشغفها وكذلك اللوعة واللاعج أعني مثل الشغف في الإحراق فاللاعج اسم فاعل من قولهم الضرب لعجه إذا آلمه وأحرق جلده ويقال هوى لاعج لحرقة الفؤاد من الحب وفي الصحاح لوعة الحب حرقته فهذا هو الهوى المحرق ثم الجوى وهو الهوى الباطن وفي الصحاح الجوى الحرقة وشدة الوجد من عشق أو حزن ثم التتيم وهو أن يستعبد الحب ومنه سمي تيم الله أي عبد الله ومنه قيل رجل متيم ثم التيل وهو أن يسقمه الهوى ومنه رجل متبول وفي الصحاح تبلهم الدهر واتبلهم إذا أفناهم ثم التدلة وهو ذهاب العقل من الهوى ويقال دلهه الحب أي حيره ثم الهيام وهو أن يذهب على وجهه لغلبة الهوى عليه ومنه رجل هائم والهيام بالكسر الأبل العطاش وقوم هيم أي عطاش والصبابة رقة الشوق وحرارته والمقة المحبة والوامق المحب والوجد والحسران الحزن وأكثر ما يستعمل في الحزن والدنف لا تكاد تستعمله العرب في الحب وإنما ولع به المتأخرون وإنما استعملته العرب في المرض والشجو حب يتبعه هم وحزن الشوق سفر القلب إلى المحبوب قال في الصحاح الشوق والاشتياق نزاع النفس إلى الشيء وقد جاء في السنة وأسألك النظر إلى وجهك الكريم والشوق إلى لقائك واختلف في الشوق هل يزول بالوصال أو يزيد فقالت طائفة يزول لأنه سفر القلب إلى المحبوب فإذا وصل إليه انتهى السفر فألقت عصاها واستقر بها النوى. كما قر عيناً بالإياب المسافر وقالت طائفة بل يزيد واستدلوا بقول الشاعر:

وأعظم ما يكون العشق يوماً

إذا دنت الخيام من الخيام

قالوا الآن الشوق هو حرقة المحبة والتهاب نارها في حرقة المحبة والتهاب نارها في قلب المحب وذلك مما يزيده القرب والمواصلة والصواب أن الشوق الحادث عند اللقاء والمواصلة غير النوع الذي كان عند الغيبة عن المحب قال ابن الرومي:

أعانقها والنفس بعد مشوقة

إليها وهل بعد العناق تداني

وألثم فاها كي تزول صبابتي

فيشتد ما القي من الهيمان

كان فؤادي ليس يشفى غليله

سوى أن ترى الروحين يمتزجان

والبلبال الهم ووسواس الصدر والبلابل جمع بلبلة يقال بلابل الشوق وهي وساوسه والتباريح الشدائد والدواهي يقال برح به الحب والشوق إذا أصابه منه البرح وهو الشدة والغمرة ما يغمر القلب من حب أو سكر أو غفلة والشجن الحاجة حيث كانت وحاجة المحب أشد إلى محبوبه. وقال الراجز:

إني سأبدي لك في ما أبدي

لي شجنان شجن بنجد

وشجن لي ببلاد السند

وقال آخر:

تحمل أصحابي ولم يجدوا وجدي

وللناس أشجان ولي شجن وحدي

والوصب ألم الحب ومرضه فإن أصل الوصب المرض والكمد الحزن المكتوم والكمد تغير اللون. والأرق والسهر وهو من لوازم المحبة والحنيني الشوق أصل مادته الستر والحب المفرط يستر العقل فلا يعقل المحب ما ينفعه ولا ما يضره فهو شعبة م الجنون ومن الحب ما يكون جنوناً والود خالص الحب وألطفه وأرقه وهو من الحب بمنزلة الرأفة من الرحمة والخلة توحيد المحبة فالخيل هو الذي يوحد حبه لمحبوبه وهي مرتبة لا تقبل المشاركة ولهذا اختص بها من العالم الخليلان إبراهيم ومحمد صلوات الله عليهما كما قال واتخذ الله إبراهيم خليلاً وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً وفي الصحيح عنه لو كنت متخذاً من أهل الأرض خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً وقيل إنما سميت خلة لتخلل المحبة جميع أجزاء الروح. قال الشاعر:

قد تخللت موضع الروح مني

وبذا سمي الخليل خليلا

زعم من لا علم عنده أن الحبيب أفضل من الخليل وقال محمد حبيب الله وإبراهيم خليل الله وهذا الزعم باطل لأن الخلة خاصة وهي توحيد المحبة كما تقدم والمحبة عامة قال الله تعالى أن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين وقد صح أن الله تعالى اتخذ نبياً خليلاً فحصل من أنعام الحب العام على الخاص والعام:

حللت بهذا حلةً ثم حلة

بهذا فطاب الواديان كلاهما

والغرام الحب اللازم يقال رجل مغرم بالحب وقد لزمه الحب. وفي الصحاح الغرام الولوع والغريم الذي يكون عليه الدين وقد يكون الذي له الدين:قال كثير:

قضى كل ذي دين فوفى غريمه

وعزة ممطول معنى غريمها

والوله ذهاب العقل والتحير من شدة الوجد، وله أسماء غير هذه أضربت عنها خوف الإطالة والمحبة. أم باب هذه الأسماء كلها وقيل الشوق جنس والمحبة نوع منه، ألا ترى أن كل محبة شوق وليس كل شوق محبة وخالف ذلك صاحب المنظوم والمنثور. فقال: زعموا أن العشق والوجد والهوى أن يهوى الشيء فيتبعه غياً كان أو رشداً والحب حرف تنتظم هذه الثلاثة فيه، وقد يقال للعاشق والواجد والذي يهوى الأمر محب وللناس في حد المحبة كلام كثير فقيل: هي الميل الدائم بالقلب الهائم وقيل: هي قيامك لمحبوبك بكل ما يحبه منك. وقيل: ذكر المحبوب على عدد الأنفاس كما قال المتنبي:

يراد من القلب نسيانكم

وتأبى الطباع على الناقل

وقيل هي مصاحبة المحبوب على الدوام كما قيل:

ومن عجب أني أحن إليهم

وأسأل عنهم من لقيت وهم معي

وتطلبهم عيني وهم في سوادها

ويشتاقهم قلبي وهم بين أضلعي

وقيل هي حضور المحبوب عند المحب دائماً كما قال الآخر:

خيالك في عيني وذكرك في فمي

ومثواك في قلبي فاين تغيب

وفي اشتقاقها أيضاً أقوال فقيل هي مشتقة من حبة القلب وهي سويداؤه، ويقال ثمرته فسميت المحبة بذلك لوصولها إلى حبة القلب وقيل هي مشتقة من اللزوم والثبات ومنه أحب البعير إذا برك فلم يقم وقيل من حباب الماء فتح الحاء وهو معظمه أو يعلو الماء عند المطر الشديد فعلى هذا المحبة غليان القلب وقيل: من حب الماء الذي يوضع فيه لأنه يمسك ما فيه من الماء ولا يسع غيره إذا امتلأ به كذلك إذا امتلأ القلب من الحب فلا اتساع فيه لغير المحبوب وعلى ذكر حب الماء الذي يسميه المصريون الزير ما أحسن قول القاضي محيي الدين عبد الظاهر ملغزاً في كوز الزير وفيه اعتراض يشينه وحسن نظم يزينه.

وذي أذن بلا سمع

له قلب بلا قلب

إذا استولى على حب

فقل ما شئت في الصب

الفصل الرابع

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي