ديوان الصبابة/مغالطة الحبيب

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

مغالطة الحبيب

مغالطة الحبيب - ديوان الصبابة

مغالطة الحبيب

واستعطافه وتلافي غيظه وانحرافه

أقول هذا باب عقدناه لذكر مغالطة الحبيب في نفسه وإلحاق يومه بأمسه وهو من أعظم الأبواب حشوه وأكثرها رشوه وأحسنها اختراعاً وأكثرها خداعاً وأبلغها حطابة وأكثرها إصابة وسنورد من ذلك ما يعذب إيراده ويحسن عند أهل الإنشاء إنشاده ليعلموا أن الأديب على الحبيب يحتال ويجاري برقة ألفاظه الجريال فمن ذلك وهو من أحسن ما سمعته في مغالطة الحبيب:

قم بنا يانور عيني

نجعل الشك يقينا

فإلى كم ياحبيبي

يأثم القاتل فينا

ومثله قول الآخر:

ما أنس لا أنس قولها بمنى

ويحك إن الوشاة قد عملوا

ونمّ واش بنا فقلت لها

هل لك يا هند في الذي زعموا

قالت لماذا ترى فقلت لها

كي لاتضيع الظنون والتهم

وقال العباس بن الأحنف:

كان لم يكن بيني وبينكم هوى

ولم يك موصولا بحبلكم حبلي

واني لاستحي لكم من محدث

يحدث عنكم بالملالة والمطل

وقال آخر:

نسبت الى ذنب ولم اك مذنباً

وحملتني في الحب ما لا أطيقه

وما طلبي للوصل حرصاً عل البقا

ولكنه أجر إليك أسوقه

قلت:

ما يرضى يروح سواء بسواء

حتى يسوق إليه الأجر أيضاً

ومما قتله أنا في هذا المعنى:

لم أطلب الوصل من أجلي فديتك يا

من زاد حظي سواداً منه شامات

لكن خشيت بأن تبلى بعشق رشا

يقتص لي منك والدنيا مكافات

وقال آخر:

قد أكثر الناس أنواع الحديث بنا

وفرق الناس فينا قولهم فرقا

فكاذب قد رمى بالظن غيركم

وصادق ليس يدري أنه صدقا

وقال آخر:

يا سيدي عندك لي مظلمه

فاستفت فيها ابن أبي خيثمه

فإنها يرويه عن جده

وجده يرويه عن عكرمه

عن ابن عباس عن المصطفى

نبينا المبعوث بالمرحمه

إن انقطاع الخل عن خله

فوق ثلاث ربنا حرمه

وأنت مذ شهر لنا هاجر

أما تخاف الله فينا فمه

وقال جميل:

وماذا عسى الواشون أن يتحدثوا

سوى أن يقولوا أنني لك عاشق

نعم صدق الواشون أنت حبيبه

إلي وإن لم تصف منك الخلائق

قلت هكذا رأيته في غالب ما وقفت عليه من نسخ الحماسة وسمعت من أفواه أهل الأدب أعني أن قافية البيت الأول عاشق والصحيح أنها وامق لأن المعنى على ذلك بيانه أن الوامق المحب لغير ريبة والعاشق المحب لريبة وإذا كان ذلك كذلك لم تصح المغالطة إلا بقوله وماذا عسي يقول الواشون سوى إني لك وامق أي محب لغير ريبة:وقال ابن رواحة الحموي:

إن كان يحلو لديك قتلي

فزد من الهجر في عذابي

عسى يطيل الوقوف بيني

وبينك الله في الحساب

حكى أن بعضهم أنشد شاباً كان يحبه:

ماذا تقول إذا اجتمعنا في غد

وأقول للرحمن هذا قاتلي

وأقول للرحمن هذا قتلي فقال له الشاب أقول هذا أراد أن. . . فما مكنته. وقال ابن سينا الملك:ومن رسالة وأنا والله في أمرك مغلوب والسبب أني أنا المحب وأنت المحبوب ولا أتجالد عليك. أغرك وأخون حبك ولا أتصنع عليك فأغشك. وأغم قلبك اعمل ما شئت فأن الصابر وأقتل كيف شئت فأنا الشاكر وقل لي فلي سمع يعشق قولك والتفت تر آمالي ترفرف حولك فأفعل فأنت المعذور واستطل فما أنا المضرور بل المسرور وارجع إلى الود الذي بيننا فكل ذنب لك مغفور:وقال أيضاً:وأنا أستعيذ بالله من ذنب يوجب عتبك ويلمح عذبك ويصرف قلبك ويجعلك ثاني عطفك ويغيرك على الفك:

لست على هجرك جلد القوي

ولا على عتبك شاكي السلاح

وقال ابن السوادي الشاعر المشهور:

أشكو إليك ومن صدودك أشتكي

وأظن من شغفي بأنك منصفي

وأصد عنك مخافة من أن يرى

منك الصدود فيشتفي من يشتفي

وحكى القاضي:أبو عمر محمد بن يوسف الأزدي قال كنت أساير أبا بكر محمد بن داود الأصفهاني ببغداد وإذا بجارية تغني من شعر:

أشكو إليك فؤاد أنت متلفه

شكوى عليل إن إلف يعلله

سقم يزيد على الأيام كثرته

وأنت في عظم ما ألقى تقلله

الله حرم قتلى في الهوى سفها

وأنت يا قاتلي ظلماً تحلله

فقال محمد بن داود كيف السبيل إلى استرجاع هذا فقلت له هيهات سارت به الركبان:وقال أبو عبد الله:

قلبي عليك أرق من خديكا

وقواي أوهى من قوى جفنيكا

لم لا ترق لمن تعذب قلبه

ظلماً ويعطفه هواء عليكا

وقال ناصر الدين بن النقيب:

لقد وجبت عليك زكاة حسن

وفيه كمثل مافي المال حق

فلا تعدل به غني فإني

لمصرفه الفقير المستحق

وقال القاضي شمس الدين بن خلكان رحمه الله من قصيدة:

لولم أكن في رتبة ارعى لها

العهد القديم صيانة للمنصب

لهتكت ستري في هواك ولذلي

خلع العذار ولج فيك مؤنبي

لكن خشيت بأن تقول عواذلي قد جن هذا الشيخ في هذا الصبي:وقال آخر:

حججي عليك إذا خلوت كثيرة

وإذا حضرت فإنني مخصوم

لا أستطيع أقول أنت ظلمتني

الله يعلم انني مظلوم

وقال المكرم:

الناس قد أثموا فينا بظنهم

وصدقوا بالذي أدرى وتدرينا

ماذا يضرك في تصديق ظنهم

بأن نحقق ما فينا يقولونا

حملي وحملك ذنباً واحداً ثقة

بالعفو اجمل من إثم الورى فينا

وقال المتنبي:

زودينا من حسن وجهك ما دا

م فحسن الوجوه حال يحول

وصلينا بوصلك الآن في الدنيا

فإن المقام فيها قليل

أقول:هذا البيت الأخير حسن في بابه فيما يتعلق بمغالطة الحبيب واستعطافه وأما الأول ففيه تنغير فليته أراح واستراح وترك التهكم بالوجوه الملاح على أن التلعفري اقتدى به في التهكم بأحبابه:فقال ذو بيت:

يا تارك ربع الصبر مني مهدوم

ما إن يرى لغائب الوصل قدوم

صف ربك في العشاق وارفق بهم

ولا تحسب أن دولة الحسن تدوم

الباب التاسع

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي