ديوان الصبابة/نم الطيب على الحبيب

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

نم الطيب على الحبيب

نم الطيب على الحبيب - ديوان الصبابة

نم الطيب على الحبيب

ما أحلى قول ابن سكرة.

أهلاً وسلهلاً بمن زارت بلا عدة

تحت الظلام ولم تحذر من العسس

تسترت بالدجى عمداً فما استترت

وناب اشراقها ليلاً عن القبس

ولو طواها الدجى عنا لأظهرها

برق اللثام وعطر النحر والنفس

أخذه المعتمد بن عبادة فقال:

ثلاثة منعتها عن زيارتنا

خوف الرقيب وخوف الحاسد الحنق

ضوء الجبين ووسواس الحلى وما

تحوي معاطفها من عنبر عبق

هب الجبين بفضل الكم تستره

والحلى تنزعه ما حيلة العرق

وقال:

يوم يقول الرسول قد أدنت

فأت على غير رقبة ولج

أقبلت أهوى إلى رحالهم

أهدي إليها بريحها الأرج

قيل ويستدل بالطيب على السلوك في المواطن التي يكون الناس فيها غير معروفين مثل الحمام ومعركة الحرب وموسم الحج وما زالت الشعراء تصف مواطن الحبيب بالطيب كما قال فيه ابن النبيه.

إن جاء من يبغي لهم منزلا

فقا له يمشي ويستنشق

وقال محمد بن عبد الله النميري في زينب أخت الحجاج من قصيدة:

تضوع مسكا بطن نعمان إذ مشت

به زينب في نسوة خفرات

له أرج من مجمر الهند ساطع

تطلع رياه من الكفرات

يخمرن أطراف البنان من التقى

ويطلعن نصف الليل معتجرات

ومنها

ولما رأت ركب النمري أعرضت

بكره لأن يلقينه حذرات

ولهذا البيت حكاية لطيفة اتفقت لقائله مع الحجاج وهي مشهورة بين أهل الأدب أضربت عن اثباتها هنا خوف الإطالة وقال الطغرائي:

فسر بنا في ظلام الليل معتسفاً

فنفحة الطيب تهدينا إلى الحلل

وقال آخر:

وليس نسيم المسك ما تجدونه

ولكنه ذاك الثناء المخلف

وقال آخر:

لو كان يوجد ريح مسك فائح

لوجدته منهم على أميال

وقال ابن الرومي:

أعقبته من طيب ذكرك نفحة

كادت تكون ثناءك المسموعا

وقال المتنبي:

وتفوح من طيب الثناء روائح

لهم بكل مكانة تستنشق

فصل

ومن أحسن ما سمعته في العيادة قول الطغرائي

خبروها اني مرضت فقالت

اضنى طار فاشكا أم تليدا

وأشاروا بأن تعود وسادي

فأبت وهي تشتهي أن تعودا

واتتني في خفية وهي تشكو

ألم الشوق والمزار البعيدا

ورأيتني كذا فلم تتمالك

أن أمالت علي عطفاً وجيدا

أنشدني من لفظه لنفسه الشيخ جمال الدين بن نباتة:

وملولة في الحب لما أن رأت

أثر السقام بعظمي المنهاض

قالت تغيرنا فقلت لها نعم

أنا بالسقام وأنت بالأمراض

وما أحسن قول ابن السليمان:

وأنا الذي أضنيته وهجرته

فهل صلة أو عائد منك للذي

وقال آخر:

لا تهجروا من لا تعود هجركم

وهو الذي بلبان وصلكم غذى

ورفعتم مقداره بالابتدا

حاشاكمو أن تقطعوا أصله الذي

ومن عظيم ما يحكى عن الملك المعظم عيس بن الملك العادل أن شرف الدين بن عنين كتب إليه وهو ضعيف:

انظر إليّ بعين مولى لم يزل

يولى الندى وتلاف قبل تلافي

أنا كالذي أحتاج ما يحتاجه

فاغنم ثوابي والثناء الوافي

فحضر إليه الملك المعظم بنفسه ومعه صرة فيها ثلثمائة دينار وقال أنت الذي وهذه صلتك وأنا العائد قلت وقد استخدم ابن عنين الصلة والموصول وأجاد وعامله الملك المعظم في السبق إلى فهم مقصوده معاملة الجواد ولو وقع هذا من مثل سيبويه لكان أدل دليل على فضله وسداد نبله فما الشأن بوقوعه من هذا الملك المعظم شأنه العظيم سلطانه فكم أقر لابن عنين عيناً ووفى عنه ديناً فغال به السول وطرب من الصلة والعائد بيره الموصول لا جرم أنه ملأ بمدائحه ديوانه وقال فيه م قصائده الطنانة:

كريم الثنا عار من العار باسل

جميل المحيا كامل الحسن والحسني

لعمرك ما آيات عيسى خفية

هي الشمس للأقصى سناها وللأدنى

ولي أنا من قصيدة في هذا الوزن أمدح بها مولانا السلطان الملك الناصر مخلصها.

تطاول غصن البان يحكي قوامه

فقلت له والله قد جئت في المعنى

ولكن بدراً التم والبحر قصرا

عن الناصر السلطان في الحسن والحسنى

ومن ظريف ما اتفق لابن عنين هذا مع الملك المعظم أنه حضر في وقت بين يديه مع جماعة من الشعراء فقال لهم السلطان لا بد أن تهجوني في وجهي فقبلوا الأرض واستعفوا من ذلك فقال لا بد من ذلك وألح عليهم فقال ابن عنين.

نحن قوم ما ذكرنا لامرئ

قط إلا واشتهى أن لا يرانا

فقال له السلطان صدقت فقال:شعرنا مثل ال

. . . فقال السطان لا والله قبحك الله. فقال صقع الله به أصل لحانا. رجع الكلام إلى العيادة ما أحسن قول السراج الوراق:

قال صديقي ولم يعدني

وعارض السقم في أثر

لقد تغيرت يا صديقي

ويعلم الله من تغير

وقوله أيضاً:

مرضت لله قوما

ما فيهم من جفاني

عادوا وعادوا وعادوا

على اختلاف المعاني

ولهذا البيت أشباه ونظائر ذكرتها في كتابي الطارئ على السكردان منها ما حكي عن القاضي أبو بكر ابن العرب وقد وقف على حلقته وهو مشتغل بالعلم شاب مليح وبيده رمح فقال له بعض الفقهاء: اذهب بهذا الرمح فهز الرمح وقال: الساعة أضربك به فأنشد القاضي أبو بكر في الحال لنفسه:

يهددني بالرمح ظبي مهفهف

لعوب بالباب البرية عابث

فلو كان رمحاً واحداً لاتقيته

ولكنه رمح وثان وثالث

وقد سألت جماعة من أهل العلم والأدب عن استخراج الثالث من هذا البيت فلم يجب أحد منهم بطائل. وقال ابن النقيب:

سمعت بما تشكو وما أنت واجد

فظلت دموع العين في الخد تسفح

وأرسلت خطى في العيادة نائبا

وما كل خط للعيادة يصلح

وقال المعتمد بن عبادة:

مرضت فأمسكت الزيارة عامداً

وما عن قلى أمسكتها إلا ولا هجر

ولكنني أشفقت من أن أزوركم

فأبصر آثار الكسوف على البدر

وقال الشهاب محمود في القول بالموجب:

رأتني وقد نال مني النحول

وفاضت دموعي على الخد فيضا

فقالت بعيني هذا السقام

فقلت صدقت وبالخصر أيضا

وأورد في كتابه حسن التوسل قول الأرجاني:

غالطتني إذ كست جسمي الضنى

كسوة أعرت من اللحم العظاما

ثم قالت أنت عندي في الهوى

مثل عيني صدقت لكن سقاما

وقلت أنا حين وقفت على قول الأرجاني هذا بديها:

شكوت إلى الحبيبة سوء حظي

وما قاسيت من ألم البعاد

فقالت إن حظك مثل عيني

فقلت نعم ولكن في السواد

وما أحسن قول محاسن الشواء

ولما أتاني العاذلون عدمتهم

ومافيهم إلا للحمي فارض

وقد بهتوا لما رأوني شاحباً

وقالوا به عين فقلت وعارض

وقال ابن النقيب:

وما بي سوى عين نظرت لحسنها

وذاك لجهلي بالعيون وغرتي

وقالوا به في الحب عين ونظرة

لقد صدقوا عين الحبيب ونظرتي

والأصل في هذا كله:

وجاؤا إليه بالتعاويذ والرقي

وصبوا عليه الماء من ألم النكس

وقالوا به من أعين الجن نظرة

ولو صدقوا قالوا به أعين الإنس

وما أحسن قول بلدينا محمد بن عفيف التلمساني في مليح يعمل الكوافي.

إسم حبيبي وما يعاني

قد شغلا خاطري ولبي

قالوا علي فقلت قدراً

قالوا كوافي فقلت قلبي

وقول الشيخ صدر الدين بن الوكيل:

وبي من قسا قلباً ولان معطفا

إذا قلت أدناني يضاعف تبعيدي

أقر برقي إذ أقول أنا له

وكم قالها أيضاًولكن لتهديدي

وقال السراج الوراق:

قالوا وقد ضاعت جميع مصالحي

لهموم نفس ليت لا حملتها

قد كان عندك يا فلان صريمة

فأجبتهم بعت الحمار وبعتها

الباب الرابع عشر

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي