شرح القصائد السبع الطوال الجاهليات/قصيدة الحارث بن حِلّزة

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

قصيدة الحارث بن حِلّزة

قصيدة الحارث بن حِلّزة - شرح القصائد السبع الطوال الجاهليات

قصيدة الحارث بن حِلّزة

بسم الله الرحمن الرحيم

قال حارث بن حلّزة بن مكروه بن بديد بن عبد الله بن مالك بن عبد سعد بن جشم بن ذبيان بن كنانة بن يشكر بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب ابن أفصى بن دعمى بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان بن أدد.وكان من حديثه أن عمرو بن هند لما ملك - وكان جبارا عظيم الشأن - جمع بكرا وتغلب فأصلح بينهم وأخذ من الحيين رهنا، من كل حي مائة غلام، وكف بعضهم عن بعض، فكان أولئك الرهن يكونون معه في مسيره، ويغزون معه، فأصابتهم سموم في بعض مسيرهم، فهلك عامة التغلبيين وسلم البكريون، فقالت تغلب لبكر ابن وائل: أعطونا ديات أبنائنا فإن ذلك لكم لازم.فأبت ذلك بكر، فاجتمعت تغلب إلى عمرو بن كلثوم فقال عمرو لتغلب: بمن ترون بكرا تعصب أمرها اليوم ؟ قالوا: بمن عسى إلا برجب من أولاد ثعلبة.قال عمرو: أرى الأمر والله سينجلي عن أحمر أصلع، أصم من بني يشكر.فجاءت بكر بالنعمان بن هرم، أحد بني ثعلبة ابن غنم، من بني يشكر، وجاءت تغلب بعمرو بن كلثوم، فلما اجتمعوا عند الملك قال عمرو بن كلثوم للنعمان بن هرم: يا أصم، جاءت بك أولاد ثعلبة تناضل عنهم وقد يفخرون عليك.قال النعمان: وعلى من أظلت السماء يفخرون.قال عمرو بن كلثوم: والله أن لو لطمتك لطمة ما أخذوا لك بها ! فقال: والله لو فعلت ما أفلت بها قيس أير أبيك ! فغضب عمرو بن هند، وكان يؤثر بني تغلب على بكر فقال: يا جارية أعطيه لحيا بلسان - يقول الحيه - فقال له النعمان: أيها الملك، أعط ذلك أحب أهلك إليك.فقال عمرو بن هند: أيسرك أني أبوك ؟ قال: لا، ولكني وددت أنك أمي.فغضب عمرو بن هند غضبا شديدا حتى هم بالنعمان، وقام الحارث بن حلزة - وهو أحد بني كنانة بن يشكر - فارتجل قصيدته ارتجالا وتوكأ على قوسه.فزعموا إنه انتظم بها كفه وهو لا يشعر من الغضب.وقال أبو عبيدة: كان عمرو بن هند شريرا، وكان يقال له مضرط الحجارة لشدته، وكان لا ينظر إلى أحد به سوء، وكان الحارث بن حلزة أيضا بنشد من وراء الحجاب لأنه كان أسلع، أي أبرص.فلما أنشد هذه القصيدة أدناه حتى خلص إليه.وقال قطرب: حكى لنا أن الحلزة ضرب من البنات.قال: ولم يسمع فيه غير ذلك.وأخبرنا أحمد بن محمد الأسدي قال: أخبرنا أبو عبد الله بن النطاح قال: حدثنا أبو عبيدة قال: أجود الشعراء قصيدة واحدة جيدة طويلة ثلاثة نفر: عمرو بن كلثوم، والحارث بن حلزة، وطرفة بن عبد.وقال أبو عبد الله: وقصيدة عمرو بن كلثوم التي عنى أبو عبيدة:

ألاَ هُبِّيّ بصَحنِكِ فصبَحينا

وقصيدة الحارث:

آذنَتْنا ببَينها أسماءُ

وقصيدة طرفة:

لخَولَة أطلالٌ بُبرقة ثَهمدِ

وقال التوزي: زعم الأصمعي أن الحارث قال وقصيدته وهو يومئذ ابن خمس وثلاثين ومائة سنة، وقال حين ارتجلها مقبلا على عمرو بن هند الملك:

( آذنَتْنا بِبَينِهَا أسْماءُ. . . . . . . .رُبَّ ثاوٍ يُمَلُّ منه الثَّواءُ )

قوله ( آذنتنا ) معناه أعلمتنا، قال الله عز وجل: ( آذنْتُكم على سَواء ) أراد أعلمتكم.وقال جل ذكره: ( فأذَنوا بحرب من الله ورسولهِ ) أي فأعلموا.ويقول الرُجل للرجُل: لم توذني بكذا وكذا، يريد: لم تعلمينه.( البين ): الفراق.يقال: بان الرجل يبين بينا وبينونة.وقال زهير:

إنَّ الخليطَ أجدَّ البَينَ فانفرقا. . . . . . . .وعُلّق القلب من أسماء ما عَلِقا

والبين من الأضداد، يكون الفراق ويكون الوصال.قال الله عز وجل: ( لقد تقطَّعَ بينكم ) قرأ مجاهد وغيره: ( بينُكم ) بالرفع، على معنى تقطَّع وصلكم.والبين، بكسر الباء: القطعة من الأرض قدر مد البصر.قال تميم بنى مقبل:

بسَروِ حِميرَ أبوالُ البِغال به. . . . . . . .أنَّى تَسَدَّيتَِ وهناً ذلك البِينا

تسديت معناه علوت وركبت.وقوله ( رب ثاو يملُّ منه الثواء ) معناه: رب مقيم يمل منه إقامته، ولكنَّا لا نمل ثواء هذا المرأة.والثاوي: المقيم.والثواء: الإقامة.يقال ثوى الرجل، إذا أقام.قال الشاعر:

ثَوَى في مَلحد لابدَّ منه. . . . . . . .كفَى بالموت نَأياً واغترابا

قال أبو عبيدة: ثوى الرجل وأثوى، إذا أقام.قال الأعشى:

أثَوى وقصَّر ليلةً ليزوَّدا. . . . . . . .فمضَى وأخلفَ من قُتَيلة مَوِعدا

وقال غير أبي عبيدة: يقال ثوى الرجل ولا يقال أثوى.وكان هؤلاء يروون بيت الأعشى: ( أثوى ) بفتح الثاء، على معنى الاستفهام.و ( أسماء ) رفع بفعلها، والباء صلة الفعل، وثاو خفض برب، أصله ثاوي فاستثقلت الكسرة في الياء فألقيت، وأسقطت الياء لسكونها وسكون التنوين، ويمل منه الثواء صلة ثاو.لو رددت يمل إلى الدائم خفضته على النعت فقلت ثاو مملول منه.الثواء رفع لأنه اسم ما لم يسم فاعله، ومن صلة يمل.

( بَعد عَهْدٍ لهَا ببُرقَةِ شَمَّا

ءَ فأَدنى ديارِها الخَلْصاءُ )

ويروى: ( بعد عهد لنا ).ومعنى البيت: آذنتنا ببينها بعد عهدنا بهذا الموضع.و ( شماء ): هضبة معروفة.والهضبة: الجبل من الرمل.و ( البرقة ) والأبرق والبرقاء: رابية فيها رمل وطين، أو طين وحجارة مختلطان.ثم أخبر أن له عهدا بهذه المرأة في الخلصاء أقرب من عهده بها في برقة شماء.و ( الخلصاء ): أرض.وبعد صلة آذنتنا، واللام والباء صلتان للعهد، وشماء مخفوضة بإضافة البرقة إليها، إلا أنها نصبت لأنها لا تجرى بمدة التأنيث التي فيها.وأدنى رفع بالخلصاء، والخلصاء به.و ( الديار ): جمع دار.والأصل في دار دور، وديار في الجمع بمنزلة قولك عبد وعباد، وبحر وبحار.ويقال في جمع الدار أيضا أدؤر ودور.والأصل في أدؤر أدور، فلما انضمت الواو همزت.

( فمُحَيَّاةُ فالصِّفاحُ فأَعلَى. . . . . . . .ذي فِتَاقٍ فعاذبٌ فالوَفَاءُ )

فمحياة: أرض.والصفاح: أسماء هضاب مجتمعة.وواحد الصفاح صفحة.وفتاق: جبل.ويروى: ( فأعناق فتاق ).وعاذب: واد.والوفاء: أرض.أخبر بقرب عهده بهذه المواضع وبهذه المرأة فيها.ومحياة وما بعدها من أسماء المواضع ترتفع بالنسق على الخلصاء.

( فرِياضُ القَطا فأَودِية الشُّر. . . . . . . .بُبِ فالشُّعبتانِ فالأَبلاءُ )

رياض القطا: رياض بعينها بكثر فيها استنقاع الماء ودوامه، تعشب فتألفها الطير لذلك.لا يقال في الشجر روضة، إنما الروضة في النبت، والحديقة في الشجر.قال أبو عبيدة: الترعة: الروضة تكون على المكان المرتفع خاصة، فإذا كانت في المكان المطمئن فهي روضة.قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن منبري على ترعة من تُرع الجنة )، أراد على روضة.وقال أبو عمرو الشيباني: الترعة: الدرجة.وقال غيره: الترعة: الباب.وقال أبو زياد الكلابي: أحسن ما تكون الروضة على المكان الذي فيه غلظ وارتفاع.ألا تسمع قول الأعشى:

ما روضةٌ من رياض الحَزْن مُعْشبة. . . . . . . .خضراءُ جادَ عليها مُسبِلٌ هَطِلُ

قال: والحزن: ما بين زُبالة فما فوق ذلك مصعدا في بلاد نجد، وفيه ارتفاع وغلظ.والأصل في رياض رواض، فصارت الوا ألفا لتحركها وانكسار ما قبلها.و ( الشربُب ): جبل.ويروى: ( الشرْبَب )، بفتح الباء الأولى.وقال الأصمعي: إنما أراد بوادي الشُّربب، فاضطره الشعر إلى الجمع.وقال غيره: العرب توقع الجمع على الواحد ؛ من ذلك قول الله تعالى: ( فنادَته الملائكة )، أراد: فناداه جبريل عليه السلام وحده.وقوله: ( فالشعبتان ) هي أكمة لها قرنان ناتئان.والأكمة جبل من الرمل.( الأبلاء ): اسم بئر.خبر إنه قد كان يعهد من يواصله في هذه المواضع كلها، ثم تحملوا عنها وخلَّفوها خاوية.والرياض وما بعدها من أسماء المواضع نسق على الخلصاء.

( لا أَرَى مَنْ عَهِدتُ فيها فأَبكِي ال

يومَ دَلْها وما يردُّ البُكاءُ )

يقول: لا أرى من عهدت من أحبابي في هذه المنازل، فأنا اليوم أبكي شوقا إليهم، أني حيث رأيت آثارهم تذكرت ما كنت فيه منهم، فهاج ذلك لي البكاء.وقوله ( دلها ) معناه باطلا وضياعا.أي بكائي يذهب ضياعا، إذ كنت لا أستدرك به شيئا.يقال: رجل مدله العقل، إذا كان ذاهب العقل.ويروى:

لا يُرى من عهدت فيها فأبكى. . . . . . . .أهلَ ودِّي. . . . . .

وقوله ( وما يرد البكاء ) معناه ما يردهم عليّ ولا يغنى شيئا، غير أني أبكي لتذكرهم، وأشفى بعض ما بي من الحزن على فراقهم.ويروى: ( وما يحير البكاء ) أي وما يرد.قال الله تعالى.( إنَّه ظنَّ أن لن يَحُورَ بَلَى ) أراد: أن يرجع.قال الشاعر:

إن كنتِ عاذلتي فسيرِي. . . . . . . .نحوَ العراقِ ولا تَحُوري

ومن نصب بأرى، وعهدت صلة من، والهاء المضمرة تعود على من، كأنه قال: من عهدته فيها.ودلها نصب على المصدر، وما نصب بيرد ومعناها الاستفهام كأنه قال: وأي شيء يرد البكاء.ويجوز أن تكون في موضع رفع بما عاد من الهاء المضمرة، كأنه قال: وأي شيء يرده البكاء.والبكاء رفع بفعله.

( وبَعينَيكَ أَوْقَدَتْ هِندٌ النَّا. . . . . . . .رَ أَخيراً تُلْوِى بها العَلْياءُ )

قوله ( وبعينيك ) معناه وبرأي عينيك أوقدت هند النار.وهند ممن كان يواصل.أخبر إنه رأى نارها عند آخر عهده بها ؛ لقوله ( أخيراً ).وقوله ( تلوى بها العلياء ) معناه ترفعها وتضيئها له.و ( العلياء ): المكان المرتفع من الأرض.وإنما يريد العالية، وهي الحجاز وما يلية من بلاد قيس.أنشدنا أبو العباس:

يا دارَ ميَّةَ بالعَلياء فالسَّنَدِ. . . . . . . .أقوتْ وطالَ عليها سالفُ الأبَدِ

ويقال: هو من عُليا معد، بضم العين مع القصر، ومن عَلياء معد بفتح العين مع المد.فأراد أن العلياء تضيء النار كما يلوى بالرجل بثوبه إذا رفعه يلوح به للقوم إذا بشرهم من بعيد.وكذلك يقال: ألوت الناقة بذنبها، إذا رفعته.وهند ترتفع بأوقدت أيضا.وأخيرا نصب على الوقت أراد وقتا آخرا.وتلوى موضعه رفع في اللفظ بالتاء وفي الحقيقة نصب، والعلياء ترتفع بتلوى، والباء صلة تلوى.

( أَوقدَتْها بين العَقيقِ فشَخْصَيْ

نِ بعُودٍ كما يَلُوحُ الضِّياءُ )

ويروى:

. . .بين العقيق فشَخصٍ. . . . . . . .ذي قِضِينٍ كما يلوحُ الضّياءُ

قوله ( أوقدتها بين العقيق )، معناه رأى النار بالعلياء ولم يدر أين موضعها من العلياء، حتى تأملها فعلم أين هي من العلياء فقال بين العقيق - و ( العقيق ): مكان - وبين شخصين - وشخصان: أكمة لها شعبتان - فعلم أن موقد النار كان بالعلياء بين العقيق وشخصين.وقوله ( بعود ) أراد الذي يُتبخر به، وهو الألنجوج واليلنجوج، والألوة.يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه قال في صفة أهل الجنة: ( مجامرهم الألوة ).وقال أبو دهبل:

تَجعل النَّدَّ والألوَّةَ والمِسْ

كَ صِلاءً لها على الكانونِ

ولعل هذه المرأة التي ذكر لم تر عودا قط، ولكن الشعراء قالوا في ذلك فأكثروا.وما جعلوها كذلك إلا لحبهم موقدي النار.ثم قال: ( كما يلوح الضياء )، أي كما يظهر الضياء.والضياء: الضوء.وضياء الفجر من هذا.ضياء السراج وضياء النهار واحد.والقضين: جمع قضة، وهي شجرة.ويقال: هذه قضون فاعلم، ورأيت قضين، فتفتح النون لأنها مشبهة بنون الجمع.ومنهم من يقول هذه قضين ورأيت قضينا ونظرت إلى قضين، فتعرب النون لأنها بمنزلة ما هو من الاسم.ويروى: ( أوقدتها بين العقيق وذي السدر ).وذو السدر: موضع.وفاعل أوقدت مضمر فيه من ذكر هند، والهاء والألف تعودان على النار، وهي والباء صلتان لأوقدت، وشخصين نسق على العقيق، والكاف نصب به أيضا، وما خفض بالكاف، ويلوح الضياء صلتها، ولا عائد لها لأنها في معنى المصدر

( فتنوَّرْتُ نارَها مِن بَعيد. . . . . . . .بخَزَازٍ هيهاتٍ مِنْكَ الصِّلاءُ )

قوله ( تنورت نارها ) معناه نظرت لي سناها في الليل.والتنور: نظرك إلى النار وتأملك أين هي ؟ قريبة أم بعيدة.ثم قال ( بخزاز ).وخزاز: جبل بين العقيق وشخصين كما وصف.ثم إنه أطمع نفسه في اصطلائها فظن إنها قريب، فلما علم إنها بعيدة قال: هيهات منك الصلاء، أي ما أبعده منك.ويقال: قد تنور فلان النار، إذا نظر إليها.قال الشاعر:

وأجَّجْنا بكل يَفَاعِ أرضٍ. . . . . . . .وَقودَ النار للمتنوّرينا

ويقال: قد أنار القمر الموضع ونوره، إذا صار الموضع نيرا به.قال الأعشى يمدح بشر بن معد يكرب الكندي:

لو كنتُ مِن شيءٍ سوى بشرٍ. . . . . . . .كنت المنوِّرَ ليلةَ البدرِ

ومعنى هيهات البعد.قال الله عز وجل: ( هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِمَا تُوعَدون ) معناه: بعيد ما توعدون.قال الشاعر:

تَرى أمرَ بكر ثم أنت تلومُني. . . . . . . .على خَلَّةٍ هيهاتَ منك قريبُها

فمعناه: بعيد.ويقال: هيهاتٍ هيهاتٍ بكسر التاء فيهما مع التنوين.ويقال: هيهاتاً هيهاتاً بنصبهما مع التنوين.قال الأحوص:

تَذكَّرُ أياماً مضَين من الصّبا. . . . . . . .وهيهات هَيهاتاً إليك رجوعُها

ويقال: أيهاتَ أيهاتَ.وانشد الفراء:

فأيهات أيهاتَ العقيقُ ومَن بهِ. . . . . . . .وأيهاتُ وَصْلٌ بالعقيق تُواصلُه

ويقال: هيهاتُ بالرفع بغير تنوين، وهيهاتٌ بالرفع مع التنوين.و ( الصلاء ): النار بكسر الصاد فيمد.والصَّلا بالفتح مقصور.قال الشاعر:

وباشَرَ راعيها الصَّلاَ بلَبانِهِ. . . . . . . .وكَفَّيهِ حَرَّ النار ما يتحرّفُ

ومن والباء صلتان لتنورت، والصلاء رفع بهيهات، والنار نصب يتنورت.

( غَيْرَ أَنِّي قَدْ أَستعِينُ على الهَ

مِّ إذا خَفَّ بالثَّوِىِّ النَّجاءُ )

غير اني، معناه إلا أني، فلما وضعت غير في موضع إلا نصب على الاستثناء وفتحت الراء لاجتماع الساكنين ؛ وذلك إنه ترك ما كان فيه من ذكر الصبا ثم أنشأ شيئا صار فيه وقال: ( إذا خف بالثوى النجاء )، وهو المقيم.و ( النجاء ): الانطلاق والانكماش، والغالب عليه المد وربما قصر في الشعر، فإذا كرر فقيل النَّجا النَّجا، جاز فيه المد والقصر.و ( خف ) معناه مضى وذهب.والنَّجا مقصور: ما ألقيته عن الرجل من حلة أو لباس.يقال: أنجو عنه كذا وكذا، إذا ألقيته.قال الشاعر:

فقلتُ انجُوَا عنها نجا الجِلْد إنَّه. . . . . . . .سيرضيكما منها سَنَامٌ وغاربُه

( بزَفُوفِ كأَنّها هِقْلةٌ أُ

مُّ رِئالٍ دَوِّيّةٌ سَقْفاءُ )

زفزف: نافة مسرعة خفيفة، تزف زفيفا.والزفيف: عدو النعام إذا أسرع والدَّفيف ؛ طيران الطائر إذا أسرع في الحال التي يكون فيها قريبا من الأرض.فالزفيف للنعام، والدفيف للطير.يقال: زف الرجل يزف زفيفا، إذا أسرع قال الله تعالى: ( فأقْبَلوا إليه يَزِفُّونَ ).وقرأ بعض القراء بالتخفيف: ( يَزِفُونَ ) وإنما وصف الناقة بصفة النعامة لأنها شبهت بها.والهقلة نعامة، والذكر هقل.قال الأعشى:

فإذا أطاف لُغامُه بسَديسِهِ. . . . . . . .ثَنَّى ورادَ لحاجة وتزيَّدا

شبَّهتَه هِقْلاً يُبارِي هِقلةً. . . . . . . .رَبْداءَ في خَيط نَقانِقَ أربَداَ

النقانق: جمع نقنق، الذكر منها، والأنثى نقنقة.واللغام: الزبد والسديس: ناب من أنيابه.والمربد: الذي يضرب إلى السواد.والخيط: القطعة من النعام.وفيه خَيط وخيط، بالفتح والكسر.والخيْط من الخُيُوط، ولا يجوز الا بالفتح.و ( الرئال ): فراخ النعام، واحدها رأل، وثلاثة أرؤل، فاذا كثرت فهي رئال ورئلان.و ( دوية ) منسوبة إلى الدو.والدو: الأرض الواسعة البعيدة الأطراف.و ( سقفاء ): نعامة في رجلها انحناء.ويقال للرجل أسقف، وللمرأة سقفاء، إذا كان فيهما انحناء.والهاء اسم كأن، وهقلة خبر كأن.وأم رئال، ودوية، وسقفاء، نعوت لهقلة.

( آنستْ نَبْأَةً وأَفْزعَهَا القَ

نَّاصُ عَصْراً وقَددنا الإِمساءُ )

معناه: آنست هذه النعامة نبأة.و ( النبأة ): الصوت الخفي لا يدري من أين هو.و ( آنست ) هنا: أحسست.والإيناس: النظر وإبصارك الشيء.ويقال ؛ آنست الشيء، إذا وجدته.قال الله عز وجل: ( آنَسَ مِنْ جانب الطور ناراً )، أراد: وجد.وقال الأنصاري:

فعِفْتَ المدينَةَ إذْ جئتَها. . . . . . . .وآنسْت للأُسدِ فيها زئيرا

وقوله ( وأفزعها القناص ) يعنى الصياد.والقنص: الصيد.يقول: فلما رأتهم طارت على وجهها فزعا.و ( عصرا ) معناه عشيا.وإنما سميت العصر في الصلاة عصرا لأنها في آخر النهار.والعصر في غير هذا: الدهر.وفيه لغتان: عُصُرٌ وعصْر.وقال امرؤ القيس:

إلا انعَمْ صباحاً أيها الطَّللُ البالي. . . . . . . .وهل ينعَمَنْ مَن كان في العُصُر الخالي

ويقال في جمعه أعصر، وعصور.قال الشاعر:

تذكَّرتُ ليلى والشَّبيبة أعصُرا. . . . . . . .وذكرُ الصّبا بَرْحٌ على من تذكَّرا

وفاعل آنست مضمر فيه من ذكر النعامة، والنبأة منصوبة به، وعصرا منصوب على الوقت، والواو في وقد واو الحال.والإمساء رفع بدنا، وهو مصدر أمسى.

( فَتَرى خَلْفَها مِن الرَّجْعِ والوقْ

عِ مَنِيناً كأَنّه إهباءُ )

والمعنى: فترى خلف الناقة من الرجع، أي من رجع قوائمها.و ( المنين ): الغبار الدقيق الذي تثيره بقوائمها.وكل ضعيف منين، فعيل بمعنى مفعول.والممنون: الذي ذهبت منته.والمنة: القوة ؛ ولذلك قيل للحبل الخلق منين.قال الله عز وجل: ( فلهمْ أجرٌ غَير مَمْنون )، أراد: غير مقطوع ولا ضعيف.ويقال معناه غير محسوب.وقال آخرون: لا يمن الله سبحانه وتعالى عليهم به.ويقال: فلان قدمنه السير، أي أضعفه.و ( الإهباء ): إثارتها الهباء.والهباء: الغبار الذي كأنه دخان.وإذا دخلت الشمس في الكوة فالذي تراه كأنه غبار من السماء يتناثر هو الهباء.قال الله تبارك وتعالى: ( وقَدِمْنا إلى ما عَمِلوا مْن عَمَلٍ فجعلنْاه هَبَاءً مَنْثوراً ).والمنثور: المنتشر المتفرق.والهبوة: الغبرة.قال الشاعر:

وزُرق كسَتْهنّ الأسنة هَبوةً. . . . . . . .أرقّ من الماء الزُّلال كليلُها

الزرق: نصال الأسنة.والأسنة أراد بها المسان التي يحد بها النصال، الواحد مسن.وقوله: كستهن هبوة، أراد أن النصال جلتها المسان حتى اشتد جلاؤها، فكانت كأن عليها غبرة من شدة الصفاء ؛ وهو مثل الظلم في الأسنان، وهو ماؤها، وذلك إذا نظرت إليها خيل إليك أن فيها غبرة من شدة صفائها وبياضها.والرماد الهابي هو الأسود الذي يعلوه بياض وهبوة.ومن رواه ( كأنه أهباء ) بفتح الهمزة قال: الأهباء جمع الهباء.يقال: ثار أهباء، أي غبرة في إثر غبرة.ويقال: أهبي الظليم يهبي إهباء، إذا غبر.والإهباء بالكسر في هذا البيت أصح في قول الأصمعي، على معنى المصدر.والمنين نصب بترى، والهاء اسم كأن، والاهباء خبرها.

( وطِرَاقاً مِنْ خَلفِهنَّ طِراقٌ. . . . . . . .ساقطاتٌ تُلْوِى بها الصَّحراءُ )

ويروى: ( أودت بها الصحراء )، ويروى: ( تودى بها الصحراء ).الطراق: مطاوقة نعال الإبل.وقوله ( من خلفهن طراق )، يريد: طورقت مرة بعد مرة.وقد قيل: الطراق: الغبار هاهنا.و ( ساقطات ): قد سقطت من أرجلها.فالطراق تؤدى بها الصحراء، أي تبلى هذه النعال فتسقط.ويقال أطرقت النعل، إذا ضربت واحدة بأخرى، إطراقا، وطارقت.وقد يجوز ذلك في كل شيئين أحدهما على الاخر.ونصب طراقا لأنه نسق على المنين، كأنه قال: وترى طراقا.والطراق الثاني رفع بمن، وساقطات نعت لطراق، لأنه وان كان لفظه لفظ الواحد فمعناه بمعنى الجمع.والصحراء رفع بتلوى، والباء صلة.

( أَتَلَهَّى بها الهَوَاجِرَ إِذْ كُ

لُّ ابنِ هَمٍّ بَلِيَّةٌ عَمياءُ )

أتلهى بها، معناه بالناقة، أي أركبها وأتعلل بوطئها وسرعتها وحسن ذهابها ونشاطها في شدة الحر، فلا أجد، مع ما أنا فيه، شدة من الحر عليّ.و ( الهواجر ).انتصاف النهار، واحدتها هاجرة.قال أبو العباس: إنما سميت الهاجرة هاجرة لبعدها من وقت البرد وطيب الهواء، أخذت من قولهم: قد هجرت الرجل، إذا بعدت منه.وقوله ( إذ كل ابن هم )، معناه: كل ذي هم وكب من نزل به الهم.يقال هذا ابنُ هم وأخو همّ، إذا لحقه ذلك.قال المجنون:

لقد عشتُ من ليلى زماناً أحبُّها. . . . . . . .أخا الموت إذ بعضُ المحبين يكذِبُ

معناه أجد هما يكسب الموت.وقال ابن الطثرية:

حلفتُ لها أن قد وُجِدت من الهوى. . . . . . . .أخا الموت لا بِدعاً ولا متآسيا

يقول: إذا كان صاحب الهم لا يدري كيف يتوجه من عيه بالأمور فأراد أن ينجو، ليلا كان أو نهارا، لا أعيا أنا بأمري.وشبهه بالبلية.والبلية: ناقة الرجل إذا مات عقلت عند رأسه، أي عند القبر مما يلي الرأس، وعكس رأسها بذنبها، فتترك لا تأكل ولا تشرب حتى تموت، فهي عمياء لا تتجه.وقال بعضهم: كانوا في الجاهلية يعقلون ناقة الرجل عند رأسه ويقولون: إذا قام من قبره للبعث ركبها.وموضع ( أتلهى ) رفع بالألف، والباء صلة أتلهى وهي منصوبة، والهواجر نصب بأتلهى، وكل رفع بالبلية، والبلية مرتفعة به، والعمياء نعت البلية، وإذ وقت ماض، وهي من صلة أتلهى منتصبة به.

( وأَتانَا عن الأَراقم أَنبا. . . . . . . .ءٌ وخَطْبٌ نُعنَى به ونُسَاءُ )

قوله ( أنباء ) معناه أخبار.قال الله عز وجل: ( عن النَّبأ العظيم )، وهو القرآن.و ( الخطب ): الأمر، قال الله تبارك وتعالى: ( ما خَطْبُكَ يا سامرِيُّ )، أراد: ما أمرك.قال الشاعر:

آذنت جارتي بِوَشْك رحيل. . . . . . . .بَكَراً جاهَرَتْ بخطبٍ جليل

أراد: بأمر عظيم.والخطب: القصة ؛ والمعنى واحد.والعرب تقول للخبر نبأ، حقا كان أو باطلا.ويقال: أنبأني فلان ونبأني.وقوله ( نعنى به ) معناه نهتم به ويثقل علينا.يقال عنيت بالشيء أعني به فأنا به معنى.و ( الأراقم ): أحياء من بني تغلب اجتمعوا هم وأحياء من بني بكر بن وائل، وهم عجل وحنيفة وذهل به شيبان، كانوا مالوا بني تغلب على بني يشكر.والأنباء ترتفع بأتانا.وإنما قال وأتانا ولم يقل وأتتنا لأن فعل المؤنث إذا فُصل بينه وبين المؤنث بشيء كان الفاصل بينهما كالعوض من تاء التأنيث.ويجوز أن يكون ذكر الفعل لأن الأنباء جمع نبأ، والنبأ مذكر، فبنى الجمع على الواحد.وخطب نسق على الأنباء، ونعني به صلة خطب، والهاء تعود عليه، ونساء نسق على نُعنى.ومعنى نساء به نُظن فيه ونلزم الإساءة.وقال بعض أهل اللغة: معناه ويسوءنا ما يأتينا من ذلك.ويروى:

وأتانا من الحوادث والأنْ

باء خَطبٌ نُعنَى به ونُساءُ )

( أَنّ إِخوانَنَا الأَراقِمَ يَغْلُو

ن عَلَينا فِي قَولِهمْ إِحفاءُ )

قوله ( يغلون علينا ) معناه يرتفعون علينا في القول ويظلموننا، ويُحملوننا ذنب غيرنا ويطلبون ما ليس لهم بحق.وأصل الغلو في اللغة: الارتفاع والزيادة.قال الله عز وجل: ( لا تَغْلُوا في دينِكم غَيرَ الحقّ ) أراد: لا تجوروا ولا ترتفعوا من محجة الطريق.وجاء في الحديث: ( من إجلال الله عز وجل إجلال حامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه، وإعظام ذي الشيبه المسلم )، أراد غير المرتفع فيه عن محجة القصد.ويقال غلا السعر، إذا ارتفع وزاد.ويقال: غلا الصبي، إذا شب وزاد.وغلا النبات يغلو، إذا طال.ويقال: فعل ذلك في غلو شبابه، أي في أوله وزيادته.قال عبد الله بن قيس الرقيات:

لم تلتفت للِداتها. . . . . . . .ومضَتْ على غُلوائها

أي سبقت نظراءها في السن وزادت عليهن.ويقال للجارية إذا شبت شبابا حسنا ( غلا بها عُظم )، أي زادت على أترابها في الطول والتمام وحسن الشباب.قال الحارث بن حلزة:

خُمصانة قَلِقٌ موشَّحُها. . . . . . . .رُود الشَّباب عَلاَ بها عُظْمُ

وقوله ( في قولهم إحفاء ) معناه انهم حملوا علينا وألحوا في مساءتنا، وألصقوا بنا ما نكره.وهو من قولهم: أحفيت الشيء، إذا استقصيت عليه.ويقال: أحفيت شاربي وشعري.وجاء في الحديث: ( أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى )، أي وفروها وزيدوا فيها.ويقال: قد أحفى فلان في الشتم، إذا اشتد فيه وألح.ويقال: قد تحفى فلان بفلان، إذا استقصى وأظهر العناية به.وقال الله عز وجل: ( يَسْألونَكَ كأنكَ حَفِيٌّ عنها )، أي كأنك معنى بها مستقص في السؤال عنها.وقال الأعشى:

فإنْ تسألي عني فيا ربُّ سائلٍ. . . . . . . .حَفّيٍ عن الأعشى به حيث أصعَدَا

أراد: معنى به.ويقول: رأسك حاف، إذا دام شعثه، يحف حفوفا.وقد حف الشيء، إذا مر به يعدو.وقد حففت الشيء أحفه حفا، إذا دُرت حوله أو جعلت حوله شيئا ؛ من قول الله عز وجل: ( حافِّينَ مِن حَوِلِ العَرْش ).وموضع أن رفع على الترجمة عن الأنباء، كأنه قال: أتانا أن إخواننا الأراقم.والأراقم ينتصبون على الترجمة عن الإحفاء، وخبر أن ما عاد من يغلون، وعلى صلة يغلون، والاحفاء يرتفع به.ويروى: ( في قيلهم إحفاء )، وهي لغة ؛ يقال قول وقيل، وقال.ويجوز أن يكون أن في موضع نصب في قول الفراء، وخفض في قول الكسائي، على معنى بأنَّ ولأنَّ.

( يَخْلِطونَ البريءَ مِنَّا بِذي الذَّنْ

بِ ولا يَنْفَعُ الخَلَّيِ الخَلاَءُ )

يخلطون، معناه يشوبون ذا الذنب بالذي لا ذنب له، ظلما لنا وإساءة بنا ؛ فهذا عين الجور.وقوله ( لا ينفع الخلي لخلاء )، معناه ولا ينفع البريء من الذنب براءته منه.و ( الخلاء ) بفتح الخاء: البراءة والترك.يقال: منزل خلاء، إذا كان خاليا.قال الشاعر:

أصبحتْ دارُنا خلاءً قِفارا. . . . . . . .بعد عَدنان والإلهُ مُجارُ

وروى أبو جعفر وغيره: ( ولا ينفع الخلي الخِلاء، بكسر الخاء، وقال: الخلاء المتاركة.يقال: قد خالي فلان فلانا يخاليه خلاء، إذا تاركه.واحتج بقول النابغة:

قالت بنو عامرٍ خالُوا بني أسدٍ. . . . . . . .يا بوسَ للجهلِ ضَرَّاراً لأقوام

فمعناه: تاركو بني أسد.واخبرنا أبو العباس عن ابن الأعرابي قال: المخالي: المحارب.ويقال: أنا الخلاء منك وأنا البراء منك، بفتح الخاء في الخلاء، أي أنا خليُّ منك، أي بريء منك.ويتركان موحدين في التثنية والجمع، مذكرين في المؤنث، كقولك: نحن الخلاء والبراء منك، وهند الخلاء والبراء منك.قال الله تبارك وتعالى: ( إنَّني بَراءٌ ممَّا تعبدون ).والخلاء بالكسر في غير هذا: علة في النوق، بمنزلة الحران في الدواب.يخلطون موضعه رفع في اللفظ بالياء، وموضعه في التأويل نصب على الحال، كأنه قال: خالطين.والبري منصوب بيخلطون، وهو مهموز لأنه فعيل من بريء من الذنب براءة.والباء صلة يخلطون ايضا، وهي نصب به، والخلاء رفع بينفع، والخلى نصب به ولا يجوز همزه لأنه ليس بأخوذ من فعل مهموز، إنما هو فعيل من الخلوة، كأن الأصل فيه الخليو، ولما اجتمعت الياء والواو والسابق ساكن أبدل من الواو ياء وأدغمت الباء الأولى فصارتا ياء مشددة.وكذلك حكم الواو إذا سبقت الياء والواو ساكنة.

( زَعَمُوا أن كُلَّ ؤمَنْ ضَرَبَ العَيْ

رَ مَوَالٍ لَنَا وأَنّا الوَلاءُ )

قال أبو نصر أحمد بن حاتم: لم يقل الأصمعي في هذا البيت شيئا.وقال أبو عمرو: معناه أن إخواننا الأراقم يلوموننا ويصفوننا بالباطل، ويضيفون إلينا ذنب غيرنا، ويعلقونه علينا، ويطالبوننا بجناية كل من جنى عليهم ممن نزل صحراء أو ضرب عيرا، ويجعلونهم موالى.والموالى في هذا الموضع: بنو العم.قال الله تعالى: ( وإني خِفْتُ المَوَاليَ مِن ورائي )، أراد بني العم.قال الشاعر:

ومِن الموالي مَوليانِ فمنهما. . . . . . . .مُعطى الجزيلِ وباذلُ النَّصِر

ومن الموالى ضَبُّ جندلةٍ. . . . . . . .لَحِزُ المروَّة ظاهر الغِمْرِ

أراد: بني العم.وقال قوم: الموالى في هذا البيت معناهم الأولياء.أي جعلوا كل من فعل هذا الفعل وليا لنا.قال الله عز وجل: ( إنَّ الكافرينَ لا مولَى لهم ) أراد لا ولى لهم.وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( أيما امرأة تزوجت بغير إذن مولاها فنكاحها باطل )، أراد بغير إذن وليها.وقال الأخطل:

كانوا مَوالىَ حقّ يَطلبُون به. . . . . . . .فأدركوه وما ملُّوا وما لَغِبَوا

يعني أولياء حق.وقال أيضا:

فأصبحتَ مولاها من الناس بعده. . . . . . . .وأحْرَى قريش أن يُهابَ ويحمدا

وقال المفضل بن محمد، وأبو علي، وأبو مالك: أراد بالعير الوتد، وإنما سمي عيرا لنتوه من الأرض، مثل عير النصل والسهم، وهو الناتئ في وسطه.يقول: كل من ضرب وتدا في الصحراء فأذنب في الأراقم الزمونا ذنبه.وقال أبو الحسن الأثرم: حدثني أبو عمرو عن خراش العجلي قال: العير أراد به كليبا ابن وائل، أي جعلتم كل من قتل كليبا أو أعان على قتله ابن عم لنا، فألزمتمونا ذنبه ظلما.وإنما سمى كليبا عيرا لجلالته وعلو شأنه وسودده.والعرب تسمى السيد العظيم من الرجال عيرا.وإنما قيل للسيد من الرجال عير لأنه شبِّه بالحمار في الصيد، إذ كان أجل ما يصطاد.من ذلك الحديث الذي يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم، أن أبا سفيان استأذن عليه فحجبه، ثم أذن له، فقال: ما كدت تأذن لي حتى تأذن لحجارة الجلهتين ! فقال: ( يا أبا سفيان، أنت كما قال القائل: كلُّ الصَّيد في جوف الفرا ).والفرا: الحمار، يُهمز ولا يهمز.أنشدنا أبو العباس:

إذا اجتمعوا عليَّة أشقذُوني. . . . . . . .فصرت كأنني فَرَأٌ مُتارُ

ومتار. . .من الإتآر.والجهلتان: جانبا الوادي.وقال قوم: أراد بالعير الحمار نفسه.يقول: يضيفون إلينا ذنوب كل من ساق حمارا ويجعلوننا أولياءهم.وقال آخرون: العير جبل في المدينة، ومنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( حرم ما بين عير إلى ثور ).يريد: جعلوا كل من ضرب إلى ذلك الموضع وأراده وبلغه أولياءنا.وقوله ( وأنَّا الولاء ) معناه وأنا أصحاب الولاء، فحذف الأصحاب وأقام الولاء مقامه، كما قال الشاعر، أنشدنا أبو العباس:

وكيف نصاحب من أصبحتْ. . . . . . . .خَلالتُه كأبي مرحبِ

أراد: خلالة أبى مرحب.وقال الآخر:

وشرُّ المنايا ميَّت وسط أهله. . . . . . . .كهذا الفتى قد أسلم الحيَّ حاضرهُ

أراد: وشر المنايا ميته ميت، فحذف الميتة وأقام الميت مقامها.والولاء: العون واليد، يقال: هم عليه ولاة ولائه، أي عون ويد.والولاء في العون ممدود.والولي في المطر يكتب بالياء.وإن كفت من اسم زعموا وخبره، وكلا اسم أن، وضرب العير صلة من، وما في ضرب يعود على من، وموال رفع لأنه خبر أن، والأصل فيه موالي فاستثقلت الضمة في الياء لسكونها وسكون التنوين.ولنا صلة، وأن الثانية نسق على الأولى، والنون والألف اسم أن، والولاء خبرها.

( أَجْمَعُوا أَمرَهُمْ بلَيْل فَلَمَّا. . . . . . . .أَصْبَحُوا أَصبَحَتْ لهمْ ضوضاءُ )

أجمعوا، معناه أحكموا.يقال: قد جمعت الشيء، إذا وفقت بينه وأزلت تفرقه.وأجمعت الأمر، إذا أحكمته.قال الله عز وجل: ( فأجمِعُوا أمركُم وشركاءَكم )، قرأ بعضهم: ( فأجْمَعُوا ) على التفسير الذي مضى.وأنشد الفراء:

يا ليت شِعري والمُنَى لا تَنفعُ. . . . . . . .هل أغدُوَنْ يوماً وأمري مُجْمَعُ

أي محكم.ويروى: ( أجمعوا أمرهم بليل )، أي عزموا على أن يصبحوا بالذي اتفقوا عليه وبيتوه في الليل وتقدموا فيه.ويروى: ( أجمعوا أمرهم عشاء )، أي لم يدعوا منه شيئا إلا أحضروه، كقول القائل: هذا أمر قد أسرى عليه بليل، أي دبر بليل.وقوله ( أصبحت لهم ضوضاء )، معناه جلبة.والضوضاء حرف ممدود، وهو جمع واحدته ضوضاءة، وربما قصر فيكون حينئذ جمع ضوضاة.وروى بعضهم ( أصبحت لهم غوغاء )، فالغوغاء: الرذال من الناس.والغوغاء من الجراد: الصغار الذي يركب بعضه بعضا.وفاعل جمعوا مضمر فيه ولا خبر له.والضوضاء اسم الإصباح الثاني واللام خبره.وقال الفراء: أصبح على معنى بيَّن، إذا أردت أن تفيد المخاطب صباح الاسم استغنيت عن الخبر، كقيلك أصبح زيد قائما.وأمسى بمنزلة أصبح.وأصح الروايتين رواية الذين رووا: ( أصبحوا أصبحت لهم غوغاء ) ؛ لأن البيت الثاني يدل على الصياح والجلبة.

( مِن مُنادٍ ومِن مُجيبٍ ومن تَص

هالِ خَيلٍ خِلالَ ذاكَ رُغاءُ )

معناه من مناد يقول يا فلان، ومن مجيب المنادى، ومن صهيل خيل.وقوله ( خلال ذاك رغاء ) معناه بين ذاك رغاء ؛ لاجتماع بني تغلب علينا، وتهمتهم إيانا بأبنائهم الذين قتلهم العطش، يقولون: أدوا إلينا أبناءكم فإنكم اغتلتمونا اغتيالا.قال الله عز وجل: ( فجاسُوا خلالَ الدِّيار )، أراد: بين الديار.أي قتلوكم بين بيوتكم.والرغاء: رغاء الخيل والإبل.والرغي: جمع رغوة اللبن، مقصور يكتب بالياء.والرغوة فيها ست لغات، يقال الرَّغوة، والرُّغوة، والرِّغْوة، والرَّغاوة، والرُّغاوة، والرِّغاوة.ومن صلة الضوضاء، ورغاء يرتفع بقوله خلال.ويروى: ( خلال ذاك الرغاء ) بالألف واللام.

( أَيُّها الناطقُ المُرَقِّشُ عَنَّا. . . . . . . .عِندَ عَمروٍ وهَلْ لذاك بقاءُ )

قوله ( أيها الناطق ) يعنى عمرو بن كلثوم.و ( المرقش ): المزين للشيء، ومعناه هاهنا تزيينه: قوله للملك: إنَّا قتلنا أبناءهم واغتلناهم اغتيالا، وادعاؤهم الكذب والباطل عند الملك.ثم قال: ( وهل لذلك بقاء )، يقول: وهل للكاذب بقاء عند الملك.أي هو ينظر فيما ادعيتم فيعرف صدق ذلك من كذبه، ويعرف ترقيشك القول له بالباطل وبما لم يكن.ويروى: ( أيها الناطق المحبر عنا عند عمرو )، وهو المزين.يقال: حبرت الكلام ورقشته، ونممته ونمنمته، وذهبته وأذهبته، بمعنى.قال المرقش:

الدَّار قفرٌ والرسومُ كما. . . . . . . .رقَّش في ظهر الأديمِ قلَمْ

اراد: زيَّنَ.والمرقش نعت الناطق، وعن وعند صلتان له، والبقاء رفه باللام في قوله لذاك.وفي رواية قطرب: ( وماله إبقاء )، معناه: ليس يبقى على أحد.ويروى: ( المخبر عنا )، بخاء معجمة.

( لا تَخَلْنا عَلَى غَرَائك إِنَّا. . . . . . . .قَبلُ ما قَدْ وشَى بنا الأَعداءُ )

قوله ( لا تخلنا ) معناه لا تظننا.يقال: خلت عبد الله قائما، أي ظننته.قال الفراء: هو مأخوذ من الخيال والشيء يشبه لك، ثم ذهب به مذهب الظن.وإنما خاطب بهذا النعمان بن المنذر.أراد: لا تحسب أنا جازعون لإغرائك الملك بنا.و ( الغراء ) مأخوذ من قولك: غريت بالشيء أغرى به، إذا اولعت به ولزمته.يقال غريت بالشيء أغرى به غراء.والغرا: ولد البقرة مقصور، يكتب بالألف لانهمن الواو، يقال في ثنتيته غروان.قال الشاعر:

لها الجيد من جَيداء والعين طرفها. . . . . . . .كعيناء يهديها غَرَاهَا فريق

وأنشدنا أبو العباس في المعنى الأول لكثير:

إذا قلت مهلاً غارت العين بالبكا. . . . . . . .غِرَاءً ومدَّتها مدامعُ حُفَّلُ

قال الأصمعي: غارت فأعلت من غريت بالشيء أغرى، إذا لزمته.والغراء الذي يلزق به، إذا كسر مد وإذا فتح قصر.وقيل هو الغري.وقوله ( إنَّا قبل ما قد وشى بنا الأعداء )، معناه طال ما نمم بنا الأعداء قبلك عند الملوك فلم يضرنا ذلك.يريد: إنا قد مرنا على ذلك وعداوة الناس إيانا.ويروى: ( طال ما قد وشى ).ومعنى وشى نمم.والواشي هو النمام، وجمعه واشون ووشاة، قال بعض الأعراب:

فما لكَ من سدر ونحنُ نحبُّه. . . . . . . .إذا ما وشَى واشٍ بنا لا نجادلُهْ

كما لو وشَى بالسدر واش رددتُه. . . . . . . .كئيباً ولم تَملُحْ لدينا شمائلُهْ

وأنشدنا أبو العباس قال: أنشدنا الزبير بن بكار:

قال الوشاة لهندٍ عَنْ تُصارِمَنا. . . . . . . .ولستُ أنسى هوى هندٍ وتنساني

معناه: أن تصارمنا، فأبدل العين من الهمزة، والأصل فيه من الشية وهي العلامة.فإذا قال وشى به فمعناه نسب إليه أمرا جعله به علما.قال الله عز وجل: ( لاشيَةَ فيها )، أراد لا بون فيها يخالف لون جميع جلدها، أي ليست فيها علامة.ويقال: وصفت شيات الغنم، أي علامتها.قال النابغة:

من وَحش وجرة مَوشِىّ أكارعُه. . . . . . . .طاوِى المَصيرِ كسيَفِ الصَّقل الفَرَدِ

معناه: معلم أكارعه، أي هو أبيض في وجهه سفعة.وطاوى المصير، معناه ضامر.والفرد، يريد هو منقطع القرين لا نظير له في الجود.ويقال أتيتك قبلَ وقبلُ، وقبلاً وقبلٌ، وكذلك بعدُ وبعدٌ.أنشدنا أبو العباس:

ونحن قتلْنا الأزد أزدَ شنوءة. . . . . . . .فما شربوا بَعدٌ على لذَّة خمرا

وتخلنا جزم بلا على النهى وعلامة الجزم فيه سكون اللام، والألف سقطت لسكونها وسكون اللام.والنون والألف اسم المخيلة، وعلى خبرها، والنون والألف اسم أن، وخبرها ما عاد من النون والألف في بنا، وقبل ضمت على الغاية، وما صلته، والأعداء رفع بوشى.ومن رواه ( طال ما قد وشى ) رفع ما بطال، وما بعدها صلتها ولا عائد لها ولأنها في معنى المصدر، كأنه قال: سعى الأعداء بنا.

( فبَقِينا عَلَى الشَّناءَةِ تَنْمِي

نَا حُصُونٌ وعِزَّةٌ قَعْساءُ )

ويروى: ( فعلونا على الشناءة ).والشناءة: البغض.تقول: شنئت الرجل، إذا أبغضته.والشناءة والشنَّآن بفتح النون المصدر أيضا، قال الله عز وجل: ( ولا يَجْرِمنكمُ شَنَآنُ قوم )، أراد: لا يجرمنكم بغض قوم.قال الفراء: من سكَّن النون فقرأ: ( شَنْآن ) أراد الاسم، أي بُغض قوم.قال الشاعر:

وأي رئيس القوم ليس بحامل. . . . . . . . . . . . . .بالبغضاء والشنَآن

ويقال رجل مشنوء ومشنى، أي مبغض.ويترك همزته فيقال مشنو ومشنى.قال الشاعر:

وما خاصم الأقوامُ من ذي خصومةٍ. . . . . . . .كورْهاءَ مشنوٍّ إليها حليلُها

ويروى: ( مشنى ).ومن العرب من يترك همزة شنآن فيقول شنان، على مثال أبان.قال الشاعر:

وما العيشُ إلا ما تلذّ وتشتهي. . . . . . . .وإنْ لامَ فيه ذو الشَّنَان وفنَّدا

ومعنى البيت: بتنا على بغض الناس، أنا نزداد رفعة وعلوا ويزدادون غيظا، لما يرون من ثبات عزنا ومكاننا من الملك، ونحن لا نبالي عدوا ولا حسودا ولا وشاية منهم بنا.وقوله ( تنمينا جدود ) أي ترفعنا آباؤنا بأحسابهم.والجدود: جمع جد، وهو في هذا الموضع أبو الاب، ويجوز أن تكون جمع جد، والجد: الحظ، وهو الذي تسميه العامة البخت.قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( دخلت الجنة فإذا أكثر الناس - أي أهلها - الفقراء، وإذا أصحاب الجد محبوسون )، أي أصحاب الحظ في الدنيا.ويقال للرجل: ما كنت ذا جد، ولقد جددت، وأنت تجد.أنشدنا أبو العباس:

ولقد يجُدُّ المرء وهو مقصِّر. . . . . . . .ويخيب سعى المرءِ غيرَ مقصّرِ

ويقال: رجل حظيظ وجديد ؛ ورجل جد، إذا كان عظيم الجاه في الناس.ويروى: ( تنمينا حصون ).ويروى ايضا: ( ومنعة قعساء )، أي الحصون تحول بيننا وبين شناءة الناس إيانا.و ( العزة ): الغلبة، من قولهم: ( من عز بزَّ )، أي من غلب سلب.وإنما سمى العزيز عزيزا لغلبته.و ( القعساء ): الثابتة المصمتة.ويروى: ( تُنبيها حصون )، أي ترفعها ؛ أخذ من النبوة والنباوة وهي المكان المرتفع.قال القطامي:

لما وردْنَ نبيّاً واستتبَّ لنا. . . . . . . .مسحنفرٌ كخطوط النَّسج مُنْسحلُ

وقال أبو عبيدة: العرب تترك همز ثلاثة أحرف أصلها الهمز، وهي النبي من أنبأ عن الله عز وجل ؛ والخابية، وهي مأخوذة من خبأت ؛ والذرية، وهي من ذرأ الله تعالى الخلق.وبعض العرب يهمز النبي ويخرجه على أصله.والجدود مرتفعة بتنمينا.والعزة نسق عليها.

( قَبْلَ ما اليومِ بيَّضَتْ بِعُيونِ ال

نّاسِ فيها تعَيُّطٌ وإِباءُ )

معناه: قبل اليوم عظم شأنها على الناس حتى أعمتهم وعظمت على أبصارهم.يقال للرجل: لأوصلن إليك مكروها يظلم من أجله عليك نهارك وشبيه به قولهم: لأرينك الكواكب بالنهار، أي لأفعلن بك أمرا يظلم من أجله نهارك حتى يصير في عينك بمنزلة الليل فترى الكواكب.وقال النابغة:

تبدو كواكبه والشمسُ طالعةٌ. . . . . . . .لا النور نورٌ ولا الإظلامُ إظلامُ

وقال الأعشى:

رجَعتَ لمَّا رُمتَ مُستحسراً. . . . . . . .ترى للكواكب كهرا وَبيصَا

أي رجعت حسيرا كئيبا قد أظلم عليك نهارك، فأنت ترى فيه الكواكب بعالي النهار بريقا.والكهر: ارتفاع النهار.ومما يداني هذا المعنى أيضا قول جرير يرثى عمر بن عبد العزيز:

فالشمسُ كاسفةٌ ليست بطالعةٍ. . . . . . . .تبكى عليك نجومَ اللَّيل والقَمَرا

معناه الشمس كالكاسفة لشدة ظلمتها.ونصب نجوم الليل والقمر على الوقت، كأنه قال: تبكى عليك أبدا.ورواه البصريون:

والشمس طالعةٌ ليست بكاسفةٍ

كأنه قال: طلعت الشمس ولم يكسف ضوءها نجوم الليل والقمر، لحزنها وبكائها عليك.وقال محمد بن يزيد:

تبكي عليك نجومُ الليل والقمرا

فرفع النجوم ونصب القمر على معنى مع القمر ؛ فلما حلت الواو محل مع نصب ما بعدها، كما تقول: لو تُرك عبد الله والأسد لأكله.والذي أذهب إليه أن يكون نصب النجوم والقمر بتبكى، كانه قال: بكت الشمس ونجوم الليل والقمر فبكتهما الشمس تبكيهما، أي غلبتهما بالبكاء، كما تقول: كارمني عبد الله وكرمته وأنا أكرمه: غلبته.ومعنى قوله: ( بيضت بعيون الناس ): بيضت عيون الناس، والباء زائدة، كما قال الله تبارك وتعالى: ( ومَن يُردْ فيه بإلحادٍ بظُلْم )، أراد: ومن يرد فيه إلحادا.وقال الفراء: سمعت أعرابيا من ربيعة وسألته عن شيء فقال: أرجو بذاك، يريد: ذاك.وأنشدني أبو الجراح:

فلما رجَتْ بالشرب هَزَّ لها العصا. . . . . . . .شحيحٌ له عند الإزاء نَهيمُ

أراد: رجت الشرب.وقال امرؤ القيس:

ألاَ هل أتاها والحوادثُ جَمَّةٌ. . . . . . . .بأنّ امرأ القيس بن تَمِلكَ بَيْقَرا

أراد: هل أتاها أن امرأ القيس.وقال قيس بن زهير:

ألم يأتيك والأنْباء تَنمى. . . . . . . .بما لاقتْ لبَونُ بني زيادِ

أراد: ألم يأتك ما لاقت.وأنشد أبو عبيد:

ضَمنتْ برزق عيالنا أرماحُنا. . . . . . . .ملءَ المراجل والصَّريحَ الأجردَا

أراد: ضمنت رزق عيالنا.وقوله ( فيها تعيط معناه فيها ارتفاع وامتناع، أي في عزتنا.والإباء معناه أنها تأبى الضيم.ومن التعيط قولهم: اعتاطت الناقة واعتاصت، إذا امتنعت من الحمل فلم تحمل أعواما.ويقال: ناقة عائط، وفي الجمع نوق عوط وعيط.وحكى الفراء عوطط في الجمع، وهو على غير القياس.وقبل نصب ببيضت، وما صلة اليوم مختفض بقبل، والتعيط رفع بفي، والإباء نسق عليه.

( وكأَنَّ المَنُونَ بنا أَرْ. . . . . . . .عَنَ جَوْناً يَنْجابُ عَنه العَمَاءُ )

( المنون ): المنية.وقال الأصمعي: المنون أيضا: الدهر، لأنه يذهب بمنة كل شيء.والمنة: القوة.وسمعت أبا العباس يقول: حبل منين، إذا كان ضعيفا قد ذهبت منته.ويقال: قد منه السفر، إذا أضعفه.قال ذو الرمة:

إذا الأروع المشبوبُ أضحى كأنَّه. . . . . . . .على الرحْل مما منَّه السَّير عاصِدُ

أي لوى عنقه. . .وقال أبو ذؤيب:

أمن المنونِ وريبها تتوجَّعُ. . . . . . . .والدهر ليس بمعتبٍ مَن يجزَعُ

فأنث المنون لأنه أراد المنية.وقال أبو العباس: ( وريبه ) على معنى الدهر.وقال الفرزدق:

إن الرزيَّة لا رزية مثلها. . . . . . . .في الناس موتُ محمدٍ ومحمدِ

ملكانِ عُرِّيت المنابر منهما. . . . . . . .أخَذ المنونُ عليهما بالمرِصد

أراد المنية: وقوله ( يردى ) يقال ردى يردى رديا ورديانا، إذا رمى.وردى يردى ردى، إذا هلك.وقوله ( أرعن ) الأرعن: الجبل الذي له أنف يتقدم منه.ويقال للجيش العظيم أرعن لأنه يشبه بالجبل.قال النابغة الجعدي في وصف جيش:

بأرعنَ مثلِ الطَّودِ تَحسب أنهم. . . . . . . .وُقُوفٌ لحاجٍ والركاب تهملجُ

والجون في هذا البيت: الأسود ؛ وهو من الأضداد يكون الأبيض ويكون الأسود.قال الشاعر:

غيَّرَ يا بنتَ الحُلَيسِ لونى. . . . . . . .كرُّ الليالي واختلافُ الجَوْنَ

وسفرٌ كانَ قليلَ الأون

أراد بالجون النهار.والأون: الدعة والرفق.وقال الفرزدق يصف قصرا أبيض:

وجَونٍ عليه الجصُّ فيه مريضة. . . . . . . .تَطلَّعُ منه النفسُ والموت حاضرُه

أراد بالجون قصرا أبيض.وقوله ( فيه مريضة ): امرأة فاترة الطرف.وقوله: ( تطلع منه النفس ) معناه: تكاد النفس تخرج من اجله لهوله وصعوبته.وقال الأصمعي: دخل أنيس الجرمي على الحجاج - وكان فصيحا - يعرض عليه درعا من حديد صافية، فلم يتبين الحجاج صفاءها فقال: ليست بصافية.فقال له أنيس: أصلح الله تعالى الأمير، أن الشمس جونة.يريد: أن شدة شعاع الشمس أذهب صفاء الدرع.وقوله ( ينجاب عنه ) معناه ينشق عنه الغيم ويتفرق عن هذا الجبل لطوله وارتفاعه.قال الله عز وجل: ( الذينَ جابوا الصَّخْر بالوادِ )، أراد شقوا الصخر وبنوا فيه.قال سابق:

فلم ينجُ منهم في البحور ملجِّجٌ. . . . . . . .ولم يُنج مَن جابَ الصُّخورَ اجتيابُها

ويقال: جبت الفلاة، إذا دخلت فيها.قال معن بن أوس:

إليك سعيدَ الخيرِ جابَتْ مطيَّتي. . . . . . . .فُروجَ الفيافي وهي عوجاء عَبْهلُ

و ( العماء ): الغيم الرقيق، ومثله الضباب، والطخاء، والطهاء.ويروى: ( وكأن المنون ترمى بنا أصحم عصم ).والأصحم: الوعل الذي يعلو بياضه سواده.أتنشدنا الأصمعي بن أبي عائذ الهذلي:

أوَ أصحمَ حام جراميزَه. . . . . . . .حَزابيةٍ حَيَدَى بالدِّحالِ

الأصحم هاهنا: الحمار.وقوله: حام جراميزه، معناه حام نفسه من الرماة والصيادين.وحزابية معناه ضخم ممتلئ.والحيدى: الذي يحيد.والدحال: جمع دحل، وهو خرق في الارض.والوعل: تيس في الجبل.و ( العصم ): جمع أعصم.و ( الأصحم ): الوعل الذي في يديه بياض.ويروى: ( وكأن المنون ترمي بنا على أعصم صم ) معناه على أعصم جبال صم.ويروى: ( على أعصم جون )، أي أعصم جبل جون.ومعنى البيت: وكأن المنون ترمى بنا جبلا فلا تضرنا ولا تؤثر فينا كما لا تضر الجبل.والمنون اسم كأن، وتردى خبره، وينجاب موضعه رفع، ونصب في التأويل على معنى منجابا عنه العَماء.

( مُكْفَهِرَّاً علَى الحَوَادثِ لا تَرْ. . . . . . . .تُوُ للدَّهرِ مُؤْيِدٌ صَمَّاءُ )

مكفهر، معناه هذا الجبل متراكم بعضه على بعض ممتنع مارد على الحوادث، فنحن لا تضرنا ولا نباليها.يقال وجه فلان مكفهر، إذا كان قاطبا.وقوله ( لا ترتوه ) الرتو: القصر من الشيء والنقصان له ؛ وهو من قولك: رتوت من القوس، إذا كان بوترها استرخاء فشددته وقصرت منه ؛ وأصل الرتو الشد والجمع، من ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحساء: ( إنه يرتو فؤاد الحزين، ويسرو عن فؤاد السقيم )، أي يشد فؤاد الحزين ويقويه.وقوله ( ويسرو ) معناه ويكشف عن فؤاده ؛ ومنه قولهم: سريت الثوب عن الرجل، إذا كشفته عنه.ويقال سروت وسريت في هذا بمعنى.و ( مؤيد ) معناه داهية قوية شديدة تغلب كل من تعرض لها.يقال: رجل ذو أيد وآد، أي ذو قوة.قال الله عز وجل: ( والسَّمَاءَ بنَيناها بأيْد )، أراد بقوة.وقال عز من قائل: ( وأيَّدْناه بروح القُدْس )، أراد: قويناه.ويقال أيضا: آدنى الشيء يئودني، إذا أثقلني.قال حسان:

وقامت ترائيك مُغْدوجناً. . . . . . . .إذا ما تنوءُ به آدَها

أراد أثقلها.وأنشد أبو عبيدة:

إنّ القدَاح إذا اجتمعنَ فرامَها. . . . . . . .بالكَسر ذو حَنَقٍ وبطشٍ أيدِ

عزّتْ ولم تُكسَر وإن هي بدِّدت. . . . . . . .فالوَهن والتكسير للمتبدِّدِ

أراد: وبطش قوي.وأنشد العجاج:

من أن تبدّلت بآدى آدا

ويروى: ( موئد ) بتقديم الواو على الهمزة على إنه مفعل من الوأد.والوأد: الثقل.وقوله ( صماء ) معناه لا جهة لها لشدتها وامتناعها.وقال بعضهم: الصماء: التي لا يسمع الصوت فيها لاشتباك الأصوات.ونصب ( مكفهرا ) على النعت لأرعن.ومن رواه بالخفض جعله نعتا للأعصم على رواية الذين يرون: ( وكأن المنون ترمى على أعصم صم ).والمؤيد رفع بترتوه.ويروى: ( ما ترتوه ).وصماء نعت المؤيد، واللام صلة ترتوه.

( أَيَّما خُطَّةٍ أَردتُم فأَدُّو. . . . . . . .ها إِلينا تَمشِي بها الأَمْلاءُ )

قوله: ( فأدوها إلينا ) معناه فابعثوا ببيان ذلك إلينا مع السفراء.والسفير: المصلح بيننا وبينكم يمشون به إلينا وتشهد به الاملاء، فان شهدوا وعرفوا ما ادعيتم كان ذلك لكم، وإن ادعيتم ما لا تعرفه الاملاء فليس بشيء.ويروى: ( أيما خطة أخذتم ).و ( الأملاء ): الجماعات، واحدهم ملأ ؛ ولا يكون الملأ إلا رجالا لا امرأة فيهم.وهو مقصور مهموز، وربما ترك همزه في الشعر.قال حسان:

ودونك فاعلمْ أن نَقْضَ عُهودنا. . . . . . . .أبَاه المَلاَ منَّا الذين تبايعوا

أبَاه البَراء وابن عمرو كلاهما. . . . . . . .وأسعدُ يأباه عليك ورافعُ

وقال أبو عبيدة: الملأ الرؤساء والأشداء.قال الله عز وجل: ( ألم تَرَ إلى الملإ من بني إسرائيلَ ).وجاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلا من الأنصار يقول بعد انصرافه من بدر: ( إنما قتلنا عجائز ثلعا )، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( أولئك أملاء قريش لو احتضرت فعالهم احتقرت فعالك مع فعالهم ).والملأ: الخلق، مقصور مهموز.ويقال: ( أحسنوا أملاءكم )، أي أخلاقكم.قال الشاعر:

تنادوا يالَ بُهثَةَ إذْ رأونَا. . . . . . . .فقلنا أحسنوا مَلأ جُهَينا

يريد: خلقا.ويروى: ( أحسنى ).ويقال تمالوا، من قولك: تمالوا عليه، أي اجتمعوا عليه وتظافروا.قال الشاعر:

فإن تك خيراً تحسبوا مَلأً به. . . . . . . .وإن يك شراًّ تشربوه تحاسيا

والملا: ما اتسع من الارض واستوى، مقصور غير مهموز، ويكتب بالألف والياء، والالف أجود.قال الشاعر:

ألا غنّياني وارفعا الصَّوت بالملا. . . . . . . .فإنّ الملا عندي يَزِيدُ المَدَى بُعْدا

وقال تأبط شرا:

ولكنني أروِى من الخَمر هامتي. . . . . . . .وأمضِى المَلاَ بالصاحب المتبدّلِ

وأيما نصب بأردتم، وما صلة، كأنه قال: أي خطة أردتم.ومعنى أي الجزاء، والفاء جواب الجزاء، وتمشى مرتفع في اللفظ بالياء، ومنتصب في التأويل على الحال من الهاء، والأملاء رفع بتمشي.

( إِنْ نَبَشْتُمْ ما بينَ مِلْحَةَ فالصَّا

قِبِ فيه الأَمواتُ والأَحياءُ )

قوله ( إن نبشتم ) معناه أن أثرتم ما كان بيننا وبينكم من القتل في الوقَعات التي كانت بين ملحة فالصاقبِ، ظهرَ عليكم ما تكرهون من قتلَى قتَلْنا لم تدركوا بثأرهم.والتقدير فيه: أن نبشتم ما بين أهل ملحة فأهل الصاقب، فحذف الأهل وأقام ملحة والصاقب مقامهم.وملحة: مكان.والصَّاقب: جبل.والصاقب في غير هذا الموضع: الملاصِق.قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( الجار أحقَّ بصَقبَه )، أي مُلاصِقيه.وقال الشاعر في حَمَام:

يَهجْن على ذي الشَّوق مكنونَ عَبرةٍ. . . . . . . .فدمعُ الهوى يستنُّ بالخيب ساكبه

وما ذاك إلاّ من جميعٍ تقرّقتْ. . . . . . . .بهم نيَّةٌ هاجتْ هوىً ما يصاقبُه

قوله ( فيه الأموات والأحياء ) معناه: في هذا النَّبش والأمر الذي يثيرونه موتى قد ذهبوا ونسوا ومات امرهم، وفيه أحياء قد بقوا حديث أمرهم، ففي إثارة ذلك ما يعرف فضلنا عليكم وادعاءكم علينا الباطل.وأراد بقوله ( فيه الأموات )، أي ملحة والصاقب، فاكتفى بإعادة الذكر على أحدهما.وأنشد أبو العباس عن ابن الأعرابي:

يا ابن التي ادعى أنها عكل تقف. . . . . . . .لتعلمن اليومَ أن لم تنصرفْ

أن اللئيمَ والكريمَ مختلفْ

أراد: مختلفان، فاكتفى بأحدهما.ويروى: ( والصاقب ) بالرفع، والرافع له عود الهاء عليه، وهو حينئذ مستأنف والواو التي فيه واو الحال.ومن خفضه أضمر الواو مع في وأراد: وفيه الأموات، أي وهذه حاله، كما تقول: لقيت عبد الله والشمس طالعة عليه، ولقيته الشمس طالعة عليه.وكذلك تقول: ما رأيت عالما إلا وأبوك أفضل منه، وإن شئت قلت: إلا أبوك أفضل منه.أنشد الفراء في إظهار الواو:

أما قريش فلن تلقاهم أبداً. . . . . . . .إلا وهمْ خيرُ من يَحفَى وينتعلُ

وأنشد أيضا في إظهارها:

إذا ما ستورُ البيت أرخِينَ لم يكنْ. . . . . . . .سراجٌ لنا إلاّ ووجهُك أنوَرُ

وأنشد في إضمارها:

وما مسَّ كفىِّ من يدٍ طاب ريحُها. . . . . . . .من الناس إلاّ ريحُ كفك أطيبُ

أراد: ألا وريح كفك أطيب.وأنشدنا أيضا الأصمعي في إضمارها:

لقد علمتْ لا أبعَثُ العَبْد بالقِرى. . . . . . . .إلى القوم إلاّ أكرمُ القوم حاملهُ

أراد: وإلا أكرم القوم، فأضمر الواو.وما ينتصب بنبشتم، وتأويله: أن أثرتم الأمر الذي بين ملحة.وجواب الجزاء محذوف لوضوح معناه.كأنه قال: أن نبشتم هذا هلكتم.وإن شئت كان الجواب الفاء التي في البيت الثاني، لأن النقش يضارع معنى النبش.وملحة خفض ببين، إلا أنها لا تُجرى.والصاقب نسق عليها، والأموات رفع بفي.

( أَوْ نقَشْتُمْ فالنَّقْشُ تَجشَمُه النا. . . . . . . .سُ وفيه الصَّلاَحُ والإِبراءُ )

ويروى: ( وفيه السقام ) ويروى: ( وفيه الضجاج، ويروى: ( وفيه الضجلج )، ويروى: ( وفيه الإصلاح ).ويروى: ( إن نقشتم ).والتأويل أن استقصيتم فالاستقصاء يتجشمه الناس ويتكلفونه.يقال: قد جشمتك لقاء فلان ؛ أي كلفتكه.قال الشاعر:

فما أجشمتُ من إتيان قومٍ. . . . . . . .هم الأعداءُ والأكباد سُودُ

وفي الاستقصاء صلاح، أي انكشاف للأمر.يقول: أن استقصيتم صرتم من ذلك إلى ما تكرهون.ومن روى: ( وفيه السقام )، أراد: وفي الناس سقام وبراءة، أي لا تأمنوا أن استقصيتم أن يكون السقام فيكم - وسقمهم أن يكونوا قتلوا أو قهروا فلم يثأر بهم ولم يطلب بثأرهم - وعسى أن يكون الإبراء منا فيستبين ذلك للناس ويصير عاره عليكم في الاستقصاء والنقش، فتركه خير فما راحتكم فيه.وقال أبو عبيد: لا أحسب نقش الشوكة من الرجل إلا من هذا، وهو استخراجها حتى لا يترك في الجسد منها شيء.قال الشاعر:

لا تنقُشَنَّ برجلِ غيرِك شوكةً. . . . . . . .فتقَي برجلك رجلَ مَن قد شاكَها )

يريد: رجل من قد دخل في الشوك.يقال: شكت الشوك فأنا أشاكه، إذا دخلت فيه.فإذا أردت إنه أصابك قلت: قد شاكني فهو يشوكني شوكا.وإنما سمى المنقاش منقاشا لأنه ينقش به، أي يستخرج به الشوك.ويقال: انتقشت من الرجل جميع حقي، أي استخرجته منه.وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( من نوقش في الحساب عذب )، أي من استقصى عليه.والنقش رفع بما عاد من الهاء، والناس مرتفعون بفعلهم، والواو في الصلاح واو حال، والصلاح رفع بفي، والأبراء نسق عليه.

( أَوْ سَكَتُّم عنَّا فكنَّا كمَنْ أَغْ

مَضَ عَيْناً في جَفْنها أَقذاءُ )

معناه: أن نبشتم على أنفسكم ما قد غاب عن الناس بادعائكم غير الحق خرج عليكم من ذلك ما تكرهون، وان سكتم عنا فلم تستقصوا كنا نحن وانتم عند الناس في علمهم بنا سواء، وكان أسلم لنا ولكم، على أنا نسكت ونغمض عينا على ما فيها منكم.وهذا مثل.و ( القذى ): شيء يسقط في العين.ويقال: عين قذية.ويروى:

. . . . . .فكنَّا جميعاً. . . . . . . .مثلَ عينٍ في جفنْها أقذاء

ويروى:

أبعدوا في المَدَى وكونوا كمن أغ

مض عيناً. . . . . .

أي ابلغوا غايتكم.أنشدنا أبو العباس لأبي صخر:

فيا حبَّ ليلى قد بلغتً بَي المدَى. . . . . . . .وزدتَ على ما ليسَ يبلغُه الهجرُ

أراد: الغاية.و ( الأجفان ): أغطية العينين.والأشفار: حروف الأجفان التي فيها الشعر، والشعر يقال له الهدب.والكاف خبر الكون، وأغمض عينا صلة من، وفي جفنها أقذاء صلة العين، والهاء تعود على العين، والأقذاء رفع بالصلة.

( أَو مَنَعتم ما تُسأَلُونَ فَمَنْ حُ

دِّثتموهُ لَهُ عَلينا العَلاَءُ )

معناه: أو منعتم ما تسألون من النصفة فيما كان بيننا وبينكم، فلأي شيء كان ذلك منكم مع ما تعرفون عن عزنا وامتناعنا.ثم قال: فمن حدثتموه له علينا العلاء، يقول: فمن بلغكم إنه اعتلانا في قديم الدهر فتطمعوا في ذلك منا.والعلاء من العلو والرفعة، بالعين غير معجمة.ويروى: ( الغلاء ) بالغين معجمة وهو الارتفاع أيضا، من قوله عز وجل: ( لا تَغْلُوا في دينكم غيرَ الحقّ ).وما نصب بمنعتم، وتسألون صلتها، والهاء المضمرة تعود عليها، ومن رفع بما عاد من الهاء في حدثتموه، والهاء الأولى اسم حدثتم، وما عاد من الهاء الثانية خبرها، والعلاء رفع باللام، وعلينا صلة العلاء وحدثتم وأنبئتم مشبه بظننتم، تنصب الاسم والخبر، فكأنه قال: فمن ظننتموه له علينا العلاء.

( هَلْ عَلِمتمْ أَيّامَ يُنْتَهَبُ النَّا

سُ غِواراً لكلِّ حَيٍّ عُوَاءُ )

قال الأصمعي: كانت العرب من نزار تملكهم الأكاسرة، وهم ملوك فارس، وتملَّك عليهم من شاءت، وكانت غسان تملكهم ملوك الروم، فلما غلب كسرى على بعض ما في يديه - وكان الذين غلبوه بني جفنة - غزا بنفسه قيصر، فضعف أمر كسرى، وغزا بعض العرب بعضا.و ( الغوار ): مصدر غاور القوم مغاورة وغوارا، إذا غار بعضهم على بعض.قوله ( لكل حي عواء )، أي صياح، مما ينزل بهم من الإغارة عليهم.قال الشاعر:

فإن يكُ شاعرٌ يَعوي فإني. . . . . . . .رأيتُ الكلبَ يقتلُه العُواءُ

أي الصياح.يقول: فنحن حين كان الناس هكذا لم يطمع فينا أحد من العرب لأنا أعزهم، وكنا يومئذ أمنع العرب، فلا تطمعوا انتم في ظلمنا وضررنا، فان لنا عزا دائما ثابتا.وقال أبو عبيدة في قوله ( أيام ينتهب الناس ) قال: هي أيام غزا فيروز الترك فأسروه، فضعف أمر ملك العرب، فجعلت بكر بن وائل تغير على القبائل، حتى أغارت على تميم فأصابت منهم أسرى وسبايا.والأيام نصب بعلمتم، وهي مضافة إلى ينتهب، وغواراُ نصب على المصدر، وعواء رفع باللام.ويروى: ( لكل حي لواء ).

( إِذْ رفَعْنا الجِمالَ من سَعَفِ البَح

رَينِ سَيراً حتَّى نَهَاها الحِسَاءُ )

قوله ( اذ رفعنا الجمال )، يخبر عن مغازيهم، أي قد أغرنا على من لقينا من الناس حتى انتهينا إلى النخل فاكتفى بالسعف من النخل، لأنه كما قال الجعدي:

كأنّ فاها إذا تُوُسِّنَ من. . . . . . . .طِيب مَشَمٍّ وحُسنِ مبتَسَمِ

ركِّب في السامِ والزَّبيب أقاح

يُّ كثيب تَنْدَى من الرّهَم

أراد: ركب في السام والخمر، واكتفى بالزبيب من الخمر لأنه من سببها والسام: عرق المعدن، وهو يضرب إلى السواد، فشبه اللثة به، يريد: هو يضرب إلى السواد.وشبه طيب ريقها بالخمر ثم مضينا نغير وننتهب، حتى انتهينا إلى الحستء.ومعنى ( نهاها ) كفها وحبسها.والحساء: جمع حسى البحر.والحسى: الماء الجاري.يقول: فلما بلغنا الحساء لم يكن وراءها مغار.ويروى: ( إذ ركبنا الجمال ).وإذ من صلة علمتم، والسير نصب على المصدر، والحساء رفع بفعلها.

( ثُمَّ مِلْنا عَلى تميمٍ فأَحرَمْ

نا وفينا بَنَاتُ مُرٍّ إِماءُ )

معناه: بلغنا الحساء ثم ملنا على تميم، فلما صرنا إلى بلادهم أحرمنا: دخلنا في الأشهر الحرم، فكففنا عن قتالهم.وفينا بنات مر إماء، يريد: قد سبيناهن قبل دخول الأشهر الحرم.ويروى: ( وفينا بنات قوم إماء ).يقال: أحرم الرجل، إذا دخل في الشهر الحرام.وقال ابن الأعرابي: تميم هو ابن مر، فأحرمنا معناه عففنا عنهم وفينا إماء لو شئنا وطئناهن، فكففنا عن قتالهم وفينا بناتهم إماء.ويقال: أحرم الرجل الشيء، إذا جعله على نفسه حراما.وحرمت الشيء أحرمه حرمانا.قال عبيد:

مَن يسألِ الناس يَحرِموهُ. . . . . . . .وسائلُ الله لا يخيبُ

وقال الآخر:

وأنبئتُها أحرمَتْ قومَها. . . . . . . .لتَنكِحَ في معشرٍ آخَرينا

أراد: حرمت قومها على نفسها.والبنات رفع بإماء، والإماء رفع بالبنات، والواو واو حال، كأنه قال: وبنات مر إماء فينا.

( لا يُقيمُ العَزيزُ في البَلَدِ السَّهْ

لِ ولا يَنْفَعُ الذَّليلَ النَّجاءُ )

يقول: لم يكن العزيز الممتنع يقدر أن يقيم بالبلد السهل ؛ لما فيه الناس من المغاورة والحيف والجهد، ولا ينفع الذليل النجاء، أي الهرب.يقول: إن هرب الذليل لم ينتفع بذلك.والرواية المعروفة: ( النَّجاء ) بفتح النون، ويروى ( النِّجاء ) بكسر النون على إنه جمع نجوة، فتجري مجرى قولهم نسوة ونساء، وركوة وركاء.و ( العزيز ): القاهر الغالب.قال جرير:

يَعُزُّ على الطَّريقِ بمنَكِبَيهِ. . . . . . . .كما ابتركَ الخَليعُ على القِداحِ

أراد: يغلب على الطريق.ويقال رجل ذليل بين الذل والذلة والمذلة.ودابة ذلول بينة الذل.قال الله عز وجل: ( واخفضْ لهما جناحَ الذِّلِّ من الرحمة ) بكسر الذال.قال الشاعر:

منه الحِباء سَديد هَدُيه حسن. . . . . . . .عند المصائب منه الذِّلُّ والنُّبُلُ

والعزيز رفع بيقيم، والنجاء رفع بينفع، والذليل نصب بوقوع الفعل عليه.

( ليس يُنْجِي مُوائلاً مِنْ حِذارٍ. . . . . . . .رأسُ طَودٍ وحَرَّةٌ رَجْلاءُ )

الموائل: الهارب طلبا للنجاة.يقال: وأل الرجل يئل، إذا نجا.قال الله عز وجل: ( بل لهم مَوعدٌ لن يَجِدوا من دونه مَوئلاً )، أراد: منجي.قال الشاعر:

فإنْ لم أعوِّد نفسِيَ الكرَّ بعدَها. . . . . . . .فلا وألتْ نفسٌ عليك تحاذرُ

معناه: فلا نجت.وقال الآخر:

كانوا جَمالاً للجميع وموئلاً. . . . . . . .للخائفين وسادةً في النادي

و ( الحذار ): ما يخاف ويحاذر، وهو مصدر حاذر حذارا.قال حاتم طي:

ولست بحازنٍ لغدٍ طعاما. . . . . . . .حِذارَ غدٍ لكلِّ غدٍ طعامُ

و ( الحرة ) من الأرض: التي جبالها وحجارتها سود.و ( الرجلاء ) فيها قولان: قال بعضهم: هي حجارة سود وما يلي الجبل أبيض، وهي مع ذلك صعبية شديدة.وقال آخرون: الرجلاء التي يرتجل الناس فيها لشدتها.واسم ليس مضمر فيها مجهول كأنه قال: ليس الأمر وليس الشأن، والجملة التي بعد ليس خبرها.ويجوز أن يكون رأس طود اسم ليس وينجي خبرها.ويجوز أن تكون ليس في مذهب ( ما ) فتستغني عن الاسم والخبر، ويرتفع رأس طود بينجي.ويحكى عن العرب: ليس الطيب إلا المسك، معناه ما الطيب إلا المسك.وقال الشاعر:

هي الشفاءُ لدائي لو تَجودُ به. . . . . . . .وليس منها شفاءُ الدَّاء مبذولُ

فيجوز أن يكون في ليس مجهول، ويجوز أن يكون ليس في معنى ما.والشفاء رفع بمبذول، ومبذول به.والحرة نسق على رأس، ورجلاء نعتها.ويروى:

ليس يُنجى الذي يُوائل منَّا

( فمَلَكْنا بذلِكَ النَّاسَ حتَّى. . . . . . . .مَلَك المنذِرُ بنُ ماءِ السَّماءِ )

قال أبو محمد التوزي: سمعت الأصمعي يروي هذا البيت سنة ثمانين ومائة، قال: وأنا سألته عنه وقال الأصمعي: أنشدني هذا البيت حرد بن المسمعي وقال: لا يضره إقواؤه، قد أقوى النابغة في قصيدته الدالية وعاب ذلك عليه أهل المدينة فلم يغيره، وإنما هذه القصيدة كانت شبيها بالخطبة، قام بها الحارث مرتجلا.والارتجال: الاقتراح والابتداء من ساعته.وأراد بإقواء النابغة قوله في:

زعمَ البوارحُ أن رحلتنا غدٌ. . . . . . . .وبذاك خبَّرنا الغرابُ الأسودُ

والقصيدة مخفوضة:

عجلانَ ذا زادٍ وغير مزوَّدِ

وأقوى في موضع آخر فقال:

يكاد من اللَّطافة يُعقَدُ

وقال أبو الحسن الأثرم ويعقوب بن السكيت: لا يتم معنى ( وهو الرب والشهيد ) إلا بهذا البيت الذي أقوى فيه.والناس نصب بملكنا، والمنذر رفع بملك، والابن نعته.وإنما قيل له ماء السماء لأنه شبه عموم نفعه بعموم ماء المطر.

( وهو الرَّبُّ والشَّهِيدُ على يَوْ

مِ الحِيَارَينِ والبَلاءُ بَلاءُ )

والرب عني به المنذر بن ماء السماء.يخبر إنه قد شهدهم في هذين اليومين فعلم فيه صنيعهم وبلاءهم الذي أبلوا.وكان المنذر بن ماء السماء غزا أهل الحيارين ومعه بنو يشكر فأبلوا بلاء حسنا.و ( البلاء بلاء ) معناه: والبلاء شديد.فيجوز أن يكون البلاء من البلية، ويجوز أن يكون البلاء من الإبلاء والإنعام، كما قال:

فما من بلاءٍ صالحٍ أو تكرُّمِ. . . . . . . .ولا سُودَدٍ إلاّ له عندنا أصلُ

والرب في هذا الموضع: السيد.قال الله جل ذكره: ( فيَسقي ربَّه خَمْراً ) أراد: فيسقى سيده.والرب: المالك، يقال ربني فلان يربني ربا، أي ملكني.والرب أيضا: الإصلاح، من قولهم: أديم مربوب، أي مصلح.وفي الرب لغتان: رب بتشديد الباء، ورب بتخفيفها.أنشد الفراء:

وقد علم الأقوامُ أن ليس فوقه. . . . . . . .ربٌ غير من يُعطى الحظوظ ويَخلُقُ

والحياران: بلدان.ورواه ابن الأعرابي: ( يوم الحوارين ).والرب رفع بهو، والشهيد نسق عليه، ومعناه الشاهد، كما تقول عليم وعالم.وعلى صلة شهيد، والبلاء الأول رفع.

( مَلِكٌ أَضلَعُ البِريَّةِ لا يُو. . . . . . . .جَدُ فيها لِمَا لدَيْهِ كِفاءُ )

معناه: ليس في البرية أحد يضطلع من الأمور بمثل ما يضطلع، أي يحتمل مثل الذي يحتمل المنذر من الأمور الثقيلة.ويقال رجل ضليع، إذا كان كثير اللحم عظيم الجسم.وقوله ( لا يوجد فيها لما لديه كفاء )، معناه ليس في البرية أحد يكافئه ولا يستطيع أن يصنع مثل ما يصنع من الخير.يقال: كافأت الرجل أكافئه مكافأة وكفاء.والملك يرتفع بإضمار هو.وأضلع البرية نعته.والبرية فيها لغتان: الهمز وترك الهمز، فمن همزها أخذها من برأ الله تعالى الخلق، أي خلقهم، كما قال الشاعر:

وكلُّ نفسٍ على سلامتها. . . . . . . .يميتُها اللهُ ثم يُبرئُها

فبنى فعيلة من ذلك.ومن لم يهمزها كان له مذهبان: أحدهما أن يقول: هي فعيلة من بريت أبرى.والوجه الآخر أن يقول: هي فعيلة من برأ الله الخلق، بنيت على ترك الهمز، كما بنيت الخابية على ذلك، وهي من خبأت.والكفاء رفع بيوجد وهو اسم ما لم يسم فاعله، وفي صلة يوجد وكذلك اللام، ولديه صلة ما، وما فيها يعود على ما.

( فَاتْرُكُوا البَغْيَ والتَّعدِّي وإِمّا. . . . . . . .تَتعَاشَوْا ففي التَّعاشِي الدَّاءُ )

ويروى: ( الطيخ ).والطيخ: الكلام القبيح.ويقال رجل طيلخة، إذا كان مستعملا ذلك.ويقال: الطيخ: الكبر والعظمة.ويقال: طاخ يطيخ طيخا.و ( التعاشى ): التعامي.يقال: تعاشى يتعاشى تعاشيا.وقد عشى يعشى عشىً.ويقال: أوطأتك العِشوة والعَشوة والعُشوة، إذا خبَّرتك بما لم يكن.ويقال: عشوت أعشو عشوا، إذا نظرت نظرا ضعيفا.قال الله عز وجل: ( ومن يَعْشُ عن ذِكر الرحمن ).وأنشدنا الفراء:

متَى تأتِه تَعْشُو إلى ضوءِ نارِه. . . . . . . .تجدْ خير نار عندها خيرُ مُوقدِ

ومعنى البيت: أن تتجاهلوا ففي ذلك الهلاك.أي اتركوا القول القبيح والتعامي عن أيامنا، فإنكم أن تعاميتم وألجأتمونا إلى الإخبار صرتم إلى ما تكرهون، وذلك إلزامكم.والتعدي منصوب لأنه نسق على الطيخ، وأسكنت الياء، وحقها أن تفتح، على لغة الذين يقولون رأيت قاضيك بإسكان الياء.والتعدي وزنه من الفعل التفعل، أصله التعدو، فلما وقعت الواو طرفا وانضم ما قبلها ردت إلى الياء، والضمة التي قبلها إلى الكسرة.وأما حرف جزاء، وما صلة، والفاء جواب الجزاء، والداء رفع بقوله ففي التعاشي.ويروى: ( فاتركوا الطيخ والضلال وإما ).

( واذكُروا حِلْفَ ذي المَجَازِ وماقُ

دِّمَ فيه العُهودُ والكُفلاءُ )

و ( ذو المجاز ): موضع بمكة المكرمة.قالبشر بن أبي خازم:

وكان مَقامُنا ندعُو عليهم. . . . . . . .بأبطح ذي المجاز له أثامُ

وهو الموضع الذي أخذ عمرو بن هند الملك على تغلب وبكر العهود والمواثيق، وأصلح فيه بين الحيين وأخذ منهم رهنا من أبنائهم، من كل حي ثمانين رجلا، فلذلك قوله ( وما قدم فيه العهود ).وواحد الكفلاء كفيل وكافل.ويقال: كفلت الرجل وكفلته وكفلت بالرجل.قال الله عز وجل: ( وكفَلها زكريَّا )، وقرأ بعضهم: ( وكَفِلَها ) بالكسر.وموضع ما نصب بالنسق على الحلف، والعهود رفع بقدم، والكفلاء نسق عليها.

( حَذَرَ الخَوْنِ والتَّعدِّي وهَلْ يَنْ

قُضُ ما في المَهَارقِ الأَهواءُ )

ويروى: ( حذر الجور ).والخون من الخيانة، والتعدي من الاعتداء.والمهارق: الصحف، واحدها مهرق.قال الأصمعي: المهرق فارسي في الأصل، وهو في كلام الفرس ( مهره كرد )، أي المصقول.وقوله ( وهل ينقض ما في المهارق الأهواء )، معناه: فإن كانت أهواؤكم زينت لكم الغدر والخيانة بعدما تحالفنا وتعاقدنا فكيف تصنعون بما في الصحف مكتوب عليكم، من العهود والمواثيق والبينات، فيما علينا وعليكم ؛ وذلك لا ينقضه شيء.ويروى: ( ولن ينقض ).وكذلك معنى هل الجحد.والحذر نصب على المصدر، والأهواء رفع بينقض، وما نصب بينقض، وفي صلة ما.

( واعْلمُوا أَنَّنا وإِيّاكمُ في

مَا اشْتَرَطْنا يومَ اخْتلَفْنا سَواءُ )

ويروى: ( يوم اختلفنا فيما اشترطنا سواء ).والمعنى: كان من أشراطنا وتحالفنا إنه لا يجنى أحد من العرب اليكم جناية ولا إلى غيركم إلا كانت تلك الجناية علينا ونحن المأخوذون بها دون أصحابها، واشترطتم علينا مثل ذلك.يقول: فنحن وأنتم في هذه العهود والمواثيق سواء.وان كفت من اسم العلم وخبره.

( أَعَلَيْنا جُناحُ كِنْدَةَ أن يَغْ

نَم غَازِيهمُ ومِنَّا الجزاءُ )

قال الأصمعي: كانت كندة كسرت خراجها على الملك، فبعث إليهم رجالا من بني تغلب فقتلوا فيهم وأسروا.فيقول: أن كانت كندة فعلت هذا بكم فلم تقدروا أن تمنعوا وتأخذوا بثأركم منهم، فعلينا تريدون أن تحملوا ذنبهم وجنايتهم إليكم.أي أتغنم كندة فيكم ويكون جناح ما صنعوا علينا.و ( الجناح ): الإثم، وهو رفع، وكندة نصب وهو في موضع خفض، وإن نصب بفقد الخافض، والغازي رفع بيغنم، والجزاء رفع بمن.

( أَم عَلَينا جَرَّى حِنيفةَ أو ما. . . . . . . .جمَّعَتْ من مُحاربٍ غَبْراءُ )

معناه: هل علينا في العهود والمواثيق التي أخذتموها علينا أن تأخذونا بذنوب حنيفة وما أذنبت لصوص محارب.و ( الغبراء ): الصعاليك، وهم الفقراء.قال طرفة:

رأيتُ بني غبراءَ لا يُنكرونني. . . . . . . .ولا أهلُ هذاكَ الطرافِ الممدّدِ

وجاء في الحديث: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم ليستفتح بصعاليك المجاهدين )، أي يفتتح القتال بهم تيمنا.وكان من حديث حنيفة التي ذكرها: أن شمر بن عمرو الحنفي، وهو أحد بني سحيم، لما غزا المنذر بن ماء السماء غسان، وكان أم شمر غسانية، فخرج يتوصل بجيش المنذر بن ماء السماء، يريد أن يلحق بالحارث بن جبلة الغساني، فلما دنا من الشام سار حتى لحق بالحارث بن جبلة، فقال له شمر بن عمرو: أتاك مالا تطيق ! فندب الحارث بن جبلة مائة رجل من أصحابه، وجعلهم تحت لواء شمر بن عمرو الحنفي، ثم قال: سر حتى تلحق بالمنذر بن ماء السماء وتقول: إنا معطوه ما يريد وينصرف عنا.فإذا وجدتم منه غرة فاحملوا عليه.فخرج شمر ابن عمرو يسير في أصحابه حتى أتى عسكر المنذر، فدخل عليه فأخبره برسالة الحارث بن جبلة، فركن إلى قوله، واستبشر أهل العسكر وغفلوا بعض الغفلة، فحمل الحنفي عليه بالسيف فضرب يافوخه وسال دماغه، ومات من الضربة مكانه، وقتلوا بعض من كان حول القبة، وتفرق أصحاب المقتول، فقال أوس بن حجر في ذلك:

نبّئت أن بني سُحيمٍ أدخلوا. . . . . . . .أبْياتَهمْ تامورَ نفْسِ المُنذرِ

والتامور: دم القلب.وقال بعض أهل اللغة: إنما قيل لهم غبراء لأنهم أخلاط من كل ضرب.وقال آخرون: الغبراء: قوم يجتمعون فيتناهدون.ويقال إنما قيل للفقراء بني غبراء، لأن الفقر ألصقهم بالأرض.والغبراء: الأرض، ويقال: الغبراء: السنة الشديدة، وهو يرجع إلى معنى الفقر.وجرى رفع بعلى، وما نسق على جرى، وغبراء رفع بفعلها.

( أَمْ جَنَايا بَنى عَتيقٍ فَمنْ يَغْ

دِرْ فإِنّا مِن حَربِهِمْ بُرآءُ )

ويروى: ( إنا من حربهم لبراء ).ومن العرب من يقول: فلان براء منك، ولا يثنيه ولا يجمعه ولا يؤنقه.قال الله عز وجل: ( إني براءٌ مما تعبدون ).ومنهم من يقول: القوم براء منكم، ومنهم من يكسر الباء فيقول: القوم براء، على مثال ظراف.قال الشاعر:

فإنّ أباكم الأدنى أبوكم. . . . . . . .وإنَّ صدورهم لكم بِراءُ

والجنايا رفع بالنسق على جرى، ومن رفع بما في يغدر، وبراء خبر إن، ومن صلة برآء، ويروى: ( فإنا من غدرهم بُرآء ).

( أَم عَلينا جَرَّى العِبادِ كما نِي

طَ بجَوْزِ المحمَّلِ الأَعباءُ )

معناه: أن بعض العباد، وهم العباديون، أصابوا في بني تغلب دماء فلم يدرك بنو تغلب بثأرهم منهم، فيقول: تريدون أن تحملوا علينا ذنوب هؤلاء وتعلقوها عليما كما عُلَّق بوسط البعير الأثقال.و ( نيط ) معناه علِّق.و ( الجوز ): الوسط، وجمعه أجواز.أنشد الفراء:

فهي تنوشُ الحوضَ نَوشاً مِن عَلا. . . . . . . .نَوشاً به تقطع أجوازَ الفلا

و ( المحمل ): البعير.و ( الأعباء ): جمع عبء، وهو الثقل.والكاف في موضع نصب، والأعباء اسم ما لم يسم فاعله.

( أَم عَلَينا جَرَّى قُضاعةَ أَمْ لَيْ

سَ علينا ممَّا جنوْا أَنداءُ )

هذا تعبير منه لبنى تغلب لما فعلت قضاعة.يقول: أفعلينا ما جنت قضاعة ؟ وذلك أن قضاعة غزت بني تغلب فقتلوا فيهم وسبوا.فيقول: أفتريدون أن تحملوا علينا ذنوب هؤلاء الذين أذنبوها إليكم، وليس علينا فيما جنوا أنداء.يريد: ليس يندانا مما جنوا شيءهذا كله تعيير منه لبني تغلب، وعمرو بن كلثوم يسمع.والأنداء اسم ليس، واحدها ندى، وعلينا خبر.

( لَيْسَ مِنَّا المضرَّبُونَ ولا قَيْ

سٌ ولاَ جَنْدَلٌ ولا الحَدَّاءُ )

هؤلاء قوم من بني تغلب ضربوا بالسيوف فعيرهم بهم.والحداء: قبيلة من ربيعة، ويقال: هو رجل من ربيعة.والمضربون اسم ما لم يسم فاعله، والأسماء التي بعدهم نسَق عليهم.

( أَم عَلينا جرَّى إِيادِ كما قِي

لَ بطَسْمٍ أَخوكمُ الأَبَّاءُ )

معناه: أم علينا في العهد الذي كان بيننا وبينكم أن نؤاخذ بما جرت إياد.وقال هشام بن محمد الكلبي: كانت إياد بن نزار تنزل سنداد، وسنداد: نهر فيما بين الحيرة إلى الابلة، وكان عليه قصر يحج العرب اليه، وهو القصر الذي ذكره الأسود بن يعفر:

أرضُ الخورنق والسَّدير وبارقٍ. . . . . . . .والقصرُ ذو الشرفات من سِندادِ

قال: ولم يكن في نزار حي أكثر من إياد ولا أحسن وجوها ولا أمد أجساما، ولا أشد امتناعا.وكانوا لا يعطون الإتاوة - وهي الخراج - وكان من قوتهم أنهم أغاروا على امرأة لكسرى أنوشروان، فأخذوها وأموالاً لهم كثيرة، فجهز لهم كسرى الجيوش مرتين، كل ذلك تهزمهم إياد.ثم إنهم ارتحلوا حتى نزلوا الجزيرة، فوجه إليهم كسرى ستين ألفا، وكان لقيط بن معمر الإيادي ينزل الحيرة، فكتبَ إلى أياد وهو بالجزيرة:

سلامٌ في الصحيفة من لَقِيطٍ. . . . . . . .إلى مَنْ بالجزيرة من إيادِ

بأنَّ الليثَ كسرى قد أتاكم. . . . . . . .فلا يشغَلْكمُ سَوْقُ النِّقادِ

أتاكم منهمُ ستُّون ألفاً. . . . . . . .يزجُّون الكتائب كالجرادِ

على حَنَقٍ أتينَكمُ فهذا. . . . . . . .أوانُ هلاككم كهلاك عاد

فلما بلغ كتاب لقيط إيادا استعدوا لمحاربة الجنود الذي بعث بهم كسرى، فالتقوا فاقتتلوا قتالا شديدا، حتى رجعت الخيل وقد أصيب من الفريقين.ثم إنهم بعد ذلك اختلفوا فيما بينهم، وتفرقت جماعتهم، فلحقت طائفة منهم بالشام، وأقام الباقون بالحيرة.وقال الأصمعي: كان جديس وطسم أخوين، فكسرت جديس على الملك خراجها، فأخذت طسم بذنب جديس.يقول: فتريدون أن تحملوا علينا ذنوب الناس كما قيل لطسم: أن أخاكم كسر الخراج فنحن نأخذكم بذنبه.والأخ رفع بالأباء، وجملة الكلام اسم ما لم يسم فاعله.

( عَنَناً باطلاً وظُلماً كما تُع

تَرُ عن حَجرِة الرَّبيِض الظِّباءُ )

( عننا ) معناه اعتراضا.يقول: انتم تعترضون بنا اعترضا وتدعون الذنوب علينا، ظلما وميلا علينا.يقال عن يعن عنونا، إذا اعترض.وقوله ( تعتر )، العتر: الذبح.والعتيرة: الذبيحة، وهي ذبيحة كانوا يذبحونها في رجب لآلهتهم، يسمونها الرجبية.قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا فرعة ولا عتيرة ).فالفرعة: أول ولد تلدة الناقة، كانوا يذبحونها لآلهتهم.وجمعه فرع.ويقال: قد أفرع القوم، إذا فعلت إبلهم ذلك.ويقال: قد عتر يعتر عترا، إذا ذبح العتيرة.قال: زهير:

ثمّ استمرّ فأوفى رأسَ مرَقبة. . . . . . . .كصاحب العِتر دميَّ رأسَهُ النسُك

و ( الحجرة ): الحظيرة تتخذ للغنم.و ( الربيض ): جماعة الغنم.وكان الرجل من العرب ينذر نذرا على شائه إذا بلغت مائة أن يذبح عن كل عشرة منها شاة، وكانت تلك الذبائح تذبح في رجب، وكان ذلك واجبا عليهم في دينهم، فكان الرجل منهم إذا دخل رجب وقد بلغت شاؤه مائة، وبخل أن يذبح من غنمه شيئا، صاد الظباء وذبحها عن غنمه ؛ ليوفى بها نذره.فقال الحارث: أنتم تأخذوننا بذنوب غيرنا كما ذبح أولئك الظباء عن غنمهم.والحجرة: الناحية.يقال في المثل: ( تأكل وسطا وتربض حجرة ).والعتر نصب على المصدر، والكاف نصب له على النعت، وما مصدر.ويروى: ( عبثا باطلا شدوخا )، أي يشدخ الناس بشدته.

( وثَمانُونَ مِن تميمٍ بأَيدِي

همْ رِماحٌ صُدورهُنَّ القَضاءُ )

وثمانون من تميم، معناه أن عمرا أحد بني سعد بن زيد مناة بن تميم، خرج في ثمانين رجلا من بني تميم غازين، فأغار على ناس من بني تغلب يقال لهم بنو رزاح، كانوا ينزلون أرضا يقال لها نطاع، قريبة من اليمن، فقتل فيهم وأخذ أموالا كثيرة.وقوله ( صدورهن القضاء ) معناه الموت.والثمانون رفع بما عاد من الهاء والميم، والرماح رفع بالباء وما بعدها صلتها، والقضاء رفع بالصدور.

( لم يُخَلُّوا بني رِزاحٍ ببَرقا. . . . . . . .ءِ نِطاعٍ لهمْ عليهمْ دُعاءُ )

ورواه أبو العباس: ( ببرقاء ).نصب برقاء لأنها لا تجري لمدة التأنيث.ونطاع، نعت برقاء.ومن رواه ببرقاء نطاع، قال: كل ما لا يجرى إذا أضيف جرى.( لهم عليهم دعاء ): يدعون الله تعالى عليهم.

( تَرَكُوهمْ مُلحَّبِينَ فَآبُوا. . . . . . . .بِنِهابٍ يَصَمُّ فيه الحُدَاءُ )

ويروى: ( يصم منه الحداء ).قوله ( ملحبين ): مقطعين بالسيوف.و ( آبوا ): رجعوا.وقوله ( بنهاب )، معناه ما انتهبوا من أموال بني رزاح.وقوله ( يصم فيه الحداء ) معناه أن الإبل والمواشي التي أخذت من بني رزاح لها جلبة ورغاء، فجلبتها أكثر من أن يسمع فيها الحداء.وملحبين نصب على الحال من الهاء والميم، والحداء رفع بيصم.ويروى: ( يُصم ) أي يصادف قوما صما.يقال أصممتهم، إذا صادفتهم صما.

( وأَتَوهُمْ يَسترَجعون فلم تَر. . . . . . . .جِعْ لهُمْ شامَةٌ ولا زَهراءُ )

ويروى: ( ثم آبوا يسترجعون )، أي رجعت بنو رزاح وقد اجتمعوا إلى بني تميم يسترجعون ما أخذوا منهم.فلم يرجع لهم شامة ولا زهراء، أي رجعوا خائبين ولم يرجعوا بناقة سوداء ولا بيضاء.ويكون في الغنم وغير الغنم.والشامة سوداء والزهراء بيضاء.ويروى: ( ولا غبراء )، أي ما ليس بخالص البياض.والشامة رفع بيرجع، والزهراء نسق عليها.

( ثُمَّ فاءُوا مِنهمْ بقاصِمَة ال

ظَّهرِ ولا يَبْرُدُ الغليلَ الماءُ )

ثم فاءوا: رجعوا، يعنى بني رزاح ومن حشد معهم من بني تغلب وغيرهم.فرجعوا بقاصمة الظهر، أي قصمت بنو تميم ظهورهم، حيث ساقوا أموالهم وتبعوهم فلم يصلوا إلى شيء مما أخذ منهم، فرجعوا خائبين.وقوله ( ولا يبرد الغليل الماء ) معناه الذي في صدورهم من الحزن والبلاء الذي نزل بهم لا يبرده الماء، أي لا يسكنه.والغليل: الحرارة التي تكون في الصدر.ويروى: ( ولا يبرد الصدور الماء )، أي لما فيها من عظيم الحرارة.والقاصمة: الكاسرة.والتأويل: رجعوا بداهية تكسر الظهر.والباء صلة فاءوا، والماء رفع بيبرد، والغليل نصب به.

( ثُمَّ خيلٌ من بَعْدِ ذاك مع الغَ

لاّقِ لا رأْفةٌ ولا إِبقاءُ )

يريد: غزتكم بعد بني تميم خيل من الغلاق.( لا رأفة )، يقول: ليس لأصحاب الغلاق رأفة بكم ولا إبقاء عليكم.والغلاق: رجل من بني يربوع بن حنظلة، من تميم، كان على هجائن النعمان بن المنذر الأكبر، وكان أغار على بني تغلب فقتل فيهم.والخيل رفع بما عاد من المضمر، معناه: لا عندهم رأفة، والرأفة رفع بالصفة.

( ما أَصَابُوا مِن تَغْلَبيٍّ فمطْلُو

لٌ، عَلْيهِ إذا توَلَّى العَفَاءُ )

ويروى: ( إذا أصبنا العفاء ).يقول جاءكم الغلاق ومن معه بحرد وغيظ وأصابوا فيكم، فكل من أصابوا من بني تغلب فقد طل دمه، أي أهدر دمه ليس له من ينتصر له.قال أبو عبيد: كان أبو عبيدة يقول: فيه ثلاث لغات: طل دمه طلا وطلولا، وطل دمه، وأطل دمه إطلالا.وقال أبو زيد: قد طل دم فلان الحاكم، إذا أبطله.وقوله ( عليه إذا تولى العفاء ) هذا دعاء عليه.يريد: فعلى دمه العفاء.والعفاء: الدروس في هذا الموضع.يقال: عفا الله أثرك يعفوه، أي محاه.ويقال: قد عفا الرسم، إذا درس.وهذا كله تعيير لبني تغلب.وموضع ما نصب بأصابوا، ومعناها الجزاء، والفاء جواب الجزاء، ومطلول رفع بإضمار هو، والعفاء رفع بعليه.

( كتَكالِيفِ قَومِنَا إِذْ غَزَا المنْ

ذِرُ هَلْ لابنِ هِندٍ رِعاءُ )

التكاليف من التكلُّف، يعير بني تغلب.وذلك إنه لما قتل المنذر بن ماء السماء انحازت طائفة من بني تغلب عنه، وقالوا: لا نعطي أحدا من ولده طاعة ! فلما ولي عمرو بن هند - وهو عمرو بن المنذر بن ماء السماء، وكانت أمه هند بنت عمرو بن حجر بن الحارث آكل المرار - بعث إلى الذين انحازوا عن أبيه من بني تغلب يدعوهم إلى الرجوع إلى طاعته والى الغزو معه، فأبوا أن يجيبوه وقالوا: مالنا نغزو معك، أرعاء نحن لك ! فإنما حكى الحارث في قوله ( هل نحن لابن هند رعاء ) قول بني تغلب.فغضب عمرو بن هند عند ذلك، وأراد أن يغزو غسان يطلب دم أبيه، فبعث في أهل مملكته فاستنفرهم، فنفر معه من كل حي جماعة، وبكر بن وائل، وقوم من بني تغلب، فلما اجتمع له ما أراد من عشائر العرب رأس عليهم أخاه النعمان بن المنذر، وأمره أن يغزو غسان ويجعل أول غزوته على الذين خالفوه من بني تغلب.وقال بعض الرواة: كان عمرو بن هند غزا واستخلف أخاه النعمان، فمر ببني تغلب فقتل قوما ممن خالفه، فلذلك قال الحارث بن حازة في البيت الأول:

ما أصابوا من تغلبي فمطلو

لٌ، عليه إذا تولَّى العَفاءُ

ثم قال: ( كتكاليف قومنا ) يقول: كما كلفوا أن يرجعوا إلى عمرو بن هند فقالوا: لا نرجع.فجعل أول غزاة عليهم، فقتل من قتل منهم فطلت دماؤهم، فعيرهم الحارث بقتل الغلاق إياهم، فطُلت دماء من قُتل منهم، كما طُلت دماء هؤلاء الذين قتل عمرو أيضا حين كلفوا الطاعة فأبوا.ثم أن عمرو بن هند لما فرغ من بني تغلب أقبل يريد الغسانيين، فمر ببعض مدن الشام فقتل ملكا من ملوكهم، وأخذ بنتا له وكان اسمها ميسون، واستنقذ أخاه امرأ القيس بن المنذر بن ماء السماء، وكان أسر يوم قتل المنذر بن ماء السماء.والكاف معناه مثل، والرعاء رفع بنحن.

( إِذْ أَحَلَّ العَلاةَ قُبّةَ مَيْسو

نَ فأّدنَى دِيارِها العَوصاءُ )

ويروى: ( إذ أحل العلياء قبة ميسون ).وميسون: بنت الغساني التي قتل أباها وأخذها وقبتها وقدم بها.والمعنى: لما قدم عمرو بن هند بميسون الغسانية وقد قتل أباها أنزلها العلياء.والعلياء: ارض قريبة من العوصاء.والعوصاء: ارض اقرب دار، أنزلها عمرو بميسون حين أخرجها من الشام.ويقال: قد أحل الرجل منزل، إذا أنزله فيه.وهو من قول الله عز وجل: ( الذي أحَلَّنا دارَ المُقَامة ).وقد حل الرجل يحل حلولا.وإذ معناه لما أحل المنذر العلاة قبة ميسون.وأدنى رفع بالعوصاء، والعوصاء به.

( فتأَوَّتْ لهم قَراضِبَةٌ مِنْ. . . . . . . .كُلِّ حَيٍّ كأَنَّهُمْ أَلقاءُ )

ويروى: ( فتأوت له قراضبة )، تأوت: اجتمعت حين دعاهم إلى الغزو.والقراضبة: الصعاليك، وهم الفقراء، واحدهم قرضوب، ويقال قرضاب أيضا.وقوله ( كأنهم ألقاء )، واحد الألقاء لقي، وهو الشيء المطروح الذي لا يكترث به.واللقى من الرجال: الخامل الذي لا يعرف، فذكره مطروح ملقى.ويقال لثياب المحرم إذا ألقاها عند فراغه من الحج: لقي وألقاء.وقال بعض الرواة: الألقاء: جمع لقوة، وهي العُقاب.والقول الأول هو الذي نختاره.ومن صلة تأوت.والألقاء خبر كأن، وهو ممدود واحده مقصور يكتب بالياء.

( فَهَداهُمْ بالأَسودَينِ وأَمْرُ اللّ

ه بِلْغٌ يَشْقَى به الأَشقياءُ )

معناه: هدى عمرو بن هند أصحابه وجمعهم حين غزا بهم، و ( الأسودان ): التمر والماء، وإنما قيل لهما أسودان وواحدهما ابيض لأن العرب تغلب أحد الاسمين على الآخر.من ذلك قولهم: سنة العمرين، يريدون أبا بكر وعمر رضي الله سبحانه عنهما.والموصلان يريدون الموصل والجزيرة.والبصرتان: البصرة والكوفة.والقمران الشمس والقمر.وقال بعضهم: الأسودان: الليل والنهار.وقال آخرون: الأسودان: رجلان والأبيضان: الماء واللبن.قال الشاعر:

ولكنه يأتي لَي الحولُ كاملاً. . . . . . . .وماليَ إلاّ الأبيضَينِ شرابُ

وقوله ( وأمر الله بلغ )، معناه بالغ بالسعادة والشقاء، فمن كان سعيدا بلغته السعادة، ومن كان شقيا بلغه الشقاء فيشقى به.وقال الحرمازي: بلغ معناه نافذ يبلغ حيث يشاءوالأمر رفع ببلغ، ويشقى موضعه رفع في التأويل على الاتباع لبلغ، ويجوز أن يكون منصوبا على الحال مما في بلغ.

( إِذْ تَمَنَّوْنَهُمْ غُروراً فساقَتْ

هُمْ إِليكمْ أُمْنِيَّةٌ أَشْراءُ )

يقول: تمنيتم لقاءهم أشرا، أي بطرا، فساقتهم إليكم أمنية ذات أشر، أي ذات بطر.يقول لبني تغلب: تمنونهم، يعنى تمنون عمرو بن المنذر وأصحابه الذين تجمعوا له، وذلك أنكم قلتم: من عمرو ومن معه ؟ إنما معه قراضبة قد جمعوا له من كُلّ مكان لقتالنا، فليتنا قد لقيناهم فيعلم عمرو كيف نحن وهو.وهذا أمنيتهم.وإذ صلة هداهم، وغرورا نصب على المصدر، وتمنونهم مرفوع في اللفظ بالتاء، وإذ مضافة إليه في التأويل.

( لم يَغُرُّوكمُ غُرورا ولكنْ. . . . . . . .يَرفَعُ الآلُ جَمْعَهمْ والضَّحَاءُ )

ويروى: ( رفع الآل ).ويروى: ( حزبهم والضحاء ) يقول: هؤلاء الذين غزوكم، يعنى عمرا وأصحابه، لم يأتوكم عن غرة، ولكن الآل والضحاء رفعا لكم جمعهم فأتوكم على خبرة منكم بهم، تنظرون إليهم والآل يرفعهم لكم.و ( الضحاء ): ارتفاع النهار.و ( الآل ): الذي يراه الإنسان من بعد في وقت ارتفاع النهار يخيل له.والآل رفع بيرفع، والضحاء نسق عليه.

( أَيُّها الشَّانئ المبلِّغُ عَنّا. . . . . . . .عِنْدَ عَمرو وهلْ لذاك انتهاءُ ) )

قوله ( أيها الشانئ )، يريد به عمرو بن كلثوم التغلبي.يقول: أنت تشنؤنا وتشي بنا عند عمرو الملك، ومبلِّغ عنا ما لا نعرفه.ويروى: ( أيها الكاذب المبلِّغ )، ويروى: ( المخبر )، ويروى: ( المرقش )، ويروى: ( المقرّش ).ومن روى: ( وهل لذاك انتهاء ) أراد: هل لذاك غاية ينتهي إليها.والانتهاء رفع باللام المكسورة الزائدة.

( مَلِكٌ مُقْسِطٌ وأَكمَل مَنْ يَمْ

شِي ومِنْ دونَ ما لدَيه الثَّناءُ )

المقسط: العادل.يقال: أقسط الرجل فهو مقسط، إذا عدل.وقسط فهو قاسط، إذا جار.قال الله عز وجل: ( إنَّ الله يُحِبُّ المقْسِطِين ).وقال سبحانه وتعالى: ( وأما القاسطون فكانوا لجهنَّم حَطَباً ).ويروى: ( ملك باسط )، أي منبسط الأمر، قد بسط عدله في الناس.وإنما يمدح بهذا عمرو بن هند.ويروى: ( أكرم من يمشي ) أي فعلا، و ( أكمل من يمشي ) يريد به عقلا ورأيا.وقوله ( ومن دون ما لديه الثناء ) معناه الثناء بنا عليه اقل مما فيه، وعنده من الخير والمعروف أكثر مما نصف ونثني عليه.والملك رفع بإضمار هو، والثناء رفع بمن.

( إِرَميٌّ بمثله جالَتِ الجِ

نُّ فآبتْ لخَصْمها الأَجلاءُ )

قوله ( إريى ) نسبة إلى إرم عاد، أي ملكه قديم كان على عهد إرم.وقال بعضهم: أراد كأن هذا الممدوح من إرم عاد في الحلم، كما قال الأغلب العجلي:

جاءوا بشيخَيهم وجئنا بالأصمّْ. . . . . . . .شيخ لنا كان على عهد إرمْ

قد كدم الشَّيبُ قفاه وكدَمْ

وقال آخرون: ذهب إلى أن جسمه وقوته يشبهان أجسام عاد وشدتهم.وقوله ( بمثله جالت الجن )، الجن في هذا الموضع: دهاة الناس وأبطالهم.يقال للرجل إذا كان بطلا: ما هو إلا جنى.و ( جالت ): فأعلت من المجالاة، وهي المكاشفة.يقول: بمثل عمرو بن هند كاشفت الجن الناس فآبوا، أي رجعوا، وقد فلج خصمهم على كل من خاصمهم.و ( الأجلاء ): جمع الجلا.والجلا: الأمر المنكشف.قال سحيم بن وثيل:

أنا ابنُ جَلاَ وطلاَّعُِ الثنايا. . . . . . . .متَى أضعِ العمامةَ تعرفوني

أي أنا ابن البارز الأمر المنكشف.والباء صلة جالت، والأصل في جالت جالوت، فصارت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، وسقطت لسكونها وسكون التاء.والأجلاء رفع بآبت، واللام صلة آبت.

( مَنْ لَنا عِندَه مِنَ الخَيْر آيا. . . . . . . .تٌ ثَلاثٌ في كلِّهنَّ القضاءُ )

ويروى: ( في فصلهن القضاء )، يعني عمرو بن هند.والآيات الثلاث: العلامات الثلاث.يقول: نحن أنصح الناس للملك وأكرمهم عليه، وأجودهم منه منزلة ومكانا.( في كلهن القضاء ) معناه في كلهن يقضى الناس لنا بذلك.ومن رفع بإضمار هو، والايات رفع باللام.ويروى:

إنّ عمراً لنا لديه خلالٌ. . . . . . . .غيرَ شكّ في كلهن القضاءُ

( آيةٌ شارِقُ الشَّقيقةِ إِذْ جا. . . . . . . .ءُوا جَميعاً لكلِّ حَيٍّ لِواءُ ) )

شارق الشقيقة، بنو الشقيقة: قوم من بني شيبان جاءوا يغيرون على إبل لعمرو بن هند، وعليهم قيس بن معد يكرب، وهو أبو الأشعث بن قيس، فردتهم بنو يشكر وقتلوا فيهم.وقوله ( شارق ) معناه جاء من قبل المشرق، أي هو صاحب المشرق.ويروى عن أبي عمرو إنه قال: الشقيقة: صخرة بيضاء.والآية رفع بإضمار منهن، وهي العلامة.وشارق تابع للآية، واللواء رفع باللام الزائدة.

( حَولَ قَيسٍ مُستلئمِينَ بكَبشٍ. . . . . . . .قَرَظيٍّ كأَنَّه عَبْلاءُ )

يقول: هؤلاء بنو الشقيقة حول قيس بن معد يكرب.( مستلئمين )، أي قد لبسوا الدروع.وقوله ( قرظى ) نسبة إلى البلاد التي ينبت فيها القرظ، وهي اليمن.وقوله ( كأنه عبلاء ): هضبة بيضاء.ويروى عن أبي عمرو إنه قال: لا اعرف قيسا الذي ذكره في هذا البيت، وقال الأعبل: حجر أبيض.ومستلئمين نصب على الحال مما في جاءوا، وحول صلة جاءوا.

( وصَتِيت مِنَ العَواتِكِ ماتَنْ

هاهُ إِلاّ مُبْيضَّةٌ رَعْلاءُ )

الصتيت: الجماعة.والعواتك: نساء من كندة من الملوك.وقوله ( ما تنهاه إلا مبيضة رعلاء ) يقول: لا يكف هذا الجمع إلا ضرب شديد موضح عن بياض العظم.والرعلاء: الضربة المسترخية اللحم من الجانبين جميعا حتى يظهر العظم، وإنما هو شدة الضرب.وبنو العواتك خرجوا مع قيس بن معد يكرب.والصتيت منخفض بالنسق على الكبش، كأنه قال: جاء بنو الشقيقة مستلئمين بكبش وبصتيت من العواتك، والمبيضة رفع بتنهاه، والهاء يعود على الصتيت.

( فجَبهْناهمُ بضَربٍ كما يَخْ. . . . . . . .رُجُ مِن خُربةِ المَزَادِ الماءُ )

ويروى: ( فرددناهم ) والمعنيان متقاربان.وقال الأصمعي: الخربة هاهنا: عزلاء المزادة، وهو مسيل الماء منها.فشبه خروج الدم ونزوه من الجرح بخروج الماء من فم تلك العزلاء.والخربة: تجمع خربا.والمزاد: جمع مزادة.والمزادة والقربة سواءوالكاف موضعها نصب ومعناها المصدر.

( وحَمَلناهمُ على حَزْمِ ثَهْلا

نَ شِلالاً ودُمِّىَ الأَنساءُ )

الحزم: ما غلظ من الأرض ومن الجبل وخشن.فشبه شدة ما أصابهم وما حملوهم عليه من القتل بشدة هذا الحزم.هذا قول الأصمعي، وقال أبو مالك: وحملناهم على حزم ثهلان بعينه.يقول: جرحناهم فركبوا حزم ثهلان على خشونته.وقوله ( شلالا ): هرابا.وقد دميت من الجراح أنساؤهم.يقال منه: شللت الرجل أشله شلا، إذا طردته.وثهلان موضعه خفض إلا إنه لا يجري.وشلالا نصب على المصدر، وتقدير فعله شاللت شلالا.

( وفَعَلْنا بِهِمْ كما عَلِم اللَّ

هُ وما أن للحائنينَ دِماءُ )

وقوله ( وفعلنا بهم كما علم الله ) معناه: قتلنا منهم قتلا عظيما شديدا قد علمه الله تبارك وتعالى.وقوله ( وما أن للحائنين دماء ) معناه من عصى فقد حان أجله ؛ وذلك إنه يجيء فيخاطر بنفسه، وإذا قتل فليس له من يطلب بدمه.وقال بعضهم: من قدّر الله تعالى عليه الحين فليس له بقاء.ويروى: ( لحائنين ذماء ) بذال معجمة ؛ فالذماء: بقية الروح.والكاف نصب بفعلنا، وان معناها الجحد، وهو مؤكدة لما.

( ثُمَّ حُجراً أَعنِي ابنَ أُمِّ قَطَامٍ. . . . . . . .ولَهُ فارسِيَّةٌ خَضْراءُ )

يقول: الآية الثانية التي صنعنا بحجر، وكان حجر غزا امرأ القيس أبا المنذر بن ماء السماء، بجمع من كندة كثير، وكانت بكر بن وائل مع امرئ القيس، فخرجت إليه بكر بن وائل فردته وقتلت جنوده.وقوله ( وله فارسية خضراء ): يقول: معه كتيبة خضراء من كثر السلاح.فارسيَّة: أي سلاحها من عمل فارس.ونصب حجرا بالنسق على الهاء والميم، أي رددنا حجرا.

( أَسَدٌ في اللِّقاءِ وَرْدٌ هَموسٌ. . . . . . . .ورَبيعٌ أن شنَّعتْ غَبراءُ )

الهموس: المختال الذي يخفى وطأة حتى يأخذ فريسته.قال الله عز وجل: ( فلا تَسمع إلاّ هَمْساً ) أي وقع الأقدام.قوله ( إن شنعت ) يقول: إذا أقحطوا كان لهم ربيعا.والتشنيع: إذا أجدبت السنة وقل مطرها ونباتها فذلك التشنيع.ويقال شنَّعتْ: جاءت بأمر شنيع.و ( الغبراء ): السنة القليلة المطر.

( فَرَددْناهُمُ بطَعنٍ كما تُنْ

هَزُ عَنْ جَمَّةِ الطَّوِيِّ الدِّلاءُ )

ويروى: ( فجبهناهم )، أي طعنا جباههم.قوله ( كما تنهز ) أي تحرك الدلاء لتمتلئ.ومعنى ( عن جمة ): كثرة الماء فيه، ويروى: ( في جمة الطوى ).وقال الأصمعي: جمة البئر: الذي قد جم فليس يستقى منه.وقال أبو مالك: جمة البئر: الموضع الذي يبلغه الماء من البئر لا يبلغ أكثر منه، فيرى ذلك الموضع مستديرا كأنه إكليل.والدلاء اسم ما لم يسم فاعله، والكاف نصب بالفعل.

( وفَكَكنا غُلَّ امرئ القَيسِ عَنهُ. . . . . . . .بَعْدَ ما طالَ حبسُهُ والعَناءُ )

يعنى بامرئ القيس ابن المنذر بن ماء السماء، وهو أخو عمرو بن هند من أبيه، وكانت غسان أسرته يوم قُتل المنذر أبوه، فأغارت بكر بن وائل مع عمرو بن هند على بعض الشام فقتلوا ملكا لغسان، واستنقذوا امرأ القيس، وأخذ عمرو ميسون بنت ذلك الملك التي ذكرها الحارث.وبعد صلة فككنا، وما معناه المصدر، كأنه قال: بعد طول حبسه.

( وإَقَدْناهُ ربَّ غسَّانَ بالمنْ

ذِرِ كَرهاً إِذْ لا تُكَالُ الدِّماءُ )

يقول: قتلنا ملك غسان هذا، وإنما قتلناه بالمنذر كرها لأن لا تكال الدماء.ويروى: ( وما تكال الدماء )، يقول: كانت القتلى منهم أكثر من أن تحصى، فليست تحسب الدماء ولا تكال من كثرتها.وقال بعض اهل اللغة: معنى قوله: ( وما تكال الدماء ): ذهبت هدرا ليس فيها قود.يقال: كيل فلان بفلان، إذا قُتل به.والهاء نصب بالفعل، والرب مفعول ثان، وكرها نصب على المصدر.

( وفَديناهُمُ بِتِسعَة أَملا

كٍ نَدامَى أَسلابُهم أَغلاءُ )

ويروى: ( بتسعة أكلاك كرام ).وكان المنذر بن ماء السماء بعث خيلا من بكر ابن وائل في طلب بني حجر آكل المرار حين قُتل حُجر، فظفرت بهم بكر بن وائل وقد كانوا دنوا من بلاد اليمن، فأتوا بهم المنذر بن ماء السماء فأمر بذبحهم وهو بالحيرة، فذبحوا عند منزل بني مرينا، وكانوا ينزلون الحيرة، وهم قوم من العباد.وفي ذلك يقول امرؤ القيس:

ألا يا عَين بكِّى لي شَنِينا. . . . . . . .وبكِّي للملوك الذاهبينا

ملوك من بني حُجْر بن عمرو. . . . . . . .يُساقُون العشيَّةَ يُقتلونا

فلو في يوم معركة أصيبوا. . . . . . . .ولكن في ديارِ بني مَرينا

و ( الأملاك ): جمع ملك، والملك يقال في جمعه ملكون وملوك وأملاك.والأسلاب رفع بالأغلاء.

( ومعَ الجَونِ جَوِن آلِ بني الأَوْ

سِ عَنودٌ كأَنَّها دَفْواءُ )

الجون: ملك من ملوك كندة، وهو ابن عم قيس بن معد يكرب، وكان النبي صلى الله عليه وسلم تزوج بنت عبد الرحمن بن الجون، وكان عبد الرحمن مسلما، وبنو الأوس من كندة.وكان الجون جاء يمنع بني عمرو بن حُجر آكل المرار ومعه كتيبة خشناء، فهزمته بكر وأخذوا ابن الجون فأتوا به المنذر.وقوله ( ومع الجون ) يقول: كان الجون مع ولج عمرو بن حجر ومعه هذه الكتيبة.و ( العنود ) هاهنا: كتيبة محكمة.و ( الدفواء ) هاهنا: كتيبة منحنية على من تحتها.يعني أن هذه الكتيبة منعطفة على ملكها تمنعه.والأدفى من القرون المنحنية: الذي قد انحنى في عجب الوعل أو غيره، يمنع ما تحته ولا يوصل إليه.والرجل الأدفى: الذي في ظهره انحناء ؛ وكذلك المرأة الدفواء إنما أخذت من هذا.وقال بعض الرواة: الدَّفواء: العقاب، والدفواء: المائلة.وإنما يريد الكتيبة، جعلها دفْواء من بغيها، يقول: كما تنقض العُقاب على الصيد كذلك تميل هذه الكتيبة من بغيها.والجون خفض بمع، والعنود رفع بمع، وكأنها دفواء صلة العنود.

( ما جَزِعْنا تَحْتَ العَجَاجةِ إِذْ وَ

لَّتْ بأَقفائها وحَرَّ الصَّلاءُ )

ويروى: ( إذ جاءوا جميعا وإذ تلظى الصلاء ).يقول: لم تجزع حين لقينا الجون وهو في جمع كثير.و ( العجاج ): الغبار الذي قد أثارته الخيل بسنابكها فارتفع كأنه دخان.يقول: لم نجزع من هذه الكتيبة الخشناء.قوله ( إذ ولَّت بأقفائها ) معناه بأعجازها.ومن روى: ( وحر الصلاء ) أراد وقدت النار.يقال حر اليومُ يحر حرا، وحر المملوك يحر حرارا.والصلاء رفع بفعله وهو حر.والأقفاء: جمع قفا كما تقول ندى وأنداء، ورحى وأرحاء ؛ ولا تكاد العرب تقول في جمعه أقفية، وربما قالوه كما قالوا ندى وأندية.أنشدنا أبو العباس عن ابن الأعرابي لابن محكان السعدي:

في ليلةٍ من جُمادى ذاتِ أندية. . . . . . . .لا يُبصر الكلبُ من ظلمائها الطُّنُبا

وقال بعض الرواة: قوله ( إذ ولت بأقفائها ) معناه انبعث ما كان فيها مثل الشيء ينفتق فيخرج ما فيه.

( وَوَلدْنا عَمْرَو بنَ أَمِّ أُنَاسٍ. . . . . . . .مِن قريبٍ لمَّا أَتانا الحِباءُ )

قوله ( وولدنا عمرو بن أم أناس )، يريد عمرو بن حجر الكندي، وكان جد الملك عمرو بن هند، وهند بنت عمرو بن حجر آكل المرار، وكانت أم عمرو بن حجر أم أناس بنت ذهل بن شيبان بن ثعلبة، وعمرو بن أم أناس هذا هو جد امرئ القيس الشاعر.وقوله ( من قريب )، معناه السبب بيننا وبينه قريب ليس بالمتباعد، إذ أمه بنت ذهل بن شيبان، وهي جدة أم عمرو بن المنذر.وقوله ( لما أتانا الحباء ) يقول: حين أتانا حبلاء الملك عمرو بن حجر لما خطب إلينا ورآنا أهلا لمصاهرته.وابن أم أناس نعت لعمرو، وأناس خفض بإضافة الأم إليه.وقال الفراء: إذا كنيت امرأة بأم أناس وأم صبيان، وأم رجال، وأم نساء كان الغالب عليها ألا تجري، لأنه لما لم يكن ما أضيفت إليه اسما من أسماء الرجال معروفا كان كالاسم لها.وأنشد لبشر بن أبي خازم:

وإلى ابن أم أناسَ تَعمِد ناقتي. . . . . . . .عمروٍ ستُنجِحُ حاجتي أو تتلفُ

فلم يجر أناس.قال الفراء: ولو تُوهِّم في أناس إنه اسم لابن لها، وإن لم يكن لها ابن، جاز إجراؤه.ولما نصب بالوقت.

( مِثلُها تُخرجُ النَّصيحةَ للقوْ. . . . . . . .مِ فَلاةٌ مِن دونها أَفلاءُ )

معناه: هذه القرابة بيننا وبينك أيها الملك تخرج نصيحتنا لك، ثم قال: ( فلاة من دونها أفلاء ) يعنى نصيحة كثيرة واسعة مثل الفلاة التي دونها أفلاء كثيرة.والأفلاء على هذه الرواية: جمع فلا ؛ وفلاً: جمع فلاة.قال الشاعر:

إليك أبا حفص تعسَّفتِ الفلا. . . . . . . .بِرَحلَي فَتلاءُ الذّراعين جلعدُ

ويروى: ( فلاء من دونها أفلاء )، أي يتولد من النصيحة مثل الفلاء، وهو جمع فلو.والفلو يخدع بالشيء بعد الشي حتى يسكن، ثم يفلي عن أمه: يفطم.فالأفلاء على هذه الرواية: جمع فلو، وهو على مثال قولهم عدو وأعداء.والفلاة مرفوعة على التكرير، كأنه قال: مثلها فلاة.والأفلاء رفع بمن، ومثل الظاهرة رفع بما عاد من تخرج.تمت القصيدة بغريبها وأخبارها ومعانيها.^

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي