شرح القصائد السبع الطوال الجاهليات/قصيدة امرئ القيس بن حُجر

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

قصيدة امرئ القيس بن حُجر

قصيدة امرئ القيس بن حُجر - شرح القصائد السبع الطوال الجاهليات

قصيدة امرئ القيس بن حُجر

بسم الله الرحمن الرحيم

قال امرؤ القيس بن حجر الكندي الملك بن عمرو المقصور.وإنما سمى المقصور لأنه اقتصر على ملك أبيه.هذا قول يعقوب بن السكيت.وقال أحمد بن عبيد: إنما سمي المقصور لأنه قُصر على ملك أبيه، كأنه كرهه فمُلِّك شاء أو أبى.وقال: هذا أصح ما قيل في ذلك.قال أبو بكر: وسمعت أبا العباس أحمد بن يحيى يقول: امرؤ القيس بمنزلة عبد الله وعبد الرحمن.وفي إعرابه أربعة أوجه، يقال: قال امرؤ القيس بضم الراء والهمزة، وقال امرأ القيس بفتح الراء وضم الهمزة، وقال مُرءُ القيس بضم الميم والهمزة بغير ألف، ويقال مَرء القيس بفتح الميم وضم الهمزة.فمن ضم الراء والهمزة أو الميم والهمزة قال: هو معرب من وجهتين.ومن فتح الراء أو الميم قال: هو معرب من جهة واحدة.وعلى هذا تقول: أعجبني شعر امرئ القيس بكسر الراء والهمزة، وتقول: أعجبني شعرُ امرأ القيس بفتح الراء وكسر الهمزة، وأعجبني شعر مِرء القيس بكسر الميم والهمزة، وأعجبني شعر مرء القيس بفتح الميم وكسر الهمزة.ويقال له: آكل المُرار.وإنما سمى آكل المرار لأنه غضب غضبة لأمر بلغه فجعل يأكل المُرار وهو لا يعلم بمرارته ؛ لشدة غضبه - والمرار: نبت شديد المرارة - فسمي آكل المرار لذلك.هذا قول أبي نصر.وقال قوم: إنما سمى أكل المرار لأنه حين لقي ابن الهبُولة الغساني جعل يأكُل اصل الشجرة المُرة، وهي شجرة المُرارة، وإذا أكلتها الإبل تقلصت مشافرها.وقال: أحمد بن عبيد: إنما سمى آكل المرار لأن الملك الغساني سبى امرأته فقال لها: ما ظنُّك بحُجْر ؟ فقالت: كأنه به قد طلع عليك كأنه جمل آكل مُرار ! والجمل إذا أكل المرار أزبد.( ابن عمرو بن ربيعة بن الحارث بن معاوية بن مرتع ).وقال قوم: ابن معاوية بن ثور بن مرتع.وإنما سمي مرتع مرتعا لأنه كان من أتاه من قومه رتعه، أي جعل له مرتعا لماشيته.وهو عمرو بن معاوية بن ثور - وهو كندة - بن عفير.وإنما سمى كندة لأنه كفر أباه نعمه.قال الله تبارك وتعالى: ( إنَّ الإنسانَ لربه لكنُودٌ ).معناه لكفور.وقال الشاعر:

كنُودٌ لا تَمُنُّ ولا تُفادِى. . . . . . . .إذا علِقتْ حبائلُها برهنِ

( ابن عديّ بن الحارث بن مرة بن أدد ).وأم مرة مدلة، وهي مذحج.وإنما سميت مذحج لأنها ولدت على أكمة يقال لها مذحج، فسميت بها.( ابن زيد بن كهلان بن سبأ بن يعرب بن قحطان بن عابر بن شالخ بن أرفخشاذ - وبعضهم يقول: أرفخشذ - بن سام بن نوح النبي عليه السلام ).وقال ابن الكلبي: يقال قحطان بن الهميسع بن تيم بن نبت بن قيدر بن إسماعيل بن إبراهيم النبي، عليهما الصلاة والسلام.وقال ابن الكلبي: إنما سمى حجرا آكل المرار لقول هند امرأته حين سألها الغساني عنه فقالت: كأني أنظر إليه يذمر فوارسه ويذمرونه، كأنه جمل آكل مُرار ! فسمى من ذلك.يقال: ذمرته فأنا أذمره ذمرا وذمورا، إذا وبخته وحثثته على الشيء.ويقال في نسب امرئ القيس: هو امرؤ القيس بن حجر بن الحارث بن عمرو.وكان من حديثه أن الحارث الملك جده كان فرّق ولده في قبائل العرب وملَّكهم عليهم.وكان حجر بن الحارث، وهو أبو امرؤ القيس، في بني أسد وغطفان.وكان شرحبيل في بنى بكر بن وائل، وهم عم امرئ القيس، وهو قتيل الكُلابِ الأول، وفي بني حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم ايضا، وفي بني أسيد بن عمرو بن تميم، وفي طوائف من بنى عمرو بن تميم.وكان معد يكرب، وهو غلفاء - وإنما سمى غلفاء لأنه كان يغلف رأسه - في بني تغلب والنَّمر بن قاسط، وسعد بن زيد مناة، وطوائف من بنى دارم بن حنظلة والصنائع وهم بنو رقية: قوم كانوا يكونون مع الملوك من شُذان العرب - وشذان العرب: ما تفرق من العرب - وعبد الله على عبد القيس.وسلمة على قيس.فلما هلك الحارث أو قُتل - وقد اختلف في ذلك - نفرق أمر ولده وتشتت، واختلفت كلمتهم، ومشت الرجال بينهم، ووثب بنو أسد على حجر بن الحارث فقتلوه، وكان ابنه امرؤ القيس غائبا عنه، وإنما كان في حشمه ومواليه.وذكر ابن الكلبي إنه قاتلهم بمن معه، فلما كثروه - أي غلبوه بالكثرة - قال لهم: أما إذ كان هذا من أمركم فإني مرتحل عنكم ومخلِّيكم وشأنكم.فوادعوه على ذلك، ومال مع خالد بن خدان أحد بني ثعلبة، فأدركه علباء بن الحارث أحد بني كاهل، فقال: يا خالد، اقتل صاحبك لا يفلت فيعُرنا وإياك بشر ! فجعل خالد يمتنع، ويمر علباء بقصدة رمح مكسورة فيها سنانها، فأخذها وطعن بها خاصرة حجر وهو غافل فقتله، ففي ذلك يقول الأسدي:

وقِصدة عِلباءِ بن قيسِ بن كاهل. . . . . . . .منية حُجْر في جوار ابن خَدّانَا

فتفرق الناس، فأقبل امرؤ القيس في جموع من أهل اليمن، يريد بنى أسد، يقصد لعلباء ولا يعلم الناس به، فلما كانت الليلة التي يصبحهم فيها بادر أن يخبروا، فسار ليلته فجعل القطا ينفر من مواقعه فيمر على علباء وكان منكرا، فجعلت ابنته تقول: ما رأيت كالليلة ذات قطا ! فيقول علباء: ( لو ترك القطا لنام ! )، ارتحلوا.فارتحلوا وبقى في الدار بنو كنانة، وصبحهم امرؤ القيس فأصابهم وقتل فيهم فأكثر، وهو يظن انهم بنو أسد، فلما عرف كف عنهم وقد أسرع فيهم، فقال امرؤ القيس في ذلك:

( ألا يا لهفَ نفسي إثرَ قوم. . . . . . . .همُ كانوا الشفاءَ فلم يُصابوا )

( وقاهمْ جَدُّهم ببني أبيهم. . . . . . . .وبالأشقَينَ ما كان العَقاب )

الجد هاهنا: الحظ ؛ من ذلك قولهم: ( ولا ينفع ذا الجد منك الجد )، أي لا ينفع ذا الحظ حظه من امرك، وهو الذي تسميه العامة البخت.ومعنى البيت: وبالأشقين كان العقاب.العقاب اسم كان، والباء خبر كان، وما صلة دخلت لتوكيد الكلام.ويجوز أن تكون ما في موضع رفع بالباء والعقاب اسم كان، ولا خبر لكان لأنها بتقدير المصدر.والمعنى: وبالأشقين كون العقاب.ويروى: ( وقاهم جدهم ببني علي ).وعلي هو عبد مناة بن كنانة، وإنما سمى عليا بعلي بن مسعود الغساني.

( وأفلتَهنّ علباءٌ جريضاً. . . . . . . .ولو أدركْنَهُ صَفِر الوِطابُ )

قوله ( وأفلتهن ) معناه وأفلت الخيل علباء.وإنما كنى عن الخيل ولم يتقدم ذكرها لأنه قد ذكر ما يدل عليها.قال الله عز وجل: ( إنا أنزلناهُ في ليَلة القدْر ) أراد: أنزلنا القرآن، فكنى عن القرآن ولم يتقدم له ذكر، لدلالة المعنى عليه.والجريض: الذي تكاد نفسه تخرج.يقال: إنه ليجرض بريقه وبنفسه، إذا كان بآخر رمق.وقوله ( ولو أدركنه ) معناه ولو أدركت الخيل علباء لتركته جسدا بلا روح.والوطاب جمع، وهو الزق الذي يكون فيه اللبن، ضربه مثلا.وقال أبو عبيدة: الجريض الذي صارت نفسه في شدقه.ثم أن أمرؤ القيس خرج إلى اليمن مستمدا، ثم أقبل بجموع من اليمن وربيعة، يريد بني أسد، فقال امرؤ القيس في ذلك:

يا لهف نفسي أن خَطئن كاهلا

القاتِلين الملك الحُلاحلا

معناه أن أخطأت الخيل كاهلا ووقعت ببني كنانة.وبنو كنانة من أسد.ويروى:

يا لهف هند إذْ خئن كاهلا

هند بنت ربيعة بن وهب بن الحارث الأكبر بن معاوية بن ثور، كندية، وكانت امرأة حجر أبي امرئ القيس فلم تلد له شيئا، فخلف عليها امرؤ القيس.قال أبو بكر: الحلاحل: السيد.وقال الأصمعي: الحلاحل: الرزين الركين.

تالله لا يذهبُ شيخي باطلا

يَا خير شيخ حسباً ونائلا

وخيرَهمْ قد عَلموا شمائلا

يَحْملِنْنَا والأسلَ النواهلا

تالله، معناه والله، فأبدلت التاء من واو القسم.ولا تبدل التاء من واو القسم إلا مع الله تبارك وتعالى.ولا يجوز تالرحمن.ولا تالعزيز، لأن الاستعمال لم يكثر إلا مع الله عز وجل.و ( باطلا ) منصوب لأنه خلف من مصدر، كأنه قال: لا يذهب شيخي ذهاباً باطلا.وقوله: ( يحملننا ) معناه تحملنا الخيل.وقال الأصمعي: الأسل: الرماح ؛ وإنما سمى الأسل لحدته.والنواهل: العطاش.

مستفرمات بالحصَى جوافلا

مستفرمات مثل، أي طيرنه إلى فروجهن.ويروى: ( مستثفرات )، يقال للدابة إذا أثارت الحصى بحوافرها عند ركضها فيكاد يرتفع الحصى إلى أثفارها: عند استثفرت.ويقال للكلب: قد استثفر بذنبه، إذا أدخله بين فخذيه.

حتى أتَينَ مالكاً وكاهلا

نحن جلبنا القرَّح القوافلا

يستثفر الأواخرُ الأوائلا

القوافل: جمع القافل، وهو اليابس.والجافل: الذاهب.فأغار امرؤ القيس على بني أسد، فقتل في بطون بني أسد مقتلة عظيمة، وقتل علباء وأهل بينه، وألبسهم الدروع والبيض محمى، وكحل أعينهم بالنار،وقال امرؤ القيس في ذلك:

( يا دار سَلمى دارساً نؤيُها. . . . . . . .بالرَّمل فالخَبْتَين من عاقل )

النؤى: الحفيرة تحفر حول البيت أو الخباء، ويجعل ترابه حول البيت يرد ماء المطر.وجمع النؤى أنآء ونؤى، ونئي.والخبت: ما استوى من الأرض.ودارسا منصوب على الحال من الدار.والنؤى مرفوع بمعنى دارس.

( صَمَّ صداها وعفا رسُمها. . . . . . . .واستَعجَمتْ عن منطق السائل )

قوله: ( واستعجمت ) أي لم تتكلم حين وقف عليها السائل فسألها.و ( صم صداها ) دعاء عليها.و ( عفا رسمها ): درس.

( قولا لبُوصانَ عبيد العصا. . . . . . . .ما غرَّكم بالأسد الباسلِ )

بوصان: قبيلة.والباسل: الشجاع.وعبيد العصا، نعت لبوصان.وما: استفهام مرفوعة بما عاد من غركم.والباء صلة غركم.

( قد قرّت العينان من مالك. . . . . . . .طُرَّا ومن عمرو ومن كاهل )

طرا منصوب على الحال من مالك، ومعنى طرا جميعا.وقوله: ( ومن عمرو )، يعنى عمرو بن أسد.

( ومن بنى غَنم بن دُودان إذ. . . . . . . .يُقذَف أعلاهْم على السافلِ )

موضع دودان خفض بإضافة الابن إليه.وإذ من صلة قرت، ومن الأولى صلة قرت، والثانية والثالثة منسوقتان عليها.

( حتَّى تركناهمْ لدى مَعرك. . . . . . . .أرجُلُهم كالخشَب الشَّائِلِ )

لدى من صلة تركنا.والمعرك: موضع القتال.والأرجل مرفوعة بالكاف.ومعنى الكاف مثل، كأنه قال: مثل الخشب.يجوز في العربية نصب الأرجل كأنه قال: تركنا أرجلهم، كما قال عبدة بن الطبيب:

فما كان قيسٌ هلكُه هُلكَ واحد. . . . . . . .ولكنَّه بنيانُ قوم تهدَّما

أراد: فما كان قيس ما كان هلكه هلك واحد.والرواية الجيدة: ( هلكه هلك واحد ) برفعهما جميعا على أن خبر كان ما عاد من الهاء.

( جئنا بها شَهباءَ ملمومةً. . . . . . . .مثل بَشام القُلة الجافلِ )

الهاء تعود على الكتيبة.وشهباء منصوبة على الحال من الهاء.ومعناها بيضاء من بريق الحديد.وملمومة نعت للشهباء، ومعناها مجتمعة.والقلة: قلة الجبل، وهي أعلاه.والبشام: شجر، شبه كثرتها بها.قال جرير:

أتذكر حين تصقُل عارضَيْها. . . . . . . .بفَرع بَشامة سُقِىَ البَشامُ

ومثل منصوبة على القطع من الهاء.والجافل نعت للشجر، شبهه في اجتماعه وارتفاع أعاليه بالشيء الجافل.

( فُهنَّ أرسالٌ كمثل الدَّبا. . . . . . . .أو كقطا كاظمةَ الناهلِ )

قوله: ( فهن أرسال ) يعني الخيل تأتي أرسالا: قطعة بعد قطعة.وهن ترتفع بالأرسال، والأرسال به.والكاف في موضع رفع، كأنه قال: مثل الدبا.والكاف الثانية منسوقة.وكاظمة مخفوضة بإضافة القطا إليها.والناهل مخفوض لأنه نعت للقطا.والدبا: الجراد، شبه كثرتها بها.وكاظمة: أرض.والناهل: العطشان.يقول: خيلنا ترد القتال كما ترد القطا العطاش الماء.هذا قول الأصمعي.ويروى: ( فهن أرسال كرجل الدبا ).

( نَطعُنهم سُلْكَى ومخلوجةً. . . . . . . .كرَّكَ رمين على نابلِ )

قوله ( سلكى ) معناه مستقيمة.ومخلوجة: غير مستقيمة.وقال أبو عبيدة: سلكى مستوية، ومخلوجة: تختلجهم.وقال: سألت عنها أبا عمرو بن العلاء فقال: سألت عنها فلم أجد من يعرفها، وهي من الكلام الدارس.وقال الأصمعي: سلكى: مستقيمة.ومخلوجة: يمنة ويسرة.ومثل من الأمثال: ( الرأي مخلوجة وليس بسلكى ).وقوله: ( كرك لامين على نابل )، أي كرك سهمين على رجل صاحب نبل رماك بسهمين فكررتهما أنت عليه، أي رميتها فوقعا مختلفين.ويروى: ( ليك لامين ) و ( لفتك لامين )، فمن رواه: ( ليك لامين ) أراد كما تلوى سهمين.والأصل في ليك لويك، فلما اجتمعت الياء والواو والسابق ساكن جعلتا ياء مشددة، كما قال الله عز وجل: ( وكان أمراً مَقْضيّا ) أصله مقضويا، فلما اجتمعت الياء والواو والسابق ساكن جعلتا ياء مشددة.وكذلك كويته كيَّا، ولويته ليَّا.قال أبو بكر: وسمعت أحمد بن يحيى يقول: كرّك لامين على نابل، أي كما نقول: ارم ارم ! يصف سرعة الطعن، أي لا فصل بين الطعنتين.

( حلت لي الخمرُ وكنت امرأً. . . . . . . .عن شربها في شغل شاغِل )

وذلك إنه حلف ألا يشرب الخمر حتى يدرك بثأر أبيه.

( فاليومَ فاشربْ غير مستحقبٍ. . . . . . . .إثماً من الله ولا واغلِ )

قوله: ( غير مستحقب ) معناه غير مستوجب.والواغل: الداخل في قوم وليس منهم.والواغل في الخمر، والوارش في الطعام، وهو مثل الطفيلي.والطفيلي مولد من كلام العرب.واليوم، منصوب باشرب، كما تقول: زيدا فاضرب.وغير منصوبة على الحال بما في اشرب.والإثم منصوب بمستحقب.والواغل منسوق على المستحقب.وأنشده سيبويه: ( فاليوم أشرب ) فسكن الباء طلبا للتخفيف، كما قرأ أبو عمرو: ( ويأمُرْكن ) و ( ينصُرْكم )، وكما قال الآخر:

وناع يخبِّرْنا بمَهلِكِ سيد. . . . . . . .تُقطَّع مِن وجد عليه الأناملُ

أراد يخبرنا، فسكن الراء طلبا للتخفيف والاختصار.وقال رجل من كندة في ذلك:

( سائلْ بني أسدٍ بمقتل ربهم. . . . . . . .حجرِ بن أمِّ قَطامِ عزَّ قتيلا )

الرب في هذا الموضع: السيد.قال الله عز وجل: ( فيَسقِي ربَّه خمراَ )، معناه فيسقى سيده.والباء صلة سائل.وحجر مخفوض على الترجمة عن الرب.وقطام مخفوضة بإضافة الأم إليها.وهي مخفوضة في كل حال.تقول: قامت قطام، ورأيت قطام، ومررت بقطام.وكذلك حذاك ورقاش وما أشله ذلك.وإنما صارت مخفوضة في كل حال لأنها تجرى مجرى الأمر في قولك: قوال قوال، ونزال نزال، ونظار نظار.قال الفراء: كان الأصل في هذه الأشياء مصدرا، فصرفت عن المصدر إلى الأمر، ففتح أولها ليفرق بين الأمر والمصدر، وكسر آخرها لأن المجزوم إذا حرك حرك إلى الخفض.وقوله: ( عز قتيلا ) معناه عظم شأنه وغلب حزنه.ويقال في مثل من أمثال العرب: ( من عزَّ بزّ )، أي من غلب سلب.والقتيل منصوب على التفسير، وتقديره: عز القتيل قتيلا.

( إذْ سارَ التاج الهمامُ بجحفل. . . . . . . .لجِب يجاوب حَجرتيه صهيلا )

ذو التاج، يعني امرأ القيس.والهمام: السيد.والجحفل: الجيش.واللجب: الكثير الصوت.واللجب: الصوت بعينه.وحجرتاه: ناحيتاه وجانباه.ويقال: فلان في حجرة القوم وحجرة المجد، أي في ناحيته.ويقال في مثل للعرب: ( فلان يأكل وسطا ويربض حجرة )، أي إذا كان خير توسطه، وإذا كان شر تنحى عنه.وإذ، صلة سائل.والهمام نعت لذي.والباء التي في الجحفل صلة لسار.وما في يجاوب يعود على الجحفل.والحرتان منصوبتان بيجاوب.

( حتَّى أبالَ الخيلَ في عَرَصاتهم. . . . . . . .فشفَى وزاد على الشفاء غليلا )

( أحْمَى الدروعَ لهم فسَرْبلهمْ بها. . . . . . . .والنَّارَ كحلهمْ بها تكحيلا )

قوله: ( سربلهم ) معناه ألبسهم الدروع.والنار منصوبة بكحل.والواو ظرف للفعل، والتقدير كحلهم بالنار، فلما قدم النار نصبها بما بعدها، كما قال الله عز وجل: ( والظَّالمين أعدّ لهمْ عذاباً أليما ).الآية.تقديره: وأعد للظالمين، فلما قدم الظالمين نصبهم بما بعدهم.ويجوز في العربية: ( والنار كحلهم بها تكحيلا ).قال الله عز وجل: ( والقمرُ قدّرناه منازل )، فرفع القمر وأعاد عليه من الهاء.

( والبِيضَ ألبسهمْ، شديدا حرُّها. . . . . . . .فكفَى بذلك للعِدَى تنكيلا )

البيض موضع نصب بالبسهم.والواو ظرف للفعل، كأنه قال: وألبسهم البيض.ويقال العدى بكسر العين وطرح الهاء، والعداة بضم العين واثبات الهاء.قال أبو بكر: وحكى أبو العباس العدى، بضم العين وطرح الهاء.

( وأقام يُسقَى الخمرَ في عَرَصاتهم. . . . . . . .مَلِكٌ يُعلُّ شرابُه تعليلا )

الملك مرفوع بأقام.ويسقى حال.قال: وأقام يسقى الخمر ملك يعل شرابه، أي أقام في هذه الحال ملك.ويعل صلة ملك.ومعنى يعل يسقى مرة بعد مرة.وتعليلا منصوب على المصدر.

( حلَّت له من بعد تحريم لها. . . . . . . .أو أن يُمِسَّ الرأسَ منه غسيلا )

وقال في ذلك أيضا عمرو بن لأي بن موءلة بن عامر بن مالك بن تيم الله بن ثعلبة ابن عكابة، يتمنن على عمرو بن هند لما كان من نصرهم امرأ القيس على بني أسد:

( عَمرو بنَ هند أن مُهلكِةَ. . . . . . . .قولُ السَّفاه وشدّةُ الغَشْمِ )

عمرو بن هند، منصوب لأنه منادى مضاف، أراد: يا عمرو بن هند.والغشم: الظلم.

( ما شئتَ حِلٌّ لا حَرامَ له. . . . . . . .وحلالُكم أن شئتَ كالحِرمِ )

الحرم: الحرام.والحلال: المباح.

( فليس ذا ديناً يُدان به. . . . . . . .فاقصد بنا في الحكم والقَسْمِ )

الباء موضعها رفع لأنها قامت مقام ما لم يسم فاعله.ويدان به صلة الدين.والهاء تعود عليه.والدين في هذا الموضع: الطاعة.قال الله عز وجل: ( ما كان ليأخذ أخاه في دين المَلِك ) الآية.أي في طاعة الملك.

( وبنا تُدُورِكَ في بنى أسد وغْمٌ لحالك أكثرُ الوغم )

( قتلوا ابن أمِّ قطامِ ربَّهمُ. . . . . . . .حُجراً فما برئوا من الإثمِ )

( فسما امرؤ القيس الأغرُّ لهمْ. . . . . . . .في جحفل من وائل صَتْمِ )

( قُدُماً فهدَّم من مساكنهمْ. . . . . . . .ما كان أرعَنَ آمنَ الهدمِ )

الأرعن: الجيش العظيم.

( لم تَلقَ حيٌّ مثلَ صَبْحتهمْ. . . . . . . .في الناس من قتل ومن هَزْم )

( فأثبْ بخدمتنا وطاعتنا. . . . . . . .إيَّاكمُ وحديثُكم ينمِى )

أي يزيد ويكثر.وقال الأصمعي:حدثني من سمع عبد الله بن رألان التميمي - وكان راوية الفرزدق - يقول: لم أر رجلا ولم أسمع به كان أروى لأحاديث امرئ القيس بن حجر وأشعاره من الفرزدق.وإن امرأ القيس كان صحب عمه شرحبيلا قتيل الكلاب حتى قتل شرحبيل، وكان شرحبيل مسترضعا في بني دارم.وكان امرؤ القيس رأى من أبيه جفاء فلحق بعمه حتى قتل أبوه وقتل عمه، فانصرف بعد قتلهما إلى قومه.وقال عبد الله: أن الفرزدق قال:أصابنا مطر بالبصرة جود، فلما أصبحت غدوت ركبت بغلة لي، وخرجت نحو المربد، فإذا بآثار دواب قد خرجن إلى ناحية البرية، فظننت انهم خرجوا يتنزهون وهم خلقاء أن تكون معهم سفرة وشراب، فاتبعت آثارهم حتى انتهيت إلى بغال عليها رحائل موقوفة على غدير ماء، فأسرعت المسير إلى الغدير فأشرفت، فإذا فيه نسوة مستنقعات في الماء، فقلت: لم أر كاليوم قط ولا يوم دارة جلجل ! قال: ثم انصرفت فنادينني: يا صاحب البغلة، أرجع نسألك عن شيء.فانصرفت إليهن، وقعدن في الماء إلى حلوقهن، ثم قلن: نسألك الله إلا حدثتنا حديث يوم دارة جلجل.قال: فأخبرتهن كما كان.قال عبد الله بن رألان: فقلت: يا أبا فراس، وكيف كان حديث يوم دارة جلجل ؟قال: حدثني جدي وأنا يومئذ غلام حافظ لما أسمع، أن امرأ القيس كان عاشقا لابنة عمه، يقال لها عُنيزة، وإنه طلبها زمانا فلم يصل إليها، فكان محتالا لطلب الغرة من أهله، فلم يمكنه ذلك حتى كان يوم الغدير، وهو يوم دارة جلجل.وذلك أن الحي ارتحلوا، فتقدم الرجال وخلفوا النساء والعبيد والعسفاء - وهم الأجراء، واحدهم عسيف - والثقل، فلما رأى ذلك امرؤ القيس تخلف بعد قومه غلوة فكمن في غيابة من الأرض حتى مر به النساء، فإذا فتيات فيهن عنيزة، فلما رأين الغدير قلن: لو نزلنا في هذا الغدير واغتسلنا ليذهب عنا بعض الكلال.فقالت إحداهن: فافعلن.فعدلن إلى الغدير فنزلن ونحين العبيد عنهن ودخلن الغدير، فأتاهن امرؤ القيس مخاتلا وهن غوافل، فأخذ ثيابهن وهن في الغدير، ثم جمعها وقعد عليها وقال: والله لا أعطي جارية منكن ثوبها، ولو ظلت في الغدير إلى الليل، حتى تخرج كما هي متجردة فتكون هي التي تأخذ ثوبها ! فأبين ذلك عليه حتى ارتفع النهار، فخشين أن يقصرن دون المنزل الذي يردنه، فخرجت إحداهن فوضع لها ثوبها ناحية فمشت إليه فأخذته ولبسته، ثم تتابعن على ذلك حتى بقيت عنيزة، فناشدته الله تعالى أن يضع لها ثوبها، فقال: لا والله لا تمسينه دون أن تخرجي عريانة كما خرجن ! فخرجت ونظر إليها مقبلة ومدبرة، فوضع لها ثوبها فأخذته فلبسته، فأقبل النسوة عليه فقلن له: غدنا فقد حبستنا وجوعتنا ! فقال: أن نحرت لكنّ ناقتي تأكلن منها ؟ فقلن: نعم.فاخترط سيفه فعرقبها ثم كشطها، وجمع الخدم حطبا كثيرا فأجج نارا عظيمة، فجعل يقطع لهن من كبدها وسنامها وأطايبها فيرميه على الجمر، وهن يأكلن منه، ويشربن من فضله كانت معه في زكرة له، ويغنيهن، وينبذ إلى العبيد من الكباب حتى شبعن وشبعوا، وطربن وطربوا، فلما ارتحلوا قالت إحداهن: أنا أحمل حشيته وأنساعه.وقالت الأخرى: أنا أحمل طنفسته.فتقسمن متاع راحلته بينهن وزاده، وبقيت عنيزة لم يحملها شيئا، فقال لها امرؤ القيس: يا بنت الكرام، ليس لك بد من أن تحمليني معك فإني لا أطيق المشي ولم أتعوده.فحملته على بعيرها فكان يميل إليها ويدخل رأسه في خدرها ويقبلها، فإذا مال هودجها قالت: يا امرأ القيس، قد عقرت بعيري ! حتى إذا كان قريباً من الحي نزل فأقام، حتى إذا أجنه الليل أتى أهله ليلا، فقال في ذلك شعرا، فكان مما قال:

( قِفَا نَبْكِ مِن ذِكْرَى حَبِيبٍ ومنْزلِ. . . . . . . .بسِقْطِ الِّلوَى بين الدَّخُولِ فحَومَلِ )

قفا: أمر.ونبك جوابه.ومن صلة نبك.بسقط من صلة نبك.قوله ( قفا ) في الاعتلال له ثلاثة أقوال: أحدهن: أن يكون خاطب رفيقا واحدا وثنى، لأن العرب تخاطب الواحد بخطاب الاثنين، فيقولون للرجل: قوما، واركبا.قال الله تبارك وتعالى مخاطبا لمالك خازن جهنم: ( ألقِيَا في جَهنَّمَ كلَّ كفَّاٍ عنيدٍ )، فثنى وإنما يخاطب واحدا.وقال الشاعر:

فإنْ تزجراني يا ابن عفانَ انزَجرْ. . . . . . . .وإن تَدَعاني أحمِ عرضاً ممنَّعا

أبيت على باب القوافي كأنَّما. . . . . . . .أصادي بها سرباً من الوحش نُزَّعا

وأنشد الفراء:

فقلت لصاحبِي لا تحبسانا. . . . . . . .بنَزْع أصوله واجتزَّ شيِحا

وأنشد الكسائي والفراء:

أبا واصل فأكسوهُما حلَّيهما. . . . . . . .فإنَّكما أن تفعلا فتَيان

بما قامتا أو تَغلواكم فغالِيا. . . . . . . .وإن ترَخُصا فهو الذي تُرِدَان

فقال: أبا واصل، ثم ثنى فقال: فإنكما.وقال امرؤ القيس:

خليليَّ قُوماً في عَطالة فانظرا. . . . . . . .أناراً ترى من نحوما بين أم برقا

فقال: خليلي فثنى، ثم قال: أناراً ترى، فوحد.وأنشد الفراء:

خليليَّ مراً بي على أم جندب. . . . . . . .لنقضيَ حاجاتِ الفؤاد المعذّبِ

ثم قال بعد:

ألم تَرَ أني كلما جئتُ طارقاً. . . . . . . .وجدت بها طيباً وإن لم تَطَيَّبِ

والعلة في هذا أن أقل أعوان الرجل في إبله وماله اثنان، وأقل الرفقة ثلاث، فجرى كلام الرجل على ما قد ألف من خطابه لصاحبيه.والقول الثالث: أن يكون أراد قفن بالنون، فبدل اللف من النون، وجرى الوصل على الوقف، وأكثر ما يكون هذا في الوقف، وربما أجرى الوصل عليه.وكان الحجاج إذا أمر بقتل رجل قال: ( يا حرسي اضربا عنقه ! ).قال أبو بكر: أراد اضربن، فأبدل الألف من النون.وقال الله عز وجل: ( لنسفعاً بالناصية )، وقال في موضع آخر: ( وليَكونا من الصَّاغرين ) فالوقف عليهما لنسفعا وليكونا.وأنشد الفراء:

فمهما تشأ منه فزارةُ تُعطكم. . . . . . . .ومهما تشأ منه فزارةُ تمنعا

أراد تمنعن.وأنشد الفراء:

فإنَّ لكَ الأيَّامَ رهنٌ بضربة. . . . . . . .إذا شُبِرت لم تدر من أين تُسبَرا

أراد: تسبرن.وقال عمر بن أبي ربيعة:

وقمير بدا ابنَ خمس وعشري

نَ له قالت الفتاتان قوما

أراد: قومن.وأنشد الفراء:

يحسبه الجاهل ما لم يعلما. . . . . . . .شَيخاً على كرسيه معمَّما

أراد: يعلمن.وقال الأعشى:

وصَلِّ على حِينِ العشيَّات والضُّحى. . . . . . . .ولا تَحمَد المثرين واللهَ فأحمدا

أراد: فأحمدن.ويقال: إنما ثنى لأنه أراد: قف قف بتكرير الأمر، ثم جمعهما في لفظة واحدة.والدليل على إنه خاطب واحدا قوله:

أعِنِّى على برقٍ أريك وميضَه

ويقال: وقف الرجل في الموضع يقف وقوفا بغير ألف في الماضي، وكذلك وقفت وقفا للمساكين، ووقفت الدابة، وقف دابتك، لا تثبت الألف في شيء من هذا الباب الا في حرفين: أوقفت المرأة: جعلت لها وقفا وهو السوار من الذبل، وتكلم فلان بكلام ثم أوقف أي قطع الكلام.وفي شعر الطرماح.

فتطرَّبتُ للهوى ثم أوقف

تُ رضاً بالتقى وذو البِرِّ راضِ

واخبرنا أبو العباس عن سلمة عن الفراء قال: وقفت الدابة وأوقفتها.وقال: أوقفت عن الكسائي.وموضع ( قفا ) جزم بلام ساقطة، والتقدير لتقفا، فسقطت اللام والتاء لكثرة الاستعمال والأصل فيه بعد ذلك: اوقفا، فيجب أن تسقط الواو من الأمر بناء على سقوطها من المستقبل، فإذا سقطت الواو سقطت الألف التي من أجل سكونها دخلت فتصير قفا.وعلامة الجزم في قفا سقوط النون.وقوله: ( نبك من ذكرى حبيب ومنزل ) قال بعض أهل اللغة: نبك مجزوم على تأويل الأمر، وقال: التقدير قفا فلنبك، واحتج بقول الله عز وجل: ( ذَرْهم يأكلوا ويتمتَّعوا )، قال: فمعناه ذرهم ليأكلوا.قال: وكذلك قوله عز وجل: ( قل للذين آمنوا يغفروا ) فمعناه فليغفروا.وقال آخرون: نبك مجزوم لأنه جواب جزاء مقدر، والتقدير: قفا أن تقفا نبك، كما تقول للرجل: اقصد فلاناً ينفعك، ومعناه أن تقصده ينفعك.وقال الفراء: الأمر لا جواب له في الحقيقة، وذلك أنك إذا قلت للرجل: أطع الله يدخلك الجنة التقدير: أطع الله أن تطعه يدخلك الجنة، لأنه لا يدخل الجنة بأمرك، إنما يدخل الجنة إذا أطاع الله تبارك وتعالى.يقال: بكى الرجل يبكى بكاء وبكى بالمد والقصر.قال شاعر:

بكت عينى وحق لها بُكاها. . . . . . . .وما يغنى البكاء ولا العويلُ

ومن في صلة نبك.والذكرى خفض بمن.وهي مضافة إلى الحبيب.والمنزل نسق على الحبيب.وقوله: ( بسقط اللوى )، سقط اللوى: منقطعه، وهو مسقطه.واللوى: حيث يسترق الرمل فتخرج منه إلى الجدد.يقال في مثل: ( ألويتم فانزلوا ).وقال أبو عبيدة: يقال في سقط الرمل وسقط النار وسقط الولد ثلاث لغات: سِقْط وسُقط وسَقط.وقال الرياشي: كان الأصمعي لا يعرف إلا السقط، وهو سقط الرملة مفتوحا.والباء فيها ثلاثة أوجه: إحداهن أن تكون في صلة المنزل، ويكون التقدير: من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى.والوجه الثاني: أن تكون صلة لنبك، على معنى نبك بسقط اللوى.والوجه الثالث: أن تكون الباء صلة لقفا، ويكون التقدير: قفا بسقط اللوى.أجاز النحويون: كل نكرمك طعامنا، على معنى كل طعامنا نكرمك.والسقط خفض بالباء، وهو مضاف إلى اللوى.واللوى لا يتبين فيه الإعراب لأنه مقصور معتل.والدخول وحومل وتوضح والمقراة: مواضع ما بين إمرة إلى أسود العين.وأسود العين: جبل.وقال ابن حبيب: هي منازل كلاب.ورواه الأصمعي: ( بين الدخول وحومل ).وقال: لا يقال: رأيتك بين زيد فعمرو.وقال الفراء: بين الدخول فحومل معناه بين اهل الدخول فحومل، معناه فأهل حومل، فلذلك جاز أن يكون المنسوق بالفاء.قال الشاعر:

قفا نسألٍْ منازل آلِ ليلى. . . . . . . .فتُوضح بين حَومَل أو عُرادا

أراد: بين أهل حومل وبين أهل عراد.وقال الآخر:

لجارية بين السَّليل عُروقُها. . . . . . . .وبين أبي الصَّهباء من آل خالدِ

جعل السليل أبا جامعا، وكذلك أبو الصهباء، فلهذا المعنى رد ( بين ) مع الاسم الثاني.وقال هشام بن معاوية: المعنى بسقط اللوى ما بين الدخول إلى حومل، فأسقط ما.قال أبو بكر: وهذا خطأ في قول الفراء، لأن ( ما ) حد بين الشيئين، فلا يجوز سقوطها.قال الفراء: من قال: شربنا ما زبالة فالثعلبية، على معنى: ما بين زبالة إلى الثعلبية لم يسقط ( ما )، لأنها هي الحد بين الوضعين.وأنشد الفراء لبعض بني سليم:

يا أحسنَ الناسِ ما قَرْنا إلى قدمٍ. . . . . . . .ولا حبالَ محبّ واصل تصلُ

أراد ما بين قرن إلى قدم.ولا يجوز إسقاط ( ما ) لأنها حد بينهما.

( فَتُوضِحَ فالمِقْراةِ لم يَعفُ رَسمُها. . . . . . . .لِما نسجَتْها من جَنُوبٍ وشَمأَلِ )

توضح والمقراة: موضعان، ويقال: المقراة: غدير يجتمع فيه الماء.وموضعها خفض على النسق على الدخول فحومل، إلا أن توضح نصب لأنه لا يجرى للتعريف والتاء الزائدة في أوله، وما لا يجري لا يدخله تنوين ولا خفض.لم يعف رسمها، قال الأصمعي: معناه لم يدرس لما نسجته من الجنوب والشمال، فهو باق، فنحن نحزن، ولو عفا لاسترحنا.قال ابن أحمر:

ألا ليتَ المنازلَ قد بلينا. . . . . . . .قلا يرمين عن شُزُن حزينا

معناه لا يرمين عن تحرف وتشزن.يقال: شزن فلان ثم رمى، أي تحرف في أحد شقيه، وذلك أشد لرميه ونزعه.وشَزْن وشَزَن لغتان معناهما واحد.ومعنى البيت: ليتها قد بليتن حتى لا ترمى قلوبنا بالأحزان والأوجاع.يذهب الأصمعي إلى أن الريح أقبلت وأدبرت على هذه المواضع حتى عفتها وأبقت منها الأثر أو الرسم.وقال قوم: المعنى لم يعف رسمها للريح وحدها، إنما عفا للمطر والريح وغير ذلك من مر الدهور به ؛ وهو دارس في المعنى.وقال آخرون: لم يعف رسمها لاختلاف هاتين الريحين، ولو دامت عليه واحدة لعفا ؛ لأن الريح الواحدة تدرس الأثر، والريحان لاندرسانه ؛ لأن الريح الواحدة تسفى على الرسم فيدرس، وإذا اعتورته ريحان فسفت عليه إحداهما فغطته ثم هبت الأخرى كشفت عن الرسم ما سفت الأولى.والحجة في ذلك قول ذي الرمة:

مِنْ دمنة نسَفَتٍْ عنها الصَّبا سُفَعاً. . . . . . . .كما تُنشَّر بع الطِّيَّةِ الكُتبُ

سيلاً من الدِّعص أغَتْه معارفَها. . . . . . . .نكباءُ تسحب أعلاه فينسحبُ

يذهب إلى أن النكباء ألبست معارف هذه الدمنة سيلا من الدعص فسفته عنه الصبا، فكذلك هذا الرسم ألبسته الجنوب التراب والرمل فكشفته عنه الشمال.فمعنى هذا القول أن الرسم لم يدرس.وقال أبو بكر محمد بن آدم العبدي: معنى قوله: لم يعف رسمها، لم يدرس من قلبي وهو في نفسه دارس.والرسم: الأثر بلا شخص، وجمعه أرسم ورسوم، كما يقال أبحر وبحور في جمع البحر.ومعنى لم يعف: لم يدرس.يقال: عفا الأثر يعفو عَفواً وعُفُوا وعفاء.قال الشاعر

تَحمَّلَ أهلُها منها فبانوا. . . . . . . .على آثار مَنْ ذهبَ العفاءُ

ويقال: عفا الشيء يعفوا عفوا، إذا كثر.قال الله عز وجل: ( حتَّى عَفَوْا ) يريد: حتى كثروا.وقال الشاعر:

ولكنَّا نُعِضُّ السيفَ منها. . . . . . . .بأسؤُقِ عافياتِ اللحمِ كُومِ

ويقال: أعفيت الشيء، إذا كثرته.جاء في الحديث: ( أحفوا الشَّواربَ وأعفُوا اللحى ).ويقال: عفا فلان فلانا، إذا طلب نائله، وهو عاف وجمعه عفاة.قال الأعشى:

تَطوف العُفاةُ بأبوابه. . . . . . . .كَطَوف النَّصارى ببيت الوثنْ

والرسم رفع بيعف، ويعف مجزوم بلم، علامة الجزم فيه سقوط الواو.وقوله: ( لما نسجتها من جنوب وشمأل ).ما في معنى تأنيث، والتقدير: للريح التي نسجت المواضع.والهاء تعود على الدخول فحومل وتوضح والمقراة.ونسجت صلة ما، وما فيه يعود على ما.قال الشاعر:

ألِفَ الصُّفونَ فما يزال كأنه. . . . . . . .مما يقومُ على الثَّلاث كسيرا

فمعناه: فما يزال كأنه من الخيل التي تقوم على ثلاث، ومن الأجناس التي تقوم على ثلاث.ويروى: ( لما نسجته من جنوب ).فالهاء تعود على الرسم.وقال بعض أهل اللغة: يجوز أن تكون ما في معنى المصدر، يذهب إلى أن التقدير لنسجها الريح، أي لما نسجتها الريح.ثم أتى بمن مفسرة فقال: ( من جنوب وشمأل ).ففي نسجت ذكر الريح لأنها لما ذكر الريح لأنها لما ذكرت المواضع والنسج والرسم دلت على الريح، فكنى عنها لدلالة المعنى عليها.قال الله عز وجل: ( والنهار إذا جلاّها ).أراد: إذا جلى الظلمة، فكنى عن الظلمة ولم يتقدم ذكرها لذلك المعنى.قال الشاعر:

أماويّ ما يُغنى الثَّراءُ عن الفتى. . . . . . . .إذا حشرجَتْ يوماً وضاق بها الصَّدر

أراد: إذا حشرجت النفس، فكنى عنها ولم يتقدم ذكرها ؛ لان معناها مفهوم.ولم يجز أبو العباس أن يكون ( ما ) في معنى المصدر، واحتج بأن الفعل يبقى بلا صاحب.وفي الشمأل ست لغات: شمال بإثبات الألف من غير همزة، وشمأل بإثبات همزة بعد الميم، وشأمل بإثبات همزة قبل الميم.قال الشاعر:

وهبت الشأمل البليل وإذْ. . . . . . . .باتَ كميعُ الفتاة مُلتفِعا

وشَمَل بفتح الشين والميم من غير إثبات ألف ولا همزة.وقال عمر بن أبي ربيعة:

ألم تربعْ على الطلل. . . . . . . .ومَغنى الحيِّ كالخلَلِ

تُعفِّى رسمَه الأروا

حُ مرُّ صَباً مع البشَّمَلِ

وشَمْل، بفتح الشين وإسكان الميم.قال الشاعر:

أتَى أبدٌ من دُون حِدثانِ عهدها. . . . . . . .وجرَّت عليها كلُّ نافجة شَمْلِ

وشمول بإثبات الواو.قال ابن ميادة:

ومنزلة أخرى تقادم عهدُها. . . . . . . .بذي الرّمث يعفوها صَباً وشَمولُ

( تَرى بَعَرَ الآَرآم في عَرَصاتها. . . . . . . .وقيعانها كأَنَّهُ حَبُّ فُلفُلِ )

الأرآم: الظباء البيض، واحدها رئم.والعرصات: جمع عرصة، وهي الساحة.والقيعان: جمع القاع، وهو الموضع يستنقع فيه الماء.وروى هذا البيت أبو عبيدة.وقال الأصمعي: هو منحول لا يعرف، وقال: الأعراب يروونه فيها.

( كأَنِّي غَداةَ البَينِ يَومَ تحمَّلُوا. . . . . . . .لدى سَمُراتِ الحَيِّ ناقفُ حَنْظَلِ )

السمرات: شجر له شوك.يقول: اعتزلت أبكى كأني ناقف حنظل.لأن ناقف الحنظل تدمع عيناه، لحرارة الحنظل.

( وُقوفاً بها صَحبِي عليَّ مطِيَّهُم. . . . . . . .يقُولونَ لا تَهلِكْ أسىً وتَجَمَّلِ )

وقوفاً بها صحبي عليَّ مطيهم، في الاعتلال لنصب ( وقوفا ) أربعة أقوال:قال أبو العباس: كان أصحابنا يقولون: نصب وقوفا على القطع من الدخول فحومل وتوضح فالمقراة.قال أبو العباس: وأنا أذهب إلى أن وقوفا نصب على المصدر لقفا.قال: والتقدير: قفا كوقوف صحبي عليَّ مطيهم.وقال بعض النحويين: نصب وقوفا على القطع من الهاء التي في نسجتها، كما تقول: مررت بها جالسا ابوها، فتنصب جالسا على القطع من الهاء.وقال آخرون: نصب وقوفا على الحال مما في نبك، والتقدير عندهم: قفا نبك حال وقوف صحبي على مطيهم.وقال بعض النحويين: نصب على الحال مما في يقولون، والتقدير عندهم: يقولون لا تهلك أسى وتجمل في حال وقوف صحبي على مطيهم.هذا غلط ؛ لان الظاهر في التقدير مؤخر بعد المكنى، فالمكنى الذي في يقولون للصحب، ومعنى الصحب التأخير مع وقوف بعد يقولون، فلا يتقدم المكنى على الظاهر.وقال بعضهم: نصب وقوفا على الوقت، كأنه قال: وقت وقوف صحبي، كما تقول العرب: خرجنا خروجكم.يريدون خروجنا وقت خروجكم.فهذا قول خامس.وقال بعض أهل اللغة: التقدير بين الدخول فحومل فنوضح فالمقراة الوقوف بها صحبي، فلما أسقط الألف واللام نصبه على القطع.وهذا يرجع إلى معنى القول الأول الذي حكاه أبو العباس.إلا أن الفراء أنكر قول الذين يقولون: القطع ينتصب بسقوط الألف واللام منه، وقال: يلزمهم ألا يأتوا بالقطع مع المكنى فلا يقولوا: أنت متكلماً أحسن منك ساكتا، إذ كانت الألف واللام لا تحسن في متكلم، لأن أنت لا ينعت ؛ لشهرته وتعريفه.والصحب، موضعهم رفع بمعنى وقوف.وعلى صلة وقوف، والباء فتحت لاجتماع الساكنين.والمطي منصوي بوقوف.وواحد الصحب صاحب، كما تقول للطائر طير، وللراكب ركب.وواحد المطي مطية.والمطية: الناقة، وإنما سمى المطية لأنه يركب مطاها، أي ظهرها.ويقال: إنما سميت مطية لأنها يمطى بها في السير، أي يمد بها.يقال: مطوت بالقوم أمطو بهم مطوا، أي مددت بهم.قال امرؤ القيس:

مَطَوتُ بهم حتى تكلَّ غُزاتُهمْ. . . . . . . .وحتى الجيادُ ما يُقَدْنَ بارسانِ

فمعناه مددت بهم.ووزن مطية من الفعل فعيلة، اصلها مطيوة، فلما اجتمعت الياء والواو والسابق ساكن جعلتا ياء مشددة.ويقال في جمع المطية مطيات ومطي ومطايا.قال جرير:

ألستم خيرَ من ركِب المطايا. . . . . . . .وأنْدى العالَمين بطونَ راحِ

وقوله: ( يقولون لا تهلك أسى وتجمل ) معناه يقولون لا تهلك حزنا.يقال قد أسيت على الشيء أسى شديدا، إذا حزنت عليه.ويقال رجل أسيان من الحزن، وامرأة أسيا.ونصب ( أسى ) على المصدر، لأن قوله لا تهلك في معنى لا تأس، فكأنه قال: لا تأس أسى.هذا قول الكوفيين.وقال البصريون: نصب أسى لأنه مصدر وضع في موضع الحال، والتقدير عندهم: لا تهلك آسيا، أي حزينا.وموضع ( تهلك ) جزم بلا على النفي.وموضع ( تجمل ) جزم على الأمر، والياء صلة لكسرة اللام، كما قال زهير:

أمن أم أوفَى دِمنةٌ لم تَكلَّمِ. . . . . . . .بحَومانة الدَّرّاج فالمتثلِّمِ

فوصل الكسرة بالياء.والمعنى: لا تظهر الجزع ولكن تجمل وتصبر، وأظهر للناس خلاف ما في قلبك من الحزن والوجد، لئلا يشمت العواذل والعداة بك، ولا يكتئب لك الأوداء.

( وإِنَّ شِفائي عَبْرةٌ مُهَراقةٌ. . . . . . . .فَهَلْ عِندَ رسمٍ دارسٍ من مُعَوَّلِ )

ويروى: ( وإن شفائي عبرة أن سفحتها ).ومعنى سفحتها صببتها، قال الله عز وجل: ( أو دَماً مَسفوحاً )، يريد مصبوبا.وقال الشاعر:

أقول ونضوِي واقفٌ عند رمسها. . . . . . . .عليك سلامُ الله والعينُ تسفحُ

العبرة: الدمعة.والعُبْر والعَبَر: سُخنة العين.ومعنى قوله مهراقة: مصبوبة يقال أرقت الماء فأنا أريقه إراقة.وهرقت الماء أهريقه.ومن العرب من يقول: أهرقت الماء فيزيد ألفا قبل الهاء.ووزن أرقت أفعلت، أصله أريقت، فألقيت فتحة الياء على الراء، وصارت الياء ألفا لانفتاح ما قبلها، وسقط الألف لسكونها وسكون القاف.ومن قال هرقت الماء قال: قدرت العرب أن الهمزة فاء من الفعل فأبدلوا منها هاء، كما قالوا إبرية وهبرية، للذي يسقط من الرأس من الوسخ.وكما قالوا في الإغراء: إياك إياك، وهياك هياك.والذين قالوا أهرقت الماء قدروا أن الهاء فاء من الفعل، فزادوا عليها الألف.ووزن مهراقة من الفعل مفعلة، أصلها مريقة، فألقوا فتحة الياء على الراء فصارت الياء ألفا لانفتاح ما قبلها وزادوا قبل الراء الهاء التي في هرقت الماء.وقوله: ( فهل عند رسم دارس من معول ) أن قال قائل: كيف قال في البيت الأول لم يعف رسمها فخبر أن الرسم لم يدرس، وقال في هذا البيت: ( عند رسم دارس ) ؟ قيل له: في هذا غير قول، قال الأصمعي: قد درس بعضه وبقى بعضه ولم يذهب إلى كله، كما تقول: قد درس كتابك، أي ذهب بعضه وبقى بعضه.وقال أبو عبيدة: رجع فأكذب نفسه بقوله: ( فهل عند رسم دارس )، كما قال زهير:

قف بالديار التي لم يَعفُها القِدمُ. . . . . . . .بلى وغيَّرها الأرواحُ والدّيَمُ

وقال آخرون: ليس قوله في هذا البيت ( فهل عند رسم دارس ) بناقض لقوله ( لم يعف رسمها ) لأن معناه لم يدرس رسمها من قلبي وهو في نفسه دارس.وقالوا: أراد زهير في بيته: قف بالديار التي لم يعفها القدم من قلبي، ثم رجع إلى معنى الدروس فقال: ( بلى وغيرها الأرواح والديم ).وقال آخرون: معنى ( فهل عند رسم دارس ) الاستقبال كأنه قال: فهل عند رسم سيدرس بمرور الدهر عليه، وهو الساعة باق، كما تقول: زيد قائم غدا، معناه: زيد يقوم غدا.قال الراجز

يأيُّها الفُصَيِّل المغنِّى. . . . . . . .إنك ريَّان فصَمِّتْ عَنِّي

تكفى اللَّقوحَ أكْلةٌ من ثِنِ. . . . . . . .حتى تُوَفّى غيضَها بسنِّ

فمعنى ريان ستروى فيما يستقبل.ومعنى البيت: يا أيها الفصيل أمسك عن طلب اللبن، وسكِّت الاضياف عنى بإيثاري إياهم باللبن عليك، فإنما تعتلف أمك أكلة من هذا النبت فيرجع إليها ما نقص من لبنها وتروى.فريان في تأويل مستقبل لهذا.ومعنى قوله: ( من معول ) من مبكى.أخذ من العويل، وهو صياح.يقال: قد أعول الرحل فهو معول، إذا فعل ذلك.قال الشاعر:

بكت عيني وحُقّ لها بُكاها. . . . . . . .وما يغنى البُكاءُ ولا العويلُ

وقال آخرون: معنى قوله من معول: من أمر يعول عليه، وهو كل أمر يعتمد عليه وينفع.ويقال معنى قوله من معول: من محمل.يقال: عول على فلان، أي احمل عليه.أنشدنا أبو العباس عن ابن الأعرابي:

أتيت بنى عمى ورهطي فلم أجِدْ. . . . . . . .عليه إذا اشتدَّ الزمانُ معوَّلا

يقول: فهل يحمل على الرسم ويعول عليه ويكلم.وأي شيء أدرس من هذه المنازل إذا لم ير فيها إلا موتى.

( كَدأْبكَ منْ أُمِّ الحُوَيْرثِ قَبْلَها. . . . . . . .وجارتِها أُمِّ الرَّبابِ بمأْسَلِ )

الكاف صلة للكلام الذي قبلها.والمعنى: أصابك من هذه المرأة من التعب والنصب كما أصابك من هاتين المرأتين.وفيه قول آخر: وهو أن يكون المعنى: لقيت من وقوفك على هذه الديار وتذكرك أهلها كما لقيت من أم الحويرث وجارتها.قال الله تبارك وتعالى: ( كدأب آلِ فِرعَوْن ).فالكاف صلة للكلام الذي قبلها، والمعنى: كفرت اليهود ككفر آلِ فرعون.وروى أبو عبيدة: ( كدينك من أم الحويرث قبلها ) يريد: كدأبك وحالك وعادتك.قال الشاعر:

يا دينَ قلبكَ من أسماء يا دِينا

يريد: يا حال قلبك وعادته.ويروى: ( يا دين قلبك من أسماء ) على معنى: يا هذا، دين قلبك من أسماء، أي استعبد قلبك.وقال الآخر:

تقول وقد درأتُ لها وَضِيني. . . . . . . .أهذا دينُه أبداً وديني

أكُلَّ الدَّهر حَلٌّ وارتحالٌ. . . . . . . .أمَا يُبْقى علىَّ ولا يقيني

والدين ينقسم على خمسة أقسام: يكون الدين الحال والعادة والدأب، تقول العرب: ما زال ذاك دأبه وحاله وعادته، ودينه، وديْدنه وديْدانه، وهجيراه وإهجيراته.قال الشاعر:

رمَى فأخطأ والأقدارُ غالبةٌ. . . . . . . .فانصَعْن والويل هِجيِّراهُ والحَرَبُ

والديدبون: طريق اللهو واللعب.ويكون الدين الحساب.قال عز وجل: ( يسَألون أَيَّانَ يَوْمُ الدين )، فمعناه أيان يوم الحساب.ويكون الدين الجزاء في الخير والشر، يقال: ( كما تدين تدان )، أي كما تصنع يُصنع بك.وقال الآخر:

واعلمْ وأيْقِنْ أن مُلكَك زائلٌ. . . . . . . .واعلم بأنَّك ما تَدين تُدانُ

أي كما تصنع يُصنع بك.وقال الآخر:

فلما صرَّح الشَّرُّ. . . . . . . .فأمسى وَهْوَ عُريانُ

ولم يبقَ سوِى العُدوا. . . . . . . .ن دِنَّاهمْ كما دانوا

أي جازيناهم.ويكون الدين الطاعة، قال الله عز وجل: ( ما كانَ ليأخُذَ أخاهُ في دِين المَلِك )، أي في طاعة الملك.ويكون الدين السلطان، قال زهير:

لئن حللت بجوٍّ في بنى أسد. . . . . . . .في دِين عمرو وحالتْ بيننا فَدَكُ

وفي الدين وجه سادس، وهو الذل والعبودية.جاء في الحديث: ( الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت )، يريد من استعبد.وقال الأعشى:

هو دانَ الرِّبابَ إذْ كرهوا الدي

نَ دِراكاَ بغَزْوة وصِيالِ

ثم دانَتٍْ بعدُ الربابُ وكانت. . . . . . . .كعذابٍ عقوبةُ الأقوال

أراد: هو استعبد الرباب.وقال القطامي:

رَمَت المَقاتلَ من فؤادي بعدما. . . . . . . .كانت نَوَارُ تدينك الأديانا

أي تستعبدك بحبها.وقال هشام بن محمد الكلبي: أم الحويرث هي هر أم الحارث بن حصن بن ضمضم الكلبي.وقال غيره: أم الحويرث وأم الرباب: امرأتان من كلب.ومأسل: موضع.وأم الحويرث مخفوضة بمن، وقيل منصوبة على الصفة، والجارة منسوقة على أم الحويرث، وأم الرباب مترجمة عن الجارة.

( إِذا قامتا تَضَوَّعَ المِسْكُ منهُما. . . . . . . .نَسِيمَ الصَّبَا جاءَتْ برَيَّا القَرنفُلِ )

ما في قامتا يعود على أم الحويرث وأم الرباب.وتضوع جواب إذا.ومعنى تضوع.أخذ كذا وكذا، وهو تفعَّل تضوّع من ضاع يضُوع.يقال للفرخ إذا تسمع صوت أمه فتحرك: ضاعه صوت أمه يضوعه ضوعا.قال الهذلي:

فُرَيخان ينضاعَان في الفَجر كلّما. . . . . . . .أحسَّا دَوِىَّ الماء أو صوتَ ناعبِ

والهاء في ( منهما ) تعود على قامتا.ونسيم الصبا: تنسمها، وهو هبوبها بضعف.قال المجنون:

لَهِنَّ الصَّبا ريحٌ إذا ما تنسَّمَتْ. . . . . . . .على كِبدِ مَحزون تجلَّتْ همومُها

والنسيم منصوب على المصدر، والمسك مرفوع بتضوع.وقال الفراء: المسك مذكر فإذا أنث فإنما يذهب إلى الريح.وقال غيره: المسك والعنبر يذكران ويؤنثان.وأنشدوا في تأنيثهما:

والمسك والعنبر خيرُ طيب. . . . . . . .أخذناهنّ بالثمَنِ الرَّغيب

وقال الأعشى في تذكيرها:

إذا تَقومُ يَضُوعُ المسك آونةً. . . . . . . .والعنبر الوَرْدُ من أردانها شَمِلُ

والنسيم مضاف إلى الصبا، وجاءت صلة الصبا، وما فيه يعود على الصبا.وإنما جاز للصبا أن توصل لأن هبوبها يختلف فيصير بمنزلة المجهول، فيوصل كما يوصل الذي.قال الله عز وجل: ( كمثلَ الحمار يَحمل أسفاراً ) فيحمل صلة الحمار، والتقدير كمثل الحمار الذي يحمل أسفاراً.والباء من صلة جاءت.وريا القرنفل: ريح القرنفل ولا تكون الريا إلا ريحا طيبة.قال الشاعر:

لَعمرُكَ ما أن طِبتَ إلاَّ وقد جرى. . . . . . . .برَيَّاك من ريَّا الحبيبِ نَسيمُ

ويروى:

إذا التفتَتْ نَحوِي تضوَّع ريحُها. . . . . . . .نسيمَ الصبَّا جاءت بريا القرتفُلِ

( فَفَاضَت دُموعُ العَينِ مِنىِّ صبَابةً. . . . . . . .عَلَى النَّحْرِ حتَّى بَلَّ دَمعِيَ مِحْمَلي )

قوله ( ففاضت ) معناه: فسالت.والصبابة: رقة القلب، ورقة الشوق.يقال: فلان صب بفلان، وقد صب يصب.قال الشاعر:

يَصَبُّ إلى الحياة ويشتهيها. . . . . . . .وفي طول الحياةِ له عَناءُ

والصبابة منصوبة على المصدر، كما تقول: أقبل عبد الله ركضا، فتنصب ركضا على المصدر، والتقدير ركض عبد الله ركضا.قال الشاعر:

يعجبه السَّخُونُ والعصيدُ. . . . . . . .والتَّمرً حباًّ ما له مَزيدُ

نصب الحب على المصدر، والتقدير: يحب السخون حبا.قال امرؤ القيس:

فصرنا إلى الحُسْنىَ ورقَّ كلامُنا. . . . . . . .ورُضْت وَذلَّتْ صَعبةً أيَّ إذلالِ

فنصب أي على المصدر، لان التقدير وأذللت أي إذلال.وقال الله عز وجل: ( أنْبتَكُمْ مِن الأرضِ نَباتاً ).نصب النبات على المصدر، لان التقدير: نبتم نباتا.والمحمل: السير الذي يحمل به السيف، والجمع على غير قياس حمائل.وليس للحمائل واحد من لفظها، ولو كان لها واحد لكان حميلة، ولكان لم يسمع واحدها من العرب.وكذا قولهم: مطايب الثور والجزور، لا واحد للمطايب من لفظها.وقال الشاعر في المحمل:

فارفضَّ دمعُكَ فوق ظهر المِحْمَلِ

أخرى: ( وارفضَّ ).

( أَلا رُبَّ يَومٍ لَكَ منهنَّ صالحٍ. . . . . . . .ولا سيَّما يَومٌ بدارةِ جُلجُلِ )

الافتتاح للكلام، ورب فيها لغات، أفصحهن ضم الراء وتشديد الباء.قال الله عز وجل: ( رُبَّما يَوَدُّ الذين كَفَروا لو كانوا مُسْلِمِين ).وقال الأعشى:

رُبَّ رِفدٍ هرَقْتَه ذلك اليو

مَ وأسرَى كأنَّهنَّ السَّعالي

وشيوخٍ حرَبَى بشطَّيْ أريكٍ. . . . . . . .ونساءٍ كأنَّهنَّ السَّعالي

ومن العرب من يضم الراء ويخفف الباء فيقول: رُبَ رجلٍ قائم.قرأ أهل الحجاز: ( رًبَما يودُّ الذين كَفَروا )، بتخفيف الباء.وقال الفراء: قال قيس بن الربيع عن عاصم: قرأت على زرر بن حبيش: ( رُبَّما ) بالتشديد، فقال: إنك لتحب الرب ( رُبمَا ) فخفف.وقال الشاعر في التخفيف:

أشيَبْان ما أدراكَ أن رُبَ ليلةٍ. . . . . . . .غبقتكَ فيها والغَبوُق حَبيبُ

وقال الآخر:

رُبَ ذِي لِقَاحٍ وَيْبَ أمِّك فاحشٍ. . . . . . . .هاعٍ إذا ما النَّاسُ جاعُول وأجدَبُوا

وقال الآخر:

عُلِّقتُها عَرَضاً وأقتلُ قَومَها. . . . . . . .رُبَ مَزْعَم للمرءِ ليسَ بمزعَمِ

ومن العرب من يفتح الراء من رُبَّ ويشد الباء، فيقول: رَبَّ رجل قائل.وزعم الكسائي إنه سمع التخفيف في المفتوحة.ومن العرب من يدخل معها تاء للتأنيث ويشدد الباء، فيقول: رُبَّت رجل قائم.قال الشاعر:

ماويَّ بل رُبَّتَما غارةٍ. . . . . . . .شَعواءَ كاللَّذْعة بالميسمِ

ويجوز أن تخففها فتقول رُبَتَ رجل قائم.والمعنى: ألا رب يوم كان فيه لك سرور وغبطة.واليوم مخفوض برب، واللام صلة لليوم، ومن صلة اللام، كما تقول: مررت برجل في الدار خلفك، فتجعل في صلة رجل، وخلفك صلة في.ولا يجوز أن تكون اللام ومن صلتين لليوم، لأن الرسم لا يوصل بصلتين، لا يجوز أن تقول مررت برجل قام قعد.ويجوز أن تكون اللام صلة صالح، ومن صلة اللام.وصالح صلة لليوم مشبه بالنعت، من قبل إنه تبع اليوم، والصلات لا تتبع الأسماء.وقوله: ( ولا سيما يوم بدارة جلجل ) معناه التعجب من فضل هذا اليوم، أي هو يوم يفضل الأيام، والتقدير: ولا مثل الذي هو يوم.فما بمعنى الذي، واليوم مرفوع بإضمار هو.ويروى ( ولا سيما يوم ) فاليوم مخفوض بإضافة سي اليه، وما صلة.ويقال سيَما وسيَّما، بالتخفيف والتشديد.ويقال: هذا سي هذا، أي مثل هذا.ويقال: هما سيان، أي مثلان.ودارة جلجل: قام هشام بن الكلبي: هي عند غمر ذي كندة وقال الأصمعي وأبو عبيدة: دارة جلجل هي في الحمى.ويقال: دار ودارة، وغدير غديرة، وإزار وإزارة.والباء في قوله: ( بدارة جلجل ) صلة لليوم.

( ويَوْمَ عَقَرْتُ للعَذارَى مَطَّيتي. . . . . . . .فيا عجَبَا لرَحْلها المتَحمِّلِ )

اليوم موضعه رفع على الرد على اليوم الذي بعد سيما، إلا إنه نصب في اللفظ، لأنه مضاف غير محض.قال الله عز وجل: ( وما أدراكَ ما يومُ الدين.ثم ما أدراكَ ما يومَ الدين.يومَ لا تَملِكُ نفسٌ شيئاً )، فموضع اليوم رفع، إلا إنه نصب لأن إضافته غير محضة.قال الشاعر:

مِن أيِّ يومَيَّ من الموتِ أفغِرّ. . . . . . . .أيَومَ لا يُقْدَرُ أم يومَ قُدِرْ

فاليوم الذي بعد الألف وبعد أم مخفوض على الرد على اليومين الأولين.وقال الآخر:

على حينَ انحنيتُ وشابَ رأسي. . . . . . . .فأيَّ فتىً دعوتَ وأيَّ حينِ

وقال الآخر:

على حينَ عاتبتُ المَشِيب على الصبِّا. . . . . . . .وقُلتُ ألمَّا تَصْحُ والشيبُ وازِعُ

ومن روى البيت الأول: ( ولاسيما يومٍ ) قال: موضع ويوم عقرت خفض على النسق على اليوم الأول، إلا إنه نصب لأن إضافته غير محضة.وقال الفراء: لا يجوز أن يكون ( يوم عقرتُ ) مردودا على قوله ( ألا رب يوم لك منهن صالح )، لأنه مضاف غير محض وهو معرفة، فلا يجوز لرب أن تقع على المعارف.وقال غير الفراء: اليوم منصوب بفعل مضمر، كأنه قال: وأذكر يوم عقرتُ.وقالوا: معناه التعجب.قال أبو بكر: والقول الأول عندي أقيس، لأنا نضمر إذا لم يمكنا النسق، فإذا أمكننا فليس بنا حاجة إلى الإضمار.ويقال: العذارَى والعذارِى، والصحارَى والصحارِى، والذفارَى والذفارِى.ومطيته: ناقته.ويقال حمر مصارٍ ومصارَى: منسوبة إلى مصر ؛ ودجاج بحارٍ وبحارَى: منسوبة إلى البحر.وقوله: ( فيا عجبا لرحلها المتحمل ) معناه: فعلت هذا لسفهي في شبابي.ثم أقبل يخبر فقال: فظل العذارى يرتمين.ويقال معنى قوله: ( فيا عجبا لرحلها المتحمل ): العجب لهن ومنهن كيف أطقن حمل الرحل في هودجهن، فكيف رحلن إبلهن على تنعمهن ورفاهة عيشهن، ورخص أبدانهن.

( فظَلَّ العَذارَى يرتَمِينَ بلَحْمِها. . . . . . . .وشَحمٍ كهُدَّابِ الدِّمَقْسِ المُفَتَّلِ )

العرب تقول: ظل فلان يفعل كذا وكذا، إذا فعله نهارا ؛ وبات يفعل كذا وكذا، إذا فعله ليلا.وظل من الفعل فعل، ويظل يفعل، كان الأصل فيهما ظلل يظلل، فكرهت العرب أن يجمع بين حرفين متحركين من جنس واحد فأسقطوا حركة الحرف الأول وأدغموه في الثاني، كما قالوا صم يصم، والأصل فيه صمم يصمم، فأسقطوا حركة الميم الأولى وأدغموها في الثانية لما ذكرنا.والعذارى موضعهن رفع بظل، كان الأصل فيهن العذارى، فاستثقلت الضمة على الياء فحذفتها، لأن الضمة إعراب والياء قد تكون إعرابا، فكرهوا أن يدخلوا الضمة عليها لهذه العلة.وخبر ظل ما عاد من يرتمين من ذكر العذارى، والنون علامة الرفع والجمع والتأنيث.وقال أبو عبيدة: معنى قوله ( يرتمين بلحمها ): يتهادينه ويناول بعضهن بعضا.والدمقس والمدقس: كل ثوب أبيض من كتان أو إبريسم أو قز.وقال قوم: شبه شحم هذه الناقة وهؤلاء الجوارى يترامينه، أي يتهادينه، بهدأب الدمقس، وهو غزل الإبريسم المفتول.وقال الأصمعي: الهداب الهدب.والدمقس: الحرير.كانوا يتخذون قطفا من حرير يركبون عليها، وكانت حواشيها مما يلي الهداب منها بيضا.فشبه بياض اللحم ولينه ونعمته بذلك.يقال هداب وهدب.وقال ابن حبيب: شبَّه اللحم في بياضه بالدمقس.وقد يكون أن يحتذبنه ليلقم بعضهن بعضا.فشبه رقه الهدب به.وقال السجستاني: ثم اقبل يخبر أنهن كن يرتمين بلحمها وشحمها، يرمى بعضهن بعضا به، شهوة له.وقال غيره: المعنى: بذلت لحم راحلتي لهن، فهن يطرحنه على النار.والباء صلة يرتمين.ويرتمين يفتعلن من الرمي.والشحم منسوق على اللحم.والكاف في موضع خفض لأنها نعت للشحم، كأنك قلت: وشحم مثل هداب، كما تقول: مررت برجل كالشمس، أي مثل الشمس.والمفتل نعت للدمقس.

( ويَومَ دَخَلْتُ الخِدْرَ خِدْرَ عُنَيْزَةٍ. . . . . . . .فقالَتْ لَكَ الوَيْلاَتُ إِنَّكَ مُرجِلِي )

اليوم منسوق على قوله: ( ويوم عقرت )، يجوز فيه ما جاز فيه، وهو منصوب من قول قوم من النحويين بفعل مضمر، كأنك قلت: واذكر يوم عقرت.والخدر منصوب بدخلت، وخدر عنيزة مترجم عن الخدر الأول.وعنيزة مخفوضة بإضافة الخدر إليها، وكان ينبغي أن ينصبها بلا تنوين، لأنها لا تُجرى، كما تقول نظرت إلى فاطمة وعائشة، ولكنه خفضها بتنوين لضرورة الشعر.وعنيزة هي المرأة التي كانت حملته في هودجها فكان يحاول منها ما يحاول، فتمايل الهودج مرة به ومرة بها فتقول له عند ذلك: لك الويلات إنك مرجلي.قال ابن الكلبي: لا أعرف عنيزة.وقال الأصمعي: عنيزة لقب لفاطمة.وقال أبو نصر: عنيزة امرأة.وقال ابن حبيب: إنما الرواية: ( ويوم دخلت الخدر يوم عنيزة )، وقال: عنيزة: هضبة سوداء بالشحر ببطن فلج.والدليل على أن عنيزة موضع قوله: ( أفاطم مهلا ).وقوله: ( لك الويلات ) فيه قولان: أحدهما أن يكون دعاء منها عليه في الحقيقة، اذ كانت تخاف أن يعقر بعيرها.والقول الآخر: أن يكون دعاء منها له في الحقيقة، كما تقول العرب للرجل إذا رمى فأجاد: فاتله الله ما أرماه ! قال الشاعر:

لك الويلاتُ أقدِمنْا عليهم. . . . . . . .وخير الطالبي الترةِ الغَشومُ

وقالت الكندية ترثي اخوتها:

هَوتْ أمُّهمْ ماذا بهم يوم صُرِّعوا. . . . . . . .ببَيْسانَ من إثباتِ مَجدٍ تصرَّما

فقوله: ( هوت أمهم ) دعاء عليهم في الظاهر، وهو دعاء لهم في الحقيقة.وقوله: ( إنك مرجلي ) قال الأصمعي: دخل معها في الهودج فقالت: إنك تعقر بعيري فتدعني ذات رجلة ! والهودج، هو الخدر، ومن ثمة قيل: أسد خادر ومخدر، أي في أجمة مثل الخدر.يقال رجل الرجل يرجل رجلا، وأرجله إرجالا.وقال أبو عبيدة: إنما قال: ( عقرت بعيري ) ولم يقل ناقتي، لأنهم يحملون النساء على الذكور، لأنها أقوى وأضبط.والبعير يقع على المذكر والمؤنث.قال هشام: العرب تقول: اسقني لبن بعيرك، يريدون لبن ناقتك.

( تقولُ وقد مَالَ الغَبيطُ بنا معاً. . . . . . . .عَقَرْتَ بَعيرِي يا امْرأَ القيسِ فانْزلِ )

ما في تقول يعود على عنيزة في قول من زعم إنها امرأة، والواو واو حال، كأنه قال: تقول وهذه حالها، كما تقول: ضربت زيدا وقد قام، أي وهذه حاله.وإنما جاز لمال أن تكون حالا لأن قد صحبته، فصار بمعنى مائل، كما تقول: قد قام عبد الله وقاعد، فتنسق بقاعد على قد قام، لأنه بمنزلة قولك قائم عبد الله وقاعد.وقال الفراء: إذا قلت: قد اضطرب فلان، فهو مثل قولك: مضطرب فلان وأنشد:

أمِّ صبِيٍّ قد حبا أو دارجِ

قال الله عز وجل: ( أو جاءوكم حَصِرِتْ صُدورُهم )، فمعناه قد حصرت، لأن الماضي لا يكون حالا إلا بقد.وقد قرأ الحسن رحمه الله تعالى: ( حَصِرة صُدورهم ).و ( الغبيط ) قال أبو عمرو الشيباني: هو الهودج بعينه.وقال الأصمعي: قتب الهودج.وقال غيرهما: هو مركب من مراكب النساء.ومعا منصوب على الحال من النون والألف، والعامل فيه مال، كأنه قال: وقد مال الغبيط بنا جميعا، كما تقول: قام الزيدان معا، أي قاما جميعا.وقوله: ( عقرت بعيري ) قال الأصمعي: معناه تركت بعيري عقيرا.وامرؤ القيس منصوب لأنه منادى مضاف.وانزل موضعه جزم على الأمر، إلا إنه كسر اللام للقافية ووصل كسرة اللام بالياء، كما قال زهير:

أمِنْ أمِّ أوْفَى دِمنةٌ لم تَكَلَّم. . . . . . . .بحَومانة الدَّرَّاج فالمتثلِّمِ

( فقُلْتُ لها سِيرِي وأَرخى زِمَامَه. . . . . . . .ولا تُبعِديني مِنْ جَنَاكِ المُعَلِّلِ )

الهاء تعود على عنيزة.وقال الأصمعي: المعنى هوني عليك لا تبالي أعقر أم سلم.وقوله: ( من جناك ) قال الأصمعي: جعلها بمنزلة شجرة لها جنى، فجعل ما يصيب من رائحتها وحديثها وقبلها بمنزلة ما يصيب من رائحة الشجرة وثمرها.والمعلل: الشاغل الذي يعللني ساعة بعد ساعة، ويقال للمعلل الملهى.وموضع سيري جزم بتأويل لام ساقطة، كأنه قال: لتسيري، وعلامة الجزم فيه سقوط النون، لأن الأصل سيرين، وكذلك ( أرخة زمامه ).وقوله: ( ولا تبعديني من جناك ) موضع تبعديني جزم على النهي بلا، وعلامة الجزم فيه سقوط النون، وكان الأصل تبعديني.والجنى مخفوض بمن، والمعلل نعته.وجنى النخيل والشجر: ما اجتنى من ثمرها، قال الله عز وجل: ( وجَنَى الجَنَّتَيِنِ دَان ).وقال الشاعر:

وطيبُ ثمارٍ في رياضٍ أريضةٍ. . . . . . . .وأغصانُ أشجار جناها على قُربِ

( فَمِثْلِكِ حُبْلَى قد طَرَقْتُ ومُرضِعٍ. . . . . . . .فأَلْهَيْتُها عَنْ تَمائِمَ مُحْوِلِ )

فمثلك، مخفوضة بإضمار رب، كأنه قال: فرب مثلك.قال الشاعر:

ومنهلٍ فيه الغراب مَيْتُ. . . . . . . .سَقيتُ منه القومَ واستقيتُ

أراد: رب منهل، فحذف رب وأقام الواو مقامها.وقال الآخر:

رسِم دارٍ وقَفْتُ في طَلَلهْ. . . . . . . .كِدتُ أقْضِى الحياةَ مِن جَلَلِهْ

أراد: ورب رسم، فأسقط رب وأسقط الواو التي تخلفها، وقال الآخر:

مِثِلكِ أو خَيْرٍ تركتُ رذِيَّةً. . . . . . . .تقلِّب عينَيها إذا طار طائرُ

وحبلى خفض على الاتباع لمثل، لان مثلا تأويلها تأويل النكرة ولفظها لفظ المعرفة، فتبعتها حبلى وهي نكرة من اجل تأويلها.وقد طرقت صلة حبلى، والهاء المضمرة تعود عليها كأنك قلت: قد طرقتها.والمرضع مخفوضة على النسق على الحبلى، ويجوز أن يكون حبلى منصوبة على القطع من مثل، لأن لفظها لفظ المعرفة.ويجوز نصب مرضع من وجهين: أحدهما أن تنسقها على الحبلى، والوجه الآخر أن تنسقها على الهاء المضمرة، أي طرقتها وطرقت مرضعا.ولم يرو النصب أحد.قال الأعشى:

ومثلِكِ مُعجبَةً بالشَّبا

بِ صاكَ العبيرُ بأجسادها

فنصب معجبة على القطع من مثل، لان لفظها لفظ المعرفة، ويجوز الخفض لان تأويلها النكرة.قال امرؤ القيس:

ومثلِكِ بيضاءَ العوارض طَفْلَةً. . . . . . . .لعُوبًٍ تنِّسيني إذا قُمتُ سربالي

زعم الكسائي أنهم ربما نصبوا بيضاء العوارض طفلة، ثم يخفضون لعوبا.ويجوز خفض بيضاء العوارض طفلة ونصب لعوب.ويروى: ( فمثلك بكراً قد طرقتُ ومرضع ) فالبكر منصوبة على القطع منمثل، والمرضع مخفوضة بالواو التي خلفت رب، كأنك قلت: ورب امرأة أخرى ترضع ولدها قد طرقتها.وقال الأصمعي: معنى قوله: ( فمثلك حبلى قد طرقت ) أن الحبلى لا تريد الرجال ولا تشتهيهم، يقول: فهي ترغي فيّ لجمالي.وكل حامل تمنع الذكر إلا المرأة.وقوله: ( طرقت ) معناه أتيتها فغلبتها على نفسها حتى لهيت عن ولدها.ويقال: طرقت الرجل، إذا أتيته ليلا.ولا يكون الطروق إلا بالليل.قال الله عز وجل: ( والسَّماءِ والطارقِ ) فالطارق: النجم، سمى طارقا لأنه يطرق بالليل.قال جرير:

طرقَ الخيَالُ لأمِّ حزَرْة مَوهِناً. . . . . . . .ولَحَبَّ بالطَّيف الملمِّ خيَالا

( وقالت هند بنت عتبة ):

نحنُ بناتُ طارقِ. . . . . . . .نمشي على النَّمارقِ

تريد: نحن بنات النجم في الحسن والعز.وقوله: ( عن ذي تمائم محول ).قال أبو عبيدة: التمائم: العوذ، واحدتها تميمة.والمعنى: ألهيتها عن صبي ذي تمائم.ويقال: لهى الرجل عن الشيء يلهى، إذا غفل عنه وأعرض.يقال في مثل: ( إذا استأثر الله بشيء فاله عنه )، أي أعرض عنه.يقال: لهوت من اللهو ألهو لهواً.وقال أبو عمرو: المحول: الذي قد أتى عليه حول، يقال أحال إذا أتى عليه حول، وهو محيل ومحول.وروي الأصمعي وأبو عبيدة:

فألهيتُها عن ذي تمائمَ مُغْيِلِ

وقال الأصمعي: المغيل: الذي تؤتى أمه وهي ترضعه.يقال امرأة مغيل، ومغيل.وقد أغالت وأغيلت، إذا سقت غيلا.والغيل: أن يرضع على حمل، أو تؤتى أمه وهي ترضعه.وذكرت امرأة ابنها فقالت: ( والله ما حملته وضعا - ويروى ما حملته تضعا - ولا ولدته يتنا، ولا أرضعته غيلا، ولا أبته مئقا ).فالوضع: أن تحمل به في آخر طهرها في مُقبل الحيض.ويقال للولد وضع وتضع.واليتن والأتن والوتن: أن تخرج رجل المولود قبل رأسه.ويقال: أتنت المرأة وأيتنت وأوتنت، اذا نالها هذا.قال عيسى بن عمر: سألت ذا الرمة عن شيء ليس على جهة فقال: أتعرف اليتن ؟ فقلت: نعم.قال: فكلامك هذا يتن، كأنه مقلوب.ويقال ألهيت الرجل عن الشيء ألهيه، إذا شغلته عنه.ولهى الرجل عن الشيء يلهى.( ولا أبته مئقا )، معناه ما أبته ينشج من البكاء.وينشج: يردد الصوت بالبكاء.وأبته من البيتوتة.ومثل للعرب: ( أنت تئق وأنا مئق، فكيف نتفق )، أي أنت ممتلئ غضبا وأنا سريع البكاء، فلا نتفق لهذا.ومن ذلك قول الناس: هو أحمق مائق.في المائق قولان: أحدهما أن يكون معناه كمعنى الأحمق، والقول الآخر أن يكون المائق السيئ الخلق، فيكون مأخوذا من الباب الذي ذكرناه.

( إِذا ما بَكَى مِنْ خَلْفِها انصرفَتْ له. . . . . . . .بشِقٍّ وتحتي شِقُّها لم يُحوَّلِ )

يقول: كانت تحتي، فإذا بكى الصبي انصرفت له بشق ترضعه وهي تحتي بعد.وإنما تفعل هذا لأن هواها معي.وروى أبو عبيدة:

إذا ما بكى مِن خلفها انحرَفت له. . . . . . . .بشِقً وشِقٌّ عندنا لم يُحلحَلِ

أي لم يحرك.وما صلة، كأنه قال: إذا بكى.وما في ( بكى ) يعود على ذي تمائم.وانصرفت جواب إذا، والهاء في له يعود على ما في بكى.ويروى: ( إذا ما بَكَى من حُبِّها ).

( ويَوْماً على ظَهْر الكَثِيبِ تَعذَّرَتْ. . . . . . . .عَلَّى وآلَتْ حَلْفَةً لم تَحَلَّلِ )

اليوم منصوب بتعذرت، وعلى صلة اليوم.والكئيب: رمل مجتمع.( وتعذرت ): تشددت.ويقال: تعذرت الحوائج عند فلان، أي تعسرت.و ( آلت ): حلفت.ويقال ألوة، وألية، وألوة.وقوله: ( ويوم على ظهر الكثيب ).وقال السجستاني: تعذرت أصله من العذر، أي لم نجدها على ما نريد.

( أَفَاطِمَُ مَهْلاً بعضَ هَذَا التَّدلُّلِ. . . . . . . .وإِنْ كُنْتِ قد أَزمَعْتِ صُرْمى فأَجْمِلي )

قوله ( أفاطم )، معناه يا فاطم.وفي الاسم المنادى تسع لغات: يقال يا فاطم بإثبات يا، ويقال فاطم بإسقاط يا، قال الله عز وجل: ( يا آدَمُ أنبئْهُمْ بأسمائهم ) فأثبت يا، وقال في موضع آخر: ( يوسُفُ أعرِضْ عن هذا ).ويقال: وافاطم، ويقال أيضا: أفاطم، ويقال آفاطم بهمزة بعدها ألف، ويقال أيْ فاطم.أنشد الفراء:

ألم تسمعي أيْ عَبْدَ في رَونق الضُّحى. . . . . . . .بكاءَ حَمامات لهنَّ سَجيعُ

ويقال: آي فاطم، بإثبات ألف وياء بعد الهزة.قال الفراء: سمعت أعرابيا يقول: آي أمة، وأخرى، أي أمه.ويقال: أيا فاطم.قال الشاعر:

أيا بانةَ الوادي أليس بليةً. . . . . . . .من العيش أن تُحمَى على ظِلالُكِ

وقال الآخر:

أيا عمرو لا تعذُلْ محباًّ ولا تُعنْ. . . . . . . .على لَومِهِ، أن المحبَّ أسيرُ

ويقال: هيا فاطم.أنشد الفراء:

هيا أمَّ عمرو هل ليَ اليومَ عندكمْ. . . . . . . .بِغَيْبةِ أبصارِ العُداةِ سبيلُ

وأراد بقوله أفاطم يا فاطمة، فأسقط الهاء وترك الميم مفتوحة، كما يقال في ترخيم بثينة وخديجة: يا بُثين أقبلي، ويا خديج اقعدي.قال الشاعر ):

بُثَينَ الزمِي لا أن لا أن لزمِته. . . . . . . .علَى كثرة الواشين أي مَعونِ

ويجوز في العربية: أفاطمُ بضم الميم، على أن تجعله اسما فترفع آخره، كما ترفع آخر زيد وعمرو إذا ناديتهما.أجاز النحويون: يا بثينُ أقبلي ويا خديجُ اقعدي.وأنشد الفراء لذي الرمة:

فيا مَيَّ ما يُدرك أين مُناخنا. . . . . . . .مُعَرَّقةَ الألْحِى يمانِيَةً سُجْرا

وقال الفراء: يا فاطمةُ أقبلي ويا فاطمةَ أقبلي، فمن قال يا فاطمةُ هو نداء مفرد مرفوع، ومن قال يا فاطمةَ كان لد مذهبان: أن تقول أردت أن أقول يا فاطم بالترخيم فرددت التاء وقدَّرت فيها فتح الترخيم ؛ والمذهب الآخر أن يقول: أردت يا فاطمتاه، فأسقطت الألف والهاء وتركت التاء على فتحتها.قرأت القراء: ( يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا ) على معنى يا بنياه.قال أبو بكر: وأنشدني أبو العباس للنابغة:

كِلِيني لهمٍّ يا أميمةَ ناصِبِ. . . . . . . .وليلٍ أقاسيهِ بطئِ الكواكبِ

وذكر أبو العباس في فتح أميمة الوجهين اللذين ذكرهما الفراء.ويروى: ( أفاطم أبقى بعض هذا التدلل.وأبقى موضعه جزم، لأنه أمر علامة الجزم فيه سقوط النون، وهمزت الألف في الوصل لأنها ألف قطع، والدليل على ذلك أن الماضي على أرعة أحرف والمستقبل مضموم الأول، فالماضي بقى والمستقبل يُبقى.وبعض منصوب ببقى، وهذا مخفوض بإضافة بعض إليه، والتدلل تابع لهذا.ويروى: ( أفاطم مهلا بعض هذا التدلل ) فبعض في هذه الرواية منصوب بفعل مضمر، كأنك قلت مهلا أبقى بعض هذا التدلل، فحذفت الفعل لأن مهلا يدل عليه والرواية الأولى رواية أبي عمرو الشيباني.وقوله: ( وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي ) أن شرط، والتاء اسم الكون، وخبر الكون ما عاد من الاء التي في أزمعت، وصرمي منصوب بأزمعت، والفاء في قوله فأجملي جواب الشرط، وأجملي موضعه جزم لأنه أمر علامة الجزم فيه سقوط النون.والمعنى: أن كنت عزمت على هجري فأجملي في اللفظ.وقال الأصمعي: يقال قد أمعت على الأمر، وأجمعت عليه، وعزمت عليه، سواء.وهذا مثل قول العجاج:

فإنْ تُديمي وَصْلَ عَفٍّ وَصَّالْ. . . . . . . .يدُم وإلاَّ ينْصرفْ بإجمالْ

وروى أبو عبيدة: ( وإن كنت قد أزمعت قتلي فأجملي ).ويروى: ( وإن كنت قد أزمعت هجري ).ويقال في المثل: ( أجمل في قتلي ).ويقال: قتلة أحسن من هذه.وقال يعقوب: الصرم: القطيعة.يقال: صرمت الشيء أصرمه صرما، اذا قطعته ؛ والصرم الاسم، ومنه سيف صارم، ومنه زمن الصِّرام والصَّرام.ومنه الصرائم: قطع من الرمل تنقطع من معظمه.ومنه الصريمة: العزيمة.وقال ابن الكلبي: فاطمة هي ابنة العبيد بن ثعلبة بن عامر.قال: وعامر هو الأجدار بن عوف بن كنانة بن عوف بن عذرة.قال: ولها يقول:

لا وأبيكِ ابنةَ العامر

ىِّ لا يدَّعى القومُ أني أفِرّ

وإنما سمى الأجدار لجدَرة كانت في عنقه.

( أَغَرَّكِ مِنِّي أن حُبَّكِ قَاتِلِي. . . . . . . .وأَنَّكِ مَهْمَا تأْمُري القَلبَ يَفْعَلِ )

قوله ( أغرك مني ) لفظه لفظ الاستفهام ومعناه معنى التقرير، وهو بمنزلة قول جرير:

ألَستمْ خيرَ مَنْ ركِب المطايا. . . . . . . .وأندَى العالمينَ بطونَ راحِ

فاللفظ لفظ الاستفهام، والمعنى: أنتم خير من ركب المطايا.ومن صلة أغرك، وأن موضعها رفع بأغرك، كأنك قلت أغرك مني حبيك.وقاتلي موضعه رفع لأنه خبر أن، وأن الثانية موضعها رفع لأنها منسوقة على أن الأولى، والكاف اسم أن الثانية، وخبرها ما في تأمري، وتأمري موضعه جزم بمهما، علامة الجزم فيه سقوط النون، والقلب منصوب بتأمرى، ومهما موضعه نصب بتأمري.قال الفراء: كان الأصل في مهما ما، فحذفت العرب الألف منها وجعلت الهاء خلفا منها، ثم وصلت بما فدلت على المعنى وصارت كأنها صلة لما، وهي في الأصل اسم.وكذلك مهمن.قال زهير:

ومهما تكُنْ عند امرئٍ من خليقة. . . . . . . .ولو خالَها تَخفى على الناس تُعلَمِ

فموضع مهما رفع بما في تكن من ذكره، والذي في تكن اسم الكون، وعند خبر الكون.وقال الآخر في مهمن:

أماوِيَّ مَهْمَنْ يستمع في صديقه. . . . . . . .أقاويلَ هذا الناس ماوِيَّ يندمِ

فموضع مهمن رفع بما في يستمع.وقال بعض النحويين معنى مع كف، كما تقول للرجل إذا فعل فعلا لا ترضاه منه: مه ؛ أي كف.والمعنى: وأنك مهما تأمري قلبك يفعل لأنك مالكة له، وأنا لا أملك قلبي.وقال قوم: المعنى مهما تأمرى قلبي يفعل لأنه مطيع لك.

( وإِنْ تَكُ قَدْ ساءَتْكِ مِنِّى خَلِيقةٌ. . . . . . . .فسلِّى ثِيابي مِنْ ثِيابكِ تَنْسُلِ )

قوله ( إنْ تكُ ) موضع تك جزم بإن، علامة الجزم فيه سكون النون، والواو من تكون سقطت لاجتماع الساكنين، والساكنان الواو والنون، والنون حذفت لكثرة الاستعمال وشبهتها العرب بالواو والياء فأسقطوها كما يسقطونهما، فإذا تحركت النون لم يجز سقوطها.تقول: لم يك زيد قائما، ولم يك عمرو جالسا، فتسقط النون لما ذكرنا.فإذا قلت: لم يكن الرجل قائما لم يجز سقوط النون لتحركها.واسم الكون الخليقة، والخبر ساءتك، وجواب الجزاء الفاء.والمعنى: أن كان فيَّ خلق لا ترضينه فلي ثيابي من ثيابك، أي قلبي من قلبك.والثياب هاهنا كناية عن القلب.قال الله عز وجل: ( وثيابَكَ فطَهَّر ) معناه قلبك فطهر.قال عنترة:

فشككتُ بالرُّمح الطَّويلِ ثيابَه. . . . . . . .ليس الكريمُ على القنَا بمحرَّمِ

أراد: فشككت بالرمح قلبه.وقال امرؤ القيس:

ثيابُ بني عَوف طَهارَى نقيَّةٌ. . . . . . . .وأوجهُهْم عند المَشَاهِدِ غُرَّانُ

أراد بالثياب القلوب.ويقول: سلى ثيابي من ثيابك، أي أمري من أمرك، اقطعي.وقال خالد ابن كلثوم: كان طلاق أهل الجاهلية أن يسل الرجل ثوبه من امرأته وتسل المرأة ثوبها.وقال أبو عبيدة: إنما الثياب تنسل، وهو مثل للصريمة، كقولك: ثيابي من ثيابك حرام.وقال: هذا صرم والأول قتل، يعني قوله أزمعت قتلي.ويروى: ( وإنْ كنت قد ساءتك منى خليقة ).والخليقة والطبيعة والسَّليقة والسُّوس والتُّوس، كله واحد، ومعنى قوله ( تنسل ) تبين عنها.يقال للسن إذا بانت فسقطت: قد نسلت.ويقال للنصل إذا سقط: قد نسل.ويقال للريش إذا بان عن الطائر: قد نسل.وهو النسيل والنُّسال.وقد أنسل، إذا أنبت الريش.وموضع سلى جزم على الأمر، علامة الجزم فيه سقوط النون، وموضع تنسل جزم، لأنه جواب للجزاء المقدر ؛ والتقدير: فسلي ثيابي من ثيابك، أي أن تسليها تنسل.واللام كسرت لأنه احتيج إلى حركتها للقافية، والمجزوم إذا احتيج إلى حركته كسر.ويقال: نسل الريش ينسُل وينسِل.ويروى: ( فسلى ثيابي من ثيابك تنسل )، بكسر السين.

( وما ذَرَفَتْ عَيناكِ إِلاَّ لتَضْربي. . . . . . . .بسَهْمَيكِ في أَعْشَارِ قَلْبٍ مُقَتَّلِ )

قال ابن الأنباري: حدثني أبي قال: حدثنا أحمد بن عبيد قال: حدثنا هشام ابن محمد قال: حدثني شيبان بن معاوية قال: أخبرني رجل من أهل البصرة قال:خرجت من البصرة أريد مكة، فبينا أنا أسير في ليلة بدر اذ نظرت إلى رجل على ظليم قد زمه وخطمه، يعن لي - أي يعترض - وهو يقول:

هْل يُبْلغنّيهمْ إلى الصَّباحْ. . . . . . . .عِقْلٌ كأنَّ رأسَه جُمَّاحْ

قال: فاستوحشت منه وحشة شديدة، وتخوفت أن يكون ليس بإنسي.قال: فما زال يقول هذا البيت حتى أنست به، فقلت له: يا هذا، من أشعر الناس ؟ قال: الذي يقول:

وما ذَرَفتْ عيناكِ إلاّ لتضربي. . . . . . . .بسهمَيك في أعشارِ قلب مُقتَّلِ

قلت: لمن هذا الشعر ؟ قال لامرئ القيس.قال: قلت ثم من ؟ قال: الذي يقول:

تطردُ القُرَّ بحرّ صادق. . . . . . . .وعكيكَ القَيظ أن جاء بِقُرّ

قلت: لمن هذا الشعر ؟ قال: لطرفة بن العبد.قلت: ثم من ؟ قال: الذي يقول:

وتبْرُدُ بردَ رِداء العرو

سِ في الصَّيف رَقرقْتَ فيه العبيرا

قلت: لمن هذا الشعر ؟ قال: للأعشى.ثم توارى من عيني فلم أره.ومعنى قوله: ( إلا لتضربي بسهميك ): ما بكت إلا لتجرحي قلبا معشرا، أي مكسرا.يقال برمة أعشار وقدح أعشار، إذا كان قطعا.ولم يسمع للأعشار بواحد.يقول: بكيت لتجعلي قلبي مقطعا مخرقا فاسدا، كما يخرق الجابر أعشار البرمة، والبرمة تنجبر والقلب لا ينجبر.ومثله قوله، هو للمرقش الأصغر:

رمتْكَ ابنةُ البكريِّ عن فرعِ ضالةٍ. . . . . . . .وهنّ بنا خُوصٌ يُخلَن نعائما

أي نظرت إليك فأقرحت قلبك، وليس أنها رمتك بسهم.وقال غير الأصمعي: إنما هذا مثل لأعشار الجزور، وهي تقسم على عشرة أنصباء.وقوله ( بسهميك )، يريد المعلى وله سبعة أنصباء، والرقيب وله ثلاثة أنصباء.فأراد أنك ذهبت بقلبي أجمع.والمقتل: المذلل.يقال: بعير مقتل، أي مذلل.وهذا مثل.وروى أبو نصر عن الأصمعي إنه قال: معناه دخل حبك في قلبي كما يدخل السهم.يقول: لم تبكي لأنك مظلومة، وإنما بكيت لتقدحي في قلبي، كما يقدح القادح في الأعشار.

( وبَيضَةِ خِدْرٍ لا يُرامُ خِباؤُها. . . . . . . .تَمتَّعْتُ مِن لَهْوٍ بهَا غَيْرَ مُعْجَلِ )

معناه: رب بيضة خدر، أي رب امرأة كأنها بيضة في خدرها، شبهها بها لصفائها ورقتها.وقوله: ( لا يرام خباؤها ) معناه لعزها لا يتعرض لخبائها.والخباء: ما كان على عمودين أو ثلاثة.والبيت: ما كان على ستة أعمدة إلى التسعة.والخيمة من الشجر.وإنما شبهها ببيضة في خدرها لأنها مخدرة مصونة مكنونة لا تبرز للشمس، ولا تظهر للناس، فشبهها بالبيضة لصفائها وملاستها.ويقال: شبهها ببيضة النعام.وقوله: ( تمتعت من لهو بها غير معجل ) معناه: وصلت إليها وتمتعت على تمهل وتمكث، لم أعجل ولم أعر.ويقال معنى قوله: ( غير معجل ) غير خائف، أي لم يكن ذلك مما كنت أفعله مرة ولا مرتين.ولا يرام خباؤها صلة البيضة، والخبياء اسم ما لم يسم فاعله، ومن صلة تمتعت، وبها صلة لهو، وغير معجل منصوب على الحال من التاء.

( تَجَاوَزْتُ أحراساً إليها ومَعْشَراً. . . . . . . .عَلَّى حِراصاً لَوْ يُسِرُّونَ مَقْتَلِي )

ويروى: ( يشرون مقتلي ) بالشين، أي يظهرون.يقال أشررت الشيء، إذا أظهرته.قال الشاعر يذكر أصحاب على رضي الله تبارك وتعالى عنه:

فما برِحوا حتَّى رأى الله صَبَرهمْ. . . . . . . .وحتَّى أُشِرّتْ بالأكف المصاحفُ

يريد: حتى أظهرت.ويروى: ( تخطيت أبوابا إليها ومعشرا ).والأحراس: جمع الحرس.وقوله ( ومعشرا ) يريد قومها.يقول.تجاوزت إليها أعداء يتمنون قتلى لو وصلوا إليه.وقال يعقوب بن السكين: هذا مثل قولك: هو حريص على لو يقتلني.وقال غيره: معنى قوله ( لو يسرون مقتلي ): هم حراص على إسرار قتلى، وذلك غير كائن ؛ لشرفي ونباهتي وموضعي من قومي.ويقال أسررت الثوب، إذا شررته وأظهرته.ويسرون حرف من الأضداد، يقال: أسررت الشيء، إذا أخفيته ؛ وأسررته، إذا أظهرته.قال الله عز وجل: ( وأسَرُّوا النَّجْوَى الذين ظَلَموا )، معناه: وأظهروا النجوى.ذكر ذلك أبو عبيدة.واحتج بقول الشاعر:

ولما رأى الحجاجَ جرَّدَ سيفَه. . . . . . . .أسرَّ الحروريُّ الذي كان أضْمَرا

معناه أظهر الحروري.وقال أبو عبيدة في قول الله عز ذكره: ( وأسَرُّوا النَّدامةَ لمَّا رأوُا العَذَاب ): معناه: وأظهروا الندامة.وكان الفراء يذهب إلى أن المعنى وأخفوا الندامة من السفلة الذين أضلوهم.والأحراس منصوبون بتجاوزت، وواحدهم حرس، واليها صلة تجاوزت، والمعشر منسوق على الأحراس.والمعشر جمع لا واحد له من لفظه، وكذلك النفر والقوم، والرهط، والابل، والغنم، لا واحد لهذه الجموع من لفظها.وحراصا نعت للمعشر، وعلى صلة حراص.ومعنى لو يسرون: أن يسروا، وأن تضارع لو في مثل هذا الموضع، يقال: وددت أن يقوم عبد الله، ووددت لو قام عبد الله، إلا أن لو يرتفع المستقبل بعدها بالزيادة التي في أوله، وأن تنصب الفعل المستقبل.قال الله عز وجل: ( أيودُّ أحدُكُمْ أن تكونَ له جَنَّةٌ مِنَ نخيِلٍ وأعناب )، فجاء بأن.ومعنى: ( وَدُّوا لو تُدْهِنُ فيُدْهنُون ): ودوا أن تدهن فيدهنون. . .ومقتلي موضعه نصب بيسرون.

( إِذا مَا الثُّرَيَّا في السَّماءِ تَعَرَّضَتْ. . . . . . . .تَعَرُّضَ أثْناءِ الوشَاح المُفَصَّلِ )

إذا من صلة تجاوزت، والمعنى: تجاوزت أحراسا إليها عند تعرض الثريا في السماء في وقت غفلة من رقبائها.وقوله ( تعرضت ) معناه أن الثريا تستقبلك بأنفها أول ما تطلع، فإذا أرادت أن تسقط تعرضت، كما أن الوشاح إذا طرح تلقاك بناحية.وهذا مثل قوله:

كما خَطَّ عبِرانيَّةً بيمينه. . . . . . . .بِتَيْماء حَبْرٌ ثم عَرَّض أسطُرَا

يقول: خط أسطرا مستوية، ثم خالف أسطرا فجعل واحدا كذا وواحدا كذا.قال: ومثل هذا قوله:

تعرَّضَتْ لي بمكانٍ حِلِّ. . . . . . . .تعرُّضَ المُهْرَة في الطِّوَلِّ

الطول: الرسن.يقول: تريك عرضها وهي في الرسن.والوشاح: خرز يعمل من كل لون.والمفصل: الذي فصل بالزبرجد.وأثناء الوشاح: نواحيه ومنقطعه، وواحد الأثناء ثنْى وثنِى وثَنىً، وواحد آلاء الله سبحانه وتعالى إلى وإلاً وألاً، وواحد آناء الليل إنى وإناً وأناً.قال الشاعر:

حُلْوٌ ومُرّ كَعَطْف القِدحِ مِرَّتُه. . . . . . . .في كلِّ إنْىٍ قَضاهُ الله يَنتعِلُ

وقال الآخر:

أبيضُ لا يرهب الهُزالَ ولا. . . . . . . .يقطع رِحماً ولا يَخُونُ إلاَ

وأنكر قوم ( إذا ما الثريا في السماء تعرضت ) وقالوا: الثريا لا تعرض لها.ويحكى عن محمد بن سلام البصري إنه قال: إنما عنى بالثريا الجوزاء، لان الثريا لا تعرض.قال: وقد تفعل العرب مثل هذا، واحتج بقوله زهير:

فتُنْتَجْ لكم غِلمانَ أشأمَ كلُّهم. . . . . . . .كأحمرِ عادٍ ثم تُرضِع فتَفْطِمِ

قال: أراد كأحمر ثمود، فجعل عادا في موضع ثمود لضرورة الشعر.وقال أبو عمرو: تأخذ الثريا وسط السماء كما يأخذ الوشاح وسط المرأة.وإذا وقت، وما صلة للكلام على جهة التوكيد له، والثريا مرتفعة بما في تعرضت، وفي السماء صلة تعرضت، وتعرض أثناء منصوب على المصدر، وهو مضاف إلى الأثناء، والأثناء مضاف إلى الوشاح، والمفصل نعت للوشاح.ويقال معنى قوله: كأثناء الوشاح، إنه شبه اجتماع الكواكب في الثريا ودنو بعضها من بعض بالوشاح المنظم بالوداع المفصل بينه.

( فجئْتُ وقد نَضَتْ لنَومٍ ثِيابَها. . . . . . . .لَدَى السِّتْرِ إِلاَّ لِبْسَةَ المُتفَضِّلِ )

قوله ( وقد نضت لنوم ثيابها ) معناه: وقد سلخت ثيابها عنها وألقتها.يقال: نضا عنه ثيابه، وسرى عنه ثيابه، إذا ألقاها.قال ابن هرمة:

سَرَى ثوبَه عنك الصِّبا المتَخايلُ

ويقال: نضا خضابه، إذا نصل من الشعر.وقد نضا الفرس الخيل، إذا نصل منها فخرج.ومنه انتضى سيفه، إذا أخرجه.وقوله: ( إلا لبسة المتفضل )، معناه ليس عليها من الثياب إلا شعارها، وهو ثوبها الذي يلي جسدها، وتقوم وتقعد فيه وتنام.يقول: جئتها بعد هدء من الليل.ويروى: ( فجئت وقد ألقت لنوم ثيابها ).والفاء التي في قوله فجئت، تصل ما بعدها بما قبلها، والواو في قوله وقد نضت واو حال، وما في نضت يعود على المرأة، ولدى الستر معناه عند الستر، واللبسة منصوبة على المصدر، وهي مضافة إلى المتفضل.والمتفضل: الذي في ثوب واحد، وهو الفضل.

( فقالَتْ: يَمِينَ اللهِ مالَكَ حِيلةٌ. . . . . . . .وما أن أَرَى عَنْكَ الغَوايَةَ تَنْجَلِي )

وروى الأصمعي: ( وما أن أرى عنك العماية ).والعماية: مصدر عمى يعمى عمى وعماية.والغواية: مصدر غوى يغوى غيا وغواية.ويقال: غوى الفصيل يغوى غوى، وهو أن يشرب من اللبن حتى يتخثر ولا يروى.قال الشاعر:

معطَّفةُ الثناءِ ليس فَصِيلُها. . . . . . . .برازئها دَرّا ولا ميِّتٍ غَوَى

وقال الأصمعي: مالك حيلة، تجيء والناس أحوالي.وقال ابن حبيب: مالك حيلة، معناه لا أقدر أن أحتال في دفعك عني.وقال غيره: وليس لك حجة في أن تفضحني.وقال آخرون: معناه ليس لك وجه مجيء إلينا.ومعنى تنجلي تتكشف.والجلية: الأمر البيَّن، ومن ذلك جلوت العروس، معناه أظهرتها.وجلا القوم عن منازلهم جلاء، معناه انكشفوا وظهروا، قال الله عز وجل: ( ولولا أن كتبَ اللهُ عليهم الجَلاَءَ لعذَّبَهُمْ في الدُّنيا ).و ( يمين الله ) منصوب على مذهب القسم، قال الفراء: هو منصوب بالجواب، وجواب القسم مالك حيلة، والحيلة مرفوعة باللام.وما جحد لا موضع لها، والغواية منصوبة بأرى، وما جحد لا موضع لها وإن جحد أيضا، جمع بينها وبين ما لأنها تخالفها في اللفظ.وخبر أرى ما عاد من تنجلي.

( فقُمْتُ بها أَمْشِى تَجُرُّ وراءَنا. . . . . . . .على إِثْرِنا أَذْيالَ مِرْطٍ مُرَحَّلِ )

معناه: قمت بها وقد خاصرتها وأخذت بيدها: وهي تجر ذيلها لتعفى الأثر لئلا يستدل علينا.ويروى: ( خرجت بها أمشي )، أي خرجت بها من البيوت لنخلو.و ( المرط ): كساء من خز أو غيره، ويقال هو ثوب من مر عزى.و ( المرحل ): ضرب من البرود، ويقال لو شيه الترحيل، وقد رحلت ترحيلا.ويقال المرحل: المعلم بأعلام كالرحال.والمسهم: المعلم بأعلام تشبه أفاويق السهام.وأنشد الأصمعي:

فظَلَّتْ تعفِّى بالرداء مكانَنا. . . . . . . .وتَلقُط وَدْعاً من جُمان محطَّمِ

وقال غيره: هذا مثل قول الآخر:

تُعَفِّى بذَيل المِرْط إذْ جئتُ مَوْدِقي

وروى أبو عمرو: ( على إثرنا أذيال نير )، ويروى: ( على أثرينا نير مرط مرحل ).وأمشى موضعه رفع بالألف، علامة الرفع فيه سكون الياء، وموضعه في التأويل نصب على الحال من التاء في قمت، والتقدير: قمت بها ماشيا.وتجر فيه كناية مرفوعة تعود على المرأة، والأذبال منصوبة بتجر، وهي مضافة إلى المرط، والمرحل نعته.

( فلَمَّا أَجَزْنا سَاحةَ الحَيَّ وانْتَحَى. . . . . . . .بِنا بَطْنُ خَبْتٍ ذِي قِفافٍ عَقَنْقَلِ )

ويروى: ( بظن حقف ذي ركام ).وقال الأصمعي: أجزنا: قطعنا، يقال: أجزت الوادي، إذا قطعته وخلفته وجزته وسرت فيه.وقال أوس بن مغراء:

حتَّى يُقالَ أجِيزُوا آلَ صفوانا

يعني أنفذوهم ؛ وهو من الأول.و ( الساحة )، والفجوة، والعرصة، والباحة، والنالة، كل هذا فناء الدار.وانتحى: اعترض.والخبت: بطن من الأرض غامض.والحقف: رمل منعرج.وركام: بعضه فوق بعض.قال جرير:

عرفَتُ الدَّار بعد بِلَى الخيامِ. . . . . . . .سقُيتِ نَجىَّ مُرتجِزٍ رُكامِ

كأنَّ أخا اليهودِ يخطُّ وَحياً. . . . . . . .بكافٍ في منازلها ولامِ

وقال الله عز وجل: ( ثمَّ يَجعلُه رُكاماً )، أي متراكما بعضه على بعض.و ( القفاف ): جمع قف، وهو ما غلظ من الأرض وارتفع.وقال بعض أهل اللغة: لا يجوز: ( انتحى بنا بطن خبت ) لأن الخبت المستوى من الأرض ولا يكون فيه ركام، والحقف يكون وسط الرمل.ويروى: ( وانتحى بنما ثنى رمل ذي قفاف ).و ( العقنقل ): المنعقد الداخل بعضه فوق بعض.وعقنقل الضب: بطنه المنعقد.يقال في مثل من الأمثال: ( أطعم أخاك من عقنقل الضب ) يضرب هذا المثل عند الخصوصية يخص بها الإنسان.وعقنقله: كشيته وبيضه.والكشية: شحمة من أصل حلقه إلى رفغه.وجمع الكشية كشى.قال الشاعر:

إنكَ لو ذُقْتَ الكشى بالأكبادْ. . . . . . . .لم ترسل الضَّبَّةَ أعداءَ الوَادْ

ولما وقت فيها طرف من الجزاء، والساحة منصوبة بأجزنا، وهي مضافة إلى الحي.وقال أبو عبيدة: وانتحى نسق على أجزنا.وجواب فلما أجزنا ( هصرت بفودي رأسها ).وقال غيره: وانتحى جواب فلما، والواو مقحمة لمعنى التعجب، وإنما تقحم الواو مع لما، وحتى إذا، قال الله عز وجل: ( فلمَّا أسْلَمَا وتَلَّهُ للجبِينِ ونادَيْناهُ أن يا إبراهيم ) معناه ناديناه، فأقحم الواو.وقال عز وجل: ( حَتَّى إذَا فُتِحَتْ يَأجوجُ ومَأجوجُ وهُمْ من كل حَدَب يَنْسِلُون.واقْتَرَبَ )، معناه اقترب، فاقتحم الواو على الجواب.وقال عز وجل: ( حتى إذا جاءوها وفُتِحتْ أبْوابُها )، أراد: فتحت أبوابها، فاقتحم الواو.وأنشد الفراء:

حتى إذا قَمِلتْ بطونكُم. . . . . . . .ورأيتُم أبناءَكم شَبُّوا

وقَلبْتُمُ بظنَ المِجَنِّ لنا. . . . . . . .إنّ اللئيمَ العاجز الخَبُّ

معناه قلبتم، فأقحم الواو.وقال أبو عبيدة: الواو في هذه الأبيات واو نسق، والجواب محذوف لعلم المخاطبين به.وقال عبد مناف بن ربع، في آخر قصيدة له:

حتَّى إذا أسلَموهم في قُتَائِدةٍ. . . . . . . .شَلاًّ كما تَطُرد الجَمَّالةُ الشرُدا

فحذف جواب حتى إذا.واحتج بقول امرئ القيس:

ألاَ يا عينُ بكِّى لي شَنِينَا. . . . . . . .وبَكِّى للمُلوكِ الذَّاهبِينا

ملوك من بني حُجْر بن عمروٍ. . . . . . . .يُسَاقُونَ العشيّةَ يُقَتلونا

فلو في يومِ مَعركةٍ أصِيبوا. . . . . . . .ولكنْ في ديار بني مَرِينا

أراد: فلو كان في يوم معركة أصيبوا لكان أسهل، فحذف الجواب.واحتج بقول الأخطل في آخر قصيدة له:

خلا أن حيّاً من قريش تكرَّموا. . . . . . . .على الناس أو أن الأكارمَ نَهْشلا

أراد: فعلوا كذا، فحذف خبر أنَّ، اتكالا على علم المخاطبين به.

( مَددْتُ بُغصْنَيْ دَومَةٍ فتمايَلَتْ. . . . . . . .عَلَّى هَضيمَ الكَشْحِ رَيَّا المخَلْخَلِ )

ويروى: ( إذا قلت هاتى نوليني تمايلت ).فمعنى هاتى أعطيني نوالك، أي أصيري إلى وصالك وأفضلي علىَّ به.ويقال للرجل: هات يا رجل، فعلامة الجزم فيه سقوط الياء، وهو على مثال قاض يا رجل.وتقول للاثنين: هاتيا يا رجلان، وللجميع: هاتوا، وللمرأة: هاتي يا امرأة، وللمرأتين: هاتيا يا امرأتان، وللنسوة: هاتين يا نسوة.وإذا قال رجل لرجل: هات يا رجل، فأراد أن يقول له لا أفعل قال: لا أهاتي.ومعنى ( توَّليني ): ليصبني منك نوال.قال الأحوص:

ولقد قلت يومَ مَكةَ سرًّا. . . . . . . .قبل وشكٍ من بَيْنها نوِّليني

ويقال: معنى قوله نوِّليني قبِّليني.والتنويل والتقبيل واحد.وقل الأحوص:

لقد منعَتْ مُعروفَها أمُّ جعفرٍ. . . . . . . .وإني إلى معروفِها لفقيرُ

ومعنى ( تمايلت ) أصغت إلى رأسها، أي أمالته.ويروى: ( مددت بفودي رأسها )، ويروى: ( هصرت بفودي رأسها ): فمعنى هصرت جذبت وثنيت.والفودان: جانبا الرأس.ومن روى: ( مددت بغصني دومة ) قال: الدومة الشجرة، ويقال في جمعها دوم.قال الشاعر:

أجِدَّكَ تَطِوى الدَّوْمَ ليلاً ولا ترى. . . . . . . .عليكَ لأهل الدَّوم أن تتلكَّما

وبالدَّوم ثاوٍ لو ثَويتَ مكانه. . . . . . . .فمرَّ بأهل الدَّوم عاجَ فسلَّما

و ( هضيم الكشح ): ضامر الكشح داخلته.والهضوم: مطمأنات من الأرض.ومنه: اهضم له من حقك، أي انقص له من حقك.قال الله عز وجل: ( فلا يَخافُ ظُلْماً ولا هَضْماً ) معناه ولا نقصانا.قال الشاعر:

يديان بيضاوان عند مُحلِّم. . . . . . . .قد تمنعانك بينهمْ أن تُهْضَما

أي تنقص.ويقال للجوارشن: الهاضوم.ويقال معنى قوله: ( تمايلت علىَّ ): التزمتني، وهو إعطاؤها.و ( الكشح ): ما بين منقطع الأضلاع إلى الورك.ويقال: هو الكشح، والخاصرة، والقرب، والأيطل، والإطل، ومنهم من يكسر الطاء فيقول إطل، واحد.وليس في الكلام اسم واحد على مثال فعل إلا إبل وإطل.و ( المخلخل ): موضع الخلخال.والمسور: موضع السوار.ويقال السُّوار بالضم.والمخدم: موضع الخدمة.والمقلد: موضع القلادة.و ( الريا ): الممتلئة لحما المكتنزة.والذين رووه: ( بغصني دومة ) قالوا: شبه المرأة بالدومة في طولها واعتدالها، وشبه كثرة الشعر بأغصان الدومة.وتمايلت جواب إذا قلت هاتي، وفاعل تمايلت مضمر فيه، كأنه قال: تمايلت المرأة على.ونصب هضيم الكشح على الحال مما في تمايلت.وموضع ريا المخلخل نصب على الاتباع لقوله هضيم الكشح.

( مُهَفْهَفَةٌ بَيْضاءُ غَيْرُ مُفَاضَةٍ. . . . . . . .تَرائِبُها مَصْقُولةٌ كالسَّجَنْجَلِ )

المهفهفة: الخفيفة اللحم التي ليست برهلة ولا ضخمة البطن.والمفاضة: المسترخية البطن.وقال يعقوب: مهفهفة: مخففة، ليست بمثقلة منفضخة ولا عظيمة البطن.وأنشد لأعشى باهلة:

مهفهفٌ أهضم الكَشْحَين منْخَرِقٌ. . . . . . . .جَيْبَ القميصِ لِسير اللَّيل محتقرُ

وقال بعض البصريين: مهفهفة معناه لطيفة الخصر.وقال يعقوب: المفاضة: المتفتقة المندحة البطن ؛ يقال اندح، إذا اتسع.وهو من قولهم: حديث مستفيض.وقال أبو عبيدة: المفاضة قد طالت حتى اضطربت وسمج طولها فأفرط ؛ وهو في النساء عيب، وفي الدرع مدح.و ( الترائب ): جمع تريبة، وهو موضع القلادة من الصدر.قال الله عز وجل: ( يَخْرُجُ مِن بَيْن الصُّلب والتَّرائب ).وأنشد الفراء:

والزَّعفرانُ على ترائبها. . . . . . . .شَرِقاً به اللَّبَّاتُ والنَّحرُ

ويقال في جمع التريبة تريب أيضا، قال الشاعر:

ومن ذهب يُسَنُّ على تَريبٍ. . . . . . . .كلون العاج ليسَ بذي غُضُونِ

وقال سهل: التريبتان: الثندوتان.وقوله ( كالسجنجل ) قال يعقوب: هو رومي.قال: وأراد مرآة.قال: وهو أيضا قطع الفضة وسبائكها.وأبو عبيدة يرويه ( مصقولة بالسجنجل ).ويقال السجنجل: الزعفران، ويقال السجنجل: ماء الذهب والزعفران.والمهفهفة ترتفع بإضمار هي مهفهفة ؛ وبيضاء وغير: نعتان لمهفهفة، وغير مضافة إلى المفاضة، والترائب ترتفع بمصقولة، ومصقولة بالترائب، والكاف في موضع رفع لأنها نعت لمصقولة، والتقدير هي مصقولة مثل السجنجل.ومن رواه ( مصقولة بالسجنجل ) نصب الباء بمصقولة.وإنما يصف المرأة بحداثة السن.ويقال في جمع السجنجل سجاجل.

( تَصُدُّ وتُبْدِى عَنْ أَسِيلٍ وتَتَّقى. . . . . . . .بناظرةٍ مِنْ وَحْشِ وَجْرَةَ مُطْفِلِ )

قوله ( تصد وتبدى )، معناه تعرض عنا وتبدى عن خد أسيل ليس بكز.وقوله ( وتتقى بناظرة ) أي وتلقانا بناظرة، يعنى عينها.ويقال اتقاه بحقه، أي جعله بينه وبينه.ووجرة: موضع.ويقال لقينا العدو فاتقينا بفلان، أي قدمناه بين أيدينا.ومطفل: ذات طفل، وهو الغزال.والمطفل أحسن نظرا من غيرها ؛ لحسن نظرها إلى طفلها من الرقة والشفقة، كما قال في قصيدته الأخرى:

نظرتْ إليك بعَينِ جازية. . . . . . . .حَوراءَ حانية على طِفْلِ

ويروى: ( تصدى وتبدى عن أسيل ) يريد تتصدى أي تتعرض لتنظر.وقال بعضهم: معنى قوله تتقى، تتقى بعينها من تخافه من أوليائها.ويقال: إنما وصفها بأنها مطفل لأنه أراد: ليست بصبية، بل قد استكملت وعقلت.وقال كثير:

وما أمُّ خِشْف بالعَلايَةِ شادنٌ. . . . . . . .تنشِّئُ في برَدِ الظِّلال غَزَالهَا

يقول: قد بلغت وليست بكبيرة فهو أكمل لها وأتم.وقال ابن حبيب: مطفل: معها طفل، فهي تلفت إليه كثيرا.ويجوز أن يكون قال مطفل لأنه أحسن لعينها وأوسع، فشبه سعة عينيها بسعة عيني هذه البقرة في هذه الحال.وروى: ( وتبدى عن شتيت )، أي عن ثغر شتيت، أي متفرق ما بين الثنيتين.قال الله عز وجل: ( وقُلوبُهمْ شَتَّى )، فمعناه: وقلوبهم متفرقة.وواحد شتى شتيت.قال نابغة بني شيبان:

وزانَ أنيابَها منها إذا ابتَسَمَتْ. . . . . . . .أحوى اللِّثاتِ شتيتٌ نَبْتُه رَتِل

وفاعل تصد مضمر فيه من ذكر المرأة، وتبدى نسق على تصد، وعن صلة تبدى وهي خافضة للأشيل، وتتقى نسق على تصد، والباء صلة تتقى وهي خافضة للناظرة، ومن صلة ناظرة وهي خافضة للوحش، والوحش مضافة إلى وجرة، ووجرة نصبت وهي في موضع خفض لأنها لا تجرى للتعريف والتأنيث، ومطفل نعت لناظرة.وقال السجستاني: ( وتتقى بناظرة ) معناه وتتقينا بناظرة، أي بمثل عين مطفل.قال: ومثله قول الراجز:

متَّقياً بوجههِ الصَّحاصحا

يقول: الذي يلقى الأرض منه وجهه.

( وجيد كجِيدِ الرِّيمِ ليَس بِفاحشٍ. . . . . . . .إِذا هيَ نصَّتْهُ ولا بِمُعطَّلِ )

الجيد: العنق.قال الشاعر:

لها الجيدُ من جَيْداءَ والعَينُ طَرْفُها. . . . . . . .كعيناءَ يَهدِيها غَرَاها فتَرْمُقُ

الريم: الظبي الابيض الشديد البياض، وجمعه أرآم.قال زهير:

بها العِينُ والأرآم يَمْشِين خِلْفةً. . . . . . . .وأطلاؤها يَنْهضْنَ من كل مَجْثَم

والأعفر من الظباء: الذي يعلوه حمرة ؛ ومنه قولهم: كثيب أعفر.والآدم: الطويل القوائم والعنق، أبيض البطن، أسمر الظهر.وقوله: ( ليس بفاحش ) معناه ليس بكريه المنظر.وقوله: ( نصته ) معناه نصبته ورفعته ؛ ومنه النص في السير، ومنه نصصته عن الحديث، ومنه المنصة.( والمعطل ): العطل الذي لا حلى عليه.ويقال قوس عطل: لا وتر عليها.وبعير علط، بتقديم اللام على الطاء، أي لا خطام عليه.وقال السجستاني: وجدت في كتاب الأصمعي بخطه: الجيد اسم يقع لجمع العنق.والجيد مخفوض على النسق على قوله بناظرة، والكاف موضعها خفض على النعت للجيد، والتقدير: وجيد مثل جيد الريم.والجيد مضاف إلى الريم، واسم ليس مضمر فيها من ذكر الجيد، والخبر ليس بفاحش.وإذا وقت من صلة فاحش، وهي رفع بما في نصت، والمعطل نسق على الفاحش.

( وفَرْعٍ يَزِينُ الْمَتْنَ أَسْوَدَ فاحم. . . . . . . .أَثِيثٍ كقِنْوِ النَّخْلَةِ المُتَعَثْكِلِ )

الفرع: الشعر التام.والمتن والمتنة: ما عن يمين الصلب وشماله من العصب واللحم.والفاحم: الشديد السواد، وهو مشتق من الفحم.وأثيث: كثير أصل النبات.والقِنْو والقُنْو والقنا: العذق، وهو الشمراخ.والعَذق بفتح العين: النخلة.ويقال في جمع القنو قِنوان وقُنوان.وحكى الفراء قُنيان في جمع قنو.وأنشد:

أثَّتْ أعاليهِ وآدَت أصولُه. . . . . . . .ومال بقُنيان من البُسْرِ أحمرا

قال الله عز وجل: ( ومِنَ النَّخْل مِنْ طَلْعِها قِنْوَانٌ دَانِية ).و ( المتعثكل ) الذي قد دخل بعضه في بعض لكثرته.والعثاكيل: الشماريخ، الواحد عثكول وعثكال، ويقال أثكول أيضا.وقال أبو عبيدة: المتعثكل الكثير العثاكيل.وقال بعض أهل اللغة: المتعثكل المتدلي.ويقال رجل أفرع، إذا كان تام الشعر.والفرع نسق على الجيد، ويزين صلة الفرع، وما فيه يعود على الفرع، والمتن منصوب بيزين، والأسود نعت للفرع، ونصب في اللفظ لأنه لا يجرى لا يدخله تنوين ولا خفض.والفاحم نعت للأسود.ويقال أسود فاحم، وأسود حالك وحانك، ومثل حنك الغراب وحلك الغراب.ويقال أسود حَلكوك وحُلكوك، وأسود حلبوب سُحكوك.قال الراجز:

تضحك منِّى شَيخةٌ ضَحوكُ. . . . . . . .واستَنْوكَتْ وللشَّباب نُوك

وقد يَشِيب الشَّعَرُ السُّحكوكُ

وأثيث نعت للفرع، والكاف في موضع خفض على النعت للأثيث، والتقدير: أثيث مثل قنو النخلة.والقنو مخفوض بالكاف، وهو مضاف إلى النخلة، والمتعثكل نعت للقنو.

( غَدَائِرُهُ مَسْتَشْزَراتٌ إلى العُلَى. . . . . . . .تَضِلُّ العِقَاصُ في مُثَنٍّى ومُرْسَلِ )

الغدائر: الذوائب، واحدتها غديرة.ومستشزرات: مرفوعات ؛ وأصل الشزر الفتل على غير الجهة.فأراد إنها مفتولة على غير الجهة من كثرتها.والشزر: ما أدبرت به عن صدرك، وهو الدبير.واليسر: ما أقبلت به على صدرك، وهو القبيل.وقال الأصمعي في قولهم: ( ما يعرف فلان قبيلا من دبير ): معناه لا يعرف الإقبال من الإدبار.قال: والقبيل: ما أقبل به من الفتل على الصدر، والدبير: ما أدبر عنه.وقال الأصمعي: هو مأخوذ من الناقة المقابلة والمدابرة ؛ فالمقابلة: التي شق أذنها إلى قدام ؛ والمدابرة: التي شق أذنها إلى خلف.و ( العقاص ): ما جمع من الشعر كهيئة الكبة.ويروى: ( تضل المدارى ) أي تضل من كثافة شعرها.والمدارى: جمع المدرى، وهو مثل الشوكة يصلح به شعر المرأة.ويروى: ( مستشزرات ) بكسر الزاي، على معنى مرتفعات.وقال أبو نصر: إنما أراد أن هذه الغدائر قضبت بالخيوط، وهو أن تلف بالخيوط من أسفل إلى فوق، وهو من الشيء الناشز.وقوله ( في مثنى ومرسل )، معناه: منها ما قد ثنى ومنها ما لم يثن.وروى أبو جعفر أحمد بن عبيد: ( يضل العقاص ) بالياء، وقال: العقاص اسم واحد بمنزلة الكتاب والحساب وما أشبه ذلك.ورواه اكثر الرواة: ( تضل ) بالتاء، وقالوا: العقاص جمع عقصة، وهو جمع مؤنث.والغدائر ترتفع بمستشزرات، ومستشزرات بالغدائر، وإلى صلة مستشزرات، والعلى مخفوضة بإلى، والعقاص رفع بتضل، وفي صلة تضل، وهي خافضة للمثنى، والمرسل نسق على المثنى.

( وكَشْحٍ لَطيفٍ كالجَدِيل مُخصَّرٍ. . . . . . . .وساقٍ كأُنْبوبِ السَّقِيِّ المذَلَّلِ )

الكشح: الخصر.واللطيف، أراد به الصغير الضامر.والجديل: الزمام يتخذ من السيور فيجيء حسنا لينا يتثنى، أي كشحها يتثنى.قال العجاج:

في صَلَبٍ مثلِ العِنان المُؤْدَمِ. . . . . . . .ليس بجُعْشوش ولا يجُعْشُمِ

الصلب: الصلب في لغة العجاج.والمؤدم: الذي قد أظهرت أدمته، وهي باطن الجلد، فهو ألين له.والجعشوش: الضعيف.والجعشم: الغليظ.قوله: ( كأنبوب السقي )، الأنبوب: البردى الذي ينبت وسط النخل.والسقى: النخل الذي يسقى.والمذلكك: الذي قد عطف ثمره ليجتنى منه.وإنما جعله مثل المذلل لأنه يكرم على أهله ويتعهدونه، فلذلك جعله مثله.ويقال: ذللوا نخلكم، فتخرج كباسة من سعفه عند التقاطه.فأراد إنه ناعم في كن.فشبه ساق المرأة بالبردى في بياضه ونعمته.وقال قيس بن الخطيم:

تَمْشِي على بَرديَّتَين غَذَاهما. . . . . . . .غَدِقٌ بسَاحةِ حائر يَعبوبِ

معناه: تمشى على ساقين كأنهما برديتان في بياضهما.والغدق: الماء الكثير.والحائر: الموضع الذي يتحير فيه الماء من كثرته.واليعبوب: الطويل.وقال العجاج:

كأنما عظامُها بَردِيُّ

والأنبوب: الكعب من القصب.ويقال: السقي: البردي.والمذلل معناه المذلل له الماء.وقال: الكشح منقطع الأضلاع إلى الورك.وقال غيره: المذلل: الذي قد خاضه الناس.ويقال ( كأنبوب السقي ) معناه أن البردية تصير وسط النخلة على أحسن ما يكون من مثال الساق الغليظة الحسنة، وأراد أيضا اللين.والسقي: الذي يسقى من النخل.ويقال أيضا: السقي الذي تروى من الماء.والكشح نسق على الجيد، واللطيف نعته، والكاف نعت للطيف، والمخصر نعت للكشح، والساق نسق على الكشح، والكاف نعت للساق، وهي خافضة للأنبوب، والأنبوب مضاف إلى السقي، والمذلل نعت للسقي.

( ويُضْحِى فَتِيتُ المِسْكِ فَوْقَ فِراشِها. . . . . . . .نَؤومُ الضُّحَى لم تَنْتَطِقْ عَنْ تَفَضُّلِ )

قوله: ( ويضحى فتيت المسك ) معناه يبقى إلى الضحى.وفتيت المسك: ما يفت منه في فراشها.وقال أبو جعفر أحمد بن عبيد: معناه كأن فراشها فيه المسك من طيب جسدها، لا أن أحداً فت لها فيه مسكا.واحتج بقول امرئ القيس:

خليليَّ مُرَّا بي على أم جُندَبِ. . . . . . . .لَنْقضيَ حاجاتِ الفؤاد المعذّب

ألم تَرَياني كلَّما جِئتُ طارقاً. . . . . . . .وجدتُ بها طيباً وإنْ لم تطيّب

قوله ( نؤوم الضحى ) معناه لها من يكفيها من الخدم، فهي تنام ولا تهتم بشيء.وقال أبو جعفر أحمد بن عبيد: هي مكرمة، لها من يكفيها، ولم يسبها أحد فتحتاج إلى الخدمة فتشد نطاقها.وقال يعقوب: ( ولم تنتطق عن تفضل ) أي لم تنتطق، لتعمل، ولكنها في بيتها فضل.وقال يعقوب: لم تنتطق عن تفضل، أي لم تنتطق لتعمل، ولكنها في بيتها فضل.قال: وهذا كقولك: ما عرق فلان عن الحمى، أي ما عرق بعد الحمى.وأنشد للأعشى:

ولقد شُبّتِ الحُروب فما غُ

مِّرتَ فيها إذْ قَلَّصَتْ عن حيالِ

أي فما وجدت فيها غمرا، أي ضعيفا، إذ لقحت بعد أن كانت حائلا، فذلك أسد لقوة الحرب.ومعنى ( عن حيال ) أي بعد حيال.وأنشد يعقوب أيضا:

قرّبا مَربِط النَّعامة منى. . . . . . . .لقِحتْ حربُ وائل عن حيالِ

وهذا أقوى للولد.وأنشد للعجاج:

ومنهلٍ وَرَدْتُه عن مَنْهَلِ

معناه بعد منهل.فقال أبو عبيدة: معنى قوله لم تنتطق عن تفضل: لم تنتطق فتعمل وتطوف، ولكنها تتفضل ولا تنتطق.وقال غيره: التفضل التوشح، وهو لبسها أدنى ثيابها.والانتطاق: الائتزاز للعمل.والنطاق: ثوب تشده المرأة على وسطها للمهنة والعمل.ويقال: هو فتيت المسك، وفتوت المرأة وفتيتها للذي تشربه.ونؤوم يُهمز ولا يهمز ؛ فمن لم يهمزه قال: هو فعول من النوم، ومن همزه قال: الواو إذا انضمت صلح همزها، كقول الله عز وجل: ( وإذا الرُّسُل أقِّتَتْ )، همزت الواو لما انضمت، كقول العرب: هذه أوجه حسان، للوجوه.والفتيت يرتفع بيضحى، وفوق فراشها خبر يضحى، ونؤوم الضحى يرتفع على المدح بإضمار هي نؤوم الضحى ؛ ويجوز نؤوما بالنصب على المدح أيضا: كأنك قلت: أذكر نؤوم الضحى.وتنتطق مجزوم بلم، وعن تفضل صلة تنتطق.

( وتَعْطُو برَخْصٍ غَيْرِ شَثْنٍ كأَنَّهُ. . . . . . . .أَساريعُ ظَبْيٍ أو مَسَاوِيكُ إِسْحِلِ )

قوله ( وتعطو ) معناه وتتناول ؛ من ذلك قولهم: قد أعطيتك الشيء معناه ناولتك.ومنه أيضا: قد تعاكى فلان كذا وكذا، معناه صار يتناوله ويتعرض له.وقوله ( برخص ) معناه ببنان رخص.والبنان: الأصابع.قال الشاعر:

كم لكَ مِنْ خَصلةٍ مُباركةٍ. . . . . . . .يَحسُبُها بالبنانِ حاسُبها

والشثن: الكز الخشن.وظبي: اسم كثيب.والكثيب: جبيل من الرمل أنشدنا أبو العباس:

وإنَّ الكثيبَ الفَرْدَ من جانِب الحمى. . . . . . . .إلىَّ وإن لم آتِهِ لحبيبُ

وأساريعه: دواب تكون فيه مثل شحمة الأرض، وهي دودة تكون في الرمل.يقال أساريع ويساريع.فسبه أصابعها بالأساريع للينها.قل ذو الرمة:

خرَاعيبُ أمُلودٍ كأنَّ بنانَها. . . . . . . .بناتُ النقا تَخْفى مِراراً وتظهرُ

خراعيب: ملس لينة.وأملود: ناعمة.وبنات النقا: دواب بيض تشبه العظاء تكون في الرمل.وواحد الأساريع أسروع ويسروع، وهي دواب تسمى بنات النقا.قال: وسرقه ذو الرمة منه، يعني من امرئ القيس.وقال ابن حبيب: شبه أصابعها بمساويك إسحل في دقتها ونقائها واستوائها.وقال يعقوب: الإسحل شجر له غصون دقاق يستاك بها ويتخذ منها الرحال.قال العجاج:

مَيْسَ عُمانَ أو رحالَ إسحِلِ

والفاعل مضمر في تعطو من ذكر المرأة، والباء صلة تعطو، وهي خافضة للرخص، وغير شثن للرخص، والهاء اسم كأن، وهي عائدة على الرخص، والأساريع خبر كأن، وهي مضافة إلى الظبي، والمساويك نسق على الأساريع، وهي مضافة إلى الإسحل.

( تُضِيءُ الظَّلاَمَ بالعِشَاءِ كأَنَّها. . . . . . . .مَنَارَةُ مُمْسَي راهبٍ مُتَبتِّلِ )

قوله ( تضيء الظلام بالعشاء ) معناه هي وضيئة الوجه زهراء مشرقة الوجه، إذا تبسمت بالليل رأيت لثناياها بريقا وضوءا، وإذا برزت في الظلام استنار وجهها وظهر جمالها حتى يغلب الظلمة.قال قيس بن الخطيم:

قضَى لها الله حين صّورها ال

خالقُ أن لا يُجنَّها سَدَفُ

وقال يعقوب: المنارة هي المسرجة، وهي مفعلة من النور.وأنشد لأبي ذؤيب:

وكلاهما في كَفِّهٌ يزَنيَّةٌ. . . . . . . .فيها سنانٌ كالمنارة أصلعُ

والمتبتل: المجتهد في العبادة.والتبتل: الانقطاع عن الناس في العبادة.والبتل: القطع.قال الله عز وجل: ( وتَبتَّلْ إليه تبتيلا ) فمعناه انقطع إليه انقطاعا.ويقال في نعت مريم عليها السلام: العذراء البتول، معناه المنقطعة عن الناس في العبادة.قال أمية بن أبي الصلت في ذكر مريم عليها السلام:

أنابت لوجه الله ثم تبتَّلتْ فسبَّحَ عنها لَومَة المتلوِّمِ

وقال ابن حبيب: شبهها بسراج الراهب لان سراج الراهب لا يطفأ.وفاعل تضي مضمر فيه، والظلام مفعوله، والباء صلة تضيء وهب خافضة للعشاء، والهاء اسم كأن وهي عائدة على المرأة، والمنارة خبر كأن وهي مضافة إلى الممسى، والممسى مضاف إلى الراهب، والمتبتل نعت للراهب.والمنارة وزنها من الفعل مفعلة من النور، أصلها منورة فألقيت فتحة الواو على النون وصارت ألفا لانفتاح ما قبلها.ويقال في جمع المنارة على القلة منارات، ويقال في جمعها على الكثرة مناور بالواو، ومنائر بالهمز والياء، لغتان شاذتان لا يقاس عليهما.

( إِلى مِثْلِها يَرنُو الحَلِيمُ صَبَابَةً. . . . . . . .إِذا مَا اسْبَكَرَّتْ بَيْنَ دِرْعٍ ومجْوَلِ )

قوله ( يرنو الحليم صبابة ) معناه يديم النظر.قال العجاج:أي أديم النظر إلى النساء ويدمن إلى نظرهن.وأنشد الفراء:

أيامَ يدعوني الصِّبا فأجيبهُ. . . . . . . .وأعْيُنُ مَن أهَوى إلى رواني

معناه مديمات النظر.وقال جرير:

يَرين حَبابَ الماء والموتُ دونه. . . . . . . .فهنَّ لأصواتِ السُّقاة رواني

ويقال: رنا إليه بصره، أي أدام إليه بصره.ويقال: أرناني إليها حسن وجهها.وكأس رنوناة، أي دائمة ثابتة.قال أبن أحمر:

بَنَتْ عليه الملكَ أطنابَها. . . . . . . .كأسٌ رَنوناةٌ وطرْفِّ طِمِرّ

واسبكرن: امتدت وتمت.يقال شعر مسبكر للمنبسط.وقال أبو عبيدة: المسبكر التام الممتلئ.يقال: قد اسبكرت المرأة، اذا تم شبابها.أنشدنا أبو العباس للشنفري الأرذى:

فدقت وجَلَّت واسبكرّت وأُكمِلَتْ. . . . . . . .فلو جُنَّ إنسانٌ من الحسن جُنَّتِ

وقوله ( بين درع ومجول )، معناه هي بين التي تلبس الدرع والتي تلبس المجول.وإنما يريد أن سنها بين سن من يلبس الدرع وبين سن من يلبس المجول.والمجول: دريع خفيف تجول فيه الصبية.قال الشاعر:

وعلىَّ سابغةٌ كأنَّ قَتيرَها. . . . . . . .حَدَقُ الأساودِ لونُها كالمجولِ

وقال ابن حبيب: المجول ملحفة.وقل أبو عبيدة: المجول قميص ليس له كمان، وهو البقيرة.الصبابة: رقة الشوق.وقال يعقوب: مثل قوله ( بين درع ومجول ) قول رؤية:

فعَفَّ عن إسرارِها بعد العَسَقْ. . . . . . . .ولم يُضِعْها بين فِرْك وعَشَقْ

يقول: قد حملت فلم يضعها وهي بين فرك وعشق.والفرك: البض.والعشق: العشق.وقال ابن حبيب: بين فرك وعشق، معناه لم يضع هذه الأتن، لا حين كانت تعشقه قبل حملها فتمكنه من ظهرها، ولا حين حملت ففركته ومنعته من ذلك، فهو حافظ لها في الحالين جميعا.والى صلة يرنو، والحليم يرتفع بيرنو، والصبابة تنتصب على المصدر، والتقدير يرنو الحليم صبابة إلى مثلها.وإذا وقت من صلة يرنو، وما صلة للكلام لا موضع لها من الإعراب، وفاعل اسبكرت مضمر فيه من ذكر المرأة، وبين صلة اسبكرت وهي خافضة للدرع، والمجول نسق على الدرع.

( كِبكْرِ المُقاناةِ البَيَاضِ بصُفْرةٍ. . . . . . . .غَذَاها نَمِيرُ المَاءِ غَيْرَ مُحلَّلِ )

قال أبو بكر: سألت أبا العباس أحمد بن يحيى عن إعراب البياض، فقال يجوز الخفض والنصب والرفع ؛ فمن خفضه أضاف المقاناة اليه، وصلح الجمع بين الألف واللام والإضافة لان الألف واللام معناهما الانفصال، والتقدير كبكر المقاناة البياض قونى بصفرة.قال: ولا يجوز لمن خفض البياض بالإضافة أن يجعل الباء صلة المقاناة، لأن المقاناة في مذهب الأسماء فلا يجوز أن توصل بالباء، فخطأ في قول الكسائي والفراء مررت برجل وجيه الأب في الناس، لان وجيها في مذهب الأسماء، فلا يجوز أن يوصل بفي.وكذلك مررت برجل راغب الأب فيك، خطأ لما ذكرنا.قال: ومن نصب البياض نصبه على التفسير، كما تقول: مررت بالرجل الحسن وجها.ومن رفع البياض جعل الألف واللام بدلا من لهاء بفعل مضمر، والتقدير كبكر المقاناة قونى بياضها بصفرة.انقطع كلام أبي العبس هاهنا.قال أبو بكر: والألف واللام تكون بدلا من الاضافة، لانهما جميعا دليلان من دلائل الأسماء، قال الله عز وجل: ( ونَهَى النَّفْسَ عن الهوى )، معناه عن هواها، فأقام الألف واللام مقام الاضافة.وقال: ( يُصْهَرُ به ما في بُطونِهمْ والجلودُ ) الآية، أراد وجلودهم.وقال النابغة:

لهم شيٍمةٌ لم يُعطِهَا اللهُ غَيَرهُمْ. . . . . . . .من النَّاسِ والأحلامُ غير عَوازبِ

معناه: وأحلامهم.وقال الشماخ:

فلما شَراها فاضَت العينُ عَبْرةً. . . . . . . .وفي الصدر حُزَّازٌ من اللَّوم حامزُ

أراد: في صدره.وقال الآخر:

ولكنْ نرى أقدامنا في نعالكم. . . . . . . .وأنُفَنا بين اللِّحى والحواجب

معناه: بين لحاكم وحواجبكم.وقال الفرزدق:

فلز سُئِلتْ عني النَّوارُ ورهطُها. . . . . . . .إذا أحدٌ لم تَنْطِق الشَّفتانِ

أراد: شفتاه.والبكر: أول بيضة تبيضها النعامه.والمقاناة: المخالطة، التي قونى بياضها بصفرة، أي خلط بياضها بصفرة.والألف واللام للبيض، والمعنى كبيضة بكر البيض التي قونى بياضها بصفرة ؛ فلما نقلت المقاناة عن لفظ البياض إلى البيض أنث وأضيف إلى البياض، كما تقول: مررت بالمرأة الحسن وجهها فتذكر الحسن لأنه للوجه فإذا نقلته عن الوجه إلى المرأة أنثته فقلت: مررت بالمرأة الحسنة وجهها.وقال يعقوب: يقال ما يقانيني خلق فلان، أي ما يشاكل خلقي ؛ وما يقانيني ذاك، أي ما يوافقني ولا يلائمني.ويقال إذا كانت ظاهرة الجبة صفراء: أي شيء يقانيها ؟ أي أيُّ يحسن معها.ويقال: قانى له ذلك، أي جمع له ذلك وخالطه.ويقال: قانيت بين لقمتين: جمعتهما في لقمة واحدة.وكل ما جمع بين لونين فقد قانى.قال الشاعر:

قانَى له بالصَّيف ظلٌّ باردٌ. . . . . . . .ونَصىُّ ناعجةٍ ومَحضٌ مُنْقَعُ

قال يعقوب: إنما أراد بالمقاناة ههنا المشاكلة، أي كبيضة مخلوط بياضها بصفرة، يعنى بيضة النعامة الأولى.قال ومثله قول المخبل:

سبقَتْ قرائنهَا وأدفأوها. . . . . . . .قَرِدٌ كانَّ جنَاحه هِدْمُ

يعنى بيضة النعامة الأولى، وهي تستحسن.ثم رجع إلى نعت المرأة فقال: ( غذاها نمير الماء )، يريد إذا هذه المرأة أنمر الماء، أي نشأت بأرض مريئة.والماء نمير: النامي الذي ينجع في الجسد.( غير محلل )، ومعناه لا يحلله أحد فيصفر ويتغير.وقال أبو عبيدة: كبكر المقاناة، معناه كبردية بكر البردى.والمقاناة: الممتزجة البياض بصفرة.وقال: البكر الدرة التي لم تثقب.والمقاناة: الألوان.والنمير: الماء العذب الذي يبقى في الأجواف.وليس كل عذب بنمير ؛ لأن النمير ما كان شاربه طويل الري منه ؛ والذي يعطش صاحبه سريعا ليس بنمير.وقال غيره: يروى ( غذاها نمير الماء غير محلل ) بكسر اللام، أي غذاها غذاء واسعا غير قليل كتحلة النمير.والنَّمير: ما بقى في بطون الماشية وانحدر عن بطون الناس، لخفته وعذوبته.وقال آخرون: غذاها نمير الماء معناه: إذا الدرة نمير الماء ؛ لان البحر فيه مواضع يكون فيها الماء العذب.قال أبو ذؤيب يذكر الدرة:

فجاء بها ما شِئتَ من لَطَميَّة. . . . . . . .يَدُومُ الفرات فَوقها ويموجُ

فالفرات: العذب.وقال أكثر أهل اللغة: الدر يخرج من الملح لا من العذب.ومعنى البيت أن الملح للدرة بمنزلة العذب لغيرها، لأنها تنمى وتحسن عليه كما يحسن غيرها على العذب.والنَّمير مرتفع بغذاها، وهو مضاف إلى الماء.وقال سهل: في كتابي ( كبكر مقاناة البياض ) بالرفع.قال: وأظنها من صفة المرأة.ونصب ( غير محلل ) على الحال.

( تَسَلَّتْ عَمَاياتُ الرِّجالِ عن الصِّبَا. . . . . . . .وَلَيْسَ فُؤَادِي عَنْ هَواكِ بمُنْسَلِي )

ويروى: ( وليس فؤادي عن صباه بمنسلي )، ويروى: ( وليس فؤادي عن هواها بمنسلي ).وقوله تسلت ذهبت.يقال: سلوت عن كذا وكذا وسليت، إذا طابت نفسي بتركه.قال يعقوب: وقال بعضهم: يا فلان لقد سقيتني السلوة من نفسك، أي رأيت منك ما سلوت به عنك.وأنشدنا أبو العباس عن ابن الأعرابي:

لو أشربُ السُّلوانَ ما سَلِيتُ. . . . . . . .ما بي غنًى عنكِ ولو غَنِيتُ

وقال زهير في سلوت وأسلو:

وكلُّ محبٍّ أحدثَ النَّأيُ عِندهُ. . . . . . . .سُلوَّ فؤادٍ غَيْرَ حُبِّيكِ ما يَسلُو

وقوله ( عمايات الرجال عن الصبا ) عد الجهل عمى.والعمايات: جمع العماية.والصبا: اللعب.يقال صبى يصبى صبا، وصبا إلى اللهو يصبو صباء.والعمايات مرتفعة بتسلت، وهي مضافة إلى الرجال، وعن الصبا صلة تسلت، وفؤادي مرتفع بليس، وبمنسل خبر ليس، وعن هواك صلة منسلى.

( أَلا رُبَّ خَصْمٍ فيكِ أَلْوَى رَدَدْتُه. . . . . . . .نَصيحٍ على تَعْذالِهِ غيرِ مُؤْتلِي )

الألوى: الشديد الخصومة.قال الراجز:

وجَدْتَني ألْوَى شديدَ المسُتَمرّ

والتعذال: العذل.وقال: عذلته عذلا وتعذالا.ويقال.لوى الرجل الكلام يلويه ليا، إذا حرفه.قال الله عز وجل: ( لَيّاً بألسنتهم ) معناه تحريفا بألسنتهم.ويقال: لوى الرجل غريمه ليا وليانا.قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( ليُّ الواجد يحل عقوبته )، فمعناه مطل الواجد.وقال ابن الدمينة:

فإنَّ على الماء الذي تَردانه. . . . . . . .غريماً لواني الدَّينَ منذُ زمان

وقال الآخر:

تُطيليلنَ لَيَّاني وأنت مليئةٌ. . . . . . . .وأُحسنُ يا ذاتَ الوشاح التَّقاضيا

وقال بعض البصريين: يقال عذَلته عذَلا، بفتح الذال.وقوله: ( غير مؤتل ) معناه غير تارك نصحي بجهده.يقال: ما ألوت وما آليت، أي ما قصرت.ويقال أيضا: ما ألوت بمعنى ما استطعت.وإلا افتتاح للكلام، والخصم خفض برب، وفيك صلة الخصم، وألوى نعت للخصم، ورددته خبر لرب، ونصيح نعت للخصم، وغير مؤتل نعت للخصم أيضا، ونمير مضافة إلى المؤتلى.وقال بعض البصريين: المعنى يصح على إنه يعذلني غير مؤتل.

( ولَيلٍ كَمْوجِ البَحْرِ أَرخَى سُدُولَهُ. . . . . . . .عَلَّى بأَنواعِ الهُمُومِ ليَبْتَلِى )

قال يعقوب: يقول: اظلم حتى كأنه موج البحر إذا جاء من ظلمته.وقال ابن حبيب: معناه كموج البحر في كثافة ظلمته.يقول: اظلم داخله حتى كأنه موج البحر إذا جاء من ظلمته.وسدوله: ستوره، الواحد سدل.ويقال سدا ثوبه يسدله، إذا أرخاه ولم يضمه.قال: وكانوا يكرهون السدل في الصلاة.وقوله ( بأنواع الهموم ) معناه بضروب الهموم.وقوله ( ليبتلى ) معناه لينظر ما عندي من الصبر والجزع.قال الله عز وجل: ( وبَلَوْناهُم بالحسَنَات والسَّيِّئاتَ ) معناه واختبرناهم بالخصب والجدب.وقال الله تبارك وتعالى: ( يوم تُبْلَى السَّرائر ) معناه تختبر السرائر.وقال أبو الأسود:

أرَيتَ امرأً كنتُ لم أبْلُه. . . . . . . .أتاني فقال اتَّخذْني خليلا

ويقال: لتبلون منى هذه الفلاة صبرا عليها، أي بتختبرن.والليل خفض بإضمار رب، والكاف في موضع خفض على النعت لليل، وهي خافضة للموج، والموج مضاف إلى البحر، ومرخ نعت لليل، والسدول منصوبة بمرخ، وعلى صلة مرخ، والباء صلة له أيضا وهي خافضة للأنواع، والأنواع مضافة إلى الهموم، ويبتلى في موضع نصب بلام كي، والتقدير لكي يبتلى، قال الله عز وجل: ( يُريدون ليطفئوا نُوَر الله بأفواههم ) فيطفئوا نصب بلام كي، والتقدير: لكي يطفئوا.وقال البصريون: يبتلى نصب بإضمار أن، والتقدير عندهم لأن يبتلى، وكذلك يتأولون قول الله عز وجل: ( يًريدون ليُطْفِئُوا ) يزعمون أن التقدير يريدون لأن يطفئوا.

( فقُلتُ له لمَّا تَمطَّى بصُلْبِهِ. . . . . . . .وأَردَفَ أَعجازاً وناءَ بكَلْكَلِ )

قوله ( لما تمطى بصلبه ): لما تمدد بوسطه.يقال: تمطى الرجل، إذا تمدد، أي مد مطاه، أي ظهره.ويقال: مطوت أمطو، اذا مددت في السير.ويقال تمدد الرجل، أي تمطى، إذا تبختر.والصلب: الوسط.وروى الأصمعي: ( فقلت له لما تمطى بجوزه ) أي امتد.والجوز: الوسط، وجمعه أجواز.وأنشد الفراء:

فهي تَنُوش الحوض نَوَشاً مِن عَلا. . . . . . . .نَوْشاً به تَقطعُ أجوازَ الفلا

أي أوساط الفلوات.وقال الأصمعي: أنشدني شعبة بن الحجاج في مثل معنى قول امرئ القيس:

كأنَّ اللَّيل مُدِّد جانباهُ. . . . . . . .وأوسَطُه بأمراسٍ شدادِ

قوله ( وأردف أعجازاً ) قال يعقوب عن الأصمعي: معناه حين رجوت أن يكون قد أردف أعجازا، أي رجع.و ( ناء بكلكل ) أي تهيأ لينهض.قال: ومثله قول العجاج:

منها عَجَاساءُ إذا ما التجَّت. . . . . . . .حسبتها ولم تكُرّ كرَّتِ

العجاساء من الإبل: الثقال.فشبه قطع الليل بالإبل الثقال.يقول: كلما قلت قد ذهب كرت بطولها.والكلكل: الصدر.ويقال: ردفت الرجل وأردفته، اذا ركبت خلفه.وقد أردفته خلفي لا غير.وقال بعضهم: معنى البيت ناء بكلكله وتمطى بصليه وأردف أعجازا، فقدم وأخر.والهاء تعود على الليل، ولما وقت فيها طرف من الجزاء، وأردف نسق على تمطى، والأعجاز منصوبة به، وناء نسق على تمطى أيضا.وفي ناء لغتان: يقال ناء ونأى، قال الله عز وجل: ( ونأى بجانبه )، وقرأ أبو جعفر يزيد بن القعقاع: ( أعرضَ وناءَ بجانبه ).والباء صلة ناء، وهي خافضة للكلكل.

( أَلاَ أَيُّها اللَّيلُ الطَّويلُ أَلاَ انْجَلِى. . . . . . . .بصُبْحٍ وما الإِصباحُ فِيكَ بأَمثَلِ )

معناه أنا معذب فالليل والنهار على سواء.وروى ابن حبيب:

. . . . . .ألا انجلى. . . . . . . .وأنْ كنتَ قد أزمعتَ ذلكَ فافعلِ

وقال يعقوب بن السكيت: ألا انجلى. . .ألا انكشف.والأمر الجلي: المنكشف.وقوله أنا ابن جلا: أنا ابن المنجلى الأمر المنكشف المشهور وغير المستور.والجلية: الأمر المنكشف، ومنه جلوت العروس جلاء وجلوة.وجلوت السيف معناه كشفته من الصدأ.ويقال: جلا القوم عن منازلهم جلاء، إذا انكشفوا عنها.وقال الله عز وجل: ( ولولاَ أن كتَبَ الله عليهمُ الجَلاَءَ لعذَّبَهُمْ في الدُّنيا ).وقوله ( وما الإصباح فيك بأمثل )، معناه إذا جاءني الصبح وأنا فيك فليس ذلك بأمثل، لان الصبح قد يجيء والليل مظلم بعد.قال حميد بن ثور، وذكر الفجر:

فلمَّا تجلَّى الصُّبح عنها وأبصرَتْ. . . . . . . .وفي غَبَش اللَّيل الشخوصُ الأباعدُ

غبش الليل: بقيته.يقول: جاء الفجر وفي غبش الليل الشخوص الأباعد، أي لا تراها لسواد الليل.ويقال أيضا: معناه إذا جاء الصبح فإني أيضا مغموم.والافتتاح للكلام، وأيها مرتفع لأنه منادى مفرد، والليل مرتفع على الاتباع لهذا، لان الأصل فيه ألا أي هو هذا الليل.والطويل نعت لليل.قال الفراء: يقال يأيها الرجل أقبل، ويأيهذا الرجل أقبل، ويا أيه الرجل.فمن قال يأيها الرجل أقبل قال: الرجل تابع لهذا فاكتفى به من ذا.ومن قال يأيهذا الرجل أقبل، أخرج الحرف على أصله.قال الشاعر:

ألا أيهذا المنزلُ الدارسُ الذي. . . . . . . .كأنك لم يعهد بك الحيّ عاهدُ

ومن قال يأيه الرجل أقبل قدر أن الهاء آخر الاسم فأوقع عليها ضمة النداء.انشد الفراء:

يا أَيُّهُ القَلْبُ اللَّجوجُ النَّفْسِ. . . . . . . .أفِقْ عن البيض الحسانِ اللُّعْسِ

وقال البصريون: الليل صفة لاي لازمة.ويجوز في قول المازني ألا أيها الليل الطويل، بالنصب، على الرد على اصل أي لأصل النداء، وأصل النداء نصب.وموضع انجلى جزم على الأمر، علامة الجزم فيه سكون اللام في الأصل، ثم احتاج إلى حركتها بصلة لها، ليستوي له وزن البيت، فكسرها ووصل الكسرة بالياء.قال الفراء: العرب تصل الفتحة بالألف، والكسرة بالياء، والضمة بالواو.ومن ذلك قول الله عز وجل: ( سنُقْرئُك فلا تَنْسَى ) موضع تنسى جزم بلا على النهى، والألف صلة لفتحة السين.ومن ذلك قول الشاعر:

إذا الجوزاء أردفَت الثُّريَّا. . . . . . . .ظننتُ بآلِ فاطمةَ الظُّنونا

الألف في الظنون صلة لفتحة النون.والموضع الذي وصلوا فيه الكسرة بالياء قول الشاعر:

ألم يأتيك والأنباء تَنْمِى. . . . . . . .بما لاقتْ لَبُونُ بنى زيادِ

الياء صلة لكسرة التاء.والموضع الذي وصلوا الضمة فيه بالواو قول الشاعر:

هجوتَ زَبَّانَ ثمَّ جِئتَ معتذِراً. . . . . . . .مِن سَبِّ زَيَّان لم تَهْجُو ولم تَدَعِ

الواو صلة لضمة الجيم، والإصباح مرتفع بأمثل، وفيك صلة أمثل.

( فَيَالَكَ مِنْ لَيلٍ كأَنَّ نُجومَهُ. . . . . . . .بكلِّ مُغارِ الفَتْلِ شُدَّتْ بيَذْبُلِ )

ويروى: ( كان نجومه بأمراس كتان إلى صم جندل ).قال أبو بكر: لم يرو هذا البيت الأصمعي ورواه يعقوب وغيره.وقال يعقوب: معناه كأن نجومه شدت بيذبل، وهو الجبل.والمغار: الحبل الشديد الفتل.يقال: أغرت الحبل، إذا شددت فتله.ومن ليل معناه التفسير للتعجب، والنجوم اسم كأن، وخبر كأن شدت، والباء صلة شدت، وهي خافضة ليذبل.

( كأَنَّ الثُّرَيَّا عُلِّقتْ في مَصَامِهِا. . . . . . . .بأَمراسِ كَتَّانٍ إلى صُمِّ جَنْدَلِ )

ويروى: ( كأن نجوما علقت في مصامها ).والامراس: الحبال.والجندل: الحجارة.وفيه تفسيران: أما أحدهما فإنه شبه تحجيل الفرس في بياضه بنجوم علقت في مقام الفرس وهو مصامه، علقت بحبال كتان إلى صم جندل، يعنى الحجارة شبه حوافره بالحجارة.فهذا تفسير من يرويه مؤخرا بعد صفة الفرس.وعلى التفسير الثاني يصف الليل يقول: كأن النجوم مشدودة بحبال إلى حجارة فليست تمضى.والمصام: مقام الفرس.وقال يعقوب: مصامها، معناه في موضعها.وأنشد للشماخ:

متَى ما يُسفْ خيَشومهُ فوقَ تلعة. . . . . . . .مَصامةَ أعيار من الصَّيف ينشِجِ

أي مقامهن.والصائم: القائم.ويقال: صام الماء، إذا سكن.( بأمراس ) المرسة: الحبل، يقال مرسة ومرس، وفي الجمع أمراس.وقال يعقوب: معنى قوله ( إلى صم جندل ) إلى جبال صم.يقول: كأن لها أواخي في الأرض تحبسها.والنجوم اسم كأن، وخبر كأن علقت، وفي وإلى والباء صلات لعلقت.وروى بعض الرواة هاهنا أربعة أبيات، وذكر إنها من هذه القصيدة خالفه فيها سائر الرواة، وزعموا إنها لتأبط شرا.والبيت الأول منها:

( وقِرْبَةِ أَقوامٍ جَعَلْتُ عِصَامَهَا. . . . . . . .عَلَى كاهلٍ مِنِّى ذَلولِ مُرحَّلِ )

عصام القربة: الحبل الذي تحمل به ويضعه الرجل على عاتقه وعلى صدره.والكاهل: موصل العنق إلى الظهر.وقوله ( ذلول مرحل ) معناه قد اعتدلت ذلك.يصف نفسه بأنه يخدم أصحابه، يترجل بذلك.والقرية مخفوضة بالواو التي تخلف رب، وهي مضافة إلى الأقدام، والعصام منصوب بجعلت، وعلى صلة جعلت وهي خافضة للكاهل، والذلول والمرحل نعتان للكاهل.

( ووادِ كَجَوْفِ العَيْرِ قَفْر قَطَعتُهُ. . . . . . . .به الذِّئبُ يَعْوِي كالخَليعِ المُعيَّلِ )

قال أبو بكر: قوله ( كالخليع ) فيه قولان: أحدهما أن جوف العير لا ينتفع منه بشيء، يعنى العير الوحشي.ويروى: ( وخرق كجوف العير ) فالخرق: الذي يتخرق في الفلاة.وقال هشام بن محمد الكلبي: العير هاهنا: رجل من العمالقة كان له بنون وواد خصب، وكان حسن الطريقة، فسافلا بنوه في بعض أسفارهم فأصابتهم صاعقة فأحرقتهم، فكفر بالله سبحانه وتعالى وقال: لا أعبد ربا أحرق بنيَّ ! وأخذ في عبادة الأصنام، فسلط الله عز وجل على ذلك الوادي ناراً - والوادي بلغة أهل اليمن يقال له الجوف - فأحرقته فما بقى منه شيء.وهو مضرب به المثل في كل مالا بقيه له.و ( الخليع ): المقامر، ويقال هو الذي قد خلع غداره فليس يبالي ما ارتكب.و ( المعيل ): الكثير العيال.والوادي مخفوض بإضمار رب، والكاف موضعها خفض لأنها نعت للوادي، وهي خافضة للجوف، والذئب مرتفع بما عاد من يعوي، والكاف منصوبة بيعوي وهي خافضة للخليع، والمعيل نعت له.

( فقلتُ لَهُ لمَّا عَوَى: أن شأنَنا. . . . . . . .قَليلُ الغِنَى أن كُنْتَ لَمَّا تَمَوَّلِ )

معناه: أن كنت لما تصب من الغنى ما يكفيك.ويروى: ( طويل الغنى ).و ( قلت له ) معناه فقلت الذئب.( لما عوى ) معناه لما صاح.( إن شأننا قليل الغنى ) معناه أنا لا أغني عنك وأنت لا تغنى عنى شيئا.أي أنا أطلب وأنت تطلب فكلانا لا غنى له.ومن رواه ( طويل الغنى ) أراد همتي تطول في طلب الغنى.ولما وقت فيها طرف من الجزاء.وان كسرت لمجيئها بعد القول، والشأن اسم إن، وقليل خبر إن، والتاء اسم الكون، وما عاد من تمول خبر الكون.ومعنى لما تمول: لم تمول.

( كِلاَنَا إذا ما نَالَ شَيئاً أَفَاتَهُ. . . . . . . .ومَنْ يَحتَرِثْ حَرثِي وحَرْثَكَ يُهْزَلِ )

معناه: إذا نلت شيئا أفته، وكذلك أنت إذا أصبت شيئا أفته.و ( من يحترث حرثي وحرثك يهزل )، أي من طلب مني ومنك شيئا لم يدرك مراده.وقال قوم: معنى البيت: من كانت صناعته وطلبته مثل طلبتي وطلبتك في هذا الموضع مات هزلا ؛ لأنهما كانا بواد لا نبات به ولا صيد.وموضع كلانا رفع بما عاد من جملة الكلام، وموضع من رفع بما في يحترث، ويحترث جزم بمن على معنى الجزاء، والحرث منصوب بيحترث، ويهزل جواب الجزاء.فهذه الأبيات الأربعة رواها بعض الرواة في قصيدة امرئ القيس، وزعم الأصمعي وأبو عبيدة وغيرهما إنها ليست منها.

( وقد أَغْتَدِي والطَّيْرُ في وُكُناتِها. . . . . . . .بمُنْجرِدٍ قَيْدِ الأَوَابدِ هَيْكَلِ )

ويروى: ( والطير في وكراتها ).وقوله: ( وقد اغتدى ) معناه وقد أغدو.وقوله: ( في وكناتها ) معناه في مواضعها التي تبيت فيها.وقال يعقوب: الوكنات في الجبال كالتماريد في السها، الواحدة وكنة.وهي الوقنات ايضا، الواحدة وقنة.وقد وقن يقن.وقال الأصمعي: إذا أوى الطير إلى وكره قيل قد وكر يكر، ووكن يكن.ويقال: جاءنا والطير وكور ما خرجن، ووكون ما خرجن.والمنجرد: القصير الشعرة، وذلك من العتق.وقال بعض البصريين: من رواه في وكراتها قال: هو جمع الجمع، وذلك أن الواحد وكر، والوكر جمع الوكر، والوكرات جمع الوكر.وقوله ( قيد الأوابد ) معناه إذا أرسل على الأوابد قيدها، أي صار لها قيدا.والأوابد: الوحوش، وكذلك أوابد الشِّعر.ويقال: تأبد الموضع، إذا توحش.والهيكل: العظيم من الخيل ومن الشجر، ومن ثمة سمى بيت النصارى هيكلا.وقال أبو عبيدة: يقال قيد الأوابد، وقيد الرهان، وهو الذي كأن طريدته له في قيد إذا طلبها.وأول من قيدها امرؤ القيس.قال: الأجرد: القصير الشعرة الضافي الأديم.قل: والهيكل - والأنثى هيكلة والجمع هياكل - هو العظيم العبل الكثيف اللين.والباء في قوله بمنجرد صلة اغتدى، والواو واو الحال، ومنجرد خفض بالباء، وقيد الأوابد نعت لمنجرد.فإن قال قائل: منجرد نكرة وقيد الأوابد معرفة، فكيف نعتت النكرة بالمعرفة ؟ قيل له: العلة في هذا أن المعنى بمنجرد مثل قيد الأوابد.وقال الفراء: هو بمنزلة قولهم: له رأسٌ رأسُ الأسد، معناه له رأسٌ مثل رأسُ الأسد.

( مِكَرٍّ مِفَرٍّ مُقْبلٍ مُدْبرٍ مَعاً. . . . . . . .كجُلْمُودِ صَخرٍ حَطَّهُ السَّيلُ مِنْ عَلِ )

قوله ( مكر ): يكر إذا أريد ذلك منه.و ( مفر ): يفر.( مدبر ): إذا أدبر بعد إقباله.وقال يعقوب: معناه إذا أردت الكر وأنا عليه وجدته عنده، وكذلك هذه الأشياء معاً عنده.و ( الجلمود )، هي الصخرة إذا كانت في أعلى الجبل كأن أصلب لها.وقال غير يعقوب: مكر: لا يسبق في الكر، ومفر: لا يسبق في الفرار، ومقبل مدبر: إذا استقبلته حسن وإذا استدبرته حسن.ومعنى قوله ( حطه السيل من عل ) أراد في سرعته.ويقال معنى حطه حدره.قال الشاعر:

. . . . . .كأنها. . . . . . . .صُخورٌ تدلَّتْ من فُروع يَلملمِ

وقال الآخر:

كما تَدَهْدَي من العَرْض الجلاميدُ

العرض بفتح العين: الجبل.والعرض بكسر العين: الوادي.ويقال: من علٍ، ومن علِ، ومن علُ، ومن علاَ، ومن علوُ، ومن علوَ، ومن علوِ، ومن عال، ومن مًعال.ومكر مفر مقبل مدبر، نعوت لمنجرد.وحطه السيل صلة الجلمود، والهاء تعود عليه، والسيل يرتفع بحطه.

( كُمَيتٍ يَزِلُّ اللِّبْدُ عن حَالِ متْنِه. . . . . . . .كما زَلَّتِ الصَّفْواءُ بالمتنَزِّلِ )

ويروى: ( عن حاذ متنه ).وحاذ متنه: وسطه.شبه ملاسة ظهر الفرس لاكتناز اللحم عليه وامتلائه بالصفاة الملساء.والحال الحاذ معناهما واحد.وقال يعقوب: أصل الخيل جلوداً وحوافر الكمت الحم.وقال يعقوب: والحال: موضع اللبد.قال: ولم أسمع به إلا في هذا.وانشد لابن الدمينة:

وصوتٍ قد سَبقتُ إليه ركْضاً. . . . . . . .على جَرداءَ يَغْسلها الحَبَابُ

مُزَحلفَةٍ يزِلُّ اللبدْ عنها. . . . . . . .كأنَّ نَشَاق نَشْوتها المَلاَبُ

المزحلفة: التي لا يثبت عليها شيء.وانشد لأوس:

كميت يزلُّ اللبد عن دأياتها. . . . . . . .كما زلَّ عن رأس الشجيج المحارفُ

وهي الميل، والواحد محرفة.يقول: إذا شج الرجل أدخل الميل في شجته فيبلغ عظما لا يثبت عليه شيء فيزل عنه.والصفوان: الصفاة اللينة يزلق عنها من ينزل عليها، وهي الصخرة الملساء التي لا ينبت فيها شيء.يقال صفواء وصفوان وصفاة.وجمع صَفوان صِفوان، وجمع صفاة صفاً.قال لبيد:

وعَلاَه زبَدُ المَحْضِ كما. . . . . . . .زلَّ عن ظهَر الصَّفا ماءُ الوشَلْ

وقال غير يعقوب: بالمتنزل يعنى السيل والمطر.وقال: من رواه ( حاذ متنه ) قال: الحاذ: الحال.واللبد مرفوع بيزل، ويزل في موضع النعت، والكاف في كما منصوبة بيزل، والصفواء مرتفعة بزلت.

( على الذَّبْلِ جَيَّاشٌ كأَنَّ اهتزَامَهُ. . . . . . . .إِذا جاش فيه حَمْيُهُ غَلْىُ مِرْجَلِ )

وروى الاصمعي وأبو عبيدة: ( على العقب جياش ).ويروى: ( على الضمر جياش )، يعنى إنه يجيش في جريه، أي يسرع.و ( كأن اهتزامه ) يعنى صوت جريه إذا جاش فيه كغليان المرجل.شبه صوت جرى الفرس بغليان المرجل.وقال يعقوب: قال الأصمعي: قال قوم: العقب جرى بعد جرى، يجيء هذا على عقب هذا.وقال آخرون: على العقب، أي إذا حركته بعقبك جاش وكفاك ذلك من السوط.ومثله:

إذا قُلتُ أطراف الرياح تنالهُ. . . . . . . .مَرَتْهُ به السَّاقانِ والقدمانِ

وقال ساعدة الهذلي وذكر خيلا:

يُوشونهنّ إذا ما آنسُوا فزَعاً. . . . . . . .تحت السَّنَوَّرِ بالأعقاب والجِذم

يوشونهن معناه يستخرجون ما عندهن.وقال الآخر:

جُنادفٌ لاحقٌ بالرأس مَنكِبُه. . . . . . . .كأنَّه كَودنٌ يُوشَى بكُلاَّبِ

أي يستخرج ما عنده.واهتزامه: صوته.وقوله ( إلى مرجل ) معناه إذا جاش غليه فيه فكأنه إلى مرجل.قال يعقوب: وقال أبو عبيدة: الجياش المتزيد في حضره الذي لا ينقطع جريه، إنما يجيش به.قال.وهذا البيت مثل قول جرير:

لِزاز حِضارٍ يَسبِق الخيلَ جَدُّه. . . . . . . .على الدّفعة الأولى وفي العَقْب مِرجما

يقول: في آخر العد ويضرب برجليه الارض ضربات شديدا.وقال بعض أهل اللغة: رواه ابن الأعرابي: ( على الدأل جياش )، وقال: أخذه من دألان الثعلب، كما قال في بيته الآخر:

بذِي ميعةٍ كأنَّ أدنى سِقاطه. . . . . . . .وتقريبِه هَوناً دَآليل ثَعلب

والجياش نعت لما تقدم قبله، والاهتزام اسم كأن وخبر كأن إلى مرجل، وحميه مرفوع بجاش، ويجوز أن يكون خبر كان ما عاد من الهاء، والحمى مرتفع بالغلى.وإذا وقت فيها طرف من الجزاء.

( مِسَحٍّ إذا ما السَّابحاتُ على الوَنَى. . . . . . . .أَثَرْنَ الغُبارَ بالكَدِيدِ المرَكَّلِ )

مسح معناه يصب الجرى صبا.قال الأصمعي: أنشدني عيسى بن عمر لدريد:

ويا رُبَ غَارةٍ أوضَعْتُ فيها. . . . . . . .كسَحِّ الخزرجىّ جَرِيمَ تَمرِ

اوضعت معناه أسرعت.قال دريد:

يا ليتني فيها جذَعْ. . . . . . . .أخُبُّ فيها وأضَعْ

ويقال: مطر ساح وسحاح وسحساح، إذا انصب انصبابا.وقد سحت السماء تسح سحا.ومنه غنم سحاح وسحاح، أي يسيل دسمها.السابحات: اللواتي عدوهن سباحة ؛ والسباحة في الجرى: أن تدحو بأيديها دحوا، أي تبسطها ولا تلفقها.وقال أبو عبيدة: السح أن يمد ضبعيه حتى لا يجد مزيدا، كما يسبح السابح.( على الونى )، معناه على الجهد والفتور.يقال: قد ونى الرجل ينى، إذا فر وضعف.قال الله عز وجل: ( ولا تَنيَا في ذِكِرى ).وقال الراجز:

فما وَنَى محمدٌ مُذْ أن غَفَر. . . . . . . .له الإلُه ما مَضى وما غَبَرْ

يقول: إذا فعل العتاق هذا كان هو مسحا يصب الجرى صبا.و ( الكديد ): الموضع الغليظ.يقول: فيثرن الغبار لصلابة حوافرهن.وروى أبو عبيدة: ( بالكثيب السموءل ).قال: وهو جوف من الأرض واسع.و ( المركل ): تركله بحوافرها.وقال غيره: الكديد ما كد من الأرض بالوطء.والمركل: الذي يركل بالأرجل.والسابحات موضعها رفع بما عاد من آثرن، وعلى والباء صلتان لأثرن.

( يَزِلُّ الغُلامُ الخِفُّ عَنْ صَهَواتِهِ. . . . . . . .ويُلوِى بِأَثوابِ العَنيفِ المثَقَّل )

ويروى ( يزل الغلام الخف عن صهواته )، على معنى يزل الفرس الغلام الخف.وروى الأصمعي: ( يطير الغلام الخف ) معناه يرمى به من خفته ونشاطه وسرعته.والخف: الخفيف.قال أبو عبيدة: وسمعت الخف بالفتح.وصهواته: جمع صهوة، وهي موضع اللبد.وصهوة كل شيء: ظهره، وجمعها بما حولها، كما قال الأسود بن يعفر:

فلقد أرُوح على التِّجارِ مَرجَّلا. . . . . . . .مَذِلاً بمالى ليِّناً أجيادِي

أراد الجيد وما حوله.وقال أبو عبيدة: الصهوة مقعد الفارس.قال يعقوب: وقال آخرون: بل هي ما أسهل من سراة الفرس من ناحيتيها، والجمع صهاء كما ترى.وسراة كل شيء: أعلاه.فسراة الفرس: أعلى ظهره.قال الأصمعي: معنى قوله ( ويلوى بأثواب العنيف ) يرمى بثيابه، أي يذهبها ويبعدها.والعنيف: الذي ليس برفيق.والمثقل: الثقيل.وقال بعضهم: إذا كان راكب الفرس خفيفا رمى به، وإذا كان ثقيلا رمى بثيابه.وقال ابن حبيب: إذا ركب الخيل غير المحاذق بركوبها رمت به.ومعنى: ( بأثواب العنيف ) بيديه.والغلام رفع بيزل، والخف نعته، وعن صهواته صلة يزل، ويلوى نسق على يزل، والباء صلة يلوى وهي خافضة للأثواب، والاثواب مضافة إلى العنيف، والمثقل نعته.

( دَريرٍ كخُذْرُوفِ الوَلِيدِ أَمَرَّهُ. . . . . . . .تَتَابُعُ كفَّيِهِ بخَيْطٍ مُوَصَّلِ )

درير: مستدر في العدو.يصف سرعة جريه، يقول: يستدر في الجري كما يستدر المغزل.والخذروف: الخرارة التي يلعب بها الصبيان تسمع لها صوتا: خرَّ خرَّ، فهي سريعة المر.و ( أمره ) من الامرار، وهو احكام الفتل.قال الشاعر:

أمَرَّت من الكتان خَيطاً وأرسلَتْ. . . . . . . .جَرِيّاً إلى أخرى قريب يُعِينُها

وقوله: ( بخيط موصل ) معناه قد لعب به حتى خف وأخلق وملس، فتقطع خيطه فوصل، فهو أسرع لدورانه.قال ابن مقبل وذكر جرى الفرس:

هَرْجَ الوليدِ بخيط مُبرَمٍ خَلَقٍ. . . . . . . .بينَ الرَّواجب في عُودٍ من العُشرِ

هرج: كثرة تخريره الخذروف.والهرج: الكثرة من القتل ومن النكاح.والمبرم: الشديد الفتل.وإنما قال خلق لأنه لعب به حتى خف وجاد.وجعله من عشر لأنه أخف.والرواجب: سلاميات الأصابع.وتتابع كفيه، يريد تتابعهما بالتخرير.ويروى: ( أمره تقلب كفيه )، أي تقلبهما بالخرارة.ويقال مُغزل ومِغزل، ومَغزل.والدرير نعت لما تقدم قبله، والكاف نعت للدرير وهي خافضة للخذروف، والخذروف مضاف إلى الوليد، والتتابع مرتفع بأمره، وهو مضاف إلى كفيه، والباء صلة التتابع، وهي خافضة للخيط، وموصل نعت له.

( له إِطِلاَ ظَبْيِ وساقَا نَعامةٍ. . . . . . . .وإِرخاءُ سِرْحانٍ وتَقريبُ تَنْفُلِ )

ويروى: ( له أيطلا ظبي )، وهي كشحاه، وهو ما بين آخر الضلوع إلى الورك ؛ يقال له أطل وآطال، وأيطل وأياطل.والأيطل والقرب والصقل والكشح واحد.وإنما شبهه بأيطل الظبي لأنه طاو وليس بمنضخ.وقوله ( وساقا نعامة ) النعامة قصيرة الساقين صلبتهما، وهي غليظة ظمياء ليست برهلة.ويستحب من الفرس قصر الساق لأنه أشد لرميها بوظيفها.ويستحب منه مع قصر الساق طول وظيف الرجل وطول الذراع، لأنه أشد لدحوه أي لرميه بها.والإرخاء: جرى ليس بالشديد.يقال: فرس مرخاء، وهي مراخي الخيل.وليس دابة أحسن إرخاء من الذئب.والسرحان: الذئب.والتقريب: أن يرفع يديه معا ويضعهما معا.والتتفل: ولد الثعلب، وهو احسن الدواب تقريبا.ويقال للفرس: هو يعدو الثعلبية، إذا كان جيد التقريب.وقال غير الأصمعي: مما يشبه من خلقة الفرس بالظبي طول وظيفة رجليه، وتأنيف عرقوبيه، وعظم فخذيه وكثرة لحمهما، وعظم وركيه، وشدة متنه وظهره، وإجفار جنبيه، وقصر عضديه، ونجل مقلتيه، ولحوق أياطله.ومن خلق النعام طول الوظيفين، وقصر الساقين والمتنين.وقال أبو عبيدة في الإرخاء: هو إرخاء أسفل وإرخاء أعلى ؛ فالإرخاء الأسفل بمنزلة التقريب الأعلى، والإرخاء الأعلى أن يخليه وشهوته من الجري، غير متعب له ولا مستزيد.ويروى: ( تقريب تتفل ).و ( تتفل ).والإطلان يرتفعان بله وهما مضافان إلى الظبى، والساقان والإرخاء والتقريب نسق على الإطلين.

( ضَليعٍ إذا استدبَرْتَهُ سدَّ فَرْجَه. . . . . . . .بضافٍ فُوَيْقَ الأَرضِ لَيْسَ بأَعْزَلِ )

يقال فرس ضليع وبعير ضليع، إذا كانا قويين منتفجي الجنبين ؛ وهي الضلاعة.ويروى عن عمر رضي الله سبحانه عنه إنه قال: ( إذا اشتريت بعيراً فاشتره ضليعا، فإنْ أخطأك مخبر لم يخطئك منظر ).وفرجه: ما بين رجليه بضاف، معناه بذنب ضاف، وهو السابغ.يقال: خير فلان ضاف على قومه.ويكره من الفرس أن يكون أعزل ذنبه في ناحية، وأن يكون قصير الذنب، وأن يكون طويلا يطأ عليه.ويستحب منه أن يكون سابغا قصير العسيب.والضليع نعت لما قبله، وإذا وقت فيها طرف من الجزاء، وسد فرجه جواب إذا، والباء صلة سد، وهي خافضة لضاف.وفويق الأرض منصوب على المحل، واسم ليس مضمر فيه، وخبرها بأعزل.

( كأَنَّ سَرَاتَهُ لَدَى الَبيْتِ قائماً. . . . . . . .مَدَاكُ عَرُوسٍ أو صَلاَيَةُ حَنْظَلِ )

معناه: كأن على ظهره حجرا أملس يسحق عليه العطار المسك وغيره.أراد به ملاسة ظهره واستواءه، واكتناز اللحم عليه.شبهه بالصلاية في استوائها.وروى الأصمعي: ( أو صراية حنظل )، وروى: ( كأن على الكتفين منه إذا انتحى ).وقال يعقوب: السراة أعلى ظهره.وسراة الجبل أعلاه، وسراة النهار: أعلاه.وسرو حمير أعلى بلادهم.ويقال كتف وكتف.وانتحى: اعترض.و ( مداك عروس ) معناه صلاية عروس، لأنها قريبة عهد بالسحق، فهي تبرق.يقول: فهو أملس يبرق، لأنه أجرد ليس بكثير الشعر.والصراية: الحنظلة التي قد اصفرت، لأنها من قبل أن تصفر مغبرة، فإذا اصفرت صارت تبرق كأنها قد صقلت.قال الشاعر:

كأنَّ مَفالق الهاماتِ منْهم. . . . . . . .صَراياتٌ تَهَادَاها جَوَارِ

وقال الآخر، وهو امرؤ القيس يصف فرسا:

إذا استَعرضَتْ قُلتَ دُبّاءةٌ. . . . . . . .من الخُضر مغموسةٌ في الغُدُرْ

الدباءة: القرعة.يقول: كأنها من بريقها قرعة من الخضر مغموسة في غدر الماء.وقوله مغموسة، ليس يريد انها مغموسة في الماء منقعة فيه، ولكن هذا كقول القائل: أنت مغموس في الخير.وقال ابن مقبل:

كأنَّ دُبّاءةً شُدَّ الحِزامُ بها. . . . . . . .في جوز أهوجَ بالتَّقريبِ والحُضُرِ

وروى أبو عبيدة: ( أو صراية حنظل ) بكسر الصاد.وقال: شبه عرقه بمداك العروس أو بصراية حنظل، وهو الماء الذي ينقع فيه حب الحنظل لتذهب مرارته، فهو أصفر مثل لون الحلبة.يقال صرى يصرى صريا وصراية.وقال أبو نصر: إنما قال صلاية حنظل لأن حب الحنظل يخرج دهنه فيبرق على الصلاية.والمداك: الحجر الذي يسحق به.والمدوك: الذي يسحق عليه.وقال بعض البصريين: مداك من داكه يدوكه دوكا، إذا طحنه.وروى هذا البيت في هذا الموضع:

وأنْتَ إذا استدبَرْتَه سَدَّ فرجَه. . . . . . . .بِضاف فُويقَ الأرضِ ليس بأعزلِ

الفروج واحدها فرج: ما بين قوائم الفرس من الانفتاح.والضافي: الذنب السابغ.قال الشاعر:

ورفَّعْن أذيال المُرُوط الضَّوافيا

وروى محمد بن حبيب هذا البيت في هذا الموضع وليس هو موضعه عند يعقوب وغيره:

كأن الثريَّا عُلقت في مَصَامِها. . . . . . . .بأمراسِ كَتّان إلى صُمّ جَنْدلِ

قال: شبه تحجيل الفرس في بياضه وصفائه بنجوم شدت بحجارة، فشبه الحوافر بالحجارة.والسراة اسم كأن، ولدى البيت محل، ومداك عروس خبر كأن، والصلاية نسق على مداك.

( كأَنَّ دِماءَ الهادياتِ بنَحْرِهِ. . . . . . . .عُصارةُ حِنَّاءٍ بشَيب مُرجَّلِ )

الهاديات: المتقدمات.والهوادي من الإبل والخيل والحمر ومن كل شيء: أوله.ويقال: مررت بهودى الحمر.وجاءت الخيل يهديها فرس فلان، وجاءت الحمر يهديها فحلها.قال علقمة:

يَهدِى بها أكلَفُ الخَدَّيَنِ مُخْتَبرٌ. . . . . . . .مِن الجمال كثير اللَّحم عَيثومُ

أراد إنه يلحقها فيطعنها فتصيب دماؤها نحره.ويقال: القدم تهدى الساق، أي تتقدمها.قال طرفة:

لعبِتْ بَعدِىَ السيولُ به. . . . . . . .وجَرَى في رَونَق رِهَمُهْ

للفتى عَقْلٌ يَعيشُ به. . . . . . . .حيثُ تهدِى ساقَه قَدمُه

وقال الآخر:

إذا لم يجتْرِزْ لبَينهِ لحماً. . . . . . . .غَريضاً من هوادي الوحش جاعُوا

وقوله ( بشيب مرجل )، معناه بشيب قد غسل عنه الحناء فرجل.والدماء اسم كأن، والباء صلة الدماء، والعصارة خبر كأن وهي مضافة إلى الحناء، والباء صلة العصارة، والمرجل نعت للشيب.

( فعَنَّ لنا سِربٌ كأَنَّ نِعاجَهُ. . . . . . . .عَذارَى دَوَارٍ في مُلاءٍ مُذَيَّلِ )

قوله عن: اعترض.يقال عنَّ يعِنُّ ويعُنّ.ورجل معن إذا كان يعترض في كل شيء.قال الشاعر:

أتخذُل ناصري وتُعِزَّ عَبساً. . . . . . . .أيربوعَ بن غَيْظ للمِعَنِّ

معناه: اعجبوا للمعنوالسرب: القطيع من البقر والظباء والقطا والنساء.ودوار: نسك كانوا في الجاهلية يدورون حوله.ودوار: موضع في الرمل.قال الشاعر:

كأنَّهن نِعاجٌ حَولَ دَوَّارِ

ودوَّار، بالفتح: سجن باليمامة.يقول: فهن يمسن كما تميس العذارى في الملاء.قال الطرماح:

يَمسح الأرضَ بِمعنَوْنِس. . . . . . . .مثلِ مئلاة النِّياح القِيامْ

المئلاة: خرقة تندب بها النائحة.قال أبو عبيدة: دوار: حجر أو حجار ينصبونها ثم يطوفون حولها أسابيع، يتشبهون بأهل مكة.وقال الآخر في دوار بالفتح والتشديد:

كانت منازلُنا التي كنا بها. . . . . . . .شَتَّى فألَّفَ بيننا دَوَّارُ

والسرب يرتفع بعن، والنعاج اسم كأن، وعذارى خبر كأن وهي مضافة إلى دوار، وفي ملاء صلة عذارى، ومذيل نعت للملاء.

( فأَدْبَرْنَ كالجَزْعِ المفصَّلِ بَيْنَهُ. . . . . . . .بجِيدِ مُعَمٍّ في العَشيرِة مُخْوَلِ )

قال يعقوب: أدبرن يبرقن كما يبرق الجزع الذي جعل بينه ما يفصله، أي أنهن متفرقات.قال يعقوب: ( بجيد معم ) معناه في عنق غلام مُعمَ مخول، أي كريم العم والخال.وقال ابن حبيب: كأنه قال: كريم الأبوين.وقال أبو نصر: الجزع: خرز فيه بياض وسواد، فالواسط ابيض والطرفان أسودان إلى الطول ؛ وذلك أن البقر بيض إلا القوائم والخدود.وقال ( بجيد معم ) لأن خرزه أجود وأصفى.وقال أبو عبيدة: لا أعرف الجِزع بالكسر.وقال غيره: الجزع بالكسر: ما انعطف من الوادي، والجَزْع: بالفتح: الخرز.قال الشاعر:

فقلتُ له أينَ الذين عهدتُهم. . . . . . . .بِجزْعِك في خَفْضٍ وطيبِ زمانِ

وقال ابن حبيب: أدبرن كالجزع: تفرقن.وقال بعض البصريين: كأنها قلادة فيها خرز وقد فصل بينه بالخرز، وجعلت القلادة في عنق صبي كريم الأعمام والأخوال.وأدبرن فيه كناية الهوادي، والكاف في موضع نصب، والتقدير: فأدبرن مثل الجزع المفصل بينه، وبين في صلة المفصل، والباء صلة المفصل أيضا، والجيد مضاف إلى معم، ومخول نعته.وموضع بين رفع في قول الفراء لأنها اسم ما لم يسم فاعله.

( فأَلحقَهُ بالهادِيَاتِ ودُونَهُ. . . . . . . .جَواحِرُها في صَرَّةِ لم تَزَيَّلِ )

الهاديات: السوابق المتقدمات.قال الأعشى:

إذا كان هادِى الفتَى في البلا. . . . . . . .دِ صدرَ القَناة أطاعَ الأميرا

وجواحرها: اللواتي قد تخلفن.وهو المجحر.والمجحر: المدرك.والجاحر: الذي قد تأخر حتى أدرك.قال الشاعر:

إذا فزِعُوا طارُوا إلى مُجْحَريهمُ. . . . . . . .طوالُ الرماح لا قِصارٌ ولا غُزْلُ

قال الأصمعي: وقد تقول من جاحر: قد جحر.قال: ولا ادري كيف يفعل منه.وقوله ( فألحقه بالهاديات ) معناه فألحق الفرس الغلام بالهاديات، أي ألحقه بالأوائل ودونه المتخلفات.قال الشاعر:

وكم دون بيتِك من صَفْصَفٍ. . . . . . . .ومن حَنَشٍ جاحر في مَكَا

وقال الآخر:

وقد جَحرتْ منها ثُعالب أورالِ

وقوله ( في صرة لم تزيل ) معناه في جماعة.وقوله ( لم تزيل ) معناه لم تفرق، أي لحق الأوائل الأواخر، هذه حالهن.وقال الله عز وجل: ( فأقْلَتِ امرأتُه في صَرّة فصَكَّتْ وَجْهَهَا )، معناه فأقبلت امرأته في جماعة.والصرة: الصيحة والضجة.ويقال: صرصر الباب، إذا صوّت.قال الشاعر:

كأنْ سَوَادةَ يَجْلو مُقْلَتَيْ لِحمٍ. . . . . . . .بازٍ يُصرصِرُ فوقَ المرقَب العالِي

والهاء منصوبة بألحق، والباء صلة ألحق، والواو واو الحال، وجواحرها مرفوعة بفي، ودونه صلة في، ويجوز أن يرتفع بدونه ويكون في صلة لدون.ويروى: ( فألحقنا )

( فعادَى عِداءً بيْنَ ثَورٍ ونَعْجةٍ. . . . . . . .دِراكاً ولم يُنْضَحْ بماءٍ فيُغْسَلِ )

قوله ( عادى ) معناه وإلى بين اثنين في طلق، قتلهما ولم يعرق، أدرك صيده قبل أن يعرق.وقوله ( فيغسل ) معناه لم يعرق فيصير كأنه قد غسل بالماء.وقال رجل من جرهم:

وكلُّ كموح في العنانِ كأنها. . . . . . . .إذا اغتسلتْ بالماءِ فَتْخاءُ كاسرُ

والدراك: المداركة.يقول: صاد ثورا ونعجة ولم يجهد نفسه حتى يعرق.وهي لا تغتسل، ولكنها تعرق.وأنشد بعض أهل اللغة:

واغتَسَلتْ بالزَّعفرانِ واغْتَسَلْ

أي تصابت وتصاب عرقا.والعداء منصوب بعادى، وبين صلة عادى، ودراكا منصوب بعادى، وينضح مجزوم بلم، والباء صلة ينضح، ويغسل منسوق على ينضح، واللام كسرت للقافية، وذلك أن المجزوم إذا احتيج إلى حركته كسر.والياء صلة لكسرة اللام.والعداء على أربعة أوجه: العداء الموالاة ممدودة، والعدى: الأعداء مقصور يكتب بالياء، والعدى: القوم الغرباء مقصور ويكتب بالياء، والعدى: العداة مقصور يكتب بالياء.قال الشاعر:

إنّ الخليطَ أجدُّوا البَينَ فانجردُوا. . . . . . . .وأخلفوك عِدَى الأمر الذي وعَدوا

والفراء يقول ( عد ) بغير ياء، بمعنى عدة ؛ وهو الصحيح.

( فَظَلَّ طُهاةُ اللَّحمِ منْ بَيْنِ مُنْضِجٍ. . . . . . . .صَفِيفَ شِوَاءٍ أو قَدِيرٍ مُعَجَّلِ )

الطهاة: الطباخون، واحدهم طاه فاعلم.يقال: قد طها، إذا طبخ.أنشدنا أبو العباس لأخت يزيد بن الطثرية:

إذا ما طها للقومِ كانَ كأنه. . . . . . . .حَمِىٌّ وكانت شيِمةً لا تزايلُه

والصفيف: المرقق.والقدير: الطبيخ، واصله المقدور الذي طبخ في القدور، فصرف من مفعول إلى فعيل.ويستحب تعجيل كل ما كان من الصيد يستطرف.وظل بمنزله كان في العمل، ومن خبر ظل وهي خافضة لبين، وبين خافضة لمنضج.والصفيف منصوب بمنضج، والقدير نسق على الصفيف في التقدير، والتقدير: من بين منضج صفيف شواء أو قدير معجل.أجاز الكسائي والفراء عبد الله مكرم أخيك في الدار وأباك، وعبد الله مكرم أخاك في الدار وأبيك.وانشد الفراء:

فبينا نحْنُ ننظره أتانا. . . . . . . .مُعلِّقَ شِكوة وزناد رَاعِ

نصب الزناد على معنى أتانا معلقا شكوة.والمعجل يخفض لأنه نعت للقدير.والمعجل: إلي لا يُحبس.

( ورُحْنَا يَكَادُ الطَّرْفُ يَقْصُرُ دُوَنْهُ. . . . . . . .متى ما تَرَقَّ العَيْنُ فِيهِ تَسَهَّلِ )

وروى الأصمعي وأبو عبيدة:

ورُحنْا وراحَ الطِّرفُ ينْفُض رأسهَ

الطرف: كل شيء كريم من رجل أو فرس ؛ والأنثى طرفة.وقال أبو عبيد: قال منتجع بن نبهان: الطرف: الكريم الطرفين من قبل الآباء والأمهات.وقال الأصمعي: قوله ينفض رأسه، معناه من المرح والنشاط، قال: وقول الهمداني:

ترى المُهرةَ الرَّوعاء تَنفُض رأسَها. . . . . . . .كَلالاً وأيْناً والكميتَ المفزَّعا

فهذا ضد ذاك.يريد إنها تكبو في الحصى وتركع من الحفاد والجهد، فتنفض رأسها.وقوله: ( متى ترق العين فيه تسهل ) قال بعض البصريين: معناه إذا صعد فيه البصر سهله، أي حدره من عجبه.وقال غيره: معناه إذا رفع إليه رأسه ناظر رأى ما يعجبه فسهل.قال: وهذا مثل قولهم: صعد فيه البصر وصوبه.ويقال للرجل: صعد في الجبل وسهل في الحضيض، وهي الأرض إذا نزل إليها من الجبل.وهذا في الفرس كناية.وقال ابن حبيب: معناه من نظر إلى أعلاه نظر إلى أسفله لكماله، ليستتم النظر إلى جميع جسده.ومن رواه: ( يكاد الطرف يقصر دونه ) أراد يقصر دون بصرع الناظر لئلا تصيبه العين.والطرف يرتفع بيكاد، وترق مجزوم بمتى ما، علامة الجزم فيه سقوط الياء.والعين مرتفعة بترق، وتسهل جواب الجزاء والياء صلة لكسرة اللام.

( فباتَ عليْه سَرْجُه ولجامُه. . . . . . . .وباتَ بعيني قائماً غَير مُرسلِ )

يقول: بات متهيئا ليرسل في وجه الصبح.و ( بات بعيني ) معناه بحيث أراه.و ( غير مرسل ) معناه يعلف وهو غير مهمل.وقال: بات عليه سرجه، لأنهم مسافرون لا ينزعونه عنه.قال: كأنه أراد الغدو فكأنه معد لذلك.والسرج يرتفع ببات، واللجام نسق، وعلى صلة بات وهي خبره، وبات الثاني نسق على بات الأول، والباء صلة بات وهي خبره، وقائما منصوب على الحال، وغير مرسل نعت.

( أَصَاحِ تَرَى بَرْقاً أُرِيكَ وَمِيضهُ. . . . . . . .كَلَمْعِ اليَدَيْن في حَبيٍّ مُكَلَّل )

ويروى: ( أحار ترى ببرقا ).قوله: أصاح، معناه يا صاحب.وقوله: أحار، معناه يا حارث فرخم.قال الفراء: العرب ترخم عامرا، وحارثا، ومالكا، فيقولون: يا حار أقبل، ويا عام أقبل، ويا مال أقبل.قرا بعض القراء: ( ونادَوْا يا مالكٍ ليَقْضِ علينا ربك ).وأنشد الفراء:

يا حارِ لا أرمَيَنْ منكمْ بداهيةٍ. . . . . . . .لم يَلقَها سُوقَةٌ قبلي ولا مَلِكُ

وأنشد الفراء أيضا:

ألا يا حارِ ويْحَك لا تَلُمنْني. . . . . . . .ونَفْسَكَ لا تضيِّعْها ودَعْني

وقوله ( وميضه ) معناه خطر إنه وبريقه كحركة اليد.يقال: أومض الرجل، إذا غمز بعينه.وقوله ( كلمع اليدين )، معناه كحركة اليدين ( في حبي )، وهو ما حبا لك من السحاب، أي ارتفع.والمكلل: الذي بعضه على بعض.وقال أبو عبيدة: ( في حبي مكلل ) هو الذي ينكل بالبرق، أي يبتسم.ويقال انكلت المرأة، إذا تبسمت.ويروى: ( أعني على برق أريك وميضه ).وقال بعضهم: الحبى: لداني من الأرض.وقال آخرون: الحبى الذي قد حبا بعضه إلى بعض: تدانى.قال عدى بن زيد:

وحَبيٍّ بعد الهدوّ تزجِّي

هِ شَمالٌ كما يُزَجَّى الكسيرُ

معنى تزجيه تسوقه.ويقال المكلل: السحاب الذي قد كلل بالبرق.وجعل البرق للسحاب كالإكليل.والبرق منصوب بترى، وأريك وميضه في صلة البرق، والهاء تعود على البرق، والكاف منصوبة على النعت للبرق وفيها ذكره، وفي حبى صلة اللمع.

( يُضيءُ سَنَلهُ أو مَصابيحُ راهبٍ. . . . . . . .أَمالَ السَّليطَ بالذُّبالِ المفتَّل )

ويروى: ( أو مصابيح راهب ) بالخفض.فمن رفع المصابيح قال هي منسوقة على ما في الكاف من ذكر البرق، ومن خفض المصابيح قال: هي منسوقة على اللمع، كأنه قال: كلمع اليدين أو مصابيح راهب.والسنا: الضوء، مقصور يكتب بالألف.ويقال في تثنيته: سنوان.ويقال في تصريفه: سنا يسنو سنوا.والسناء من المجد والشرف ممدود.قال الله عز وجل: ( يَكادُ سَنَا بَرْقِه )، ويروى عن طلحة بن مصرف: ( سَنَاءُ بَرْقِهِ ) بالمد، لأنه ذهب به إلى معنى المجد والشرف.وروى الأصمعي:

وكأنَّ سَناهُ في مصابيح راهبٍ. . . . . . . .أهانَ السَّليطَ للِذُّالِ المفتَّلِ

وقال: المعنى كأن مصابيح راهب في سناه، فقلب.قال: ومثله:

حتى إذا احتدمَتْ وصار

رَ الجمرُ مثلَ تُرابِها

معناه وصار ترابها مثل الجمر.ومثله:

كأنَّ لونَ أرضِه سماؤُهُ

معناه: كأن لون سمائه من غبرتها لون أرضه.قال: ومعنى قوله ( أهان السليط ) لم يكن عنده عزيزا، يعنى إنه لا يكرمه عن استعماله وإتلافه في الوقود.قال: ومثله قولهم: ( خذه بما عز وهان ).وقال الشاعر يذكر فرسا:

أهانَ لها الطَّعامَ فلم تُضِعْه. . . . . . . .غَداةَ الرَّوع إذْ أزَمَتْ أزَامِ

يقول: جعله عندها هينا.وأزام هاهنا: الداهية، أو أراد إنه أهان الطعام لها وغذا هذه الفرس فأنقذته في الروع، وهو الفزع.وهذا يصف قتالا وحربا.قال: وليس قوله أمال السليط بشيء، ولا معنى له.والسليط عند عامة العرب: الزيت، وعند أهل اليمن: دهن السمسم.وأنشدنا أبو العباس للجعدي:

تضيءُ كضَوءِ سِراجِ السَّلي

طِ لم يَجعَل اللهُ فيه نُحاسا

معناه دخانا.و ( الذُّبال ): الفتائل، واحدتها ذبالة.وشددها امرؤ القيس للضرورة، وذلك في قوله:

يضيءُ الفِراشَ وجهُها لضجيعها. . . . . . . .كقِنديلِ زيتٍ في مَصابيح ذُبَّالِ

والسنا مرتفع بيضيء، والسليط منصوب بأمال، والباء صلة أمال.

( قَعَدْتُ لَهُ وصُحْبَتِي بَيْنَ ضَارجٍ. . . . . . . .وبَيْنَ العُذَيبِ بُعْدَ ما مُتأَمّلِ )

ويروى: ( قعدت له وصحبتي بين حامز وبين إكام ).ويروى: ( لكام ).وحامز هو من بلاد غطفان، وكذلك رحرحان.وآكام: جمع أكمة.ولكام: جبل بالشام.وقال الأصمعي: معناه قعدت لذلك البرق انظر من اين يجيء بالمطر.وضارج والعذيب: موضعان.وقوله ( بُعد ما متأمل ) معناه يا بُعد ما تأملت أي تبينت.وموضع ما خفض ببعد ومعناها الذي، والمتأمل مرفوع بإضمار هو.وقال بعض أهل اللغة: معناه يا بُعد تأملي.فالتأمل مخفوض بإضافة بعد اليه، وما صلة للكلام.وقال بعضهم: ( بُعد ما متأمل ) فموضع ما رفع ببعد فألقيت ضمة العين على الباء، كما قالوا نعم الرجل وأصله نعم الرجل.قال الشاعر:

إذا غابَ عنا غابَ عنا فُراتُنا. . . . . . . .وإنْ شِهْدَ أجْدَى فَضْله وجَداولُه

معناه وإن شهد، فألقى كسيرة الهاء على الشين.ويروى: ( بعد ما متأمل ) بفتح الباء على معنى بعد ما متأمل، فما رفع ببعد.وسيجوز أن سيرتفع المتأمل ببعد وتكون ما حشوا، وتركت الباء على فتحتها، وسقطت الضمة عن العين، كما تقول كرم الرجل وأنت تريد كرم الرجل.وقال بعضهم: موضع ما خفض ببعد، كأنك قلت: بعد ما تأملت.قال: وليس الأصل في بَعْد بَعُد.والصحبة يرتفعون ببين، والواو واو حال.

( عَلاَ قَطَناً بالشَّيْمِ أَيْمَنُ صَوْبهِ. . . . . . . .وأَيسَرُهُ عَلَى السِّتَارِ فيَذْبُلِ )

علا من العلو.وقطن: جبل في أرض بني أسد.والشيم: النظر إلى البرق اين هو.يقال: شم البرق، أي انظر اين هو ؟ قال الشاعر:

ما شِمتُ برَقكَ إلاّ نِلتُ ريِّقه. . . . . . . .كأنما كنتَ بالجَدْوَى تبادرُني

ورواه الأصمعي:

عَلَى قَطَنٍ بالشَّيم أيْمَنُ صَوبه. . . . . . . .وأيْسَرُه على النِّباج وثَيتَلِ

النباج وثيتل: موضعان، وهما ماءان لبني سعد بن زيد مناة مما يلي البحرين.والستار ويذبل: جبلان.والصواب: نزول المطر ؛ يقال صوب يصوب صوبا.قال الشاعر:

فلا تَعْد لِي بيني وبين مُغَمَّرٍ. . . . . . . .سَقتْكِ رَوَايا المُزْن حِينَ تَصُوبُ

معناه حين تنزل.ويقال صوب البرق.وعلا من العلو.والقطن منصوب بعلا، وأيمن صوبه: ما كان يمنه ؛ وأيسره: ما كان شأمة.العرب تقول: يمنة وشأمة ولا يقولون يسرة.وأيمن مرفوع بعلا، وأيسر مرفوع بقوله على الستار، ويذبل نسق على الستار.ومن رواه: ( على قطن ) قال: على صلة والقطن مخفوض بها، وأيمن يرتفع بعلى.

( فأَضْحَى يَسُحُّ الماءَ حَوْلَ كُتَيْفَةِ. . . . . . . .يَكُبُّ على الأَذقانِ دَوْحَ الكَنهْبُلِ )

معناه فأضحى السحاب.ومعنى يسح يصب.ورواه أبو عبيدة: ( فأضحى يسح الماء من كل تلعة )، والتلعة: مسيل الماء.ورواه الأصمعي: ( فأضحى يسح الماء عن كل فيقة )، والفيقة: ما بين الحلبتين، كأنه يحلب حلبة ويسكن ساعة ثم يحلب أخرى.يعنى السحاب، وذلك أشد المطر.قال الأعشى:

حتى إذا فِيقةٌ في ضرَعها اجتمعتْ. . . . . . . .جاءت لتُرضِعَ شِقَّ النَّفْس لِوْ رضعا

ويقال: أفاقت الناقة، إذا جاء وقت حلبها.ويقال: لا تنتظره فُواق ناقة وفَواق ناقة، بالضم والفتح، والفتح هو المعروف في كلام العرب.وقوله ( يكب على الأذقان ) معناه يقلع الشجر، والأذقان: شجر.ومعنى رواية الأصمعي ( يسح الماء عن كل فيقة ): يشح الماء بعد كل فيقة ؛ فعن بمعنى بعد، كما قال في هذه القصيدة ( لم تنتطق عن تفضل ) يريد بعد تفضل.ومن رواه ( حول كتيفة ) قال: كتيفة موضع.والدوح: العظام من الشجر، واحدته دوحة.يقال شجرة دوحة، إذا كانت عظيمة كثيرة الورق والاغصان والكنهبل: شجر هو من أعظم العضاه.وواحد الكنهبل كنهبلة، وواحد العضاة عضة.ومعنى يكبه يقلعه فيلقيه على وجهه.واسم أضحى مضمر فيه، وخبره ما عاد من يسح، وحول كتيفة صلة يسح، ويكب خبر مستأنف، ويجوز أن يكون في موضع نصب وان كان مرفوعا في اللفظ بالباء على الحال مما في أضحى.والدوح منصوب بيكب، وعلى صلة يكب.

( ومَرَّ عَلَى القَنَانِ مِنْ نَفَيانِهِ. . . . . . . .فأَنْزَلَ مِنْهُ العُصْمَ مَنْ كُلِّ مَنْزلِ )

القنان: جبل بني أسد.وأصل النفيان ما تطاير عن الرشاء عند الاستقاء ؛ وهو هاهنا ما شذ عن معظمه.والعصم: تيوس الجبال، سمين عصما لبياض في أطراف أيديهن.قال الشاعر:

رُهبانُ مَديَنَ لو رأوكِ تَنَزَّلوا. . . . . . . .والعُصم من شَعَف العقولَِ القادرِ

ويروى: ( فأنزل منه العفر في كل منزل ).والعفر: البيضمن الظباء، واحدها أعفر، وإنما سمى الأبيض أعفر لأن بياضه تعلوه غبرة، كما سموا الناقة صفراء لأن سوادها تعلوه صفرة.قال الله عز وجل: ( صفراءُ فاقعٌ لونُها ).يريد بالصفراء السوداء.وواحد العصم أعصم، والأعصم: الذي يخالط بياضه حمرة.وروى الأصمعي:

وألقى ببُسيان مع اللّيلِ بَرْكَهُ

وبسيان: جبل.وبركه: صدره.ضربه مثلا.يقال برك وبركة.والبرك في غير هذا: جماعة من الإبل.قال متمم بن نويرة:

ولا شارفٌ جَشَّاءُ هاجتْ فرجّعتَ. . . . . . . .حنيناً فأبكَى شَجْوُها البَرْكَ أجْمعا

وقال خداش بن زهير:

أتفرح أن يُهدى لك البَرْكُ مُصْلَحاً. . . . . . . .وتكره أن تُجْبَى عَليك العظائمُ

ويقال ألقى بركه، وألقى بعاعه، وألقى أرواقه، وحل نظاقه، إذا ثبت.والتقدير: ومر الماء على القنان.وعلى صلة مر، وكذلك من، وانزل نسق على مر، والعصم منصوبة به، ومن صلة انزل.ومعنى قوله ( من كل منزل ) من كل مكان تنزل منه العصم

( وتَيْمَاءَ لَمْ يَتْرُكْ بِها جِذْعَ نَخْلةِ. . . . . . . .وَلا أُجُماً إِلاَّ مَشِيداً بجَنْدَلِ )

الأجم والآجام: البيوت المسقفة.ويروى: ( ولا أطُما )، ويقال هي رواية الأصمعي.والأطم والآطام مثل الأجم والآجام.يقول: لم يدع أطما إلا كان مشيدا بجص وصخر، فإنه سليم.والشيد: الجص.قال عدي بن زيد:

شادَه مَرمراً وجَلَّلَه كَل

ساً فللطَّيرِ في ذُراهُ وكورُ

وقال قيس بن الخطيم:

زجَرنا النًّخل والآجامَ حَتى. . . . . . . .إذا هي لم تشيِّعنا لزَجْرِ

هَمَمْنا بالإقامةِ ثمَّ سِرنْا. . . . . . . .كسَيرِ حُذيفةَ الخيرِ بن بدر

يقول: جهدنا بالنخل والآجام - يعنى البيوت المسقفة - أن تسير معنا، فلم تفعل فهممنا بالإقامة.وتيماء من أمهات القرى، قرى عربية.يقول: ذهب السيل بكل البيوت المسطحة إلا هذا البيت المشيد بالحجارة والجص.وموضع تيماء خفض على النسق على القنان.ومعنى ( لم يترك ) لم يترك الماء بها جذع نخلة.والاجم منسوقة على الجذع، والمشيد منصوب على الحال من الاجم أو على خبر الترك، والاختيار أن ينصب بالرد على الاجم، كما تقول: لم أضرب أحدا إلا زيدا.والباء صلة مشيد.

( كأَنَّ ثَبيراً في عَرَانينِ وَبْلِهِ. . . . . . . .كَبيرُ أُناسٍ في بِجادٍ مُزَمَّلِ )

عرانينه: أوائله.وثبير: جبل بمكة.والوبل واحده وابل، والوابل: المطر العظيم.قال الله عز وجل: ( فإنْ لَمْ يُصِبْها وَابِلٌ فَطَلٌّ ).وقال نصيب في الجمع:

سقى تلك المقابرَ ربُّ موسى. . . . . . . .سِجالَ المُزْنِ وبْلاً ثم وَبْلا

المزن: السحاب.والوبل: العظيم من المطر الشديد الوقع.يقال وبلت السماء تبل وبلا، وأرض موبولة.ورواها الأصمعي: ( كأن أبانا في أفانينِ ودقه ).وقال: هما أبانان: جبل أبيض: وجبل أسود، وهما لبني عبد مناف بن دارم.وأفانين: ضروب.والودق: المطر.قال الله عز وجل: ( فَتَرى الوَدْقَ يَخْرُجُ مِن خِلالهِ ).وقال الأعشى:

فلا مُزنةٌ ودَقَتْ وَدْقَها. . . . . . . .ولا أرضَ أبقَلَ إبقالَها

والبجاد: كساء من أكسية الأعراب من وبر الإبل وصوف الغنم مخططة ؛ والجمع بجد.ومزمل: ملتف.يقول: قد ألبس الوبل أبانا، فكأنه مما ألبسه من المطر وغشاه، كبير أناس مزمل ؛ لأن الكبير أبدا متدثر.وقال أبو نصر: إنما شبه الجبل وقد غطاه الماء والغثاء الذي أحاط به إلا رأسه، بشيخ في كساء مخطط ؛ وذلك أن رأس الجبل يضرب إلى السواد والماء حوله أبيض.وثبير اسم كأن، وفي حال لثبير، أي كأن ثبيرا وهذه حاله كبير أناس.فالكبير خبر كأن، والمزمل نعت الكبير في المعنى، أجراه على أعراب البجاد للمجاورة، كما تقول العرب: هذا جحر ضب خرب، يخفضون خربا على المجاورة للضب وهو في المعنى نعت للجحر.أنشدنا أبو شعيب الحراني قال: أنشدنا سلمة:

كأنَّ نَسْجَ العنكبوتِ المُرْمَلِ

خفض المرمل على الجوار للعنكبوت، وهو في المعنى نعت للنسج.وأنشد الفراء:

كأنَّما ضَرَبتْ قُدَّامَ أعُينِها. . . . . . . .قُطناً بمستحصدِ الأوتار مَحلوجِ

فخفض محلوجا على الجوار للمستحصد، وهو في المعنى نعت للقطن.

( كأَنَّ ذُرَى رأْسِ المجَيمِرِ غُدْوةً. . . . . . . .مِنَ السَّيل والغُثَّاءِ فُلْكَةُ مِغزَلِ )

وقال ابن حبيب: الرواية ( وكأن قليعة المجيمر ) وكذلك ما بعده إلى آخرها، وبجعله مخزوما: وكأنَّ وكأنَّ.ورواه الأصمعي: ( وكأن طمية المجيمر غدوة ).والمجيمر: أرض لبني فزارة.وطمية: جبل في بلادهم.فيقول: قد امتلأ المجيمر فكأن الجبل في الماء فلكة مغزل لما جمع السيل حوله من الغثاء.وفي المغزل ثلاث لغات: المُغْزل والمِغَزل والمَغَزل.واكثر ما يقولون المَغزل بالفتح في الغزل.وبنو تميم يقولون مُغزل بالضم.ومعنى البيت إنه شبه قليعة المجيمر وقد علاها الماء والغشاء فما يستبين إلا رأسها، بفلكة.و ( قليعة ): تصغير قلعة.و ( الغثاء ): حميلة السيل، وهو ما يجيء فوق الماء.ورواه الفراء: ( من السيل والاغثاء ).فالأغثاء: جمع الغثاء، وهو جمع الممدود.والذرى اسم كأن، وغدوة منصوبة على الوقت، والفلكة خبر كأن.

( وأَلْقَى بَصْحراءِ الغَبيطِ بَعَاعَهُ. . . . . . . .نُزُولَ اليَمَانِي ذِي العيابِ المحَمَّلِ )

وروى الأصمعي:

كصَرْع اليَمَانِي ذي العيابِ المخوَّلِ

صحراء الغبيط: الحزن، وهي أرض بني يربوع.وقال: الغبيط: نجفة يرتفع طرفاها ويطمئن وسطها، وهي كغبيط القتب.وبعاعه: ثقله.يقال: ألقى فلان عليه بعاعه، أي ثقله وما معه من المتاع، فضربه مثلا للسحاب، أي: أرسل ماءه وثقله كهذا التاجر اليماني حين ألقى متاعه في الأرض ونشر ثيابه، فكان بعضها احمر، وبعضها اصفر، وبعضها اخضر.ويقول: كذلك ما أخرج المطر من النبات والزهر، ألوانه مختلفة كاختلاف ألوان الثياب اليمانية.يقول: فألقى بصحراء الغبيط معظمه.ومن رواه: ( كصرع اليماني )، أراد كما يطرح اليماني ذو العياب الذي معه الخول، ما معه إذا نزل بمكان.ومثله قوله:

كأنَّ ثِقال المُزْن بين تُضارِع. . . . . . . .وشابةَ بَركٌ من جُذَامَ لبيجُ

أي ضرب بنفسه الأرض.يقال قد لبج به الأرض.ولم يرد أرض بني يربوع خاصة، أراد الغبيط من الأرض.وكل أرض منخفضة فهي غبيط.وروى خالد بن كلثوم وهشام والأصمعي وأبو عبيدة والأخفش: ( المحمل ) بفتح الميم، وروى ابن حبيب: ( المحمل ) بكسر الميم، وهو الذي قد حمل عيابه، جمع عيبة.ويقال: ألقى عليه بركه، وبعاعه، وأوقه، وأرواقه، وجراميزه، وعبالته، وأعباءه، أي ثقله ونفسه.قال الشاعر:

عزَّ على عمكِ أن تُؤرَّقي. . . . . . . .وأن تبيتي ليلةً لم تُغْبَقِي

أي يحمل عليك ما لا تقوين عليه.وألقى فعل للسحاب.المعنى: وألقى السحاب بصحراء الغبيط بعاعه.والنزول منصوب على التفسير والجزاء، والتقدير مثل نزول اليماني.وذي العياب المحمل نعتان لليماني.ويروى: ( كصوع اليماني ) أي كطرحه الذي معه إذا نزل بمكان.وقال بعضهم الصوع: الخطوط.يقال صاع يصوع.

( كأَنَّ مَكَاكيَّ الجِوَاءِ غُدَيَّةً. . . . . . . .صُبِحْنَ سُلافاً مِنْ رَحيقٍ مُفَلفَلِ )

المكاكي: جمع مكاء، وهو طائر.قال الشاعر:

مُكاؤُها غَرِدٌ يُجي

بُ الصَّوتَ من ورشَانِها

والجواء: البطن من الأرض العظيم، وقد يكون الجواء جمعا واحده جو.وقال أبو عمرو: الجواء ما اتسع من الأرض، وقد يكون موضعا.قال زهير:

عفا من آل فاطمةَ الجِواءُ. . . . . . . .فيَمْنٌ فالقَوادم فالحسِاءُ

و ( صبحن ) من الصبوح، وهو شرب الغداة.و ( السلاف ): أول ما يعصر من الخمر.و ( الرحيق ): الخمر.قال أمية بن أبي الصلت:

تُصْفَقُ الرَّاحُ والرَّحيقُ علَيهمْ. . . . . . . .في دِنانٍ مَصفوفة وقِلالِ

وأباريقَ تَنْغِرُ الخمرُ فيها. . . . . . . .ورحيقٍ من الفُرات الزُّلالِ

وقال الله عز وجل، وهو أصدق قيل: ( يُسقَوْنَ مِنْ رَحيق مَختوم )، وقال أبو عبيد: الرحيق صفوة الخمر، وانشد:

نَدامَى للمُلوكِ إذا لقُوهُمْ. . . . . . . .حُبُوا وسُقُوا بكأسِهم الرَّحيقِ

و ( المفلفل ): الذي قد ألقيت فيه توابله.فأراد أن المكاكي تغرد كأنها سكارى من الخمر.وقال ابن حبيب: مفلفل، معناه يحذي اللسان ؛ وذلك أن المكاء لما رأى الخصب والمطر فرح وصوَّت كأنه شارب مغن.ويقال: أن المكاء لا يغرد إلا في الخصب.قال الأعشى:

ببابلَ لم تُعصَرْ فسالَتْ سُلافَةً. . . . . . . .تُخالِطُ قِنديداً ومِسْكاً مُختَّما

القنديد: طبيخ العنب يطيب بالأفواه.ومفلفل: كأنه فيه الفلفل.والمكاكي اسم كأن، وغدية نصب على الوقت، وخبر كأن ما عاد من صبحن والذي في صبحن اسم ما لم يسم فاعله، وسلافا منصوب بوقوع صبحن عليه.

( كأَنَّ السِّباعَ فِيِه غَرْقَى عَشِيَّةً. . . . . . . .بأَرْجائِهِ القُصْوى أَنابيشُ عُنصَلِ )

ويروى: ( كأن السباع فيه غرقى غدية ).يقول: حين اصبح الناس ورأوها فكأنها تلك الأنابيش من العنصل.و ( والأنابيش ): جماعات من العنصل يجمعها الصبيان.ويقال: الأنابيش: العروق، انما سميت أنابيش لأنها تنبش، أي تخرج من تحت الأرض، ومنه سمى النباش.ويقال نبشه بالنبل، أي غرزه فيه.وقال أبو عبيدة: الأنابيش الغثاء وما تجمع.وقال أيضا: والأنابيش واحد.والعنصُل والعُنصَل بالضم والفتح: بصل بري يعمل منه خل عنصلان، وهو شديد الحموضة لا يقدر على أكله.ومثل عنصُل وعنصَل قولهم: إنه للئيم العنصُر والعنصَر، وهو دخلُله ودخلَله، ورجل تعدُد تعدَد، إذا كان قليل الآباء إلى الجد الأكبر.وقال أبو عبيدة: شبه السباع الغرقى بما نبش من العنصل.و ( الأرجاء ) النواحي والجوانب، واحدها رجا مقصور، وتثنيته رجوان.قال الله عز وجل: ( والمَلَكُ على أرجائها )، وقال معن بن أوس:

أخُو شَتَوات ما تَزالُ قُدورُهُ. . . . . . . .يُحَلُّ على أرجائها ثم يُرحَل

وقال خِداشُ بن زُهَير في الواحد:

فأوردَها والنَّجمُ قد شال طالعاً. . . . . . . .رَجَا منهلٍ لا يُخْلفُ الماءَ حائرُهْ

وأنشد أبو عبيدة في التثنية:

وما أنا بابنِ العم يُجعَلُ دُونَه ال. . . . . . . .نَّجِىُّ ولا يُرمَى به الرَّجوَانِ

والسباع اسم كأنّ، وغرقى منصوب على الحال من السباع، وأنابيشُ خبر كأنّ.تمت قصيدة امرئ القيسبغريبها، وهي اثنان وثمانون بيتاالحمد لله على الإتمام، والصلاة على محمد سيد الأنام، وعلى آله الكرام، وأصحابه العظام.^

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي